رواية غريبة في عالمك الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم رحاب حلمي
22 =الحلقة الثانية والعشرون
*حليف جديد وعدو آخر*
كان يوسف يجلس على الأريكة في قاعة الاستقبال بفيلته وبجواره زوجته مريم وبصحبتهما عمته هادية وابنتها, فقال يوسف بلهجة ودودة: ودي محتاجة سؤال بردو يا عمتي؟ أكيد يعني هدى تقدر تشرفنا في أي وقت ولحد ماهي ما تحب.
هادية : والله يا ولدي أنا ما كنت هوافج أبدا على اكدة لولا الظروف.
يوسف معاتبا برقة: ليه بس يا عمتي؟ وهي هتقعد عند حد غريب؟ مانا بردو في الاول وفي الاخر ابن خالها وهدى طول عمرها زي أختي الصغيرة, ولا ايه؟
ثم نظر الى هدى وسألها بابتسامة ودودة: قوليلي بقا يا هدى انتي قبلتي في كلية ايه؟
هدى باندفاع وهي تقول بشيء من الغرور: قبلت في الكلية اللي انا اخترتها. كلية إعلام.
مريم باندهاش قليل: واشمعنى يعني اعلام؟
هدى بنظرة تحدي: وليه يعني مش اعلام؟ ولا اللي دخلوا اعلام يعني يبقوا احسن مننا؟
فهمت مريم الام تشير تلك الفتاة فتداركت الأمر سريعا وهي تقول بابتسامة دافئة محاولة امتصاص غضبها: لا طبعا يا حبيبتي, دة انا حتى متوقعالك من دلوقت انك هتبقي اعلامية شاطرة وزي القمر.
فردت هدى على ابتسامتها بابتسامة باردة وتقول بلهجة مقتطبة: متشكرة.
وهنا قال يوسف محاولا تلطيف الجو قليلا محدثا زوجته: طب لو سمحتي يا مريم, قولي لام ابراهيم تجهزلنا العشا.
احتجت هادية برفق وهي تتثاءب: يجعل بيتك عمران بكل خير يا ولدي, بس انا مليش نفس واصل وكمان مجدراش أجعد اكتر من اكدة, عن اذنكم بجا انا رايحة انعس في اوضتي عشان اجدر اجوم الصبح بكير وأعاود على البلد.
وبالفعل نهضت هادية لتتوجه الى حجرتها وكذلك فعلت ابنتها, فقال يوسف وهو يقترب منها: بس معقول هتمشي بسرعة كدة؟ طب ما تخليكي قاعدة معانا يومين او تلاتة كمان.
هادية: مانت خابر يا ولدي اني ما برتاحش غير في بيتي.
يوسف موافقا: خلاص اللي تشوفيه.
هادية وهي تضع يدها على كتفه في حنان: مش هوصيك عاد على بت عمتك. دي امانة في رجبتك يا ولدي.
يوسف مطمئنا:ما تخافيش يا عمتي, هدى في عينيا الاتنين.
هادية: تسلم عيونك يا ولدي. ياللا تصبحوا على خير بجا.
مريم ويوسف: وانتي من اهل الخير.
وصعدت هادية الدرج وبرفقتها ابنتها هدى, ثم نظر يوسف الى زوجته التي جلست مكانها مرة أخرى, فقال لها باقتطاب: طيب انا هدخل المكتب عشان عندي شغل لازم اخلصه.
مريم: اوك, طيب تحب أعملك حاجة تشربها؟
يوسف: ياريت فنجان قهوة.
مريم: ماشي, خمس دقايق ويكون عندك.
وتوجهت مريم ناحية المطبخ لتعد القهوة, اما يوسف فتوجه الى مكتبه لانجاز أعماله.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تقف في المطبخ تغسل بعض الأطباق بعد تناول العشاء بصحبة وليد, وبعد أن انهت عملها ولأنها لم تكن تشعر برغبة في النوم وخصوصا في هذا الوقت المبكر لذا قررت أن تشغل نفسها قليلا في ترتيب وتنظيف مطبخها وقد استغرق منها ذلك بالفعل بعض الوقت, ولكن مازال الوقت مبكرا. فكرت حياة في أنه لم يعد لديها سوى خيارين فإما ان تخرج لتجلس برفقة وليد الذي كان يشاهد التلفاز كعادته دائما كل مساء وفي تلك الحالة يجب أن تكون مستعدة تماما لسماع تعليقاته المريرة أو أن تكون قادرة على تحمل تجاهله الذي لا يطاق, وإما أن تتوجه إلى غرفتها لتجلس بمفردها وتصبح عرضة لتلك الذكريات الأليمة التي كانت تراودها منذ ذلك الحادث, ولكنها حسمت أمرها أخيرا لتختار أهون الأمرين فأعدت كوبين من النسكافيه وتوجهت إلى حيث جلس وليد, ولكنها وجدت أن التلفاز كان مغلقا و وليد كان مشغولا في قراءة شيء ما, وعندما دققت النظر وجدت أنه لم يكن سوى سيناريو المسرحية التي تقوم بتمثيل دور البطلة بها, وضعت حياة الصينية التي كانت تحملها على المنضدة الصغيرة التي أمام وليد و هي تقول ببعض الحذر وخوفا من أن يصدها كعادته: انا عملتلك كوباية نسكافيه معايا.
