رواية غريبة في عالمك الفصل السابع والعشرين 27 بقلم رحاب حلمي
27= ج1=
الفصل السابع والعشرون
*بين براثن الثعلب*
كانت تلك هي إحدى المرات القلائل التي يخرج فيها عبدالرءوف الكامل عن هدوئه وهو يقول والغضب يتأجج في عينيه و يقف مستندا على عكازه: وهو احنا من امتى يا يوسف وعندنا بنات بتتطلق؟
كان يوسف يجلس أمامه في حالة من السكينة والاستسلام كما لم يره عبدالرءوف من قبل وهو يرد بصوت يسمعه بالكاد كل من عبدالرءوف و ابنته وردة التي كانت تجلس على كرسي في مواجهة يوسف حزينة على مصير ابنة أخيها من جهة ووقلقة على والدها من الانفعال الزائد الذي حذره منه الأطباء من جهة أخرى: مريم مصرة وما مش هينفع اني أجبرها انها تعيش معايا غصب عنها أكتر من كدة.
فانفعل عبدالرءوف أكثر وهو يقول: يعني ايه مصرة؟ وانت اصلا من امتى وانت بيهمك رأي حد تاني؟ جرى ايه يا يوسف؟ هو اي ست بتطلب الطلاق من جوزها بيطلقها؟ بالشكل دة ما كنش فيه أي جواز استمر لحد دلوقت.
يوسف: بس المرادي مختلفة, وصعب اوي ان مريم تتراجع عن قرارها.
عبدلرءوف بشك: ليه يعني؟ وهو حصل ايه بينكم لكل دة؟
وعندما لم يتلق أي رد من يوسف لم يصر على سؤاله بل قال وقد خرج صوته رزينا: ع العموم خلاص, وكويس انك ما اتسرعتش وطلقتها قبل ما تيجو, فسيبها قاعدة معانا شوية لحد ما تهدى وبعدين هيبقا لينا كلام تاني.
يوسف: اللي تشوفه.
ثم نهض مستعدا للرحيل: طيب عن اذنكم.
عبدالرءوف: مع السلامة
وبالفعل رحل يوسف, فنظر عبدالرءوف الى ابنته يسألها باهتمام: هي مريم لسة صاحية؟
وردة بنبرة حزينة: انا سيبتها كانت لسة صاحية ويا حبة عيني وشها بقا زي الليمونة من كتر العياط ورافضة انها تتكلم مع أي حد.
عبدالرءوف: طيب انا طالعلها.
فنهضت وردة عارضة مساعدتها: طيب تحب أطلع معاك يا بابا؟
عبدالرءوف رافضا: لا , خليكي انتي, انا عاوز اتكلم ماعها لوحدنا, ولما نشوف أخرة العناد دة ايه؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست وهي تضع وجهها بين ركبتيها وقد جفت دموعها من كثرت البكاء, كانت مريم في حجرتها القديمة بفيللا عبدالرءوف الكامل التي لم تكن تتخيل أنها ستعود إليها بتلك السرعة بعد ثلاثة شهور فقط من زواجها الذي رغم تنبؤها بفشله منذ البداية إلا أنها لم تكن تتوقع له تلك النهاية, كانت مريم تستعيد في ذاكرتها كل ما سمعته من يوسف في لقائهما الأخير وكلمة آسف التي رددها على مسامعها وقد جرحتها أكثر من أن تداويها على عكس ما كان يظن, ثم أخذت تفكر ما الذي جعله يتغير إلى هذا الحد بين ليلة وضحاها؟ وكان الجواب في كلمات علياء التي كانت قد حذرتها منه, فهل ما حدث يعني بأنها كانت على حق؟ وأن يوسف قد اعتذر منها فقط لأنه لم يرد لعلاقتهما أن تتطور إلى تلك الدرجة التي يصعب عندها الانفصال؟ هل كان هذا سبب اعتذاره لها؟
سمعت مريم طرقا على الباب فمسحت وجهها بيديها سريعا من أثر الدموع وهي تسأل: مين؟
فرد الطارق: أنا جدك يا مريم.
مريم: اتفضل يا جدو.
فدخل عبدالرءوف وأغلق الباب خلفه, ثم اقترب من حفيدته وجلس بجوارها وهو يتأمل وجهها الحزين بدقة وقلبه يتفطر من الألم بسببها, ولكنه لم يدعها تشعر بذلك فسألها وهو يبتسم: عاملة ايه دلوقت يا مريم؟ مش أحسن؟
فقالت مريم دون أن تشعر بأي تحسن فعلي بداخلها: اه, الحمد لله. خلصتوا إجراءات الطلاق؟
عبدالرءوف مشككا: انتي لسة مصرة ع الموضوع دة؟
مريم: طبعا يا جدو, انا مش هقدر أعيش يوم تاني بعد النهاردة مع البني آدم دة.
عبدالرءوف بحكمة و لطف: شوفي يا مريم, انا مش هتدخل في خصوصياتكم واسألك ايه اللي حصل؟ بس كل اللي أحب اقولهولك يا بنتي ان الطلاق دة مش حاجة سهلة كدة زي مانتي متصورة, دة بيت بحاله بيتخرب يا بنتي, وكمان انتو لسة ما كملتوش تلات شهور ويمكن تكونوا لسة معرفتوش بعض كويس واللي حصل بينكم دة أيا كان يعني يمكن يكون مجرد سوء تفاهم, عشان كدة لازم تدي نفسك فرصة توزني الامور بعقلك قبل عواطفك وأنا واثق انك هتغيري رأيك.
نظرت مريم إلى جدها وهي في حيرة من أمرها, أستخبره بما اكتشفته وسمعته من علياء الآن؟ وهل سيصدقها؟ أم أن ثقته بيوسف ستحول من أن يصدق أي كلمة سيئة عن هذا الرجل الذي يضعه في منزلة ولده؟
ثم انتبهت مجددا على صوت جدها وهو يقول: قولتي ايه يا مريم؟
لم ترد مريم أن ترى نظرة الأمل التي تملأ عينيه تتحطم فجأة بكلمة منها, ولكنها لا تستطيع أن تتعلق بمزيدا من الأوهام, أو أن تسمح لرجل كيوسف أن يخدعها مجددا, لذا خرجت كلمتها الفاصلة تقول: لا يا جدو, انا عاوزة أطلق و النهاردة مش بكرة.
بدا أن عبدالرءوف قد استنفذ كل أسلحته لاقناعها, لذلك قرر استخدام سلاحا جديدا قلما يستخدمه مع مريم, فقال لها بصوت قاطع ونبرة لا تقبل النقاش وهو ينهض من على السرير: وانا هخليه يطلقك يا مريم, بس مش دلوقت, لان لو خبر طلاقك وصل للبلد الايام دي هتبقا فضيحة احنا مش أدها.
ثم تركها دون ان يسمع منها اي كلمة اعتراض واحدة على قراره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف فيللته بوجه مهموم جعله يبدو أكبر كثيرا من عمره الحقيقي, وقد كان كل من وليد ومريم وهدى والتي كانت قد استيقظت مؤخرا بانتظاره, وفور أن رآه وليد علم بأن الأمر خطير كما توقع تماما فنهض سريعا واتجه إلى أخيه وهو يسأله باهتمام شديد: يوسف! فيه ايه؟ مالك؟ من ساعة ما اتصلت بيا وقولتلي هات مراتك وتعالى وانا قلقان وحاسس ان فيه حاجة ما تطمنش؟ هي فين مريم؟
يوسف بصوت ثابت بعيدا كل البعد عن النزاع الدائر بداخله: مريم عند جدها.
وهنا سألت حياة بصوت قلق: ليه؟ خير! هو حصل حاجة؟
وعندما لم يرد يوسف على سؤالها قررت صياغته بشكل آخر فسألت: طب هي بخير؟
فهز يوسف رأسه موافقا مما أراح حياة قليلا, وقال يوسف محدثا وليد: المهم, انا اتصلت بيكم دلوقت لأني مسافر بكرة الصبح لبنان, وطبعا مش هينفع أسيب هدى لوحدها, و أم إبراهيم بحكم السن طبعا مش هتعرف تاخد بالها منها,وانا معتمد عليكي يا حياة في الموضوع دة وتقدروا تستخدموا العربية بتاع مريم توديكم وتجيبكم سوا من الكلية.
فاندفعت هدى تقول محتجة: انا مش صغيرة ومش محتاجة حد ياخد باله مني.
فأشار إليها يوسف بإصبعه محذرا وعينيه تنذر بالخطر وهو يقول مشددا على كل كلمة: اللي أنا قولته هيتنفذ بالحرف الواحد, ومش عاوز أي كلمة زيادة, واتفضلي ياللا روحي اطلعي اوضتك.
وعندها رأى أنها لم تحرك ساكنا ارتفع صوته قليلا وهو يقول: حالا.
وتنفيذا لأمره صعدت هدى الدرج دون أن تتفوه بأي كلمة, وأشار وليد بعينيه إلى زوجته ففهمت الاشارة وقالت لهما قبل أن تحذو حذو هدى: تصبحوا على خير.
وظل وليد ويوسف وحدهما بالمكان, فقال وليد بعد أن تأكد من خلو المكان تماما ومن أنه ليس بمقدور أحد سماعهما: أدينا بقينا لوحدينا يا سيدي, قولي بقا, زعلت مراتك ليه؟
فقال يوسف وهو يلقي بنفسه على أقرب كرسي له: تقدر تقول كدة اني حسيت اني ما استاهلهاش.
وليد ساخرا: ياراجل! انت جاي تقول كدة دلوقت!
