رواية غريبة في عالمك الفصل السادس والعشرين 26 بقلم رحاب حلمي
26= ج 1=
الحلقة السادسة والعشرون
*آسف*
كانت حياة مستلقية على السرير و هي لا تزال غائبة عن الوعي وشعرها مبعثرا بشكل عشوائي على الوسادة ومريم تجلس بجانبها وفي يدها زجاجة عطر صغيرة وقطعة قطن تحاول أن تقربها من أنف حياة التي بدأت تحرك رأسها يمينا وشمالا وهي تستعيد وعيها تدريجيا إلى أن فتحت عينيها, فابتسمت مريم وهي تحمد ربها ووضعت ما بيدها على المنضدة الصغير التي بجوار السرير وقالت لحياة وهي تمسح على رأسها بحنان: حمدالله على سلامتك يا حياة, قلقتينا عليكي.
فحاولت حياة النهوض وهي تشعر بالوهن وساعدتها مريم إلى أن استطاعت الجلوس وهي تستند برأسها على الوسادة بالخلف, وضغطت على يد مريم والدموع تتجمع بعينيها وتسألها بتوسل: أنا كنت بحلم يا مريم, مش كدة؟ بالله عليكي لتقوليلي ان كل دة كان مجرد كابوس.
كانت مريم تتمنى أن تؤكد كلامها إلا أنها لم تستطع فنظرت إليها بعيون مليئة بالشفقة وهي تقول: للأسف يا حياة كان حقيقة, عماد شاكر عزالدين كان موجود هنا ولسة ماشي دلوقت وجوزك نزل يوصله بعد ما اتأكد انك بخير وكمان عشان يجيب حاجة من الصيدلية نفوقك بيها.
وما ان سمعت حياة ذلك حتى انهارت تماما وأخدت تلطم وجهها بيديها وتبكي بحرقة وتتفوه بكلام غير مفهوم استطاعت مريم أن تتبين منه القليل بصعوبة حيث كانت تندب حظها: ليه بس كدة يا ربي؟ بعد ما كنت بدأت أنسى؟ بعد ما كنت بدأت أعيش حياتي؟ هو أنا مش مكتوبلي أفرح بقا؟
فجذبتها مريم إلى حضنها وهي تبكي لبكائها و تقول لها مواسية: اهدي يا حياة واستغفري ربنا.
وبالفعل بدأت حياة تردد الاستغفار إلى أن شعرت بها مريم تهدأ قليلا فأبعدتها عنها برفق وأخذت تجفف لها دموعها وهي تقول لها محاولة التفكير بعقلانية: حبيبتي احنا لازم نشوف دلوقت احنا هنعمل ايه في المصيبة دي؟
وكأنها بسؤالها ذلك أثارت دموعها من جديد, فقالت وهي تنتحب: مش عارفة, مش عارفة يا مريم, ياربي بقا من بين كل الناس يطلع دة صاحب جوزي, الانسان اللي دبحني؟
فحذرتها مريم وهي تضع اصبعها على فمها: هسسسس,وطي صوتك عشان يوسف برة وممكن يسمعنا.
حياة: طب قوليلي انتي يا مريم, اعمل ايه؟ وأتصرف ازاي؟
مريم: مفيش غير حل واحد. انتي لازم تقولي لوليد لآن هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف في الموضوع دة, واهو كدة كدة عارف كل الحقيقة ومش فاضل غير انه يعرف اسم الشخص دة وبس.
فقالت حياة ترجوها وهي تحتضن يدها بتوسل: لا يا مريم, بالله عليكي بلاش وليد, عشان خاطري يا مريم وليد لا, وليد عصبي ودمه حامي ولو عرف ممكن يقتله, ومحدش عارف الزفت اللي اسمه عماد دة ممكن يعمل ايه؟ دة واطي وندل وممكن يأذيه, وفي الحالتين هخسر وليد.
مريم وهي تبدي تعاطفا معها: امال هتعملي ايه بس؟ ومش جايز كمان عماد هو اللي يقوله؟
حياة: لا, مفتكرش, اللي زي عماد دة جبان ومش ممكن يعترف على نفسه بجريمة زي دي.
فامتثلت مريم لطلبها: خلاص, اللي تشوفيه يا حياة, بس قومي دلوقت ادخلي الحمام واغسلي وشك, عشان وليد مش لازم يشوف الدموع اللي في عنيكي دي.
وساعدتها مريم على النهوض وظلت معها حتى غسلت وجهها, وما ان خرجتا من باب الحمام حتى وجدتا وليد قد لحق بهما, فأسرع يأخذ بيد زوجته يسألها باهتمام بالغ: عاملة ايه دلوقت يا حياة؟ مش أحسن؟ ولا تحبي اتصل بالدكتور؟
فنظرت اليه تمسح تعابير وجهه بعينيها لترى فيه قلق ولهفة كانت تمنى أن تجدهما قبل الأن مما زاد من شعورها بالألم وهي تحاول أن تطمئنة بابتسامة واهنة: مفيش داعي, انا الحمد لله كويسة, كانوا بس شوية ارهاق.
فقال لها وليد لائما نفسه وهو يساعدها على الاستلقاء مجددا على السرير: انا آسف يا حياة, كل دة كان بسببي, ما كنش لازم أتعبك معايا اوي كدة.
فنظرت اليه حياة مطولا دون أن تعلق, فبالطبع لم يكن لديها ما يمكن ان تخفف عنه به, فتولت مريم الأمر وقالت بلهجة مرحة: يا سيدي دي مراتك بس بتدلع علينا شوية.
وليد دون ان يرفع عينيه عن حياة: تدلع براحتها بس ما تقلقناش عليها بالشكل دة.
تساءلت حياة بداخلها ان كان كل هذا القلق والاهتمام الذي يحاول أن يظهرهما لها هما بالفعل ما يشعر بهما بداخله أم أن ذلك ليس الا ستارا يضعه بسبب وجود مريم معهما بنفس الحجرة؟ ويبدو أن مريم شعرت بما يدور بخلدها فقالت وهي تتجه ناحية الباب: طب بعد اذنكم أنا بقا.
وليد: على فين يا مريم؟
مريم: هنروح بقا, انا خلاص اطمنت على حياة, ويوسف قاعد لوحده من بدري.
فنظر وليد الى حياة يقول لها: طيب انا هروح أوصلهم وأرجعلك على طول.
فمنعته مريم باشارة من يدها: لا مفيش داعي يا وليد, خليك انت جنب مراتك, احنا عارفين يا سيدي الطريق كويس ومش هنتوه, وكمان احنا مش أغراب يعني للرسميات دي.
ثم وجهت حديثها الى حياة: مش عاوزة أي حاجة يا حياة قبل ما امشي؟
فشكرتها حياة: تسلميلي يا مريم, وربنا ما يحرمني منك.
مريم: طيب ان شاء الله هشوفك في الكلية بكرة؟
فهزت حياة رأسها قائلة: ان شاء الله.
فقالت مريم قبل أن تفتح باب الحجرة ثم تغلقه خلفها: تصبحوا على خير بقا.
حياة و وليد: وانتي من أهله.
وبعد أن غادرت مريم ثم سمعا صوت الباب الرئيسي للشقة ينغلق هو الأحر نظر وليد لحياة وهو يسألها: فيه ايه يا حياة؟ ايه سبب اللي حصلك دة؟ وما تحاوليش تقنعيني انه كان بسبب الارهاق زي ما قولتي قبل كدة.
فقالت حياة وهي تغتصب ابتسامة على شفتيها: امال يعني هيكون ايه بس غير كدة؟
وليد بنظرة صارمة: هو دة اللي انا عاوز أعرفه منك.
فابتلعت حياة ريقها بصعوبة وهي تتساءل بداخلها ان كان زوجها قد لاحظ أي شيء جعله يشك بسابق معرفتها بعماد أم أن عماد قد خالف كل توقعاتها و ألمح له بهذا الأمر؟ ولكنها مع ذلك قررت أن تتمادى في كذبها وهي تدعو ربها ألا تكون لشكوكها أي أساس من الصحة: صدقني يا وليد, مفيش حاجة تانية.
رأت حياة نظرة غريبة في عينيه عجزت عن ترجمتها وسمعته يقول لها وهو ينهض تاركا الحجرة: براحتك يا حياة, انا مش هضغط عليكي أكتر من كدة.
وعقب خروجه وبعد أن أغلق الباب خلفه بعنف غطت حياة وجهها بيديها وهي تجهش بالبكاء عاجزة عن تصور ما يمكنه أن يكون في انتظارها في الأيام المقبلة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أوقف يوسف سيارته في حديقة الفيللا, ولكنه لم يوقف المحرك فنظرت إليه مريم متسائلة فرد على سؤالها الصامت: انا وعدت علياء اني هروح الحفلة اللي عاملاها النهاردة, بس مش هتأخر.
فردت مريم بهدوء وكأن الأمر لا يعنيها: براحتك.
