رواية علي دروب الهوي الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم تسنيم المرشدي
***
حلت صدمة قوية على وجه خلود؛ لوهلة توقف عقلها ولم يستوعب ما يحدث، مررت نظرها بين وليد وعليا اللذان يضحكان في محاولة فهم الأمر ثم أردفت بتِيهٍ:
_ هو إيه اللي بيحصل بالظبط؟
اقتربت منها عليا وقامت بإحاطة كتفها بذراعها ثم أوضحت لها:
_ بصراحة إحنا عملنا كدا عشان وليد ياخد منك الإعتراف الجميل دا
شهقت خلود وقد انتباها الحياء الشديد وهتفت معاتبة:
_ عليا!!
أسرعت عليا في التخفيف من عليها:
_ إحنا لو مكناش عملنا كدا كنتي هتفضلي ساكتة ومش هتعترفي.. ووقتها كان ممكن يحصل حاجة أنتِ متحبيهاش
أعادت خلود النظر إلى وليد لكنها لم تستطع الإطالة فخجلها منعها، أخفضت رأسها تُعيد لحظة اعترافه بحبه، خفق قلبها بشدة وأسّرت السعادة قلبها، ثم خرجت من حالتها على صوت وليد الذي يحث عليا على الإبتعاد:
_ ما تسبينا خمس دقايق يا عليا..
فغرت عليا فاها بدهشة قبل أن تُردد:
_ لا مش لدرجة أسيبكم يعني، دي ماما ممكن تطلع تطير دماغنا، بس ممكن أقف بعيد عنكم شوية.. المهم بسرعة لأن ممكن نلاقيها قدامنا بجد..
_ يادي ماما اللي عاملة لنا رعب دي.. بس ماشي ياستي أي حاجة منك حلوة
هتفها وليد بمزاحٍ ثم انسحبت عليا مُبتعدة مسافة قريبة، بينما عاد وليد بنظره على تلك الواقفة، فتفاجئ بفركها لأصابعها بتوترٍ صريح، ابتسم بخفة ومازحها:
_ إيه الوش الجديد علينا دا؟ أول مرة أعرف إنك بتتكفسي..
دون أن ترفع عينيها عليه قالت بإستحياء شديد:
_ ليه هو أنا مش بنت؟
_ دا أنتِ ست البنات كلهم
قالها بعذوبة فاجئت خلود التي تطلعت في عينيه اللامعة، تلونت وجنتيها بالحُمرة خجلًا من تغزله بها، عضت شفاها ثم هتفت سؤالها متلهفة لسماع إجابته:
_ أنت عايز مني إيه؟
غمزها وليد بمشاكسةٍ وأجاب سؤالها بصوتٍ رخيم:
_ عايز حد يناولني الهدوم أول ما أصحى!!
قطبت خلود جبينها بغرابةٍ ورددت دون فهم:
_ ليه أنت ملكش إيدين؟
_ آه أنتِ الفِهم عندك بعافية شوية..
قالها فتحولت تقاسيمها إلى الحدة فأضاف الآخر مُزاحه:
_ أيوة كدا اظهري وباني على حقيقتك..
عقدت خلود ذراعيها عند صدرها وهتفت متذمرة:
_ حقيقة إيه؟
_ إنك زي القمر!!
للمرة التي لا تعلم عددها قد فاجئها برده اللطيف، أدارت خلود رأسها للجانب وهي تُتمتم بحياء:
_ يا وليد بقى..
تنهد الآخر بحرارة وسألها بجدية:
_ خوفتي أخطب؟
لم تجيبه على الفور، بل تريثت قليلًا، ثم أومأت مؤكدة، عادت بنظرها عليه وقالت:
_ أنت قولت من شوية إنك... بتحبني
حمحمت لتستطيع مواصلة حديثها وأضافت مسترسلة:
_ دا بجد؟
أخذ وليد نفسًا عميقًا وهو يضع يديه في جيبي بنطاله ثم مال برأسه للجانب مُشكلًا ابتسامة عذبة على محياه وأجابها:
_ بجد آه
إلتوى ثغر خلود للجانب مُبتسمة بخجلٍ وسعادة مفرطة، وتابعت أسئلتها بفضولٍ:
_ طب اشمعنا أنا؟ ليه مش فريدة بنت خالتك مثلًا، مش قولت اللي اللي بتكون متربي معاهم بيكونوا اخواتك؟!
زفر أنفاسه بتمهلٍ قبل أن يُجيبها بثقة:
_ ليس على القلب سلطان..
ثم أضاف بنبرة مرحة:
_ وإحنا إيه غير أوامر ماشية ورا قلبنا!!
_ يعني أنا مش أختك؟
أردفت سؤالها بخبث لتسمع إجابته فقال الآخر مستاءً:
_ أختي إيه يابت، أنتِ كدا هتبوظي الجوازة!
_ جواز مرة واحدة!! دا أنت بتتكلم بجد بقى
قالتها خلود مُتعمدة لسماع كل ما لديه لها، فعلق وليد مشاكسًا:
_ جد الجد، أومال أنتِ فاكراني عيل توتو وارث قرشين من أبوه أو سته وعايز يلعب؟!
انفجرت خلود ضاحكة فشاركها وليد الضحك ثم توقفت فجأة وقالت وهي تُداعب أصابع يدها:
_ بس أنا لسه قدامي ٣سنين في الكلية..
قلب وليد عينيه مُتصنعًا استيائه من الأمر ثم صوب بصره عليها وقال:
_ هستناكي.. زي بعضه
_ وكمان مش بعرف أطبخ!!
