اخر الروايات

رواية عيون الريان الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم نيللي العطار

رواية عيون الريان الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم نيللي العطار




                                              
"ألَم ترَ أن اللهَ قال لمريَم
وهُزِّي إليكِ الجِذعَ يُساقِط الرُّطَبْ

+


ولو شاء أن تجنيه من غيرِ هَزِّها
جَنَتهُ، ولكنْ كلّ شيءٍ لهُ سبَبْ."

+


___أبو الهدى الصيادي ___

+


*************

+


وزّع ريان أنظاره بين وجه والده وكفه الممدودة بتذكرة السفر ثم تناولها منه وفتحها ليستكشف باقي المفاجأة متسائلاً بعدم استيعاب (كاليفورنيا؟) 

+


أجابه سعد بثبات زائف (فيه مجموعة شركات هناك عايزين يشتروا أسهم في شركتنا، هاتروح تتأكد بنفسك من إسمهم وسمعتهم فالسوق) 

+


تعجب ريان من السبب الغير منطقي لذلك السفر المفاجئ قائلاً باسترابة (الموضوع ممكن يتحل هنا عن طريق موقعهم عالنت من غير سفر) 

+


أرجع سعد ظهره للخلف قائلاً بمراوغة (ده بيزنس كبير ياريان مايخلصش عالنت، ولو تم هاينقلنا نقلة كبيرة) .. سكت لبرهة يتابع تعابيره التي يغالبها الإرهاق ورغم شفقته عليه إلا أنه أردف بطريقة يشوبها الإجبار (وبعدين انت عارفني، مابحبش المخاطرة فالشغل غير لما أكون مالي إيدي من الناس اللي هاتعامل معاهم) 

+


لم يستطع ريان الرفض، أو بمعنى أصح غير معتاد عليه تحديداً مع والده ،دوماً يوافقه ويلبي له جميع مايطلب وكأنه مارد يخرج من فانوساً سحرياً كلما حكه بجانب كفه، لا يعلم أن هذا الكف يرتفع الآن بصفعة ستنزل فوق قلبه كضربة سوط مُشتعل، ابتسم قائلاً بطاعة تامة دون إضافة كلمة زائدة (حاضر يابابا، طلباتك أوامر) 

+


بادله سعد ابتسامته بأخرى يكسوها الشعور بالذنب قائلاً (باسبورك وشنطتك جاهزين وموجودين في عربيتي، السواق هايوصلك لحد المطار) 

+


أومأ موافقاً واستعد للخروج من غرفة المكتب لكنه توقف عندما تذكر هاتفه الذي نفذت بطاريته أثناء عودته من الرحلة دون أن ينتبه له ، نظر في ساعة يده يلعن غفلته عنه فلا يوجد وقت كافي لوضعه على الشاحن وسيضطر للمغادرة دون إخبار مريم، فالمتبقي على موعد الطائرة لايتسع حتى لتبديل ملابسه، وقبل انصرافه كلياً التفت لينظر لأبيه قائلاً (أشوف وشك بخير) .. 
نبرة صوته الهادئة ونظرته المكسورة جعلت سعد ينهض من مكانه مسرعاً ليعانقه عناقاً قوياً، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من تمزيق تلك التذكرة اللعينة وإلغاء السفر نهائياً ، ريان حبيب عمره، وضوء عيونه، وروح روحه، وولده الصالح الذي لايستحق إلا كل الخير، ولولا دخول رويدا عليهما لنفذ ما جال بخاطره فوراً دون تردد .. 

+


-(السواق مستنيك بالعربية، مفيش وقت) .. قالتها رويدا وهي تربت على ظهره ،فاستدار ليحتضنها قائلاً (هاتوحشيني ياست الكل، خدي بالك من نفسك ومن بابا) .. ابتعد عنها برفق ثم تابع مازحاً ليخفف الحزن المسيطر عليه وعلى الأجواء من حولهم (ماتستفرديش بيه وانا مش موجود وتزعليه، دلعيه يارورو) 