ثم اندفعت خارج السيارة وهي تركض تقريبا الى الفيلا تاركة يوسف يتساءل عما أزعجها بهذا الشكل, فهل كانت تفضل الذهاب معه؟ ولكن قد أخبرته علياء بأنها رفضت دعوتها, أم أنها كانت تفضل أن يرفض هو الآخر تلك الدعوة ويقضي الليلة برفقتها؟ حقا لقد بدأ يحتار يوسف جلال في أمر تلك الفتاة ولم يعلم كيف يمكنه أن يرضيها؟ ولكنه قرر في النهاية أن يذهب إلى ذلك الحفل أولا ثم يعود سريعا ليتحدث معها, و انطلق بسيارته عاقدا العزم على ذلك.
في حين صعدت مريم إلى حجرتها وهي تكاد لا ترى الطريق أمامها من كثرة الدموع التي انهمرت من عينيها حتى ألقت بنفسها على السرير وصوت بكائها يعلو بشدة بمقدار الألم الذي تشعر به وهي تفكر في موقفه ذلك حيث لم يعد يهمه أن يخفي عنها علاقته بعلياء. أيحاول أن يفهمها بكل بساطة بأنه لا يهتم بأمرها ولا يجب عليها أن تعلق أمالا على علاقتها به؟ ان كان كذلك بالفعل فليطمئن فهي قد استوعبت الرسالة بكل ما تحمله من معاني.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أما في شقة علياء والتي كانت تحتوي على عدد قليل من المدعوين للحفل المزعوم, فاتجهت صاحبة الحفل ناحية يوسف وهي تحمل في يدها كأسا من الخمر و تسحب في يدها الآخرى أحد الرجال وتقدمه إلى يوسف: دة بقا يا سيدي يوسف محمود خطيبي.
فصافحه يوسف بحرارة وود: ألف مبروك, وربنا يتمم بخير.
فرد الأخر: الله يبارك فيك, وأنا سعيد جدا بمعرفة حضرتك.
يوسف: انا أسعد.
ثم نادى أحدهم عليه فاستأذن من يوسف واتجه إلى صديقه, فقال يوسف لعلياء باسما: مبروك يا علياء, واضح انه انسان كويس.
فردت علياء هامسة بدلال: أحسن حاجة فيه ان اسمه على اسمك.
شعر يوسف بالاحراج من فهمه للمعنى الخفي لكلامها فقال وهو يحاول التملص من أي رد يمكنه أن يشجعها على التمادي: طيب أستأذن أنا بقا؟
فتشبثت علياء بذارعه دون أن تخشى من أن يلاحظهما أحد وهي تقول له برجاء: ايه دة؟ بسرعة كدة؟
فحاول يوسف أن يخلص ذراعه منها برفق دون أن ينجح في ذلك وهو يقول معتذرا: معلش بقا تتعوض في الفرح ان شاء الله.
علياء وهي ترفض رفضا تاما أن تدعه يرحل: مش ممكن, دة الحفلة لسة في أولها, وكمان انت لحد دلوقت لسة ما شربتش حاجة.
يوسف: معلش, اعفيني المرادي.
علياء وهي تقدم له الكأس الذي بيدها: ليه بقا؟ انت مش عاجباك الشمبانيا بتاعتي ولا ايه؟ طيب حتى دوقها الأول.
فقال يوسف رافضا عرضها: لا مش كدة, انا فعلا مش ليا مزاج النهاردة.
علياء وهي تمط شفتيها بغير رضا: مش ليك مزاج ولا المدام هي اللي حرجت عليك؟
فهز يوسف رأسه نافيا: مريم ملهاش دعوة, كل الموضوع ان بالي مشغول شوية, ومش هقدر أشرب النهاردة.
فقالت علياء بدلال مستخدمة كل أسلحتها الأنثوية في هذا الرجاء وهي تقرب الكأس من فمه: طيب ولو قولتلك عشان خاطري بردو هتقول لا؟
لم يستطع يوسف أن يحرجها أكثر فأخذ منها الكأس وبدأ يتجرع محتوياته ببطء وعلياء تعلو وجهها نظرة شيطانية تثبت أنها قد حققت انتصارا كبيرا في هذه الجولة أيضا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
صعد يوسف الدرج في فيللته متجها إلى حجرة نومه بخطوات بطيئة وثقيلة حيث بدا عليه أنه قد تناول كمية ليست بالقليلة من المسكرات, ثم فتح باب الحجرة بحذر شديد خوفا من ازعاج مريم التي خمن بأنها الآن تغط في نوم عميق وقد صدق حدسه عندما وجد أن الغرفة غارقة في ظلام دامس, فأغلق الباب بنفس الحذر وتوجه ناحية الباب الصغير الذي يصل بين الحجرتين إلى أن أوقفه صوتها الذي لا يدل على أنها قد ذاقت طعم النوم: حمدالله ع السلامة.
فتحسس يوسف طريقه إلى أزرار الإضاءة التي كانت قريبة منه وضغط على أحدها فأضيئت الحجرة ليرى مريم جالسة على سريرها وكأنها كانت بانتظاره, فقال يوسف بابتسامة هادئة: مريم! أنا آسف كنت فاكرك نايمة, مساء الخير.
فأشارت مريم باتجاه الساعة الكبيرة المعلقة بالحائط وهي تقول: قصدك صباح الخير, بتهيئلي دة اللي المفروض يتقال الساعة اتنين الصبح.
تجاهل يوسف سخريتها الواضحة, وقال محاولا أن يبدو صوته مرحا بقدر الامكان: ولما انتي عارفة ان الساعة اتنين ايه اللي مصحيكي لحد دلوقت؟ انا على حسب علمي انك ما بتحبيش السهر.
فنهضت مريم من على السرير وهي تقترب منه قليلا: أنا فعلا ما بحبش السهر,بس شكلي هتعلمه على ايدك قريب.
لم يتحمل يوسف تلك المراوغة في كلامها, فقال بنفاذ صبر واضح من لهجته: انتي عاوزة ايه بالظبط يا مريم؟
مريم بصوت قاطع: عاوزاك تطلقني يا يوسف.
نزل كلامها على يوسف كالعاصفة وردد خلفها وكأنه لم يستوعب ما قالته جيدا: أطلقك؟! ليه يعني؟ ايه اللي جد عشان تطلبي طلب زي دة؟
مريم وصوتها يحتد كثيرا: اللي جد اني ما بقتش قادرة أستحمل الحياة دي خلاص, تقدر تقولي انت كنت فين دلوقت؟
يوسف ببساطة: مانا قولتلك اني كنت عند علياء.
مريم وقد أغاظها رده الغير مبالي كما وصفته: بتعملوا ايه؟
يوسف مستوضحا سؤالها المبهم: يعني ايه بنعمل ايه؟ وايه لزوم الاستجواب دة كله؟
مريم بتحد: ايه؟ مش من حقي؟
يوسف: وانتي شايفة انه من حقك؟
مريم وهي تستعيد رشدها تدريجيا ولكن قد ازداد عنادها أكثر: لا يا يوسف, مش من حقي, ولا عمره هيكون من حقي عشان كدة انا بطلب منك انك تطلقني.
يوسف وقد ضاق ذرعا من هذا الجدال العقيم: طب روحي نامي دلوقت يا مريم, وبكرة يبقا نتكلم في الموضوع دة.
مريم باصرار: ما بقاش فيه بكرة خلاص يا يوسف, انا مش ناوية أقعد هنا دقيقة واحدة بعد كدة, طلقني وانا هرجع فيللة جدو دلوقت.
وبالفعل كان صبره قد نفذ وهو يصرخ فيها قائلا: انا نفسي أعرف هو كان حصل ايه لكل دة؟
مريم بعد أن فلت من يدها الزمام ولم تعد تستطيع التحكم في أعصابها بعد الآن, فقالت بصوت وصل الى حد الصراخ: كل دة وبتسألني حصل ايه؟ أبدا يا يوسف ما حصلش حاجة, كل الحكاية ان الانسان اللي المفروض انه جوزي مش عامل لكرامتي اي اعتبار وهو راجع سكران بعد ما قضى طول الليل مع واحدة تانية والله أعلم كانوا بيعملو ايه طول الوقت دة؟
: مريم!
خرج صوته محملا بكل ما يشعر به من غضب فعلمت مريم أنها ربما قد أصابت الهدف فقررت أن تزيد من اسفزازها له علها تصل لغرضها: انا ميهمنيش انت تعرف كام واحدة أو بتقضي لياليك فين يا يوسف لآننا متفقين من الأول اننا هنتطلق بعد فترة معينة, وبتهيئلي ان جدو خلاص صحته اتحسنت وهيقدر يستحمل الخبر وأنا هكتبلك تنازل عن كل حقوقي.
فقال يوسف ساخرا: وانتي شايفة بقا اني مش هقدر أدفعلك المبلغ الهايف دة يعني لو وافقت اني أطلقك؟
فتداركت مريم خطأها سريعا وهي تقول: دة ما كنش قصدي, انا كنت أقصد ان أنا مش من حقي أخد منك أي حاجة. ع العموم الموضوع دة يبقا اتفاهم فيه مع جدو. المهم عندي دلوقت انك تطلقني.
