رواية غريبة في عالمك الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم رحاب حلمي
23= ج 1=الحلقة الثالثة والعشرون
*لم أعد طفلة!*
ماهر بصوت حاد: يعني اللي سمعتيه كويس يا علياء, انا مش هشترك معاكم في اللعبة دي.
فقالت علياء ساخرة وقد كانت تجلس على الاريكة بكل استرخاء: ودة من امتى بقا يا سي ماهر؟ مانت كنت أول واحد نفسك تزيح يوسف جلال دة من ادامك عشان يحلالك الجو مع حبيبة القلب.
ماهر: اولا مريم لا هي حبيبة القلب ولا حاجة, وثانيا بقا انا فعلا كان نفسي اخلص من يوسف جلال بأي طريقة, لكن دلوقت لا.
علياء: وممكن اعرف بقا ايه اللي جد خلاك تغير رأيك بالسرعة دي؟
فقال ماهر بنبرة صادقة: لاني لحد امبارح بس ما كنتش اعرفه على حقيقته, بس لما قربت منه اكتر واتعاملت معاه وجها لوجه عرفت هو اد ايه انسان يستحق كل تقدير واعجاب وما يستاهلش اننا نأذيه.
علياء بلهجة غاضبة: يعني دة اخر كلام عندك يا ماهر؟
ماهر: ايوة يا علياء دة اخر كلام عندي. مش بس كدة, دة انا كمان لو عرفت انكم نفذتوا اي حاجة من اللي بتفكروا فيها ساعتها بقا ههد المعبد ع اللي فيه وهعترف بكل حاجة.
اثارت جملته الاخيرة حنق علياء التي نهضت لتقف بجانبه وتضع يدها على كتفه وتقول له بصوت يشبه الفحيح: وماله يا بابا, بس احب اقولك ان اللي ممكن يشيل الليلة دي كلها في الاول وفي الاخر هو حضرتك يعني أول طوبة هتقع من المعبد اللي ناوي تهده هتنزل على راسك انت. فاعقل كدة بقا يا امور, وخلينا ماشيين زي ماحنا.
ساد الصمت الثقيل بعد ذلك التهديد الصريح من علياء, اما ماهر فقد أصبحت ملامحه واجمة وفي حيرة من أمره بين أن يحافظ على نفسه من السجن وربما القتل وبين ان يشارك في أذية يوسف جلال ذلك الرجل الذي أصبح مدينا له بالكثير.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
بعد أن وضعت حياة كوبا من النسكافيه كان قد طلبه منها وليد منذ قليل أمامه على المكتب وسمعته يوجه اليها كلمة شكر مقتطبة, ولكنها وقفت مرتبكة تنظر اليه في حيرة من امرها لا تدري اترحل أم تفاتحه في ذلك الموضوع الان ؟ ولكن عندما لاحظت انه مشغول كثيرا بتدوين بعض الملاحظات الخاصة بمشروعه حتى بدا انه لم يلاحظ بقائها معه في غرفة المكتب قررت أخيرا ان الوقت غير مناسب , لذا همت بالمغادرة إلا ان صوته أوقفها: حياة!
تجمدت حياة في مكانها ونظرت اليه لتقول بلهفة: خير يا وليد؟ عايز حاجة؟
وليد وقد رفع عينيه اليها بتساؤل: انتي اللي عايزة حاجة؟ اديلك خمس دقايق واقفة مكانك زي ما تكوني عاوزة تقولي حاجة بس مترددة.
حياة وقد شعرت بحرج شديد: انا اسفة, شكلي عطلتك, انا همشي بقا واسيبك تكمل شغلك.
استوقفها صوته مرة أخرح قبل ان تندفع خارج الحجرة: لسة ما قولتليش كنتي عاوزة ايه؟
حياة وقد زاد توترها: لا خلاص بقا, الموضوع مش مستاهل.
وقف وليد وتقدم نحوها وهو يقول بصوت حاسم: انا اللي اقدر اقرر اذا كان الموضوع يستاهل ولا لا.
وقد اصبح قريبا منها لدرجة جعلتها تشعر بأنها اصبحت محاصرة تماما وأسيرة لنظراته الملاحقة فقالت بصوت مرتعش: انا كنت عاوزة اقولك ان البروفات بتاع المسرحية تقريبا خلصت والمفروض ان العرض هيكون اول يوم في الدراسة, وكل واحدة فينا معاها خمس تذاكر عشان تقدر تعزم قرايبها, وكنت بفكر لو انك يعني....قصدي لو كنت فاضي.....
ولكنها لم تجد الشجاعة الكافية لتكمل جملتها او بالاحرى دعوتها, فأكمل هو بالنيابة عنها: اني احضر العرض.
فأسرعت حياة تقول: بس مفيش مشكلة, لو كنت مشغول عادي يعني, مش لازم تحضر.
فقطع وليد السنتيمترات القليلة التي كانت تفصل بينهما, ولأول مرة منذ فترة طويلة ترى ذلك الدفء في عينيه وهو يلمس شعرها ويلف خصلة صغيرة منه على أصابعه وهو يقول بصوت حنون ومزاح رقيق يخلو من أي سخرية جعلها تتجمد في مكانها من شدة اندهاشها: وعاوزاني افوت على نفسي فرصة زي دي وانا بشوف مراتي نجمة اد الدنيا؟
لم تعلم ان كان ذلك يحدث في الحقيقة ام انه عقلها هو الذي يخيل لها ذلك؟ ولكن سواء اكان هذا ام ذاك فلم تكن تبالي بالأمر كثيرا فكل ما كان يهمها ان تستمتع بتلك اللحظات من السلام والمشاعر الصافية التي لم تحسها منذ زواجهما, ولكن بدا ان القدر يعاندها كثيرا ويأبى ان تستمر تلك السعادة لفترة أطول من ذلك فقاطعهما رنين هاتف المكتب, وقد لمحت في عينيه نظرات حانقة فو سماعه صوت رنين الهاتف.
وتوجه الى مكتبه ورفع سماعة الهاتف, وسمعته يتحدث الى أحد العاملين معه وقد كان صوته غاضبا, وبدت لها ان المكالمة ستطول, لذا قررت ان تتركه يكمل عمله وغادرت المكتب وأغلقت الباب خلفها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أمام طاولة الطعام, اجتمعت العائلة المكونة من الاب والام والابن وزوجته يتناولون طعام الافطار, فسأل عماد وهو يرفع فنجان القهوة الى شفتيه: ما قولتليش يا بابا انت تعرف يوسف جلال صاحب شركة المعمار للمقاولات؟
فقال شاكر وهو يفرد قطعة من الجبنة على رغيف من الخبز المحمص: ومين من رجال الاعمال ما يعرفش الباشمهندس يوسف؟
عماد: لا انا قصدي تعرفه معرفة شخصية؟
شاكر نافيا: للأسف لا, صحيح انا يمكن اكون شفته مرة او اتنين في حفلات عامة بس مش اكتر من كدة. لكن انت بتسأل ليه؟
عماد: اصلي كنت عاوز شركته هي اللي تتولى المشروع السكني دة اللي ناويين نعمله.
فقال شاكر مؤيدا وهو يقول بلهجة مليئة بالاطراء: يا ريت والله, لان سمعة شركته وسمعته هو شخصيا في المجال دة هتبقا مكسب كبير لينا.
عماد: يبقا خلاص انا هتصل بيه في مكتبه النهاردة وهحاول اخد معاه ميعاد عشان اقابله في اقرب وقت واتفق معاه.
شاكر: مفيش مانع.
فقالت نهال بصوت حانق: يوووووووه, هو كل يوم شغل شغل؟ هو أنا بقا جيت مصر ولا ايه عشان اتحبس بالشكل دة؟
فحاول عماد ان يطيب خاطرها وهو يحتضن أصابع يدها بكفه: معلش بقا يا حبيبتي مانتي شايفة بنفسك, وكمان مانتي تقدري تخرجي وتتفسحي, يعني عندك النوادي والمحلات, وممكن تنزلي تعملي shopping وتضيعي فيه وقتك.
نهال محتجة: بس بردو هبقا لوحدي.
فرفع عماد اصابعها نحو شفتيه وقبلها بكل رقة, وقال لها محاولا القضاء على القلة الباقية من اعتراضاتها: خلاص يا حبيبتي كلها اسبوع او اتنين بالكتير اظبط فيهم شغلي وبعدين هبقا فاضيلك ع الاخر وساعتها بقا يبقا نخرج ونتفسح زي ما تحبي.
نهال باستياء: لما نشوف.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان يوسف يقف امام المرآة يعدل من رباطة عنقه مستعدا للخروج في حين استيقظت مريم من نومها, وقالت له وهي تتثاءب: صباح الخير.
اجابها يوسف دون ان ينظر اليها: صباح النور.
مريم وهي تغادر السرير: انت ماشي دلوقت؟
يوسف بابتسامة مازحا: الساعة عشرة يا مريم, صحيح انا صاحب الشركة لكن ما ينفعش اتأخر أكتر من كدة.
