رواية غريبة في عالمك الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم رحاب حلمي
25= ج 1
الحلقة الخامسة والعشرون
*مزيدا من الآلام*
لم تعلم على من يمكنها أن تلقي باللوم؟ فهل ستلوم الظروف التي دائما ما تعترض طريق سعادتها معه وتبعدهما أميالا كلما حاولا الاقتراب خطوة؟ أم تلوم هؤلاء الاشخاص الذين يظهرون غالبا من العدم ليعكرون صفو حياتهما؟ أم تلومه هو ذلك الشخص ذو الماضي الذي لا تستطيع أن تتقبله بكل مساوئه؟ أم انها توجه اللوم الى نفسها لأنها تعلقت بالشخص غير المناسب, رجل لا يمكنه ان يسلم قلبه بسهولة لأي إمرأة حتى وإن كانت زوجته؟ هكذا قضت مريم ليلتها يجافيها النوم وهي تفكر في حل مناسب لمشاكلها التي تبدو معقدة جدا عندما يكون يوسف جلال طرفا فيها وتتساءل ما إذا كان هو الآخر يشغل نفسه بتلك الأمور؟ ويريد لعلاقتهما النجاح أم أنها هي البلهاء الوحيدة التي تسعى وراء السراب؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أقيم حفل افتتاح شركة My Life للمعمار الخاصة بوليد جلال في الفيللا كما كان متفقا عليه من قبل, وقد أعدت كل من مريم وحياة لهذا الحفل بكل دقة وترتيب حيث أخرجتاه في أكمل صورة. كان كل من وليد ويوسف يقومان بدور المضيف وقد تلقى وليد الكثير من التهانىء والمباركات, ويوسف كذلك حيث كان البعض يعتقد ان تلك الشركة ما هي الا فرعا جديدا لشركة المعمار الأم وهذا باضبط ما كان يريده يوسف لأن اسم شركة المعمار سيضيف الكثير لأخيه في بداية طريقه. وكان الضيوف يتجمعون في حلقات حول بركة السباحة وكل منهم يتناقش مع الاخر فيما يتعلق بالعمل والصفقات المختلفة, فكعادة رجال الأعمال دائما يتصيدون كل فرصة مهما كانت صغيرة في القيام ببعض الأعمال التي تعود عليهم بالمزيد من الأرباح حتى في المناسبات الاجتماعية, فما بالك باحتفال أقيم خصيصا لهذا الغرض؟
كان الاخوان هما نجمي الحفل بوسامتهم وجاذبيتهم وكذلك ذكائهم في التعامل ولباقتهم في الحديث يتنقلان من حلقة إلى أخرى, ويقوم يوسف بتقديم أخيه إلى جميع رجال الأعمال والمهندسين مع كلمات المدح والإطراء التي لم يجد صعوبة في العثور عليها ليذكي بها شقيقه بل لنقل ابنه الكبير كما كان يعتبره.
ورغم غرابة الأجواء بالنسبة لكل من مريم وحياة الا انهما قد استطاعتا اثبات كفاتهما في ذلك المجال وقد تعرفتا خلال وقت قصير جدا على معظم الزوجات اللاتي حضرن الحفل وقد كانت النساء تعجبن من لباقتهما وحسن ضيافتهما رغم صغر سنهما ويجذبهن حجابهما الجميل والأنيق والذي كانت تفتقر اليه الباقيات.
وفي الوقت الذي كانت تقف فيه حياة ومريم مع بعض النساء يتحدثون في بعض أمور ربات البيوت التي لم تكن تشغل فكر تلك الأخيرة كثيرا لانهما كانت بعيدة كل البعد عن تلك الصفة,جذب انتباه مريم تلك المرأة التي اقتحمت فجأة الحلقة التي كان بها زوجها, هذه المرأة التي تتذكر جيدا مدى أنوثتها وجاذبيتها فإنها بالطبع لم تكن سوى علياء! لاحظت مريم من بعيد رغم انها لم تسمع حديثها معهم إلا أن جميع الرجال قد تقبلنها في حلقتهم بكل بساطة وكان ذلك واضحا تماما من تلك الضحكات التي استطاعت سماعها جيدا من مكانها ذلك, لاحظت حياة انشغال صديقتها بأمر ما كما شعرت بتغيير تعابير وجهها فوجهت عينيها إلى حيث كانت تنظر مريم لتعلم السبب وراء تجهمها ذلك, فهمست اليها دون أن يلاحظ أحد بذكائها المعهود: أكيد دي علياء.
هزت مريم رأسها بشكل تلقائي مؤكدة تخمين صديقتها التي استمرت تقول: شكلها كدة مش سهل خالص.
ومرة أخرى تهز مريم رأسها بعفوية مؤكدة على كلام حياة وهي تشعر بنيران تتأجج في صدرها كما أنها شعرت أيضا برغبة ملحة في الذهاب الى علياء وطردها من المكان أمام الجميع ولكن منعها من ذلك حرصها الشديد ان تبدو بمظهر الضيفة الودودة أمام الجميع عامة وأن تبدو بمظهر الزوجة الذكية الحريصة على مصلحة زوجها أمام يوسف خاصة, سمعت حياة تقول لها مشجعة: يمكن صحيح تكون منافسة قوية لكن انتي بردو لسة أدامك الفرصة انك تحافظي على جوزك وتحميه.
حادت مريم بنظرها بعيدا عن المكان الذي كانت تقف فيه علياء وهي تميل إلى زوجها وتهمس له ببضعة كلمات تجعله يضحك بصوت عال أما هي فتبتسم ناظرة اليها بتحد واضح دون أن يراها أحد, ولأول مرة استطاعت مريم أن تعترف لنفسها على الأقل بأنها كانت تشعر بالغيرة من علياء ومن سمر ومن أي إمرأة أخرى تقترب من زوجها ولكنها حاولت جاهدة أن تبدو هادئة وهي ترد على حياة قبل أن تنسحب من بين تلك المجموعة بثبات وهي ترسم على شفتيها ابتسامة زائفة وكأن الأمر لا يعنيها: ومين قالك ان انا عاوزة أعمل كدة؟ الموضوع مش فارق معايا أصلا, يعملوا اللي هما عاوزينه.
تغيبت مريم لفترة عن الحفل, حيث دخلت الفيللا وجلست وحدها على أحد الكراسي في الصالون لتنفرد بنفسها قليلا بعيدا عن يوسف وبعيدا عن علياء وعن كل من يمكنه أن يزعجها. فلقد اكتشفت لتوها أنها تغير عليه وقد شعرت بأن تلك الغيرة تقتلها في أكثر من موقف. فهل الغيرة هي دليل الحب كما يقول البعض؟!
: أنصحك بلاش.
انها هي نفس نبرة الصوت التي أصبحت تزعجها كثيرا, لذلك لم تفاجىء مريم كثيرا عندما نظرت خلفها لتجد علياء ترمقها بنظرات متكبرة أغاظتها كثيرا ولكنها قررت ألا تسمح لتلك المرأة باستفزازها فنهضت وهي تقول بابتسامة حاولت أن تحمل بها الكثير من الود الذي لا تشعر به تجاه هذه المرأة وتقول: اهلا مدام علياء, أي خدمة ممكن أقدمها لحضرتك؟
بدأ أن كلامها لم يرق لعلياء, فقالت وهي تتقدم لتجلس على أحد الكراسي واضعة قدما فوق الاخرى بكل تعالي وكبرياء: بصراحة أنا اللي جاية أقدملك خدمة عمرك يا مريم, تسمحي أقولك مريم كدة من غير ألقاب؟
تجاهلت مريم السؤال الأخير لأنها بداخلها لا تريد رفع الألقاب بينها وبين تلك المرأة, فذلك لا يحدث سوى بين الأصدقاء وعلاقتها بعلياء بعيدة كل البعد عن الصداقة, وحاولت أن تتحلى بالهدوء وهي تجلس قبالتها وتسألها: الحقيقة مش فاهمة, ياترى ايه هي الخدمة اللي ممكن تقدميهالي؟
علياء: أنا جاية عشان أجاوبك ع السؤال اللي محيرك لحد دلوقت وانتي مش لاقيه ليه أي إجابة مناسبة.
مريم بدهشة: سؤال ايه؟
علياء: هو يوسف اتجوزك ليه؟ مش دة هو السؤال اللي مطير النوم من عينك؟
حاولت مريم أن تحافظ على هدوءها قدر المستطاع رغم البركان الذي كان تفجر بداخلها بسبب تدخل تلك السيدة في حياتها بهذا الشكل الغير لائق, ولكنها لم ترد أن تكون فظة في حديثها معها وهي تقول لها: والله أعتقد ان دي حاجة ما تخصش حضرتك.
لاحظت مريم أن كلامها قد أغضب علياء بعض الشيء وظهر ذلك جليا في نبرة صوتها التي ارتفعت قليلا وهي تقول بحدة: انتي غلطانة يا مريم, لان الموضوع دة يخصني زي ماهو يخصك.
مريم: ودة يخص حضرتك في ايه بقا؟
علياء: يخصني لأن يوسف دة بتاعي, ملكي انا يا مريم, ومش هسمح لأي واحدة تاني انها تاخده مني, انتي فاهمة؟
لم تندهش مريم من معنى كلامها بقدر ما اندهشت من جرأتها وهي تتفوه به, ولكن ما زالت مريم تحافظ على هدوءها وهي تقول: المرادي بقا انتي اللي غلطانة يا مدام علياء, لانك واضح جدا انك نسيتي ان يوسف دة بقا جوزي انا.
