رواية علي دروب الهوي الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم تسنيم المرشدي
***
عادا زكريا ووليد إلى الحارة، وقف وليد ولم يواصل سيره ناظرًا إلى المسجد:
_ تعالى لما نصلي الفجر..
آبى زكريا الذهاب لمكانٍ معللًا:
_ هصلي فوق..
لم يُعلق وليد وتوجه إلى المسجد بينما صعد زكريا بتعبٍ، ولج بيته ووقف ينظر إلى الغرفة التي تمكث بها ليلى، وبعد تفكيرٍ دلفها وبدل ملابسه ثم جلس بجوارها مستندًا على جدار الفراش، محدقًا بالسقف.
ييد النظر في مسألة الحمل، لكنه دومًا ينتهي بشعورٍ من السخط كلما تذكر أنها قامت بذلك دون أخذ إذنًا منه، وجه نظريه عليها طويلًا محاولًا تناسي الأمر الآن، وعدم خلط الأمور فهو بحاجة لها.
مد يده وتحسس ذارعها وهو يناديها:
_ ليلى..
بعد تكرار نداءه مرات عديدة؛ استيقظت ليلى ونظرت إليه برؤى مشوشة، كلنت تشعر بالتعب لكنها جاهدت نفسها ونهضت عندما وجدته برفقتها في غرفتهما، ابتسمت بخفة وتساءلت:
_ رجعت امتى؟
أجابها مختصرًا:
_ لسه راجع..
حمحم ثم أضاف وهو يمد لها ذراعه:
_ تعالي..
تفاجئت ليلى بتودده لها، ولم تفكر لثانية فلقد اعتقدت أنه قد سامحها ونسي ما يغضبه منها، واسرعت في إلقاء نفسها بين ذراعيه قائلة بلهفة:
_ وحشتني
_ وأنتِ كمان
قالها وهو يداعب خصلاتها تمهيدًا لطريقًا يود الدخول به، أخذ وقتًا في مداعبة وجهها تارة وتارة أخرى يتحسس ذراعها وآخر أذنها بحميمية، ثم سمحت لنفسه بالإقتراب منها وتقبيلها، فنفرت منه ليلى وشعرت بالتقزز عندما هاجمها رائحة كريهة لا تدري من أين مصدرها.
جاهدت حتى لا تهرب منه قدر المستطاع لكنها لم تعد تستطيع مقاومة ذلك الشعور في التقيأ، دفعته بقسوة بعيدًا عنها وهرولت إلى المرحاض، تفرغ ما في معدتها.
لم يحرك زكريا ساكنًا بل ظل على وضعه يطالع أمامه دون فعل، حتى عادت ليلى إلى الغرفة ويبدو عليها التعب لا تقدر على رفع قامتها بل كانت منحنية الظهر حتى وصلت إلى الفراش واستقرت أعلاه مرددة بتعبٍ:
_ تعبانة أوي كدا مش قادرة...
فنهض الآخر توجه إلى الخارج لكنها ألحقت به قبل ذهابه:
_ رايح فين؟
ردّ دون أن ينظر لها:
_ هنام في الأوضة التانية
ثم اغلق الباب خلفه حتى لا يستمع لأي اعتراضٍ منها، بينما لم ترفع ليلى عينيها عن الباب، تطالعه بحزنٍ كبير، تشعر بالندم حيال فعلتها التي أوصلتها لذلك الطريق المسدود.
وضعت يدها على معدتها ورددت:
_ يارب هون تعبي..
ثم حاولت العودة إلى النوم لكنها فشلت، فزكريا لم يقتلع من عقلها، تفكر في كيفية استرجاع علاقتهما ثانيةً،
***
صعد وليد البناية بعد أن انتهى من أداء صلاة الفجر، صعد إلى الطابق الأول وألقى نظرة سريعة على الباب، وتذكر أمر الشكولاتة، فتابع صعوده ليأتي لها بواحدة لكنه تريث عند فتح الباب، التفتت بجسده وتفاجئ بخروج خلود وبيدها كعكة يتوسطها رقمي تسعة وعشرون.
_ كل سنة وانت طيب..
هتفتها بحماسة وابتسامة رقيقة، عاد إليها وليد وقد إلتوى ثغره ببسمةٍ سعيدة، وقف مقابلها وتساءل بجدية:
_ دي عشاني؟
أومأت برأسها مؤكدة، فتابع وليد بصوتٍ رخيم وهو يطالع عينيها اللامعة:
_ وأنتِ طيبة..
ازداد حماس خلود وهتفت:
_ اطفي الشمع..
انحنى وليد بجسده ليُطفئ الشموع لكنها لحقت به ووضعت يدها على فمه مانعة إياها من إطفائها، تفاجئ وليد بيدها التي لمست فمه ونظر إليها بغرابة، فسحبتها خلود بهدوءٍ وخرج شديد، لكنها حاولت بألا تُظهر وقالت:
_ اتمنى أمنية الأول..
أطال وليد النظر عليها قبل أن يردف بنبرة مُتيمة:
_ اتمنيت خلاص..