مريم: طيب هترجع امتى؟
نظر اليها متشككا وسألها: ليه؟ كنتي عاوزة حاجة؟
مريم وهي تفرك يديها بتوتر شديد وهي تحاول ان تختار كلماتها بعناية فائقة وهي تقول: بصراحة بقا, اه كنت عاوزة, شوف يا يوسف انت طلبت مني اني ما اروحش الجامعة تاني عشان المسرحية, وانا نزلت عند رغبتك وكملت باقي الشغل المطلوب مني في البيت هنا وكنت ببعته مع السواق. بس سلمى جاتلي امبارح وقالتلي انهم خلصوا بروفات و العرض هيكون اول يوم دراسة يعني بكرة وكمان عطيتني خمس تذاكر عشان اديهم لقرايبي, لكن كان عندها طلب صغير كانت عاوزاني اروح النهاردة عشان اتمم ع الديكور قبل العرض صحيح انا كنت بتابعهم بالتليفون بس بردو لازم اكون موجودة واشوف كل حاجة بنفسي.
انهت كلامها لتنظر اليه منتظرة رده, وعندما طال الصمت, قالت له برجاء: يوسف عشان خاطري.
مقابل رجاءها ذلك ونظرات التوسل تلك التي يراها في عينيها كان مستعدا ان يوافق على أي شيء تطلبه منه, ولكنه لم يرد ان يظهر لها شعوره ذلك فقال لها بصوت جامد: اوك يا مريم, تقدري تروحي النهاردة بس ما تأخريش.
مريم بسعادة ولهفة وهي تطمع فيما اكثر من ذلك: وبكرة؟ اصل مش معقول يعني بعد كل التعب دة مش هحضر يوم العرض.
ظنت في البداية انه سيرفض الى ان قال والابتسامة تداعب شفتيه: انتي مش قولتي انك معاكي خمس تذاكر.
فأومأت مريم برأسها ان نعم, فقال لها والابتسامة تزداد على شفتيه: خلاص يبقا احجزيلي منهم واحدة.
فسألته مريم وهي لا تصدق اذنيها: احجزلك واحدة؟ يعني ايه؟ قصدك يعني انك عاوز...........
فهز رأسه موافقا: هو فيه مانع لو حضرت العرض معاكي؟
مريم وهي تسارع بالنفي و علامات الفرحة تظهر بوضوح على وجهها: أكيد لا طبعا مفيش مانع خالص, بالعكس.
والتقط يوسف كلمتها الاخيرة لينصب لها فخا: بالعكس ايه؟
بحثت مريم عن الكلمات المناسبة لتخرج من هذا المأزق بسلام: قصدي يعني بالعكس ان انا ما كنتش لاقيه حد اديله التذاكر اللي معايا, يعني ما كنش فيه غير عمتو وجدو زي مانت شايف مش هيقدر ييجي عشان كدة كنت عاوزة استأذنك في حاجة.
تظاهر يوسف بالاقتناع بمبرراتها الواهية وسألها: حاجة ايه؟
مريم: كنت عاوزة اعزم هدى, اصل زي مانت شايف على طول قاعدة لوحدها كأنها حاسة بالغربة وكمان دي هتبقا فرصة كويسة كأول يوم ليها في الجامعة عشان تتعرف على زمايلها.
يوسف موافقا: عندك حق.
وساد الصمت من جديد ومريم لاتزال تشعر بالتردد وقد لاحظ يوسف ذلك فسألها متشككا: مش دة هو فعلا اللي كنتي عاوزاه. فيه ايه يا مريم؟
مريم: بصراحة بقا انا كنت عاوزة اعزم ماهر ابن عمتو وردة كمان, اصله زي مانت شايف من يوم ما جه عشان يطمن على مامته وهو مش بيحاول ييجي تاني كأنه مكسوف يعني واهي هتبقا فرصة بردو يطمن عليها وهي كمان قلقانة اوي عليه ونفسها تشوفه.
كانت دائما تبهره بمراعاتها لشعور غيرها وحرصها الشديد على اسعاد كل من حولها رغم حداثة سنها, فوافق على الفور طامعا في الحصول على تلك الابتسامة الساحرة التي دائما ما توجهها اليه كلما وافقا على أمر ما, وهي ايضا لم تبخل عليه بها.
*لم أعد طفلة!*
ماهر بصوت حاد: يعني اللي سمعتيه كويس يا علياء, انا مش هشترك معاكم في اللعبة دي.
فقالت علياء ساخرة وقد كانت تجلس على الاريكة بكل استرخاء: ودة من امتى بقا يا سي ماهر؟ مانت كنت أول واحد نفسك تزيح يوسف جلال دة من ادامك عشان يحلالك الجو مع حبيبة القلب.
ماهر: اولا مريم لا هي حبيبة القلب ولا حاجة, وثانيا بقا انا فعلا كان نفسي اخلص من يوسف جلال بأي طريقة, لكن دلوقت لا.
علياء: وممكن اعرف بقا ايه اللي جد خلاك تغير رأيك بالسرعة دي؟
فقال ماهر بنبرة صادقة: لاني لحد امبارح بس ما كنتش اعرفه على حقيقته, بس لما قربت منه اكتر واتعاملت معاه وجها لوجه عرفت هو اد ايه انسان يستحق كل تقدير واعجاب وما يستاهلش اننا نأذيه.
علياء بلهجة غاضبة: يعني دة اخر كلام عندك يا ماهر؟
ماهر: ايوة يا علياء دة اخر كلام عندي. مش بس كدة, دة انا كمان لو عرفت انكم نفذتوا اي حاجة من اللي بتفكروا فيها ساعتها بقا ههد المعبد ع اللي فيه وهعترف بكل حاجة.
اثارت جملته الاخيرة حنق علياء التي نهضت لتقف بجانبه وتضع يدها على كتفه وتقول له بصوت يشبه الفحيح: وماله يا بابا, بس احب اقولك ان اللي ممكن يشيل الليلة دي كلها في الاول وفي الاخر هو حضرتك يعني أول طوبة هتقع من المعبد اللي ناوي تهده هتنزل على راسك انت. فاعقل كدة بقا يا امور, وخلينا ماشيين زي ماحنا.
ساد الصمت الثقيل بعد ذلك التهديد الصريح من علياء, اما ماهر فقد أصبحت ملامحه واجمة وفي حيرة من أمره بين أن يحافظ على نفسه من السجن وربما القتل وبين ان يشارك في أذية يوسف جلال ذلك الرجل الذي أصبح مدينا له بالكثير.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
بعد أن وضعت حياة كوبا من النسكافيه كان قد طلبه منها وليد منذ قليل أمامه على المكتب وسمعته يوجه اليها كلمة شكر مقتطبة, ولكنها وقفت مرتبكة تنظر اليه في حيرة من امرها لا تدري اترحل أم تفاتحه في ذلك الموضوع الان ؟ ولكن عندما لاحظت انه مشغول كثيرا بتدوين بعض الملاحظات الخاصة بمشروعه حتى بدا انه لم يلاحظ بقائها معه في غرفة المكتب قررت أخيرا ان الوقت غير مناسب , لذا همت بالمغادرة إلا ان صوته أوقفها: حياة!
تجمدت حياة في مكانها ونظرت اليه لتقول بلهفة: خير يا وليد؟ عايز حاجة؟
وليد وقد رفع عينيه اليها بتساؤل: انتي اللي عايزة حاجة؟ اديلك خمس دقايق واقفة مكانك زي ما تكوني عاوزة تقولي حاجة بس مترددة.
حياة وقد شعرت بحرج شديد: انا اسفة, شكلي عطلتك, انا همشي بقا واسيبك تكمل شغلك.
استوقفها صوته مرة أخرح قبل ان تندفع خارج الحجرة: لسة ما قولتليش كنتي عاوزة ايه؟
حياة وقد زاد توترها: لا خلاص بقا, الموضوع مش مستاهل.
وقف وليد وتقدم نحوها وهو يقول بصوت حاسم: انا اللي اقدر اقرر اذا كان الموضوع يستاهل ولا لا.
وقد اصبح قريبا منها لدرجة جعلتها تشعر بأنها اصبحت محاصرة تماما وأسيرة لنظراته الملاحقة فقالت بصوت مرتعش: انا كنت عاوزة اقولك ان البروفات بتاع المسرحية تقريبا خلصت والمفروض ان العرض هيكون اول يوم في الدراسة, وكل واحدة فينا معاها خمس تذاكر عشان تقدر تعزم قرايبها, وكنت بفكر لو انك يعني....قصدي لو كنت فاضي.....
ولكنها لم تجد الشجاعة الكافية لتكمل جملتها او بالاحرى دعوتها, فأكمل هو بالنيابة عنها: اني احضر العرض.
فأسرعت حياة تقول: بس مفيش مشكلة, لو كنت مشغول عادي يعني, مش لازم تحضر.