وبعكس توقعاتها سمعتها مريم تضحك بصوت عال يكاد يصم أذنيها, ثم قالت ساخرة: أي جواز دة اللي بتتكلمي عنه؟ قصدك يعني ع العقد دة اللي بينك وبينه واللي سهل أوي انه يتلغي في أي وقت؟
إذن فهي تعلم كل شيء! ومن الواضح أن يوسف هو من أخبرها به, وقد كانت تلك الحقيقة هي ما صدمتها كثيرا, ولكنها لم تعلق بشىء, مما سمح لعلياء بالاستمرار في حديثها بطريقتها المستفزة التي أصبحت لا تطاق مؤكدة شكوكها: ما تستغربيش أوي كدة, انا يوسف عمره ما بيخبي عليا حاجة, احنا أصدقاء من زمان وفاهمين بعض أوي عشان كدة بقولك ان انا كنت اكتر واحدة جديرة بيه.
استطاعت مريم بصعوبة أن تداري نبرة الحزن في صوتها ليبدو ثابتا وهي تقول: لو كان صحيح اللي انتي بتقوليه دة, يبقا ليه ما فكرش انه يتجوزك؟
اكتسب صوت علياء الكثير من الحقد وهي تجيب: عشان جيتي انتي وجدك ووقفتوا بيني وبينه.
مريم: ازاي؟
علياء: صحيح انا صاحبة سلسلة بوتيكات مشهورة, بس مهما كان بردو اللي عندي أقل بكتير من ثروة جدك عبدالرءوف دة غير الشراكة اللي بتجمع بين شركة يوسف وشركة جدك, واللي ممكن بكل سهولة تتحل لو بعد الشر يعني جدك مات, ودة طبعا هيسبب خسارة كبيرة ليوسف, عشان كدة كان محتاج نوع معين من الضمان يضمن بيه مستقبل شركته, وانتي بقا يا مريم كنتي الضمان دة.
مريم: انا!
علياء: طبعا, مش انتي أحد الورثا, دة غير كمان ان ليكي النصيب الكبير في ثروة جدك, ويوسف بجوازة منك هيبقا من السهل عليه انه يتحكم في نصيبك وبكدة تفضل الشراكة مستمرة او على الأقل حتى لو اتفكت مش هيكون خسر كتير, بالعكس طبعا ميراثك لوحده هيبقا أكبر مكسب ليه في صفقة جوازكم.
بهتت مريم لسماعها هذا الكلام عن حقيقة جوازها بيوسف, أيمكن لهذا الشخص الذي اعتقدت بأنها أصبحت تعرفه جيدا يكون بتلك الوضاعة والانتهازية التي تصورها لها علياء؟ لكن ما زال هناك جزء من عقلها يرفض تصديق ذلك فمهما كانت عيوب يوسف كثيرة الا انها لا يمكنها أن تتخيله أبدا ذلك الشخص الذي لا يحركه سوى الطمع, وبدا أن علياء قد شعرت بمدى الحيرة التي قد استولت عليها, فأصبح صوتها يحمل بعض الود وهي تقول: أنا عارفة يا مريم ان صعب أوي تصدقيني, وانك يمكن كمان تكوني اتعلقتي بيوسف لدرجة انه بقا مستحيل عليكي تصدقي عنه حاجة زي كدة, بس أنا بقا عندي الدليل على كل كلمة قولتهالك.
فانتبهت مريم اليها بكل حواسها وعينيها مليئة بالتساؤل, ولم تجعلها علياء تنتظر كثيرا, فأخرجت هاتفها من حقيبة يدها وضغط على بعض أزراره ومريم تنظر اليها بعيون جامدة وأعصاب مشدودة وسمعتها تقول: اللي هسمعهولك دلوقت تسجيل صغير لكلام يوسف بنفسه.
وفجأة سمعت مريم صوت زوجها الذي لا يمكن أن تخطئه أبدا يتردد عبر الهاتف وهو يقول: علياء .كل اللي انا عاوزك تفهميه كويس ان الجوازة دي كانت جوازة مصلحة, يعني تقدري تسميها صفقة مش اكتر.
علياء بعدم تصديق: صفقة! وعاوزني انا اصدق الكلام دة!
يوسف: تصدقي أو لا دي مشكلتك مش مشكلتي , بس انا اللي عندي قلته.
علياء: بس يا يوسف انا اللي اعرفه بقا ان كل صفقة بيبقا ليها ميعاد محدد تنتهي فيه,يا ترى انت بقا جوازك من النوع دة ولا من نوع الى الابد الى الابد؟!
يوسف: انتي كدة بدأتي تفهميني, انا فعلا ناوي انهي جوازي بعد فترة,بس لما يحصل اللي انا عاوزه الأول.
وأغلقت علياء التسجيل وهي تعلق بنبرة حزينة مصطنعة: للأسف موبايلي جه لحد هنا وفصل شحن, بس طبعا انتي تقدري تستنتجي الباقي, ومش محتاجة أقولك هو ايه اللي يوسف كان مستنيه يحصل عشان يطلقك, طبعا كان يقصد انه لما يحط ايده الأول على كل ممتلكاتك وميراثك.
بدت مريم عاجزة عن الكلام وهي تنظر الى الفراغ والدموع تتجمع في عينيها اثر الكلام الذي سمعته, فأكملت علياء وهي تقترب من مريم بخطوات ثابتة مواسية: انا اسفة يا مريم, انا عارفة ان الكلام اللي انتي سمعتيه جرحك اوي بس أعتقد ان دة أفضل بكتير من انك تفضلي مخدوعة على طول, وكمان عشان تقدري بعد كدة انك تتحكمي في مشاعرك من ناحيته, لأن يوسف دة لا بتاع حب ولا جواز, يوسف الحاجة الوحيدة اللي ممكن تحركه هي المصلحة, و أنا عارفة كويس انه بعد ما يطلقك هيلاقي مصلحته معايا, وهترجع علاقتنا زي ما كانت في الأول.
مريم وهي تحاول أن تخفي نبرة الاحتقار التي تخللت صوتها: وانتي ازاي هتقبلي ترجعيله تاني وانتي عارفة كل الكلام دة؟
فابتسمت علياء بشيطانية وهي تجيب: أولا يوسف مش هيرجعلي ولا حاجة, لأنه وبكل بساطة هو أصلا ما سابنيش, وعلاقتنا زي الأول ويمكن أحسن كمان, ثانيا بقا أن كل الكلام دة مش هيفرق معايا كتير لأن زي ما يوسف مصلحته معايا أنا كمان مصلحتي معاه, يعني الصفقة اللي هتبقا بينا هيبقا فيها مكسب للطرفين بعكسك انتي تماما.
أحست مريم بأنها قد تلقت طعنة قاتلة في قلبها ولكنها استطاعت أن تتغلب على دموعها الحارقة وبعد مجهود كبير استطاعت أن تخرج صوتها من جديد بعد أن كانت ظنت أنها ستعجز عن الكلام ومع أنه كان صوتا ضعيفا مرهقا ولكن استطاعت أن توقف به علياء في مكانها بعد أن كانت تستعد للرحيل: لو سمحتي سؤال أخير.
اكتفت علياء بنظرات الترقب ناحية مريم التي قالت: انتي ايه اللي خلاكي تيجي دلوقت وتقوليلي كل الكلام دة؟ يعني بمعنى أصح ليه ما استنتيش لما يوسف ينفذ خطته وبعدين تتجوزوا زي ما كنتم متفقين؟
وكأنها كانت تتوقع السؤال, فأجابت بكل بساطة وتلقائية: لأن زي ما قولتي, دي كانت خطة يوسف مش خطتي وأنا وافقته بس عليها عشان أرضيه على أمل , سوري يعني, ان جدك لاقدر الله يموت في العملية اللي كان هيعملها, لكن دة ما حصلش ولما حسيت ان الفترة اللي كنا متفقين عليها ممكن تطول أو ان يوسف ممكن يغير رأيه.......
وقبل أن تكمل جملتها سألتها مريم بقلق: يغير رأيه ازاي يعني؟ قصدك انه يخطط انه يقتل جدو عبدالرءوف بنفسه؟
فابتسمت علياء ابتسامتها الكريهة وهي تنفي بكل تأكيد: لا طبعا, يوسف مهما كان بيحب مصلحته الا ان عمره ما هيفكر في القتل, بس كان ممكن يعمل تغيير بسيط في الخطة بتاعته, يعني بدل ما كان جوازكم مزيف ولفترة محدودة فممكن يخليه جواز حقيقي و اهو كدة كدة كسبان من كل ناحية يعني بما ان عبدالرءوف بيه بقا بيثق فيه أكتر من أي حد فسهل أوي انه يخليه المتحكم الاساسي في كل أملاكه زي ماهو تقريبا عامله دلوقت وأهو بالمرة يبقا واخد عروسة فوق البيعة.
وعندما رأت نظرات مريم الغاضبة التي تشتعل نارا متجهة ناحيتها علمت أنها قد تمادت في استفذاذها, فقررت أن تصحح هذا الخطأ فورا فاستطردت حديثها قائلة باعتذار: انا اسفة ما كنتش أقصد, بس يوسف جلال انتي ممكن تتوقعي منه أي حاجة, لأن محدش يقدر يعرف اللي في دماغه.
فهزت مريم رأسها وكأنها تؤكد على كلامها فابتسمت علياء ابتسامة انتصار لم تلحظها مريم, وأكملت علياء وهي تهم بمغادرة المكان بنبرة مستكينة هادئة وكأنها تتوسلها: مريم! انا كل اللي بطلبه منك هو يوسف.
وعندما رأت نظرات الشك في عينيها أكملت: ما تستغربيش, انا للأسف برغم كل عيوبه الا اني فعلا بحبه وهو دة اللي خلاني جيتلك هنا واعترفتلك بكل اللي حصل, انا بجد لو يوسف ضاع مني مش عارفة ممكن يحصلي ايه؟ سيبيه يا مريم لأنك بكل بساطة مش هتقدري تتعاملي معاه ولا هتقدري تعيشه في دنيته اللي هو عملها لنفسه, انتي مهما حاولتي تقربي منه هتفضلي بردو بعيدة وغريبة عن حياته, وقبل ما امشي ليا طلب أخير, ياريت يوسف ما يعرفش اني كلمتك في أي حاجة ولا يعرف كمان انك اكتشفتي حقيقته لأن لا أنا ولا انتي هنقدر نستحمل عقابه. عن اذنك.