يوسف: وان رفضت؟
مريم: مفيش أي سبب يخليك ترفض, لأن الطلاق هو أفضل حل لمشاكلنا دي, احنا لازم نتطلق يا يوسف عشان كل واحد فينا يقدر يعيش حياته بقا بالطريقة اللي هتريحه.
يوسف بنظرة شك: تعيشي حياتك ازاي يعني؟ قصدك انك تتجوزي حد تاني؟
وبالرغم من أن هذا الأمر لم يخطر ببالها قط إلا أنها قد قررت أن تثيرا الشك في نفسه كما يحدث بداخلها الآن: وليه لا؟ مفتكرش ان فيه حاجة ممكن تمنعني.
فقال يوسف وقد لاحظت أنه يكتم غضبه: اللي هيمنعك حاجة واحدة يا مريم وهو انك لسة مراتي وأنا مش ناوي اني أطلق ع الأقل دلوقت.
مريم: أمال امتى يعني؟
يوسف: لما يجيلي مزاجي.
مريم: بس أنا بقا مش هستنى لما يجيلك مزاجك دة, أنا هطلق يا يوسف سواء برضاك أو غصب عنك.
فاقترب منها يوسف وهو يوجه إليها نظرة خطرة: قصدك ايه؟ وازاي ممكن إنك تتطلقي مني غصب عني؟
علمت مريم بأنها قد تمادت كثيرا في استفزازه ولكنها لم ترد أن تتراجع عما بدأته فاسترسلت في حديثها وهي تحاول أن تخفي مقدار الرعب الذي بدأت تشعر به: هرفع قضية طلاق وهكسبها.
فاتسعت عيناه من شدة الصدمة وكأن عقربة لسعته, ولكن كعادته فقد تدارك الأمر سريعا وقال لها بصوت بارد كالثلج: وتضمني منين بقا انك هتكسبيها؟
ارتعش صوتها قليلا وهي تجيب: المحامي قالي ان طالما جوازنا لسة ع الورق وبس فيبقا سهل أوي إن أي قاضي يحكم لصالحي في القضية.
يوسف بصوت لاذع وهو يقترب منها أكثر: وكمان سألتي محامي! دة واضح انك خلاص جهزتي لكل حاجة, بس اسمحيلي بقا يا مريم اني أبوظلك كل خططك دي لآن انا مش الانسان اللي ممكن يعمل حاجة غصب عنه عشان كدة لازم اضمن إني ما اسمعش كلمة الطلاق دي تاني على لسانك.
ثم جذبها من ذراعها إلى حضنه بكل قوة وقد ظهر الذعر بعينيها وهي تسأل: انت هتعمل ايه؟
يوسف بكل هدوء: ناوي اني أحطم السبب اللي ممكن يخلي القاضي يحكم لصالحك في القضية.
وعندما استوعبت مريم كلامه جيدا شعرت برعب حقيقي يغزو كل كيانها وحاولت أن تثنيه عن قراره بالتوسل وبجمل عشوائية كالطفل الذي يحاول أن يتهرب من العقاب: لا يا يوسف أرجوك, انا اسفة ما كنتش أقصد, وهستنى لما انت تطلقني. مش هرفع قضية.
ولكن بدا أنه لم يتأثر بكل توسلاتها وهو يقول لها بكل تصميم مقربا وجهه منها: بس أنا بقا يا مريم مش ناوي أطلقك لا دلوقت ولا بعدين ومن النهاردة هتبقي مراتي فعلا مش بس ع الورق.
وحاولت مريم أن تقاومه بكل ما لديها من قوة وهي تهدد حينا وتتوسله حينا ولكن بدأ أنه قد أصم أذنيه عن كل ذلك, وقد علمت مريم أنها لن تستطيع ردعه ليس لتفوقه الجسامني وحسب بل لأنها شعرت وكأنها تقاوم نفسها أيضا فقد كان هناك شيئا بداخلها يتمناه زوجا لها تكمل معه الباقي من حياتها رغم كل ما سمعته من علياء وهو ما لا تستطيع تصديقه بالكامل وتحاول نسيانه الأن فمهما كان يوسف ذلك الوحش المستغل الذي وصفته لها علياء إلا أنه هو أيضا نفس الشخص الوحيد الذي تحركت له مشاعرها, وفي النهاية استسلمت له بل لنقل أنها استسلمت أخيرا لنداء القلب
الحلقة السادسة والعشرون
*آسف*
كانت حياة مستلقية على السرير و هي لا تزال غائبة عن الوعي وشعرها مبعثرا بشكل عشوائي على الوسادة ومريم تجلس بجانبها وفي يدها زجاجة عطر صغيرة وقطعة قطن تحاول أن تقربها من أنف حياة التي بدأت تحرك رأسها يمينا وشمالا وهي تستعيد وعيها تدريجيا إلى أن فتحت عينيها, فابتسمت مريم وهي تحمد ربها ووضعت ما بيدها على المنضدة الصغير التي بجوار السرير وقالت لحياة وهي تمسح على رأسها بحنان: حمدالله على سلامتك يا حياة, قلقتينا عليكي.
فحاولت حياة النهوض وهي تشعر بالوهن وساعدتها مريم إلى أن استطاعت الجلوس وهي تستند برأسها على الوسادة بالخلف, وضغطت على يد مريم والدموع تتجمع بعينيها وتسألها بتوسل: أنا كنت بحلم يا مريم, مش كدة؟ بالله عليكي لتقوليلي ان كل دة كان مجرد كابوس.
كانت مريم تتمنى أن تؤكد كلامها إلا أنها لم تستطع فنظرت إليها بعيون مليئة بالشفقة وهي تقول: للأسف يا حياة كان حقيقة, عماد شاكر عزالدين كان موجود هنا ولسة ماشي دلوقت وجوزك نزل يوصله بعد ما اتأكد انك بخير وكمان عشان يجيب حاجة من الصيدلية نفوقك بيها.
وما ان سمعت حياة ذلك حتى انهارت تماما وأخدت تلطم وجهها بيديها وتبكي بحرقة وتتفوه بكلام غير مفهوم استطاعت مريم أن تتبين منه القليل بصعوبة حيث كانت تندب حظها: ليه بس كدة يا ربي؟ بعد ما كنت بدأت أنسى؟ بعد ما كنت بدأت أعيش حياتي؟ هو أنا مش مكتوبلي أفرح بقا؟
فجذبتها مريم إلى حضنها وهي تبكي لبكائها و تقول لها مواسية: اهدي يا حياة واستغفري ربنا.
وبالفعل بدأت حياة تردد الاستغفار إلى أن شعرت بها مريم تهدأ قليلا فأبعدتها عنها برفق وأخذت تجفف لها دموعها وهي تقول لها محاولة التفكير بعقلانية: حبيبتي احنا لازم نشوف دلوقت احنا هنعمل ايه في المصيبة دي؟
وكأنها بسؤالها ذلك أثارت دموعها من جديد, فقالت وهي تنتحب: مش عارفة, مش عارفة يا مريم, ياربي بقا من بين كل الناس يطلع دة صاحب جوزي, الانسان اللي دبحني؟
فحذرتها مريم وهي تضع اصبعها على فمها: هسسسس,وطي صوتك عشان يوسف برة وممكن يسمعنا.
حياة: طب قوليلي انتي يا مريم, اعمل ايه؟ وأتصرف ازاي؟
مريم: مفيش غير حل واحد. انتي لازم تقولي لوليد لآن هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف في الموضوع دة, واهو كدة كدة عارف كل الحقيقة ومش فاضل غير انه يعرف اسم الشخص دة وبس.
فقالت حياة ترجوها وهي تحتضن يدها بتوسل: لا يا مريم, بالله عليكي بلاش وليد, عشان خاطري يا مريم وليد لا, وليد عصبي ودمه حامي ولو عرف ممكن يقتله, ومحدش عارف الزفت اللي اسمه عماد دة ممكن يعمل ايه؟ دة واطي وندل وممكن يأذيه, وفي الحالتين هخسر وليد.
مريم وهي تبدي تعاطفا معها: امال هتعملي ايه بس؟ ومش جايز كمان عماد هو اللي يقوله؟
حياة: لا, مفتكرش, اللي زي عماد دة جبان ومش ممكن يعترف على نفسه بجريمة زي دي.
فامتثلت مريم لطلبها: خلاص, اللي تشوفيه يا حياة, بس قومي دلوقت ادخلي الحمام واغسلي وشك, عشان وليد مش لازم يشوف الدموع اللي في عنيكي دي.
وساعدتها مريم على النهوض وظلت معها حتى غسلت وجهها, وما ان خرجتا من باب الحمام حتى وجدتا وليد قد لحق بهما, فأسرع يأخذ بيد زوجته يسألها باهتمام بالغ: عاملة ايه دلوقت يا حياة؟ مش أحسن؟ ولا تحبي اتصل بالدكتور؟
فنظرت اليه تمسح تعابير وجهه بعينيها لترى فيه قلق ولهفة كانت تمنى أن تجدهما قبل الأن مما زاد من شعورها بالألم وهي تحاول أن تطمئنة بابتسامة واهنة: مفيش داعي, انا الحمد لله كويسة, كانوا بس شوية ارهاق.