أصابها رجفة مفاجئة حينها، وكأنه كلامه يدور حولها، ابتلعت ريقها وأبعدت عينيها عنه متوجهة إلى الدرجة الأولى من السُلم وقامت بوضع الكعكة اعلاه، ثم عاودت إلى المنزل لتحضر طبقين وشكوتين لهما، عادت إليه وقالت بحماسٍ ظاهر:
_ تعالى كُل وقولي رأيك إيه؟
جلسا كليهما إلى جانب بعضهما البعض يفصل بينهما الكعكة، كادت تقطع قطعة له لكنها فوجئت بعدم إتيانها بسكين، تأففت بضجرٍ ورددت بفتورٍ: نسيت اجيب سكينة..
_ مش مهم، هاتي الشوكة...
هتفها بتلقائية فناولته الشوكة الخاصة به، فبدأ يتناول من الكعكة متلذذًا بجمال مذاقها، أغمض عينيه ليستمتع بها تحت نظراتها عليه، لم تختفي الإبتسامة من على وجهها حتى أعاد فتح عينيه وهتف:
_ تسلم ايدك، جميلة أوي..
_ بجد؟
تساءلت بجدية فأكد كلامه وهو يغمزها:
_ بجد..
أخفضت بصرها سريعًا في حياء ولم تمنع ابتسامتها الخجولة التي تشكلت على شفتيها، فابتسم وليد بعذوبة لحالتها التي يتعرف عليها.
انتبهت خلود على صوت غلق الباب، فاتسعت عينيها بصدمة، وهرولت نحوه فوجدته مغلقًا، شهقت مذعورة ووضعت يدها على فمها وهي تطالعه بعقلاٍ لا يستوعب ما حدث.
انضم إليها وليد قائلًا:
_ مش معاكي مفتاح؟
نفت بحركة من رأسها وقد دمعت عينيها وهي تردد بتوترٍ بائن:
_ هدخل إزاي دلوقتي؟
_ كلمي عليا، وهي تفتح لك...
قال اقتراحها بهدوء، فأردفت خلود بتزمجرٍ:
_ موبايلي جوا، وعليا نومها تقيل لو البيت وقع مش هتحس بحاجة..
كان وليد شاعرًا بما بالتوتر التي تعيشه وحاول أن يُهدئ من ذعرها:
_ طب اهدي، الموضوع بسيط، تعالي رني عليها من عندي.. وإن شاء الله ترد
توجهت خلود إلى الدرجة ثانية وجلست أعلاه، ثم اعطاها ولد هاتفه وقامت بالإتصال على شقيقتها وهي تدعوا داخلها أن تجيب، أعادت اتصالها مرات عديدة لكن دون جدوى فهتفت خلود مستاءة:
_ اوف منك يا عليا، ردي بقى
رفعت عينيها على وليد وقالت:
_ مش قولتلك مش هتحس بحاجة..
ترقرقت العبرات في عينيها، وهتفت معاتبة عدم انتباهها جيدًا:
_ أنا غبية، انا عارفة أن البار بيقفل لوحده إزاي مختش بالي ونسيت اجيب مفتاح..
حاول وليد تلطيف الأجواء المشحونة فردد ممازحًا:
_ ونسيتي السكينة وهي مهمة برده، إزاي تنسي السكينة؟!
تفاجئت خلود برده، وطالعته دون تصديق ثم ضحكت وكذلك هو شاركها الضحك وقال:
_ اضحكي اضحكي، كدا احسن
توقفت خلود عن الضحك عندما ذكرها عقلها بالورطة التي أوقعت نفسها بها، وهتفت وهي تعيد الرنين على عليا:
_ بجد الموضوع مش هيعدي كدا لو حد اكتشف اني برا ومع....
لم تُكمل جملتها، ونظرت أمامها في انتظار إجابة عليا بفروغ صبر، وبعد فترة؛ لم تستطع الوصول إليها فوضعت راحتي يدها خافية وجهها تقاوم نوبة البكاء التي تباغتها.
فقدم وليد اقتراحًا ربنا تقبله:
_ تعالي نطلع عندما أحسن من قعدتنا على السلم
فغرت خلود فاها بدهشة ورددت رافضة:
_ لا طبعًا..
أخرجت تنهيدة مهمومة ثم استرسلت:
_ اطلع أنت، وانا هقعد هنا لغاية ما حد يفتح
أبدى ولدي استيائه ورفضه بالذهاب:
_ مش هسيبك لوحدك هنا، وبعدين ايه المشكلة، إحنا مش لوحدنا في البيت، ماما موجودة..
كانت صورة هناء تتردد في ذهن خلود فتزيد خوفها، وأبت الرضوخ لاقتراحه:
_ لا، اطلع أنت وأنا هستنى هنا..
حاول وليد اظهار وجهة نظره بسلاسة حتى لا ترفض:
_ قعادنا هنا مش حلو يا خلود، حد نازل أو طالع هيشوفنا كدا واكيد هيحصل حوار، لكن فوق محدش شايفك، وهنفضل ورا عليا لغاية ما ترد وتنزلي بهدوء من غير ما حد يلاحظ غيابك، صدقني كدا أحسن..
بعد تفكيرٍ لوقت، قبلت الصعود معه لكن داخلها يرفض بشدة التحرك من مكانها، تشعر بالتيه وفشلها في أخذ قرارًا صائب تلك اللحظة، لكن كلمات وليد التي يرددها من آن لآخر تشعرها بأن قرارها هو الصائب.
ولج وليد أولًا، ولاحد وقوف خلود وعدم إدراتها في الدخول، أخذ نفسًا وحثها على التقدم:
_ يلا تعالي..