يوسف: تقول ايه بقا؟ اهو اللي حصل.
شعر وليد بحجم المرارة التي يتحدث به أخيه فقال وهو يجلس على كرسي آخر بالقرب من يوسف وهو يدقق النظر إلى عينيه: بس انت بتحبها بجد يا صاحبي ودة يخليك جدير بيها.
يوسف بألم: مش كفاية, انا ليا حياتي ومريم ليها حياة تانية مختلفة تماما عني. عاملين بالظبط زي الخطين المتوازيين اللي عمرهم ما هيتقابلوا.
وليد: بس دة في الهندسة يا صاحبي, لكن الحياة ليها حسابات تانية, يعني ببعض التنازلات هتتقابوا بشرط انكم انتو الاتنين تكونوا عاوزين كدة.
يوسف ساخرا: طيب مانت بتعرف تنصح غيرك كويس اهو , ما بالمرة بقا تنقي لنفسك نصيحة كويسة كدة يمكن تنفع معاك وتقدر تصلح علاقتك بمراتك.
وليد: لسة يا يوسف, لسة فيه حاجز بيني وبينها لما يتشال ساعتها بقا هنقدر نعيش صح. المهم, ايه موضوع سفرك الجديد دة؟
يوسف: هو بردو كان جديد عليا, انا اصلا لسة واصلالي الأوامر النهاردة.
وليد: ع العموم يبقا خلي بالك من نفسك يا صاحبي.
يوسف: سيبها على الله, ياللا بقا اطلع اوضتك عشان تنام وتبقا فايق بكرة في الشغل يا وليد بيه.
استطاع وليد أن يتبين نبرة المرح في صوت أخيه, فرد عليه بمثلها وهو ينهض: ماشي يا يوسف بيه, تصبح على خير.
يوسف: وانت من أهله.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة قد أبدلت ثيابها ببيجاما تخص وليد حيث لم تكن قد أحضرت ثيابا لها, فهي لم تأت اليوم بغرض المبيت,وبما أن تلك البيجاما كانت تبدو طويلة عليها فقامت بثني رجليها وكذلك الكمين أما بالنسبة لاتساعها فلم تجد أي وسيلة لتداريه, وقفت حياة في الحجرة تتأملها بعناية ودقة حيث كانت المرة الأولى لها التي تدخلها بل قد شارت إليها مريم في إحدى زياراتها القليلة للفيلا ولكن لم تحاول أن تدخلها من قبل, فكانت غرفة واسعة تشمل خزانة ثياب كبيرة وكذلك تسريحة عريضة وكرسيين وأريكة مريحة وباب صغير يؤدي إلى حجرة حمام خاصة بها, ثم اتجهت عيناها إلى ذلك السرير العريض الذي يتسع لأكثر من شخص وبالرغم من ذلك الاتساع إلا أنه لا يزال سريرا واحدا وحياتها مع وليد حتى الأن لا تسمح لهما بمشاركة نفس السرير, ثم أخذت تفكر في الكيفية التي سيكون عليه وضعهما في ذلك المكان وهل حان الوقت الذي سيذوب فيه أخيرا الجليد الذي بينهما؟
: انا هنام ع الكنبة.
كان ذلك صوت وليد الذي وقف بجسمه الطويل يسد الباب تقريبا, ويلوي شفتيه باسما بسخرية وكان كمن يقرأ أفكارها فشعرت حياة بالخجل جعلها تخفض عينيها هربا من نظراته العابثة, وأدارت وجهها وهي تحاول أن تجمع ثيابها التي كانت قد وضعتها على الأريكة قبل أن تعلم أنه قرر أن ينام عليها, ولم تشعر باقترابه منها إلا عندما أمسك بيدها وأدارها لمواجهته وهو يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بنظرات مبهمة, ولأنها كانت تعلم يقينا بأنها تشبه الطفل الذي يرتدي ثياب أخيه الكبير في تلك البيجاما ففسرت نظراته على أنها سخرية من نوع آخر, فقالت مدافعة عن نفسها: ما كنتش عاملة حسابي في أي هدوم, فدورت في دولابك وما لقيتش حاجة تنفعلي غير البيجاما دي؟
وعندما لم تتلق منه أي تعليق, قالت معتذرة: انا اسفة لاني أخدتها من غير ما استأذنك.
لماذا لم ينتهز الفرصة ويلقي بإحدى تعليقاته اللاذعة أو الساخرة كعادته؟ إذن فهو لا يسخر منها كما كانت تعتقد, ولكم ما معنى نظرته تلك؟
وفجأة امتدت يده لتبعد خصلة صغيرة من شعرها ويضعها خلف أذنها, فاتسعت عيناها بشدة مندهشة لحركته التي خدرت أطرافها وهي تنظر إليه في ترقب, فوجدته يقترب منها أكثر وبينما وهو يضع يديه حول كتفيه وكأنه على وشك احتضانها رن هاتفه.
فأنزل يده بغضب ووضعها في جيب سترته لإخراج جواله وكأنه يريد تهشيمه ثم نظر إلى شاشته ليتعرف على شخصية المتصل الذي من حسن حظه أنه يتصل هاتفيا حيث لم يكن في استطاعة وليد ايذاؤه , ثم فتح المكالمة ووضع الهاتف على أذنيه وهو يقول: أيوة يا أستاذ عماد.
وعندما سمعت حياة الاسم ابتعدت عنه لتخفي ارتباكها, وتلتقط ثيابها من جديد التي كانت قد سقطت على الأرض لتضعها على الكرسي بينما سمعته يقول: لا أبدا مفيش ازعاج ولا حاجة......
ثم صمت للحظات ليستمع إلى عماد الذي يحادثه, وأخيرا قال قبل أن ينهي المكالمة: لا خلاص, انا بكرة ان شاء الله هكون في الموقع وأشوف اللي بيحصل.......تمام, مع السلامة
ألقى وليد بالهاتف على الأريكة بلا اهتمام وقال لها بجفاف: أنا هدخل الحمام أغير هدومي, وياريت قبل ما تنامي تحطيلي مخدة وغطا على الكنبة.
ثم توجه إلى الخزانة ليخرج منها ما سيرتديه للنوم وبعدها توجه إلى الحمام دون أن يتفوه بأي كلمة أخرى تاركا حياة تقف مشدوهة من تغير موقفه المفاجىء تجاهها وكأن الجليد الذي ظنت بأنه قد ذاب أخيرا قد عاد مجددا ليبني حاجز أخر بينهما, فبالفعل لقد احتارت حياة في أمره. فهل هو ذلك الشخص المليء بالحنان والمشاعر التي قد رأتها منذ قليل أم أنه ذلك الرجل الجليدي الذي يعاملها بجفاف وسخرية ورغم ذلك لا تستطيع أن تكرهه.
الفصل السابع والعشرون
*بين براثن الثعلب*
كانت تلك هي إحدى المرات القلائل التي يخرج فيها عبدالرءوف الكامل عن هدوئه وهو يقول والغضب يتأجج في عينيه و يقف مستندا على عكازه: وهو احنا من امتى يا يوسف وعندنا بنات بتتطلق؟
كان يوسف يجلس أمامه في حالة من السكينة والاستسلام كما لم يره عبدالرءوف من قبل وهو يرد بصوت يسمعه بالكاد كل من عبدالرءوف و ابنته وردة التي كانت تجلس على كرسي في مواجهة يوسف حزينة على مصير ابنة أخيها من جهة ووقلقة على والدها من الانفعال الزائد الذي حذره منه الأطباء من جهة أخرى: مريم مصرة وما مش هينفع اني أجبرها انها تعيش معايا غصب عنها أكتر من كدة.
فانفعل عبدالرءوف أكثر وهو يقول: يعني ايه مصرة؟ وانت اصلا من امتى وانت بيهمك رأي حد تاني؟ جرى ايه يا يوسف؟ هو اي ست بتطلب الطلاق من جوزها بيطلقها؟ بالشكل دة ما كنش فيه أي جواز استمر لحد دلوقت.
يوسف: بس المرادي مختلفة, وصعب اوي ان مريم تتراجع عن قرارها.
عبدلرءوف بشك: ليه يعني؟ وهو حصل ايه بينكم لكل دة؟
وعندما لم يتلق أي رد من يوسف لم يصر على سؤاله بل قال وقد خرج صوته رزينا: ع العموم خلاص, وكويس انك ما اتسرعتش وطلقتها قبل ما تيجو, فسيبها قاعدة معانا شوية لحد ما تهدى وبعدين هيبقا لينا كلام تاني.
يوسف: اللي تشوفه.
ثم نهض مستعدا للرحيل: طيب عن اذنكم.
عبدالرءوف: مع السلامة
وبالفعل رحل يوسف, فنظر عبدالرءوف الى ابنته يسألها باهتمام: هي مريم لسة صاحية؟
وردة بنبرة حزينة: انا سيبتها كانت لسة صاحية ويا حبة عيني وشها بقا زي الليمونة من كتر العياط ورافضة انها تتكلم مع أي حد.
عبدالرءوف: طيب انا طالعلها.
