اخر الروايات

رواية عيون الريان الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم نيللي العطار

رواية عيون الريان الفصل الرابع والعشرين 24 بقلم نيللي العطار



                                              
‏وما السعادةُ في الدُّنيَا إلّا لمَحاتُ البرق؛ تخفِقُ حينًا بعد حِين في ظُلماتِ الشقاء.. فمَن لا يرى تِلك الظُّلمات، لا يَراهَا.

+


___ المنفلوطي ___

+


*************

+


ظلام دامس يلف العالم حولها، وسكون رهيب لا يقطعه إلا صوت خطواتها الراكضة المختلط بلهاث أنفاسها الناهتة، كانت حافية، ممُزقة الثياب، وشعرها الطويل يرفُل خلفها مذعوراً، تهرب من ظل ضخم، قاتم السواد يلاحقها ويريد الإمساك بها.. إنه يقترب بشدة وذراعيه تمتدان لتبتلعها، لكنها أفلتت من قبضته بأعجوبة وابتعدت بكل عزمها عنه لتجد نفسها مُحاطة بالنيران وكأنها سقطت داخل فوهة بركان، توقفت صاغرة كي لا تمسها ألسنة اللهب ولم تجد مخرجاً، فصرخت مِلأ فمها صرخة مدوية استيقظ على أثرها ريان منتفضاً يردد إسمها بقلب يسيجه الرعب .. ظل ساكناً لبضع ثواني يستوعب أين هو حتى أدرك أن ما رآه كابوساً، وضع كفه فوق صدره ينظم تنفسه المتسارع ومال برأسه قليلاً جهة اليسار، وتفل تفلاً هيناً، كأنه يخرج شيئاً مما علق بلسانه ثلاث مرات قائلاً بصوت خافت (أعوذ بالله من الشيطان الرچيم) .. وبسرعة أمسك هاتفه ليتصل عليها ويطمئن بسماع صوتها ويعتذر عن سفره دون إخبارها وجده مازال مُغلقاً ، أغمض عينيه متنهداً بيأس ونهض من الفراش يبحث عن الشاحن داخل حقيبته، وللأسف غفلت والدته عن وضعه مع باقي الأغراض، وأصبح الحل الوحيد والأسرع الآن هو أن يفتح حاسوبه النقّال ويقوم بمحادثة كريم عبر الإنترنت، إحباط شديد ممزوج بالغضب احتل جميع خلايا جسده فكريم أيضاً حساباته مُغلقة ولا يستطيع الوصول إليه، أحس كأنه طائر مقصوص الجناحين، محبوس بين جدران غرفته، وقلة حيلته تجتاح كيانه في لحظات قلقه كالزلزال .. وأخيراً هداه تفكيره ليطلب من إدارة الفندق شاحناً وبالفعل أغاثوه بواحد، زفر بارتياح بعدما أوصله بالهاتف ثم أخذ منشفته ليغتسل من آثار السفر وينتظر لدقائق إضافية حتى يكتمل الشحن ويتمكن من تشغيله .. وبعد وقت ليس بقليل خرج من الحمام يرتدي بنطالاً رياضياً فقط والمياه تتساقط من خصلاته المُبللة فوق صدره العاري ثم أمسك الهاتف مرة أخرى وقام بتشغيله على خاصية التجوال ليتمكن من التواصل مع أهله بالقاهرة وبمجرد فتحه وصلته رسائل كثيرة تعلمه بأن مريم إتصلت به عشرات المرات، وما أثار قلقه أكثر الرسالة الصوتية،الإليكترونية التي تفيد بعدم وجود رقمها بالخدمة عندما هم برد اتصالاتها فاضطر لمحادثة صديقه لعلّ لديه خبراً منها يهدئ روعه ولو قليلاً .. جاءه صوت كريم ناعساً رغم غضبه الواضح منه فقال ريان محاولاً احتواء عصبيته المُبررة بغيابه المفاجئ (أنا رجعت البيت لقيت بابا حاجز التذكرة ومجهز الباسبور، حتى شنطتي كانت جاهزة) 

+


رد عليه كريم من الطرف الآخر بحدة ممزوجة بالعتاب (وانت ماكنتش عارف تطمني عليك بتليفون) 

+


-(الموبيل فصل ومالحقتش اشحنه غير من شوية) 

+


-(وطبعاً ما اتصلتش على مريم؟)

+



                
-(لا وبتصل بيها دلوقتي موبيلها مقفول) 

+


-(حقها والله ده أقل واجب يتعمل معاك) ... سكت ريان لثواني يحاول السيطرة على ارتجافة الخوف التي تتملك منه قائلاً برجاء (عشان خاطري ياكريم روح لها الدار عرفها إني مسافر وهارجع خلال يومين بالكتير، وخليها تفتح التليفون عايز أطمن عليها) ... ابتلع غصة تورمت في حلقه ثم أردف بتوتر (قلبي مقبوض وحلمت بيها حلم وحش) 