اضطرت إلى الدخول، وداخلها يرفض ذلك القرار الغير المتهور والذي سيترتب عليه نتائج كارثية، جلست على الأريكة فاستأذن منها وليد قائلًا:
_ ثواني وراجع لك تاني..
اكتفت خلود بهز رأسها ثم هتفت قبل أن يختفي من أمام عينيها:
_ ممكن استخدم الواتس بتاعك، هبعت لعليا رسالة..
_ خدي راحتك
قالها بترحاب ليطمئن قلبها، ثم ولج غرفة والدته، وقام يإيقاظها وعلل السبب:
_ معلش يا ماما قومي، خلود برا الباب اتقفل وهي مش معاها مفتاح، اقعدي معاها..
نهضت عزة نحاول استيعاب ما يحدث أولًا قبل خروجها
في الخارج؛ فتحت خلود الواتساب الخاص بوليد، وآثار فصولها محادثة بإسم عُلا والى جوارها قلب، انتباها الضيق وتابعت فتح محادثة اختها وارسلت إليها رسالة بكام حدث وان تهاتفها فور صحوتها، ثم خرجت من المحادثة ورمقت ذلك الإسم بسخطٍ.
دفعتها غيرتها إلى فتح المحادثة وقرأ محتواها، شعرت بالغضب عندما وجدت مزاحًا بينهما، تجهمت تقاسيمها ووجهت بصرها على الغرفة في انتظار عودته لتوبيخه فتفاجئت بخروج زوجة عمها، حاولت ارتخاء عضلات وجهها المشدودة وتحولت إلى الخجل الصريح.
نهضت من مكانها فجاءت الآخرى مبتسمة:
_ الباب عملها فيكي يا خوخة
حاولت خلود مجاراة الأمر وشكلت بسمة لم تتعدى شفاها قائلة بحياء:
_ انا آسفة على الازعاج اللي حصل دا، انا والله مكنتش حابة أطلع بس وليد أصر..
قاطعتها عزة مؤيدة تصرف وليد:
_ كويس أنه أصر، كنتي هتقعدي فين، وبعدين مش دا بيتك برده؟!
هزت خلود رأسها فاستأذنت عزة قائلة:
_ هروح أصلي الفجر وراجعة لك..
ذهبت بينما عاد وليد متسائلًا وهو يبحث بعينيه عن والدته:
_ اومال ماما راحت فين؟
بنبرةٍ جامدة ردت:
_ راحت تصلي..
أعادت فتح هاتفه ودخلت على المحادثة ثم أدارت الهاتف في وجهه وتساءلت بحنقٍ كأنها تحقق معه:
_ مين اللي بتهزر معاها دي؟
تفاجئ وليد بسؤالها، وجرأتها في التعدي على خصوصياته، أخذ منها الهاتف وهتف مستنكرًا:
_ أنتِ بتفتحي المحادثة ليه اصلًا؟
تلك الأثناء شعرت خلود بالاستياء الشديد، انتبهت على حالتها وكيف أعطت نفسها الحق في التدخل في خصوصياته بكل وقاحة، كانت في موقف لا تُحسد عليه، ابتلعت ريقها وحاولت تجميع الكلمات لتقولها.
هربت بعينها عنه وعاودت الجلوس ثانيةً، مختلقة سببًا واهيًا متصنعة المزاح:
_ بطمن على الحالة الاجتماعية بتاعت ابن عمي..
تشدق وليد بتهكمٍ وردد مستاءً:
_ حالة إيه واجتماعية إيه، إحنا بنكون مجموعات في المصنع ودي في مجموعتي وكنا بنتكلم عن الشغل اللي هنشتغل فيه..
_ شغل إيه يابني، دا أنت عامل جنب اسمها قلب؟! ولا دا شغل برده؟
قالتها مندفعة فاثارت ريبة وليد لكنه لم يكن مزعوج، وأراد توضيح الأمور لها حتى تأخذ عنه فكرة سيئة:
_ هي كاتبة مسجلة الواتساب بتاعها بالإسم والقلب وانا لما جيت اسجل رقمها عندي اتكتب زي ماهو وكسلت أغيره.. مكنتش اعرف إن القلب معناه حاجة مش مجرد ايموشن
ضاقت خلود بعينيها عليه ورددت:
_ القلب معناه ارتباط، أنا قولت أعرفك بدل ما حد غيري يفهم غلط..
وصلت عزة فقطعت عليهم الحديث، جلسوا سويًا يتبادلون أطراف الحديث لوقتٍ حتى قطعه وليد وهو يناول هاتفه لخلود موضحًا:
_ خدي ابعتي كلمي عليا تاني او ابعتي لها رسالة..
أصر على أخذها للهاتف فتفاجئت بتغير الإسم إلى ' مدام علا ٥٤سنة، زميلة العمل'
فلم تستطع كتم ضحكاتها التي أطلقتها رغمًا عنها عند قراتها للاسم، ومعرفة عُمر تلك المرأة، شاركها وليد الضحك لكن دون صوت، حتى لا يثير ريبة والدتها، بينما أعادت خلود الاتصال على عليا مرارًا ولكن دون إجابة.
نفخت بضيق، وتسلمت إلى الأمر الحالي حتى يجد في الأمور جديد.
