اخر الروايات

رواية غريبة في عالمك الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم رحاب حلمي


24= ج 1=الحلقة الرابعة والعشرون

*عشيقة أخرى*



زارت علياء مكتب يوسف في شركته, وقالت له وهي تجلس على الكرسي امام المكتب وقد بدت على وجهها تعبيرات القلق والاهتمام الحقيقي وهي تقول: ولا يهمك يا يوسف, انت لما اتصلت بيا واعتذرتلي وقولت انك مش هتيجي الحفلة, حسيت ان صوتك متغير وكأنك زعلان, عشان كدة جيت اطمن عليك, وشكلي كدة اللي حسبته لقيته, مالك يا يوسف؟
فقال يوسف بابتسامة بسيطة محاولا بها اخفاء الحزن الذي يعتمر قلبه: مفيش يا علياء, كل الحكاية ان عندي شغل كتير اليومين دول مخليني متوتر شوية.
وبالطبع لم تصدق علياء ما يقول فشككت في كلامه وهي ترمقه بنظرات متفحصة: شغل ايه يا يوسف اللي يعمل فيك كدة؟ انت مش شايف انت اتغيرت ازاي؟ مش انت خالص يوسف اللي كان معايا من يومين والسعادة بتطل من عينيه.
ثم امالت نحوه قليلا واستطردت: هو فيه حاجة حصلت بينك وبين مراتك؟ زعلتوا مع بعض يعني؟
يوسف: انتي ليه بتقولي كدة؟
علياء: لان بخبرتي بالناس عموما وبيك انت شخصيا اقدر اقول ان السبب اللي كان مخليك فرحان من يومين هو نفس السبب اللي مزعلك دلوقت.
ارتسمت على شفتي يوسف ابتسامة مندهشة من فطنة صديقته.
علياء: افهم من ابتسامتك دي ان انا كلامي مظبوط, وان فعلا فيه مشكلة بينك وبين مراتك, شوف يا يوسف انا مش عاوزة اتدخل في حياتك الشخصية, بس في نفس الوقت مش مستحملة اشوفك كدة وافضل ساكتة, يا يوسف انا ست واقدر افهم مريم ومشاعرها اكتر منك, فممكن تقولي ايه اللي حصل؟ ومين عارف؟ مش جايز تلاقي عندي الحل؟
خدعه كلامها الذي لا يستطيع ان يشك أحد في صدقه, وبما انه بالفعل كان في حاجة للتحدث الى شخص ما اي كانت هويته, لذا فقد أخبرها بما حدث بينه وبين مريم, وبعد ان انتهى رأى ابتسامة تعلو وجهها وسمعها تقول وفي صوتها نبرة سخرية: معقول! انت بتغير يا يوسف؟
يوسف: وليه لا؟ هي مش مراتي بردو ومن حقي اني اغير عليها؟
علياء: اه طبعا من حقك, بس مش يوسف جلال يعني هو اللي يدخل في منافسة مع حد.
فقال يوسف ثائرا: منافسة ايه يا علياء؟ ومين دة اللي ممكن ينافسني؟ كل الموضوع اني متضايق شوية لانها دايما بتحب تخالف اوامري.
علياء: مانت لازم كمان تراعي انها مش واخدة ع الكلام دة, ومش لازم يكون كلامك ليها على طول كله اوامر, جرى ايه يا يوسف؟ هو انا بردو اللي هقولك تعامل مراتك ازاي؟
يوسف: مش عارف يا علياء, هي دايما بتستفذني وبتخليني اخرج عن شعوري.
علياء: لا يا يوسف, دة انت لازم تبقا اهدى من كدة معاها, ما تنساش انها لسة صغيرة واكيد مندفعة شوية, ودورك انت بقا تمتص غضبها واندفاعها دة بالمسايسة يا يوسف.
يوسف: يعني المفروض اني اعمل ايه؟
علياء: شوف, الستات في السن دة بيحبوا الفسح والخروجات والهدايا والكلمة الحلوة. الا قولي انت اديتها الاسورة ولا لسة؟
يوسف: لا لسة, اللي حصل دة بوظ كل حاجة.
علياء: خلاص يبقا تصلحها انت, انت لما تروح تقولها كلمتين حلوين كدة يخليها تنسى اللي حصل دة وبعدين تعزمها ع العشا برة في مكان رومانسي وسيب اختيار المكان دة عليا, وهناك بقا تديلها الهدية. واكيد هي هتنسى كل حاجة وتبدأوا مع بعض صفحة جديدة.