+




                
أحست رويدا بغلالة دموع توخز جفنيها تأثراً   بطيبته وحنانه الذي يغالب قسوة غدرها به ويطعن خطيئتها في حقه وحق العائلة بأكملها قائلة (انت كمان هاتوحشني أوي ياحبيبي، طمني عليك وكلمني أول ماتوصل بالسلامة) .. 
اكتفى بإيماءة صامتة وابتسامة باهتة لم تصل لعينيه كإجابة على وصاياها ثم تركهما وانصرف وجميع حواسه مُشوّشة ، يشعر ببريق روحه ينطفأ شيئاً فشيئاً، وظلام يصل حد الظلم يلوح له من بعيد، حتى أجراس خطواته المُرتعشة تفتح الباب لهوة سحيقة تتسع كلما ابتعدت به السيارة المتجهة نحو المطار ومنه إلى بلد بينها وبين عشقه قصير العمر آلاف الأميال ... وفور تأكد سعد من مغادرته بشكل تام، تهاوى جسده على المقعد من خلفه، يبكي لأول مرة في حياته وكأنه انتزع قلبه عندما امتثل لأمره بلا اعتراض، ولسان حاله يصرخ داخله ياليته عارضني وما أطاع لي أمراً ، ياليته ما كان بكل هذا الصلاح، وياليته ما أحسّن الظن بي يوماً.. جلست رويدا قبالته تمسك بكفه البارد مثل الثلج قائلة (اهدى ياحبيبي عشان صحتك) 

+


تحدث سعد بحسرة وندم (مش هاين عليا يارويدا، الولد ما اعترضش،طول عمره مريح قلبي، يبقى جزائه مني أوجع قلبه بإيدي؟!)

+


واسته رويدا بكلمات تعلم أنها لن تجدي نفعاً (إنت أكتر واحد بتحبه وعايز مصلحته ومفيش أحن منك عليه) 

+


رد عليها سعد بحزن بالغ (خايف يعرف اللي عملناه،ساعتها مش هاقدر أبص في عينيه ولاهاسامح نفسي) 

+


حاولت طمأنته بثقتها فيما ستفعله (ماتقلقش مش هايعرف،اطلع بس ارتاح فأوضتك دلوقتي وماتشيلش هم) 

+


استند بمرفقيه على سطح المكتب واضعاً جبهته فوقهما يغمض عينيه ثم قال بتعب واضح (مش هارتاح لحد ماريان يوصل بالسلامة) 

+


تفحصت الوقت في الساعة المُعلقة خلفه قائلة (لسه بدري أوي، مش معقول هتستنى 12 ساعة) .. نهضت من مكانها تحثه على إطاعتها وأردفت بهدوء منافي للموقف (تعالى بس ريح أعصابك،وهو أكيد لما يوصل هايطمنا عليه) 

+


امتثل لرغبتها بإذعان شديد ،لعلّ كلامها يصيب ويجد راحة أصبحت بعيدة كل البعد عنه، متمنياً أن يصل فلذة كبده سالماً إلى وجهته التي حددها له، بينما هي انتظرت حتى انتظمت أنفاسه في النوم وقامت بإمساك هاتفها لتكتب رسالة نصية عبر تطبيق الواتساب قائلة (ريان سافر، قابليني بكره الصبح قصاد بوابة الدار) ..ضغطت على زر الإرسال وتأكدت من وصول كلماتها للمرسل إليها بتلون علامتين الصواب باللون الأزرق، ثم فتحت الشرفة طلباً للهواء، خانتها دموعها الثقال وظل ذنبها يتجسد نُصب عينيها، وماذا فعلت؟ .. خلعته عن رقبتها وطوقت به رقبة ولدها الوحيد، وسترتكب زلة جديدة وكأن زلات ماضيها لم تكن كافية،ومثلما سلبت مريم حقها في الوجود والحياة بكامل إرادتها طيلة عقدين كاملين ، الآن تسرق من ريان حق الاختيار صاغرة... وعلى صعيد آخر وفي غرفتها التي لم تغادرها منذ عودتها إلى العاصمة، كانت تجلس فوق فراشها والقلق يتملك من قلبها، تشعر برعب يسير خلف موكب من العواصف يلف أحشائها، كأنه يقود تظاهرة تنبأها بأشياء الموت سيكون رحمة بدلاً من حدوثها، وكلما اتصلت به واستمعت للرسالة الصوتية التي تخبرها بأن هاتفه مُغلق تطوف حول رأسها آلاف الغربان وتنعق نعيقاً ذو فأل مشؤوم ...