قالتها بعيون واسعة تنتظر رده بفروغ صبرٍ فقال وليد:
_ نقضيها كيكة، بتعمليها حلو
لم تمنع قهقهتها التي خرجت عفويًا، فصاح الآخر قائلًا:
_ أنا مش مشكلتي في كل دا، أنا مشكلتي أكبر من كدا بكتير.. وللأسف ملهاش أي حلول خالص
قطبت جبينها وبعيون ضائقة سألته باستفسارٍ:
_ إيه هي؟
أشار وليد عليها موضحًا ما يقصده:
_ ١٦٠سم جنب ١٨٠سم معادلة صعبة أوي يا خلود، أنتِ حتى مش جاية عند كتفي!!
انفجرت خلود ضاحكة وهتفت مُبدية إعجابها بذلك الفارق الطولي الكبير بينهما:
_ أنت مش متخيل أنا بحب فرق الطول دا في العلاقات إزاي!
_ لا إذا كان عاجبك فيعجبني أنا كمان..
أردفها وليد بعذوبة، ثم قطعت حديثهما عليا التي قالت:
_ كفاية عليكم كدا، عشان أنا مش مطمنة وحاسة إني هلاقي ماما قدامنا حالًا..
أحاطت ذِراع خلود وجذبتها نحوها تحثها على السير وقالت:
_ يلا ست جوليت ننزل..
ثم نظرت نحو وليد وأضافت:
_ وأنت ياعم روميو بلاش إثارة جدل لغاية ما تاخد خطوة رسمية عشان ماما متعندش وتقول لأ
شهق وليد بصدمة وهلل عاليًا:
_ هو فيه مجال للرفض؟!
تبادلن الشقيقات النظرات الضحوكة ثم أجابته عليا بسخرية:
_ مجال واحد، يووه مجالات، أنت هتحب ماما أوي لما تقرب منها، هتوريك أيام جميلة ولذيذة وخفيفة
أطلقت ضحكاتها مع خلود فاستاء وليد منهن وقال:
_ لو حكمت أوي هخطفها، وتبقى تقابلني لو شافت وشها تاني
استاءت عليا من تفكيره الأخرق وهتفت:
_ ما أنا عارفة إنك متهور وعشان كدا بقولك بلاش تضايقها عشان كل حاجة تمشي كويس..
أقدمت بسيرها إلى الداخل برفقة خلود التي نظرت إلى وليد فغمزها وهو يبتسم بجاذبية، فابتسمت خلود وسرعان ما أدارت رأسها في خجلٍ، استدار وليد بجسده واقترب من السور يحدق بالمنازل حوله وهو يُرتب أفكاره جيدًا قبل أن يأخذ خطوة رسمية.
***
خرج عبدالله بقامة شامخة، نظر إلى الفيلا لبرهة ثم توجه نحوها، وقام بالدخول باحثًا عن عز، تقابل مع الخادمة وسألها بجدية:
_ عز بيه فين؟
_ فوق في مكتبه بيعمل مكالمة شغل..
قالتها فأخبرها عن إرادته في التحدث معه:
_ أنا عايز أتكلم معاه ضروري..
_ اتفضل، تعالى ورايا
هتفت الخادمة ثم أولته ظهرها وأسبقت خطاها إلى الطابق الثاني، تَبِعها عبدالله حتى وقف أمام باب المكتب، تحركت عينيه على جميع الغرف التي تجاوره حتى وقعت على خروج عاصم وهو يضحك مرددًا بمزاحٍ:
_ خدوا راحتكم، أنا هروح الأوضة التانية، المهم تشوفوا كل طلبات صبا وتنفذوها..
شعر عبدالله بغصة في حلقه، رجفت عينيه من بين محاولاته على الثبات، بينما أغلق عاصم باب الغرفة وانتبه على وقوف عبدالله في أول الممر، فتوجه ناحيته مشكلًا ابتسامة ودودة وقال:
_ إيه يا عبدالله أنت هنا بتعمل إيه؟ مش هتروح لآدم؟
واجه عبدالله صعوبة في الحديث، جاهد حتى خرج صوته مهزوزًا:
_ هتكلم مع عز بيه وامشي على طول..
قطب عاصم جبينه وعاتبه بلطفٍ:
_ إيه يابني عز بيه دي، قوله يا عمي عادي إحنا عيلة يا عُبد..
قالها وهو يربت على ذراعه، فأخفض عبدالله بصره على يد عاصم الموضوعة عليه ثم عاود النظر إليه وأردف بجفاء:
_ أكيد..
تلك الأثناء خرجت الخادمة من المكتب ووجهت حديثها إلى عبدالله:
_ اتفضل، عز بيه في انتظارك
ولج عبدالله على الفور دون أن يستأذن من عاصم، توجه إلى المكتب حيث يجلس عز الذي أشار إليه بالجلوس وتابع انتهاء مكالمته الهاتفية، ثم نظر إلى عبدالله وقال بصوتٍ رخيم:
_ مفيش راحة أبدًا، شغل حتى يوم إجازتي
_ ربنا يعين حضرتك
قالها عبدالله ثم واصل ما جاء لأجله:
_ كنت جاي أبلغك إني هسيب الشغل..
شعر عز بالريبة وتساءل باهتمامٍ:
_ يارب يكون السبب خير، ميكونش حد ضايقك
نفى عبدالله وجود أي مضايقات:
_ لا لا، بس أنا نويت أشتغل شغل خاص بيا..
ابتهج عز وقابل كلامه بإبتسامة هادئة، ثم قال بنبرة رزينة:
_ على الرغم إني فرحان لك، بس أنت هتخليني أعيش قلق من تاني على ڤاليا، أنا كنت مأمِن عليها معاك، لكن لسه هندور على حد تاني والله أعلم هيكون كويس ولا لأ، وطبعًا على ما يظهر لنا شخصيته بعيش أسوء لحظات وهي برا البيت..