كانت نظرات يوسف متشككة فسألته علياء: ايه يا يوسف؟ انت بتبصلي كدة ليه؟
يوسف: اصلي عاوز اعرف انتي بتعملي كدة ليه؟ معقولة انتي فعلا عاوزة علاقتي بمريم تتصلح.
علياء: وايه الغريب في كدة؟ يا يوسف اللي بيحب بجد بيتمنى انه يشوف الانسان اللي بيحبه دة سعيد حتى لو كان مع حد غيره. وكمان احنا اتفقنا اننا هنكون اصحاب, مش كدة؟
فأومأ يوسف برأسه موافقا في حين نهضت علياء وهي تستأذن للرحيل: طيب همشي انا بقا واسيبك تشوف شغلك, بس ما تنساش اللي اتفقنا عليه وانا هحجزلكم ترابيزة في مطعم شيك وابلغك باسمه في التليفون, اتفقنا؟
فقال يوسف وهو يصافح اليد الممدودة له: اتفقنا.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

جلست حياة بجوار مريم في كافيتريا الجامعة كعادتهما دائما, وكانت حياة تقول بجدية معاتبة: لا, انتي فعلا غلطانة يا مريم في اللي عملتيه, وما كنش لازم تقولي كدة.
مريم وهي لا تزال تشعر بالغضب: انتي ما شوفتيش هو كان بيتكلم معايا ازاي, ولا كأني تلميذة بيأنبها على انها ما عملتش الواجب. وهو قالهالي كدة بنفسه, قال ان انا لسة طفلة. بقا انا طفلة يا حياة؟
فابتسمت حياة من طريقة صديقتها في التعبير, فهي حقا لاتزال طفلة مشاكسة, ولكن لحرصها الشديد على الا تجرحها, لم تشأ أن تقر بذلك الواقع, واتخذت اسلوب الحيلة: مش جايز طريقتك في التعامل معاه هي اللي بتخليه يصدق انك لسة طفلة؟
فقالت مريم وهي تمط شفتيها بتكشيرة: وانا كنت بعمل ايه يعني؟
حياة: كفاية انك بتخالفي اوامره على طول يا مريم, يعني طالما هو طلب منك انك ما تتعامليش مع استاذ خالد فانتي كان لازم تتجنبي اي موقف ممكن يجمعك بيه.
وعندما لاحظت ان صديقتها على وشك الاحتجاج تابعت كلامها باسلوب اقناع جديد: يا حبيبتي انتي لازم تفهمي ان جوزك مش طلب منك كدة الا لانه بيغير عليكي, ومش عاوزك تكلمي راجل تاني غيره, ودة حقه.
مريم بعصبية: يوووووه, انتي كمان هتقولي حقه؟ طيب فين حقي انا بقا؟
حياة: قبل ما تطالبي بحقك يا مريم فانتي لازم تقومي بواجبك الاول, يا بنتي الرجالة دول زي الاطفال اللي ممكن تزعلهم كلمة و تفرحهم مصاصة, والمصاصة دي بقا هي الحنية والرقة بتوع الستات, صدقيني يا مريم دول سلاحين مفيش اي راجل يقدر يقاومهم.
فاندفعت مريم كعادتها وكان سؤالها المباغت: وياترى الاسلحة دي نفعت مع وليد؟
فقالت حياة بصوت مليئ بالالم وهي تبتلع ريقها بصعوبة: يا مرم انا حياتي مع وليد مختلفة, وانتي عارفة كدة كويس, وليد مش قادر ينسى لحد دلوقت, وشكله كدة مش هينسى ابدا مهما عملت معاه, وليد بقا بيحس بنفور ناحيتي, وبقا واضح جدا انه صعب اوي يغير فكرته عني.
وضعت مريم كفها لتحتضن اصابع يد صديقتها وهي تشعر بالشفقة على حالها: انا اسفة يا حياة, ما كنتش اقصد.
فتبسمت حياة لتخفي مسحة الحزن التي سادت الموقف: يا ستي ولا يهمك, انا خلاص بدأت اتعود على حياتي معاه بالشكل دة, اما انتي بقا يا مريم فلازم تلحقي نفسك وحاولي تحافظي على جوزك.
مريم بنبرة حزينة ساخرة: جوزي؟! جوزي ايه يا حياة؟ مانتي عارفة احنا اتجوزنا ازاي؟ ولا انا ولا هو قادرين ننسى دة لحد دلوقت.
حياة: لسة ادامك وقت تصلحي اللي حصل وتسدي الشرخ اللي بينكم, وخصوصا اني لاحظت ان يوسف بقا مهتم بيكي بشكل كبير, ودة مش معناه غير حاجة واحدة, انه بدأ يحبك يا مريم, وانتي بقا عليكي انك تكبري الحب دة وتحسسيه انه اد ايه هو مهم بالنسبالك وانك انتي كمان بتحبيه.