+



                
-(مالك يامريومة؟،شكلك قلقانة كده ليه؟) ..قالتها ريهام بتعجب من التوتر البادي على ملامحها فجاوبتها بخوف لم تستطع اخفائه (بتصل على ريان وتليفونه مقفول) 

+


حاولت ريهام تهدئتها قائلة (يمكن فاصل شحن ولما يشغله هايكلمك) 

+


ابتلعت مريم غصة مسننة أحكمت حلقها ثم قالت (قلبي مقبوض)  

+


جلست ريهام بجوارها تمسك بكفها البارد قائلة بلهجة مُطمئنة (ده بس من قلقك) 

+


تحدثت مريم بارتباك متزايد (مش مرتاحة وحاسة إني مش هاسمع صوته تاني) 

+


أحست ريهام بأن عدوى خوفها الغير مبرر أصابتها فردت عليها بنبرة أصبغتها بالثبات رغم ارتجاف أحبالها الصوتية (إستعيذي بالله من الشيطان ياحبيبتي، هو أكيد نام من تعب السفر ونسي يشحن التليفون) .. سكتت لبُرهة تجاهد ألا تظهر توترها أمامها ثم أردفت (تعالي احنا كمان ننام والصبح بإذن الله هايطمنك عليه) 

+


***************

+


على الساحل الغربي للولايات المُتحدة الأمريكية تحديداً كاليفورنيا أو الولاية الذهبية كما تُلَقَب وفي تمام العاشرة والنصف صباحاً أعلن مطار سان دييغو الدولي عن وصول الطائرة القادمة من الأراضي المصرية والتي تقل ريان على متنها، وبسرعة قصوى أنهى جميع إجراءاته الخاصة بجواز السفر وتأشيرة الدخول والإقامة ثم خرج ليجد سيارة تقف في انتظاره أمام البوابة الرئيسية يمسك سائقها بلوحة مكتوب عليها إسمه بالإنجليزية، اتجه نحوه مُلقياً التحية بلغته الثانية المُتقنة فأخبره الرجل أنه مُكلف من الفندق الذي سيقيم به ليتولى مهمة توصيله، اتخذ مقعده في الخلف وهذا الشعور المميت بالخوف يلازمه، روحه قلقة وقلبه متوجس، ومازال غير مستريح ، ناهيك عن قلة النوم التي جعلت احمرار عينيه المُشوشة الرؤية يزداد حتى أصبحتا أشبه بكأسين مملوءين بالدماء، والإرهاق جرّاء السفر لمدة إثني عشر ساعة متواصلة ينهش لحمه ويدق عظامه،الوضع بأكمله أشبه بحلم مُزعج يود الاستيقاظ منه، ولا يعلم أن الطريق الوَعِر، لم يبدء بعد .. قطعت السيارة مسافة لا بأس بها وأخيراً وصل إلى مُستقره بأحد الفنادق الفاخرة، وبمجرد دخوله غرفته، بالكاد استطاع خلع قميصه وحذائه مُرتمياً على الفراش بإنهاك غير مسبوق، وفي غضون لحظات كان منفصلاً عن العالم حوله ليغرق في نوم عميق يحتاجه أكثر من أي شئ الآن دون أن ينتبه لهاتفه المُغلق منذ ليلة أمس .... وعلى الطرف الموازي كان الخوف يهاجم صدرها كثورٍ هائج، ومع مرور الليل وجزء يسير من الصباح بلا أي أخبار تطمئنها عليه تحول لقطيع كامل يضرب قلبها الصغير بقوائمه المشبعة بشتى ضروب العذاب النفسي، استعاذت بالله آلاف المرات وحاولت بشتى الطرق أن تتخلص من تلك الهواجس ولم تجد راحتها إلا بداخل غرفة الموسيقى، تركت ريهام نائمة واتجهت نحو ملاذها الوحيد لتجلس خلف مكتبه الذي لم يبارح مكانه مستندة برأسها المُتعب بضجيج الأفكار على حافته لعلها تجد في رائحته العالقة به سكوناً ارتجته بتوسل.. ومرّت الساعات حتى شارف الظهر على الآذان ولا جديد حتى الأطفال أنهوا درسهم اليومي وانصرفوا لدرس آخر بمرافقة أحد المعلمات وبقيت هي على وضعها وأثناء جلستها المُضطربة انتبهت لصوت الحارس يبلغها بوجود ضيوف أو بمعنى أصح ضيفات يودون لقائها، تعجبت كثيراً لكنها أذنت لهن بمقابلتها، لا تدري أن تلك المقابلة ستحدث في جدار روحها خرقاً عظيماً وستدق مساحات ظهرها بمطرقة ثقيلة لتهدم رمقها الوحيد في الحياة وتعيد لحلقها مرارة اليُتم وذل العجز ... كثلاث أفاعٍ رقْشاوات دخلن على الحَيِيَّة خِدرها، كبيرتهن تنظر إليها بتعجب فاغرة فاهها، فالشبه بينها وبين والدتها يصل حد التطابق، من يراها سيظن ليلى عادت للحياة أو سيدرك أنها ابنتها، ظلت تتأملها بصمت مهيب، الطفلة الهزيلة، الكفيفة التي جلبها خادم بيت والديها محمولة بين ذراعيه، أينعت طولاً وجمالاً ولم ينقص كف بصرها من حُسنها مثقال ذرة، ومُحق ريان إذا وقع أسيراً، مُدلهاً في عشقها .. بينما اختارت الصديقة الوفية رُكنا بجوار الباب بعد أن أوصدته بإحكام وحرص شديدين، ووقفت متظاهرة بالتلاعب في هاتفها، مُستخدمة أرخص آدوات الغدر ألا وهي تصوير ماسيحدث كاملاً ، تتخذ من المساندة ذريعة للحضور، ونيتها المُبيتة لاتحمل الخير لأحد سوى نفسها.. هكذا تعتقد الحمقاء فأي خير تبتغيه من رفيقة سوء مثل چيسي ... أما عنها فوقفت تحدج غريمتها بأعين تفيض بالكره ، طاحنة فكيها بغلٍ ورغبتها في الهجوم عليها وتمزيقها أشلاء بمخالبها تؤزها أزاً كوساوس الشيطان 