شعر عبدالله بالحرج، وأنه ينسحب فجأة من معركةٍ عليه حسم النتائج بها، وهذا ليس مش شيمه، ابتلع ريقه وأخذ يفكر قليلًا قبل أن يأخذ قراره الأخير:
_ طب أنا ممكن أفضل هنا لغاية ما حضرتك تلاقي حد ثقة..
_ المهم ميكنش القرار دا هضايقك ويقف قدام مستقبلك..
قالها عز مهتمًا لأمره، فتشدق عبدالله ساخرًا وأوضح:
_ مستقبلي جه متأخر مفيش فيها حجة لو أتأخر كمان شوية..
ثم ابتسم له ليخفف من عليه الحرج واستأنف بجدية:
_ أنا تمام، معنديش مشكلة بس ياريت حضرتك تشوف حد في أقرب فرصة..
_ أكيد مش هطول متقلقش، شكرًا يا عبدالله أنت إنسان متفهم ونعمة الأخلاق يا حبيبي
أردفها عز مُمتنًا له، فبادله عبدالله إبتسامة ودودة ثم استأذن منه وانسحب من المكتب، فتفاجئ بخروج ڤاليا تنادي على الخادمة، لكن سرعان ما التفت عبدالله حتى لا ينظر إلى مظهرها المثير التي كانت عليه.
لوهلة شعر أنها لا ترتدي شيء، توقفت ڤاليا عن السير وتعجبت من حالته وقالت:
_ عبدالله، بتعمل إيه هنا؟
ردّ دون أن يلتفت:
_ كنت بتكلم مع عز بيه ونازل.. بعد إذنك
كان يريد الفرار من أمامها لكنه تريث حين وجد بعض الشباب يصعدون الدرج ومعهم الخادمة مُعرفة عن هويتهم لڤاليا:
_ مصففين الشعر وصلوا يا آنسة ڤاليا
صعق عبدالله لحظتها، وشعر بالنفور الشديد مما يحدث، كاد يتابع نزوله إلا أن ڨاليا أوقفته بكلامها:
_ عبدالله، إيه رأيك تجيب أختك تقضي اليوم معانا، وتعمل شعرها، أكيد هي في فترة صعبة ومحتاجة حد يخرجها من المود..
بهجومٍ أظهر عبدالله استيائه مما تفعله:
_ اختي مبيلمسهاش رجالة، دا غير إنها محجبة يعني ملوش لزوم تعمل شعرها، عن إذنك..
قالها ولم ينتظر ردّ، تابع نزوله تحت صدمتها من رده، شعورٌ سيء قد أحست به من خلف كلماته القاسية، ناهيك عن نفورها لنفسها التي أغواها الشيطان وتتبعت شيء حرام عليها فعله من أجل أن تصبح جميلة.
استدارت بجسدها ورمقت باب غرفتها قبل أن تتوجه إليها، دلفت بخُطاها وبنبرةٍ هادئة قالت:
_ اطلعوا برا، مش عايزة حد في الأوضة
تفاجئ الجميع بطردها لهم، وأخذوا وقتًا يستوعبون به ما إن كانت تمزح أم أن هذا حقيقة، فلم تعد تحتمل ڤاليا وجودهم أكثر من ذلك وصرخت فيهم عاليًا:
_ قولت اطلعوا برا!!
هرول الجميع إلى الخارج، كما حضر والديها إثر صراخها، وكان عن أول من تساءل بريبة وهو يرى خروج المصففين من الغرفة:
_ في إيه يا ڤاليا بتصرخي كدا ليه؟ والناس دي راحة على فين؟
لم تُجيبه بل توجهت إلى الفراش وجلست على طرفه ثم رفعت عينيها في عيني والدها وقالت بصوتٍ متحشرج يهدد بالبكاء:
_ أنا حاسة بإحساس وحش أوي يا بابي..
وما أن قالتها حتى تفاجئوا بنوبة بكاء شديدة قد هاجمتها، ركض عز ونهال بقربها، وجلسا على جانبيها متعجبين من أمرها، ضمها عز إلى حضنه وتساءلت نهال بقلقٍ من حالتها المريبة:
_ مالك يا فيفو، إيه اللي حصل لكل دا؟ وليه الناس دي كانت بتجري كدا؟
من بين بكائها أجابتها بتلعثمٍ:
_ أنا طردتهم، مش عايزاهم هنا، أنا مش عايزة حد يلمس شعري..
ربت عز على ظهرها بحنانٍ وهو يردد:
_ اهدي يا حبيبتي، مينفعش تكوني متوترة كدا يوم خطوبتك، قومي وكملي اللي كنتي بتعمليه عشان تكوني جاهزة، ومامي هتبقى معاكي لو احتجتي لحاجة..
نهض عز وأشار إلى نهال بعينيه موحيًا إليها أن لا تتركها بمفردها، فأمأت نهال وانتظر حتى خروجه وسألتها بلطفٍ:
_ ممكن أعرف إيه سبب اللي حصل دا؟
مش حابة أتكلم في حاجة دلوقتي..
قالتها ڤاليا بحزنٍ جلي على وجهها ويطغوا على نبرتها، فتحدثت والدتها قائلة:
_ طب قومي اساعدك تجهزي..
أطالت ڤاليا النظر عليها ثم نهضت وتابعت التحضيرات بوجهٍ عابس فكلمات عبدالله لا تريد الإقتلاع عن عقلها.
***
خرج عبدالله من الفيلا فوجد سيارة والده في انتظاره، توجه إلى السائق ومال بجزعه مستندًا به على نافذة السيارة وسأله:
_ هنروح على فين؟
أجابه بعملية:
_ في الفيلا عند قاسم بيه..
أعاد عبدالله انتصاب قامته، نظر يمينًا ويسارًا ثم توجه إلى الجانب المقابل وقام بركوب السيارة، تحرك السائق متوجهًا إلى الفيلا المُقيم بها عائلة قاسم.
