رواية وجه في القلب الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم جويرية احمد
الحلقة الثالثة والعشرون
تدقيق املائى ولغوى الكاتبة و الاديبة فاير فلاى
تضع هدى رأسها على المخدة وتبتسم وتتذكر أجمل ليلة في عمرها, فرحة اللقاء والسلام والكلام, النظرة الحانية في عينيه وكلمات الإطراء رأت كلماته في عينية ولم تنطقها شفتيه, كاد يقول "أحبك" كادت تسمع قلبه يهتف باسمها, ولكن ذهب آخذاً معه روحها, ماذا لو باح بما في صدره من أشواق, تنام على صورته ليزورها في الأحلام يقترب في هدوء تعلو وجهه ابتسامته الساحرة, وترسل عيونه رسائل الغرام, يمسك بيدها ويطبع عليها قبلة رقيقة فتتحرك معه بخفة وترقص على أنغام الطيور التي تغردبأجمل الألحان, تسمع دقات قلبه تحكى لها قصة حبه, يتوقف عن الحركة ويشير إلى قصر كبير جميل, تنظر إليه فتملأها الفرحة ولكن يختفي فجأة, ويعود ليشير إلى قصر آخر أجمل بعيد, وفجأة تجد نفسها وحيدة في صحراء جرداء تنادى بلا مجيب بأعلى صوتها, تصحو من نومها فزعة تنادى يوسف.
فتح باب شقته وهو منهك من المشي, مرت أكثر من أربع ساعات يمشى فيها بلا هدف, يدخل الشقة ويضئ نور الصالة , صغيرة ومرتبة ليس بها إلا طاولة مستديرة صغيرة عليها مفرش جميل وبعض الورد ومكتب يضع عليه الكمبيوتر وبجواره أوراق وبعض الكتب, والحائط مثبت عليها رفوف تحمل الكثير والكثير من الكتب والمراجع يتحرك بهدوء ليدخل الحجرة الوحيدة بها سرير صغير مرتب وأنيق ودولاب ذو ضلفتين وعليه مرآة وحامل للرسم عليه صورة فتاة جميلة ترتدي جيب بني غامق وجاكت مربعات بدرجات البني, شعرها ناعم وطويل ترفعه وتترك بعض الخصلات تتهدل بانسيابية ونعومة على عنقها العاجي, وجها جميل ولها ابتسامة رقيقة رائعة وعينان ساحرتان إنها هي هدى, ينظر إلى الصورة ويطلق تنهيدة طويلة ويرتمي بجسده على السرير ويضع رأسه بين كفيه ويمرر أصابعه في شعره بقوة فرأسه يكاد ينفجر من التفكير يرفع رأسه قليلا فيرى الصورة الفوتوغرافية القديمة التي يضعها على طاولة صغيرة بجوار السرير, رجل يبتسم في وقار يحتضن زوجته التي يعلو وجهها ابتسامة الرضا وأمامهم ثلاثة أبناء فتاة وولدان, صورته مع عائلته ينظر إلي الصورة ويتذكر كيف كانت سعادته وهو طفل يتمتع بحب والديه وتدليلهم فهو الابن الأصغر في الأسرة’ يصغر أخته سهام بسبع سنوات وأخوه وجدي بعشر سنوات, والده الأستاذ جلال مدرس اللغة العربية رجل طيب وكريم يحبه الجميع متسامح ومتعاون ربى أبناءه على القيم الحميدة وغرس في نفوسهم الرضا والصدق والأمانة والاحترام, ووالدته الأستاذة هناء مدرسة التاريخ أستاذة فاضلة وأم حنونة وأمهر طاهية تعد الوجبات الجميلة لتتناولها العائلة في جو من المرح والتفاهم, تمر الذكريات أمام عينيه في البيت وعلى الشاطئ في المدرسة وفى الحدائق, في رمضان والعيد, تنزل دمعة من عين يوسف فهو لم يعد يحتمل ذهاب الأحبة وجرح الذكريات الدامي, يحرك عينيه بعيداً عن صورة العائلة التي تدمى قلبه لتقع عينيه على أجمل وجه رآه, وجه هدى الملائكي تنظر في خجل, تنتظر منه كلمة لتطير في السماء وتحلق مع النجمات ولكنه صامت لا يتكلم ويرق لحالها ويقول لها ما في قلبه, ينظر لنفسه في المرأة المثبتة على الدولاب ويتحدث لنفسه بصوت عالي: "ساكت, أيوة ساكت"