+



        
          

                
-(الحارس بلغني إن حضراتكم عايزين تقابلوني، أي خدمة أقدر أقدمها لكم؟) .. قالتها مريم بنبرة مرتجفة لتقطع السكوت الذي طال وأصابها بتوتر فوق توترها لينزل رد چيسي على قلبها كطعنة خنجر قاتلة حيث قالت باستهزاء قاصدة إهانتها (انتِ بقى خطافة الرجالة اللي بتلف على الشباب الأغنيا،عشان يصرفوا عليها ويشيلوها من المستنقع اللي عايشة فيه؟) 

+


فغرت مريم شفتيها بصدمة جاهدت على تداركها متسائلة بتلعثم طفيف (انتِ مين؟!،وازاي تكلميني كده؟) 

+


ضحكت چيسي بطريقة فجة قائلة بادعاء كاذب وحقير مثلها (أنا خطيبة البيه اللي دايرة تتصرمحي معاه) ... اقتربت منها لتواجهها مُستكملة بفحيح مُرعب (ايه؟، لحقتي تنسي العين السخنة؟) .. طأطأت بلسانها وأردفت بنفس لهجتها (إخص عليكِ ياوحشة) 

+


حرّكت مريم رأسها يميناً ويساراً بعشوائية رافضة ماتلقيه تلك الحقيرة على مسامعها قائلة بصوت أقرب للبكاء (مستحيل،انتِ كدابة، وهاقول لريان على كدبك ده)

+


تعالت ضحكات چيسي أكثر لتتقن تمثيليتها القذرة قائلة (ريان اللي ماتعرفيش مكانه من امبارح؟)