وغادرت علياء بعد أن فجرت قنبلتها لتحرق كل من حولها وأولهم مريم تلك الصغيرة التي أصبحت تشعر بالضياع وبمدى سذاجتها عندما تخيلت في بعض الأوقات بأنها استطاعت أن تجذب إليها يوسف أو تقربه منها ولو قليلا, بل كان كل ذلك مجرد خدعة كان هدفه الوحيد من ورائها هو ثروة جدها. لم تعلم مريم كيف يمكنها أن تتصرف معه بعد الآن؟ بل كيف يمكنها أن تلتقي به دون أن تلقي في وجهه سلسلة من الاتهامات بناء على ما اكتشفته وسمعته بأذنيها؟
وظلت هكذا واجمة لبعض الوقت حتى أتتها بعض الأصوات من الخارج, فتذكرت الحفل الذي كانت قد تغيبت عنه كثيرا, وبعد أن كانت قد قررت أن تصعد الى غرفتها حيث لم يعد لديها الرغبة في رؤية أحد أو الدخول في أي نقاش الا انها عدلت عن رأيها أخيرا لآنها لا تريد أن يلحظ أحد تغيبها حيث أعتزمت أن تخفي الأمر عن الجميع وخصوصا هو الى أن تكشفه أمام جدها أولا ثم باقي الناس ممن يكنون له كل احترام وتقدير.
الحلقة الخامسة والعشرون
*مزيدا من الآلام*
لم تعلم على من يمكنها أن تلقي باللوم؟ فهل ستلوم الظروف التي دائما ما تعترض طريق سعادتها معه وتبعدهما أميالا كلما حاولا الاقتراب خطوة؟ أم تلوم هؤلاء الاشخاص الذين يظهرون غالبا من العدم ليعكرون صفو حياتهما؟ أم تلومه هو ذلك الشخص ذو الماضي الذي لا تستطيع أن تتقبله بكل مساوئه؟ أم انها توجه اللوم الى نفسها لأنها تعلقت بالشخص غير المناسب, رجل لا يمكنه ان يسلم قلبه بسهولة لأي إمرأة حتى وإن كانت زوجته؟ هكذا قضت مريم ليلتها يجافيها النوم وهي تفكر في حل مناسب لمشاكلها التي تبدو معقدة جدا عندما يكون يوسف جلال طرفا فيها وتتساءل ما إذا كان هو الآخر يشغل نفسه بتلك الأمور؟ ويريد لعلاقتهما النجاح أم أنها هي البلهاء الوحيدة التي تسعى وراء السراب؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أقيم حفل افتتاح شركة My Life للمعمار الخاصة بوليد جلال في الفيللا كما كان متفقا عليه من قبل, وقد أعدت كل من مريم وحياة لهذا الحفل بكل دقة وترتيب حيث أخرجتاه في أكمل صورة. كان كل من وليد ويوسف يقومان بدور المضيف وقد تلقى وليد الكثير من التهانىء والمباركات, ويوسف كذلك حيث كان البعض يعتقد ان تلك الشركة ما هي الا فرعا جديدا لشركة المعمار الأم وهذا باضبط ما كان يريده يوسف لأن اسم شركة المعمار سيضيف الكثير لأخيه في بداية طريقه. وكان الضيوف يتجمعون في حلقات حول بركة السباحة وكل منهم يتناقش مع الاخر فيما يتعلق بالعمل والصفقات المختلفة, فكعادة رجال الأعمال دائما يتصيدون كل فرصة مهما كانت صغيرة في القيام ببعض الأعمال التي تعود عليهم بالمزيد من الأرباح حتى في المناسبات الاجتماعية, فما بالك باحتفال أقيم خصيصا لهذا الغرض؟
كان الاخوان هما نجمي الحفل بوسامتهم وجاذبيتهم وكذلك ذكائهم في التعامل ولباقتهم في الحديث يتنقلان من حلقة إلى أخرى, ويقوم يوسف بتقديم أخيه إلى جميع رجال الأعمال والمهندسين مع كلمات المدح والإطراء التي لم يجد صعوبة في العثور عليها ليذكي بها شقيقه بل لنقل ابنه الكبير كما كان يعتبره.
ورغم غرابة الأجواء بالنسبة لكل من مريم وحياة الا انهما قد استطاعتا اثبات كفاتهما في ذلك المجال وقد تعرفتا خلال وقت قصير جدا على معظم الزوجات اللاتي حضرن الحفل وقد كانت النساء تعجبن من لباقتهما وحسن ضيافتهما رغم صغر سنهما ويجذبهن حجابهما الجميل والأنيق والذي كانت تفتقر اليه الباقيات.
وفي الوقت الذي كانت تقف فيه حياة ومريم مع بعض النساء يتحدثون في بعض أمور ربات البيوت التي لم تكن تشغل فكر تلك الأخيرة كثيرا لانهما كانت بعيدة كل البعد عن تلك الصفة,جذب انتباه مريم تلك المرأة التي اقتحمت فجأة الحلقة التي كان بها زوجها, هذه المرأة التي تتذكر جيدا مدى أنوثتها وجاذبيتها فإنها بالطبع لم تكن سوى علياء! لاحظت مريم من بعيد رغم انها لم تسمع حديثها معهم إلا أن جميع الرجال قد تقبلنها في حلقتهم بكل بساطة وكان ذلك واضحا تماما من تلك الضحكات التي استطاعت سماعها جيدا من مكانها ذلك, لاحظت حياة انشغال صديقتها بأمر ما كما شعرت بتغيير تعابير وجهها فوجهت عينيها إلى حيث كانت تنظر مريم لتعلم السبب وراء تجهمها ذلك, فهمست اليها دون أن يلاحظ أحد بذكائها المعهود: أكيد دي علياء.
هزت مريم رأسها بشكل تلقائي مؤكدة تخمين صديقتها التي استمرت تقول: شكلها كدة مش سهل خالص.
ومرة أخرى تهز مريم رأسها بعفوية مؤكدة على كلام حياة وهي تشعر بنيران تتأجج في صدرها كما أنها شعرت أيضا برغبة ملحة في الذهاب الى علياء وطردها من المكان أمام الجميع ولكن منعها من ذلك حرصها الشديد ان تبدو بمظهر الضيفة الودودة أمام الجميع عامة وأن تبدو بمظهر الزوجة الذكية الحريصة على مصلحة زوجها أمام يوسف خاصة, سمعت حياة تقول لها مشجعة: يمكن صحيح تكون منافسة قوية لكن انتي بردو لسة أدامك الفرصة انك تحافظي على جوزك وتحميه.
حادت مريم بنظرها بعيدا عن المكان الذي كانت تقف فيه علياء وهي تميل إلى زوجها وتهمس له ببضعة كلمات تجعله يضحك بصوت عال أما هي فتبتسم ناظرة اليها بتحد واضح دون أن يراها أحد, ولأول مرة استطاعت مريم أن تعترف لنفسها على الأقل بأنها كانت تشعر بالغيرة من علياء ومن سمر ومن أي إمرأة أخرى تقترب من زوجها ولكنها حاولت جاهدة أن تبدو هادئة وهي ترد على حياة قبل أن تنسحب من بين تلك المجموعة بثبات وهي ترسم على شفتيها ابتسامة زائفة وكأن الأمر لا يعنيها: ومين قالك ان انا عاوزة أعمل كدة؟ الموضوع مش فارق معايا أصلا, يعملوا اللي هما عاوزينه.
تغيبت مريم لفترة عن الحفل, حيث دخلت الفيللا وجلست وحدها على أحد الكراسي في الصالون لتنفرد بنفسها قليلا بعيدا عن يوسف وبعيدا عن علياء وعن كل من يمكنه أن يزعجها. فلقد اكتشفت لتوها أنها تغير عليه وقد شعرت بأن تلك الغيرة تقتلها في أكثر من موقف. فهل الغيرة هي دليل الحب كما يقول البعض؟!
: أنصحك بلاش.
انها هي نفس نبرة الصوت التي أصبحت تزعجها كثيرا, لذلك لم تفاجىء مريم كثيرا عندما نظرت خلفها لتجد علياء ترمقها بنظرات متكبرة أغاظتها كثيرا ولكنها قررت ألا تسمح لتلك المرأة باستفزازها فنهضت وهي تقول بابتسامة حاولت أن تحمل بها الكثير من الود الذي لا تشعر به تجاه هذه المرأة وتقول: اهلا مدام علياء, أي خدمة ممكن أقدمها لحضرتك؟
بدأ أن كلامها لم يرق لعلياء, فقالت وهي تتقدم لتجلس على أحد الكراسي واضعة قدما فوق الاخرى بكل تعالي وكبرياء: بصراحة أنا اللي جاية أقدملك خدمة عمرك يا مريم, تسمحي أقولك مريم كدة من غير ألقاب؟
تجاهلت مريم السؤال الأخير لأنها بداخلها لا تريد رفع الألقاب بينها وبين تلك المرأة, فذلك لا يحدث سوى بين الأصدقاء وعلاقتها بعلياء بعيدة كل البعد عن الصداقة, وحاولت أن تتحلى بالهدوء وهي تجلس قبالتها وتسألها: الحقيقة مش فاهمة, ياترى ايه هي الخدمة اللي ممكن تقدميهالي؟
علياء: أنا جاية عشان أجاوبك ع السؤال اللي محيرك لحد دلوقت وانتي مش لاقيه ليه أي إجابة مناسبة.
مريم بدهشة: سؤال ايه؟
علياء: هو يوسف اتجوزك ليه؟ مش دة هو السؤال اللي مطير النوم من عينك؟
حاولت مريم أن تحافظ على هدوءها قدر المستطاع رغم البركان الذي كان تفجر بداخلها بسبب تدخل تلك السيدة في حياتها بهذا الشكل الغير لائق, ولكنها لم ترد أن تكون فظة في حديثها معها وهي تقول لها: والله أعتقد ان دي حاجة ما تخصش حضرتك.