***
بعد مرور ساعتين، كان وليد وخلود نيام في مكانهما، بينما رافقتهما عزة ولم تتركهما البتة، تخجل، صدح رنين هاتف وليد الذي كان بيد خلود فانتفضت مذعورة، وكذلك استيقظ وليد قلِقًا اثر صوته.
تفقدت خلود الهاتف فوجدتها عليا فلم تتردد وأجابت على الفور بعد أن ابتعدت مسافة عن زوجة عمها:
_ عليا إلحقيني.. انا فوق عند طنط عزة، حد صحى؟ ماما صحيت؟
أجابتها عليا وهي تتفقد المكان:
_ لا لسه، انزلي بسرعة بدل ما يبقى يومنا مش فايت
_ حاضر حاضر، افتحي الباب أنتِ بس..
قالتها خلود ثم أنهت المكالمة على الفور واعادت الهاتف إلى وليد الذي تساءل:
_ أوصلك؟
اتسعت مقلتي خلود بدهشة ورددت برفضٍ تام:
_ لا طبعًا مش عايزاك تظهر خالص... انا هنزل قبل ما ماما تصحى..
أوصلها وليد إلى الباب وأردف قبل ذهابها:
_ شكرا على الكيكة..
اكتفت خلود ببسمةٍ رقيقة وأسرعت إلى الطابق خاصتهم، فكانت عليا في استقبالها، ولجت خلود الباب ثم إلى غرفتها ووقفت تستشنق الصعداء خلق الباب، لا تصدق انها وصلت دون أن تلاحظ والدتها غيابها.
_ اوف بجد مش مصدقة إني هنا في اوضتي.. ياربي قلبي كان هيقف طول ما انا برا!
هتفتها خلود وهي تضع يدها على قلبها الذي يحقق بقوة، بينما نهرتها عليا معنفة إياها:
_ أنتِ إيه اللي طلتك فوق عند وليد في الوقت دا، إيه اللي خرجك من البيت أصلًا، عشان دماغي بتجيب حاجات مش لطيفة..
انتابى خلود التوتر والحرج وأسرعت في إيضاح الأمر لها:
_ انا بعد ما عملت الكيكة حبيت اديهاله بنفسي، ووقت ما خرجت الباب قفل ومكشن معايا مفتاح ولا موبايل، ولما أنتِ مردتيش ولدي اقترح اني أطلع عندهم بدل ما اقعد على السلم...
لم تكاد تُكمل حتى تفاجئن باقتحام هناء للغرفة، انتفضت خلود من مكانها بذعرٍ وحدجتها بصدمة وخوف شديدين، بينما رمقتها هناء بنظرات مشتعلة أحرقتها قبل أن تنبس بحرفٍ، هرولت نحوها وقامت بغرز أصابعها بين خصلات شعرها بقسوة وصاحت غير مصدقة:
_ قولتي كنتي فين؟ عند وليد!! أنتِ طلعتي فوق مع شاب في وقت متأخر كدا!!
حاولت خلود تبرير موقفها فما كان من هناء انا أنها رفعت ذراعها للأعلى لتصفعها لكن سرعان ما تدخلت عليا ومنعت ضرب والدتها محاولة تهدئتها:
_ اهدي يا ماما، الموضوع مش زي ما انتِ فاكرة خالص
بعيون ينطق منهما الشر ونبرة غير متفهمة:
_ أهدى إيه، أهدى إزاي وانا سمعت أن بنتي كانت بايتة مع شاب..
شدت هناء على شعر خلود فآنت بألمٍ شديد وتابعت هناء تعنيفها:
_ انطقي يابت عملتي ايه فوق؟ بدل ما اقتلك في ايديا..
صعقت خلود من تفكير والدتها، وأسرعت في نفس ظنونها الخاطئة من بين بكائها:
_ والله العظيم ما حصل حاجة، طنط عزة كانت قاعدة معايا على لما عليا تقوم وتفتح لي الباب، محصلش حاجة والله صدقيني..
_ وأنتِ تخرجي له في وقت زي دا ليه اصلا؟ تقفي مع شاب لوحدكم على السلم ليه؟ أنا مش ١٠٠ مرة نبهت عليكي تحطي حدود بينكم؟ تقومي تخرجي ليه في نصاص الليالي!!
عارفة اللي بتعمل كدا بيقولوا عنها إيه؟ بيقولوا متربتش، بيقولوا قليلة الأدب، بيقولوا اسخن من كدا بس انا مش قادرة حتى انطقهم..
إزداد نحيب خلود بشدة وتمتمت بنبرة غير مفهومة باكية:
_ والله كنت عايزة اديله الكيكة بس مش قصدي إن كل دا يحصل..
أزاحت هناء يدها عن خصلاتها ثم غرزت أظافرها في ذراع خلود وصاحت بغضبٍ لو تحول لانسانٍ لحرقها:
_ اقسم بالله إن ما تظبطي واتعدلتي كدا لهقعدك في البيت ومهتكمليش تعليم، كنت بقولك تقوليله ازيك الله يسلمك، دلوقتي حتى السلام ميتقالش، ويبقى كلامي ميتنفذش يا خلود وأنا اوريكي وش عمرك ما اتعاملتي معاه قبل كدا..