بعد مرور بضعة دقائق؛ صف السائق السيارة داخل الفيلا، ترجل عبدالله وتفقد المكان سريعًا ثم وجد أبيه في استقباله، يقف على الباب مبتسمًا لحضوره:
_ نورت البيت يا عبدالله..
اكتفى عبدالله ببسمةٍ لم تتعدى شفتيه، فالمكان لا يروق له التواجد به، لكنه مضطر، ولج برفقة قاسم الذي أخبره ببعض التفاصيل:
_ كلمت اللي المكان اللي بتعامل معاه وبعتولي كذا بدلة، إطلع شوف اللي يناسبك فيهم، عشان تظبط شعرك، أنا جايب لكم اصطف كامل يبقى تحت خدمتك أنت وأخوك.. مش عايز أي حاجة تكون نقصاكم النهاردة..
تعمد قاسم ذِكر العلاقة التي بينهما، حتى يُشعره بالألفة تجاه أخيه، بينما ابتلع عبدالله ريقه وقال:
_ على فكرة أنا يعتبر سيبت الشغل عند عز.. قولتله بس هفضل يومين كدا على لما يلاقي حد تاني..
أسرت السعادة قلب قاسم، وربت على كتف عبدالله وهو يُتمتم:
_ عين العقل يا حبيبي، دا اللي المفروض كان يحصل من زمان.. نخلص من الخطوبة ولينا قاعدة مع بعض نتكلم فيها عن أي مشروع أنت جايب تعمله..
تلك الأثناء، حضرت حورية التي استنكرت وجود عبدالله لكنها لم تُظهر، وبجفاء في أسلوبها قالت:
_ إزيك يا عبدالله؟
_ كويس..
اكتفى بقولها، ثم وجه بصره على والده وقال:
_ هغير فين؟
مر قاسم بجوار حورية دون أن يكترث لوجودها، ورافق عبدالله حتى وصلا إلى الغرفة التي أعدّها له، وقف على الباب وقال:
_ قيس وشوف المناسب وأنا برا، نادي عليا..
هز عبدالله رأسه بقبولٍ، ثم أغلق قاسم الباب بينما وقف عبدالله واضعًا يديه في منتصف خصره، يُطالع ما حوله بتِيه، لم يعتاد ذلك، ولا يشعر بالراحة، لكنه سيُجبر ذاته على الإعتياد، هذا كله من حقه، يكفي معاناة لهذا القدر، عليه إلقاء حِمله على أحدهم قليلًا.
أسقط نظره على الفراش وبدأ يرتدي ليرى أي منهما المناسبه له، فكان الأنسب من بينهم ذات اللون الأسود، كانت تليق بجسده كثيرًا، زادته وسامة وجاذبية، وقف يتفقد نفسه في المرآة وبعد أن اختارها ذهب إلى الخارج فلم يجد والده، فسار في الأرجاء ربما يجده.
توقفت قدميه عِند سماع صوته في أحد الغرف، وقف ينظر بها فوجده برفقة آدم، طرق الباب فرحب به قاسم بإبتسامةٍ:
_ تعالى يا حبيبي..
لم يتفاجئ آدم بوجوده، فهو على علم بحضوره، طالعه من خلال المرآة دون أن يلتفت، فشعر بالغيرة قليلًا لمظهره الجذاب، حقًا كان مثير، لن ينكر، فشل حينها في عقد رابطة عنقه عندما شرد بحالة أخيه.
فانتبه عليه عبدالله، ثم توجه نحوه تلقائيًا ووقف أمامه قائلًا:
_ خليني أساعدك..
لم يرفض آدم وأعاد يديه إلى جانبه فتولى عبدالله عقد رابطته، وقف قاسم في الخلف مستندًا على الجدار يطالعهم بسعادة لن تستطع الكلمات وصفها، تمنى لو تدوم تلك اللحظة الحميمية إلى الأبد، بينما فرغ عبدالله من عقد الرابطة وقال:
_ تمام كدا؟
_ ألقى آدم نظرة سريعة على نفسه ثم أعاد النظر إلى عبدالله وردد مختصرًا:
_ تمام
فتدخل قاسم موجهًا حديثه إلى عبدالله:
_ يلا يا عبدالله عشان تخلص أنت كمان قبل ميعاد الحفلة..
أماء عبدالله وتقدم بخُطاه نحوه فأمسك آدم ذِراعه مانعه من مواصلة سيره، التفت عبدالله برأسه ناظرًا إلى يد آدم المُمسكة به ثم رفع بصره عليه ليستشف ماذا يريد.
فأخذ الآخر وقتًا يرتب كلماته التي خرجت بترددٍ:
_ شكرًا..
أطال عبدالله الصمت وهو يطالعه، يتذكر كم من المرات التي تسبب في أذيته، لم يستطع التخطي بسهولة، فاكتفى بالرد على امتنانه فقط دونًا عن الأحداث الأخرى:
_ العفو..
أزاح آدم يده ثم تابع عبدالله خروجه وعاد إلى الغرفة ليستكمل بقية التجهيزات.
***
كان شاردًا يستند برأسه على حائط الفراش، طرقت والدته باب غرفته ثم دلفت إليه، متعجبة من حالته، فهو لم يشعر بها، وقفت أمامه وهتفت مُمازحة إياه:
_ هي آكلت عقلك للدرجة دي يا وليد؟
انتبه وليد على كلامها وشكل ابتسامة عذبة على محياه، ثم أعدل جلسته وأشار إليها بالجلوس مُرددًا:
_ اقعدي..
جلست عزة بجواره ثم سألها وليد بحماسة ظاهرة في صوته:
_ إيه رأيك في خلود؟
عقدت عزة ما بين حاجبيها بريبة ورددت دون إدراك كامل لسؤاله:
_ من نحية إيه؟
_ كل حاجة، عمومًا..