فنهضت وردة عارضة مساعدتها: طيب تحب أطلع معاك يا بابا؟
عبدالرءوف رافضا: لا , خليكي انتي, انا عاوز اتكلم ماعها لوحدنا, ولما نشوف أخرة العناد دة ايه؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست وهي تضع وجهها بين ركبتيها وقد جفت دموعها من كثرت البكاء, كانت مريم في حجرتها القديمة بفيللا عبدالرءوف الكامل التي لم تكن تتخيل أنها ستعود إليها بتلك السرعة بعد ثلاثة شهور فقط من زواجها الذي رغم تنبؤها بفشله منذ البداية إلا أنها لم تكن تتوقع له تلك النهاية, كانت مريم تستعيد في ذاكرتها كل ما سمعته من يوسف في لقائهما الأخير وكلمة آسف التي رددها على مسامعها وقد جرحتها أكثر من أن تداويها على عكس ما كان يظن, ثم أخذت تفكر ما الذي جعله يتغير إلى هذا الحد بين ليلة وضحاها؟ وكان الجواب في كلمات علياء التي كانت قد حذرتها منه, فهل ما حدث يعني بأنها كانت على حق؟ وأن يوسف قد اعتذر منها فقط لأنه لم يرد لعلاقتهما أن تتطور إلى تلك الدرجة التي يصعب عندها الانفصال؟ هل كان هذا سبب اعتذاره لها؟
سمعت مريم طرقا على الباب فمسحت وجهها بيديها سريعا من أثر الدموع وهي تسأل: مين؟
فرد الطارق: أنا جدك يا مريم.
مريم: اتفضل يا جدو.
فدخل عبدالرءوف وأغلق الباب خلفه, ثم اقترب من حفيدته وجلس بجوارها وهو يتأمل وجهها الحزين بدقة وقلبه يتفطر من الألم بسببها, ولكنه لم يدعها تشعر بذلك فسألها وهو يبتسم: عاملة ايه دلوقت يا مريم؟ مش أحسن؟
فقالت مريم دون أن تشعر بأي تحسن فعلي بداخلها: اه, الحمد لله. خلصتوا إجراءات الطلاق؟
عبدالرءوف مشككا: انتي لسة مصرة ع الموضوع دة؟
مريم: طبعا يا جدو, انا مش هقدر أعيش يوم تاني بعد النهاردة مع البني آدم دة.
عبدالرءوف بحكمة و لطف: شوفي يا مريم, انا مش هتدخل في خصوصياتكم واسألك ايه اللي حصل؟ بس كل اللي أحب اقولهولك يا بنتي ان الطلاق دة مش حاجة سهلة كدة زي مانتي متصورة, دة بيت بحاله بيتخرب يا بنتي, وكمان انتو لسة ما كملتوش تلات شهور ويمكن تكونوا لسة معرفتوش بعض كويس واللي حصل بينكم دة أيا كان يعني يمكن يكون مجرد سوء تفاهم, عشان كدة لازم تدي نفسك فرصة توزني الامور بعقلك قبل عواطفك وأنا واثق انك هتغيري رأيك.
نظرت مريم إلى جدها وهي في حيرة من أمرها, أستخبره بما اكتشفته وسمعته من علياء الآن؟ وهل سيصدقها؟ أم أن ثقته بيوسف ستحول من أن يصدق أي كلمة سيئة عن هذا الرجل الذي يضعه في منزلة ولده؟
ثم انتبهت مجددا على صوت جدها وهو يقول: قولتي ايه يا مريم؟
لم ترد مريم أن ترى نظرة الأمل التي تملأ عينيه تتحطم فجأة بكلمة منها, ولكنها لا تستطيع أن تتعلق بمزيدا من الأوهام, أو أن تسمح لرجل كيوسف أن يخدعها مجددا, لذا خرجت كلمتها الفاصلة تقول: لا يا جدو, انا عاوزة أطلق و النهاردة مش بكرة.
بدا أن عبدالرءوف قد استنفذ كل أسلحته لاقناعها, لذلك قرر استخدام سلاحا جديدا قلما يستخدمه مع مريم, فقال لها بصوت قاطع ونبرة لا تقبل النقاش وهو ينهض من على السرير: وانا هخليه يطلقك يا مريم, بس مش دلوقت, لان لو خبر طلاقك وصل للبلد الايام دي هتبقا فضيحة احنا مش أدها.
ثم تركها دون ان يسمع منها اي كلمة اعتراض واحدة على قراره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف فيللته بوجه مهموم جعله يبدو أكبر كثيرا من عمره الحقيقي, وقد كان كل من وليد ومريم وهدى والتي كانت قد استيقظت مؤخرا بانتظاره, وفور أن رآه وليد علم بأن الأمر خطير كما توقع تماما فنهض سريعا واتجه إلى أخيه وهو يسأله باهتمام شديد: يوسف! فيه ايه؟ مالك؟ من ساعة ما اتصلت بيا وقولتلي هات مراتك وتعالى وانا قلقان وحاسس ان فيه حاجة ما تطمنش؟ هي فين مريم؟
يوسف بصوت ثابت بعيدا كل البعد عن النزاع الدائر بداخله: مريم عند جدها.
وهنا سألت حياة بصوت قلق: ليه؟ خير! هو حصل حاجة؟
وعندما لم يرد يوسف على سؤالها قررت صياغته بشكل آخر فسألت: طب هي بخير؟
فهز يوسف رأسه موافقا مما أراح حياة قليلا, وقال يوسف محدثا وليد: المهم, انا اتصلت بيكم دلوقت لأني مسافر بكرة الصبح لبنان, وطبعا مش هينفع أسيب هدى لوحدها, و أم إبراهيم بحكم السن طبعا مش هتعرف تاخد بالها منها,وانا معتمد عليكي يا حياة في الموضوع دة وتقدروا تستخدموا العربية بتاع مريم توديكم وتجيبكم سوا من الكلية.
فاندفعت هدى تقول محتجة: انا مش صغيرة ومش محتاجة حد ياخد باله مني.
فأشار إليها يوسف بإصبعه محذرا وعينيه تنذر بالخطر وهو يقول مشددا على كل كلمة: اللي أنا قولته هيتنفذ بالحرف الواحد, ومش عاوز أي كلمة زيادة, واتفضلي ياللا روحي اطلعي اوضتك.
وعندها رأى أنها لم تحرك ساكنا ارتفع صوته قليلا وهو يقول: حالا.
وتنفيذا لأمره صعدت هدى الدرج دون أن تتفوه بأي كلمة, وأشار وليد بعينيه إلى زوجته ففهمت الاشارة وقالت لهما قبل أن تحذو حذو هدى: تصبحوا على خير.
وظل وليد ويوسف وحدهما بالمكان, فقال وليد بعد أن تأكد من خلو المكان تماما ومن أنه ليس بمقدور أحد سماعهما: أدينا بقينا لوحدينا يا سيدي, قولي بقا, زعلت مراتك ليه؟
فقال يوسف وهو يلقي بنفسه على أقرب كرسي له: تقدر تقول كدة اني حسيت اني ما استاهلهاش.
وليد ساخرا: ياراجل! انت جاي تقول كدة دلوقت!
يوسف: تقول ايه بقا؟ اهو اللي حصل.
شعر وليد بحجم المرارة التي يتحدث به أخيه فقال وهو يجلس على كرسي آخر بالقرب من يوسف وهو يدقق النظر إلى عينيه: بس انت بتحبها بجد يا صاحبي ودة يخليك جدير بيها.
يوسف بألم: مش كفاية, انا ليا حياتي ومريم ليها حياة تانية مختلفة تماما عني. عاملين بالظبط زي الخطين المتوازيين اللي عمرهم ما هيتقابلوا.
وليد: بس دة في الهندسة يا صاحبي, لكن الحياة ليها حسابات تانية, يعني ببعض التنازلات هتتقابوا بشرط انكم انتو الاتنين تكونوا عاوزين كدة.
يوسف ساخرا: طيب مانت بتعرف تنصح غيرك كويس اهو , ما بالمرة بقا تنقي لنفسك نصيحة كويسة كدة يمكن تنفع معاك وتقدر تصلح علاقتك بمراتك.
وليد: لسة يا يوسف, لسة فيه حاجز بيني وبينها لما يتشال ساعتها بقا هنقدر نعيش صح. المهم, ايه موضوع سفرك الجديد دة؟
يوسف: هو بردو كان جديد عليا, انا اصلا لسة واصلالي الأوامر النهاردة.
وليد: ع العموم يبقا خلي بالك من نفسك يا صاحبي.
يوسف: سيبها على الله, ياللا بقا اطلع اوضتك عشان تنام وتبقا فايق بكرة في الشغل يا وليد بيه.
استطاع وليد أن يتبين نبرة المرح في صوت أخيه, فرد عليه بمثلها وهو ينهض: ماشي يا يوسف بيه, تصبح على خير.
يوسف: وانت من أهله.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة قد أبدلت ثيابها ببيجاما تخص وليد حيث لم تكن قد أحضرت ثيابا لها, فهي لم تأت اليوم بغرض المبيت,وبما أن تلك البيجاما كانت تبدو طويلة عليها فقامت بثني رجليها وكذلك الكمين أما بالنسبة لاتساعها فلم تجد أي وسيلة لتداريه, وقفت حياة في الحجرة تتأملها بعناية ودقة حيث كانت المرة الأولى لها التي تدخلها بل قد شارت إليها مريم في إحدى زياراتها القليلة للفيلا ولكن لم تحاول أن تدخلها من قبل, فكانت غرفة واسعة تشمل خزانة ثياب كبيرة وكذلك تسريحة عريضة وكرسيين وأريكة مريحة وباب صغير يؤدي إلى حجرة حمام خاصة بها, ثم اتجهت عيناها إلى ذلك السرير العريض الذي يتسع لأكثر من شخص وبالرغم من ذلك الاتساع إلا أنه لا يزال سريرا واحدا وحياتها مع وليد حتى الأن لا تسمح لهما بمشاركة نفس السرير, ثم أخذت تفكر في الكيفية التي سيكون عليه وضعهما في ذلك المكان وهل حان الوقت الذي سيذوب فيه أخيرا الجليد الذي بينهما؟
: انا هنام ع الكنبة.