لاحظت مريم أن كلامها قد أغضب علياء بعض الشيء وظهر ذلك جليا في نبرة صوتها التي ارتفعت قليلا وهي تقول بحدة: انتي غلطانة يا مريم, لان الموضوع دة يخصني زي ماهو يخصك.
مريم: ودة يخص حضرتك في ايه بقا؟
علياء: يخصني لأن يوسف دة بتاعي, ملكي انا يا مريم, ومش هسمح لأي واحدة تاني انها تاخده مني, انتي فاهمة؟
لم تندهش مريم من معنى كلامها بقدر ما اندهشت من جرأتها وهي تتفوه به, ولكن ما زالت مريم تحافظ على هدوءها وهي تقول: المرادي بقا انتي اللي غلطانة يا مدام علياء, لانك واضح جدا انك نسيتي ان يوسف دة بقا جوزي انا.
وبعكس توقعاتها سمعتها مريم تضحك بصوت عال يكاد يصم أذنيها, ثم قالت ساخرة: أي جواز دة اللي بتتكلمي عنه؟ قصدك يعني ع العقد دة اللي بينك وبينه واللي سهل أوي انه يتلغي في أي وقت؟
إذن فهي تعلم كل شيء! ومن الواضح أن يوسف هو من أخبرها به, وقد كانت تلك الحقيقة هي ما صدمتها كثيرا, ولكنها لم تعلق بشىء, مما سمح لعلياء بالاستمرار في حديثها بطريقتها المستفزة التي أصبحت لا تطاق مؤكدة شكوكها: ما تستغربيش أوي كدة, انا يوسف عمره ما بيخبي عليا حاجة, احنا أصدقاء من زمان وفاهمين بعض أوي عشان كدة بقولك ان انا كنت اكتر واحدة جديرة بيه.
استطاعت مريم بصعوبة أن تداري نبرة الحزن في صوتها ليبدو ثابتا وهي تقول: لو كان صحيح اللي انتي بتقوليه دة, يبقا ليه ما فكرش انه يتجوزك؟
اكتسب صوت علياء الكثير من الحقد وهي تجيب: عشان جيتي انتي وجدك ووقفتوا بيني وبينه.
مريم: ازاي؟
علياء: صحيح انا صاحبة سلسلة بوتيكات مشهورة, بس مهما كان بردو اللي عندي أقل بكتير من ثروة جدك عبدالرءوف دة غير الشراكة اللي بتجمع بين شركة يوسف وشركة جدك, واللي ممكن بكل سهولة تتحل لو بعد الشر يعني جدك مات, ودة طبعا هيسبب خسارة كبيرة ليوسف, عشان كدة كان محتاج نوع معين من الضمان يضمن بيه مستقبل شركته, وانتي بقا يا مريم كنتي الضمان دة.
مريم: انا!
علياء: طبعا, مش انتي أحد الورثا, دة غير كمان ان ليكي النصيب الكبير في ثروة جدك, ويوسف بجوازة منك هيبقا من السهل عليه انه يتحكم في نصيبك وبكدة تفضل الشراكة مستمرة او على الأقل حتى لو اتفكت مش هيكون خسر كتير, بالعكس طبعا ميراثك لوحده هيبقا أكبر مكسب ليه في صفقة جوازكم.
بهتت مريم لسماعها هذا الكلام عن حقيقة جوازها بيوسف, أيمكن لهذا الشخص الذي اعتقدت بأنها أصبحت تعرفه جيدا يكون بتلك الوضاعة والانتهازية التي تصورها لها علياء؟ لكن ما زال هناك جزء من عقلها يرفض تصديق ذلك فمهما كانت عيوب يوسف كثيرة الا انها لا يمكنها أن تتخيله أبدا ذلك الشخص الذي لا يحركه سوى الطمع, وبدا أن علياء قد شعرت بمدى الحيرة التي قد استولت عليها, فأصبح صوتها يحمل بعض الود وهي تقول: أنا عارفة يا مريم ان صعب أوي تصدقيني, وانك يمكن كمان تكوني اتعلقتي بيوسف لدرجة انه بقا مستحيل عليكي تصدقي عنه حاجة زي كدة, بس أنا بقا عندي الدليل على كل كلمة قولتهالك.
فانتبهت مريم اليها بكل حواسها وعينيها مليئة بالتساؤل, ولم تجعلها علياء تنتظر كثيرا, فأخرجت هاتفها من حقيبة يدها وضغط على بعض أزراره ومريم تنظر اليها بعيون جامدة وأعصاب مشدودة وسمعتها تقول: اللي هسمعهولك دلوقت تسجيل صغير لكلام يوسف بنفسه.
وفجأة سمعت مريم صوت زوجها الذي لا يمكن أن تخطئه أبدا يتردد عبر الهاتف وهو يقول: علياء .كل اللي انا عاوزك تفهميه كويس ان الجوازة دي كانت جوازة مصلحة, يعني تقدري تسميها صفقة مش اكتر.
علياء بعدم تصديق: صفقة! وعاوزني انا اصدق الكلام دة!
يوسف: تصدقي أو لا دي مشكلتك مش مشكلتي , بس انا اللي عندي قلته.
علياء: بس يا يوسف انا اللي اعرفه بقا ان كل صفقة بيبقا ليها ميعاد محدد تنتهي فيه,يا ترى انت بقا جوازك من النوع دة ولا من نوع الى الابد الى الابد؟!
يوسف: انتي كدة بدأتي تفهميني, انا فعلا ناوي انهي جوازي بعد فترة,بس لما يحصل اللي انا عاوزه الأول.
وأغلقت علياء التسجيل وهي تعلق بنبرة حزينة مصطنعة: للأسف موبايلي جه لحد هنا وفصل شحن, بس طبعا انتي تقدري تستنتجي الباقي, ومش محتاجة أقولك هو ايه اللي يوسف كان مستنيه يحصل عشان يطلقك, طبعا كان يقصد انه لما يحط ايده الأول على كل ممتلكاتك وميراثك.
بدت مريم عاجزة عن الكلام وهي تنظر الى الفراغ والدموع تتجمع في عينيها اثر الكلام الذي سمعته, فأكملت علياء وهي تقترب من مريم بخطوات ثابتة مواسية: انا اسفة يا مريم, انا عارفة ان الكلام اللي انتي سمعتيه جرحك اوي بس أعتقد ان دة أفضل بكتير من انك تفضلي مخدوعة على طول, وكمان عشان تقدري بعد كدة انك تتحكمي في مشاعرك من ناحيته, لأن يوسف دة لا بتاع حب ولا جواز, يوسف الحاجة الوحيدة اللي ممكن تحركه هي المصلحة, و أنا عارفة كويس انه بعد ما يطلقك هيلاقي مصلحته معايا, وهترجع علاقتنا زي ما كانت في الأول.
مريم وهي تحاول أن تخفي نبرة الاحتقار التي تخللت صوتها: وانتي ازاي هتقبلي ترجعيله تاني وانتي عارفة كل الكلام دة؟
فابتسمت علياء بشيطانية وهي تجيب: أولا يوسف مش هيرجعلي ولا حاجة, لأنه وبكل بساطة هو أصلا ما سابنيش, وعلاقتنا زي الأول ويمكن أحسن كمان, ثانيا بقا أن كل الكلام دة مش هيفرق معايا كتير لأن زي ما يوسف مصلحته معايا أنا كمان مصلحتي معاه, يعني الصفقة اللي هتبقا بينا هيبقا فيها مكسب للطرفين بعكسك انتي تماما.
أحست مريم بأنها قد تلقت طعنة قاتلة في قلبها ولكنها استطاعت أن تتغلب على دموعها الحارقة وبعد مجهود كبير استطاعت أن تخرج صوتها من جديد بعد أن كانت ظنت أنها ستعجز عن الكلام ومع أنه كان صوتا ضعيفا مرهقا ولكن استطاعت أن توقف به علياء في مكانها بعد أن كانت تستعد للرحيل: لو سمحتي سؤال أخير.
اكتفت علياء بنظرات الترقب ناحية مريم التي قالت: انتي ايه اللي خلاكي تيجي دلوقت وتقوليلي كل الكلام دة؟ يعني بمعنى أصح ليه ما استنتيش لما يوسف ينفذ خطته وبعدين تتجوزوا زي ما كنتم متفقين؟
وكأنها كانت تتوقع السؤال, فأجابت بكل بساطة وتلقائية: لأن زي ما قولتي, دي كانت خطة يوسف مش خطتي وأنا وافقته بس عليها عشان أرضيه على أمل , سوري يعني, ان جدك لاقدر الله يموت في العملية اللي كان هيعملها, لكن دة ما حصلش ولما حسيت ان الفترة اللي كنا متفقين عليها ممكن تطول أو ان يوسف ممكن يغير رأيه.......
وقبل أن تكمل جملتها سألتها مريم بقلق: يغير رأيه ازاي يعني؟ قصدك انه يخطط انه يقتل جدو عبدالرءوف بنفسه؟
فابتسمت علياء ابتسامتها الكريهة وهي تنفي بكل تأكيد: لا طبعا, يوسف مهما كان بيحب مصلحته الا ان عمره ما هيفكر في القتل, بس كان ممكن يعمل تغيير بسيط في الخطة بتاعته, يعني بدل ما كان جوازكم مزيف ولفترة محدودة فممكن يخليه جواز حقيقي و اهو كدة كدة كسبان من كل ناحية يعني بما ان عبدالرءوف بيه بقا بيثق فيه أكتر من أي حد فسهل أوي انه يخليه المتحكم الاساسي في كل أملاكه زي ماهو تقريبا عامله دلوقت وأهو بالمرة يبقا واخد عروسة فوق البيعة.
وعندما رأت نظرات مريم الغاضبة التي تشتعل نارا متجهة ناحيتها علمت أنها قد تمادت في استفذاذها, فقررت أن تصحح هذا الخطأ فورا فاستطردت حديثها قائلة باعتذار: انا اسفة ما كنتش أقصد, بس يوسف جلال انتي ممكن تتوقعي منه أي حاجة, لأن محدش يقدر يعرف اللي في دماغه.