هتفها فنظرت أمامها لبرهة تُجمِع كلماتٍ ثم أردفت ما يدور في عقلها:
_ جميلة ورقيقة ومؤدبة.. مش عارفة أقول إيه أكتر من كدا..
أعادت النظر إليه وتساءلت بفضولٍ:
_ أنت بتسأل ليه؟
بلهفةٍ لإخبارها بالأمر قال:
_ أنا عايز أخطبها!!
فغرت عزة فاها بدهشة جلية؛ وتمتمت مذهولة:
_ أهي دي آخر واحدة أتوقعك تقولي إنك هتخطبها!
تشكلت معالم الريبة من كلماتها على وجهه، وردد سؤاله:
_ إيه دا ليه كدا؟
_ يا بني أنت مش شايف أنت وهي مع بعض إزاي، ناقر ونقير طول الوقت، اللي يشوفكم من برا يقول مبتحبوش بعض، مستتقلين بعض، فطبعي أكون متفاجئة وأنت بتقولي عايز تخطبها!
قالتها موضحة سبب تفاجُئها بالأمر، بينما تحدث وليد بأسلوبٍ حماسي آثار ضحك عزة:
_ ماهي دي البدايات، معروفة أي اتنين مش مستلطفين بعض، اخرتهم مقفول عليهم باب واحد!
إزدادت ابتسامة عزة بهجة، وهللت بفرحة عارمة:
_ مش مصدقة إني هفرح بيك أخيرًا، ربنا يكتب لك الخير يا حبيبي، طب ها، هتكلم عمك امتى؟
وضع وليد قدم على أخرى وأخبرها عما ينوي فعله أولًا:
_ لا حابب أتكلم مع زكريا الاول وبعدين إحنا الاتنين نتكلم مع عمي..
ربتت عزة على ظهره بحنانٍ وفرحة قبل أن تُردف:
_ البت شقية وروشة وتتحب، أكيد شغلتك بشقاوتها..
تقوس ثغر وليد للجانب مشكلًا بسمة عذبة، وقلب عينيه بخجلٍ قبل أن يُعقب:
_ كلها شغلتني يا وزة والله مش حاجة معينة
قهقت عزة عاليًا وضربته بخفه في ذراعه فهب وليد واقفًا وقال:
_ أنا هنزل أتكلم مع زكريا..
خرج من الغرفة بخُطوات مهرولة تحت نظراتها الغير مصدقة ما يحدث معه، بينما أغلق وليد الباب وهاتف زكريا ثم تحدث فور إجابته:
_ زكريا قابلني على القهوة عايزك ضروري
ثم أنهى الإتصال بعد أن أكد عليه مرارًا ضرورة حضوره، وماهي إلا دقائق حتى انضم إليه زكريا وجلس بجواره متسائلًا بقلق:
_ في إيه يابني خضتني؟
_ فيه كل خير
قالها وليد وحاول جمع شتات نفسه المتوترة، كان يهز قدميه دون توقف، شهيقًا وزفيرًا فعل وليد ثم ألقى حديثه دُفعة واحدة:
_ أنا عايز أتقدم لخلود..
تفاجئ زكريا مما سمعه، حدق بوليد قليلًا قبل أن يُبدي استيائه:
_ هي إن مكانتش زينب تبقى خلود؟ أنت عبيط يا وليد، هي أي واحدة كدا والسلام؟!
استنكر وليد ظنونه وحاول إيضاح ما يتعمد عدم رؤياه:
_ ما تحترم نفسك وأنت بتتكلم كدا، وبعدين موضوع زينب دا اتقفل خلاص..
تشدق زكريا بتهكمٍ وهلل:
_ ودا من امتى دا؟ أومال لو مكنتش شايفك وأنت هتموت عليها؟
تتأفف وليد بضجرٍ فلم يتقبل كلمات زكريا، وتحدث بهجومٍ:
_ هموت على مين يابني، زينب واحدة واتقدمت لها ورفضتني، أنا كان جوايا غضب إنها رفضتني أنا عشان تختار حمادة الحرامي، إحساس جوايا خلاني أحس بالنقص وإني قليل وكأن العيب فيا، وكنت مضايق، لكن مكنتش هموت عليها ولا حاجة.. لكن الفرق هنا كبير أوي بين المرتين!
المرة دي أنا واثق من قراري من غير أي ضغط..
لم يُعقب زكريا، بل تطلع في وليد دون حديث، فأثار قلق الآخر وتساءل:
_ ساكت ليه؟
_ مش عارف..
قالها زكريا فشعر وليد بالضيق من رده المُبهم وردد بحنقٍ:
_ هو أنا فيا حاجة تعيبني ياعم زكريا؟
_ يابني لأ، بس أنت فجأة طلعت في دماغك عايز تتقدم لها كدا؟
تساءل زكريا ليتأكد من حُسن نواياه، فأخبره وليد بالحقيقة:
_ لا مش فجأة كدا، الموضوع بقاله فترة في دماغي وعايز أخليه رسمي، قولت أتكلم معاك أنت الأول وبعدين نتكلم مع عمي..
كان زكريا هادئًا أكثر من اللازم، مريبًا بالنسبة لوليد الذي أضاف بحنقٍ:
_ في إيه يا زكريا، أنت عامل في نفسك كده ليه؟
معقول كل دا عشان موضوع الحمل؟
اندفع زكريا في أسلوبه وهو يردد:
_ متشغلش نفسك بيا يا وليد..
لم يحب وليد إطالة الأمر، إذا لم يرحب زكريا بذلك، فنهض وحثه على النهوض أيضًا:
_ طب قوم نروح نتكلم مع عمي..