كان ذلك صوت وليد الذي وقف بجسمه الطويل يسد الباب تقريبا, ويلوي شفتيه باسما بسخرية وكان كمن يقرأ أفكارها فشعرت حياة بالخجل جعلها تخفض عينيها هربا من نظراته العابثة, وأدارت وجهها وهي تحاول أن تجمع ثيابها التي كانت قد وضعتها على الأريكة قبل أن تعلم أنه قرر أن ينام عليها, ولم تشعر باقترابه منها إلا عندما أمسك بيدها وأدارها لمواجهته وهو يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بنظرات مبهمة, ولأنها كانت تعلم يقينا بأنها تشبه الطفل الذي يرتدي ثياب أخيه الكبير في تلك البيجاما ففسرت نظراته على أنها سخرية من نوع آخر, فقالت مدافعة عن نفسها: ما كنتش عاملة حسابي في أي هدوم, فدورت في دولابك وما لقيتش حاجة تنفعلي غير البيجاما دي؟
وعندما لم تتلق منه أي تعليق, قالت معتذرة: انا اسفة لاني أخدتها من غير ما استأذنك.
لماذا لم ينتهز الفرصة ويلقي بإحدى تعليقاته اللاذعة أو الساخرة كعادته؟ إذن فهو لا يسخر منها كما كانت تعتقد, ولكم ما معنى نظرته تلك؟
وفجأة امتدت يده لتبعد خصلة صغيرة من شعرها ويضعها خلف أذنها, فاتسعت عيناها بشدة مندهشة لحركته التي خدرت أطرافها وهي تنظر إليه في ترقب, فوجدته يقترب منها أكثر وبينما وهو يضع يديه حول كتفيه وكأنه على وشك احتضانها رن هاتفه.
فأنزل يده بغضب ووضعها في جيب سترته لإخراج جواله وكأنه يريد تهشيمه ثم نظر إلى شاشته ليتعرف على شخصية المتصل الذي من حسن حظه أنه يتصل هاتفيا حيث لم يكن في استطاعة وليد ايذاؤه , ثم فتح المكالمة ووضع الهاتف على أذنيه وهو يقول: أيوة يا أستاذ عماد.
وعندما سمعت حياة الاسم ابتعدت عنه لتخفي ارتباكها, وتلتقط ثيابها من جديد التي كانت قد سقطت على الأرض لتضعها على الكرسي بينما سمعته يقول: لا أبدا مفيش ازعاج ولا حاجة......
ثم صمت للحظات ليستمع إلى عماد الذي يحادثه, وأخيرا قال قبل أن ينهي المكالمة: لا خلاص, انا بكرة ان شاء الله هكون في الموقع وأشوف اللي بيحصل.......تمام, مع السلامة
ألقى وليد بالهاتف على الأريكة بلا اهتمام وقال لها بجفاف: أنا هدخل الحمام أغير هدومي, وياريت قبل ما تنامي تحطيلي مخدة وغطا على الكنبة.
ثم توجه إلى الخزانة ليخرج منها ما سيرتديه للنوم وبعدها توجه إلى الحمام دون أن يتفوه بأي كلمة أخرى تاركا حياة تقف مشدوهة من تغير موقفه المفاجىء تجاهها وكأن الجليد الذي ظنت بأنه قد ذاب أخيرا قد عاد مجددا ليبني حاجز أخر بينهما, فبالفعل لقد احتارت حياة في أمره. فهل هو ذلك الشخص المليء بالحنان والمشاعر التي قد رأتها منذ قليل أم أنه ذلك الرجل الجليدي الذي يعاملها بجفاف وسخرية ورغم ذلك لا تستطيع أن تكرهه.
27= ج 2=
ونذهب مجددا إلى مشهد كثيرا ما يتكرر في شقة علياء التي كانت بصحبة عماد الذي كان يقدم لها خاتم قيم من الألماس وهو يقول: دة تقدير بسيط مني لذكائك وبراعتك.
فتناولت علياء الخاتم وهي تنظر له بلا مبارلاة وتقول لعماد: مش بطال, بس دة ما كنش اتفاقنا.
عماد: لا يا ماما, اتفاقنا دة لما يطلقوا.
علياء: انت مش بتقول ان الاخبار وصلتك انهم خلاص زعلوا من بعض ومريم راحت بيت جدها, يبقا فاضل ايه تاني؟
عماد: بردو مش كفاية, لما اسمع خبر طلاقهم بودني ساعتها بقا هعملك كل اللي انتي عاوزاه.
علياء: ماشي يا عمدة, بس يا ترى انت واثق في البنت اللي اسمها هدى دي؟
عماد: لا, دي خلاص بقت زي الخاتم في صباعي.
علياء بنظرة خبيثة: وياترى بقا آخرة الخاتم دة ايه معاك؟
فرد عماد بنفس طريقتها بالمراوغة: دة بقا يا حلوة ما يخصكيش.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت مريم لا تزال جالسة على السرير تفكر في مصيرها بعد ذلك بعد انفصالها عن يوسف المحتوم, ثم فجأة قفزت كلمات كان قد قالها يوسف نفسه في السابق حين كان يحدثها عن جدها: : هو انتي دايما كدة؟
مريم: كدة ازاي يعني؟!
يوسف: يعني دايما بتوقفي حياتك على شخص واحد, في الاول كان باباكي وبس , ودلوقت جدك وبس, دة حتى ساعة الفرح حسيت انك موقفة فرحتك على وجود صاحبتك اللي اسمها حياة. ليه كدة؟
قال تلك الكلمات وهو لم يخطر في باله حينها بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه هو الشخص الذي ستوقف سعادتها على وجوده, ولكنها علمت بعد ذلك بأنه محق, فما تفعله هو خطأ كبير في حق نفسها, وبالرغم من أنها قد أدركت تلك الحقيقة مؤخرا إلا أنها قد قررت أن تبدأ في الاعتماد على نفسها بعد ذلك, ولن توقف حياتها على شخص آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تنتهي من تثبيت طرحتها على رأسها حين طرق أحدهم الباب, فقالت وهي لا تزال تنظر إلى المرآة: ادخل.
ففتحت هدى الباب ودخلت بخطى ثقيلة وكأنها مرغمة وهي تقول: أنا جاهزة, انتي لسة ما خلصتيش؟
فقالت حياة و هي تنظر اليها بوجه باسم: انا خلاص يا حبيبتي خلصت.
واقتربت منها حياة لتمسك بيدها وتتوجه إليها ناحية السرير وهي تقول: بس أنا كنت عاوزة أكلمك في حاجة الأول.
فقالت هدى بتأفف: مش وقته, المحاضرة قربت تبدأ.
حياة مصرة وهي تجلسها بجوارها: هما خمس دقايق بالظبط وهنمشي.
فجلست هدى على مضض وسألت: خير؟
وبالرغم من تردد حياة كثيرا فيما إذا كانت ستحدثها في هذا الأمر أم لا, إلا أن هذا التردد لم يظهر في لهجتها وهي تسألها بطريقة مباشرة: هو انتي فيه ايه بينك وبين عماد شاكر رجل الأعمال اللي كان معزوم عندنا ع العشا؟
ظهر الارتباك على وجه هدى وتلعثمت وهي تقول: مين عماد شاكر دة كمان اللي هيكون بيني وبينه حاجة؟ دة انا هو قبلته مرة واحدة عندكم زي مانتي عارفة.
حياة: بس انا اللي أعرفة كمان اني شفتك امبارح وانتي بتركبي معاه العربية أدام الجامعة.
بدا أن قول حياة قد صدمها ولكنها أخفت ذلك وراء غضبها وحدة صوتها وهي تنهض وتقول: انتي بتتجسسي عليا؟ بتراقبيني؟
فنهضت حياة هي الأخرى ولكنها على عكس هدى فقد ظلت تتحلى بالهدوء: لا يا حبيبتي, انا لا بتجسس عليكي ولا براقبك, انا شفتكم بالصدفة.
هدى بتحدي: طيب وانتي عاوزة ايه بقا دلوقت؟ ايوة أنا أعرفه وخرجت معاه كمان.
حياة: انا عن نفسي مش عاوزة أي حاجة, بس كل اللي بتطلبه منك انك تخلي بالك من نفسك كويس, وما تثقيش في اللي اسمه عماد دة لأنه شكله مش سهل, دة غير انه متجوز يعني.
هدى: هو قالي انه هيطلق مراته لأنه مش بيحبها ولا طايق يعيش معاها.
حياة: طب وبعد ما يطلقها؟
هدى بحماس: هنتجوز طبعا.
إذن فهذه هي الطريقة الجديدة التي يستخدمها لخداع الفتيات الصغيرات اللتي في عمر هدى وبراءتهن وبدا أنه قد نجح تماما في ذلك, ولكن حياة لم تيأس في محاولة إقناع هدى بأنه ليس إلا مجرد مخادع ويجب عليها ألا تأمنه وحاولت استخدام العقل في ذلك وهي تقول: طيب وايه اللي مسكته لحد دلوقت؟ يعني ليه مطلقش مراته من زمان مادام هو مش طايقها للدرجادي زي مانتي بتقولي؟
هدى: لأنه عنده شغل معاها مستني لما يخلص الأول وبعدين هينفذ اللي اتفقنا عليه.