+


نظر كريم في المنبه الموضوع فوق الطاولة المجاورة لسريره قائلاً (ماشي بس لما النهار يطلع، الساعة أربعة الفجر) 

+


تسائل ريان بغباء ليس من صفاته (فجر إيه يابني، الساعة واحدة بعد الضهر) 

+


أجابه كريم بسخرية (انت ناسي فرق التوقيت يامتخلف؟) 

+


حك ريان مؤخرة عنقه قائلاً عدم استيعاب (كانوا تسع ساعات تقريباً؟)

+


ضحك كريم قائلاً (صباح الفل عاللي رايح يفضحنا فأمريكا) 

+


شاركه ريان ضحكاته يقول من وسطها (معلش لسه صاحي من النوم ومش مركز) ... توقف عن الضحك متابعاً (المهم هاستناك تطمني على مريم) 

+


استلقى كريم مجدداً قائلاً وهو يتثائب (حاضر والله ماتقلقش) .. وقبل أن يغلق الخط ليعاود للنوم قال بلسان ثقيل أثراً للنعاس الذي يغالبه (خد بالك من نفسك ، وماتتأخرش عندك كتير عشان هتوحشني ياحيوان) .. لم يمهله فرصة للرد وأنهى الإتصال بينما نظر ريان للهاتف مبتسماً لحماقة صديقه التي تنزل على قلبه مثل العسل ، وللحظة تذكر أنه لم يحدث والديه منذ وصوله فقرر الإتصال بأبيه الذي رد عليه فوراً بلهفة قائلاً (إنت فين ياريان من بدري؟) 

+


تعلل ريان بحرج (كنت نايم والموبيل فصل شحن من غير ما اخد بالي) 

+


زفر سعد بارتياح عقب سماع صوت ولده قائلاً (مش مهم، المهم إنك وصلت بالسلامة) 

+


تحدث ريان بخفوت وحزن خفي (بابا) فجاوبه سعد وإحساسه بالذنب يقتله (نعم ياحبيبي)

+


سأله ريان بقلق (انتم كويسين؟) 

+


تنهد سعد بتحسر قائلاً والألم يمزق صدره (احنا وحشين من غيرك، البيت والشركة وكل حاجة مالهاش طعم وانت مش موجود) 

+


تأثر ريان كثيراً من حديث والده الذي لامس قلبه قائلاً (ادعيلي ربنا يهونها عليا وارجع بسرعة بإذن الله) 

+


لهج لسان سعد بدعوة صادقة خرجت من أعماق أعماقه (ربنا يسهل لك الصعب واشوفك دايماً بخير وعلى خير) 

+


-(سلملي على ماما كتير لما تصحى).. قالها ريان قبل أن ينهي المكالمة فأكد له والده أنه سيفعل داعياً له بالعودة سالماً في أقرب وقت، بينما مكث هو بمكانه محدقاً في الفراغ بتيهٍ وشعور عميق بالغربة ينشر شذاه في غفلة من حواسه بين أروقة تفكيره، يكاد يشتَّمُ ريحًا غير طيبة يميزها وسط نوبات قلقه الذي يقصم ظهر صبره وتنهكه اختلاجات روحه الخائفة...

+




                
**************

+


في شريعة العاهرات ينام القبح عارياً في الشوارع الخلفية والأزقة المتوارية عن أعين البشر، وأحيانا يدخل البيوت من أبوابها بفجاجة ، ولايخرج إلا مبلَّلًا بالخطيئة، وبقلبٍ حقده أضناه، وروح سقيمة، حبالها بالية كانت تنام بين أحضانه، مجردة من ملابسها وجميع معاني الإنسانية والشرف، غير عابئة بشئ سوى هواها المريض، بينما كان هو مستلقي بجوارها يلف خصرها بذراعيه، يفكر في حاله معها، هي السر المشين الذي يخفيه خلف جدران منزله ولا يستطيع التخلص منه، يداهمه شعور قوي بالذنب، ورغبة متعجلة في العيش بفطرة سليمة بدلاً من الانغماس في وحل يقضم عمره ويلتهمه دون اكتراث.. تململت چيسي في نومتها ثم فتحت جفنيها بتثاقل وجدته مستيقظ فاقتربت منه تقبل وجنته تسأله بصوت ناعس (صاحي بدري كده ليه؟) 

+


أجابها بغضب يبدو متأصّلًا في ملامحه (أنا مانمتش أصلاً)

+


ابتسمت غامزة له بوقاحة اعتادتها معه (ما اتبسطش ولا ايه؟) 

+


سحب ذراعه من تحت جسدها ونهض من مكانه قائلاً باستهزاء (ماتشغليش دماغك، كفاية انتِ مبسوطة) 