ببرودٍ تحدث زكريا وهو يرفع رأسه ناظرًا إلى وليد:
_ أنت مستعجل على إيه؟
استاء وليد منه للغاية، رمقه بنظراتٍ مشتعلة ثم تركه وغادر دون إضافة المزيد، فلحق به زكريا مناديًا عليه:
_ استنى جاي معاك
لم يأبى له وليد وتابع سيره حتى بلغ بيتهم، فأسرع زكريا من خُطاه وقال:
_ اصبر بقى أنا هتكلم معاه الأول..
_ دلوقتي يا زكريا، أنا عايز أتكلم دلوقتي!
هتفها وليد بنفاذ صبر، فحرك زكريا رأسه بضيق وأسبق خُطاه إلى الأعلى، طرق باب شقة والديه ثم فتح بالمفتاح الخاص به فوجد شقيقتيه أمامه فأمرهن بالتحرك العاجل:
_ ادخلوا الأوضة معايا وليد..
نهضتا مسرعتين وولجن غرفتهن، بينما دعى زكريا وليد إلى الداخل، وأعطى خبرًا لوالديه بوجوده، تجمع أربعتهم في المكان، تبادل محمد النظرات مع الجميع وتساءل بقلق:
_ أنتوا عملتوا مصيبة ولا إيه؟
ردّ عليه زكريا موضحًا:
_ لا يا بابا محصلش حاجة، بس وليد كان جاي وعايز يتكلم معاك في موضوع..
نظر زكريا إلى وليد لبدء الحديث، فوجده يتعرق وقد كست الحُمرة وجهه، فلم يستطع منع ابتسامته الساخرة على حالته، تفاجئ محمد بحالة وليد وتأكد أن هناك كارثة على وشك معرفته بها:
_ مش بقولكم في مصيبة، انطقوا حصل إيه؟
تولى زكريا إخبار والده بتلقائية عندما فشل وليد في التحدث:
_ مفيش مصيبة يا بابا، وليد كان عايز يتقدم لخلود!
مفاجئة لم تكن في حُسبان محمد وخصيصًا هناء التي اتسعت عينيها مذهولة، فذلك كان آخر شيئًا تتوقعه، إلتزمت الصمت في حضور الرجال، بينما ابتسم محمد لحالة وليد وعلق:
_ وش الكسوفا مقابلتوش قبل كدا
إلتوى ثغر وليد ببسمةٍ لم تتعدى شفتيه من فرط خجله، لكزه وليد وحثه على بذل مجهودًا ولو قليل، فحمحم وليد وحاول تجميع بعض الكلمات:
_ بصراحة يا عمي أنا حابب اتقدم لخلود بشكل رسمي..
_ وأنا هلاقي أحسن منك أأمنه على بنتي فين يا وليد؟!
قالها محمد بسعادةٍ غامرة، فهو على دراية بحُسن خُلقه، فهو صنيع يديه، ابتهج وليد وقد أسر قلبه السعادة وردد دون تصديق:
_ يعني حضرتك موافق يا عمي؟
_ الرسول قال 'إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزجوه' وأنت تربية ايدي يعني عارف كويس أخلاقك وإزاي بتخاف ربنا، واللي يتقي ربنا في أفعاله وتصرفاته هيتقي ربنا في بنتي
قالها محمد بثقة وسعادة، فكان يتمنى لإبنته زوجًا
كوليد لا يوجد ما يعيب رجولته، بينما استاء زكريا من كثرة ملاطفات أبيه وعلق بتهكم:
_ هو مين دا اللي أخلاقه عالية؟ وليد!!
عنفه محمد قائلًا:
_ خليك أنت نصه بس وتعالى اتكلم
انفجر وليد ضاحكًا وهو يطالع زكريا الذي يشع من عينيه الغيظ، وعقب بفتورٍ:
_ هي بقت كدا، ملقتش إلا دا وابقى زيه
لكزه وليد بعنفٍ في كتفه وهدر:
_ ما تسكت شوية، هتبوظ لي الجوازة
بثقة ردّ عليه زكريا:
_ يا حبيبي أنا لو مش عايزها مش هتم..
رفع يده نحو وليد وأضاف بعجرفة:
_ حِب على إيد عمك يالا، وآه بعد كدا تقولي يا عمي
ضرب محمد يد زكريا بقوة وهتف:
_ ولما يقولك يا عمي يقولي إيه؟ اتلم بقى..
أعدل وليد ياقة قميصه بتعالٍ وهو يرى دعم عمه الكامل، ثم أردف بجدية:
_ طيب طلاما فيه قبول، نتكلم في التفاصيل وقت تحدده حضرتك يا عمي وتكون معايا امي..
_ يا نوغة..
علق زكريا ساخرًا فصاح محمد مستاءً:
_ زكريا، عيب كدا بجد
شكل زكريا قفلًا على فمه بيده، وإلتزم الصمت بينما تحدث محمد بصوتٍ أجش:
_ تعالوا الوقت اللي تحبه، وأنا برده هاخد رأي العروسة، الرأي اللي أهم من الكل
_ طبعًا طبعًا يا عمي
قالها وليد وهو يكاد ينفجر ضاحكًا فالرد قد أتاه سابقًا، نهض واستأذن منهم ليغادر.
داخل الغرفة؛ كانت تتابع خلود ما يحدث خلف الباب برفقة عليا، ثم نظرتا إلى بعضهن البعض وصرخت خلود بفرحة، فأسرعت عليا في احتضانها بسعادة بلغت نصابها، ثم ابتعدن عن بعض وظلت خلود تتراقص وتقفز في الغرفة دون توقف، حتى تفاجئن باقتحام هناء الغرفة فرددن بصدمة في صوتٍ واحد:
_ ماما!!