دفعتها هناء بقوة واولتها ظهرها وهي تُمسك رأسها ورددت:
_ الضغط عِلى، إلحقيني يا عليا ببرشامة الضغط، هموت
ألقت عليا نظرة سريعة على خلود ثم هرولت خلق والدتها، بينما ألقت خلود نفسها بإهمالٍ على الفراش، سحبت وسادتها ووضعتها أعلى وجهها وظلت تصرخ حتى لا يتسلل صوتها الى والدتها.
***
صبيحة يوم الحفل الخاص بڤاليا وعاصم، استقبل عاصم بعض الفتيات بترحاب في غرفته:
_ أهلًا يا بنات اتفضلوا..
فقالت إحداهما بعملية:
_ مدام صبا فين؟ عشان تلحق تختار الفستان ونظبطه عليها قبل ميعاد الحفلة..
_ ثواني وجاية حالًا..
قالها عاصم ثم توجه إلى غرفة تبديل الملابس وقام بالدخول بعد أن سمحت له صبا فتفاجئ بتجهيز نفسها للخروج فعقد ما بين حاجبيه بغرابةٍ وتساءل مستفسرًا:
_ أنتِ راحة فين؟
تابعت ارتداء حجابها وهي تجيبه:
_ هنزل أغير لعبدالله على الجرح..
_ نعم!! جرح إيه وعبدالله إيه النهاردة، صبا النهاردة حفلة جوازنا، والأتيليه باعت بنات بالفساتين عشان تختاري منهم ويلحقوا يظبطوه عليكي، مفيش وقت للكلام دا!
أدارت جسدها له وقالت بهدوءٍ عملي:
_ واجبي كدكتورة بيحتم عليا إني مسيبش المريض غير لما يكون كويس، ولا أنت نسيت يا باشمهندس إني قعدت ٣ ليالي في المستشفى عشان حضرتك!!
تحسس عاصم رأسه وابتسم قبل أن يُردف:
_ ودي حاجة تتنسى يا دكتورة، دا الجرح لسه معلم..
تخطته صبا وهتفت:
_ يبقى سيبني أشوف شغلي، مش هتأخر..
أوقفها عاصم بقوله:
_ استني هاجي معاكي
تجمدت قدمي صبا وأدارت رأسها في محاولة منها على عدم مرافقته لها:
_ لا خليك هنا عشان الناس اللي جاية لنا مخصوص دي، عيب إحنا الاتنين نختفي فجأة كدا
أنا مش هتأخر، عشر دقايق وراجعة..
رفض عاصم ذهابها بمفردها وهتف مُصرًا:
_ يقعدوا لوحدهم إيه المشكلة، هيتقدم لهم ضيافة على لما نرجع..
تأففت صبا وأبدت تذمرها من الأمر:
_ يا عاصم لو سمحت سيبني على راحتي شوية، أنا مش ههرب مش معقول كدا إديني مساحتي، أنا مش بروح في مكان غير وأنت معايا، لدرجة إني بحس إنك فاكرني طفلة صغيرة خايف تتوه.. سيبني على راحتي، ومتنساش إن دا كلام الدكتور،
إني أساعد نفسي بنفسي من غير مساعدة خارجية.. أنا حاسة إني هكون أحسن لو شوفت شغلي زي الأول، فلو سمحت متضغطش عليا!
تفاجئ عاصم بهجومها وقرر إعطائها مساحتها الشخصية:
_ خلاص خلاص، روحي بس متتأخريش، ورانا حاجات كتير تتعمل..
لم تُعلق بل انسحبت من أمامه، ابتسمت إلى الفتيات واعتذرت منهم بحرج:
_ أنا آسفة جدًا يا بنات، أعطوني عشر دقايق وهكون معاكم على طول
لم تجد رفض منهن، فتوجهت إلى الخارج مسرعة، ثم إلى الغرفة التي في طرف الحديقة، طرقت الباب بخفة ووقفت في انتظار طلته، كان قلبها يتسارع بين نبضاته كأنها في سباقٍ، حتى فتح لها الباب فحبست أنفاسها فجأة.
تفاجئ عبدالله بوجودها، لوهلة تمنى العودة إلى تلك الليلة المأساوية، ود لو لم يسمح لها بالذهاب بمفردها، وكان برفقتها طيلة الليل يتسامران معًا إلى الصباح، ولم يحدث ماحدث، ولم يفترقا وظلا حبيبين يطمحان في إخراج علاقتهما إلى النور.
نظر إليها مطولًا كم أصبحا غريبين عن بعضهما، كيف اليوم يقف أمامها ولا يحل له التغزل بحقول الزيتون خاصتها، كيف باتت زوجة لغيره وليست له، إلى الآن لم يستوعب ما تجعله يعيشه.
قطعت عليه صبا حبال أفكاره عندما قالت:
_ جاية أغير لك على الجرح..
تشدق عبدالله ساخرًا وهلل:
_ مهتمة أنتِ يا دكتورة، ويا ترى مع كله كدا ولا دا اهتمام خاص...
ابتسم بتهكمٍ وأضاف:
_ وعلى كدا الباشمهندس عارف سبب الإهتمام دا؟
لم تجيبه، بل أطالت النظر في عينيه تتوسله بأن يتوقف ولا يزيد من آلامها، لمعت عينيها فتأثر بهما عبدالله وسرعان ما أولاها ظهره وعاد إلى الداخل، جلس على الأريكة وقام بخلع سترته ليكون ذارعه واضحًا لها ثم أردف:
_ دراعي جاهز يا دكتورة اتفضلي..