من الواضح أنه قد أجرى لها عملية غسيل مخ كاملة كي تدافع عنه بتلك الطريقة المستميتة, ولكن حياة استمرت في محاولاتها: يا حبيبتي دة كلام ما يدخلش العقل, صدقيني دة بيضحك عليكي, فكري كويس أرجوكي وهتعرفي ان كلامي صح وأنا والله غرضي مصلحتك.
فقالت هدى بانزعاج ونفاذ صبر: والله بقا أنا حرة, وانتي كمان محدش عينك واصي عليا, و ياريت بقا نخلي الأمور واضحة بينا من دلوقت وكل واحد لازم يعرف وضعه كويس في المكان دة, وياريت من هنا ورايح ملكيش دعوة بيا خالص, ولا كمان لسانك ييجي على لساني في خير أو في شر.
ثم توجهت ناحية الباب بخطوات سريعة وقبل أن تصل إليه, استدارت مجددا ناحية حياة التي كانت لاتزال تقف في مكانها مبهوتة حائرة لاتدري كيف تتصرف؟ فقالت لها هدى محذرة: اه, ونسيت أقولك ياريت وليد ويوسف مايعرفوش بالموضوع دة لحد ما انا اقولهم بنفسي ولو سمعت انهم عرفوا منك أي حاجة صدقيني هيكون ليا تصرف تاني معاكي.
واندفعت خارجة من الغرفة بعد أن قالت جملتها الأخيرة وهي لا تدرك أن حياة أحرص منها على ألا تخبر أيا من يوسف أو وليد أي شيء يتعلق بعماد, ولكن يجب أن تكون هناك وسيلة أخرى لإنقاذها من براثن هذا الحيوان المفترس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخلت مريم حجرة المكتب لتجد عبدالرءوف جالسا خلف مكتبه يطالع أحد الكتب وقد كانت تلك هوايته المفضلة والتي يبدو أنه قد علمها ليوسف أيضا, وعندما رآها عبدالرءوف أغلق الكتاب الذي في يده ووضعه على المكتب وهو يقول لها بابتسامة حنونة: تعالي يا مريم.
فاقتربت مريم منه بخطوات مترددة وهي تقول: مش هعطلك عن القراية يا جدو؟
عبدالرءوف: تلاتة بس مسموح ليهم انهم يعطلوني عن أي حاجة بعملها حتى لو كانت القراية وهما عمتك وانتي ويوسف.
أجفلت مريم لسماع اسمه ولكنها لن تدع ذلك يثنيها عما عزمت على إخبار جدها به, فاقتربت مريم أكثر من المكتب وجلست على أحد الكراسي في مواجهة جدها وهي تفرك يدها محاولة استجماع شجاعتها لتخبره بقرارها وقد لاحظ عبدالرءوف ذلك فسألها باهتمام: فيه ايه يا مريم؟ مالك؟
مريم: الحقيقة يا جدو أنا كنت فكرت في اني اعمل حاجة كدة وكنت عاوزاك تساعدني.
عبدالرءوف: أكيد لو شفت انها فيها مصلحة ليكي مش هقول لا, ياترى ايه هي بقا الحاجة دي؟
مريم: فاكر يا جدو لما قولتلك اني عاوزة أفتح محل ملابس؟
عبدالرءوف بحذر وهو يتوقع ماهي مقدمة على إخباره به: فاكر انك قولتي انك هتعملي المشروع دة بعد ما تخلصي دراستك.
مريم: صحيح انا كنت ناوية على كدة, بس انا غيرت رأيي و عاوزة أعمل المشروع دة دلوقت.
عبدالرءوف: طيب ممكن أعرف السبب اللي خلاكي تغيري رأيك.
مريم: عاوزة أكبر يا جدو.
تفاجأ عبدالرءوف من ردها وبدا أنه لم يستوعب تماما ما تعنيه بتلك الجملة, فسألها: يعني ايه؟
مريم موضحة: هما مش بيقولوا ان عمر الانسان الحقيقي بيتقاس بالخبرات والتجارب اللي بيعيشها؟ وأكتر حاجة ممكن تكسبني خبرة هو الشغل اللي هيسمحلي اني اتعامل مع كل الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية, ودة هيساعدني اني أفهم الدنيا أكتر.
سرح عبدالرءوف قليلا وهو يفكر في الكلام الذي قالته حفيدته للتو, ثم قال لها: طيب ودراستك هتعملي فيها ايه؟
مريم: هحاول أوفق ما بينهم وبخصوص الكلية فأنا هروح المحاضرات المهمة بس والمحاضرات التانية هبقا انقلها من أصحابي.
عبدالرءوف وهو ينظر إليها بإعجاب وقد بدا عليه الاقتناع: طيب انتي شايفة ان واحدة في سنك وعديمة الخبرة تقريبا تقدر تدير مشروع زي دة لوحدها؟
مريم بسعادة وحماس زائد جعلا جدها على استعداد لأن ينفذ لها أي طلب شرط أن يراها دائما في تلك الحالة: ماهو أنا الأول هاخد كورس مكثف في ادارة الأعمال دة غير اني أعرف واحدة صاحبة بوتيك اسمها مدام ناهد ممكن أروحلها كذا مرة كدة وأفهم منها بعض الأمور الغامضة بالنسبالي ومفتكرش انها هتمانع, بس دة كله يكون أثناء التجهيز للمحل عشان ما اضيعش وقت.
عبدالرءوف بنبرة إعجاب واضحة: ما شاء الله, دة انتي تقريبا مجهزة لكل حاجة أهو, امال عاوزة مني انا ايه بقا؟
مريم: كنت عاوزاك تشوفلي حد كويس يعملي داسة جدوى للمشروع عشان أعرف التكاليف بالظبط قبل ما أبدأ.
عبدالرءوف: يا ستي ابدأي انتي والتكاليف دي ملكيش دعوة بيها خليها عليا أنا.
حاولت مريم أن يكون في اعتراضها بعض اللطف وهي تقول: لا, معلش بقا يا جدو, انا عاوزة أعمل المشروع دة من مالي الخاص, عشان أحس بقيمة الحاجة اللي بعملها, انت بس شوفلي الشخص اللي انا قولتلك عليه وكتر خيرك على كدة.
وفي تلك اللحظة ظهر ماهر وهو يطرق على باب المكتب الذي لم يكن مغلقا تماما, فقال الله عبدالرءوف مداعبا وبلهجة مرحة: ادخل يا ماهر, دي أول مرة في حياتك تيجي في الوقت المناسب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تمشي في ذلك الممر الطويل بخطوات تكاد تكون متعثرة, فتلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها هذا المكان, ولكن لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي لقلقها الذي كان في الحقيقة أساسه هو خوفها من ردة الفعل التي ستواجهها بسبب تلك الزيارة الغير متوقعة, وصلت حياة بالنهاية إلى باب أحد الغرف المكتوب عليه سكرتيرة المدير العام, فطرقت الباب ثم دخلت مباشرة, واقتربت من تلك الفتاة التي تجلس خلف المكتب وترمقها بنظرات متفحصة وقد بادرتها بسؤالها: خير يا فندم؟
حياة: لو سمحتي, انا عاوزة أقابل الاستاذ عماد.
السكرتيرة مستوضحة: قصدك عماد بيه المدير العام؟
حياة: ايوة.
السكرتيرة وهي تتفحصها مجددا باستغراب: وياترى فيه ميعاد سابق؟
حياة: لا.
السكرتيرة: يبقا أنا اسفة اني أبلغك ان عماد بيه صعب يقابل حضرتك في الوقت الحالي, تقدري يافندم تتصل بينا في التليفون واحنا نحددلك ميعاد مناسب.
شعرت حياة باليأس يتخلل كيانها, ولكنها قالت بلهجة واثقة: انا متأكدة انه لما يعرف اني موجودة هنا مش هيرفض انه يقابلني, ياريت بس لو سمحتي تقوليله حياة محمود حرم الباشمهندس وليد جلال.
فنظرت اليها السكرتيرة في شك ولكنها وبعد أن دونت بعض الملحوظات في مفكرتها قامت بتنفيذ ما طلبته منها حيث رفعت سماعة هاتفها الداخي وضغطت أحد أزراراه ثم قالت: فيه واحدة عندي هنا يا فندم عاوزة تقابل سيادتك وبتقول ان اسمها حياة محمود وبتقول كمان انها حرم الباشمهندس وليد جلال......... حاضر يا فندم, تحت أمرك.
ثم أعادت السماعة مكانها, ونهضت وهي تقول لحياة وقد زادت لهجة الاحترام في صوتها وهي ترشدها إلى باب أخر بمكتبها: اتفضلي يا مدام.
وتوجهت حياة لتدخل من الباب الذي كانت قد فتحته لها تلك الشابة ثم أغلقته خلفها, فجالت حياة بنظرها في ذلك المكتب ليس لتفقد محتوياته بل لتبحث عن ذلك الشخص الذي وجدته يجلس خلف مكتبه بكل تعالي وغرور, وما ان وقعت عينيها عليه حتى رأته ينهض من مكانه وهو يقول لها مرحبا: اهلا أهلا مدام حياة. نورتي المكتب اتفضلي.
وبالفعل تقدمت حياة من المكتب وجلست أمامه حيث أشار لها, ثم جلس على كرسيه و هو يسألها: تحبي تشربي ايه؟
حياة بجمود: انا مش جاية هنا عشان أشرب, انا جيت بس عشان أقولك كلمتين وهمشي على طول.
عماد: خير يا مدام؟
ولأنها كانت تعلم جيدا أن رجلا كعماد هو خبير في أمور التحايل واللف والدوران, لذلك قررت أن تدخل في الموضوع مباشرة: انا جيت هنا عشان أقولك ابعد عن هدى. انا عارفة انكم بتخرجوا مع بعض زي مانا متأكدة اوي انك بتضحك عليها, عشان كدة جاية أحذرك وأقولك مليكش دعوة بيها نهائي.