فقطع وليد السنتيمترات القليلة التي كانت تفصل بينهما, ولأول مرة منذ فترة طويلة ترى ذلك الدفء في عينيه وهو يلمس شعرها ويلف خصلة صغيرة منه على أصابعه وهو يقول بصوت حنون ومزاح رقيق يخلو من أي سخرية جعلها تتجمد في مكانها من شدة اندهاشها: وعاوزاني افوت على نفسي فرصة زي دي وانا بشوف مراتي نجمة اد الدنيا؟
لم تعلم ان كان ذلك يحدث في الحقيقة ام انه عقلها هو الذي يخيل لها ذلك؟ ولكن سواء اكان هذا ام ذاك فلم تكن تبالي بالأمر كثيرا فكل ما كان يهمها ان تستمتع بتلك اللحظات من السلام والمشاعر الصافية التي لم تحسها منذ زواجهما, ولكن بدا ان القدر يعاندها كثيرا ويأبى ان تستمر تلك السعادة لفترة أطول من ذلك فقاطعهما رنين هاتف المكتب, وقد لمحت في عينيه نظرات حانقة فو سماعه صوت رنين الهاتف.
وتوجه الى مكتبه ورفع سماعة الهاتف, وسمعته يتحدث الى أحد العاملين معه وقد كان صوته غاضبا, وبدت لها ان المكالمة ستطول, لذا قررت ان تتركه يكمل عمله وغادرت المكتب وأغلقت الباب خلفها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أمام طاولة الطعام, اجتمعت العائلة المكونة من الاب والام والابن وزوجته يتناولون طعام الافطار, فسأل عماد وهو يرفع فنجان القهوة الى شفتيه: ما قولتليش يا بابا انت تعرف يوسف جلال صاحب شركة المعمار للمقاولات؟
فقال شاكر وهو يفرد قطعة من الجبنة على رغيف من الخبز المحمص: ومين من رجال الاعمال ما يعرفش الباشمهندس يوسف؟
عماد: لا انا قصدي تعرفه معرفة شخصية؟
شاكر نافيا: للأسف لا, صحيح انا يمكن اكون شفته مرة او اتنين في حفلات عامة بس مش اكتر من كدة. لكن انت بتسأل ليه؟
عماد: اصلي كنت عاوز شركته هي اللي تتولى المشروع السكني دة اللي ناويين نعمله.
فقال شاكر مؤيدا وهو يقول بلهجة مليئة بالاطراء: يا ريت والله, لان سمعة شركته وسمعته هو شخصيا في المجال دة هتبقا مكسب كبير لينا.
عماد: يبقا خلاص انا هتصل بيه في مكتبه النهاردة وهحاول اخد معاه ميعاد عشان اقابله في اقرب وقت واتفق معاه.
شاكر: مفيش مانع.
فقالت نهال بصوت حانق: يوووووووه, هو كل يوم شغل شغل؟ هو أنا بقا جيت مصر ولا ايه عشان اتحبس بالشكل دة؟
فحاول عماد ان يطيب خاطرها وهو يحتضن أصابع يدها بكفه: معلش بقا يا حبيبتي مانتي شايفة بنفسك, وكمان مانتي تقدري تخرجي وتتفسحي, يعني عندك النوادي والمحلات, وممكن تنزلي تعملي shopping وتضيعي فيه وقتك.
نهال محتجة: بس بردو هبقا لوحدي.
فرفع عماد اصابعها نحو شفتيه وقبلها بكل رقة, وقال لها محاولا القضاء على القلة الباقية من اعتراضاتها: خلاص يا حبيبتي كلها اسبوع او اتنين بالكتير اظبط فيهم شغلي وبعدين هبقا فاضيلك ع الاخر وساعتها بقا يبقا نخرج ونتفسح زي ما تحبي.
نهال باستياء: لما نشوف.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان يوسف يقف امام المرآة يعدل من رباطة عنقه مستعدا للخروج في حين استيقظت مريم من نومها, وقالت له وهي تتثاءب: صباح الخير.
اجابها يوسف دون ان ينظر اليها: صباح النور.
مريم وهي تغادر السرير: انت ماشي دلوقت؟
يوسف بابتسامة مازحا: الساعة عشرة يا مريم, صحيح انا صاحب الشركة لكن ما ينفعش اتأخر أكتر من كدة.
مريم: طيب هترجع امتى؟
نظر اليها متشككا وسألها: ليه؟ كنتي عاوزة حاجة؟
مريم وهي تفرك يديها بتوتر شديد وهي تحاول ان تختار كلماتها بعناية فائقة وهي تقول: بصراحة بقا, اه كنت عاوزة, شوف يا يوسف انت طلبت مني اني ما اروحش الجامعة تاني عشان المسرحية, وانا نزلت عند رغبتك وكملت باقي الشغل المطلوب مني في البيت هنا وكنت ببعته مع السواق. بس سلمى جاتلي امبارح وقالتلي انهم خلصوا بروفات و العرض هيكون اول يوم دراسة يعني بكرة وكمان عطيتني خمس تذاكر عشان اديهم لقرايبي, لكن كان عندها طلب صغير كانت عاوزاني اروح النهاردة عشان اتمم ع الديكور قبل العرض صحيح انا كنت بتابعهم بالتليفون بس بردو لازم اكون موجودة واشوف كل حاجة بنفسي.
انهت كلامها لتنظر اليه منتظرة رده, وعندما طال الصمت, قالت له برجاء: يوسف عشان خاطري.
مقابل رجاءها ذلك ونظرات التوسل تلك التي يراها في عينيها كان مستعدا ان يوافق على أي شيء تطلبه منه, ولكنه لم يرد ان يظهر لها شعوره ذلك فقال لها بصوت جامد: اوك يا مريم, تقدري تروحي النهاردة بس ما تأخريش.
مريم بسعادة ولهفة وهي تطمع فيما اكثر من ذلك: وبكرة؟ اصل مش معقول يعني بعد كل التعب دة مش هحضر يوم العرض.
ظنت في البداية انه سيرفض الى ان قال والابتسامة تداعب شفتيه: انتي مش قولتي انك معاكي خمس تذاكر.
فأومأت مريم برأسها ان نعم, فقال لها والابتسامة تزداد على شفتيه: خلاص يبقا احجزيلي منهم واحدة.
فسألته مريم وهي لا تصدق اذنيها: احجزلك واحدة؟ يعني ايه؟ قصدك يعني انك عاوز...........
فهز رأسه موافقا: هو فيه مانع لو حضرت العرض معاكي؟
مريم وهي تسارع بالنفي و علامات الفرحة تظهر بوضوح على وجهها: أكيد لا طبعا مفيش مانع خالص, بالعكس.
والتقط يوسف كلمتها الاخيرة لينصب لها فخا: بالعكس ايه؟
بحثت مريم عن الكلمات المناسبة لتخرج من هذا المأزق بسلام: قصدي يعني بالعكس ان انا ما كنتش لاقيه حد اديله التذاكر اللي معايا, يعني ما كنش فيه غير عمتو وجدو زي مانت شايف مش هيقدر ييجي عشان كدة كنت عاوزة استأذنك في حاجة.
تظاهر يوسف بالاقتناع بمبرراتها الواهية وسألها: حاجة ايه؟
مريم: كنت عاوزة اعزم هدى, اصل زي مانت شايف على طول قاعدة لوحدها كأنها حاسة بالغربة وكمان دي هتبقا فرصة كويسة كأول يوم ليها في الجامعة عشان تتعرف على زمايلها.
يوسف موافقا: عندك حق.
وساد الصمت من جديد ومريم لاتزال تشعر بالتردد وقد لاحظ يوسف ذلك فسألها متشككا: مش دة هو فعلا اللي كنتي عاوزاه. فيه ايه يا مريم؟
مريم: بصراحة بقا انا كنت عاوزة اعزم ماهر ابن عمتو وردة كمان, اصله زي مانت شايف من يوم ما جه عشان يطمن على مامته وهو مش بيحاول ييجي تاني كأنه مكسوف يعني واهي هتبقا فرصة بردو يطمن عليها وهي كمان قلقانة اوي عليه ونفسها تشوفه.
كانت دائما تبهره بمراعاتها لشعور غيرها وحرصها الشديد على اسعاد كل من حولها رغم حداثة سنها, فوافق على الفور طامعا في الحصول على تلك الابتسامة الساحرة التي دائما ما توجهها اليه كلما وافقا على أمر ما, وهي ايضا لم تبخل عليه بها.
23=ج2 =استقبل يوسف عماد شاكر في مكتبه بكل ود وترحاب, فلقد كان لاسم شاكر عز الدين وزنه في سوق المال والاعمال, وبعد ان طلب القهوة لكليهما, قال يوسف بنبرة ودودة: الحقيقة يا استاذ عماد انت شرفتنا النهاردة وزي ما بيقولوا بقا خطوة عزيزة.
عماد مازحا: وزي ما بيردوا بردو, الله يعز مقدارك, الحقيقة يا باشمهندس انا كان نفسي اقابلك من زمان من كتر الكلام اللي سمعته عنك.