***
وقف قاسم في الخارج ما أن انتهى من ارتداء حُلته الكلاسيكية السوداء، وقف مستندًا على سيارته في انتظار ظهور أبنائه، ترجل كليهما سويًا وخرج من البيت فنالوا إعجاب قاسم الذي أعدل وقفته وتطلع بهم بسعادة لا توصف.
خفق قلبه بقوة وهو يرى أبنائه في مظهرٍ يخطف العين ويسرق القلوب من فرط جماله، ابتسم بجاذبية وتوجه إليهما مُبديًا إعجابه الشديد:
_ ولا غلطة، ربنا يحميكم يارب
توجه قاسم إلى آدم أولًا وقام باحتضانه مرددًا:
_ مبروك يا حبيب قلبي
_ الله يبارك فيك يا بابا
قالها آدم بمزاج سوي، ثم توجه قاسم إلى عبدالله وغمزه قبل أن يضُمه بقوة هاتفًا:
_ وعقبالك يا حبيبي لما أفرح بيك قريب
اكتفى عبدالله بمبادلته العناق بحميمية دون تعقيب، تراجع قاسم للخلف ونظر إلى حضور حورية وقال:
_ كدا جاهزين، يلا عشان منتأخرش على الناس
انتبهوا على صوت حورية التي اقتربت من آدم وقالت بجمودٍ:
_ أنا هروح مع آدم..
قالتها ظنًا أن عبدالله سيُرافق والده في السيارة، بينما لم يُبدي قاسم رفضه، وهز رأسه بقبولٍ، فتوجه آدم برفقة والدته إلى سيارته، بينما أسبق عبدالله خُطاه إلى سيارة أبيه فأوفقه قاسم قائلًا:
_ رايح فين يا عُبد؟
_ هركب..
قالها عبدالله بتلقائية فرفض الآخر ذلك:
_ بصراحة بقى أنا مش بحب شريك..
قطب عبدالله جبينه بعدم فهم، فأشار قاسم بيده إلى أحد العاملين، فتفاجئ عبدالله باقتراب سيارة أحلامه، ترجل السائق وأعطى قاسم مفتاح السيارة فتوجه الآخر إلى عبدالله وقام بفتح يديه ووضع المفتاح بها مرددًا:
_ كل واحد يروح بعربيته
كانت مفاجئة عيارها ثقيل للغاية، لم يستوعب عقله ما يحدث، ظل يُحدق بوالده للحظاتٍ قبل أن يردف سؤاله بتِيه:
_ أنت، أنت عرفت إزاي؟ دا كانت من عربية أحلامي!
إلتوى فم قاسم للجانب مبتسمًا بجاذبية وأجابه:
_ العربية موجودة من أول لمسة لمستها لعربية عاصم ابن عز!!
فغر عبدالله فاهه بدهشة آكلت عقله، ابتلع ريقه وهو يسأله:
_ أنت إزاي عرفت ولا شوفتني فين؟
غمزه قاسم بمشاكسة قبل أن يُخبره بتعالٍ وثقة في نبرته:
_ أنا ليا عيون في كل مكان، النفس اللي بتتنفسه أنا على علم بيه يا عبدالله.. فدي كانت حاجة سهلة عليا أعرفها
مد قاسم يده إلى العامل فأعطاه بعض الأوراق، تفقدها قاسم سريعًا وناولها إلى عبدالله موضحًا ماهم:
_ أوراق العربية والرخصة وكل حاجة تخصها..
بذهولٍ تام هتف عبدالله وهو يأخذ منه الأوراق:
_ ودول خلصتهم إزاي من غيري؟
مال قاسم برأسه قليلًا وضاق بعينه وهو يطالعه باستنكارٍ لتقليله من شأنه ثم ردد بعجرفة:
_ الظاهر إنك لسه متعرفش مين قاسم القاضي، بس مش مشكلة واحدة واحدة هتعرف
تلك الأثناء ظهرت ابتسامة على شفتي عبدالله وهو يتناوب النظر بين أبيه والسيارة، فاستشف قاسم ما يشعر به وحثه على ركوبها بيده التي تربت على ذراع عبدالله:
_ روح اركبها يلا..
هرول عبدالله كطفلٍ يطوق لتجربة لُعبته الجديدة، لكنه تريث وعاد إلى والده من جديد وقام باختراق صدره بذلك العناق المفاجئ، قهقه قاسم بسعادة سكنت قلبه وبادله العناق بحميمية وكأنه كان بحاجة إليه منذ زمنٍ، تراجع عبدالله للخلف وأبدى امتنانه الكبير إليه:
_ شكرًا
ربت قاسم على ظهره بحنو، وهتف بصوتٍ رخيم:
_ العفو يا سيدي..
فعاود عبدالله مواصلة تقدمه نحو السيارة وقام بركوبها، أخذ وقتًا وهو يتعرف عليها من الداخل، وما أن انتهى حتى دعس على المحرك وبدأ يتحرك بها حتى خرج من الفيلا.
وبعد مرور وقتٍ وصلت عائلة قاسم إلى فيلا عز؛ كان لهم حضورًا طاغي آثار نظرات الجميع عليهم،
دلف آدم الفيلا وبيديه باقة من الزهور الرائعة ليصطحب ڤاليا إلى مكان الحفل، صعد إلى الطابق العلوي فتفاجي بأصدقائها اللواتي يقفن في الأرجاء ولا يسعهن المكان من كثرتهن.