عماد بمراوغة: طب طالما انتي عارفة كدة كويس, أكيد كمان عارفة اني ما ضربتهاش على ايدها وكل اللي بتعمله دة بمزاجها. يبقا ليه بقا ما قولتيش الكلام دة ليها هي وكنتي وفرتي على نفسك المشوار؟
حياة: هدى مش قابلة أي كلام مني في الموضوع دة.
فقال عماد وكأنه يكمل لها جملتها: ولا في أي موضوع تاني, مش كدة؟ اصلها يا حرام متضايقة منك أوي لانك خطفتي خطيبها منها وخلتيه يسيبها ويتجوزك انتي, مش هو دة اللي حصل؟
ان كان غرضه مما قاله هو استفذاذها فقد نجح مائة بالمائة في ذلك الأمر لدرجة أن حياة لم تعد بمقدورها أن تتفوه بكلمة أخرى مما سمح له أن يستمر ليزيد آلامها أكثر: وأنا بصراحة من ساعة ما عرفت انك مراة وليد وانا هموت وأعرف انتي قدرتي تضحكي عليه ازاي؟ الحقيقة انا لحد دلوقت مش قادر أصدق ان واحد زي الباشمهندس اللي كل الناس بتتكلم عن رجولته وذكاؤه يطلع مغفل بالشكل دة.
لو كانت في ظروف أخرى لقامت من مكانها وصفعته بكل قوة ردا على اهانته لزوجها, ولكنها لم تنس هدفها الرئيسي من تلك الزيارة, لذلك تجاهلت كلامه, وقالت له بلهجة قوية مهددة: عماد, ابعد عن هدى أحسنلك وإلا هقول لوليد ويوسف.
لم يبد أن تهديدها قد لاقى أي اهتمام من قبل عماد الذي قال لها ساخرا: ياترى بقا هتقوليلهم عن علاقتي بهدى دلوقت ولا علاقتي بيكي زمان؟
وعندما لمح التردد باديا على وجهها أكمل وقد استلم هو دفة الحديث وأصبح هو من يقوم بتهديدها: اسمعي يا شاطرة, ياريت تخليكي في حالك أحسن, لانك مش أد المشاكل اللي ممكن أعملهالك لو حسيت في لحظة انك واقفة في طريقي, وياللا بقا الزيارة انتهت.
ثم أدار كرسيه ليصبح ظهره هو المواجه لها معبرا عن رغبته في انهاء الحديث, فنهضت حياة وخرجت من المكتب بخطى بطيئة وهي تلوم نفسها على تلك الزيارة وعلى غبائها الذي خيل إليها بأنها قد تجد في عماد بعض اللين, ولكن هيهات للنذل أن يبدي بعض الشهامة!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
مر اسبوعان ببطء شديد لم يحدث فيهما أي جديد إلا عودة يوسف من السفر وتجهيز مريم لمحل الملابس بمساعدة ماهر الذي استطاع أن يقنعها بأن تقبل مشاركته لها بهذا المشروع والذي قد أوشك على الانتهاء حيث كان العمل به قائم على قدم وساق, ومريم كما أخبرت جدها قد التحقت بأحد الدورات التدريبية الخاصة بادارة الاعمال وجدها وعمتها يشجعانها على ذلك حيث لاحظا بأن هذا المشروع قد أعادها إلى الحياة من جديد بعد أن فشلت كل وسائلهما في إخراجها من جو الاكتئاب الذي كانت قد سجنت نفسها فيه, أما حياة وهدى فلم تتغير علاقتهما, حيث كانت هدى تتجنب الحديث مع حياة في مختلف المواقف بينما كانت حياة حريصة على ألا تدع تلك الصغيرة تلاقي نفس مصيرها, وفي إحدى الليالي وقف يوسف يصيح في حضور كل من وليد وحياة : يعني ايه تتأخر لحد دلوقت وما نعرفش مكانها؟ ولا حتى نعرفلها أي أصحاب ممكن نكلمهم عشان نطمن عليها؟ دة يبقا اسمه تسيب واستهتار. البنت دي مسئوليتنا كلنا ولو جرالها حاجة هيبقا ذنبها في رقبتنا.
فقال له وليد مهدئا: طيب بالراحة بس يا يوسف عشان نعرف نفكر ممكن نعمل ايه؟
فزاد كلام أخيه من انفعاله: احنا لسة هنفكر؟ الساعة تسعة يا بيه وكل لحظة بتعدي وهي لسة برة فيها خطورة عليها والله أعلم هيكون نوعها ايه؟
ثم وجه غضبه الى حياة: وانتي يا حياة, ازاي تسيبيها وتيجي؟ مش نبهت عليكم انكم تروحوا مع بعض وتيجوا مع بعض؟
حياة والقلق يمزق فؤادها أكثر منهما: انا ما سيبتهاش, انا بعد ما خلصت محاضراتي روحت ع المكان اللي احنا متفقين اننا نتقابل فيه, والمفروض اني كنت الاقيها مستنياني هناك لان محاضراتها النهاردة بتخلص قبلي, بس روحت ما لقيتهاش واستنيتها اكتر من ساعة وبردو ما كنتش جات, دة انا حتى دورت عليها في كل مكان بالجامعة ممكن تكون فيه بس ما لقيتهاش ولما اتصلت بيها لقيت تليفونها مقفول.
يوسف: يعني ايه؟ هتكون راحت فين يعني؟
كان هناك صراع بداخلها بين أن تخبرهما بكل ما تعرفه علهما يستطيعان نجدتها قبل فوات الأوان, وبين قلقها مما سيحدث ان كان قد فات الاوان بالفعل ولن تكون قد ربحت شيئا في النهاية الا كشف السر الذي عملت على إخفائه لمدة طويلة. ودعت ربها بصمت أن يحمي هدى من شر عماد ويرجعها إلى البيت سالمة, كما دعت أن يلهمها الصواب في حسن التصرف في تلك المشكلة, حتى واتتها فكرة لم تكن قد خطرت على بالها من قبل, فاستأذنت منهما لتخرج الى حديقة المنزل بينما كان يوسف يستعد لإبلاغ الشرطة و وليد يبحث في سجل الهاتف عن أسماء بعض المستشفيات ليسأل عن هدى علها تكون قد أصيبت في حادث ما وتم نقلها إلى المستشفى, لذلك لم يبال أحد بها.
وفور خروج حياة إلى الحديقة ضغطت على بعض أزرار هاتفها, وانتظرت قليلا حتى تلقت ردا فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, ايوة يا مريم...
ونذهب مجددا إلى مشهد كثيرا ما يتكرر في شقة علياء التي كانت بصحبة عماد الذي كان يقدم لها خاتم قيم من الألماس وهو يقول: دة تقدير بسيط مني لذكائك وبراعتك.
فتناولت علياء الخاتم وهي تنظر له بلا مبارلاة وتقول لعماد: مش بطال, بس دة ما كنش اتفاقنا.
عماد: لا يا ماما, اتفاقنا دة لما يطلقوا.
علياء: انت مش بتقول ان الاخبار وصلتك انهم خلاص زعلوا من بعض ومريم راحت بيت جدها, يبقا فاضل ايه تاني؟
عماد: بردو مش كفاية, لما اسمع خبر طلاقهم بودني ساعتها بقا هعملك كل اللي انتي عاوزاه.
علياء: ماشي يا عمدة, بس يا ترى انت واثق في البنت اللي اسمها هدى دي؟
عماد: لا, دي خلاص بقت زي الخاتم في صباعي.
علياء بنظرة خبيثة: وياترى بقا آخرة الخاتم دة ايه معاك؟
فرد عماد بنفس طريقتها بالمراوغة: دة بقا يا حلوة ما يخصكيش.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت مريم لا تزال جالسة على السرير تفكر في مصيرها بعد ذلك بعد انفصالها عن يوسف المحتوم, ثم فجأة قفزت كلمات كان قد قالها يوسف نفسه في السابق حين كان يحدثها عن جدها: : هو انتي دايما كدة؟
مريم: كدة ازاي يعني؟!
يوسف: يعني دايما بتوقفي حياتك على شخص واحد, في الاول كان باباكي وبس , ودلوقت جدك وبس, دة حتى ساعة الفرح حسيت انك موقفة فرحتك على وجود صاحبتك اللي اسمها حياة. ليه كدة؟
قال تلك الكلمات وهو لم يخطر في باله حينها بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه هو الشخص الذي ستوقف سعادتها على وجوده, ولكنها علمت بعد ذلك بأنه محق, فما تفعله هو خطأ كبير في حق نفسها, وبالرغم من أنها قد أدركت تلك الحقيقة مؤخرا إلا أنها قد قررت أن تبدأ في الاعتماد على نفسها بعد ذلك, ولن توقف حياتها على شخص آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تنتهي من تثبيت طرحتها على رأسها حين طرق أحدهم الباب, فقالت وهي لا تزال تنظر إلى المرآة: ادخل.
ففتحت هدى الباب ودخلت بخطى ثقيلة وكأنها مرغمة وهي تقول: أنا جاهزة, انتي لسة ما خلصتيش؟
فقالت حياة و هي تنظر اليها بوجه باسم: انا خلاص يا حبيبتي خلصت.
واقتربت منها حياة لتمسك بيدها وتتوجه إليها ناحية السرير وهي تقول: بس أنا كنت عاوزة أكلمك في حاجة الأول.