يوسف: يارب يكون اللي سمعته خير.
عماد: اكيد خير طبعا, هو مفيش اصلا حد يعرف حضرتك غير لما يشكر فيك وفي شغلك.
يوسف: دة بفضل الله اولا ثم والدي الله يرحمه وعمي عبدالرءوف الكامل من بعده.
تصنع عماد الدهشة وهو يقول: عبدالرءوف الكامل! معقول؟! هو عبدالرءوف بيه الكامل يبقا عمك يا باشمهندس؟ انا اول مرة اعرف المعلومة دي.
يوسف مصححا: مش عمي بالظبط بس هو يبقا جد مراتي.
عماد: اه, ع العموم ونعم النسب بردو. المهم بقا خلينا نتكلم في الشغل.
يوسف: انا تحت امرك.
عماد: شوف يا باشمهندس, انا وبابا قررنا اننا نبني مشروع سكني في مدينة ستة اكتوبر, بس عاوزينه بمواصفات خاصة شوية.
يوسف: اه, بس ايه العلاقة مابين مشروع زي دة وبين عربيات النقل اللي شركتكم شغالة فيها؟
عماد: لا. ما هو احنا قررنا اننا نجرب حظنا في المقاولات ولو الموضوع نجح معانا ممكن نتوسع فيه. وطبعا حضرتك هيكون ليك الفضل الاول في دة وبردو حقك محفوظ. واكيد مش هنختلف يعني.
يوسف بلهجة حازمة: انا اخر حاجة ممكن اختلف مع العملا بتوعي عليها بتكون الفلوس يا استاذ عماد, لان كل الناس عافة شغلي كويس.
فقال عماد سريعا في محاولة منه ليصحح الخطأ الذي بدا انه قد وقع فيه دون ان يقصد مما جعله يدرك مدى قوة وذكاء الشخص الذي يتعامل معه: اكيد طبعا, سمعتك سابقاك يا باشمهندس,وانا ما كنتش اقصد اي حاجة غلط ممكن تكون فهمتها.
يوسف: ع العموم حصل خير, وانا اسف لاني مضطر ارفض عرض حضرتك, الحقيقة انا حاليا شغال في مشاريع ارتبطت خلاص بيها ومش هقدر اخلصها قبل فترة طويلة ومش هينفع اني اقبل شغل تاني دلوقت وخصوصا اني بحب دايما ادي لكل حاجة حقها.
شعر عماد بخيبة الامل تتسرب اليه وبأنه على وشك ان يخسر الجولة الاولى امام خصمه العنيد, ولكنه قرر الا ييأس فقرر ان يحاول معه مرة اخرى لاقناعه فحاول ان يتحدث مجددا ولكنه منعه صوت طرقات خفيفة على الباب فقال يوسف بصوت هادىء: ادخل.
دخل وليد المكتب والقى التحية فرد عليه الاثنان, ودعاه يوسف ليقترب منهما حين لمح التردد باديا عليه وسمعه يتمتم بكلمات اعتذار خشية من انه قاطع حديثهما: انا اسف, شكلك مشغول يا يوسف. هبقا اجيلك بعدين.
يوسف: تعالى يا وليد, اكيد مفيش اسرار في الشغل عليك.
تقدم وليد منهما وعرف يوسف كل منهما على الاخر وقد بدأ بعماد: استاذ عماد شاكر ابن راجل الاعمال المعروف شاكر عز الدين.
فمد وليد يده لمصافحة عماد: اهلا وسهلا يا فندم.
فابتسم له عماد بتلقائية وهو يبادله المصافحة ويستمع الى يوسف وهو يقول: ودة بقا الباشمهندس وليد جلال اخوية وشريكي وفي نفس الوقت هو اللي ماسك قسم التصميمات بالشركة بس للأسف بقا ناوي يسيبنا قريب.
وليد: تشرفنا يا باشمهندس.
وليد:الشرف ليا يا استاذ عماد.
وبعد ان جلس الاثنان امام مكتب يوسف سأل وليد: بس خير يعني؟ الباشمهندس هيسيب الشركة ليه؟ هو الشغل هنا مش عاجبه؟
يوسف مازحا: لا يا سيدي, بس تقدر تقول كدة انه خلاص كبر علينا وقرر انه يفتح شركة لوحده.
عماد: كدة؟ الف الف مبروك يا باشمهندس, وناوي بقا تفتح شركة ايه؟
وليد: ان شاء الله شركة مقاولات بردو.
عماد مداعبا: ايه دة؟ يعني ناوي تنافس الباشمهندس يوسف ولا ايه؟
وليد: لا طبعا, انا مقدرش,بس انا حبيت ابدأ شغل جديد بنفسي بس طبعا مش هبقا مستقل تماما عن هنا.
ثم لمعت الفكرة فجأة في عقله ليقول شارعا في تنفيذها: طب والله فكرة, ايه رأيك يا باشمهندس ان المشروع اللي كلمتك عنه يمسكه الباشمهندس وليد باسم شركته الجديدة.
فنظر وليد ناحية يوسف ليخبره بذلك الامر الذي يجهله, وبدا ان يوسف يفكر قليلا في الامر الى ان قال اخيرا: والله فكرة, وانا اضمنلك بنفسي الشغل دة.
عماد: وانا مش عاوز اكتر من كدة يا باشمهندس.
لم يستطع وليد ان يصبر اكثر من ذلك فسألهما: طب ما تفهموني يا جماعة انتو بتتكلموا عن ايه بالظبط؟
فنظر يوسف الى ساعته وهو يتأهب للمغادرة معتذرا: انا هسيب بقا استاذ عماد يشرحلك الموضوع بالتفصيل, خدوا راحتكم خالص وانا عندي مشوار مهم هروح اعمله, وليد انا ممكن ما اجيش تاني النهاردة, استاذ عماد, طبعا المكتب مكتبك وسامحني بقا لاني مش هقدر اقعد معاك اكتر من كدة.
عماد متفهما: لا براحتك خالص يا باشمهندس, الله يكون في العون.
واستأذن يوسف, ثم رحل فشغل وليد الكرسي الخاص به خلف المكتب, و بدأ يتحدث بلهجة عملية: اتفضل يا استاذ عماد, انا تحت امرك.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف محل الصائغ الذي كان معتادا على التعامل معه, وكما يحدث دائما استقبله صاحب المحل ورحب به أشد الترحاب, وسأله بابتسامة واسعة: تحت امرك يا يوسف بيه, ايه طلباتك المرادي؟
يوسف: عاوز هدية حلوة على ذوقك وتكون قيمة للمدام.
الصائغ: وياترى فيه مناسبة معينة؟
يوسف: وهو لازم يكون فيه مناسبة عشان الواحد يقدم هدية لمراته؟
الصائغ بلهجة مرحة: والله حتى لو في مناسبة, اكيد الهدية هتبقا خسارة.
فتبسم يوسف وهو يقول: مش كل الجوازت بقا.
الصائغ مؤيدا: في دي بقا معاك حق يا يوسف بيه. وخصوصا لو كانت المدام بتاع حضرتك , حقيقي تستاهل انك تتاقلها بالالماظ.
وافقه يوسف على مضض حيث لم يعد يتحمل ان يسمع كلمة مدح اخرى من رجل غريب في حق زوجته, فلقد بدأت بالفعل تشتعل في قلبه نيران الغيرة.
وبينما كان الصائغ يعرض عليه بعض قطع المجوهرات ذات الذوق الرفيع و الثمن الباهظ, فهو يعلم ان عميلا كيوسف جلال لن يهمه المبلغ الذي سيدفعه في الشيء الذي سيرغب في شرائه, سمع يوسف من خلفه صوتا انثويا رنانا يقول له مبديا الدهشة في نبرته: معقول؟ يوسف بيه جلال بنفسه؟ انا مش مصدقة نفسي.
لم يحتج يوسف الى الالتفات خلفه ليعلم من تكون صاحبة هذا الصوت, فهو لايزال يتذكره جيدا, ولكنه كان مضطرا الى ان يواجهها ويقول بصوته الرزين: ازيك يا علياء, عاملة ايه؟
فصافحته علياء بدلال وهي تقول بغنج: ايه دة؟ الحقيقة مش مصدقة انك لسة فاكر اسمي لحد دلوقت.
فقال لها يوسف محاولا تحاشي نظرات الصائغ الفضولية المتجهة اليهما: ازاي بقا؟ انا طول عمري فاكرك بكل خير؟ بس اظاهر ان انتي بقا اللي نسيتي ان فيه شغل بيننا.
علياء وقد ابت ان تسحب يدها من يده: اظاهر انت اللي نسيت يا باشهمندس, وبقيت بتبعت اخوك الباشمهندس وليد بدالك عشان يشرف على المشروع.
يوسف معتذرا بتهذيب: انا بجد اسف, بس فعلا عندي شغل كتير, دة غير بقا ان وليد بقا احسن مني في الموضوع دة لدرجة انه خلاص بيفتح حاليا شركة لوحده.