فقال لها وليد لائما نفسه وهو يساعدها على الاستلقاء مجددا على السرير: انا آسف يا حياة, كل دة كان بسببي, ما كنش لازم أتعبك معايا اوي كدة.
فنظرت اليه حياة مطولا دون أن تعلق, فبالطبع لم يكن لديها ما يمكن ان تخفف عنه به, فتولت مريم الأمر وقالت بلهجة مرحة: يا سيدي دي مراتك بس بتدلع علينا شوية.
وليد دون ان يرفع عينيه عن حياة: تدلع براحتها بس ما تقلقناش عليها بالشكل دة.
تساءلت حياة بداخلها ان كان كل هذا القلق والاهتمام الذي يحاول أن يظهرهما لها هما بالفعل ما يشعر بهما بداخله أم أن ذلك ليس الا ستارا يضعه بسبب وجود مريم معهما بنفس الحجرة؟ ويبدو أن مريم شعرت بما يدور بخلدها فقالت وهي تتجه ناحية الباب: طب بعد اذنكم أنا بقا.
وليد: على فين يا مريم؟
مريم: هنروح بقا, انا خلاص اطمنت على حياة, ويوسف قاعد لوحده من بدري.
فنظر وليد الى حياة يقول لها: طيب انا هروح أوصلهم وأرجعلك على طول.
فمنعته مريم باشارة من يدها: لا مفيش داعي يا وليد, خليك انت جنب مراتك, احنا عارفين يا سيدي الطريق كويس ومش هنتوه, وكمان احنا مش أغراب يعني للرسميات دي.
ثم وجهت حديثها الى حياة: مش عاوزة أي حاجة يا حياة قبل ما امشي؟
فشكرتها حياة: تسلميلي يا مريم, وربنا ما يحرمني منك.
مريم: طيب ان شاء الله هشوفك في الكلية بكرة؟
فهزت حياة رأسها قائلة: ان شاء الله.
فقالت مريم قبل أن تفتح باب الحجرة ثم تغلقه خلفها: تصبحوا على خير بقا.
حياة و وليد: وانتي من أهله.
وبعد أن غادرت مريم ثم سمعا صوت الباب الرئيسي للشقة ينغلق هو الأحر نظر وليد لحياة وهو يسألها: فيه ايه يا حياة؟ ايه سبب اللي حصلك دة؟ وما تحاوليش تقنعيني انه كان بسبب الارهاق زي ما قولتي قبل كدة.
فقالت حياة وهي تغتصب ابتسامة على شفتيها: امال يعني هيكون ايه بس غير كدة؟
وليد بنظرة صارمة: هو دة اللي انا عاوز أعرفه منك.
فابتلعت حياة ريقها بصعوبة وهي تتساءل بداخلها ان كان زوجها قد لاحظ أي شيء جعله يشك بسابق معرفتها بعماد أم أن عماد قد خالف كل توقعاتها و ألمح له بهذا الأمر؟ ولكنها مع ذلك قررت أن تتمادى في كذبها وهي تدعو ربها ألا تكون لشكوكها أي أساس من الصحة: صدقني يا وليد, مفيش حاجة تانية.
رأت حياة نظرة غريبة في عينيه عجزت عن ترجمتها وسمعته يقول لها وهو ينهض تاركا الحجرة: براحتك يا حياة, انا مش هضغط عليكي أكتر من كدة.
وعقب خروجه وبعد أن أغلق الباب خلفه بعنف غطت حياة وجهها بيديها وهي تجهش بالبكاء عاجزة عن تصور ما يمكنه أن يكون في انتظارها في الأيام المقبلة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أوقف يوسف سيارته في حديقة الفيللا, ولكنه لم يوقف المحرك فنظرت إليه مريم متسائلة فرد على سؤالها الصامت: انا وعدت علياء اني هروح الحفلة اللي عاملاها النهاردة, بس مش هتأخر.
فردت مريم بهدوء وكأن الأمر لا يعنيها: براحتك.
ثم اندفعت خارج السيارة وهي تركض تقريبا الى الفيلا تاركة يوسف يتساءل عما أزعجها بهذا الشكل, فهل كانت تفضل الذهاب معه؟ ولكن قد أخبرته علياء بأنها رفضت دعوتها, أم أنها كانت تفضل أن يرفض هو الآخر تلك الدعوة ويقضي الليلة برفقتها؟ حقا لقد بدأ يحتار يوسف جلال في أمر تلك الفتاة ولم يعلم كيف يمكنه أن يرضيها؟ ولكنه قرر في النهاية أن يذهب إلى ذلك الحفل أولا ثم يعود سريعا ليتحدث معها, و انطلق بسيارته عاقدا العزم على ذلك.
في حين صعدت مريم إلى حجرتها وهي تكاد لا ترى الطريق أمامها من كثرة الدموع التي انهمرت من عينيها حتى ألقت بنفسها على السرير وصوت بكائها يعلو بشدة بمقدار الألم الذي تشعر به وهي تفكر في موقفه ذلك حيث لم يعد يهمه أن يخفي عنها علاقته بعلياء. أيحاول أن يفهمها بكل بساطة بأنه لا يهتم بأمرها ولا يجب عليها أن تعلق أمالا على علاقتها به؟ ان كان كذلك بالفعل فليطمئن فهي قد استوعبت الرسالة بكل ما تحمله من معاني.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أما في شقة علياء والتي كانت تحتوي على عدد قليل من المدعوين للحفل المزعوم, فاتجهت صاحبة الحفل ناحية يوسف وهي تحمل في يدها كأسا من الخمر و تسحب في يدها الآخرى أحد الرجال وتقدمه إلى يوسف: دة بقا يا سيدي يوسف محمود خطيبي.
فصافحه يوسف بحرارة وود: ألف مبروك, وربنا يتمم بخير.
فرد الأخر: الله يبارك فيك, وأنا سعيد جدا بمعرفة حضرتك.
يوسف: انا أسعد.
ثم نادى أحدهم عليه فاستأذن من يوسف واتجه إلى صديقه, فقال يوسف لعلياء باسما: مبروك يا علياء, واضح انه انسان كويس.
فردت علياء هامسة بدلال: أحسن حاجة فيه ان اسمه على اسمك.
شعر يوسف بالاحراج من فهمه للمعنى الخفي لكلامها فقال وهو يحاول التملص من أي رد يمكنه أن يشجعها على التمادي: طيب أستأذن أنا بقا؟
فتشبثت علياء بذارعه دون أن تخشى من أن يلاحظهما أحد وهي تقول له برجاء: ايه دة؟ بسرعة كدة؟
فحاول يوسف أن يخلص ذراعه منها برفق دون أن ينجح في ذلك وهو يقول معتذرا: معلش بقا تتعوض في الفرح ان شاء الله.
علياء وهي ترفض رفضا تاما أن تدعه يرحل: مش ممكن, دة الحفلة لسة في أولها, وكمان انت لحد دلوقت لسة ما شربتش حاجة.
يوسف: معلش, اعفيني المرادي.
علياء وهي تقدم له الكأس الذي بيدها: ليه بقا؟ انت مش عاجباك الشمبانيا بتاعتي ولا ايه؟ طيب حتى دوقها الأول.
فقال يوسف رافضا عرضها: لا مش كدة, انا فعلا مش ليا مزاج النهاردة.
علياء وهي تمط شفتيها بغير رضا: مش ليك مزاج ولا المدام هي اللي حرجت عليك؟
فهز يوسف رأسه نافيا: مريم ملهاش دعوة, كل الموضوع ان بالي مشغول شوية, ومش هقدر أشرب النهاردة.
فقالت علياء بدلال مستخدمة كل أسلحتها الأنثوية في هذا الرجاء وهي تقرب الكأس من فمه: طيب ولو قولتلك عشان خاطري بردو هتقول لا؟
لم يستطع يوسف أن يحرجها أكثر فأخذ منها الكأس وبدأ يتجرع محتوياته ببطء وعلياء تعلو وجهها نظرة شيطانية تثبت أنها قد حققت انتصارا كبيرا في هذه الجولة أيضا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
صعد يوسف الدرج في فيللته متجها إلى حجرة نومه بخطوات بطيئة وثقيلة حيث بدا عليه أنه قد تناول كمية ليست بالقليلة من المسكرات, ثم فتح باب الحجرة بحذر شديد خوفا من ازعاج مريم التي خمن بأنها الآن تغط في نوم عميق وقد صدق حدسه عندما وجد أن الغرفة غارقة في ظلام دامس, فأغلق الباب بنفس الحذر وتوجه ناحية الباب الصغير الذي يصل بين الحجرتين إلى أن أوقفه صوتها الذي لا يدل على أنها قد ذاقت طعم النوم: حمدالله ع السلامة.