فهزت مريم رأسها وكأنها تؤكد على كلامها فابتسمت علياء ابتسامة انتصار لم تلحظها مريم, وأكملت علياء وهي تهم بمغادرة المكان بنبرة مستكينة هادئة وكأنها تتوسلها: مريم! انا كل اللي بطلبه منك هو يوسف.
وعندما رأت نظرات الشك في عينيها أكملت: ما تستغربيش, انا للأسف برغم كل عيوبه الا اني فعلا بحبه وهو دة اللي خلاني جيتلك هنا واعترفتلك بكل اللي حصل, انا بجد لو يوسف ضاع مني مش عارفة ممكن يحصلي ايه؟ سيبيه يا مريم لأنك بكل بساطة مش هتقدري تتعاملي معاه ولا هتقدري تعيشه في دنيته اللي هو عملها لنفسه, انتي مهما حاولتي تقربي منه هتفضلي بردو بعيدة وغريبة عن حياته, وقبل ما امشي ليا طلب أخير, ياريت يوسف ما يعرفش اني كلمتك في أي حاجة ولا يعرف كمان انك اكتشفتي حقيقته لأن لا أنا ولا انتي هنقدر نستحمل عقابه. عن اذنك.
وغادرت علياء بعد أن فجرت قنبلتها لتحرق كل من حولها وأولهم مريم تلك الصغيرة التي أصبحت تشعر بالضياع وبمدى سذاجتها عندما تخيلت في بعض الأوقات بأنها استطاعت أن تجذب إليها يوسف أو تقربه منها ولو قليلا, بل كان كل ذلك مجرد خدعة كان هدفه الوحيد من ورائها هو ثروة جدها. لم تعلم مريم كيف يمكنها أن تتصرف معه بعد الآن؟ بل كيف يمكنها أن تلتقي به دون أن تلقي في وجهه سلسلة من الاتهامات بناء على ما اكتشفته وسمعته بأذنيها؟
وظلت هكذا واجمة لبعض الوقت حتى أتتها بعض الأصوات من الخارج, فتذكرت الحفل الذي كانت قد تغيبت عنه كثيرا, وبعد أن كانت قد قررت أن تصعد الى غرفتها حيث لم يعد لديها الرغبة في رؤية أحد أو الدخول في أي نقاش الا انها عدلت عن رأيها أخيرا لآنها لا تريد أن يلحظ أحد تغيبها حيث أعتزمت أن تخفي الأمر عن الجميع وخصوصا هو الى أن تكشفه أمام جدها أولا ثم باقي الناس ممن يكنون له كل احترام وتقدير.
25= ج2=نعود مرة أخرى الى الحفل لنجد هدى تقف بعيدا منبهرة بكل ما تراه من أجواء و ثياب لم ترى مثيلا لها الا على شاشات التلفاز أو اغلفة المجلات.
وبالطبع لم يبد أحد أي اهتمام بتلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر الغجري الطويل التي تبدو لكل من يراها للمرة الأولى حادة الطباع كما لم يعلم عنها أحد سوى أنها قريبة صاحب الحفل, لذا فنجد أن الجميع قد تجنب الاحتكاك بها وقد ساعدتهم هي في ذلك حيث تجنبت هي أيضا الاشتراك في أي حديث فهي تجهل هوية الجميع, واكتفت بالمشاهدة من بعيد.
: مساء الخير.
فاجأها الصوت في البداية الى أن علمت صاحبه فابتسمت مرحبة: مساء النور, بس انت مش ملاحظ ان دي تاني مرة تخضني فيها؟
ماهر بابتسامة مشاكسة: اعملك ايه بقا؟ مانتي السبب. على طول مش مركزة, بس ممكن أسألك يا ترى المرادي مشغولة بايه؟
هدى بدون اهتمام: ابدا, بتفرج.
ماهر: ويا ترى عجبك السيرك؟
شعرت هدى بالاهانة لسخريته فاحمرت وجنتاها غضبا وقد لاحظ هو ذلك فازدادت ابتسامته اتساعا مما جعها تقرر أن ترد له الصاع صاعين فردت مراوغة: أكتر حاجة عجبتني هي القرود اللي فيه.
وبالطبع كان ماهر من الذكاء ليعلم بأنها تقصده هو بهذه الكلمة ولكنه لم يبد عليه الضيق الشديد بل كانت مجرد تقطيبة بسيطة على جبينه وقرر بعدها تغيير موضوع حديثهما فسألها: قوليلي بقا, عاملة ايه في دراستك؟
فردت هدى بارتياح بعد أن قد سجلت نقطة في صالحها حيث نجحت في استفذاذه هي أيضا: عادي. كلها دراسة.
ماهر: أفهم من كدة انك مش حابة دراستك في كلية الاعلام؟
هدى: مش بالظبط, بس مش فارقة معايا كتير. انا كان هدفي اني ادخل الجامعة وأكمل تعليمي وخلاص, ومش شرط بقا في كلية معينة.
ماهر متعجبا: ازاي يعني؟! يعني انتي مش ناوية تشتغلي بعد ما تتخرجي؟
هدى بسخرية: لا طبعا, انا ناوية اتجوز وأقعد في البيت أربي العيال.
ماهر: انتي بتتريقي؟
هدى: أكيد طبعا بتريق؟ أنا يمكن صحيح دخلت الكلية دي كتحدي ومش عن اقتناع أوي الا اني مش بحب أفشل في أي حاجة بعملها وأكيد بعد ما اتخرج ناوية أشتغل .هو انت مش مؤمن بعمل المرأة ولا ايه؟
لم يعلم ماهر بم يمكنه أن يجيب سؤالها؟ فقد كان حريصا كل الحرص على ألا يثير غضبها ففكر قليلا في أحد الحلول الوسطية ولكنه في النهاية قرر أن يقول الصدق: في الحقيقة لا, انا عن نفسي شايف ان عمل المرأة الحقيقي في بيتها مع جوزها و اولادها.
هدى باستياء: بقا موضة قديمة أوي الكلام دة.
ماهر مداعبا: طيب مانا ممكن أجدد نفسي, اعمليلي انتي بس أب تو ديت كدة وأنتي هتلاقيني أحدث موديل.
فابتسمت هدى وكان الخجل يشوب ابتسامتها الصافية, ثم قال لها ماهر بكلمات مترددة: هدى! هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
أجابتة هدى بهزة خفيفة من رأسها, فكان سؤاله المفاجىء: أنا على حسب علمي انك انتي ووليد كنتم شبه مخطوبين, فياترى انتي لسة بتفكري فيه دلوقت؟
رأى ملامحها قد تبدلت لتعبر عن الامتعاض الشديد وقد انتظر أن تخبره بأن ذلك ليس من شأنه ولا يحق له التدخل في هذا الأمر ولكنه سمعها تقول بعفوية وكأنها كانت بحاجة إلى من تتحدث إليه بتلك الحرية, شخص ليس من حقه انتقادها أيا كان ما ستقوله له: ما اكدبش عليك و أقولك اني نسيت اللي حصل وإن بجوازه من حياة أهني إهانة كبيرة, لكن مش حاسة أوي اني خسرت كتير لما خسرته.
فظهر شبح ابتسامة على محياه وهو يقول: دة معناه انك ما كنتيش بتحبيه أصلا.
هدى: الحقيقة مش عارفة, أنا كل اللي أعرفه اني من يوم ما وعيت ع الدنيا وأنا بسمعهم يقولوا ان وليد وهدى مخطوبين واننا من نصيب بعض لحد مانا خلاص بقيت بتعامل ع الأساس دة بالرغم من ان وليد نفسه عمره ما حسسني ان الموضوع مهم أوي بالنسباله زي ما كنت بعتبره مهم بالنسبالي.
ماهر: يعني لو اتقدملك دلوقت واحد مناسب شايف انه هيقدر يسعدك ممكن توافقي عليه؟
شعرت هدى بالاحمرار يغزو وجهها عندما فهمت أنه يعني نفسه وحاولت الهروب من نظرات عينيه التي تطالبها بالاجابة على سؤاله, ولم تجد هدى من ينقذها من هذا الموقف المحرج غير صوت حياة التي ظهرت فجأة أمامهما تقول لهما برفق: السلام عليكم.
وانتظرت حتى رد الاثنان السلام , وقال لها ماهر بينما أشاحت هدى بوجهها عنها: اهلا مدام حياة, الحقيقة أنا بحيي حضرتك على التنظيم الرائع دة للحفلة.
حياة: متشكرة ليك جدا يا استاذ ماهر بس الحقيقة انا جيت عشان أقولكم ان وقفتكم كدة بعيد لوحدكم مش كويسة أوي دة حتى وليد لاحظ كدة وهو اللي بعتني.
وقبل أن يرد ماهر كانت هدى أسرع منه بنبرة حادة غاضبة: وانتم بقا مالكم ومالي؟ انا اعمل اللي انا عاوزاه, وما افتكرش ان حد عينكم أوصيا عليا سواء انتي أو جوزك.
شعر ماهر بحرج حياة فحاول أن يتدخل لمعالجة الأمر بصوت هادىء معتذرا: أنا آسف يا مدام حياة, حضرتك معاكي حق بس احنا مش بنتكلم في أسرار يعني دة غير اننا مش بعيد أوي للدرجة.
فاتجهت هدى بغضبها اليه: انت كمان بتعتذرلها؟ هي مش ليها حق تتدخل في حياتي, انتي فاهم, مفيش أي حد من حقه انه يتدخل في حياتي مش كفاية انك أخدتي وليد؟ عاوزة تاخدي مين تاني؟
ثم ركضت إلى داخل الفيللا وهي في قمة غضبها تتبعها نظرات حياة المليئة بالشفقة, وتابع ماهر اعتذاره لها: ياريت حضرتك ما تاخديش على كلامها, هي أكيد ما كانتش تقصد.