"بحبه" رددت مريم هذه الكلمة في عقلها وأخذت تتساءل هل هي بالفعل تحب يوسف؟ والاهم من ذلك هل هو ايضا يبادلها نفس الشعور؟

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

لم تكن تعلم سبب بكائها في تلك اللحظة بالذات, ولكنها فجأة شعرت بحاجة الى البكاء ووجدت عينيها تهطل بالدموع وهي تجلس بمفردها على السرير في غرفة نومها وتدفن وجهها بين رجليها ولا تعلم مالذي دهاها؟ فكل ما كانت تفكر فيه الان هو حديثها مع مريم و نصائحها لها في حين انها هي التي كانت بحاجة الى النصائح. فهي رغم كل ما كان يفعله او يقوله لها لم تستطع ان تكرهه مع انها حاولت ان تفعل ذلك كثيرا, وحينما رأت ان قلبها لم يرضخ لرغباتها علمت في ذلك الوقت انها تحبه, بل تعشقه رغم علمها باستحالة ان يبادلها نفس الشعور او ع الاقل ان يتقبل وجودها في حياته, فهي ما زالت حتى الان تجهل سبب زواجه بها, ولكن كل تصرفاته معها تثبت انه لم يفعل ذلك الا بغرض الانتقام لقلبه الجريح. وهي الآن تتساءل الى متى سيستمر انتقامه؟ وماذا سيحدث بعدها؟ اسيقرر انها لم تعد جديرة بقربها منه فيطلقها؟ لا, فانها لن تتحمل بعدها عنه, فهي على استعداد لتحمل قسوته وسخريته الى مالا نهاية ولكن لتبقى بجانبه فقط.
سمعت طرقا خفيفا على الباب وبالطبع فلم يكن ذلك الطارق غيره, جففت دموعها بيديها في عجلة ولكنها بالطبع لم تستطع ان تخفي احمرارا عينيها, وبما انه لايجب ان تدعه ينتظر طويلا بالخارج حتى تغسل وجهها فدعته للدخول, وكان اول ما لاحظه فور دخوله هو عينيها الباكية ولكنه لم يعلق على الامر, بل قال بلهجة باردة: انا كنت هعمل لنفسي نسكافيه تشربي معايا؟
فاسرعت حياة تقول: مفيش داعي تعطل نفسك, روح انت كمل شغل وانا هعملنا احنا الاتنين.
فوافق وليد قبل ان يغادر الحجرة سريعا فانه لم يعتد ان يطيل البقاء في تلك الحجرة اكثر من اللازم.
دخلت حياة الحمام لتغسل وجهها اولا وتداري اثار الدموع بعينيها ثم توجهت الى المطبخ لتعد النسكافيه ثم وضعت الكوبين على الصينية التي حملتها وخرجت بها اليه لتجده جالسا على كرسيه الدوار امام طاولة الرسم الخاصة به, وكان منهمكا في احد الرسوم الهندسية, فوضعت حياة الصينية على طاولة صغيرة من الزجاج امام أريكة بالمكتب وأخذت احد الكوبين وقدمته لوليد: اتفضل.
فأخذ منها وليد الكوب وشكرها, ثم عادت حياة الى الطاولة مرة اخرى وحملت الكوب الخاص بها وهمت بالخروج الا انها سمعت صوته يناديها: حياة!
توقفت حياة ونظرت اليه: نعم؟
فأدار وليد كرسيه ليصبح مواجها لها وهو يسأل: انتي رايحة فين؟
تعجبت حياة قليلا من سؤاله: راجعة اوضتي. ليه؟
وليد: يعني لو مش وراكي حاجة تعمليها فممكن تشربي النسكافيه بتاعك هنا معايا.
فقالت حياة وقد زادت دهشتها, فتلك هي المرة الاولى التي يبدي لها رغبته بصحبتها: اصلي مش عاوزة اعطلك.
وليد وقد نهض من مكانه وهو يرتشف من الكوب قليلا: لا مفيش عطلة ولا حاجة, انا اصلا محتاج راحة بعد اربع ساعات شغل متواصلة, اقعدي يا حياة.
فجلست حياة على الاريكة الوحيدة بالمكتب, وكانت تتوقع منه ان يجلس على كرسيه خلف المكتب ولكن لدهشتها الشديدة وجدته يجلس بجوارها على الاريكة, وساد الصمت المكان لدقائق, وقررت حياة ان تفتتح الحديث, فقالت وهي تحاول ان تبدي اهتمامها: هو ايه اللي انت كنت بترسمه دة؟ معلش اصلي ما بفهمش خالص في الشغل الهندسي.