فتحسس يوسف طريقه إلى أزرار الإضاءة التي كانت قريبة منه وضغط على أحدها فأضيئت الحجرة ليرى مريم جالسة على سريرها وكأنها كانت بانتظاره, فقال يوسف بابتسامة هادئة: مريم! أنا آسف كنت فاكرك نايمة, مساء الخير.
فأشارت مريم باتجاه الساعة الكبيرة المعلقة بالحائط وهي تقول: قصدك صباح الخير, بتهيئلي دة اللي المفروض يتقال الساعة اتنين الصبح.
تجاهل يوسف سخريتها الواضحة, وقال محاولا أن يبدو صوته مرحا بقدر الامكان: ولما انتي عارفة ان الساعة اتنين ايه اللي مصحيكي لحد دلوقت؟ انا على حسب علمي انك ما بتحبيش السهر.
فنهضت مريم من على السرير وهي تقترب منه قليلا: أنا فعلا ما بحبش السهر,بس شكلي هتعلمه على ايدك قريب.
لم يتحمل يوسف تلك المراوغة في كلامها, فقال بنفاذ صبر واضح من لهجته: انتي عاوزة ايه بالظبط يا مريم؟
مريم بصوت قاطع: عاوزاك تطلقني يا يوسف.
نزل كلامها على يوسف كالعاصفة وردد خلفها وكأنه لم يستوعب ما قالته جيدا: أطلقك؟! ليه يعني؟ ايه اللي جد عشان تطلبي طلب زي دة؟
مريم وصوتها يحتد كثيرا: اللي جد اني ما بقتش قادرة أستحمل الحياة دي خلاص, تقدر تقولي انت كنت فين دلوقت؟
يوسف ببساطة: مانا قولتلك اني كنت عند علياء.
مريم وقد أغاظها رده الغير مبالي كما وصفته: بتعملوا ايه؟
يوسف مستوضحا سؤالها المبهم: يعني ايه بنعمل ايه؟ وايه لزوم الاستجواب دة كله؟
مريم بتحد: ايه؟ مش من حقي؟
يوسف: وانتي شايفة انه من حقك؟
مريم وهي تستعيد رشدها تدريجيا ولكن قد ازداد عنادها أكثر: لا يا يوسف, مش من حقي, ولا عمره هيكون من حقي عشان كدة انا بطلب منك انك تطلقني.
يوسف وقد ضاق ذرعا من هذا الجدال العقيم: طب روحي نامي دلوقت يا مريم, وبكرة يبقا نتكلم في الموضوع دة.
مريم باصرار: ما بقاش فيه بكرة خلاص يا يوسف, انا مش ناوية أقعد هنا دقيقة واحدة بعد كدة, طلقني وانا هرجع فيللة جدو دلوقت.
وبالفعل كان صبره قد نفذ وهو يصرخ فيها قائلا: انا نفسي أعرف هو كان حصل ايه لكل دة؟
مريم بعد أن فلت من يدها الزمام ولم تعد تستطيع التحكم في أعصابها بعد الآن, فقالت بصوت وصل الى حد الصراخ: كل دة وبتسألني حصل ايه؟ أبدا يا يوسف ما حصلش حاجة, كل الحكاية ان الانسان اللي المفروض انه جوزي مش عامل لكرامتي اي اعتبار وهو راجع سكران بعد ما قضى طول الليل مع واحدة تانية والله أعلم كانوا بيعملو ايه طول الوقت دة؟
: مريم!
خرج صوته محملا بكل ما يشعر به من غضب فعلمت مريم أنها ربما قد أصابت الهدف فقررت أن تزيد من اسفزازها له علها تصل لغرضها: انا ميهمنيش انت تعرف كام واحدة أو بتقضي لياليك فين يا يوسف لآننا متفقين من الأول اننا هنتطلق بعد فترة معينة, وبتهيئلي ان جدو خلاص صحته اتحسنت وهيقدر يستحمل الخبر وأنا هكتبلك تنازل عن كل حقوقي.
فقال يوسف ساخرا: وانتي شايفة بقا اني مش هقدر أدفعلك المبلغ الهايف دة يعني لو وافقت اني أطلقك؟
فتداركت مريم خطأها سريعا وهي تقول: دة ما كنش قصدي, انا كنت أقصد ان أنا مش من حقي أخد منك أي حاجة. ع العموم الموضوع دة يبقا اتفاهم فيه مع جدو. المهم عندي دلوقت انك تطلقني.
يوسف: وان رفضت؟
مريم: مفيش أي سبب يخليك ترفض, لأن الطلاق هو أفضل حل لمشاكلنا دي, احنا لازم نتطلق يا يوسف عشان كل واحد فينا يقدر يعيش حياته بقا بالطريقة اللي هتريحه.
يوسف بنظرة شك: تعيشي حياتك ازاي يعني؟ قصدك انك تتجوزي حد تاني؟
وبالرغم من أن هذا الأمر لم يخطر ببالها قط إلا أنها قد قررت أن تثيرا الشك في نفسه كما يحدث بداخلها الآن: وليه لا؟ مفتكرش ان فيه حاجة ممكن تمنعني.
فقال يوسف وقد لاحظت أنه يكتم غضبه: اللي هيمنعك حاجة واحدة يا مريم وهو انك لسة مراتي وأنا مش ناوي اني أطلق ع الأقل دلوقت.
مريم: أمال امتى يعني؟
يوسف: لما يجيلي مزاجي.
مريم: بس أنا بقا مش هستنى لما يجيلك مزاجك دة, أنا هطلق يا يوسف سواء برضاك أو غصب عنك.
فاقترب منها يوسف وهو يوجه إليها نظرة خطرة: قصدك ايه؟ وازاي ممكن إنك تتطلقي مني غصب عني؟
علمت مريم بأنها قد تمادت كثيرا في استفزازه ولكنها لم ترد أن تتراجع عما بدأته فاسترسلت في حديثها وهي تحاول أن تخفي مقدار الرعب الذي بدأت تشعر به: هرفع قضية طلاق وهكسبها.
فاتسعت عيناه من شدة الصدمة وكأن عقربة لسعته, ولكن كعادته فقد تدارك الأمر سريعا وقال لها بصوت بارد كالثلج: وتضمني منين بقا انك هتكسبيها؟
ارتعش صوتها قليلا وهي تجيب: المحامي قالي ان طالما جوازنا لسة ع الورق وبس فيبقا سهل أوي إن أي قاضي يحكم لصالحي في القضية.
يوسف بصوت لاذع وهو يقترب منها أكثر: وكمان سألتي محامي! دة واضح انك خلاص جهزتي لكل حاجة, بس اسمحيلي بقا يا مريم اني أبوظلك كل خططك دي لآن انا مش الانسان اللي ممكن يعمل حاجة غصب عنه عشان كدة لازم اضمن إني ما اسمعش كلمة الطلاق دي تاني على لسانك.
ثم جذبها من ذراعها إلى حضنه بكل قوة وقد ظهر الذعر بعينيها وهي تسأل: انت هتعمل ايه؟
يوسف بكل هدوء: ناوي اني أحطم السبب اللي ممكن يخلي القاضي يحكم لصالحك في القضية.
وعندما استوعبت مريم كلامه جيدا شعرت برعب حقيقي يغزو كل كيانها وحاولت أن تثنيه عن قراره بالتوسل وبجمل عشوائية كالطفل الذي يحاول أن يتهرب من العقاب: لا يا يوسف أرجوك, انا اسفة ما كنتش أقصد, وهستنى لما انت تطلقني. مش هرفع قضية.
ولكن بدا أنه لم يتأثر بكل توسلاتها وهو يقول لها بكل تصميم مقربا وجهه منها: بس أنا بقا يا مريم مش ناوي أطلقك لا دلوقت ولا بعدين ومن النهاردة هتبقي مراتي فعلا مش بس ع الورق.
وحاولت مريم أن تقاومه بكل ما لديها من قوة وهي تهدد حينا وتتوسله حينا ولكن بدأ أنه قد أصم أذنيه عن كل ذلك, وقد علمت مريم أنها لن تستطيع ردعه ليس لتفوقه الجسامني وحسب بل لأنها شعرت وكأنها تقاوم نفسها أيضا فقد كان هناك شيئا بداخلها يتمناه زوجا لها تكمل معه الباقي من حياتها رغم كل ما سمعته من علياء وهو ما لا تستطيع تصديقه بالكامل وتحاول نسيانه الأن فمهما كان يوسف ذلك الوحش المستغل الذي وصفته لها علياء إلا أنه هو أيضا نفس الشخص الوحيد الذي تحركت له مشاعرها, وفي النهاية استسلمت له بل لنقل أنها استسلمت أخيرا لنداء القلب
26= ج2=
وفي صباح اليوم التالي, استيقظت مريم من نومها لتبحث عن يوسف في كل مكان حولها فلم تجد له أثرا حتى كادت تشك بأنه لم يعد إلى الفيللا بالأمس وكل ماحدث كان مجرد حلما عاشته وانتهى, ولكنه بالطبع لم يكن كذلك, إذن فأين ذهب؟ ثم ألقت نظرة خاطفة إلى ساعة الحائط لتكتشف أنها لم تتجاوز التاسعة صباحا, ويوسف في المعتاد لا يذهب إلى شركته قبل الساعة العاشرة, فما بالك اليوم؟
ثم تساءلت بداخلها إذا ما كانت بالفعل ترغب في رفقته بعد كل ما حدث؟ وكان الجواب نعم.