ولجت على أطراف أصابعها، جلست إلى جواره، متحاشية النظر عنه، فتحت عُلبة الأدوات الطبية خاصتها وبدأت تُعقم له الجرح، ولم تشعر بنظراته التي لم تُرفع من عليها، ثم انتبهت على سؤاله بصوتٍ مهزوز:
_ اتجوزتيه ليه صبا؟
اهتز داخلها، وشعرت بالتوتر يعصف بها، لكنها جاهدت على مواصلة ما تفعله دون أن تتأثر بكلماته، فأعاد عبدالله سؤاله:
_ ردي عليا، ليه عملتي كدا؟
أجابته دون أن تتطلع في عينيه:
_ خلي حد غيرك يسأل السؤال دا..
ضاق عبدالله بعينه فلم يعي معني حديثها، وردد باستياء:
_ يعني إيه؟
رفعت صبا عينيها بجُرأة في عينيه وهتفت:
_ يعني هربت من حب كنت موهومة بيه، حب كان كدبة كبيرة، أول ما اتحط قدام امتحان سقط..
أنهت ما تفعله ثم نهضت تحت صدمة عبدالله، فلم يتقبل كلماتها واتهام حبه البريء بالخداع، وقال سؤاله وهو يشير إلى نفسه:
_ حبي كان كدبة؟! أنا أوهمتك بحُبي يا صبا؟
توقفت عن السير وقالت بآسى شديد:
_ للأسف دا اللي شوفته منك!!
اقترب منها عبدالله وأُذنيه لا تُصدقان ما تتفوه به وصاح بقلبٍ مكلوم:
_ أنتِ شوفتي مني إيه غير كل خير واحترام وحب صافي؟ وهم إيه اللي عيشتك فيه واللي خلاكي تجري تتجوزي واحد تاني؟
لم تستطع صبا الوقوف أمامه لثانية أخرى وفرت هاربة لكنه أضاف كلماته القاسية قبل ذهابها:
_ يا خسارة حبي ليكي، أنتِ متستاهليش ذرة من قلبي اللي باع الدنيا ومكنش شاري غيرك!
تجمدت قدمي صبا، شعرت بوخزة شديدة في صدرها فرفعت يدها تتحسس مكانها بألمٍ لا تعلم أين مكانه بالتحديد، سقطت عبراتها التي فشلت في حبسهم مدة أطول وفرت راكضة من الغرفة.
بينما وقف عبدالله يلتقط أنفاسه، لا يُصدق أن تلك الكلمات خرجت لمن سكنت قلبه دومًا، لأول من تعرف على الحب معها، لمن ذاق شهد أيامه برفقتها، لصوتًا كان يومًا له نجاة، أغمض عينيه محاولًا جمع شتات نفسه التي تبعثرت ثم بحث عن هاتفه وقام بالإتصال على أبيه وهو يشاهد التحضيرات التي يقومون بها العمال في الحديقة ثم قال فور إجابته:
_ أنا عايز أشتري بدلة شيك يا بابا...
***
لم يعرف وليد للنوم سبيل، فكانت خلود شاغلة عقله، والعديد من المواقف التي رسمها لتوبيخ والدتها بها قد زادته ضيقًا، نهض مُبتعدًا عن الفراش وتوجه إلى الخارج باحثًا عن والدته فوجدها واقفة في المطبخ.
لم يتردد وانضم إليها متسائلًا:
_ بتعملي إيه يا وزة؟
أجابته بنبرة حنونة:
_ بجهز الغدا يا حبيبي
إلتزم وليد الصمت لبرهة، لكن عقله كان مشغولًا وقد لاحظت والدته حالته، فتساءلت باهتمامٍ يشوبه القلق حياله:
_ مالك يا حبيبي، بتفكر في إيه، كأنك عايز تقول حاجة؟!
حمحم وليد وأخذ خيارًا من أمامه، ثم قضم منها وقال:
_ مش أنتِ نفسك أخطب؟
تركت عزة ما في يديها ونظرت إليه بآذان صاغية وقالت:
_ طبعًا دا يوم المُنى.. ها هي مين اللي واكلة عقلك بالشكل دا؟
ابتسم وليد بخفة ووضع شرطه أولًا:
_ هقولك بس اعمليلي خدمة الأول ..
_ خدمة إيه دي؟
تساءلت بفضولٍ فأخبرها وليد عما يريده:
_ عايزك تنزلي تشوفي الجو في بيت عمي كدا، وتفهي مرات عمي بشكل مش مباشر إنك كنتي أنتِ اللي قاعدة مع خلود..
قطبت عزة جبينها وهي لا تفهم سبب فعل ذلك وتساءلت بريبة:
_ وليه كل دا؟
أوضح لها وليد ما تجهله:
_ خلود كانت خايفة تطلع هنا، وعشان كدا أصريت إنك تِصحي، ومرات عمي شكلها مش هتعدي الموضوع بالساهل أنتِ عارفة هي عندها تحفُظات شوية..
أخذت عزة تُفكر قليلًا ثم قالت:
_ طيب، هنزل كدا وأمري لله..
ثم خرجت من المطبخ وقامت بارتداء حجابها وقامت بالنزول على الفور، قرعت رنين الجرس ووقفت أمام الباب في انتظار ظهور أحدهم.