فقالت علياء وهي تغمز له بعينها بنظرة فهمها يوسف جيدا: بس انا والباشمهندس وليد مش عارفين نتفاهم خالص عكسنا انا وانت.
تنحنح يوسف قليلا بحرج بالغ, وقال محاولا التملص منها: معلش يا علياء انا هبقا اتكلم مع وليد وهشوف بنفسي الموضوع دة.
علياء محبطة كل محاولاته للهروب: طيب ماهو الاسهل انك تتكلم معايا انا, ماهو انا ادامك اهو. ولا انت كمان بقيت مش عاوز تتكلم معايا؟
يوسف: لا طبعا, بس اكيد المكان مش مناسب.
علياء وقد سجلت اعتراضه الواهن ذلك كنقطة انتصار لصالحها, وانتهزت الفرصة لتقول له: طيب ايه رأيك نروح في مكان مناسب ينفع نتكلم فيه.
وجدته يحاول ان يبحث عن اي سبب يخول له حق الاعتراض فقررت ان تقطع عليه الطريق لتقول: جرى ايه يا يوسف؟ هو انت اتعلمت البخل بعد الجواز ولا ايه؟ يعني حتى مش عاوز تعزمني ع الغدا النهاردة.
لقد حاصرته من كل جانب فلم يبق امامه اي مجال للرفض, فوافق راضخا: زي ما تحبي, شوفي المطعم اللي يعجبك ونروح نتغدى فيه.
وبالفعل جلس الاثنان امام طاولة صغير في مطعم هادىء انيق بدا شاعريا الى حد كبير بموسيقاه الهادئة الحالمة, وذلك بعد ان اشترى اسورة انيقة من الالماس ومطعمة بالزمرد قد ساعدته علياء على انتقائها بعد ان اقترحت ذلك فوافق على الفور حيث كان دائما يشهد لها بالاناقة والرقي في اختيار جميع مقتنياتها من المجوهرات.
وبعد ان اختارا من قائمة الطعام ما يرغبان بتناوله وقد ابلغا النادل به, انتظرت علياء الى ان ابتعد ثم وجهت اهتمامها الى يوسف لتلقي بسؤال مباغت: يوسف! انت ليه بتتهرب مني؟
من شدة المفاجأة لم يستطع الرد في البداية , ولكنه استعاد هدوئه سريعا وابتسم وهو يجيب: ومين بس اللي قال اني بتهرب منك؟
علياء بجدية: انا مش محتاجة حد يقولي يا يوسف, انا ست ومش صغيرة واقدر احس كويس اوي بمشاعر اي راجل من ناحيتي.
يوسف: علياء انا.......
لم تنتظر ان ينطق بالمزيد فاشارت بيدها ناحية فمه وكأنها تمنعه من الكلام لتقول له بابتسامة حزينة: ارجوك ما تكملش, انا عارفة كويس ان مشاعرك من ناحيتي ما بقتش زي زمان, وانا مش هقدر الومك لانك كنت صريح معايا من البداية, يعني انت ما وعدتنيش باي حاجة وما نفذتهاش, وكون ان مشاعرك اتحركت في اتجاه تاني فدة ما يبقاش ذنبك, وانا مش زعلانة بالعكس, يا يوسف انا بحبك بجد وبتمنالك السعادة من كل قلبي سواء كانت معايا او مع غيري. وبتمنى ان غيري دي تكون تستاهل حبك ليها وتحبك زي مانا بحبك واكتر كمان لانك بجد انسان تستاهل كل خير.
ومن ذلك الرجل الذي يمكنه ان يشك في تلك النبرة الصادقة؟ حتى يوسف جلال نفسه لا يمكنه ذلك فشكرها بصوت مليء بالامتنان: انا متشكر اوي يا علياء على شعورك الصادق دة.
علياء وهي تكافح لتمنع دموعها من السقوط محاولة اخفائها خلف ابتسامة واسعة: بس انا بقا ليا عندك طلب اتمنى انك مش ترفضه.
يوسف: تحت امرك.
علياء برجاء: اوعدني اننا نفضل اصدقاء على طول, اصدقاء يا يوسف بجد.
ومدت يدها ليوسف تستحثه للرد على طلبها, ولم يتردد كثيرا فاحتضن يدها بكفيه وهو يقول بابتسامته الجذابة: اوعدك يا علياء.
فشعت عينيها ببريق الامل من جديد, ولكنه حذرها قائلا: لكن مش اكتر من كدة.
علياء موافقة على الفور: عارفة, وعشان كدة بقا ايه رأيك نبدأ من النهاردة؟
يوسف بعدم فهم: ازاي يعني؟
علياء: ايه رأيك اعزمك النهاردة على العشا انت والمدام؟ واهو بالمرة تعرفني عليها اكتر وانا حاسة اننا هنبقا اصحاب ويمكن اكتر كمان.
يوسف: انا معنديش مانع, بس مش هينفع النهاردة, هي عندها حفلة في الكلية, وبعدها انا ناوي اخدها ونخرج برة في مكان لوحدنا عشان مناسبة خاصة.
علياء بنظرة ماكرة: المناسبة اللي انت اشتريت عشانها الخاتم؟
فاكتفى يوسف بايماءة بسيطة من رأسه موافقا, فتقبلت علياء الامر ببساطة, ثم قالت مقترحة: ع العموم ربنا يسعدكم, طب ايه رأيك بقا نخليها بكرة وعندي في الشقة؟ انا كنت عاملة بارتي صغير كدة بتمنى انكم تشرفوني فيه.
يوسف مازحا: بمناسبة عيد ميلادك بردو؟
فابتسمت علياء لمزاحه وقالت: لا, المرادي بقا بمناسبة اني فتحت فرح جديد للبوتيك بتاعي وعاملة الحفلة دي يعني كدعاية.
يوسف: الف مبروك يا علياء, وبالتوفيق ان شاء الله.
علياء: يعني هتيجي؟
يوسف: ان شاء الله هكون موجود انا ومريم.
وجاء النادل حاملا معه اطباق الطعام ويضع كل في مكانه وقد انشغل يوسف بالحديث معه , فبدأت ابتسامة خاصة تداعب شفتي علياء بسبب الانتصار الجديد الذي سجلته اليوم.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وقفت كل من حياة ومريم وسلمى وكل من ساهم في المسرحية تقريبا خلف الكواليس وقد كانت فرحتهم لا توصف وهم يستمعون الى صوت تصفيق الجماهير الحاد بالخارج الذي لم ينقطع حتى الان منذ ان انتهى العرض, فقالت نورا بطريقة طفوليه: شفتوني يابنات وانا بمثل, انا ما كنتش مصدقة نفسي بصراحة, لدرجة اني بدأت اقتنع فعلا ان انا بنت حياة.
فدفعتها حياة بعيدا عنها وهي تمزح: بنت! انتي صدقتي نفسك ولا ايه؟ دة انا من دور عيالك.
فضحك الجميع, بينما قالت لهم سلمى بصوت رزين وجاد: مبروك عليكم يا بنات, بجد كنتو هايلين.
فاحتضنتها مريم وهي تقول لها: مبروك عليكي انتي يا سلمى, انتي اللي عملتي للمسرحية روح, واحنا كما كناش هنقدر نعمل حاجة من غيرك.
فابتسمت سلمى بخجل,في حين اتاهم صوت ذكوري رخيم يقول: الف مبروك يا بنات, عقبال حفلة التخرج بقا.
وبالطبع كان ذلك صوت خالد صلاح بطل المسرحية, فقالت له سلمى ردا على تهنئته: الله يبارك فيك يا استاذ خالد, وبجد انا بحيي حضرتك ع المجهود الرائع دة, انت فعلا قدرت بصوتك انك تدخل الناس في جو المسرحية.
لم يستطع خالد الرد عليها بكلمات مناسبة لذا اكتفى بكلمة: متشكر
مع ابتسامة عبر بها عن مدى ما يشعر به من سعادة وهو يشاركهم فرحتهم. ثم نظر الى مريم ليقول لها: حمدالله على سلامتك يا مريم.
فردت مريم وهي تتحاشى نظرته حيث شعرت بالضيق لسبب تجهله: الله يسلم حضرتك.
خالد معاتبا برقة: بردو حضرتك؟! احنا مش كنا اتفقنا خلاص اننا نرفع الالقاب.
ثم نظر الى سلمى وكأنه يطلب منها ان تؤيد رأيه وسألها: مش كدة ولا ايه سلمى؟
فردت سلمى مازحة: اه, بس دة كان ايام البروفات, لما كانت الادوار بتختلف, لكن دلوقت......
وأكملت بطريقة مسرحية وهي تتصنع الحزن: رجعت ريما لعادتها القديمة, وبقينا تاني احنا طلبة سنة رابعة وحضرتك المعيد بتاعنا اللي بيطلع عنينا.
فضربتها حياة بقدمها موبخة: يا بنتي لمي لسانك دة بقا.