وحينها أدركت مريم لدرجة اليقين بأنها تحبه, بل تعشقه, ومستعدة أيضا لأن تغفر له كل ما حدث بالسابق ليبدآن معا حياة جديدة أساسها الحب والتفاهم, كما أنها أدركت أن ما كان يمنعها من الاعتراف بحبه هو كبريائها الذي أصبحت على استعداد للتخلي عنه الآن لتبوح له بكل مشاعرها, ولكن ياترى أين هو الآن؟ ثم التقطت هاتفها وهي عازمة على الاتصال به ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وقررت أن تنتظر حتى يعود فهو حتما لن يتأخر وهي ستكون في انتظاره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تتجه ناحية باب الجامعة الرئيسي وهي تضع هاتفها الجوال بالقرب من أذنيها وتقول: المهم يا حبيبتي انك بخير انا بس قلقت عليكي لاننا كنا متفقين اننا هنتقابل النهاردة, بس ياللا خير ان شاء الله......اشوفك بكرة بقا؟......ايه؟...كمان مش هتيجي بكرة؟..... يا مريم طيب فهميني هو فيه حاجة؟ ....... طيب انتي تعبانة لاقدر الله؟........طيب تحبي اجيلك؟....... اوك يا حبيبتي يارب دايما تكوني بخير...... مع السلامة ويبقا طمنيني عليكي.
وأنهت حياة المكالمة وقد خرجت من الجامعة في انتظار أن تعبر الطريق, ولكن لفت انتباهها ما لم يكن في الحسبان, فقد رأت هدى تتجه مسرعة ناحية إحدى السيارات الملاكي وهي تبتسم وفي غاية السعادة ثم فتحت الباب المجاور للسائق و انطلقت بها السيارة إلى حيث لا تعلم, ولكن قبل أن تتحرك السيارة استطاعت حياة أن تتبين صاحبها والذي يمتاز بملامح يصعب على حياة نسيانها فهو بالتأكيد عماد شاكر عزالدين.
تسمرت حياة مكانها للحظات وهي تحاول أن تستوعب ما رأته منذ لحظات ولا يخطر في بالها سوى أمر واحد ألا وهو أن هدى أصبحت في خطر وهي لا يمكنها أن تقف هكذا مكتوفة اليدين لا تقدر على عمل شيء, فيجب أن تحاول انقاذها بشتى الطرق, ولكن بما أن هدى لم تلتق بعماد سوى بالأمس فهو لا يزال أمامه بضعة أيام ليستطيع أن يستدرجها إلى شقته هكذا كانت تسمع عنه وهو ما جعلها تحذر من التعامل معه لذا استخدم إحدى طرقه الملتوية معها, ولكن هذا لا يمنع أن عليها التفكير سريعا في حل لتلك المشكلة الجديدة والتي أُضيفت لمشاكلها المتعددة.
عبرت حياة الطريق شاردة تقريبا ولكن ذلك لم يمنعها من ملاحظة تلك السيارة التي كانت تقف قريبة من سيارة عماد التي رحلت منذ قليل وعندما مرت بها أثبتت صحة شكوكها وهي أنها قد رأت تلك السيارة من قبل وتأكدت من ذلك حين رأت ماهر يستند بمرفقه عليها وبدا أنه قد رأى ما رأته منذ قليل, ولكن ما الذي أتى به في ذلك الوقت بالذات؟ وأرادت أن تتحقق من الأمر وأن تكتشف منه ما ينوي على فعله, فاقتربت منه قليلا وهي تقول باسمة محاولة إخفاء توترها: السلام عليكم, ازيك يا أستاذ ماهر, عامل ايه وإيه أخبار طنط وردة؟
فأجاب ماهر بوجوم: الحمد لله بخير.
بدا أنه ليس في حالته الطبيعية ولكن ذلك لم يثنيها عن الاستمرار في المحاولة وقررت أن يكون سؤالها مباشرا: هو انت ايه جابك النهاردة هنا؟ انت ليك حد في الجامعة مستنيه؟
فرد ماهر بسخرية مريرة وهو يتطلع الى الطريق الذي انطلقت فيه سيارة عماد: كنت مستنيه, بس اظاهر كدة اني وصلت متأخر.
وقد صدق حدسها عندما توقعت أن ماهر يكن عاطفة من نوع ما ناحية هدى وقررت أن تستغل ذلك لصالحها فقالت بنبرة تشبه التوسل: ارجوك ياريت لا يوسف ولا وليد يعرفوا أي حاجة.
بالطبع لم يكن ماهر بحاجة إلى التوضيح حيث بدا أنها تقصد ما حدث منذ قليل على مرأى منهما فهز ماهر رأسه موافقا وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, محدش فيهم هيعرف, بس يبقا قولي لهدى تاخد بالها من نفسها.
تعمدت حياة أن تبدي جهلها بتحذيره المبطن فقالت له مبتسمة: هدى لسة عيلة صغيرة, وزي كل البنات بتحلم انها تخرج وتتفسح وتعيش حياتها يعني.
ماهر ساخرا: وهي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجه؟ يبقا مجنونة وبتلعب بالنار اللي مش هتحرق أي حد غيرها.
ثم غير الموضوع سريعا وهو يفتح باب سيارته ويقول لها بود: لو حضرتك مروحة اتفضلي أوصلك.
فاعتذرت حياة سريعا: لا معلش, انا اسفة. انا بحب اتمشى وكمان البيت مش بعيد, عن اذنك.
وتركته حياة وكلماته كانت لا تزال تتردد في عقلها حين قال: و هي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجة؟
نعم, فهي أعلم الناس بنوايا هذا الشخص الوضيع ولكن هيهات أن تعترف أمام أحد بتلك الحقيقة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ارتدت مريم أفضل ثيابها المناسبة للخروج, ثم جلست أمام التسريحة لتستخدم بعض أدوات الزينة التي لم تكن تبالي بأي منهم حتى الآن, ولكن اليوم هو مميز بالنسبة لها وتريد أن تظهر في أبهى صورة ممكنة, وقامت بتثبيت الطرحة فوق رأسها بشكل رائع, فقد كان كل شيء بها يوحي بالكمال, ثم أسرعت تنزل درجات السلم ونادت بصوتها الناعم على الخادمة, فجاءتها تلك السيدة العجوز وسألتها مريم والسعادة تشع من عينيها: ام ابراهيم, هي هدى نامت؟
أم ابراهيم: من بدري يا بنتي, هي جات من كليتها تعبانة فكلت ونامت على طول, تحبي أجهزلك العشا؟
مريم: لا, انا هستنى يوسف, والا أقولك؟ روحي انتي كمان نامي شكلك تعبانة.
أم إبراهيم: ازاي بس يا بنتي انام قبل ما الباشمهندس ييجي وأجهزلكم العشا؟
مريم: لا, ماهو احنا احتمال نخرج ونتعشا برة. ما تشغليش نفسك انتي.
أم إبراهيم مستسلمة: اللي تشوفيه يا بنتي, ع العموم لو احتجتوا أي حاجة صحيني, تصبحي على خير.
مريم: وانتي من أهله.
وعندما أدرات الخادمة وجهها مستعدة للذهاب إلى حجرتها نادتها مريم: ام ابراهيم!
فتوقفت السيدة ونظرت اليها متسائلة: خير يا بنتي؟
مريم متردد: هو أنا كدة حلوة؟
تعجبت الخادمة من السؤال في البداية ولكن سرعان ما قالت بابتسامة واسعة وبلهجة مليئة بالصدق: زي البدر في ليلة تمامه, الله أكبر عليكي, ربنا يحرسك من العين ويهديلك الباشمهندس.
فقالت مريم وهي تؤمن على دعائها: الله يا أم إبراهيم, ما تعرفيش أنا أد ايه كنت محتاجة للدعوة الأخيرة دي, ياللا بقا تصبحي على خير.
وذهبت السيدة, فجلست مريم على الأريكة في انتظار زوجها الذي قد تأخر قليلا عن موعده, ولكن مهما تأخر فستنتظره, وعدى ما يقرب من الساعة قبل أن تسمع مريم صوت باب الفيلا ينفتح ثم يغلق مرة أخرى. وكادت تقفز من مكانها لتستقبله, ولكن قد تغلب صوت العقل بداخلها فقررت أن تنتظره في مكانها بكل ثبات, وماهي هي إلا لحظات حتى أصبح يوسف أمامها وبدا أنه لم يلحظ التغيير الذي قد أحدثته بنفسها حيث قال لها بوجوم: مساء الخير.
فردت مريم بخيبة أمل ظهرت بوضوح في نبرة صوتها: مساء النور.