همت عليا بفتح الباب ورحبت بزوجة عمها بإبتسامة هادئة:
_ أهلًا يا آبلة، اتفضلي..
دلفت عزة بِخُطاها ووجدت هناء جالسة ويبدوا عليها التعب، فقلقت بشأنها وسألتها مُهتمة لصحتها:
_ مالك يا هناء أنتِ تعبانة ولا إيه؟
ردت هناء مختصرة:
_ الضغط شكله عالي ودماغي مش مظبطة خالص..
_ سلامتك يا حبيبتي
قالتها عزة متمنية لها السلامة ثم تصنعت البحث عن خلود وقالت بمزاحٍ:
_ أكيد خلود نامت، حبيبتي تِعبت نفسها والله وكانت جاية تطلع لي الكيكة بنفسها، وحصل اللي حصل، وفضلنا مع بقى مبطلناش كلام.. ربنا يباركلك فيها، بنوتة جميلة ومؤدبة، دي حتى كل شوية عايزة تنزل تقعد على السلم وأنا اللي مسكت فيها، قولت لها دا بيتك زي بيتكم بالظبط..
شعرت هناء ببعض الراحة من خلال كلمات عزة، أعدلت جلستها ثم قالت مُمتنة:
_ ربنا يخليكي يا عزة، أكيد طبعًا بيتها، شكرًا يا حبيبتي إنك مسيبتهاش..
حمحمت هناء ثم أضافت:
_ شوفتي يختي، حازم فاجئنا إنه حجز الفرح على آخر الشهر
بفرحة عارمة هتفت عزة:
_ الف مبروك لحبيبة قلبي، ربنا يتمم لهم على خير يارب
تضاعفت ابتسامة عزة وأردفت بسعادة:
_ شكل الفرحة هتبقى فرحتين، وليد برده لسه قايلي إنه ناوى يخطب أخيرًا..
دقت طبول السعادة قلب هناء لأنه سوف يبتعد عن ابنتها، حتمًا سيضع حدودًا لهما بعد ارتباطه بأخرى، بادلتها هناء الإبتسام وهللت بفرحة:
_ يارب يجعل البيت معمور دايمًا بالفرح يارب..
تلك الاثناء، كانت خلود تقف خلف بابها تستمع للحوار الذي يدور بين والدتها وزوجة عمها وصعقت عندما علمت بأمر خِطبة وليد، أغلقت الباب بخفة وأجهشت باكية كمن فقد شيءٍ غالٍ.
ألقت بنفسها على الفراش ولم تستطع تمالك بكائها الذي تفاجئت بالكم هذا من الدموع التي تتساقط حزنًا على ضياع ذلك الأخرق الذي سكن قلبها، لقد فهمت الآن حقيقة مشاعرها، لكن بماذا سَيُفيدها ذلك فهو لا يراها من الأساس.
***
بعد فترة ليست بقصيرة؛ انتبهت عليا على رنين هاتفها، فتفاجئت باتصال وليد، نظرت حولها تتفقد المكان وعندما لم تجد والدتها بالقُرب منها فأجابت:
_ وليد..
حمحم الآخر وتحدث بصوتٍ أجش:
_ إزيك يا عليا، أخبارك إيه؟
_ الحمدلله، وأنت؟
قالتها مختصرة فردّ وليد قائلًا:
_ الحمد لله، كنت عايز أسأل على حاجة ومحدش غيرك هيقدر يفيدني...
شعرت عليا بالقلق المختلط بالريبة؛ لكنها لم ترفض ففضولها أخذها إلى ما يود السؤال عنه:
_ اتفضل، ولو أقدر أساعدك مش هتردد..
أخذ وليد نفسًا قبل أن يبدأ حديثه:
_ الأول قوليلي خلود عاملة إيه؟ مرات عمي معدتش الموضوع صح؟!
عضت عليا شفاها وصوبت عينيها على باب غرفتهن، ثم اكتفت بترديد:
_ اه، بهدلتها بصراحة.. وخلود من وقتها وهي حابسة نفسها في الأوضة مش بتخرج، بس هتبقى كويسة يعني.. أتمنى
شعر وليد بغصة في حلقه فابتلع ريقه وتابع:
_ طب هو أنتِ محستيش إن خلود حاسة بحاجة من نحيتي؟
تفاجئت عليا بسؤاله، حدقت أمامها مذهولة ولم تعرف للإجابة طريق، حتمًا لن تخبره بما تشعر به فقالت متصنعة جهلها بسؤاله:
_ قصدك إيه، ممكن توضح؟!
_ بصي يا عليا، أنتِ أول حد يسمع مني الكلام دا، أنا بقالي فترة بحس من نحية خلود بمشاعر مختلفة مش زي الأول، وبصراحة أنا مش حابب أخد أي خطوة غير لما أتأكد منها هي الأول، مش يمكن تكون معجبة بحد...
لم تدعه يُكمل فقاطعته مردفة:
_ لا لا هي مش معجبة بحد...
زفرت أنفاسها ثم أضافت:
_ بص أنا بقالي فترة برده بحسها غريبة، شكيت إنها معجبة بيك، بس هي مقالتش حاجة زي كدا فأنا مش قادرة أحدد اللي حاسة بيه دا صح ولا مجرد إحساس..