توقعت حياة انه اما ان يتجاهل الرد على سؤالها او انه سيجيبها بسخريته اللاذعة التي تجعلها دائما تتجنب الحديث معه, ولكنها تشتاق كثيرا لصوته مهما كانت الكلمات الجارحة التي ينطق بها.
وفوجئت حياة بأنه قد أمسك يدها وأوقفها على قدميها وهو يقول بصوت ودود كانت قد افتقرت اليه معه: تعالي معايا.
وقادها وليد الى طاولة الرسم وقد انتابها الذهول عندما وجدته يشرح لها بصوت هادىء بعيدا عن الغضب او السخرية: دة مشروع سكني ضخم, وهو اول مشروع تمسكه الشركة بتاعتي.
فسألته حياة وهي تحاول ان تتناسى رهبتها منه او من اثارة انفعاله: هو انت خلاص افتتحت الشركة وبدأت الشغل فيها؟
فرد وليد بابتسامة واسعة: وتفتكري انا كان ممكن افتتح الشركة من غير ما تعرفي؟ مش المفروض انك مراتي بردو؟
تجاهلت حياة سخريته في نطقه للجملة الاخيرة, فقط لانها لا تريد ان تفسد الود السائد بينهما في تلك اللحظة, فسألته: امال مشروع ايه اللي بتتكلم عنه دة؟
وليد: دة مشروع يوسف رفضه لانه مشغول في مشاريع كتيرة ومش هتخلص دلوقت وصعب انه يقبل اي شغل تاني في الوقت الحاضر, فاقترح على صاحب المشروع ان شركتي هي اللي تاخده ودي بالنسبالي هتكون بداية ما كنتش احلم بيها بصراحة, دة غير ان خلاص مقر الشركة كلها يومين ويتشطب وبالكتير اوي على نهاية الاسبوع ان شاء الله هكون اخترت ال staff اللي هيشتغل معايا, والشركة هتكون جاهزة للافتتاح وساعتها هيكون الرسم خلص ونبدأ شغل على طول بعد موافقة صاحب المشروع. اه وعلى فكرة يوسف اقترح عليا ان حفلة افتتاح الشركة تتعمل في الفيللا توفيرا للمصاريف يعني وانا وافقت.
حياة: ربنا يوفقك.
وسادت لحظات صمت فيها اللسان لتتحدث العيون الى ان وليد قرر ان ينهي سحر تلك اللحظات وهو يوجه نظرها ناحية الرسم ويقول: شوفي بقا يا ستي هحاول اشرحلك الرسم دة وخلي بالك معايا.
حياة: ايوة بس انا مش بفهم اي حاجة في الهندسة.
وليد: يعني انتي كنتي اتولدتي اعلامية؟ كله بييجي بالتعليم, ركزي معايا بقا وانا هفهمك بالراحة.
لم تشأ حياة ان تعترض اكثر وتفقد لذة تلك اللحظات الممتعة برفقته, فأخذت تستمع اليه دون ان تستوعب كلمة مما يقول فانها لم تنتبه لشرحه حيث كان تفكيرها يتجه الى امر اخر, فقد كانت تتأمل ملامحه بكل تفاصيلها, وجهه, شعره, عينيه, كل ذلك يزيد من جاذبيته ورجولته, انها بالفعل تحبه ولكن لا تجرؤ بالاعتراف بذلك أمامه فبالطبع يمكنها ان تتوقع اعتراضه ورفضه لها, وقد اكتفت فقط بترديد جملة واحدة بصمت: ليتني قابلتك قبل ان يحدث ما يفرقنا الان!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

كانت وردة تجلس في فيللا عبد الرءوف بعد ان سمح له الاطباء بالانتقال, فاستأذن من يوسف وعاد هو وابنته الى فيللته, وكان ماهر دائم التردد عليهما تقريبا بشكل يومي, وفي احدى زياراته اليهما وقد كان يجلس برفقة والدته بالاسفل بينما كان عبد الرءوف يستريح في غرفته بالدور العلوي, كانت وردة تحمل في يدها فنجانا من القهوة وقالت له: طيب وانت عامل ايه يا حبيبي دلوقت.
ماهر: الحمد لله يا ماما بس ناقصني وجودك في حياتي.
ثم اكمل مازحا: بجد بقا وحشتني اوي المحكمة اللي كنتي بتنصبيهالي كل يوم لما برجع متأخر, دة غير الاكل اللي كنتي بتغصبيني عليه مع انك عارفة اني مش بحب الاكل البيتي نهائي اللي في حالات الطوارىء.