+


رفعت الغطاء لتداري عُريها قائلة بلهجة حادة (مالك ياهيثم عالصبح؟)

+


التقط علبة سجائره ثم أخرج واحدة وأشعلها بقداحته يجيبها بتعابير جامدة (زهقت والوضع ده مابقاش مريحني ولا عاجبني) 

+


نظرت له بجبين متغضن قائلة بسخرية (من إمتى ان شاء الله؟) 

+


نفث دخان سيجارته في الهواء هادراً بها (من ساعة ما اتركنت عالرف ، وبقيتي تقربي مني لمزاجك بس)

+


استقامت لتستند بظهرها على الوسادة تضحك قائلة (على أساس إنك بتقرب مني عشان تصلي بيا الفجر جماعة؟ ، ما احنا كده من زمان ايه الجديد؟) 

+


رمقها هيثم مطولاً ، يرى فيها خطيئته الفادحة، ويشم رائحة عطنة كاللعنة التي تجعله راضياً بوضاعتها كالمسحور قائلاً بحيرة (هو مين الرخيص فينا، أنا ولا انتِ؟)

+


أزاحت الشرشف البائس الذي كانت تستتر تحته ووقفت قبالته غير مُهتمة بجسدها العاري تطوق رقبته قائلة (احنا الاتنين أرخص من بعض ياروحي) 

+


أحاطها بذراعيه ليقربها منه أكثر هامساً خلف أذنها (انتِ مخبية إيه عليا؟) 

+


أحست بالتوتر لكنها أخفته بإتقان قائلة وهي تطبع قبلات متفرقة فوق شفتيه (انا مابخبيش عليك حاجة، بلاش دماغك تلعب بيك) 

+


رفعها قليلاً ثم اتجه بها نحو الفراش مجدداً ليعتليها قائلاً برغبة تحتشد في نظراته الجريئة لمفاتنها (هاصدقك بمزاجي، بس وحياة أمك لو كنتِ بتعملي حاجة من ورا ضهري، لتشوفي مني وش تاني هايبهرك) ... لم يعطها فرصة للرد واقتنص شفتيها طاحناً إياها بعنف كطاحون هائل يطحن في رحاه حبة قمح عاصية على الطحن وكأنه يعاقب نفسه لما يقترفه من خوض لذلك الطريق المؤلم معها فانحشرت اعتراضاتها بحلقها واستسلمت له كاملةً بإرادتها .....

+



        
          

                
************

+


نسجت الشمس خيوطها الذهبية في سماء القاهرة وأخيراً أشرق الصباح ليبدأ فصلاً جديداً في قصة أصبحت على حافة نفق مظلم لا يعلم أحد له نهاية إلا الله، وقبل ذهابه إلى الشركة ليتابع الأعمال التي بدأت في التراكم عليه أثناء غياب ريان، نفذ كريم وعده واتجه أولاً نحو الدار ليقابل مريم ويخبرها بأمر السفر المفاجئ، لكن الحارس استوقفه بعدما استعلم عن هويته ومنعه بشدة من الدخول، وأخبره بحزم أنه ينفذ تعليمات السيدة وسيلة، وإذا لم ينصرف بهدوء سيضطر لتبليغ الشرطة، اندهش كثيراً مما سمعه يسأله بغضب (انت مش عارف أنا مين؟) 

+


رد عليه الرجل بصرامة (عارف يا افندم واتفضل امشي من غير شوشرة لو سمحت) 

+


انفعل كريم من طريقته الفظة قائلا بصوت مرتفع (مش هامشي غير لما أقابل مريم، وريان لما ييجي هايكون له تصرف معاك) 

+


تحدث الرجل بثبات يُحسد عليه في مثل هذا الموقف (بشمهندس ريان نفسه ممنوع من الدخول، وياريت تتفضل بالذوق بدل ما اطلب لحضرتك الشرطة) 

+


سُبة نابية اعتراضية كانت رد كريم عليه مُستكملاً بعصبية (مش ماشي وأعلى مافي خيلك إركبه)

+


وأثناء حالة الشد والجذب الدائرة أمام البوابة خرجت صباح لتفهم سر الشجار والصوت العالي الذي يصدر من الحارس وأحدهم، وبمجرد رؤيتها لكريم أحست بالدماء تغلي في عروقها، فتوجهت ناحيته لتدفعه بعنف كاد يطرحه أرضاً قائلة بأعين مشتعلة (لو رجلك خطت خطوة واحدة جوه الدار هاقطعهالك) 

+


تمالك كريم نفسه سريعاً ينظر إليها مصعوقاً من طريقتها العدائية قائلاً بصدمة (انتِ مش فاكراني يا دادا؟! ، أنا كريم صاحب ريان) 

+


قاطعته صارخة بوجهه (ماتجيبش سيرة الكلب ده قدامي، وعرفه لو مابعدش عن بنتي هاخد روحي بإيدي) 

+


تراجع للخلف قليلاً يسألها بذهول (ليه؟، ريان عمل ايه لكل ده؟) 

+


رفعت سبابتها أمام وجهه تحذره بتهديد صريح (أقسم بالله لو ما مشيت من هنا، وبعدت صاحبك عنها لابلغ عنكم واوديكم في ستين داهية) 

+


لم يتحمل ضغط كلماتها المستفزة فهدر بها (كل ده عشان سافر ومالحقش يقولها؟...) 