+


مدت مريم يدها لتمسك بهاتفها قائلة بإنكار (لا انا عارفة إنه نايم وزمانه صحي)..ضغطت على الأزرار لتجري اتصالاً به قائلة بخوف (هاكلمه ييجي حالاً ويقولك في وشك إنك كدابة) .. إنهارت كُلياً عندما وصلتها الرسالة الصوتية مجدداً تخبرها بأن الشخص المطلوب غير متاح حالياً، سقط الهاتف من يدها ليتحطم أسفل قدمها وكأنه يشارك قلبها الحدث الجلل، فاستغلت چيسي الوضع قائلة بوضاعة وخِسّة (ريان مش موجود في مصر) ولتزيد النار لهباً أضافت كلمات مثل الوقود (خاف مني لما اكتشفت علاقته بيكِ وسافر، عارفة كلمني من هناك قالي ايه؟) .. وفجأة قبضت على خصلاتها بأصابعها حتى كادت أن تقتلع رأسها مُستطردة (قالي اعملي فيها اللي يطفي نارك) .. دفعتها بقوة لترتطم بالجدار خلفها وأكملت ضاحكة (شكله زهق منك) 

+


لم تتمالك مريم نفسها وانهمرت دموعها قائلة بنحيب يقطع نياط القلب (انتِ كدابة،ريان بيحبني...) قاطعتها چيسي بصفعة قوية جعلتها ترتد خلفاً فارتطم جسدها بالأرض قائلة بغضب أسود (ماتنسيش نفسك ياروح أمك، ريان مين اللي يحب واحدة عامية، تربية ملاجئ زيك؟)..جذبتها من شعرها مرة أخرى تصيح بأنفاس متسارعة (ولا مفكرة إني هاسيب لك خطيبي وابن خالتي تاخديه عالجاهز؟) تركتها بعنف فاصطدم جانب وجهها بحافة المكتب متابعة بحقد متفوهة بلفظ بذئ (فوقي يا***** ،ده انا آكلك نيّة بسناني) 

+


فقدت مريم القدرة على النطق، الصدمة ألجمت لسانها لكن الألم جعلها تتأوه بأنين مكتوم فتابعت چيسي تدليسها باستمتاع مريض (طول عمره خاين ونزواته كتير، بس المرة دي مستواه نزل أوي)..ابتعد عنها قليلاً ثم استكملت وصلة الكذب التي لم تنتهي بعد (كنتِ فاكراه هايتجوزك ويخرجك من قرف الملجأ؟) .. ضحكة رقيعة تنم عن سوء تربية ودناءة أخلاق جلجلت بها قائلة (كان غيرك أشطر،ريان آخره ياخد متعته ويرمي قرشين وبعد كده يختفي، ومرجوعه فالآخر ليا أنا) .. عاودت هجومها المباغت ممُسكة بمقدمة ملابسها قائلة بتهديد (فهمتي يابنت الكلب ولا أطلع روحك فإيدي دلوقتي؟) 

+



        
          

                
هزت مريم رأسها إيجاباً بذعر قائلة (أنا آسفة، والله ماكنت أعرف إنه مرتبط بيكِ) 

+


-(واديكي عرفتِ ياحلوة) 

+


-(أوعدك إني هابعد عنه) 

+


تركتها تلملم كرامتها المُهدرة واستقامت في وقفتها تحدجها باحتقار قائلة (دي كانت قرصة ودن بسيطة من غير شوشرة، لكن المرة الجاية فضيحة الدار اللي بتسرح بناتها عشان يشقطوا ولاد رجال الأعمال هاتبقى بجلاجل) .. 

+


رفعت مريم كفيها أمام وجهها تقول بعدم إتزان(لا لا لا، الدار لا، ورحمة أبويا وأمي مش هاقرب منه تاني، بس الدار لا) 

+


رمقتها چيسي بتشفي واستعلاء قائلة (كده تبقي شطورة) 

+


تدخلت رويدا موجهة حديثها لمريم بإشفاق وهي تساعدها لتنهض من مكانها (قومي يابنتي) 

+


طاوعتها مريم بضعف متسائلة (انتِ مين؟) 

+


بادرت چيسي بالرد ضاحكة بخبث (دي أم ريان،وخالتي في نفس الوقت) 

+


انخرطت مريم ببكاء موجع قائلة لرويدا (والله ياطنط ماكنت اعرف إنه خاطب، ورحمة أمي ماهاقرب منه تاني، بس وحياة أغلى حاجة عندك ماتخليهاش تأذي الدار) 