فتصنعت وردة الغضب وهي تقول: بقا كدة يا ماهر؟ ماشي اديني يا سيدي سيبتلك البيت عشان تعمل اللي عاجبك.
فأسرع ماهر, وقبل يديها: بجد وحشتيني اوي يا ماما, وانا مش قادر اتعود على بعدي عنك.
وردة ونظرات الحنان تطل من عينيها: وانت كمان يا ماهر وحشتني اوي, وبقيت بقلق عليك اكتر من الاول ولولا اني متأكدة ان باباك مش هيوافق وممكن كمان يعملها مشكلة انا كنت طلبت منك انك تيجي تعيش معايا هنا انا وجدك.
ماهر: مش هينفع يا ماما, وخصوصا دلوقت. بس ع العموم اطمني ابنك خلاص عقل وبقا ما يتخافش عليه.
وردة: بردو قلبي هيفضل واكلني عليك لحد ما تريحني بقا وتختار بنت الحلال اللي تكمل حياتك معاها وتاخد بالها منك وساعتها بقا هكون اطمنت فعلا.
ماهر بنبرة خاصة: قريب اوي يا ست الكل ان شاء الله.
وردة: ودة معناه ايه بقا؟ انت خلاص حطيت عنيك على حد؟
ماهر: يعني, حاجة زي كدة.
وردة: طيب ممكن اعرف هي مين؟
ماهر: مش دلوقت يا ماما, ع الاقل لما اتأكد من مشاعرها ناحيتي.
وكانت وردة كأي ام ترى ابنها أفضل مخلوق في الوجود مهما كانت عيوبه, فهو بالنسبة لها خاليا من اي عيوب, فقالت: ودة اسمه كلام بردو؟ وهو فيه واحدة عاقلة في الدنيا تقدر ترفض واحد زيك شاب زي الورد معاه المال والحسب والنسب؟ دي تبقا اكيد اتجننت.
ماهر مبتسما: دة عشان بس انا ابنك يا ست الكل فلازم تقولي كدة, لكن مش لازم ان دة يكون رأي كل اللي يعرفوني.
فربتت وردة على كتفه بحنان: ربنا يسعدك يا ابني, و يقربلك البعيد.
فأمن ماهر على دعائها وهو يمني النفس بتحقيقها, فلأول مرة قلبه يتعلق بفتاة ويخشى من ان يكون قد تعلق بسراب, فهو يرى الكثير من الحواجز التي تحول بينهما.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

دخل يوسف حجرة مريم ليجدها تقرأ في احد الكتب فبعد ان ألقى عليها تحية المساء وردت عليه بالمثل سألها باهتمام: ايه اللي انتي بتقريه دة؟
مريم: دي رواية.
يوسف: عن ايه؟
شعرت مريم بالاحراج وهي تجيب: دي رواية رومانسية.
يوسف وقد زاد اهتمامه للأمر: رومانسية؟! غريبة يعني!
مريم: وهو ايه الغريب في كدة؟
يوسف: اصلي ما كنتش فاكر انك بتهتمي بالحاجات دي.
مريم بنبرة حزينة لائمة: حقيقي انا ما كنتش بهتم في الاول, بس بدأت اهتم دلوقت عشان اكبر وما افضلش طفلة زي مانا, مش دة كان كلامك؟
جلس يوسف بجوارها على السرير وسألها: وانتي شايفة بقا ان قرايتك للروايات دي هي اللي هتكبرك؟
مريم: معرفش, اديني بحاول.
يوسف: طيب ممكن بقا تسيبي الرواية اللي في ايدك دي وتقومي تلبسي؟
مريم وهي تسأله ببلاهة: ليه؟
يوسف: عشان هنخرج, انا عازمك النهاردة ع العشا برة, واعتبريه يا ستي عربون صلح وتكفير عن الكلام اللي قولته في لحظة غضب.
فنظرت مريم اليه باهتمام تحاول ان تستشف من تعابير وجهه ما اذا كان بالفعل صادقا في اعتذاره, ولكنها كالعادة تعترف بهزيمتها امامه, فهي لا تستطيع فهمه مهما حاولت , فلقد بدأت تشعر وكأنها بالفعل طفلة كما وصفها.
أخرجها يوسف من شرودها وهو يداعب شعرها الأحمر الطويل وسألها: ايه يا مريم؟ انتي مش عاوزة تخرجي معايا ولا ايه؟
انها في المواقف العادية لا يمكنها ان ترفض له طلبا, فما بالك وهو يتحدث اليها بذلك الصوت الجذاب ذات النبرة الرقيقة الساحرة؟

24= ج2=
اجتمعت علياء بعماد في شقتها, وقد كانا يتناولان أحد المسكرات, فقالت علياء وهي تميل بدلال ناحيته: والله ووحشتنا ايامك يا عمدة.
