اخر الروايات

رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن والعشرين 28 بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن والعشرين 28 بقلم رحاب حلمي


28= ج1=
الحلقة الثامنة والعشرون

*طرف ثالث*

كانت هدى تجهش باالبكاء وهي تجلس في قاعة الجلوس بفيللا عبدالرءوف الكامل على الأريكة بجوار مريم وتضع رأسها في حضنها ومريم تعمل على طمأنتها وتربت على كتفيها ورأسها وهي تلقي على سمعها بعض الكلمات المواسية على مرأى من ماهر الذي جلس على كرسي آخر بالقرب منهما وهو يتابع المشهد الذي أمامه بعيون جامدة ويبدو عليه السخط الشديد: اهدى يا هدى أرجوكي. خلاص يا حبيبتي كل حاجة انتهت وانتي دلوقتي في أمان وسطينا, انا مش عارفة بس ايه اللي كان وداكي عنده؟ كان فين عقلك وقتها؟
فقالت هدى وهي تبتعد قليلا عن حضن مريم وتقول وقد اختنق صوتها من البكاء: والله يا مريم ما كنت اعرف, والله ماكنت اعرف انه كدة, هو قالي انه عاوز يفرجني على شقته عشان اشوف اللي مش عاجبني فيها ويغيره عشان دي الشقة اللي هنتجوز فيها.
وبنظرة سريعة ناحية ماهر أدركت أنه يحاول بقدر استطاعته أن يحافظ هدوئه حيث قد ضاعفت كلمات هدى من غضبه و أحتضنت مريم بكفيها وجه هدى وهي تقول لها برقة: خلاص يا حبيبتي, دي كانت تجربة وعدت ولازم تنسيها.
فقالت هدى وقد ازداد نحيبها: انساها ازاي؟ انساها ازاي يا مريم؟ ودي حاجة تتنسي؟
هدى مؤكدة: هتتنسي يا هدى, صدقيني هتتنسي.
وفجأة سمعا جرس الباب بالفيللا وما هي الا لحظات قلائل حتى دخل كل من يوسف و وليد وحياة القاعة كالعاصفة وعلى الفور ألموا بالمشهد أمامهما وكان يوسف أول من تحدث وهو لم يفت عليه رؤيته لهدى وهي تكفكف دموعها سريعا وتلك العينين الحمراوين من شدة البكاء فسأل وقد اكتست نبرته بلهجة غاضبة: انا عاوز أعرف ايه اللي بيحصل هنا بالظبط؟
كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها مريم بعد انفصالهما فشعرت بأنها لن تحتمل هذا الموقف وأنها لن تقوى على الكلام, ومع ذلك هي التي تولت الرد على سؤاله بكل ما تستطيع من هدوء: مفيش حاجة بتحصل, كل المسألة اني وحشت هدى فجات عشان تزورني واتأخرت شوية ونسيت انها تتصل بيكم فلما قالتلي اتصلت بحياة عشان ابلغها.
بالطبع لم يقتنع يوسف بكلامها فهو يعلم بأن ابنة عمته لم تكن في يوم من الأيام على وفاق مع زوجته, كما أن دموعها تلك قد جعلته يشعر وكأنها تعرضت لكارثة ما, فهو يعلم تمام العلم أن هدى قلما تبكي, لذلك كان سؤاله التالي لهدى: بتعيطي ليه يا هدى؟ ايه اللي حصل؟
بالطبع لم تجد هدى الرد المناسب على سؤاله فأخذت تنظر الى مريم في قلق تطلب منها العون وقد حدث. فقالت مريم على الفور وهي تختلق كذبة جديدة: اصل حصل مشكلة في الكلية بينها وبين دكتور عشان كدة هي خايفة من انه ممكن يستقصدها ودي اول سنة ليها.
يوسف بشك: واسمه ايه الدكتور دة وانا هروحله واحل معاه الموضوع؟
بدت مريم في ذلك الوقت وكأنها لم تبرع في شيء الا الكذب حيث استمرت في اختلاق كذبة جديدة: وعلى ايه تعطل نفسك يعني؟ الموضوع مش مستاهل, انا وحياة هنروح معاها بكرة ان شاء الله وهنكلمه واهي حياة تعرفه لانه كان بيديها.