+


أحست رويدا بالدموع تتجمع في مقلتيها وتمنت لو احتضنتها وخففت عنها لكنها تحدثت بثبات زائف (ماتخافيش مش هاتقرب من حد لو وفيتي بوعدك) 

+


مسحت مريم وجهها الغارق بالدموع قائلة بانكسار (حاضر هاسمع الكلام) 

+


تركتها رويدا متنهدة بتحسر وندم شديد، تدرك مدى تعلقها بريان، وإذا كانت هي حالتها منهارة بهذا الشكل؟ ، فماذا عنه هو؟ .. -(يلا بينا، كفاية كده) .. قالتها لچيسي الواقفة تراقب مايحدث بنظرات شامتة وابتسامة نصر تعتلي ملامحها، وقبل أن تنصرف كلياً هددتها بغرور بالغ (لو نطقتي بكلمة من اللي حصلت هنا انهاردة،هايكون آخر يوم في عمرك) ثم رمقتها من أعلى لأسفل بتعابير متقززة قائلة (سلام ياحلوة) ... ومثلما دخلن انصرفن بهدوء دون التفات أحد إليهن وكأنهن لم يذبحن، ولم يقتلن، ولم يهدمن منزل آمن فوق رأس بريئة لم تفعل شيئاً سوى أنها أحبت ... وما أن تأكدت مريم من مغادرتهن حتى خرجت من الغرفة،مستندة بكفيها على الحائط،تبكي بكاء من تلقى خبر وفاة أبيه، لأول مرة في حياتها تشعر بأنها لا ترى، ذلك المصباح الذي يضئ بصدرها انطفأ، ونافذة بصيرتها انغلقت بستار من حديد، وأثناء سيرها الواهن في الرواق المؤدي لغرفتها رأتها ريهام ،هالها منظرها المُنهار وشعرها المُشعث كمن تعرضت للإغتصاب،فركضت مسرعة تتلقاها بين ذراعيها متسائلة بهلع (فيه ايه؟،مين اللي عمل فيكِ كده؟)

+


تشبثت مريم بأحضان رفيقة عمرها قائلة بشهقات متقطعة (استعماني وضحك عليا ياريهام،فهمني انه بيحبني وهو خاطب واحدة تانية) .. تعالت شهقاتها تتابع بانهيار (لعب بيا وبمشاعري واستغل ظروفي)  

+



        
          

                
سألتها ريهام بعدم فهم رافضة تصديق تخمينها بأن ريان المقصود بحديثها (ريان!...)

+


ابتعدت عنها صارخة عندما سمعت إسمه صارخة بهيستريا تقطع شعرها بيديها (مش عايزة اسمع اسمه تاني، ريان مات وانتهى من حياتي) 

+


احتضنتها ريهام مجدداً محاولة تهدئتها قائلة بمواساة (حاضر بس اهدي) 

+


استندت مريم عليها قائلة بصوت مبحوح ورجاء ضعيف (وديني أوضتي، رجليا مش شايلاني)

+


أطاعتها ريهام وهي لا تستوعب مايحدث وكأنها تتلقى ضربات متتالية بواسطة عصا غليظة تكسر رأسها نصفين .. بينما كانت مريم تصارع الصدمة بقلب يتألم حد التمزق ، الحب دخل حياتها بسلام كالولادة وانتهى برصاصة غادرة ستستقر في أحشائها حتى الموت،والحزن الذي جاء بعده مباشرةً سيظل مقدساً لا يمكن المساس والتفريط فيه .....

+


***********

+


الحياة تجردنا أحياناً من إنسانيتنا رغماً عنا، وتقتل بداخلنا فطرة الحب وتقتلنا معها، ويُكتب لذلك الجرح العميق ألا يلتئم وكأنه سُطِرَ في أحشائها منذ ولادتها لولدها الوحيد، وانسلاخه من رحمها وانسلاخ الرحم نفسه خارج جسدها بعدما شقه الحرمان شقاً ووضع مكانه مِلحاً ليظل يكويها طيلة عمرها بنار استعصى عليها إخمادها.. وبينما كانت تجلس بجوار چيسي في سيارة دينا التي تولت مهمة توصيلهما إلى هناك بملامح يكسوها الحزن انتبهت رويدا لسؤال ساخر من ابنة شقيقتها الملعونة (مالك يا آنطي؟، مش مبسوطة ولا إيه؟) 