سألها يوسف وهي يتفحص ثيابها بنظرة سريعة: انتي خارجة؟
وكانت تلك الصدمة الثانية التي تتلقاها منه منذ وصوله, فهل هذا فقط هو ما لاحظه؟ فأين تلك الكلمات الرقيقة والحنونة التي منت نفسها بسماعها طوال اليوم وهي تختار تلك الثياب بعناية فائقة بعد أن أخرجت كل الثياب تقريبا من خزانتها, ولكنها لم تفقد كل الأمل فردت عليه: يعني على حسب.
فقال يوسف وهو يحاول تجنب النظر اليها وهي لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك منذ عودته كما لاحظت مريم أيضا مدى التوتر الذي يتخلل صوته على غير المعتاد كما انه ما زال واقفا مكانه لم يبد أي رغبة للجلوس: مش فاهم يعني ايه؟
مريم: يعني على حسب الكلام اللي هنقوله دلوقت.
ونهضت من مكانها كي تستجمع القليل من شجاعتها وهي تقول: يوسف احنا لازم نتكلم مع بعض شوية.
يوسف موافقا دون أن يبدي أي حماس لذلك بعكس ما كانت تشعر هي: عندك حق, احنا فعلا لازم نتكلم مع بعض, انا حقيقي في كلام كتير عاوز اقولهولك بس لأول مرة في حياتي أحس إني مش عارف أبدأ ازاي؟
هل ما تسمعه الآن هو حقيقي؟ فهل في نيته أن يبدأ هو ويعترف بحبه لها؟ ليتها تكون الحقيقة, فهذا بالفعل ما تتمناه فهو بذلك سيوفر عليها الكثير من الخجل الذي بدأ يورد خديها.
: مريم! أنا آسف!
لم تدر مريم إن كانت كلمة الاعتذار تلك قد خرجت عن يوسف أو عن أي شخص آخر؟ مما جعلها تتلفت حولها لتحقق من ذلك, وحين لم تجد أحد غيرهما بالمكان أيقنت بأنه هو من تفوه بتلك الكلمة فرددت بدون وعي: آسف!
بالطبع لم يمكنها استيعاب الأمر, فلقد أهبت نفسها لسماع الكثير من الكلمات منه ولكن لم يكن من ضمنها تلك الكلمة, وبينما ظلت واقفة في مكانها لا تقو على الحراك أو حتى التفوه بأي كلمة أخرى, سمعته يسترسل في كلامه قائلا: انا فعلا اتسرعت امبارح, كنت شارب كتير وتقريبا ما كنتش في وعيي بالكامل علاوة على ان كلامك استفذني لدرجة خليتني اتهورت وما قدرتش اتحكم في تصرفاتي, مريم كل اللي بطلبه منك انك تقدري تسامحيني, وأنا مستعد لأي تعويض.
و كالعادة رددت مريم خلفه دون وعي: تعويض!
وبدا انه قد لاحظ أخيرا أنه قد استخدم كلمة غير مناسبة تماما, لذا حاول معالجة الأمر سريعا فقال: آسف, انا قصدي اني مستعد أنفذلك أي طلب تطلبيه مهما كان في سبيل انك تغفريلي الغلطة دي.
مابه؟ فهل سيستمر في إهانتها هكذا بينما هي تقف جامدة لا تستطيع الرد عليه أو ايذاؤه بأي كلمة؟ وبدا أنه ينتظر قرارها, أو بالأحرى ينتظر طلبها الذي يرى بأنه سيكون التعويض المناسب عن خطأه كما يسميه: طلقني يا يوسف.
خرجت الكلمة من فمها كالطلقة النارية بعد أن ظنت بأنها عاجزة عن إخراج صوتها, فنظر اليها يوسف وبدا ان طلبها ذلك لم يدهشه كثيرا, وعلى عكس ما توقعت من أنه سيصر على رفضه إلا أنها وجدته يقول بإذعان: حاضر, لو هو دة اللي انتي عاوزاه , انا هعمله. بس ممكن نأجله شوية؟
مريم باصرار: النهاردة يا يوسف, انا مش هقدر أعيش معاك ولا لحظة تانية وأنا في عصمتك. انا هطلع ألم هدومي عشان خلاص ما بقاليش مكان هنا.
وانطلقت مريم صاعدة الدرج وهي تجر أذيال الخيبة, فلم تكن هذه هي النهاية التي تتوقعها لتلك الليلة, بل لم يكن في حسبانها على الإطلاق بأنها ستكون الليلة الأخيرة لزواجهما.
وفي صباح اليوم التالي, استيقظت مريم من نومها لتبحث عن يوسف في كل مكان حولها فلم تجد له أثرا حتى كادت تشك بأنه لم يعد إلى الفيللا بالأمس وكل ماحدث كان مجرد حلما عاشته وانتهى, ولكنه بالطبع لم يكن كذلك, إذن فأين ذهب؟ ثم ألقت نظرة خاطفة إلى ساعة الحائط لتكتشف أنها لم تتجاوز التاسعة صباحا, ويوسف في المعتاد لا يذهب إلى شركته قبل الساعة العاشرة, فما بالك اليوم؟
ثم تساءلت بداخلها إذا ما كانت بالفعل ترغب في رفقته بعد كل ما حدث؟ وكان الجواب نعم.
وحينها أدركت مريم لدرجة اليقين بأنها تحبه, بل تعشقه, ومستعدة أيضا لأن تغفر له كل ما حدث بالسابق ليبدآن معا حياة جديدة أساسها الحب والتفاهم, كما أنها أدركت أن ما كان يمنعها من الاعتراف بحبه هو كبريائها الذي أصبحت على استعداد للتخلي عنه الآن لتبوح له بكل مشاعرها, ولكن ياترى أين هو الآن؟ ثم التقطت هاتفها وهي عازمة على الاتصال به ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وقررت أن تنتظر حتى يعود فهو حتما لن يتأخر وهي ستكون في انتظاره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تتجه ناحية باب الجامعة الرئيسي وهي تضع هاتفها الجوال بالقرب من أذنيها وتقول: المهم يا حبيبتي انك بخير انا بس قلقت عليكي لاننا كنا متفقين اننا هنتقابل النهاردة, بس ياللا خير ان شاء الله......اشوفك بكرة بقا؟......ايه؟...كمان مش هتيجي بكرة؟..... يا مريم طيب فهميني هو فيه حاجة؟ ....... طيب انتي تعبانة لاقدر الله؟........طيب تحبي اجيلك؟....... اوك يا حبيبتي يارب دايما تكوني بخير...... مع السلامة ويبقا طمنيني عليكي.
وأنهت حياة المكالمة وقد خرجت من الجامعة في انتظار أن تعبر الطريق, ولكن لفت انتباهها ما لم يكن في الحسبان, فقد رأت هدى تتجه مسرعة ناحية إحدى السيارات الملاكي وهي تبتسم وفي غاية السعادة ثم فتحت الباب المجاور للسائق و انطلقت بها السيارة إلى حيث لا تعلم, ولكن قبل أن تتحرك السيارة استطاعت حياة أن تتبين صاحبها والذي يمتاز بملامح يصعب على حياة نسيانها فهو بالتأكيد عماد شاكر عزالدين.
تسمرت حياة مكانها للحظات وهي تحاول أن تستوعب ما رأته منذ لحظات ولا يخطر في بالها سوى أمر واحد ألا وهو أن هدى أصبحت في خطر وهي لا يمكنها أن تقف هكذا مكتوفة اليدين لا تقدر على عمل شيء, فيجب أن تحاول انقاذها بشتى الطرق, ولكن بما أن هدى لم تلتق بعماد سوى بالأمس فهو لا يزال أمامه بضعة أيام ليستطيع أن يستدرجها إلى شقته هكذا كانت تسمع عنه وهو ما جعلها تحذر من التعامل معه لذا استخدم إحدى طرقه الملتوية معها, ولكن هذا لا يمنع أن عليها التفكير سريعا في حل لتلك المشكلة الجديدة والتي أُضيفت لمشاكلها المتعددة.
عبرت حياة الطريق شاردة تقريبا ولكن ذلك لم يمنعها من ملاحظة تلك السيارة التي كانت تقف قريبة من سيارة عماد التي رحلت منذ قليل وعندما مرت بها أثبتت صحة شكوكها وهي أنها قد رأت تلك السيارة من قبل وتأكدت من ذلك حين رأت ماهر يستند بمرفقه عليها وبدا أنه قد رأى ما رأته منذ قليل, ولكن ما الذي أتى به في ذلك الوقت بالذات؟ وأرادت أن تتحقق من الأمر وأن تكتشف منه ما ينوي على فعله, فاقتربت منه قليلا وهي تقول باسمة محاولة إخفاء توترها: السلام عليكم, ازيك يا أستاذ ماهر, عامل ايه وإيه أخبار طنط وردة؟
فأجاب ماهر بوجوم: الحمد لله بخير.
بدا أنه ليس في حالته الطبيعية ولكن ذلك لم يثنيها عن الاستمرار في المحاولة وقررت أن يكون سؤالها مباشرا: هو انت ايه جابك النهاردة هنا؟ انت ليك حد في الجامعة مستنيه؟
فرد ماهر بسخرية مريرة وهو يتطلع الى الطريق الذي انطلقت فيه سيارة عماد: كنت مستنيه, بس اظاهر كدة اني وصلت متأخر.