طرق باب غرفة ڤاليا ثم ولج عندما سمحت له، كانت بعض الفتيات يقفن حول ڤاليا يخفونها، فابتسم آدم وقال مُمازحًا:
_ إيه يا فيفو إحنا فينا من الحركات دي برده؟
تنحت الفتيات جانبًا فظهرت ڤاليا في طلتها التي أسحرت آدم وخفق قلبه بقوة من هول المفاجأة، تفقد حجابها بعينين مذهولة، نظر في عينيها وهتف عاليًا:
_ هو اللي أنا شايفه دا بجد؟
أماءت برأسها مؤكدة فابتهج آدم ودقت طبول السعادة قلبه، اقترب منها وناولها باقة الزهور وهو يردد متغزلًا بجمالها:
_ أحلى ورد لأجمل وردة..
أخفضت ڤاليا رأسها في حياء شديد، فأضاف آدم دون تصديق:
_ شكلك حلو أوي بجد، شكرًا إنك عملتي كدا من نفسك.. أنا فرحتي بقت اتنين النهاردة
أخذت ڤاليا نفسًا وزفرته على مهل، فهي إلى الآن لا تستوعب قرارها المفاجئ، لكنها حتمًا فعلت الصواب وذلك ما تحاول إقناع عقلها به، مد آدم ذراعه لها فتعلقت به وتلك اللحظة راودها شعور الضيق وعدم الراحة، نظرت إلى يسارها متفقدة آدم بملامح عابسة، وبقلبٍ قلِق لا يود إكمال تلك الخطبة، لكن الوقت قد تأخر للغاية، عليها مجاراة ما يحدث من أجل الحضور.
في الغرفة المجاورة، كانت تقف أمام المرآة تطالع فستانها الرائع، ذات التصميم الفريد من نوعه، وكأنه صُمِم فقط من أجلها، نظرت إلى وجهها الناعم الرقيق الذي يُغلفه بعض المساحيق التجميلية التي برزت جمالها.
ثم تذكرت أنها ترتدي فستانها من أجل عاصم، رجلًا لا تحبه ولم يكن في حُسبانها مطلقًا، شعرت بالنفور من نفسها، أعادت النظر إلى المرآة فشعرت بالسخط، رفضت الخروج بذلك النظهر لغير مكانته، إن لم يكن كما تمنت يومًا فلن تنافق ذاتها.
وسرعان ما قامت بخلع فستانها وتبديله بفستان آخر كلاسيكي، كما مسحت وجهها ولم تترك اثرًا لأي مساحيق به، عاودت النظر إلى صورتها وشعرت بالرضا حينها.
انتبهت على نداء عاصم الذي لم يتوقف منذ فترة:
_ صبا ردي عليا إحنا اتاخرنا أوي بتعملي إيه كل دا؟
وما أن أنهى جملته حتى تفاجئ بخروجها بتلك الهيئة، رمقها بصدمةٍ جلية، حدق بها مذهولًا وهو وهدر:
_ إيه دا؟ فين الفستان والميك آب؟ ليه عملتي كدا؟
_ مش قادرة أنافق نفسي أكتر من كدا.. حاولت إني اجاري اللي بيحصل عشانك بس مش قادرة، مش هكون مرتاحة يا عاصم لو سمحت افهمني.. أنا مش هينفع ألبس فستان لواحد أنا مش بحبه!
خرجت كلماتها كالسكين الذي قطع قلب عاصم إلى إربًا، ازدرد ثم تنفس بعض الهواء وأردف:
_ آه يعني أنتِ بتقولي إن مفيش أي فرص لينا مع بعض خالص!!
ترقرقت الدموع في عينيها، وبصوتٍ يغلفه البكاء قالت:
_ أنا من أول ثانية عرفتك إني مش هقدر أديلك حاجة، لا مشاعري ولا قلبي ولا حتى مظهري..
أنا قولتلك عشان لو هتقدر تتقبل الوضع منكتبش الكتاب وانت أصريت نكتبه وقولتلي كل دا ميهمنيش، أنا حابب أساعدك وأقف جنبك..
أنا احترمتك جدًا وبناءً عليه واقفت يكون في بينا رابط شرعي عشان المساعدة دي تكون في إطار حلال، لكن إنك تستني مني حاجة تانية والله مش هقدر أعمل كدا..
بخيبة أمل نظر إليها عاصم لبرهة، ثم ردد بنبرة جافة:
_ تمام.. عندك حق أنا اللي شكلي نسيت
أولاها ظهره وكاد يغادر لكنه تريث وقال دون أن ينظر إليها:
_ يلا ننزل..
تَبِعته صبا إلى الحفل، كانوا كالأغراب الذين لا يمتون لبعضهم بصلة، كان الجميع متفاجئ بارتداء ڤاليا الحجاب، ووضع صبا الذي لا يدل على كونها عروس.
أخذ كل شخصٍ مكانه، فتوجه عبدالله برفقة قاسم ليباركا للعروسين، وقف عبدالله بطلته الساحرة أمام صبا التي لم يتوقف قلبها عن النبض بعنفٍ، تفقدت هيئته الجذابة والتي كانت مرتها الأولى لرؤيته وسيمًا بشكلٍ مبالغ كتلك المرة.
نظرت إلى ذقنه التي نبتت بشكلٍ ملحوظ كما تمنتها دومًا، تطلعت في عينيه اللامعة الذي يخفي خلفها تكبُرٍ لم يليق به، لا يُشبهه، خرجت من شرودها على صوت عاصم الذي قال:
_ سلمي يا صبا..
تلك اللحظة نظر عبدالله وصبا إلى بعضهما البعض ثم رفعا يديهما ووضع كل منهما يده على صدره، كما اعتادا دومًا، مصافحة دون تلامس.
فتحولت الأنظار عليهما، كيف فعلاها سويًا دون تخطيطٍ مُسبق، فتدخل عاصم متسائلًا بغرابة:
_ أنتوا إزاي عملتوا نفس الحركة مع بعض؟!
رمقه عبدالله بطرف عينيه؛ وأجابه بإبتسامة جافة ليس بها روح:
_ زي ما اتعودنا دايمًا نعملها!!