صورة يوسف في المرآة : "إيه ؟ أخرج من صمتك واتكلم"
يوسف: "أتكلم, أقول إيه؟"
صورة يوسف في المرآة : "أنت عارف مشاعرها تجاهك؟"
يوسف (بأسى ) : "عارف وشايف وحاسس"
صورة يوسف في المرآة : "أما أنت عارف, مش بتتكلم ليه؟ ولا أنت مش بتحبها؟"
يوسف : "هحكي لك وأنت احكم, أول ما شفتها شدتني برقتها وجمالها, قمر هايم سرحان في دنيا تانية بترسم في المحاضرة وحسيت بإحساس مختلف ناحيتها حسيت إنها جزء منى أعرفها من سنين بس مش عارف شفتها فين؟ جرحتني دموعها وشدتني الصورة اللي رسمتها واستغربت إنها صورتي وحسيت بالذنب وإني السبب في دموعها وتمنيت إنى أفضل قريب منها وأزيل همومها, ومن ساعتها وقلبي وعقلي وروحي معاها, ملت حياتي الفاضية, أصبحت بتجري جوا دمى وساكنة في قلبي, بسمتها دوايا وصوتها هوايا وسعادتها منايا, بستني يوم الإتنين بفارغ الصبر علشان أشوفها وأسمع صوتها, بسمتها وطيبتها وذكائها وخجلها"
صورة يوسف في المرآة : "حيلك حيلك كل ده ومش بتتكلم ليه؟"
يوسف : "أحب أقدم لك نفسى, إحم إحم, بسخرية دكتور يوسف جلال نائب في الجامعة لا أملك من حطام الدنيا إلا مرتبي 700 جنية بعد المكافأة والعلاوة والإعانة, ساكن في أوضة مفروشة بدفع إيجار ومية ونور و أكل ولبس والشياكة طبعا شرط أساسى مش دكتور, وخد عندك الكتب والمراجع ومصاريف الماجستير وباشتغل في المستشفى 24 ساعة وقدامى خمس سنين على الأقل علشان أخد الدكتوراة وأبتدي أكون نفسي,
كان زمان بيقولوا الدكتور عنده خمسة عين .عمارة وعيادة وعزبة وعربية وعروسة, وأنا عندي من الخمسة اتنين, ويضحك العين بصيرة والإيد قصيرة
صورة يوسف في المرآة: "كفاية ما تعذبش نفسك أكتر من كده,هدى بتحبك وهى مش مادية وأنت عارف"
يوسف : "يعنى أروح أخطبها من الدكتور شاكر, تفتكر أقوله إيه ؟ يا عمى أنا طالب إيد بنتك’ بس عايز أخطبها عشر سنين أكون كونت نفسي, ولا أقوله أتجوزها وأسكنها في قلبي وأكلها حب وحنية عش العصفورة يقضينا وقلة وحصيرة تكفينا, ولا تحب أقوله أتجوزها واصرف علينا يا عمى’ تفتكر ساعتها هيعمل إيه؟"
صورة يوسف في المرآة : "ممكن يرميك من الشباك, بس كده أنت بتعذب هدى بسكوتك؟"
يوسف : "أنا غلطت أكبر غلطة لما قربت منها, هى فين وأنا فين؟ يعنى أتجوزها علشان أبهدلها معايا, أنت ما شفتش رقتها وجمالها دي لازم تعيش في قصر ورد وتكون أحلامها أوامر .
صورة يوسف في المرآة : "وهتفضل ساكت لحد أمتي؟ لما تضيع من إيدك ويتجوزها الشاب اللى كان هيكلها بعنيه ؟"
يوسف "بغيظ ويضرب بقبضة يد على السرير" : "متفكرنيش الدم بيغلي في عروقي لما بفتكره ونظرته وابتسامته ليها . شكله غنى من رجال الأعمال طول بعرض بفلوس ونفوذ .ويصمت ويفكر قليل ويتكلم بأسى ورأس منخفض, عارف لو أتجوزها ممكن يسعدها ويخليها ملكة وهى فعلا ملكة
صورة يوسف في المرآة : "يعنى هتفضل ساكت؟"
يوسف : لأ, أنا هبعد وأختفى من حياتها, علشان تعرف تعيش حياتها, هي تستحق كتير وأنا لا أملك إلا قلب بيحبها أكتر من أي حاجة في الدنيا
******************