_ ممم، طب إيه رايك نتأكد؟
قالها وليد بحماسة فهتفت عليا بلهفةٍ:
_ إزاي؟
_ هقولك
هتفها وليد وبدأ يُخبرها بالطريقة التي سيتأكدون من خلالها بحقيقة مشاعر خلود اتجاه وليد، ابتسمت عليا عندما فهمت الأمر، ثم أنهى وليد الإتصال لتبدأ عليا في تنفيذ ما خططا له.
نهضت مسرعة وولجت غرفتهن، وتوجهت ناحية فراش شقيقتها المُكورة في نفسها تبكي على الوسادة التي بين ذراعيها، حمحمت ثم جلست مقابلها وقالت بخفوت:
_ خلود، قومي نطلع السطح عايزة أتكلم معاكي في موضوع مهم مش هينفع هنا..
_ موضوع إيه؟ مش عايزة أروح في مكان
قالتها بصوتٍ متحشرج يُغلفه البكاء دون أن تنظر إليها، فأصرت عليا على استدراجها من البيت بشتى الطرق:
_ صدقيني لو ينفع هنا كنت اتكلمت على طول، خلينا فوق أحسن بدل ما ماما تسمعنا وتبقى مشكلة
هزتها عليها تحثها على النهوض:
_ يلا يا بقى قومي
بغير إرادة ومزاجٍ غير صافٍ نهضت ببطء، ارتدت إسدالها وكذلك عليا ثم خرجن من الغرفة فقطعت هناء طريقهن بسؤالها الصارم:
_ رايحين على فين؟
تولت عليا الرد مسرعة:
_ هنطلع السطح شوية، إحنا زهقانين..
تناوبت هناء بنظراتها بينهن بريبة، لكنها لم تجد سببًا ترفض لأجله فقالت وهي توليهن ظهرها:
_ متطولوش فوق..
خرجن مسرعتين وصعدن إلى الأعلى حتى بلغن سطح المنزل، فوقفت خلود في منتصفه متسائلة بفتورٍ:
_ ها هتقولي إيه مينفعش يتقال تحت؟
أخذت عليا نفسًا عميقًا ليكون هناك متسعًا لبدء الحديث التي تريد أخذه منها قبل أن تردف:
_ هسألك سؤال وتجاوبيني من غير لا لف ولا دوران، واعرفي إني الوحيدة اللي هتساعدك وهتقف جنبك فمتحاوليش تخبي عني حاجة
بحاجبان معقودين رددت خلود سؤالها بغرابةٍ من أسلوب عليا المُبهم:
_ سؤال إيه دا؟
صوبت عليا نظرها في عيني خلود لبرهة ثم أردفت سؤالها بهدوءٍ:
_ أنتِ حاسة بحاجة من نحية وليد؟
تفاجئت خلود بسؤال عليا، فلقد تصورت بعض الأسئلة إلا هذا، ابتلعت ريقها وقد اجتاحها الإرتباك، وحاولت نفي سؤالها:
_ حاجة إيه، دا وليد.. هكون حاسة بإيه يعني؟
رفعت عليا كتفيها للأعلى وزمت شفتيها وقالت:
_ أنتِ فاهمة حاجة إيه يا خلود، تصرفاتك الفترة دي مش طبيعية ومكنتش كدا، أنا قولتلك إني أكتر واحدة هتساعدك فبلاش تخبي عني، لو فيه حاجة عرفيني، دا خلاص هيخطب.. وبصراحة بقى أنا مش مقتنعة إنك زعلان أوي كدا عشان ماما زعقت لك، حسيتك اتقلبتي أول ما مرات عمي كانت هنا وقالت إنه هيخطب..
سقطت دمعة من عيني خلود، أخفضت رأسها سريعًا خافية حزنها الذي تبدد في معالم وجهها وقالت:
_ ملوش لزوم أقول حاجة، أنتِ قولتي خلاص هيخطب، يعني أنا مش في دماغه أصلًا..
_ يعني حاسة بحاجة نحيته صح؟!
تساءلت عليا وهي تنحني برأسها لتنظر إلى رد فعل شقيقتها، فازداد نحيب خلود وهي تجيبها:
_ في الأول مكنتش فاهمة أنا مالي، بس كنت بحب أشوفه واتكلم معاه، وحبيت أفاجئه أول واحدة في عيد ميلاده، قلبي بيدق جامد أول ما ألمحه او حتى أشم ريحة البرفيوم بتاعه، بتوتر وبعمل حركات عبيطة.. بس كل دا مكنش بالنسبة لي حاجة، النهاردة بعد ما مرات عمك قالت إنه هيخطب..
صمتت خلود حين باغتها نوبة بكاء مفاجئة وأضافت من بين بكائها بنبرة متلعثمة:
_ حسيت إن فيه حاجة مهمة ضاعت مني، حسيت الدنيا ضاقت عليا أوي وحاصرتني في مكاني ومش عارفة أهرب منه...
رفعت عينيها في عيني عليا واسترسلت بصوتٍ باكي مهزوز:
_ أنا مش عايزاه يخطب، أنا بحبه يا عليا!!
_ وأنا كمان بحبك، ومش هخطب غيرك!
تردد صوته من خلفها فشهقت خلود مذعورة واستدارت بجسدها مسرعة فوقع بصرها عليه، خفق قلبها بقوة وهي لا تستوعب وقوفه أمامها واعترافه الصريح ورددت مذهولة:
_ وليد!!