+


لم تمهله صباح الفرصة لتكملة حديثه ودفعته مجدداً بقوة أكبر جعلته يترنح في وقفته قائلة بهياج عصبي عارم (كفاية كدب،منكم لله) ..ثم أغلقت البوابة بالمزلاج الحديدي متابعة بنبرة عالية (ربنا يكسر قلوبكم زي ما كسرتوا قلب البت اليتيمة دي) .. أنهت حديثها باكية بحرقة وانصرفت تداري دموعها حتى تطمئن على مريم التي لم تبارح فراشها منذ ما حدث وتركته يقف فاغراً فمه بعدم تصديق ، وقدرته على الفهم والتفكير استحالت صفر ، فالأمر يبدو جاداً وخطيراً ولابد من عودة ريان فوراً ليجد تفسيراً ، وحلاً لتلك المصيبة التي ستقع على رأسه، حاول تدارك نفسه وعدّل من وضعية ثيابه التي تشعثت بفعل هجوم صباح عليه ثم استقل سيارته ليبتعد عن المكان حتى يستطيع الإتصال به 

+



        
          

                
-(ايه يابني اتأخرت عليا كده ليه؟) .. قالها ريان بلهفة شديدة بعدما أضاءت شاشة هاتفه بإسم صديقه والذي رد عليه بتوتر فشل في مداراته (ريان! ، انت لازم ترجع مصر فأقرب وقت) 

+


انتفض ريان واقفاً كالملسوع يسأله بخوف بالغ (مريم جرالها حاجة؟) 

+


ابتلع كريم ريقه الجاف قائلاً بتوجس (منعوني أقابلها وطردوني بطريقة وحشة جداً، والحارس قالي إن دي تعليمات مديرة الدار، ومش بس كده) .. سكت لثواني يستجمع رباطة جأشه حتى يتسنى له إخباره بالجزأ الأصعب ثم تابع بلهجة مضطربة (انت كمان ممنوع من مقابلة مريم ودخول الدار، أو بمعنى أصح انت وأي حد من طرفك) 

+


وفي تلك اللحظة أحس بضلوعه تنكسر ضلعاً ضلعاً وكأن صدره ارتطم بنيزك سقط من السماء قاصداً هلاكه قائلاً بصوت مهزوز (ليه؟!، أنا ماعملتش حاجة والله غير إني سافرت بسرعة ومالحقتش أقولها) 

+


استكمل كريم سرد الأحداث كاملة علّه يصل لأسبابها المنطقية (الموضوع شكله كبير لأن المربية لما شافتني بهدلت الدنيا، وقعدت تشتم وتدعي عليك بكلام مش مفهوم،وبتهدد إنها هاتبلغ البوليس لو قربت من مريم) 

+


لم يستطع ريان السيطرة على أعصابه قائلاً بانفعال حاد (ومريم فين أصلاً؟) 

+


حاول كريم مواساته قائلاً (إهدى ياريان عشان خاطري، انت لوحدك في مكان غريب، ماتقلقنيش عليك) 

+


دلك مؤخرة عنقه من الخلف قائلاً بأوصال مُرتجفة (أنا جاي ياكريم، مش هافضل قاعد هنا متكتف) .. أغلق الخط سريعاً دون الدخول في نقاش أطول لن يُجدي نفعاً ثم شرع في جمع أغراضه القليلة التي لم يستخدمها ، وفي لحظة خانته ساقيه فجلس رغماً عنه فوق الفراش يرتعش وكأن الهواء ينسحب من رئتيه ، الألم الذي يشعر به الآن يجفف الدماء في عروقه، ويعبأ حلقة بغصة أقرب لطعم الموت .. لكنه هب واقفاً وقرار الرجوع أصبح قاطعاً لا شك فيه، وفي غضون دقائق كان يخرج من الفندق ساحباً حقيبته خلفه بعدما قطع الإقامة وطلب تذكرة عودة إلى القاهرة، ولحسن حظه وجد مكاناً شاغراً على متن الطائرة المتجهة لمصر بعد ساعتين فقط ، وفي نفس السيارة التي تولت مهمة توصيله من المطار عاد إليه مجدداً لينهي جميع الإجراءات ويجلس منتظراً موعد المغادرة.... 