عماد: انتي اللي وحشتيني بجد يا لولا, عاملة ايه بقا في الشغل؟
علياء بتأفف: يوووووه, ودة وقت مناسب بردو نتكلم فيه عن الشغل؟ ع العموم يا سيدي اطمن خالص كله ماشي تمام وعال العال.
عماد: طيب نتكلم بقا عن اللي غير الشغل. قوليلي عملتي ايه مع يوسف جلال؟
علياء بنظرة خبيثة: ودة سؤال تسأله للولا بردو؟ مانت عارفني ما فيش حاجة تصعب عليا حتى يوسف جلال نفسه تقدر تقول اني خلاص طويته تحت جناحي, وزمانه دلوقت واخد المدام بتاعته وبيتعشوا في المطعم اللي انا حجزتله فيه.
عماد باعجاب: تمام اوي كدة. وجهزتي كل اللي اتفقنا عليه؟ وكلمتي صاحبتك؟
علياء: طبعا, وهو انا بردو تفوتني حاجة زي دي؟
عماد: شاطرة يا لولا.
علياء: تلميذتك يا عمدة, وزي ما اتفقنا كلها شهر بالكتير وتلاقيه مطلق الست هانم بتاعته اللي فضلها عليا.
عماد: اللا بقولك ايه يا علياء, هي فعلا مراته دي حلوة كدة زي ما بيقولوا عليها؟
فهمت علياء المغزى من سؤاله فقالت محذرة: لا, بقولك ايه يا عماد, احنا مش فاضيين للحاجات دي, خلينا نشوف شغلنا احسن.
عماد: ماهي دي حلاوتها, ان احنا نعرف ازاي نستفيد من شغلنا دة بكل الطرق الممكنة.
علياء: ماشي يا سيدي, وانت بقا عملت ايه مع وليد؟ الواد دة رخم اوي وانا بصراحة مش بطيقه, اصل واخدها جد اوي ومحبكها اكتر من اللازم, وممكن تتعب معاه.
فقال عماد بغرور: بس مش عليا يا ماما, هو خلاص بلع الطعم وقبل المشروع بتاعي دة غير انه كمان عازمني على حفلة الافتتاح بتاعة شركته يوم الجامعة الجاية, يعني تقدري تقولي ان كلها شهر بالكتير وهطويه تحت جناحي بالظبط زي مانتي عملتي مع أخوه, وما تنسيش ان كل انسان ليه نقطة ضعف تقدري تدخوليله منها, ووليد دة بقا نقطة ضعفه شغله.
فقالت علياء بنبرة مليئة بالكره: ياللا, خليهم يشربوا بقا, وعشان احنا كمان نقدر نشوف شغلنا كويس.
فنهض وليد وهو يقول: اوك يا حبيبتي, سلام بقا.
علياء: بدري كدة؟
عماد: مانتي عارفة بقا يا حبيبتي, انا بقيت راجل متجوز ولازم ارجع بدري عشان اتجنب السين والجيم.
علياء ساخرة: يا عيني عليك يا عمدة. وانت كان مالك ومال الجواز بس؟ مانت كنت عايش حياتك بالطول والعرض زيي, ليه تكتف نفسك التكتيفة دي؟
عماد: اعمل ايه بقا؟ مانتي عارفة انا راجل صاحب مزاج, و نهال دي من يوم ما عرفتها وانا مشدودلها جامد وعاوز اوصلها بأي شكل, لكن بالرغم من كل عيوبها الا اني ما قدرتش اطولها من غير جواز.
علياء: طيب وانت ايه جابرك انك تفضل عايش معاها لحد دلوقت؟ ما تطلقها وتخلص.
عماد: للأسف مش هينفع. نهال بقت عارفة معظم اسرار شغلنا دة غير اني ساعات بحتاجها في الشغل التاني بس من غير ما تعرف وكمان اهي واجهة ليا في الوسط الاجتماعي, مانتي عارفة بقا, عماد بيه وحرمه. ياللا, سلام بقا يا قمر, وخلينا دايما على اتصال لو حصل اي جديد.
علياء: اوامرك يا برنس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

دخل عماد حجرة نومه على أطراف اصابعه حتى لا يزعج زوجته التي كانت تغط في النوم العميق, فهو يخشى ان تستيقظ فتلقي على اذنيه نفس الاسطوانة التي أصبح يحفظها عن ظهر قلب.
وجد عماد الحجرة غارقة في ظلام دامس, فلم يحاول ان يضغط زر الاضاءة وهو يخلع سترته, ولكنه أغمض عينيه فجأة حين سطع ضوء الحجرة في عينيه فجأة ووجد زوجته تجلس على السرير وهي تنظر اليه بغضب: ماهو بدري يا سي عماد.