فقالت هدى بتأفف: مش وقته, المحاضرة قربت تبدأ.
حياة مصرة وهي تجلسها بجوارها: هما خمس دقايق بالظبط وهنمشي.
فجلست هدى على مضض وسألت: خير؟
وبالرغم من تردد حياة كثيرا فيما إذا كانت ستحدثها في هذا الأمر أم لا, إلا أن هذا التردد لم يظهر في لهجتها وهي تسألها بطريقة مباشرة: هو انتي فيه ايه بينك وبين عماد شاكر رجل الأعمال اللي كان معزوم عندنا ع العشا؟
ظهر الارتباك على وجه هدى وتلعثمت وهي تقول: مين عماد شاكر دة كمان اللي هيكون بيني وبينه حاجة؟ دة انا هو قبلته مرة واحدة عندكم زي مانتي عارفة.
حياة: بس انا اللي أعرفة كمان اني شفتك امبارح وانتي بتركبي معاه العربية أدام الجامعة.
بدا أن قول حياة قد صدمها ولكنها أخفت ذلك وراء غضبها وحدة صوتها وهي تنهض وتقول: انتي بتتجسسي عليا؟ بتراقبيني؟
فنهضت حياة هي الأخرى ولكنها على عكس هدى فقد ظلت تتحلى بالهدوء: لا يا حبيبتي, انا لا بتجسس عليكي ولا براقبك, انا شفتكم بالصدفة.
هدى بتحدي: طيب وانتي عاوزة ايه بقا دلوقت؟ ايوة أنا أعرفه وخرجت معاه كمان.
حياة: انا عن نفسي مش عاوزة أي حاجة, بس كل اللي بتطلبه منك انك تخلي بالك من نفسك كويس, وما تثقيش في اللي اسمه عماد دة لأنه شكله مش سهل, دة غير انه متجوز يعني.
هدى: هو قالي انه هيطلق مراته لأنه مش بيحبها ولا طايق يعيش معاها.
حياة: طب وبعد ما يطلقها؟
هدى بحماس: هنتجوز طبعا.
إذن فهذه هي الطريقة الجديدة التي يستخدمها لخداع الفتيات الصغيرات اللتي في عمر هدى وبراءتهن وبدا أنه قد نجح تماما في ذلك, ولكن حياة لم تيأس في محاولة إقناع هدى بأنه ليس إلا مجرد مخادع ويجب عليها ألا تأمنه وحاولت استخدام العقل في ذلك وهي تقول: طيب وايه اللي مسكته لحد دلوقت؟ يعني ليه مطلقش مراته من زمان مادام هو مش طايقها للدرجادي زي مانتي بتقولي؟
هدى: لأنه عنده شغل معاها مستني لما يخلص الأول وبعدين هينفذ اللي اتفقنا عليه.
من الواضح أنه قد أجرى لها عملية غسيل مخ كاملة كي تدافع عنه بتلك الطريقة المستميتة, ولكن حياة استمرت في محاولاتها: يا حبيبتي دة كلام ما يدخلش العقل, صدقيني دة بيضحك عليكي, فكري كويس أرجوكي وهتعرفي ان كلامي صح وأنا والله غرضي مصلحتك.
فقالت هدى بانزعاج ونفاذ صبر: والله بقا أنا حرة, وانتي كمان محدش عينك واصي عليا, و ياريت بقا نخلي الأمور واضحة بينا من دلوقت وكل واحد لازم يعرف وضعه كويس في المكان دة, وياريت من هنا ورايح ملكيش دعوة بيا خالص, ولا كمان لسانك ييجي على لساني في خير أو في شر.
ثم توجهت ناحية الباب بخطوات سريعة وقبل أن تصل إليه, استدارت مجددا ناحية حياة التي كانت لاتزال تقف في مكانها مبهوتة حائرة لاتدري كيف تتصرف؟ فقالت لها هدى محذرة: اه, ونسيت أقولك ياريت وليد ويوسف مايعرفوش بالموضوع دة لحد ما انا اقولهم بنفسي ولو سمعت انهم عرفوا منك أي حاجة صدقيني هيكون ليا تصرف تاني معاكي.
واندفعت خارجة من الغرفة بعد أن قالت جملتها الأخيرة وهي لا تدرك أن حياة أحرص منها على ألا تخبر أيا من يوسف أو وليد أي شيء يتعلق بعماد, ولكن يجب أن تكون هناك وسيلة أخرى لإنقاذها من براثن هذا الحيوان المفترس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخلت مريم حجرة المكتب لتجد عبدالرءوف جالسا خلف مكتبه يطالع أحد الكتب وقد كانت تلك هوايته المفضلة والتي يبدو أنه قد علمها ليوسف أيضا, وعندما رآها عبدالرءوف أغلق الكتاب الذي في يده ووضعه على المكتب وهو يقول لها بابتسامة حنونة: تعالي يا مريم.
فاقتربت مريم منه بخطوات مترددة وهي تقول: مش هعطلك عن القراية يا جدو؟
عبدالرءوف: تلاتة بس مسموح ليهم انهم يعطلوني عن أي حاجة بعملها حتى لو كانت القراية وهما عمتك وانتي ويوسف.
أجفلت مريم لسماع اسمه ولكنها لن تدع ذلك يثنيها عما عزمت على إخبار جدها به, فاقتربت مريم أكثر من المكتب وجلست على أحد الكراسي في مواجهة جدها وهي تفرك يدها محاولة استجماع شجاعتها لتخبره بقرارها وقد لاحظ عبدالرءوف ذلك فسألها باهتمام: فيه ايه يا مريم؟ مالك؟
مريم: الحقيقة يا جدو أنا كنت فكرت في اني اعمل حاجة كدة وكنت عاوزاك تساعدني.
عبدالرءوف: أكيد لو شفت انها فيها مصلحة ليكي مش هقول لا, ياترى ايه هي بقا الحاجة دي؟
مريم: فاكر يا جدو لما قولتلك اني عاوزة أفتح محل ملابس؟
عبدالرءوف بحذر وهو يتوقع ماهي مقدمة على إخباره به: فاكر انك قولتي انك هتعملي المشروع دة بعد ما تخلصي دراستك.
مريم: صحيح انا كنت ناوية على كدة, بس انا غيرت رأيي و عاوزة أعمل المشروع دة دلوقت.
عبدالرءوف: طيب ممكن أعرف السبب اللي خلاكي تغيري رأيك.
مريم: عاوزة أكبر يا جدو.
تفاجأ عبدالرءوف من ردها وبدا أنه لم يستوعب تماما ما تعنيه بتلك الجملة, فسألها: يعني ايه؟
مريم موضحة: هما مش بيقولوا ان عمر الانسان الحقيقي بيتقاس بالخبرات والتجارب اللي بيعيشها؟ وأكتر حاجة ممكن تكسبني خبرة هو الشغل اللي هيسمحلي اني اتعامل مع كل الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية, ودة هيساعدني اني أفهم الدنيا أكتر.
سرح عبدالرءوف قليلا وهو يفكر في الكلام الذي قالته حفيدته للتو, ثم قال لها: طيب ودراستك هتعملي فيها ايه؟
مريم: هحاول أوفق ما بينهم وبخصوص الكلية فأنا هروح المحاضرات المهمة بس والمحاضرات التانية هبقا انقلها من أصحابي.
عبدالرءوف وهو ينظر إليها بإعجاب وقد بدا عليه الاقتناع: طيب انتي شايفة ان واحدة في سنك وعديمة الخبرة تقريبا تقدر تدير مشروع زي دة لوحدها؟
مريم بسعادة وحماس زائد جعلا جدها على استعداد لأن ينفذ لها أي طلب شرط أن يراها دائما في تلك الحالة: ماهو أنا الأول هاخد كورس مكثف في ادارة الأعمال دة غير اني أعرف واحدة صاحبة بوتيك اسمها مدام ناهد ممكن أروحلها كذا مرة كدة وأفهم منها بعض الأمور الغامضة بالنسبالي ومفتكرش انها هتمانع, بس دة كله يكون أثناء التجهيز للمحل عشان ما اضيعش وقت.
عبدالرءوف بنبرة إعجاب واضحة: ما شاء الله, دة انتي تقريبا مجهزة لكل حاجة أهو, امال عاوزة مني انا ايه بقا؟
مريم: كنت عاوزاك تشوفلي حد كويس يعملي داسة جدوى للمشروع عشان أعرف التكاليف بالظبط قبل ما أبدأ.
عبدالرءوف: يا ستي ابدأي انتي والتكاليف دي ملكيش دعوة بيها خليها عليا أنا.
حاولت مريم أن يكون في اعتراضها بعض اللطف وهي تقول: لا, معلش بقا يا جدو, انا عاوزة أعمل المشروع دة من مالي الخاص, عشان أحس بقيمة الحاجة اللي بعملها, انت بس شوفلي الشخص اللي انا قولتلك عليه وكتر خيرك على كدة.
وفي تلك اللحظة ظهر ماهر وهو يطرق على باب المكتب الذي لم يكن مغلقا تماما, فقال الله عبدالرءوف مداعبا وبلهجة مرحة: ادخل يا ماهر, دي أول مرة في حياتك تيجي في الوقت المناسب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تمشي في ذلك الممر الطويل بخطوات تكاد تكون متعثرة, فتلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها هذا المكان, ولكن لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي لقلقها الذي كان في الحقيقة أساسه هو خوفها من ردة الفعل التي ستواجهها بسبب تلك الزيارة الغير متوقعة, وصلت حياة بالنهاية إلى باب أحد الغرف المكتوب عليه سكرتيرة المدير العام, فطرقت الباب ثم دخلت مباشرة, واقتربت من تلك الفتاة التي تجلس خلف المكتب وترمقها بنظرات متفحصة وقد بادرتها بسؤالها: خير يا فندم؟
حياة: لو سمحتي, انا عاوزة أقابل الاستاذ عماد.