+


*************

+


على صعيد آخر /

+


لم تستطع رويدا تجاوز شعورها بالذنب منذ زيارتها للدار ورؤيتها لمريم، تسأل نفسها ما الانتصار الذي حققته عندما ألقت بها بعيداً عن ذويها؟، ولماذا انتقمت من الجميع في طفلة بريئة لا ذنب لها سوى أنها ابنة ليلى؟، وماذا فعلت لها ليلى وفيما آذتها لتحرم ابنتها من أبسط حقوقها في الحياة؟، وبعد وقت ليس بقليل قضته تعدّ خسائرها وانتصاراتها عبر سنوات لم تجني منها إلا الأخطاء والجفاء والخوف ، غطت وجهها بكفيها تبكي بقلب محترق ولسان حالها يصرخ بداخلها ياليتني كفلتُ مريم ولم أجعلها نسيًا منسيًا، ياليتني ما ظلمتها ورددت لها نور عينيها واتخذتها ابنة وربيبة، وياليتني مِت قبل أن تعود لولدي الوحيد خِدنٌ وحبيبة، وأثناء جلستها المحزونة بغرفتها دخل عليها سعد ليقطع خُلوتها وما أن رأى وجهها الغارق بالدموع حتى سألها وهو يجلس جانبها بقلق (مالك يا حبيبتي؟) .. نظرت إليه بمقلتيها الدامعتين ثم انفجرت مجدداً بالبكاء فضم رأسها لصدره طابعاً قبلة عميقة أعلاه قائلاً (اهدي بس وفهميني فيه ايه) 

+



        
          

                
تحدثت بنحيب متقطع كالأطفال (البنت صعبانة عليا ياسعد، وجعت قلبي وشكلها متعلقة بريان اوي) 

+


تعجب سعد من تأثرها بالأمر قائلاً ( مش انتِ صاحبة فكرة إنهم يبعدوا عن بعض؟ ، ندمانة ليه دلوقتي؟) 

+


أجابته وهي مازالت تبكي (ياريتني ماغلطت غلطة زي دي) 

+


تنهد سعد بحسرة قائلاً (ولسه لما ريان يرجع) 

+


تأوهت رويدا بألم يمزق أحشائها قائلة (ياحبيبي يا ابني، يارب خدني عندك وريحني) .. 

+


أحس سعد بغلالة دموع توخز جفنيه ، كلماتها الموجوعة أعادته بالزمن للوراء سنوات طويلة ، تحديداً بعد هجرتها وتركها لريان مُجبرة ، كانت تتلوى من الحزن بنفس الطريقة وينتهي بها الأمر غافية لا تشعر بشئ حتى هزمها القدر وفقدت أمومتها كاملة باستئصال لم يكن رحيم لرحمها، ومن ثَمَّ تحولت شخصيتها إلى النقيض تماماً عما كانت عليه وماتت بداخلها رويدا القديمة ولم يجد أحد جثتها حتى الآن .... وعلى الطرف الموازي وبحال لم يختلف كثيراً ظلت مريم نائمة كوردة ممزقة ، لا تحرك ساكناً ، تهرب بالنوم من منافي روحها المنطفئة ، تناديه في منامها بأعلى وجع داخل قلبها، فلا تسمع إلا صوت الصفعة التي نزلت بها تلك الحقيرة فوق وجنتها وفجأة انتفضت من نومها تشهق بشدة وكأنها تود الصراخ ولا تستطيع ، ففزعت ريهام واقتربت منها لترفع رأسها قليلاً عن الوسادة وتتنفس برفق متسائلة بخوف (مريم!، مالك ياحبيبتي؟) 

+


ردت عليها مريم باكية (وجعني ياريهام ، يتمني وعماني تاني، عالأقل أبويا مات وعينيا راحت وانا صغيرة وماحسيتش بوجعهم ، ليه يتكتب عليا الوجع ده مرتين؟) 

+


مسدت ريهام على شعرها قائلة بمواساة (كفاية عشان خاطري، مايستاهلش تعملي ف نفسك كده عشانه) 

+


تشبثت مريم بثياب رفيقتها تقول بصراخ (يستاهل، أنا ماشوفتش منه غير كل حب وحنية، يستاهلوا أعيط عليهم العمر كله) 

+


حاولت ريهام التخفيف عنها قائلة (أنا عارفة إنه صعب عليكِ، بس لازم تستحملي عشان تقفي على رجلك) 

+


انتحبت مريم بمرارة (إبعدي صوته عني ياريهام ، ريحته وحضنه ونَفَسه اللي مدفيني خليهم يسيبوني وانا هاقف على رجلي تاني) 

+


لم تستطع ريهام تمالك دموعها فبكت لبكائها قائلة (ياريتني اقدر اشيل وجعك عنك، والله ماكنت هاتأخر) 

+


ردت عليها مريم بحزن شديد (بعد الشر عليكِ، ربنا مايكتبها على قلبك ابداً)

+


لا تعلم أن الدعوة لن تُستجاب فالقدر كتب على قلبها وجعاً مماثلاً ، قد يكون أقل حدة لكنه بالأخير وجع والمرء على دين خليله وريهام على دين مريم ، وكريم على دين ريان..... 