فاحتجت سلمى: فيه ايه؟ مش هي دي الحقيقة؟ مش هو بيطلع عنينا في السكاشن؟
فتبسم خالد رغما عنه من تلقائيتها, وجرأتها, حيث ان رغم تبسطه مع معظم الطلبة إلا أنه لم يتمكن أي طالب حتى تلك اللحظة من ان يتحدث اليه بتلك الطريقة, لذا قال مدعيا الحزن بسبب كلامها: ياااااااه! هو انا كنت وحش اوي كدة وانا معرفش؟
فعالجت سلمى الامر سريعا: لا, حضرتك ما كنش قصدي كدة, انا بس كان نفسي تعلمونا بالراحة شوية, وتسمعونا زي ماحنا بنسمعكم وعلى رأي المدرس القدير محمد فؤاد لما قال يا عم حمزة حلمك علينا, احنا التلامذة وبكرة لينا.
بالطبع لم يستطع أحد منهم ان يخفي ضحكته او ابتسامته اثر تفوها بتلك الكلمات الى ان قال خالد اخيرا: ع العموم, خلاص يا سلمى انا هبقا اقعد مع استاذنا محمد فؤاد وافهم منه المبادىء الاساسية للتدريس عشان احسن من اسلوبي شوية, وياريت يا بنات بعد كدة تبقا تعتبروني اخوكم الكبير, واي واحدة فيكم عاوزة اي حاجة ياريت ما تترددش انها تيجي وتطلبها مني وانا هحاول اعمل اللي عليا ان شاء الله, والكلام دة موجه كمان لمريم.
انتبهت مريم على ذكر اسمها بعد ان كانت تنظر الى الارض شاردة بفكرها بعيدا عنهم تماما, وسمعته يكمل: ياريت يا مريم اي صعوبة تواجهك في الكلية تيجي تبلغيني بيها وانا ان شاء الله هحاول احلها.
فأرغمت مريم نفسها على الابتسام وهي تقول: متشكرة اوي.
ولم تعلم لم كان ذلك الشعور الذي يراودها بأن هناك من كان يراقبها ؟ الى ان أدارت بالفعل وجهها الى الناحية الأخرى لتراه متقدما نحوهم وعلامات الاستهجان بادية على وجهه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
: انا سبق وحذرتك يا مريم.
كان مريم تتوقع الكثير من كلمات التأنيب والتوبيخ ولكنها لم تكن تتوقع ذلك الغضب الشديد الذي تواجهه الان, وهي من وجهة نظرها لم ترتكب اي خطأ يستدعي غضبه لذلك الحد, وقد عبرت عن ذلك بالكلمات وهي تحاول ضبط انفعالها ولكن يبدو انها لم تفلح: انا ما عملتش اي حاجة تستاهل كل دة.
فقال يوسف بصوت كالجليد: لا عملتي يا مريم, انا سبق وطلبت منك انك ما تتعامليش مع البني ادم اللي اسمه خالد دة وانتي عصيتي اوامري ووقفتي واتكلمتي معاه.
مريم بلهجة دفاعية: اولا انا كنت واقفة مع صاحباتي وهو اللي جه وقف معانا عشان يباركلنا على نجاح المسرحية, وثانيا احنا مش كنا واقفين لوحدينا, وثالثا بقا انا كنت مجرد برد على كلامه مش اكتر.
فقال لها يوسف متوعدا: دي اول واخر مرة يا مريم هسمحلك فيها انك تخالفي اوامري.
مريم وقد وصلت حدة انفعالها الى الذروة: انا مش جارية عندك يا يوسف عشان انفذ اوامرك وبس.
يوسف بصوت كالرعد: مريم!
بدا انها لم تشعر بمقدار الغضب الذي حملته طريقة نطقه لاسمها فاستمرت تقول وهي غير واعية تماما بما تتفوه به وقد كانت على وشك الانهيار وهي تقول بطريقة تشبه الاطفال في غضبهم: لا يا يوسف انا مش هسمحلك انك تتحكم في حياتي اكتر من كدة وكأني طفلة صغيرة مش عارفة الصح من الغلط, انت لازم تعرف يا يوسف اني خلاص كبرت وطريقة الترهيب والثواب والعقاب دي مش هتنفع معايا.
وكأنها لمست وترا حساسا لديه مما جعل مزاجه يتغير فجأة ويتلاشى الغضب من ملامحه لتحل مكانه نظرات مليئة بالتساؤل والحيرة, وكان سؤاله المباغت لها: انتي متأكدة انك كبرتي يا مريم؟!
عماد مازحا: وزي ما بيردوا بردو, الله يعز مقدارك, الحقيقة يا باشمهندس انا كان نفسي اقابلك من زمان من كتر الكلام اللي سمعته عنك.
يوسف: يارب يكون اللي سمعته خير.
عماد: اكيد خير طبعا, هو مفيش اصلا حد يعرف حضرتك غير لما يشكر فيك وفي شغلك.
يوسف: دة بفضل الله اولا ثم والدي الله يرحمه وعمي عبدالرءوف الكامل من بعده.
تصنع عماد الدهشة وهو يقول: عبدالرءوف الكامل! معقول؟! هو عبدالرءوف بيه الكامل يبقا عمك يا باشمهندس؟ انا اول مرة اعرف المعلومة دي.
يوسف مصححا: مش عمي بالظبط بس هو يبقا جد مراتي.
عماد: اه, ع العموم ونعم النسب بردو. المهم بقا خلينا نتكلم في الشغل.
يوسف: انا تحت امرك.
عماد: شوف يا باشمهندس, انا وبابا قررنا اننا نبني مشروع سكني في مدينة ستة اكتوبر, بس عاوزينه بمواصفات خاصة شوية.
يوسف: اه, بس ايه العلاقة مابين مشروع زي دة وبين عربيات النقل اللي شركتكم شغالة فيها؟
عماد: لا. ما هو احنا قررنا اننا نجرب حظنا في المقاولات ولو الموضوع نجح معانا ممكن نتوسع فيه. وطبعا حضرتك هيكون ليك الفضل الاول في دة وبردو حقك محفوظ. واكيد مش هنختلف يعني.
يوسف بلهجة حازمة: انا اخر حاجة ممكن اختلف مع العملا بتوعي عليها بتكون الفلوس يا استاذ عماد, لان كل الناس عافة شغلي كويس.
فقال عماد سريعا في محاولة منه ليصحح الخطأ الذي بدا انه قد وقع فيه دون ان يقصد مما جعله يدرك مدى قوة وذكاء الشخص الذي يتعامل معه: اكيد طبعا, سمعتك سابقاك يا باشمهندس,وانا ما كنتش اقصد اي حاجة غلط ممكن تكون فهمتها.
يوسف: ع العموم حصل خير, وانا اسف لاني مضطر ارفض عرض حضرتك, الحقيقة انا حاليا شغال في مشاريع ارتبطت خلاص بيها ومش هقدر اخلصها قبل فترة طويلة ومش هينفع اني اقبل شغل تاني دلوقت وخصوصا اني بحب دايما ادي لكل حاجة حقها.
شعر عماد بخيبة الامل تتسرب اليه وبأنه على وشك ان يخسر الجولة الاولى امام خصمه العنيد, ولكنه قرر الا ييأس فقرر ان يحاول معه مرة اخرى لاقناعه فحاول ان يتحدث مجددا ولكنه منعه صوت طرقات خفيفة على الباب فقال يوسف بصوت هادىء: ادخل.
دخل وليد المكتب والقى التحية فرد عليه الاثنان, ودعاه يوسف ليقترب منهما حين لمح التردد باديا عليه وسمعه يتمتم بكلمات اعتذار خشية من انه قاطع حديثهما: انا اسف, شكلك مشغول يا يوسف. هبقا اجيلك بعدين.
يوسف: تعالى يا وليد, اكيد مفيش اسرار في الشغل عليك.
تقدم وليد منهما وعرف يوسف كل منهما على الاخر وقد بدأ بعماد: استاذ عماد شاكر ابن راجل الاعمال المعروف شاكر عز الدين.
فمد وليد يده لمصافحة عماد: اهلا وسهلا يا فندم.
فابتسم له عماد بتلقائية وهو يبادله المصافحة ويستمع الى يوسف وهو يقول: ودة بقا الباشمهندس وليد جلال اخوية وشريكي وفي نفس الوقت هو اللي ماسك قسم التصميمات بالشركة بس للأسف بقا ناوي يسيبنا قريب.
وليد: تشرفنا يا باشمهندس.
وليد:الشرف ليا يا استاذ عماد.
وبعد ان جلس الاثنان امام مكتب يوسف سأل وليد: بس خير يعني؟ الباشمهندس هيسيب الشركة ليه؟ هو الشغل هنا مش عاجبه؟
يوسف مازحا: لا يا سيدي, بس تقدر تقول كدة انه خلاص كبر علينا وقرر انه يفتح شركة لوحده.
عماد: كدة؟ الف الف مبروك يا باشمهندس, وناوي بقا تفتح شركة ايه؟
وليد: ان شاء الله شركة مقاولات بردو.