السكرتيرة مستوضحة: قصدك عماد بيه المدير العام؟
حياة: ايوة.
السكرتيرة وهي تتفحصها مجددا باستغراب: وياترى فيه ميعاد سابق؟
حياة: لا.
السكرتيرة: يبقا أنا اسفة اني أبلغك ان عماد بيه صعب يقابل حضرتك في الوقت الحالي, تقدري يافندم تتصل بينا في التليفون واحنا نحددلك ميعاد مناسب.
شعرت حياة باليأس يتخلل كيانها, ولكنها قالت بلهجة واثقة: انا متأكدة انه لما يعرف اني موجودة هنا مش هيرفض انه يقابلني, ياريت بس لو سمحتي تقوليله حياة محمود حرم الباشمهندس وليد جلال.
فنظرت اليها السكرتيرة في شك ولكنها وبعد أن دونت بعض الملحوظات في مفكرتها قامت بتنفيذ ما طلبته منها حيث رفعت سماعة هاتفها الداخي وضغطت أحد أزراراه ثم قالت: فيه واحدة عندي هنا يا فندم عاوزة تقابل سيادتك وبتقول ان اسمها حياة محمود وبتقول كمان انها حرم الباشمهندس وليد جلال......... حاضر يا فندم, تحت أمرك.
ثم أعادت السماعة مكانها, ونهضت وهي تقول لحياة وقد زادت لهجة الاحترام في صوتها وهي ترشدها إلى باب أخر بمكتبها: اتفضلي يا مدام.
وتوجهت حياة لتدخل من الباب الذي كانت قد فتحته لها تلك الشابة ثم أغلقته خلفها, فجالت حياة بنظرها في ذلك المكتب ليس لتفقد محتوياته بل لتبحث عن ذلك الشخص الذي وجدته يجلس خلف مكتبه بكل تعالي وغرور, وما ان وقعت عينيها عليه حتى رأته ينهض من مكانه وهو يقول لها مرحبا: اهلا أهلا مدام حياة. نورتي المكتب اتفضلي.
وبالفعل تقدمت حياة من المكتب وجلست أمامه حيث أشار لها, ثم جلس على كرسيه و هو يسألها: تحبي تشربي ايه؟
حياة بجمود: انا مش جاية هنا عشان أشرب, انا جيت بس عشان أقولك كلمتين وهمشي على طول.
عماد: خير يا مدام؟
ولأنها كانت تعلم جيدا أن رجلا كعماد هو خبير في أمور التحايل واللف والدوران, لذلك قررت أن تدخل في الموضوع مباشرة: انا جيت هنا عشان أقولك ابعد عن هدى. انا عارفة انكم بتخرجوا مع بعض زي مانا متأكدة اوي انك بتضحك عليها, عشان كدة جاية أحذرك وأقولك مليكش دعوة بيها نهائي.
عماد بمراوغة: طب طالما انتي عارفة كدة كويس, أكيد كمان عارفة اني ما ضربتهاش على ايدها وكل اللي بتعمله دة بمزاجها. يبقا ليه بقا ما قولتيش الكلام دة ليها هي وكنتي وفرتي على نفسك المشوار؟
حياة: هدى مش قابلة أي كلام مني في الموضوع دة.
فقال عماد وكأنه يكمل لها جملتها: ولا في أي موضوع تاني, مش كدة؟ اصلها يا حرام متضايقة منك أوي لانك خطفتي خطيبها منها وخلتيه يسيبها ويتجوزك انتي, مش هو دة اللي حصل؟
ان كان غرضه مما قاله هو استفذاذها فقد نجح مائة بالمائة في ذلك الأمر لدرجة أن حياة لم تعد بمقدورها أن تتفوه بكلمة أخرى مما سمح له أن يستمر ليزيد آلامها أكثر: وأنا بصراحة من ساعة ما عرفت انك مراة وليد وانا هموت وأعرف انتي قدرتي تضحكي عليه ازاي؟ الحقيقة انا لحد دلوقت مش قادر أصدق ان واحد زي الباشمهندس اللي كل الناس بتتكلم عن رجولته وذكاؤه يطلع مغفل بالشكل دة.
لو كانت في ظروف أخرى لقامت من مكانها وصفعته بكل قوة ردا على اهانته لزوجها, ولكنها لم تنس هدفها الرئيسي من تلك الزيارة, لذلك تجاهلت كلامه, وقالت له بلهجة قوية مهددة: عماد, ابعد عن هدى أحسنلك وإلا هقول لوليد ويوسف.
لم يبد أن تهديدها قد لاقى أي اهتمام من قبل عماد الذي قال لها ساخرا: ياترى بقا هتقوليلهم عن علاقتي بهدى دلوقت ولا علاقتي بيكي زمان؟
وعندما لمح التردد باديا على وجهها أكمل وقد استلم هو دفة الحديث وأصبح هو من يقوم بتهديدها: اسمعي يا شاطرة, ياريت تخليكي في حالك أحسن, لانك مش أد المشاكل اللي ممكن أعملهالك لو حسيت في لحظة انك واقفة في طريقي, وياللا بقا الزيارة انتهت.
ثم أدار كرسيه ليصبح ظهره هو المواجه لها معبرا عن رغبته في انهاء الحديث, فنهضت حياة وخرجت من المكتب بخطى بطيئة وهي تلوم نفسها على تلك الزيارة وعلى غبائها الذي خيل إليها بأنها قد تجد في عماد بعض اللين, ولكن هيهات للنذل أن يبدي بعض الشهامة!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
مر اسبوعان ببطء شديد لم يحدث فيهما أي جديد إلا عودة يوسف من السفر وتجهيز مريم لمحل الملابس بمساعدة ماهر الذي استطاع أن يقنعها بأن تقبل مشاركته لها بهذا المشروع والذي قد أوشك على الانتهاء حيث كان العمل به قائم على قدم وساق, ومريم كما أخبرت جدها قد التحقت بأحد الدورات التدريبية الخاصة بادارة الاعمال وجدها وعمتها يشجعانها على ذلك حيث لاحظا بأن هذا المشروع قد أعادها إلى الحياة من جديد بعد أن فشلت كل وسائلهما في إخراجها من جو الاكتئاب الذي كانت قد سجنت نفسها فيه, أما حياة وهدى فلم تتغير علاقتهما, حيث كانت هدى تتجنب الحديث مع حياة في مختلف المواقف بينما كانت حياة حريصة على ألا تدع تلك الصغيرة تلاقي نفس مصيرها, وفي إحدى الليالي وقف يوسف يصيح في حضور كل من وليد وحياة : يعني ايه تتأخر لحد دلوقت وما نعرفش مكانها؟ ولا حتى نعرفلها أي أصحاب ممكن نكلمهم عشان نطمن عليها؟ دة يبقا اسمه تسيب واستهتار. البنت دي مسئوليتنا كلنا ولو جرالها حاجة هيبقا ذنبها في رقبتنا.
فقال له وليد مهدئا: طيب بالراحة بس يا يوسف عشان نعرف نفكر ممكن نعمل ايه؟
فزاد كلام أخيه من انفعاله: احنا لسة هنفكر؟ الساعة تسعة يا بيه وكل لحظة بتعدي وهي لسة برة فيها خطورة عليها والله أعلم هيكون نوعها ايه؟
ثم وجه غضبه الى حياة: وانتي يا حياة, ازاي تسيبيها وتيجي؟ مش نبهت عليكم انكم تروحوا مع بعض وتيجوا مع بعض؟
حياة والقلق يمزق فؤادها أكثر منهما: انا ما سيبتهاش, انا بعد ما خلصت محاضراتي روحت ع المكان اللي احنا متفقين اننا نتقابل فيه, والمفروض اني كنت الاقيها مستنياني هناك لان محاضراتها النهاردة بتخلص قبلي, بس روحت ما لقيتهاش واستنيتها اكتر من ساعة وبردو ما كنتش جات, دة انا حتى دورت عليها في كل مكان بالجامعة ممكن تكون فيه بس ما لقيتهاش ولما اتصلت بيها لقيت تليفونها مقفول.
يوسف: يعني ايه؟ هتكون راحت فين يعني؟
كان هناك صراع بداخلها بين أن تخبرهما بكل ما تعرفه علهما يستطيعان نجدتها قبل فوات الأوان, وبين قلقها مما سيحدث ان كان قد فات الاوان بالفعل ولن تكون قد ربحت شيئا في النهاية الا كشف السر الذي عملت على إخفائه لمدة طويلة. ودعت ربها بصمت أن يحمي هدى من شر عماد ويرجعها إلى البيت سالمة, كما دعت أن يلهمها الصواب في حسن التصرف في تلك المشكلة, حتى واتتها فكرة لم تكن قد خطرت على بالها من قبل, فاستأذنت منهما لتخرج الى حديقة المنزل بينما كان يوسف يستعد لإبلاغ الشرطة و وليد يبحث في سجل الهاتف عن أسماء بعض المستشفيات ليسأل عن هدى علها تكون قد أصيبت في حادث ما وتم نقلها إلى المستشفى, لذلك لم يبال أحد بها.
وفور خروج حياة إلى الحديقة ضغطت على بعض أزرار هاتفها, وانتظرت قليلا حتى تلقت ردا فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, ايوة يا مريم...