+


****************

+


مرّت الساعات ثقيلة، وموحشة كالجاثوم، وذاك الثقب الذي نَبِتَ بصدره يتسع كلما طال انتظاره، وبعد سفر طويل دام لاثني عشر ساعة كان يعد دقائقها دقيقةً دقيقة، أخيراً أعلنت الخطوط الجوية بمطار القاهرة الدولي عن وصول الطائرة القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية بسلامة الله لأرض الوطن ، وبخطوات أقرب إلى الركض أنهى جميع إجراءات الوصول والتفتيش الذاتي ثم غادر يحمل قلبه على كفه، وبالرغمِ من المسافات التي تحول بينه وبينها، إلا أنه يشعر بها بجانبه بكامل حضورِها، يتطاير شَعرُها على وجهه مبتسمة أجمل ابتساماتها، تنتظره لتعاتبه برفق وتسأله عن سر غيابه المفاجئ ، ويجدُر به الاعتذار عن هذا الغياب ، وسيخبرها أنها حاضرة فيه أكثر من حضوره هو، استقبله كريم بعناق كبير، مشتاق لرفيق العمر الذي حمد الله كثيراً على سلامته ثم استقلا السيارة معاً ليتجها نحو الدار .. وبسرعة قياسية وصلا إلى هناك ومالبثا أن توقفا حتى ترجل ريان بملامح مُرهقة وروح استنزفها الخوف

+



        
          

                
-(حضرتك ممنوع من الدخول يابشمهندس) ... هتف بها الحارس عندما اقترب من البوابة ليستوقفه بحزم 
فرد عليه ريان والغضب يغشي مقلتيه (يعني إيه؟، أنا لازم اشوف مريم حالاً) 

+


وقف الحارس أمامه كالسد المنيع قائلاً بهدوء منافي للموقف (دي أوامر أستاذة وسيلة مديرة الدار) 

+


أمسكه ريان من تلابيبه يهدر بأعصاب مهتاجة (الأوامر دي تمشي عليك مش عليا) .. ثم تركه وتوجه ناحية الباب الحديدي المُغلق يركله بعنف شديد هاتفاً بصوت مرتفع (افتحوا البوابة بدل ما اكسرها فوق دماغكم) 

+


حاول الحارس مقاومته بدفعه بعيداً يقول بأقصى درجات ضبط النفس (لو سمحت يا افندم، ماتضطرنيش اطلب لك البوليس ييجي يمشيك) 

+


وقبل أن يهجم عليه ريان ليبرحه ضرباً انفتحت البوابة وخرجت السيدة وسيلة تسأل عن سبب الجلبة لتتفاجئ بوجوده ، رمقته بأعين تشتعل غضباً ثم قالت للحارس بوجه لا يبشر بخير متجاهلة إياه تماماً (الواد ده رجله ماتعتبش جوه الدار يا صالح) .. همّت بالدخول مجدداً لكنه استوقفها يهدر بقوة (فهميني الأول أنا ممنوع من الدخول هنا ليه؟،ومريم فين؟) 

+


لم تشعر وسيلة بنفسها إلا وهي ترفع ذراعها عالياً لتهوي على وجهه بصفعة أودعت بها حرقة قلبها وحزنها وسخطها عليه وصدمتها فيه فارتد للخلف حتى كاد أن يسقط على ظهره .. تحسس وجنته مصعوقاً يسألها بعدم استيعاب (انتِ عملتي ايه؟) 

+


ردت عليه بجمود (عملت اللي مريم مش هاتعرف تعمله) .. سكتت لثواني تتابع صدمته التي أدخلت في قلبها الشكوك حول كونه مظلوم ثم تابعت بصلابة أم تحمي ابنتها (انت ازاي قادر تبقى كداب كده؟ ، معقول بعد عمري ده كله أغلط في قراية الناس، وييجي حتة عيل زيك مالوش تلاتين لازمة يضحك علينا كلنا؟) 

+


تحدث ريان بألم يفتت عظامه ويحول روحه لحفنة رماد (والله العظيم ما عملت حاجة ، انا كنت مسافر في شغل ولما كريم قاللي على اللي حصل، حجزت أول طيارة ورجعت) ..اقترب منها مستطرداً بوجع أكبر بكثير من احتماله (أنا مستعد أطلع قلبي بإيدي حالاً واحطه تحت رجليكِ ، بس أعرف غلطت فإيه عشان تحرميني من مريم) 

+


الصدق الذي أحسته في كلماته جعلها ترغب في عناقه ومواساته لكنها استمرت في اظهار قسوتها حتى لا تتراجع عن موقفها قائلة بثبات ظاهري (مريم مش عايزة تقابلك ولا تعرفك تاني، وكفاية فضايح لحد كده) .. وقبل أن تدخل وتغلق البوابة في وجهه قالت بتحذير ونبرة مُهددة (امشي ياريان، وماتجيش هنا تاني بدل ما اطلب البوليس يمشوك بمعرفتهم) ...