بالطبع لم تكن حياة بهذا الغباء لتلوم هدى على ما تفوهت به في لحظة غضب بل إنها أعطتها كل الحق فيما قالت وتمنت لو تستطيع في تلك اللحظة أن تخبرها بحقيقة زواجها من وليد وتخبرها أيضا بأنها تتعذب في قربها منه كما تتعذب هي في بعدها عنه.
وفي مكان آخر, كان يوسف يمسح المكان كله بعينيه وكأنه يبحث عن شخص ما, حتى فوجىء بعلياء تقف أمامه وتقول له بابتسامة ودلال: يا ترى بتدور على مين؟
يوسف: بدور على مريم, اديلي فترة مش شايفها, متعرفيش هي فين؟
فكذبت علياء وقالت: لا يا سيدي ما شفتهاش, وتسمحلي بقا أمشي وأسيبك تدور براحتك؟
يوسف: بدري كدة؟!
علياء: تقول ايه بقا, أصلي بقيت بنام بدري تقدر تقول كدة اني بحاول أتعود على حياة الزوجية.
فضحك يوسف وهو يقول: مفتكرش انك هتنجحي.
فمطت علياء شفتيها باستياء وهي تقول: أديني بحاول يا سيدي, وما تنساش بقا انت معزوم عندي يوم الخميس زي ما اتفقنا, وعلى فكرة انا عزمت مريم بس هي قالتلي ان ملهاش في نوع الحفلات بتاعتي, شكلها كدة واخدة على الحفلات الأورديحي اللي زي دي.
يوسف: طيب ما تعفيني أنا كمان.
تظاهرت علياء بالحزن الشديد وهي تقول: أخص عليك يا يوسف, بجد هزعل أوي لو اعتذرت انت كمان, مش كفاية مراتك يعني؟
ولأنه كان من غير اللائق أن يرفض دعوة كهذه لذا قال بدون حماس يذكر: خلاص, ان شاء الله هاجي.
علياء بسعادة بالغة دفعتها إلى أن تمسك يديه وتضغط عليها بامتنان: أنا كنت متأكدة بانك مش ممكن تكسفني يا يوسف, وخصوصا انك عارف ان أد ايه حضورك مهم بالنسبالي, هستناك بقا ما تنساش, ياللا سلام.
ثم غادرت علياء المكان ويوسف يشيعها بعينيه ولم يعلم أن هناك عينان أخريان تتابعاه من بعيد, وبالطبع لم تكن سوى عيني مريم التي لم يعد لديها أدنى شك في صحة ما قالته علياء.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
انتهى الحفل وعادت كل من حياة و وليد إلى شقتهما بعد أن رفض هذا الأخير دعوة أخيه لقضاء تلك الليلة في الفيللا, كان كل منهما يشعر بارهاق شديد بعد هذا اليوم الطويل المليء بالعمل المتواصل والمجاملات التي لم تنقطع, وقد شعرت حياة بحاجة شديدة إلى أخذ قسطا من الراحة فقالت وهي تتوجه الى حجرة نومها: تصبح على خير.
ولكن أوقفها صوت وليد الهادىء: حياة!
وعندما التقت عيناهما تابع قائلا بكل صدق: أنا متشكر أوي.
حياة: على إيه؟
وليد: على الحفلة, الحقيقة كانت بجد هايلة, وكل المعازيم مشيوا وهم بيشكروا في التنظيم والجو الجميل اللي كنتي عاملاه انتي ومريم.
وعندما لمحت نظرات الاعجاب في عينيه التي أثبتت لها كم كان هو صادقا في شعوره بالامتنان لها وردت وهي تشعر بالارتباك: انا ما عملتش غير واجبي.
فرأته يبتسم وهو يقول لها بلهجة غامضة: ويا ترى بقا أنا ممكن أطمع في انك تكملي واجبك دة؟
أساءت حياة فهمه في البداية لذلك شعرت بوجنتيها تحمران خجلا وهي تدعي عدم الفهم: قصدك ايه؟
وجدته يتحدث بجدية مطلقة وبأسلوب عملي: الحقيقة أنا بفكر أعمل حفلة صغيرة هنا في الشقة هعزم فيها طبعا يوسف ومريم وهدى وكام واحد كدة من رجال الأعمال اللي ظروفهم ما سمحتش انهم يحضروا حفلة النهاردة. انتي ايه رأيك؟
حاولت حياة أن تخفي خيبة أملها وهي تبتسم وتقول: اوك, مفيش مانع, تحب تكون امتى؟
وليد: انا بقول خير البر عاجله ونعملها بعد بكرة, دة مناسب بالنسبالك؟
حياة: اه, مناسب ان شاء الله, بس يبقا قولي ع العدد كله اللي هييجي أول ما تحدده.
وليد: اوك, روحي نامي بقا عشان شكلك تعبانة أوي, تصبحي على خير.
مازال يعاملها بنفس الجفاء ذاته, ولكنها التمست فيه بعض اللين عن ذي قبل لعل ذلك يشير إلى أن هناك أمل ولو ضئيل في استجابته لنداء قلبها الصامت في يوم ما.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
اختلطت ضحكاتهما معا وهي تتعالى شيئا فشيئا وهما يجلسان معا في شقة علياء حيث قال لها عماد بنظرات مليئة بالاعجاب: دة انتي مش ليكي حل, دة الشيطان نفسه يقولك يا أستاذة.
علياء بدلال: تلميذتك يا أستاذ.
عماد: بس تلميذة متفوقة, صحيح واضح أوي انك اخترتي الوقت المناسب اللي تضربي فيه ضربتك.
علياء: لا بصراحة بقا الفضل في الموضوع دة يرجع لماهر هو اللي خلاني أستنى لحد ما ييجي الوقت المناسب, انا كنت هستعجل وأبين التسجيل قبل دلوقت بكتير بس هو قالي انه ما كنش هيبقا ليه مفعول جامد طالما لسة بينهم عداوة, لكن لما شفت نظرات الغيرة النهاردة في عنين مريم وهي بتبصلي وأنا بكلمه عرفت ان دة هو الوقت المناسب, وفعلا كلامي ليها مع التسجيل اللي بصوت يوسف كان ليهم مفعول السحر عليها ولسة.
عماد: انا خلاص بقيت معتمد عليكي في الموضوع دة.
علياء: اطمن, انا زيك بالظبط عاوزاهم يتطلقوا النهاردة قبل بكرة عشان ع الأقل أشفي غليلي, بس انت ليه ما جيتش الحفلة؟
عماد بنظرة خبيثة: أنا زيك بالظبط مستني الوقت المناسب عشان أظهر فيه, لأن واضح جدا ان وليد دة مش سهل خالص, وان التعامل معاه لازم يكون بحرص شديد.
علياء: ماشي يا عمدة بس ما تتأخرش احنا عاوزين نخلص بقا من الموضوع دة بسرعة .
عماد: اطمني, الضربة القاضية لأولاد جلال سليم الاتنين هتكون قريب أوي.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
يُعاد المشهد مجددا, حيث نرى حياة تقف في المطبخ وبرفقتها مريم تساعدها في إعداد الطعام ولكن تلك المرة في شقة حياة نفسها, كانت مريم تفعل ما تطلبه منها حياة بصمت وهي منشغلة البال وقد لاحظت حياة ذلك فسألتها فجأة: مالك يا مريم, مسهمة كدة ليه؟ انتي تعبانة؟
حاولت مريم إخفاء نبرة الألم في صوتها وهي تجيب: لا أبدا, أنا كويسة ما تشغليش بالك.
ثم أرادت إلهاء صديقتها بأمر آخر فسألتها: هو وليد قالك مين اللي هييجي النهاردة؟
حياة وقد بلعت الطعم الذي ألقته مريم: لا, يمكن عشان هو متأكد اني أكيد مش هكون عارفة أي حد من الوسط دة, بس هو قالي انه زيادة علينا هيكون فيه اتنين من رجال الأعمال المهمين.
وسمعت كل منهما صوت الهاتف تتعالى رناته في الخارج إلى أن انقطع فجأة كما ظهر فجأة حيث بدا أن أحدهم قد تولى الرد عليه, وبعد دقائق قليلة دخل وليد المطبخ وهو يقول لحياة وقد بدا عليه الانزعاج: حياة! فيه واحد من الضيوف اعتذر لأنه حصل عنده ظرف طارىء خلاه يسافر فجأة.
حياة: طيب والتاني؟
وليد: مادام لسة ما اعتذرش يبقا اكيد هييجي. انتوا خلصتوا ولا لسة.
فردت حياة وهي تضع إحدى الأواني في الفرن: تقدر تقول خلاص, يعني كلها ان شاء الله نص ساعة بالكتير وتكون كل حاجة جاهزة.
وبعد مرور نصف الساعة تقريبا أحاط الجميع بطاولة الطعام وكانوا وليد و يوسف وهدى وكذلك عماد شاكر, وكانت هدى تتحدث بتلقائية منقطعة النظير والأخرون يشجعونها مرة بالمديح وأخرى بنظرات الاعجاب, أما مريم وحياة فكانتا لا تزالان في المطبخ لوضع اللمسات الأخيرة, إلا أن سمعتا نداء وليد العالي الذي يستحثهما على الإسراع: هو احنا مش هناكل النهاردة ولا ايه؟ ولا أقول للضيف يفوت علينا بكرة.
ثم أعقبت دعابته ضحكات الآخرين, فابتسمت مريم وهي تقول لحياة: جوزك دة فضيحة. بس ابن حلال.
فنهرتها حياة وهي تحمل طبقا كبيرا محملا بالطعام وتخرج به من المطبخ: طب بطلي غلبة وحصليني بالباقي.
وخرجت حياة متوجهة إلى حجرة الطعام وتزين وجهها ابتسامة حلوة تسحر القلوب, وتقدمت منهم لتضع الطبق الذي في يدها في المنتصف من الطاولة وهي لا ترفع عينيها عنه, فقال وليد مداعبا: يااااااه, كل دة عشان حتة ديك رومي, دة خلاص عماد كان قرب ياكلنا احنا, شكل كدة مراته مجوعاه في البيت زي مانتي ما بتعملي فينا دلوقت.