ثم قالت لتنتقل الى أمر آخر منهية هذا الموضوع الذي وان استمر أكثر من ذلك فلن تستطيع أن تتنبأ بنتائجه, وقد وقفت سريعا مبتسمة وهي تحاول أن تقوم بدور المضيفة: اتفضلوا اقعدوا, انتو واقفين ليه؟
وبعد أن جلس يوسف بالقرب من هدى وهو يرمقها بنظرات مليئة بالشكل وعقله يرفض تصديق كل ما قالته مريم, وهدى تحاول ان تتهرب من نظراته وهي تخفض عينيها, وقد احتل وليد كرسي آخر أما حياة فظلت واقفة بجوار مريم التي قالت: سوري لأن جدو وعمتو نايمين, قولولي بقا تحبو تشربوا ايه.
لم يشعر يوسف بأنه في حاجة لتناول أي شيء ولكن رغبته في المكوث بقربها أطول فترة ممكنه جعله يقترح بالنيابة عن الجميع: ياريت قهوة.
مريم: اوك, هروح أعملها.
ولكن قد أشارت لها حياة وهي تمنعها من مغادرة المكان: خليكي انتي يا مريم, انا هروح اعمل القهوة بنفسي.
فهمت مريم من نظرات صديقتها بأنها تريد مغادرة المكان وقد تأكدت من ذلك حين لمحت نظرتها المريبة الى ماهر والذي قد فهمها جيدا, وبعد أن خرجت حياة, نهض ماهر وهو يقول معتذرا: طب انا اسف يا جماعة لاني مضطر اني امشي دلوقت.
ثم أكمل مازحا: معلش بقا الواحد خلاص بقا متعود ع الالتزام انام بدري واصحى بدري, سلام عليكم.
فردوا عليه السلام , ورحل فجلست مريم مكانه وهي تتجنب نظرات يوسف اليها ليس لقلقها كما كان الحال مع هدى, بل لأنها كانت تشعر بانقباض في قلبها كلما وقع نظرها عليه فهي لا تريد أن تحبه ولا تستطيع أن تكرهه,
خرج ماهر من الفيللا ليجد حياة في انتظاره بالحديقة, ولم تنتظر حين يصل اليها بل أسرعت هي اليه وقد لمح السؤال في عينيها القلقة قبل أن تتفوه به: طمني يا استاذ ماهر, هدى جرالها ايه؟
فظهرت شبح ابتسامة على ثغره أدخلت الطمأنينة على قلبها وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, هدى بخير, تقدري تقولي اني لحقتها, فجبتها هنا ومريم فوقتها.
ولكن لم تكتف حياة بهذا الرد فأرادت مزيدا من التفاصيل: يعني هي فعلا كانت عنده في شقته؟
ماهر: ايوة, انا لقيتها في الصالون كانت تقريبا مغمى عليها.
حياة بخضة: وانت ايه عرفك انه ما لمسهاش؟
ماهر: اولا لاني عارف عماد كويس, يعني اقدر اعرف هو بيفكر في ايه حتى قبل ما يقوله لانه كان صاحبي من زمان وتقريبا كنت زيه, دة غير ان اي انسان مهما كان ما يقدرش يكدب وهو على وشك الموت.
حياة: ايه؟ انت قتلته؟
فقال ماهر بنبرة حانقة: كنت على وشك اني اعمل كدة, وكنت فعلا ناوي أقتله لو عرفت انه لمس شعرة واحدة منها.
حياة وقد ارتاحت كثيرا لكلامه: الحمد لله.
ثم قفز سؤالا الى ذهنها فلم تستطع أن تتركه يذهب قبل أن تسمع رده عليه: استاذ ماهر تسمحلي أسألك سؤال؟
ومع أنها كانت مترددة بعض الشيء في طرح هذا السؤال الا أن ابتسامته المشجعة قد محت أي تردد كان يخامرها وكذلك موافقته السريعة ذات النبرة الدافئة: تحت أمرك.
حياة: انا من فترة لاحظت اهتمامك بهدى وحسيت ان مشاعرك بدأت تتحرك ناحيتها, فيا ترى اللي حصل دة غير أي حاجة؟
صمت ماهر قليلا فاستنتجت حياة الرد ولكنها فوجئت بقوله: شوفي يا مدام حياة, انا مش هقدر أقولك ان اللي حصل دة ما كنش ليه أي تأثير عليا واني مش هلوم هدى لأنها فعلا تستحق اللوم. بس دة مش معناه اني أحط كل الذنب عليها. لأني زي ما قولتلك انا عارف عماد كويس وعارف كل ألاعيبه, واذا كان هو بيقدر يغوي ستات اكتر خبرة فما بالك بقا بواحدة زي هدى لسة ما تعرفش حاجة في الدنيا؟
انشرحت أساريرها من كلامه و أرادت أن تطمئن أكثر فسألته: طب معلش, سؤال تاني واعذرني على تطفلي, يعني ممكن تتقدملها دلوقت؟
ماهر على غير توقع منها وبصوت قاطع: لا.