عماد: نهال! انا مش في مزاج يسمح اني اسمع منك اي كلمة تأنيب.
نهال: طبعا, ماهو اكيد بعد السهرة اللي الله اعلم انت قضيتها مع مين, مش هتبقى طايق تبصلي حتى.
عماد وهو يحاول ان يسيطر على انفعاله: مفيش داعي للكلام دة يا علياء, انتي عارفاني كويس اوي قبل ما نتجوز, ووافقتي عليا وانا كدة, يبقا مش من حقك انك تشتكي.
نهال: كنت فاكرة انك ممكن تتغير.
عماد: يبقا دي مشكلتك انتي, لان انا صعب اتغير, ودة اللي لازم تفهميه كويس اوي. ولازم تتعودي على الحياة معايا بالشكل دة.
نهال: وانا ايه اللي يجبرني على كدة؟
عماد: حاجات كتير اوي, زي مثلا الشهرة اللي بقيتي بتتمتعي بيها وكلمة نهال هانم اللي بتتقالك في كل مكان, والفلوس اللي من غير عدد وعمالة تصرفي فيها من غير حساب, والرحلات اللي بتعمليها في اشهر اماكن في العالم, اعتقد ان كل دة يا نهال يستاهل منك التضحية البسيطة دي.
لم تعلق نهال بشيء, واكتفت بمشاهدته وهو يستلقي على السرير بجوارها قبل ان يقول: تصبحي على خير, وياريت تطفي النور عشان أعرف انام.
وأطفأت علياء الاضاءة لتغرق الغرفة في الظلام من جديد.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خرجت مريم برفقة يوسف وتوجها الى المطعم الذي اخبرته علياء باسمه عن طريق الهاتف كما وعدته, وبعد ان اتاهما النادل بقائمة الطعام وطلبا ما يريدان تناوله على العشاء, قالت مريم بسعادة: ميرسي اوي يا يوسف, حقيقي المكان هنا هادي وساحر.
فقال يوسف الذي بالطبع لم يخبرها ان علياء كانت صاحبة القرار في اختيار هذا المطعم الذي نال اعجابها: كويس انه عجبك, لاني بصراحة بقا دة كان كل اللي يهمني النهاردة, اني اعمل اي حاجة ممكن تفرحك؟
مريم: واشمعنا النهاردة يعني؟
يوسف: عشان النهاردة انا عاوز احتفل بعيد ميلادك.
مريم بحزن: ياااااااااااه. انت لسة فاكر؟ انا عيد ميلادي كان من يومين. و تقريبا كل الناس يومها قالتلي كل سنة وانتي طيبة الا انت دة حتى جدو حطلي مبلغ كدة بحسابي في البنك كهدية من غير ما يقولي قبلها لانه عارف كويس اوي اني مش بقبل الهدايا.
يوسف بأسف: مانا عارف, كان يوم حفلة الجامعة, وكنت عامل حسابي على كدة بس اللي حصل بينا بعد الحفلة لغى كل الخطط اللي كنت مرتبلها, بس انا بقا قررت اني اعوض كل حاجة النهاردة, دة لو انتي موافقة طبعا, قولتي ايه بقا؟ موافقة!
ونظر اليها بترقب فوجدها تبتسم له بهدوء وهي تومىء برأسها كعلامة للقبول.
وعلى الفور أخرج يوسف تلك العلبة القطيفة صغيرة الحجم من جيب سترته وفتحها لتظهر بداخلها الاسورة التي قد اشتراها سابقا بمساعدة علياء, قدمها يوسف لها وقد كانت تتلألأ بألوانها التي تخطف الانظار: تسمحي بقا تقبلي مني الهدية دي, صحيح انتي مش بتقبلي هدايا من حد, بس انا واثق انك مش هترفضي هديتي.
مريم وهي تنظر الى الاسورة بمشاكسة: وانت بقا جبت الثقة دي منين؟
يوسف: احساسي بيقولي كدة, كل سنة وانتي طيبة يا مريم.
مريم: وانت طيب
وأخذت مريم منه العلبة وأخرجت الاسورة و ظلت تتأملها وهي في اصابعها للحظات وقد زاد لمعانها في ضوء المطعم ذات الالوان المتعددة.
فمد يوسف يده ناحيتها وهويقول: تسمحيلي؟!
فهمت مريم بالضبط ماذا يريد؟ فاعطته الاسورة, ومدت ذراعها الأيسر اليه, فقام يوسف بتثبيت الاسورة فيه, وكأي طفل يحصل على لعبة جديدة, أخذت مريم تتلمس الاسورة بيدها الاخرى وهي سعيدة باقتنائها فقط لانها منه هو وحده.