+


رمقتها رويدا بضيق قائلة (انتِ ازاي تمدي إيدك على البنت؟) 

+


رفعت چيسي حاجبها تقول باستنكار (دي صعبانة عليكِ بجد؟) 

+


صكت رويدا أسنانها تجيبها بأعصاب منفلتة (احنا ما اتفقناش إنك تضربيها)

+


ضحكت چيسي بطريقة مستفزة ثم قالت (ما اضربها ولا اقتلها حتى، هايفرق معاكِ فإيه؟، وبعدين الأشكال دي لازم تنضرب وتتهان عشان تتعلم تبص على قدها) 

+


أحست رويدا بالاشمئزاز من نفسها ولعنت الحظ الذي جعلها تلجأ لتلك الحقيرة قائلة (خلاص ياچيسي، اقفلي الكلام فالموضوع ده، وربنا يستر لما ريان يرجع من السفر) 

+


التوت زاوية فم چيسي بابتسامة نصر قائلة (نفسي أشوف وشه لما يعرف إنها سابته) 

+


زجرتها رويدا بحدة (بقولك ايه، مالكيش دعوة بريان وسيبيه في حاله) 

+


التمعت مقلتيها بخبث قائلة (خليه قاعد جنبك لحد ما جرحه يلم، مش چيسي الصرّاف اللي توطي تاخد حاجة رميتها) 

+


ردت عليها رويدا قاصدة إهانتها (انتِ هاتصدقي الكدبة اللي كدبتيها على مريم؟ ،فوقي لنفسك واتكلمي عدل وماتنسيش إن ريان هو اللي رفضك)

+


سكتت چيسي لثواني تحدجها بكرهٍ شديد وقالت بتعابير مغلولة (وانا مابسيبش حقي وهايدفع تمن الرفض ده غالي أوي) ... قذفت كلماتها المسمومة في وجه خالتها كرصاصة طائشة ثم وجهت حديثها لدينا بلهجة آمرة (نزليني هنا) .. وبالفعل ترجلت سريعاً وانتظرت حتى ابتعدت السيارة بمسافة لا بأس بها وأخرجت هاتفها تجري اتصالاً لتستكمل باقي خطتها بعيداً عن خالتها الحمقاء التي تختار حلولاً غبية من وجهة نظرها، وكما يقول والدها كسر الغصن أفضل من نحته 
-(حبيبة بابي! ، طمنيني عملتِ ايه؟) .. أتاها صوته عبر الجوال ملهوفاً لمعرفة التفاصيل، فردت عليه بتأكيد وثقة (جهزت لك كل حاجة) 

+



        
          

                
ضحك محمود قائلاً بسخرية (حلو أوي، سيبي الباقي عليا) 

+


-(وريان؟) 

+


-(هاربيه هو وامه) 

+


-(مايصعبوش عليك) 

+


-(ماتقلقيش، أبوكِ مابيصعبش عليه غالي) .. أنهى محمود المكالمة سريعاً ليجري أخرى أهم، تنفيذا لباقي مخططه الحقير الذي إتفق عليه مع ابنته من خلف الجميع فأتاه صوت خشن لأحد أفراد عصابته الخفية مُرحباً (محمود باشا، ده التليفون بيزغرط من الفرحة) 

+


ضحك محمود قائلاً (وهايتحزم ويرقص كمان لما يعرف إني عايزك في عملية كبيرة) 

+


هلل الرجل بفرحة قائلاً (والله زمان يا باشا،أحلام معاليك أوامر)

+


أصبغ محمود نبرته بالجدية قائلاً (هاديك عنوان مكان تراقبه24 ساعة،عينيك ماتنزلش من عليه وتصور كل حاجة بتحصل هناك).. ثم ابتسم متابعاً بشرٍ (لحد ما ابلغك بالخطوة الجاية فالوقت المناسب) 