فساد الحزن وجهها وهي تقول في نفسها بأن الرجال كلهم يفكرون بنفس الطريقة, ولكنها فوجئت به يقول: مش هينفع الا لو اتأكدت انها بتبادلني نفس الشعور ودة مش ممكن يحصل دلوقت وخصوصا بعد التجربة اللي مرت بيها النهاردة واللي صعب انها تنساها بسهولة, يا مدام حياة انا لو اتقدمتلها دلوقت ممكن توافق صحيح بس مش علشان هي عاوزاني , لا دة هيكون لأنها عاوزة تنسى بيا اللي حصلها وانا مش ممكن أقبل بكدة.
فهزت حياة رأسها في تفهم وقد كبر ماهر في نظرها أكثر بعد موقفه الشهم تجاه هدى كما أنه لم يستغل الفرصة ليجبرها على الارتباط به كما يمكن أن يفعل أي شخص في مكانه أو كما فعل وليد معها هي من قبل.
لاحظ وليد شرودها وكان يريد أن ينصرف في حينه دون أن يقطع عليها تفكيرها ولكن غلبه فضوله فسألها: مدام حياة, تسمحيلي أنا بقا اسألك سؤال؟ هو انتي ليه ما حاولتيش تبلغي وليد أو يوسف بكل اللي تعرفيه عن علاقة ماهر بهدى؟ يعني أعتقد ان دة كان أفضل و أسرع من كل اللفة دي؟
كان هذا أكثر سؤال تخشاه حياة ولكنها كانت قد أعدت له الاجابة المناسبة مسبقا حيث كانت تتوقعه, فأجابت: انت أكيد عارف يوسف ووليد كويس وأد ايه هما عصبيين جدا وحاجة زي دي عمرهم ما كانوا هيسكتوا عليها, واذا كنت انت قدرت تمسك نفسك في الموقف دة فمفتكرش انهم كانوا هيقدروا وكان لازم هتحصل جريمة عشان كدة أول ما شكيت ان احتمال هدى تكون مع عماد النهاردة اول انسان خطر على بالي اني اطلب مساعدته كنت انت لانك الوحيد اللي على علم بالموضوع دة وانت بردو اللي ممكن تعرف مكان عماد وتتصرف بشكل مش ممكن يأذي حد فاتصلت بمريم عشان اخد رقمك منها والحمد لله انك كنت في الوقت دة معاها.
ثم انتبهت فجأة الى أنها قد قضت معه الكثير من الوقت وربما يقلق عليها أحد في الداخل لذا اعتذرت وهي على عجلة من أمرها: ع العموم انا متشكرة جدا ليك ع اللي عملته مع هدى واللي بيثبت انت أد ايه فعلا انسان شهم, بس عن اذنك بقا عشان زمانهم قلقوا عليا جوة.
ماهر: اتفضلي.
واتبعها بعينيه وهي تدخل الفيللا, اما هو فانصرف خارجا بخطى ثابتة واثقة لم يبدأ يشعر بها الا منذ فترة قصيرة عندما أصبح يعتمد على نفسه في كل أموره وأصبح للحياة طعم آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

كان كل من يوسف ووليد وحياة ومريم يتناولون قهوتهم في صمت يتبادلون النظرات ذات المعاني المختلفة, وبعد ان انتقل وليد بنظره بين يوسف الذي لم يرفع عينه عن زوجته ومريم التي قررت أن تغض الطرف عن ذلك,قرر أن يقطع هو الصمت وقد وجد موضوعا مناسبا للحديث فسألها: قوليلي بقا يا مريم انتي عاملة ايه في مشروعك؟ سمعت ان الافتتاح هيبقا قريب ان شاء الله.
لا تعلم لم شعرت بالتوتر عندما نظرت إلى يوسف؟ ولكنها أعرضت بوجهها عنه سريعا وأجابت وليد وقد نجحت في رسم ابتسامة واسعة على شفتيها كانت هي نفسها في أمس الحاجة إليها لتعطيها مزيدا من الثقة: ان شاء الله بعد أسبوعين بالكتير.