+


اختض جسده عندما وصله صوت انغلاق المزلاج الحديدي وظل واقفاً في مكانه، بنظرات مشتتة وعقل تائه في مفارق الوحدة، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يخرُّ مغشيًا عليه .. فتراجع للخلف بساقين هلاميتين وجلس بضعف شديد على الرصيف المقابل للدار واضعاً كفيه فوق رأسه كمسافر بلا مرافيء ، ولا حقائب، وروحه تنزّ الألم نزّاً فوق أسفلت قلبه الذي فقد جناحيه .. بينما جاوره كريم بحال مثل حاله ومقلتين مغرورقتين بدموع مقهورة وبعد وقت ليس بقليل تحدث بصوت مرتعش (القعدة دي مش هاتجيب نتيجة) 

+



        
          

                
رد عليه ريان بانكسار (استنى شوية يمكن تطلع البلكونة واشوفها) 

+


تنهد كريم قائلاً بقلة حيلة (انت راجع من سفر طويل، ومحتاج ترتاح) 

+


نظر إليه ريان يسأله بتيهٍ (ارتاح ازاي؟ ، هي مريم سابتني بجد ياكريم؟) 

+


ربت كريم على كتفه قائلاً بتأثر (يلا نمشي ياريان، عشان خاطري) .. أطاعه باستسلام مكتفياً بإيماءة واهنة دون حديث ومثلما جاءا رحلا غير منتبهين للسيارة السوداء ذات الزجاج المُعتم ،التي تقف أمام الدار بمسافة محدودة تسمح لمن فيها بتصوير ماحدث بحذافيره .. ابتسم الرجل ابتسامة راضية بعدما أرسل الڤيديو المُسجل لرب عمله قائلاً لزميله الذي يجلس بجانبه (شكل العملية المرة دي لوز العنب ، ومحمود بيه هايدفع كتير) .. أنهى حديثه ضاحكاً ثم انتظر حتى يصله إشعاراً بالتعليمات الجديدة ليُنفذها دون تردد وبطاعة تامة كعادته .. وعلى صعيد آخر كانت السيدة وسيلة تجلس خلف مكتبها تستند بمرفقيها على سطحه الأملس تضم قبضتيها نحو جبهتها، مغمضة عينيها بحزن عميق، فردود أفعال ريان لا تدل أبداً أنه كاذب، والأحداث نفسها مريبة ، بدءً من سفره المفاجئ وعودته منكباً على وجهه من أجل رؤية مريم، فلو كان هارباً لما أتى ليواجه، وكل هذه التصرفات لا تصدر إلا من إنسان مخدوع ليس مخادع، وأصبحت شبه متأكدة بأن هناك مؤامرة تُحاك ضد علاقته بمريم لكنها آثرت الصمت حتى لا تعلقهما بأمل قد يؤذيهما أكثر، فالفراق أنسب حل والأيام كفيلة بالنسيان.. وأثناء جلستها المُتعبة دخلت عليها صباح لكنها توجست من هيئتها فسألتها بحيرة (مالك يا أستاذة؟) 

+


نظرت وسيلة إليها قائلة بروح ممزقة (زعلانة عاللي بيحصل، ريان قطع قلبي، الولد منهار ومنظره يقهر) 

+


تعجبت صباح من حديثها قائلة (هو صعبان عليكِ ازاي بعد عملته السودة؟) 

+


زفرت وسيلة وكأنها تزيح عن صدرها حِملاً ثقيلاً قائلة (إحساسي بيقولي إنه مظلوم، وفيه حاجة غلط بتحصل ورا الموضوع ده) 

+


ترجتها صباح بخوف (الله يخليكِ ياأستاذة ماتقوليش الكلام ده لمريم، البنت مش ناقصة وجع) 

+


أرجعت وسيلة ظهرها للوراء قائلة باقتناع (ماتخافيش ياصباح، حتى لو شكوكي صح ، أنا مستحيل أقربهم من بعض تاني، لأن وجوده في حياتها خطر عليها) 

+


وضعت صباح كفها فوق صدرها داعية بقلق (يارب سلِّم وعديها على خير) 