فرفعت حياة عينيها لأول مرة وهي تتمتم بكلمات الاعتذار المعهودة: أنا آسفة, الديك كان لسة............
ثم ماتت باقي الجملة على شفتيها فور أن تعرفت على الضيف, نعم هو!, انها لم تستطع نسيانه طوال هاتين السنتين الماضيتين, فكيف للضحية أن تنسى وجه الجاني مهما طالت السنوات. ولكن أيعقل أن يكون هو من بين كل رجال الأعمال في الدولة صديق زوجها؟! والتقت عيناهما وقد ظهرت على وجهه علامات الحيرة وكأنه يحاول أن يتذكر أين رأى ذلك الوجه سابقا؟ بالطبع فكيف له أن يتذكر ضحية واحدة من بين ضحاياه التي لا تعلم لهن عددا؟ ماذا تقول؟ بل ماذا تفعل وكيف تتصرف في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه؟
وبدأت حياة بالفعل تشعر بالخدر يتسلل إلى كل مكان في جسمها حتى أخذت الدنيا تغيم في عينيها فلم تعد ترى أو تسمع شيئا مما حولها إلى أن أغمى عليها وكان وليد أسرع في ردة فعله حيث تمكن من الامساك بها قبل أن تسقط على الأرض
وبالطبع لم يبد أحد أي اهتمام بتلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر الغجري الطويل التي تبدو لكل من يراها للمرة الأولى حادة الطباع كما لم يعلم عنها أحد سوى أنها قريبة صاحب الحفل, لذا فنجد أن الجميع قد تجنب الاحتكاك بها وقد ساعدتهم هي في ذلك حيث تجنبت هي أيضا الاشتراك في أي حديث فهي تجهل هوية الجميع, واكتفت بالمشاهدة من بعيد.
: مساء الخير.
فاجأها الصوت في البداية الى أن علمت صاحبه فابتسمت مرحبة: مساء النور, بس انت مش ملاحظ ان دي تاني مرة تخضني فيها؟
ماهر بابتسامة مشاكسة: اعملك ايه بقا؟ مانتي السبب. على طول مش مركزة, بس ممكن أسألك يا ترى المرادي مشغولة بايه؟
هدى بدون اهتمام: ابدا, بتفرج.
ماهر: ويا ترى عجبك السيرك؟
شعرت هدى بالاهانة لسخريته فاحمرت وجنتاها غضبا وقد لاحظ هو ذلك فازدادت ابتسامته اتساعا مما جعها تقرر أن ترد له الصاع صاعين فردت مراوغة: أكتر حاجة عجبتني هي القرود اللي فيه.
وبالطبع كان ماهر من الذكاء ليعلم بأنها تقصده هو بهذه الكلمة ولكنه لم يبد عليه الضيق الشديد بل كانت مجرد تقطيبة بسيطة على جبينه وقرر بعدها تغيير موضوع حديثهما فسألها: قوليلي بقا, عاملة ايه في دراستك؟
فردت هدى بارتياح بعد أن قد سجلت نقطة في صالحها حيث نجحت في استفذاذه هي أيضا: عادي. كلها دراسة.
ماهر: أفهم من كدة انك مش حابة دراستك في كلية الاعلام؟
هدى: مش بالظبط, بس مش فارقة معايا كتير. انا كان هدفي اني ادخل الجامعة وأكمل تعليمي وخلاص, ومش شرط بقا في كلية معينة.
ماهر متعجبا: ازاي يعني؟! يعني انتي مش ناوية تشتغلي بعد ما تتخرجي؟
هدى بسخرية: لا طبعا, انا ناوية اتجوز وأقعد في البيت أربي العيال.
ماهر: انتي بتتريقي؟
هدى: أكيد طبعا بتريق؟ أنا يمكن صحيح دخلت الكلية دي كتحدي ومش عن اقتناع أوي الا اني مش بحب أفشل في أي حاجة بعملها وأكيد بعد ما اتخرج ناوية أشتغل .هو انت مش مؤمن بعمل المرأة ولا ايه؟
لم يعلم ماهر بم يمكنه أن يجيب سؤالها؟ فقد كان حريصا كل الحرص على ألا يثير غضبها ففكر قليلا في أحد الحلول الوسطية ولكنه في النهاية قرر أن يقول الصدق: في الحقيقة لا, انا عن نفسي شايف ان عمل المرأة الحقيقي في بيتها مع جوزها و اولادها.
هدى باستياء: بقا موضة قديمة أوي الكلام دة.
ماهر مداعبا: طيب مانا ممكن أجدد نفسي, اعمليلي انتي بس أب تو ديت كدة وأنتي هتلاقيني أحدث موديل.
فابتسمت هدى وكان الخجل يشوب ابتسامتها الصافية, ثم قال لها ماهر بكلمات مترددة: هدى! هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
أجابتة هدى بهزة خفيفة من رأسها, فكان سؤاله المفاجىء: أنا على حسب علمي انك انتي ووليد كنتم شبه مخطوبين, فياترى انتي لسة بتفكري فيه دلوقت؟
رأى ملامحها قد تبدلت لتعبر عن الامتعاض الشديد وقد انتظر أن تخبره بأن ذلك ليس من شأنه ولا يحق له التدخل في هذا الأمر ولكنه سمعها تقول بعفوية وكأنها كانت بحاجة إلى من تتحدث إليه بتلك الحرية, شخص ليس من حقه انتقادها أيا كان ما ستقوله له: ما اكدبش عليك و أقولك اني نسيت اللي حصل وإن بجوازه من حياة أهني إهانة كبيرة, لكن مش حاسة أوي اني خسرت كتير لما خسرته.
فظهر شبح ابتسامة على محياه وهو يقول: دة معناه انك ما كنتيش بتحبيه أصلا.
هدى: الحقيقة مش عارفة, أنا كل اللي أعرفه اني من يوم ما وعيت ع الدنيا وأنا بسمعهم يقولوا ان وليد وهدى مخطوبين واننا من نصيب بعض لحد مانا خلاص بقيت بتعامل ع الأساس دة بالرغم من ان وليد نفسه عمره ما حسسني ان الموضوع مهم أوي بالنسباله زي ما كنت بعتبره مهم بالنسبالي.
ماهر: يعني لو اتقدملك دلوقت واحد مناسب شايف انه هيقدر يسعدك ممكن توافقي عليه؟
شعرت هدى بالاحمرار يغزو وجهها عندما فهمت أنه يعني نفسه وحاولت الهروب من نظرات عينيه التي تطالبها بالاجابة على سؤاله, ولم تجد هدى من ينقذها من هذا الموقف المحرج غير صوت حياة التي ظهرت فجأة أمامهما تقول لهما برفق: السلام عليكم.
وانتظرت حتى رد الاثنان السلام , وقال لها ماهر بينما أشاحت هدى بوجهها عنها: اهلا مدام حياة, الحقيقة أنا بحيي حضرتك على التنظيم الرائع دة للحفلة.
حياة: متشكرة ليك جدا يا استاذ ماهر بس الحقيقة انا جيت عشان أقولكم ان وقفتكم كدة بعيد لوحدكم مش كويسة أوي دة حتى وليد لاحظ كدة وهو اللي بعتني.
وقبل أن يرد ماهر كانت هدى أسرع منه بنبرة حادة غاضبة: وانتم بقا مالكم ومالي؟ انا اعمل اللي انا عاوزاه, وما افتكرش ان حد عينكم أوصيا عليا سواء انتي أو جوزك.
شعر ماهر بحرج حياة فحاول أن يتدخل لمعالجة الأمر بصوت هادىء معتذرا: أنا آسف يا مدام حياة, حضرتك معاكي حق بس احنا مش بنتكلم في أسرار يعني دة غير اننا مش بعيد أوي للدرجة.
فاتجهت هدى بغضبها اليه: انت كمان بتعتذرلها؟ هي مش ليها حق تتدخل في حياتي, انتي فاهم, مفيش أي حد من حقه انه يتدخل في حياتي مش كفاية انك أخدتي وليد؟ عاوزة تاخدي مين تاني؟
ثم ركضت إلى داخل الفيللا وهي في قمة غضبها تتبعها نظرات حياة المليئة بالشفقة, وتابع ماهر اعتذاره لها: ياريت حضرتك ما تاخديش على كلامها, هي أكيد ما كانتش تقصد.
بالطبع لم تكن حياة بهذا الغباء لتلوم هدى على ما تفوهت به في لحظة غضب بل إنها أعطتها كل الحق فيما قالت وتمنت لو تستطيع في تلك اللحظة أن تخبرها بحقيقة زواجها من وليد وتخبرها أيضا بأنها تتعذب في قربها منه كما تتعذب هي في بعدها عنه.
وفي مكان آخر, كان يوسف يمسح المكان كله بعينيه وكأنه يبحث عن شخص ما, حتى فوجىء بعلياء تقف أمامه وتقول له بابتسامة ودلال: يا ترى بتدور على مين؟
يوسف: بدور على مريم, اديلي فترة مش شايفها, متعرفيش هي فين؟
فكذبت علياء وقالت: لا يا سيدي ما شفتهاش, وتسمحلي بقا أمشي وأسيبك تدور براحتك؟
يوسف: بدري كدة؟!
علياء: تقول ايه بقا, أصلي بقيت بنام بدري تقدر تقول كدة اني بحاول أتعود على حياة الزوجية.
فضحك يوسف وهو يقول: مفتكرش انك هتنجحي.
فمطت علياء شفتيها باستياء وهي تقول: أديني بحاول يا سيدي, وما تنساش بقا انت معزوم عندي يوم الخميس زي ما اتفقنا, وعلى فكرة انا عزمت مريم بس هي قالتلي ان ملهاش في نوع الحفلات بتاعتي, شكلها كدة واخدة على الحفلات الأورديحي اللي زي دي.