وليد: بالتوفيق ان شاء الله, واحنا بقا معزومين على حفل الافتتاح ولا ما عملتيش حسابنا؟
مريم: والله يا وليد انا ما كنتش عاوزة أعمل حفلة لانها هتكلفنا كتير أصلا بس ماهر أصر وقال انها نوع من الدعاية لازم تتم وطبعا انتو مش محتاجين عزومة.
وليد مازحا وهو يغمز ليوسف: الله الله يا عم يوسف, مراتك طلعت سيدة أعمال اقتصادية من الدرجة الأولى هنيالك يا عم.
لم يعلم أنه بمزاحه ذلك قد ضغط على الجرح وجعله ينزف من جديد, ولكن هل كان قد اندمل بالفعل؟! ونظر إلى زوجته ليجد حياة تنظر إليه وهي تضغط على شفتيها وكأنها تحذره من التمادي في هذا الأمر, ولكن قرر وليد أن يضرب بكل تحذيراتها عرض الحائط, فهو يشفق على حال أخيه منذ أن تركته زوجته دون سبب معلن, انه بالطبع لا يريد أن يتدخل في حياتهما الشخصية ولكن كان من وجهة نظره أنه مهما كانت هناك مشاكل بين الرجل وزوجته فلا يجب عليهما مطلقا التفكير في الانفصال إلا إذا استحالت المعيشة بينهما بالفعل ومما يراه أمام عينيه قد أكد له أن كل منهما لايزال يكن للآخر مشاعر خاصة فاستمر يقول وهو يتعمد تجاهل علامات الاستهجان على وجهيهما: وانتي بقا يا مريم ناوية ترجعي بيتك امتى ولا عجبتك العيشة في بيت جدك خلاص؟ وبصراحة بقا انا كمان عاوز ارجع بيتي انا ومراتي. وطبعا دة مش هينفع يحصل بوجود هدى لوحدها, واللي هيقدر يحللنا المشكة دي هي رجوعك تاني يامريم.
عجزت مريم عن الكلام واكتفت بنظرات السخط البادية على وجهها والتي خصت بها يوسف الذي انتفض فجأة من الغضب ونهض يقول في عجل ناظرا إلى ساعة يده: طيب ياللا بينا بقا يا جماعة, انا شايف اننا اتأخرنا اكتر من اللازم, ولازم نسيب مريم ترتاح بعد الازعاج اللي احنا سببناهولها دة.
ثم وجه حديثه الى مريم معتذرا: احنا اسفين جدا يا مريم, وكمان متشكرين ع اللي عملتيه مع هدى.
فنهضت مريم وهي تشعر وكأن يوسف يقصد من وراء كلامه شيئا آخر غير ما يبديه, فهي تعلم أن أكذوبة كالتي أطلقتها بسبب هدى لم تنطلي تماما على زوجها, فقالت وابتسامة باهتة تعلو شفتيها: انا ما عملتش حاجة تستوجب الشكر.
وقال يوسف موجها لكلامة الى حياة: لو سمحتي يا حياة روحي شوفي هدى فين عشان نمشي.
وعندما همت حياة بالمغادرة فأوقفها صوت مريم التي قالت في شبه رجاء: يوسف! لو سمحت ممكن هدى تقعد معايا يومين هنا؟ وصدقني انا هاخد بالي منها كويس.
أخذ يوسف يتفرس في وجهها الطفولي ببطء وهو يدرس طلبها بعقلانية مندهشا من طريقة كلامها بل وطلبها أيضا ففارق السن بينها وبين هدى لا يتعدى السنتين تقريبا ومع ذلك تطلب منه أن يترك هدى في رعايتها! هو يعلم بأن أمرا خطيرا يحدث وابنة عمته طرفا فيه, ولكنه على يقين بأن لا أحد يمكنه أن يبوح بهذا السر على الأقل في الوقت الحالي, فأبدى موافقته بفتور: مفيش مانع, واضح فعلا ان هدى محتاجة تغير جو, بس اسمحيلي اني ابقا اطمن عليها من وقت للتاني.
مريم: في أي وقت.
ثم قالت لحياة: وانتي يا حياة يا ريت تلمي شوية هدوم لهدى وتجبيهم بكرة أو لو كنتي مش فاضية فممكن تبعتيهم مع السواق.
حياة: حاضر
وتبادلت مع صديقتها نظرات ذات معان كثيرة ولكنها مليئة بعلامات الرضا والارتياح, فلقد انتهت احدى مشاكلهما على خير


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close