وقد صدق حدسها عندما توقعت أن ماهر يكن عاطفة من نوع ما ناحية هدى وقررت أن تستغل ذلك لصالحها فقالت بنبرة تشبه التوسل: ارجوك ياريت لا يوسف ولا وليد يعرفوا أي حاجة.
بالطبع لم يكن ماهر بحاجة إلى التوضيح حيث بدا أنها تقصد ما حدث منذ قليل على مرأى منهما فهز ماهر رأسه موافقا وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, محدش فيهم هيعرف, بس يبقا قولي لهدى تاخد بالها من نفسها.
تعمدت حياة أن تبدي جهلها بتحذيره المبطن فقالت له مبتسمة: هدى لسة عيلة صغيرة, وزي كل البنات بتحلم انها تخرج وتتفسح وتعيش حياتها يعني.
ماهر ساخرا: وهي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجه؟ يبقا مجنونة وبتلعب بالنار اللي مش هتحرق أي حد غيرها.
ثم غير الموضوع سريعا وهو يفتح باب سيارته ويقول لها بود: لو حضرتك مروحة اتفضلي أوصلك.
فاعتذرت حياة سريعا: لا معلش, انا اسفة. انا بحب اتمشى وكمان البيت مش بعيد, عن اذنك.
وتركته حياة وكلماته كانت لا تزال تتردد في عقلها حين قال: و هي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجة؟
نعم, فهي أعلم الناس بنوايا هذا الشخص الوضيع ولكن هيهات أن تعترف أمام أحد بتلك الحقيقة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ارتدت مريم أفضل ثيابها المناسبة للخروج, ثم جلست أمام التسريحة لتستخدم بعض أدوات الزينة التي لم تكن تبالي بأي منهم حتى الآن, ولكن اليوم هو مميز بالنسبة لها وتريد أن تظهر في أبهى صورة ممكنة, وقامت بتثبيت الطرحة فوق رأسها بشكل رائع, فقد كان كل شيء بها يوحي بالكمال, ثم أسرعت تنزل درجات السلم ونادت بصوتها الناعم على الخادمة, فجاءتها تلك السيدة العجوز وسألتها مريم والسعادة تشع من عينيها: ام ابراهيم, هي هدى نامت؟
أم ابراهيم: من بدري يا بنتي, هي جات من كليتها تعبانة فكلت ونامت على طول, تحبي أجهزلك العشا؟
مريم: لا, انا هستنى يوسف, والا أقولك؟ روحي انتي كمان نامي شكلك تعبانة.
أم إبراهيم: ازاي بس يا بنتي انام قبل ما الباشمهندس ييجي وأجهزلكم العشا؟
مريم: لا, ماهو احنا احتمال نخرج ونتعشا برة. ما تشغليش نفسك انتي.
أم إبراهيم مستسلمة: اللي تشوفيه يا بنتي, ع العموم لو احتجتوا أي حاجة صحيني, تصبحي على خير.
مريم: وانتي من أهله.
وعندما أدرات الخادمة وجهها مستعدة للذهاب إلى حجرتها نادتها مريم: ام ابراهيم!
فتوقفت السيدة ونظرت اليها متسائلة: خير يا بنتي؟
مريم متردد: هو أنا كدة حلوة؟
تعجبت الخادمة من السؤال في البداية ولكن سرعان ما قالت بابتسامة واسعة وبلهجة مليئة بالصدق: زي البدر في ليلة تمامه, الله أكبر عليكي, ربنا يحرسك من العين ويهديلك الباشمهندس.
فقالت مريم وهي تؤمن على دعائها: الله يا أم إبراهيم, ما تعرفيش أنا أد ايه كنت محتاجة للدعوة الأخيرة دي, ياللا بقا تصبحي على خير.
وذهبت السيدة, فجلست مريم على الأريكة في انتظار زوجها الذي قد تأخر قليلا عن موعده, ولكن مهما تأخر فستنتظره, وعدى ما يقرب من الساعة قبل أن تسمع مريم صوت باب الفيلا ينفتح ثم يغلق مرة أخرى. وكادت تقفز من مكانها لتستقبله, ولكن قد تغلب صوت العقل بداخلها فقررت أن تنتظره في مكانها بكل ثبات, وماهي هي إلا لحظات حتى أصبح يوسف أمامها وبدا أنه لم يلحظ التغيير الذي قد أحدثته بنفسها حيث قال لها بوجوم: مساء الخير.
فردت مريم بخيبة أمل ظهرت بوضوح في نبرة صوتها: مساء النور.
سألها يوسف وهي يتفحص ثيابها بنظرة سريعة: انتي خارجة؟
وكانت تلك الصدمة الثانية التي تتلقاها منه منذ وصوله, فهل هذا فقط هو ما لاحظه؟ فأين تلك الكلمات الرقيقة والحنونة التي منت نفسها بسماعها طوال اليوم وهي تختار تلك الثياب بعناية فائقة بعد أن أخرجت كل الثياب تقريبا من خزانتها, ولكنها لم تفقد كل الأمل فردت عليه: يعني على حسب.
فقال يوسف وهو يحاول تجنب النظر اليها وهي لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك منذ عودته كما لاحظت مريم أيضا مدى التوتر الذي يتخلل صوته على غير المعتاد كما انه ما زال واقفا مكانه لم يبد أي رغبة للجلوس: مش فاهم يعني ايه؟
مريم: يعني على حسب الكلام اللي هنقوله دلوقت.
ونهضت من مكانها كي تستجمع القليل من شجاعتها وهي تقول: يوسف احنا لازم نتكلم مع بعض شوية.
يوسف موافقا دون أن يبدي أي حماس لذلك بعكس ما كانت تشعر هي: عندك حق, احنا فعلا لازم نتكلم مع بعض, انا حقيقي في كلام كتير عاوز اقولهولك بس لأول مرة في حياتي أحس إني مش عارف أبدأ ازاي؟
هل ما تسمعه الآن هو حقيقي؟ فهل في نيته أن يبدأ هو ويعترف بحبه لها؟ ليتها تكون الحقيقة, فهذا بالفعل ما تتمناه فهو بذلك سيوفر عليها الكثير من الخجل الذي بدأ يورد خديها.
: مريم! أنا آسف!
لم تدر مريم إن كانت كلمة الاعتذار تلك قد خرجت عن يوسف أو عن أي شخص آخر؟ مما جعلها تتلفت حولها لتحقق من ذلك, وحين لم تجد أحد غيرهما بالمكان أيقنت بأنه هو من تفوه بتلك الكلمة فرددت بدون وعي: آسف!
بالطبع لم يمكنها استيعاب الأمر, فلقد أهبت نفسها لسماع الكثير من الكلمات منه ولكن لم يكن من ضمنها تلك الكلمة, وبينما ظلت واقفة في مكانها لا تقو على الحراك أو حتى التفوه بأي كلمة أخرى, سمعته يسترسل في كلامه قائلا: انا فعلا اتسرعت امبارح, كنت شارب كتير وتقريبا ما كنتش في وعيي بالكامل علاوة على ان كلامك استفذني لدرجة خليتني اتهورت وما قدرتش اتحكم في تصرفاتي, مريم كل اللي بطلبه منك انك تقدري تسامحيني, وأنا مستعد لأي تعويض.
و كالعادة رددت مريم خلفه دون وعي: تعويض!
وبدا انه قد لاحظ أخيرا أنه قد استخدم كلمة غير مناسبة تماما, لذا حاول معالجة الأمر سريعا فقال: آسف, انا قصدي اني مستعد أنفذلك أي طلب تطلبيه مهما كان في سبيل انك تغفريلي الغلطة دي.
مابه؟ فهل سيستمر في إهانتها هكذا بينما هي تقف جامدة لا تستطيع الرد عليه أو ايذاؤه بأي كلمة؟ وبدا أنه ينتظر قرارها, أو بالأحرى ينتظر طلبها الذي يرى بأنه سيكون التعويض المناسب عن خطأه كما يسميه: طلقني يا يوسف.
خرجت الكلمة من فمها كالطلقة النارية بعد أن ظنت بأنها عاجزة عن إخراج صوتها, فنظر اليها يوسف وبدا ان طلبها ذلك لم يدهشه كثيرا, وعلى عكس ما توقعت من أنه سيصر على رفضه إلا أنها وجدته يقول بإذعان: حاضر, لو هو دة اللي انتي عاوزاه , انا هعمله. بس ممكن نأجله شوية؟
مريم باصرار: النهاردة يا يوسف, انا مش هقدر أعيش معاك ولا لحظة تانية وأنا في عصمتك. انا هطلع ألم هدومي عشان خلاص ما بقاليش مكان هنا.
وانطلقت مريم صاعدة الدرج وهي تجر أذيال الخيبة, فلم تكن هذه هي النهاية التي تتوقعها لتلك الليلة, بل لم يكن في حسبانها على الإطلاق بأنها ستكون الليلة الأخيرة لزواجهما.