يوسف: طيب ما تعفيني أنا كمان.
تظاهرت علياء بالحزن الشديد وهي تقول: أخص عليك يا يوسف, بجد هزعل أوي لو اعتذرت انت كمان, مش كفاية مراتك يعني؟
ولأنه كان من غير اللائق أن يرفض دعوة كهذه لذا قال بدون حماس يذكر: خلاص, ان شاء الله هاجي.
علياء بسعادة بالغة دفعتها إلى أن تمسك يديه وتضغط عليها بامتنان: أنا كنت متأكدة بانك مش ممكن تكسفني يا يوسف, وخصوصا انك عارف ان أد ايه حضورك مهم بالنسبالي, هستناك بقا ما تنساش, ياللا سلام.
ثم غادرت علياء المكان ويوسف يشيعها بعينيه ولم يعلم أن هناك عينان أخريان تتابعاه من بعيد, وبالطبع لم تكن سوى عيني مريم التي لم يعد لديها أدنى شك في صحة ما قالته علياء.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
انتهى الحفل وعادت كل من حياة و وليد إلى شقتهما بعد أن رفض هذا الأخير دعوة أخيه لقضاء تلك الليلة في الفيللا, كان كل منهما يشعر بارهاق شديد بعد هذا اليوم الطويل المليء بالعمل المتواصل والمجاملات التي لم تنقطع, وقد شعرت حياة بحاجة شديدة إلى أخذ قسطا من الراحة فقالت وهي تتوجه الى حجرة نومها: تصبح على خير.
ولكن أوقفها صوت وليد الهادىء: حياة!
وعندما التقت عيناهما تابع قائلا بكل صدق: أنا متشكر أوي.
حياة: على إيه؟
وليد: على الحفلة, الحقيقة كانت بجد هايلة, وكل المعازيم مشيوا وهم بيشكروا في التنظيم والجو الجميل اللي كنتي عاملاه انتي ومريم.
وعندما لمحت نظرات الاعجاب في عينيه التي أثبتت لها كم كان هو صادقا في شعوره بالامتنان لها وردت وهي تشعر بالارتباك: انا ما عملتش غير واجبي.
فرأته يبتسم وهو يقول لها بلهجة غامضة: ويا ترى بقا أنا ممكن أطمع في انك تكملي واجبك دة؟
أساءت حياة فهمه في البداية لذلك شعرت بوجنتيها تحمران خجلا وهي تدعي عدم الفهم: قصدك ايه؟
وجدته يتحدث بجدية مطلقة وبأسلوب عملي: الحقيقة أنا بفكر أعمل حفلة صغيرة هنا في الشقة هعزم فيها طبعا يوسف ومريم وهدى وكام واحد كدة من رجال الأعمال اللي ظروفهم ما سمحتش انهم يحضروا حفلة النهاردة. انتي ايه رأيك؟
حاولت حياة أن تخفي خيبة أملها وهي تبتسم وتقول: اوك, مفيش مانع, تحب تكون امتى؟
وليد: انا بقول خير البر عاجله ونعملها بعد بكرة, دة مناسب بالنسبالك؟
حياة: اه, مناسب ان شاء الله, بس يبقا قولي ع العدد كله اللي هييجي أول ما تحدده.
وليد: اوك, روحي نامي بقا عشان شكلك تعبانة أوي, تصبحي على خير.
مازال يعاملها بنفس الجفاء ذاته, ولكنها التمست فيه بعض اللين عن ذي قبل لعل ذلك يشير إلى أن هناك أمل ولو ضئيل في استجابته لنداء قلبها الصامت في يوم ما.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
اختلطت ضحكاتهما معا وهي تتعالى شيئا فشيئا وهما يجلسان معا في شقة علياء حيث قال لها عماد بنظرات مليئة بالاعجاب: دة انتي مش ليكي حل, دة الشيطان نفسه يقولك يا أستاذة.
علياء بدلال: تلميذتك يا أستاذ.
عماد: بس تلميذة متفوقة, صحيح واضح أوي انك اخترتي الوقت المناسب اللي تضربي فيه ضربتك.
علياء: لا بصراحة بقا الفضل في الموضوع دة يرجع لماهر هو اللي خلاني أستنى لحد ما ييجي الوقت المناسب, انا كنت هستعجل وأبين التسجيل قبل دلوقت بكتير بس هو قالي انه ما كنش هيبقا ليه مفعول جامد طالما لسة بينهم عداوة, لكن لما شفت نظرات الغيرة النهاردة في عنين مريم وهي بتبصلي وأنا بكلمه عرفت ان دة هو الوقت المناسب, وفعلا كلامي ليها مع التسجيل اللي بصوت يوسف كان ليهم مفعول السحر عليها ولسة.
عماد: انا خلاص بقيت معتمد عليكي في الموضوع دة.
علياء: اطمن, انا زيك بالظبط عاوزاهم يتطلقوا النهاردة قبل بكرة عشان ع الأقل أشفي غليلي, بس انت ليه ما جيتش الحفلة؟
عماد بنظرة خبيثة: أنا زيك بالظبط مستني الوقت المناسب عشان أظهر فيه, لأن واضح جدا ان وليد دة مش سهل خالص, وان التعامل معاه لازم يكون بحرص شديد.
علياء: ماشي يا عمدة بس ما تتأخرش احنا عاوزين نخلص بقا من الموضوع دة بسرعة .
عماد: اطمني, الضربة القاضية لأولاد جلال سليم الاتنين هتكون قريب أوي.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
يُعاد المشهد مجددا, حيث نرى حياة تقف في المطبخ وبرفقتها مريم تساعدها في إعداد الطعام ولكن تلك المرة في شقة حياة نفسها, كانت مريم تفعل ما تطلبه منها حياة بصمت وهي منشغلة البال وقد لاحظت حياة ذلك فسألتها فجأة: مالك يا مريم, مسهمة كدة ليه؟ انتي تعبانة؟
حاولت مريم إخفاء نبرة الألم في صوتها وهي تجيب: لا أبدا, أنا كويسة ما تشغليش بالك.
ثم أرادت إلهاء صديقتها بأمر آخر فسألتها: هو وليد قالك مين اللي هييجي النهاردة؟
حياة وقد بلعت الطعم الذي ألقته مريم: لا, يمكن عشان هو متأكد اني أكيد مش هكون عارفة أي حد من الوسط دة, بس هو قالي انه زيادة علينا هيكون فيه اتنين من رجال الأعمال المهمين.
وسمعت كل منهما صوت الهاتف تتعالى رناته في الخارج إلى أن انقطع فجأة كما ظهر فجأة حيث بدا أن أحدهم قد تولى الرد عليه, وبعد دقائق قليلة دخل وليد المطبخ وهو يقول لحياة وقد بدا عليه الانزعاج: حياة! فيه واحد من الضيوف اعتذر لأنه حصل عنده ظرف طارىء خلاه يسافر فجأة.
حياة: طيب والتاني؟
وليد: مادام لسة ما اعتذرش يبقا اكيد هييجي. انتوا خلصتوا ولا لسة.
فردت حياة وهي تضع إحدى الأواني في الفرن: تقدر تقول خلاص, يعني كلها ان شاء الله نص ساعة بالكتير وتكون كل حاجة جاهزة.
وبعد مرور نصف الساعة تقريبا أحاط الجميع بطاولة الطعام وكانوا وليد و يوسف وهدى وكذلك عماد شاكر, وكانت هدى تتحدث بتلقائية منقطعة النظير والأخرون يشجعونها مرة بالمديح وأخرى بنظرات الاعجاب, أما مريم وحياة فكانتا لا تزالان في المطبخ لوضع اللمسات الأخيرة, إلا أن سمعتا نداء وليد العالي الذي يستحثهما على الإسراع: هو احنا مش هناكل النهاردة ولا ايه؟ ولا أقول للضيف يفوت علينا بكرة.
ثم أعقبت دعابته ضحكات الآخرين, فابتسمت مريم وهي تقول لحياة: جوزك دة فضيحة. بس ابن حلال.
فنهرتها حياة وهي تحمل طبقا كبيرا محملا بالطعام وتخرج به من المطبخ: طب بطلي غلبة وحصليني بالباقي.
وخرجت حياة متوجهة إلى حجرة الطعام وتزين وجهها ابتسامة حلوة تسحر القلوب, وتقدمت منهم لتضع الطبق الذي في يدها في المنتصف من الطاولة وهي لا ترفع عينيها عنه, فقال وليد مداعبا: يااااااه, كل دة عشان حتة ديك رومي, دة خلاص عماد كان قرب ياكلنا احنا, شكل كدة مراته مجوعاه في البيت زي مانتي ما بتعملي فينا دلوقت.
فرفعت حياة عينيها لأول مرة وهي تتمتم بكلمات الاعتذار المعهودة: أنا آسفة, الديك كان لسة............
ثم ماتت باقي الجملة على شفتيها فور أن تعرفت على الضيف, نعم هو!, انها لم تستطع نسيانه طوال هاتين السنتين الماضيتين, فكيف للضحية أن تنسى وجه الجاني مهما طالت السنوات. ولكن أيعقل أن يكون هو من بين كل رجال الأعمال في الدولة صديق زوجها؟! والتقت عيناهما وقد ظهرت على وجهه علامات الحيرة وكأنه يحاول أن يتذكر أين رأى ذلك الوجه سابقا؟ بالطبع فكيف له أن يتذكر ضحية واحدة من بين ضحاياه التي لا تعلم لهن عددا؟ ماذا تقول؟ بل ماذا تفعل وكيف تتصرف في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه؟
وبدأت حياة بالفعل تشعر بالخدر يتسلل إلى كل مكان في جسمها حتى أخذت الدنيا تغيم في عينيها فلم تعد ترى أو تسمع شيئا مما حولها إلى أن أغمى عليها وكان وليد أسرع في ردة فعله حيث تمكن من الامساك بها قبل أن تسقط على الأرض