عماد مداعبا: ايه دة؟ يعني ناوي تنافس الباشمهندس يوسف ولا ايه؟
وليد: لا طبعا, انا مقدرش,بس انا حبيت ابدأ شغل جديد بنفسي بس طبعا مش هبقا مستقل تماما عن هنا.
ثم لمعت الفكرة فجأة في عقله ليقول شارعا في تنفيذها: طب والله فكرة, ايه رأيك يا باشمهندس ان المشروع اللي كلمتك عنه يمسكه الباشمهندس وليد باسم شركته الجديدة.
فنظر وليد ناحية يوسف ليخبره بذلك الامر الذي يجهله, وبدا ان يوسف يفكر قليلا في الامر الى ان قال اخيرا: والله فكرة, وانا اضمنلك بنفسي الشغل دة.
عماد: وانا مش عاوز اكتر من كدة يا باشمهندس.
لم يستطع وليد ان يصبر اكثر من ذلك فسألهما: طب ما تفهموني يا جماعة انتو بتتكلموا عن ايه بالظبط؟
فنظر يوسف الى ساعته وهو يتأهب للمغادرة معتذرا: انا هسيب بقا استاذ عماد يشرحلك الموضوع بالتفصيل, خدوا راحتكم خالص وانا عندي مشوار مهم هروح اعمله, وليد انا ممكن ما اجيش تاني النهاردة, استاذ عماد, طبعا المكتب مكتبك وسامحني بقا لاني مش هقدر اقعد معاك اكتر من كدة.
عماد متفهما: لا براحتك خالص يا باشمهندس, الله يكون في العون.
واستأذن يوسف, ثم رحل فشغل وليد الكرسي الخاص به خلف المكتب, و بدأ يتحدث بلهجة عملية: اتفضل يا استاذ عماد, انا تحت امرك.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف محل الصائغ الذي كان معتادا على التعامل معه, وكما يحدث دائما استقبله صاحب المحل ورحب به أشد الترحاب, وسأله بابتسامة واسعة: تحت امرك يا يوسف بيه, ايه طلباتك المرادي؟
يوسف: عاوز هدية حلوة على ذوقك وتكون قيمة للمدام.
الصائغ: وياترى فيه مناسبة معينة؟
يوسف: وهو لازم يكون فيه مناسبة عشان الواحد يقدم هدية لمراته؟
الصائغ بلهجة مرحة: والله حتى لو في مناسبة, اكيد الهدية هتبقا خسارة.
فتبسم يوسف وهو يقول: مش كل الجوازت بقا.
الصائغ مؤيدا: في دي بقا معاك حق يا يوسف بيه. وخصوصا لو كانت المدام بتاع حضرتك , حقيقي تستاهل انك تتاقلها بالالماظ.
وافقه يوسف على مضض حيث لم يعد يتحمل ان يسمع كلمة مدح اخرى من رجل غريب في حق زوجته, فلقد بدأت بالفعل تشتعل في قلبه نيران الغيرة.
وبينما كان الصائغ يعرض عليه بعض قطع المجوهرات ذات الذوق الرفيع و الثمن الباهظ, فهو يعلم ان عميلا كيوسف جلال لن يهمه المبلغ الذي سيدفعه في الشيء الذي سيرغب في شرائه, سمع يوسف من خلفه صوتا انثويا رنانا يقول له مبديا الدهشة في نبرته: معقول؟ يوسف بيه جلال بنفسه؟ انا مش مصدقة نفسي.
لم يحتج يوسف الى الالتفات خلفه ليعلم من تكون صاحبة هذا الصوت, فهو لايزال يتذكره جيدا, ولكنه كان مضطرا الى ان يواجهها ويقول بصوته الرزين: ازيك يا علياء, عاملة ايه؟
فصافحته علياء بدلال وهي تقول بغنج: ايه دة؟ الحقيقة مش مصدقة انك لسة فاكر اسمي لحد دلوقت.
فقال لها يوسف محاولا تحاشي نظرات الصائغ الفضولية المتجهة اليهما: ازاي بقا؟ انا طول عمري فاكرك بكل خير؟ بس اظاهر ان انتي بقا اللي نسيتي ان فيه شغل بيننا.
علياء وقد ابت ان تسحب يدها من يده: اظاهر انت اللي نسيت يا باشهمندس, وبقيت بتبعت اخوك الباشمهندس وليد بدالك عشان يشرف على المشروع.
يوسف معتذرا بتهذيب: انا بجد اسف, بس فعلا عندي شغل كتير, دة غير بقا ان وليد بقا احسن مني في الموضوع دة لدرجة انه خلاص بيفتح حاليا شركة لوحده.
فقالت علياء وهي تغمز له بعينها بنظرة فهمها يوسف جيدا: بس انا والباشمهندس وليد مش عارفين نتفاهم خالص عكسنا انا وانت.
تنحنح يوسف قليلا بحرج بالغ, وقال محاولا التملص منها: معلش يا علياء انا هبقا اتكلم مع وليد وهشوف بنفسي الموضوع دة.
علياء محبطة كل محاولاته للهروب: طيب ماهو الاسهل انك تتكلم معايا انا, ماهو انا ادامك اهو. ولا انت كمان بقيت مش عاوز تتكلم معايا؟
يوسف: لا طبعا, بس اكيد المكان مش مناسب.
علياء وقد سجلت اعتراضه الواهن ذلك كنقطة انتصار لصالحها, وانتهزت الفرصة لتقول له: طيب ايه رأيك نروح في مكان مناسب ينفع نتكلم فيه.
وجدته يحاول ان يبحث عن اي سبب يخول له حق الاعتراض فقررت ان تقطع عليه الطريق لتقول: جرى ايه يا يوسف؟ هو انت اتعلمت البخل بعد الجواز ولا ايه؟ يعني حتى مش عاوز تعزمني ع الغدا النهاردة.
لقد حاصرته من كل جانب فلم يبق امامه اي مجال للرفض, فوافق راضخا: زي ما تحبي, شوفي المطعم اللي يعجبك ونروح نتغدى فيه.
وبالفعل جلس الاثنان امام طاولة صغير في مطعم هادىء انيق بدا شاعريا الى حد كبير بموسيقاه الهادئة الحالمة, وذلك بعد ان اشترى اسورة انيقة من الالماس ومطعمة بالزمرد قد ساعدته علياء على انتقائها بعد ان اقترحت ذلك فوافق على الفور حيث كان دائما يشهد لها بالاناقة والرقي في اختيار جميع مقتنياتها من المجوهرات.
وبعد ان اختارا من قائمة الطعام ما يرغبان بتناوله وقد ابلغا النادل به, انتظرت علياء الى ان ابتعد ثم وجهت اهتمامها الى يوسف لتلقي بسؤال مباغت: يوسف! انت ليه بتتهرب مني؟
من شدة المفاجأة لم يستطع الرد في البداية , ولكنه استعاد هدوئه سريعا وابتسم وهو يجيب: ومين بس اللي قال اني بتهرب منك؟
علياء بجدية: انا مش محتاجة حد يقولي يا يوسف, انا ست ومش صغيرة واقدر احس كويس اوي بمشاعر اي راجل من ناحيتي.
يوسف: علياء انا.......
لم تنتظر ان ينطق بالمزيد فاشارت بيدها ناحية فمه وكأنها تمنعه من الكلام لتقول له بابتسامة حزينة: ارجوك ما تكملش, انا عارفة كويس ان مشاعرك من ناحيتي ما بقتش زي زمان, وانا مش هقدر الومك لانك كنت صريح معايا من البداية, يعني انت ما وعدتنيش باي حاجة وما نفذتهاش, وكون ان مشاعرك اتحركت في اتجاه تاني فدة ما يبقاش ذنبك, وانا مش زعلانة بالعكس, يا يوسف انا بحبك بجد وبتمنالك السعادة من كل قلبي سواء كانت معايا او مع غيري. وبتمنى ان غيري دي تكون تستاهل حبك ليها وتحبك زي مانا بحبك واكتر كمان لانك بجد انسان تستاهل كل خير.
ومن ذلك الرجل الذي يمكنه ان يشك في تلك النبرة الصادقة؟ حتى يوسف جلال نفسه لا يمكنه ذلك فشكرها بصوت مليء بالامتنان: انا متشكر اوي يا علياء على شعورك الصادق دة.
علياء وهي تكافح لتمنع دموعها من السقوط محاولة اخفائها خلف ابتسامة واسعة: بس انا بقا ليا عندك طلب اتمنى انك مش ترفضه.
يوسف: تحت امرك.
علياء برجاء: اوعدني اننا نفضل اصدقاء على طول, اصدقاء يا يوسف بجد.
ومدت يدها ليوسف تستحثه للرد على طلبها, ولم يتردد كثيرا فاحتضن يدها بكفيه وهو يقول بابتسامته الجذابة: اوعدك يا علياء.
فشعت عينيها ببريق الامل من جديد, ولكنه حذرها قائلا: لكن مش اكتر من كدة.