أما يوسف فكان يتابعها في صمت وهو معجب بتلك الطريقة الطفولية التي تزيد من جاذبيتها و كذلك من انجذابه اليها.ولكنه قرر ان يشاكسها قليلا: واضح جدا انها عجبتك, لدرجة انك نسيتيني انا شخصيا وانا قاعد ادامك.
مريم بصراحتها المعهودة: حقيقي يا يوسف جميلة اوي.
يوسف بفخر: طبعا لازم تكون جميلة, مش انا اللي اشتريتها؟
فنظرت له مريم بغيظ, فقال يوسف: لالالا بلاش التكشيرة دي , النهاردة بقا انا مش عاوز اشوف غير الابتسامة وبس.مفهوم؟
مريم بانفعال: ماهو انت اللي بتستفذني.
يوسف بعيون ضاحكة: خلاص يا ستي مش هستفذك تاني, فين بقا الابتسامة الحلوة؟
فابتسمت مريم رغما عنها, فمن الواضح انه لا يزال يعتبرها كالطفلة وهذا يتضح حتى في طريقة مداعبته لها, ولكنها تفضل ذلك عن غضبه الذي يصعب التعامل معه.
وبينما وهما في غمرة سعادتهما جاءهما من الخلف صوت انثوي يقول: ايه دة معقولة؟ يوسف! انا مش قادرة اصدق! فينك من زمان وفين ايامك؟
استطاعت مريم ان تفهم من كلام تلك المرأة ونبرة صوتها وكذلك من ارتباك يوسف, بأنها كانت احدى عشيقاته القديمات, ولكنها حاولت ان تخفي ضيقها الشديد وخصوصا في حضور تلك السيدة, واكتفت بمراقبة زوجها الذي قد نهض ليسلم عليها بكل ود: ازيك يا سمر, عاملة ايه؟
سمر بدلال: يعني هو انت كنت بتسأل؟
حاول يوسف ان يتجاهل كلامها وقال وهو يشير الى مريم: اسمحيلي اقدمك مريم مراتي.
ثم اشار الى المرأة الاخرى وهو يكمل التعارف: ودي يا مريم سمر وهيب.
لاحظت مريم وهي تصافح تلك السيدة ذات اليد الباردة بأنه قد اكتفى بذكر اسمها فقط وتجنب ان يذكر مدى علاقته بها, فعلمت انه في حيرة من أمره, فماذا يمكنه ان يقول؟ هل يقول صديقتي ام عشيقتي؟
وعندها شعرت بالدموع الحارة تملأعينيها ولكنها حاولت ان تخفيها خلف ابتسامتها الباهتة وهي تستمع الى تعليقات سمر ذات النبرة الساخرة التي بدا على يوسف بأنه لم يلاحظها: الف مبروك يا مدام, بجد برافو عليكي انك عرفتي توقعيه, احنا عمرنا ما كنا نتوقع ان يوسف جلال ممكن يدخل القفص أبدا.
وكان يوسف هو من تولى الرد عليها محيطا كتف زوجته بذراعه: وليه بقا ما تقوليش ان انا اللي عرفت اوقعها؟ مريم دي جوهرة, وانا فعلا محظوظ انها بقت ملكي أنا.
فأكدت سمر على كلامه بنفس سخريتها المبطنة: معاك حق يا يوسف, مراتك زي القمر, ربنا يسعدكم, اسمحولي بقا استأذن, شكلي كدة قطعت عليكم الجو الرومانسي الحلو دة.
يوسف: طيب ما تقعدي تتعشي معانا.
سمر: لا يا سيدي, انا مستنية ناس عازميني هنا هروح استناهم على ترابيزتنا, بتمنالكم سهرة سعيدة بقا.
وقبل ان تغادر قالت: يوسف ما تنساش تبقا تكلمني, اكيد انت لسة معاك رقمي, وانتي كمان يا مدام مريم.
فهزت مريم رأسها موافقة بينما قال لها يوسف: ان شاء الله.
وابتعدت سمر فجلس يوسف على كرسيه مرة أخرى وعندما لاحظ مسحة الحزن التي تكسو وجهها حاول تدارك الامر واستعادة الجو الشاعري الذي كان يسودهما قبل مجيء سمر, فقال بابتسمة ساحرة, ولكنها لم تؤثر على مريم هذه المرة: قوليلي بقا يا مريم احنا كنا بنقول ايه قبل ما سمر تيجي؟
فقالت مريم بنظرات حادة وصوت قاطع: يوسف! انا عاوزة اروح.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close