+


***************

+


يقولون أن الحزن إذا حلّ على إنسان ، يسلخ روحه من جسده ويحرقها حرقاً أمام عينيه، وها هي تنام مكلومة القلب منذ أوصلتها رفيقتها إلى غرفتها ودموعها تغرق وسادتها،كيف ستصدق ما سمعته عنه وهو الذي أحاطها بحب لو وزّعه على العالم أجمع سيكفي ويفيض؟ ، كيف ستفارقه وهي التي لم تعرف معنى كلمة أب إلا بالقرب منه؟ ،وكيف ستحيا في دنيا تخلو من دفء نبرته ورائحة عطره، وحنوه البالغ؟ ، تريد أن ينتهي هذا الكابوس وتستيقظ على صوته وهو يناديها بأجمل أساميها ، أو تعانق سترته ويقبض الله روحها وترحل بتعبها المَفرط وتموت بسلام مثلما عاشت بسلام قبل لقائه..
-(قولتلك بلاش يقرب منها ، ماسمعتيش كلامي اهو كسر قلبها ربنا يكسر قلبه) .. قالتها صباح ببكاء موجهة حديثها المملوء بالعتاب واللوم للسيدة وسيلة التي كانت تجلس بجوار مريم والقهر يفتت أحشائها فردت عليها بصوت مهزوز (أنا مش مصدقة إن ريان يعمل كده، ده قاري فاتحتها معايا وكان طاير من الفرحة بيها) .. لم تستطع تمالك نفسها والتظاهر بالثبات أكثر من ذلك وبكت بحرقة على صغيرتها التي ألقت بها في فوهة بركان دون قصد قائلة (معقول كل ده كان كدب؟) .. مسحت دموعها بجانب راحتيها ثم تابعت بتوعد (بس وغلاوة مريم عندي ماهاسيب حقها) 

+


انتفضت مريم التي كانت تصلها أصواتهن من نومتها المتوجعة تصرخ بهيستريا (أنا مش عايزة حقي من حد، لو بتحبيني ياماما ماتعمليش حاجة) 

+


سألتها صباح بتعجب ممزوج بالغضب (يعني إيه؟، انتِ عايزانا نسكت عاللي حصل؟) 

+


أجابتها مريم بتوسل (عشان خاطري يا دادا، اسمعي كلامي) 

+


أمسكت وسيلة بكفها قائلة بإشفاق على منظرها المنهار (يامريم انتِ وراكِ ضهر يقدر يحميكِ....)

+


قاطعتها مريم بشهقات متقطعة (هو برضه كان ضهري وحمايتي ، هاتحموني من حمايتي ازاي؟، ماتقفوش قصاد بعض عشاني وكفاية اللي حصل لحد كده) 

+


تدخلت ريهام وهي تمسح وجنتيها المُبللتين قائلة بألم (والله مايستاهل دموعك الغالية دي) 

+


ردت عليها مريم بنحيب مرير (أنا مش بعيط عليه) ..ثم غطت وجهها براحتيها متابعة ببكاء مقهور (أنا بعيط على نفسي ياريهام، أول مرة في حياتي أحس اني مابشوفش، هو ماغلطش في حقي بالعكس كان بيعاملني أحسن معاملة، الغلطة غلطتي لما صدقته) 

+


كلماتها المطعونة بالغدر جعلتهن ينخرطن في البكاء على بكائها، بينما احتضنتها ريهام ممسدة فوق شعرها وتهدهدها كي تستكين، متسائلة في نفسها.. كيف لإنسان مثل ريان أن يمتلك القدرة على الخداع بهذه الطريقة؟ ، ولماذا مريم؟ ألم يشعر بالذنب تجاهها؟ ، ألم يحمل في قلبه ذرة ضمير تحثه على ألا يؤلمها هكذا؟ وبعد وقت ليس بقليل مضى عليهن بشق الأنفس، استأذنت السيدة وسيلة بالإنصراف لتتابع أعمالها والألم يعتصر صدرها ، حزناً وكمداً على ربيبتها وابنة روحها الغالية ولم تنسَ أثناء مرورها أمام البوابة إبلاغ حارس الأمن أن المهندس ريان زين الدين وكل شخص من طرفه أو له علاقة به ممنوع منعا باتاً من الإقتراب من الدار خطوة واحدة وإذا حاول المقاومة يتصل بالشرطة فوراً.... 

+


******************



+



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close