علياء موافقة على الفور: عارفة, وعشان كدة بقا ايه رأيك نبدأ من النهاردة؟
يوسف بعدم فهم: ازاي يعني؟
علياء: ايه رأيك اعزمك النهاردة على العشا انت والمدام؟ واهو بالمرة تعرفني عليها اكتر وانا حاسة اننا هنبقا اصحاب ويمكن اكتر كمان.
يوسف: انا معنديش مانع, بس مش هينفع النهاردة, هي عندها حفلة في الكلية, وبعدها انا ناوي اخدها ونخرج برة في مكان لوحدنا عشان مناسبة خاصة.
علياء بنظرة ماكرة: المناسبة اللي انت اشتريت عشانها الخاتم؟
فاكتفى يوسف بايماءة بسيطة من رأسه موافقا, فتقبلت علياء الامر ببساطة, ثم قالت مقترحة: ع العموم ربنا يسعدكم, طب ايه رأيك بقا نخليها بكرة وعندي في الشقة؟ انا كنت عاملة بارتي صغير كدة بتمنى انكم تشرفوني فيه.
يوسف مازحا: بمناسبة عيد ميلادك بردو؟
فابتسمت علياء لمزاحه وقالت: لا, المرادي بقا بمناسبة اني فتحت فرح جديد للبوتيك بتاعي وعاملة الحفلة دي يعني كدعاية.
يوسف: الف مبروك يا علياء, وبالتوفيق ان شاء الله.
علياء: يعني هتيجي؟
يوسف: ان شاء الله هكون موجود انا ومريم.
وجاء النادل حاملا معه اطباق الطعام ويضع كل في مكانه وقد انشغل يوسف بالحديث معه , فبدأت ابتسامة خاصة تداعب شفتي علياء بسبب الانتصار الجديد الذي سجلته اليوم.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وقفت كل من حياة ومريم وسلمى وكل من ساهم في المسرحية تقريبا خلف الكواليس وقد كانت فرحتهم لا توصف وهم يستمعون الى صوت تصفيق الجماهير الحاد بالخارج الذي لم ينقطع حتى الان منذ ان انتهى العرض, فقالت نورا بطريقة طفوليه: شفتوني يابنات وانا بمثل, انا ما كنتش مصدقة نفسي بصراحة, لدرجة اني بدأت اقتنع فعلا ان انا بنت حياة.
فدفعتها حياة بعيدا عنها وهي تمزح: بنت! انتي صدقتي نفسك ولا ايه؟ دة انا من دور عيالك.
فضحك الجميع, بينما قالت لهم سلمى بصوت رزين وجاد: مبروك عليكم يا بنات, بجد كنتو هايلين.
فاحتضنتها مريم وهي تقول لها: مبروك عليكي انتي يا سلمى, انتي اللي عملتي للمسرحية روح, واحنا كما كناش هنقدر نعمل حاجة من غيرك.
فابتسمت سلمى بخجل,في حين اتاهم صوت ذكوري رخيم يقول: الف مبروك يا بنات, عقبال حفلة التخرج بقا.
وبالطبع كان ذلك صوت خالد صلاح بطل المسرحية, فقالت له سلمى ردا على تهنئته: الله يبارك فيك يا استاذ خالد, وبجد انا بحيي حضرتك ع المجهود الرائع دة, انت فعلا قدرت بصوتك انك تدخل الناس في جو المسرحية.
لم يستطع خالد الرد عليها بكلمات مناسبة لذا اكتفى بكلمة: متشكر
مع ابتسامة عبر بها عن مدى ما يشعر به من سعادة وهو يشاركهم فرحتهم. ثم نظر الى مريم ليقول لها: حمدالله على سلامتك يا مريم.
فردت مريم وهي تتحاشى نظرته حيث شعرت بالضيق لسبب تجهله: الله يسلم حضرتك.
خالد معاتبا برقة: بردو حضرتك؟! احنا مش كنا اتفقنا خلاص اننا نرفع الالقاب.
ثم نظر الى سلمى وكأنه يطلب منها ان تؤيد رأيه وسألها: مش كدة ولا ايه سلمى؟
فردت سلمى مازحة: اه, بس دة كان ايام البروفات, لما كانت الادوار بتختلف, لكن دلوقت......
وأكملت بطريقة مسرحية وهي تتصنع الحزن: رجعت ريما لعادتها القديمة, وبقينا تاني احنا طلبة سنة رابعة وحضرتك المعيد بتاعنا اللي بيطلع عنينا.
فضربتها حياة بقدمها موبخة: يا بنتي لمي لسانك دة بقا.
فاحتجت سلمى: فيه ايه؟ مش هي دي الحقيقة؟ مش هو بيطلع عنينا في السكاشن؟
فتبسم خالد رغما عنه من تلقائيتها, وجرأتها, حيث ان رغم تبسطه مع معظم الطلبة إلا أنه لم يتمكن أي طالب حتى تلك اللحظة من ان يتحدث اليه بتلك الطريقة, لذا قال مدعيا الحزن بسبب كلامها: ياااااااه! هو انا كنت وحش اوي كدة وانا معرفش؟
فعالجت سلمى الامر سريعا: لا, حضرتك ما كنش قصدي كدة, انا بس كان نفسي تعلمونا بالراحة شوية, وتسمعونا زي ماحنا بنسمعكم وعلى رأي المدرس القدير محمد فؤاد لما قال يا عم حمزة حلمك علينا, احنا التلامذة وبكرة لينا.
بالطبع لم يستطع أحد منهم ان يخفي ضحكته او ابتسامته اثر تفوها بتلك الكلمات الى ان قال خالد اخيرا: ع العموم, خلاص يا سلمى انا هبقا اقعد مع استاذنا محمد فؤاد وافهم منه المبادىء الاساسية للتدريس عشان احسن من اسلوبي شوية, وياريت يا بنات بعد كدة تبقا تعتبروني اخوكم الكبير, واي واحدة فيكم عاوزة اي حاجة ياريت ما تترددش انها تيجي وتطلبها مني وانا هحاول اعمل اللي عليا ان شاء الله, والكلام دة موجه كمان لمريم.
انتبهت مريم على ذكر اسمها بعد ان كانت تنظر الى الارض شاردة بفكرها بعيدا عنهم تماما, وسمعته يكمل: ياريت يا مريم اي صعوبة تواجهك في الكلية تيجي تبلغيني بيها وانا ان شاء الله هحاول احلها.
فأرغمت مريم نفسها على الابتسام وهي تقول: متشكرة اوي.
ولم تعلم لم كان ذلك الشعور الذي يراودها بأن هناك من كان يراقبها ؟ الى ان أدارت بالفعل وجهها الى الناحية الأخرى لتراه متقدما نحوهم وعلامات الاستهجان بادية على وجهه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
: انا سبق وحذرتك يا مريم.
كان مريم تتوقع الكثير من كلمات التأنيب والتوبيخ ولكنها لم تكن تتوقع ذلك الغضب الشديد الذي تواجهه الان, وهي من وجهة نظرها لم ترتكب اي خطأ يستدعي غضبه لذلك الحد, وقد عبرت عن ذلك بالكلمات وهي تحاول ضبط انفعالها ولكن يبدو انها لم تفلح: انا ما عملتش اي حاجة تستاهل كل دة.
فقال يوسف بصوت كالجليد: لا عملتي يا مريم, انا سبق وطلبت منك انك ما تتعامليش مع البني ادم اللي اسمه خالد دة وانتي عصيتي اوامري ووقفتي واتكلمتي معاه.
مريم بلهجة دفاعية: اولا انا كنت واقفة مع صاحباتي وهو اللي جه وقف معانا عشان يباركلنا على نجاح المسرحية, وثانيا احنا مش كنا واقفين لوحدينا, وثالثا بقا انا كنت مجرد برد على كلامه مش اكتر.
فقال لها يوسف متوعدا: دي اول واخر مرة يا مريم هسمحلك فيها انك تخالفي اوامري.
مريم وقد وصلت حدة انفعالها الى الذروة: انا مش جارية عندك يا يوسف عشان انفذ اوامرك وبس.
يوسف بصوت كالرعد: مريم!
بدا انها لم تشعر بمقدار الغضب الذي حملته طريقة نطقه لاسمها فاستمرت تقول وهي غير واعية تماما بما تتفوه به وقد كانت على وشك الانهيار وهي تقول بطريقة تشبه الاطفال في غضبهم: لا يا يوسف انا مش هسمحلك انك تتحكم في حياتي اكتر من كدة وكأني طفلة صغيرة مش عارفة الصح من الغلط, انت لازم تعرف يا يوسف اني خلاص كبرت وطريقة الترهيب والثواب والعقاب دي مش هتنفع معايا.
وكأنها لمست وترا حساسا لديه مما جعل مزاجه يتغير فجأة ويتلاشى الغضب من ملامحه لتحل مكانه نظرات مليئة بالتساؤل والحيرة, وكان سؤاله المباغت لها: انتي متأكدة انك كبرتي يا مريم؟!