+


****************

+


كيف لإنسان أن يحيا بدون قلبه؟ ، ألم تقل له ذات يوم (ياقلب مريم)؟ ، هل كانت تدّعي حبه وكل ما عاشه معها في رحابة عشقها أوهام كاذبة؟ ، كلّا مريم لا تكذب، ولا تغدر .. مريم بَرَاء من تلك الإفتراءات .. مريم وجهه الحُلو الذي يرتديه ، وعمره الرائق ، وفرحه الوافر ...هكذا كان يضج عقله بالتفكير حتى كاد يُقتلع من رأسه صارخا ، كنا معًا نضحك، ونغني، ونكتب قصتنا فوق رمال البحر ، ونخطط بيتنا الصغير لنحرسه أباً وأماً ونزينه بالأطفال، ولم يحدث شئ ينذر بالفراق ، ولم يجل في خاطر أحد منا أننا سنذرف الحزن دموعاً ، وسنصلى القهر جمراً يكوينا بلا ذنب ، فمن خلط أحلامنا وبعثرنا هكذا؟.. أفاق من شروده على توقف كريم بالسيارة أمام الڤيلا فترجل بصمت تاركاً حقيبته وأغراضه ، ولج إلى الداخل خافق الأحشاء، موهون القوى، خطواته مكسورة ، ومقلتيه غائمتين وملامحه شاحبة حد الموت، وعندما رآه سعد الذي كان يجلس في الحديقة انتفض من مكانه ، يحاول استيعاب متى وكيف عاد من السفر ثم عانقه بشوق شديد فأنبأته ضربات قلبه المتسارعة أنه علم بما حدث .. ظل مُتسمرا، جامداً بين أحضان أبيه لثواني ، حتى أحس بالاختناق فابتعد عنه برفق قائلاً بخفوت ونبرة واهنة (أنا تعبان يا بابا، ومش قادر اتكلم) 

+


تأمله سعد بندم شديد قائلاً (اطلع ارتاح فأوضتك دلوقتي ، ولما تروق نتكلم) .. ربت على وجنته بحنو بالغ قائلاً بابتسامة خفيفة (أمك هتفرح أوي إنك رجعت) .. جاهد أن يبادله ابتسامته لكن شفتيه لم تقوى على الابتسام ورد بإيماءة يغالبها التعب وكأن رأسه ستسقط من فوق كتفيه، منسحباً نحو غرفته بسكون مرعب.. وأثناء صعوده الدرج أحس بنفاذ قدرته على التحمل ، فجلس مكانه يغطي وجهه براحتيه منخرطاً لا إرادياً ببكاء مرير ، وأثناء خروجها من الردهة المقابلة له انتبهت نجاة لوجوده ، ركضت نحوه مفزوعة لمنظره المنهار وجلست بجواره تحتضنه قائلة بخوف ممزوج بالدهشة (اسم الله عليك ياعين أمك، انت رجعت إمتى؟) 

+


رد عليها ريان باكياً بمرارة (قلبي بيوجعني أوي يانجاة، حاسس إني بموت) 

+


مسدت نجاة على شعره قائلة بلهفة (بعد الشر عليك ياضنايا، ان شالله أنا بدالك) 

+


استطرد من وسط شهقاته المتقطعة كطفل مُعاقب بالحرمان من أحب الأشياء إليه (والله ماعملت حاجة عشان تسيبني ، ده انا كنت شايلها في عينيا) 

+


لم تتمالك نجاة دموعها فبكت على بكائه تواسيه قائلة (اهدى ياحبيبي، ماتعملش في روحك كده)

+


تشبث بأحضانها أكثر يخرج ما في جوفه من ألم على صدرها الحنون كما كان يفعل وهو صغير أثناء سفر أمه وغيابها عنه ، ولم ينتبه لوقفتها على أول الدرج تبكي لما يعانيه بسببها، وتلعن نفسها المحرومة منه ، حتى في لحظات حزنه يتم استبدالها بالمربية لتواسيه، فاتجهت مسرعة إلى غرفتها تكتم أنينها بقبضتها وأمومتها تنزف قهراً ... وبينما الجميع في حالٍ لا يُرثى لها كان محمود يتكأ على مقعده واضعاً ساق فوق الأخرى بعنجهية وتسلط، وابتسامة شيطانية خبيثة تعتلي ملامحه، يشاهد مقاطع الڤيديو التي أرسلها رجله المُرابط أمام الدار بسيارته ، وعندما أنهى مشاهدتها أكثر من مرة قام بالإتصال بخادمه اللعين ، أملى عليه تعليماته ووضع له خطة كاملة وشدّد عليه بالتنفيذ بتريث وفي الوقت المناسب 

+


-(الفجر تكون كل حاجة خلصانة، وانا هاحولك فلوسك انت والرجالة بعد ما اسمع الأخبار بكرة) 

+


*********************

+



        
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close