ولكنه لم يرفع نظره عن السيناريو الذي في يده واكتفي بقول كلمة واحدة: شكرا.
فأخذت حياة الكوب الخاص بها ثم جلست على كرسي بجوار الاريكة التي كان يجلس عليها وليد وهي تنظر اليه بتوجس, فبدا أنه قد أعطى كل تركيزه لهذا السيناريو, فهل حاز على اعجابه بالفعل؟ وقررت أن يكون ذلك هو محور نقاشهما فربما يكون هذا الموضوع هو نقطة التقائهما, لذا سألته ببعض الشجاعة التي قد تحلت بها ولكن بصوت ضعيف: عجبتك؟
يبدو انه لم يسمعها , فكررت السؤال بنبرة أعلى: بقولك المسرحية عجبتك؟
رفع وليد نظره عن الورق الذي في يده لينظر الى حياة وكأنه لم ينتبه لوجودها الا في هذه اللحظة, ثم أغلق السيناريو و وضعه على المنضدة بجوار الصينية التي أخذ منها كوب النسكافيه وارتشف بعضا منه, وعندما بدأت حياة تيأس في احتمالية رده على سؤالها ,قال أخيرا: هو مين اللي بيقوم بدور البطل؟
حياة: معيد عندنا في الكلية اسمه خالد صلاح.
وليد: بس انتي ما قولتليش قبل كدة ان هيكون معاكم راجل في المسرحية.
حياة وقد أربكها كلامه: احنا اصلا ما جتش اي فرصة قبل كدة عشان نتكلم فيها عن المسرحية. لكن زي مانت شايف هو راجل واحد والمفروض انه البطل بس بالاسم بس لان مفيش رجالة غيره في المسرحية لكنه بيظهر تلات مشاهد كل واحد فيهم ما بيزيدش عن خمس دقايق دة غير ان التلات مشاهد دول دايما بيكون معانا فيهم البنات سواء وهما صغيرين او وهما كبار.
فأومأ وليد برأسه متفهما: ع العموم السيناريو مش بطال مع ان القصة خيالية و صعب انها تحصل في الواقع.
حياة: ليه يعني؟
وليد: أصل صعب أوي أصدق ان ممكن تكون فيه ست زي وسام البطلة, يعني مش قادر اتصور ان النوع دة لسة موجود, الست المكافحة اللي بتعيش على ذكرى جوزها المتوفي لحد ما بتربي بناتها التلاتة وتطلعهم زي ما كانوا بيتمنوا هما الاتنين. على حسب علمي ان النوع دة انقرض خلاص.
حياة: اسمحلي اقولك انك غلطان, لان لو الواحدة فعلا كانت بتحب جوزها فبتفضل مخلصة لذكراه حتى بعد وفاته.
وليد مكررا كلماتها بسخرية ظاهرة: لو بتحب جوزها, ودة بقا معناه اني مستثنى من القاعدة دي؟
فوجئت حياة بسؤاله ولم تدرِ بم يمكنها ان تجيب فلزمت الصمت, ثم احتست كمية كبيرة من النسكافية مرة واحدة لتتجنب نظراته المهاجمة, وقررت أن تغير دفة الحديث فسألته: هو انت ليه ما بقتش بتروح شغلك بدري زي ما قولتلي قبل كدة؟
شعرت حياة بالندم من القائها لهذا السؤال ومما ذاد من شعورها ذلك تلك الفترة المليئة بالصمت عقب سؤالها مما جعلها تقول باعتذار وخجل شديد: انا اسفة؟
وليد مندهشا: اسفة! على ايه؟
حياة: عشان واضح اني اتعديت حدودي للمرة التانية وسألت عن حاجة ما تخصنيش.
وليد بنظرات باردة: يمكن يكون عندك حق, لكن مفيش حاجة تستدعي السرية, لان دلوقت او بعدين مسيرك تعرفي, انا حاليا بفتح شركة خاصة بيا, واحنا دلوقت في مرحلة اعداد المقر ودة مش مستدعي اني اكون هناك طول الوقت مجرد متابعة من وقت للتاني وطبعا ساعات بروح الشركة الرئيسية أتابع مع يوسف لحد ما يشوف حد يحل محلي.
حياة بابتسامة هادئة: الف مبروك وربنا يجعلها فتحة خير عليك ان شاء الله.
وليد وهو يصحح لها مشددا على كلمته: علينا.
لم تفهم حياة مقصده في البداية الا أن قال لها موضحا: المفروض انك مراتي واننا اسرة واحدة, وأنا مش هفضل على طول أفكرك بدة؟ المفروض انك خلاص اتعودتي على كدة.
فأومأت حياة برأسها موافقة, ثم نهضت وهي تقول: طب عن اذنك انا هدخل انام عشان اقدر اقوم الصبح بدري لأن سلمى دقيقة اوي في موضوع الحضور بدري دة, تصبح على خير.
وليد: وانتي من أهله.
غفت مريم على الأريكة التي كانت تجلس عليها, في حين كان يوسف لا يزال في مكتبه يعمل الى أن رن جرس الباب فأفاقت من غفوتها على صوته, ونظرت الى الساعة المعلقة بالحائط لتجدها قد قاربت على الواحدة صباحا, وبالطبع كان جميع الخدم يغرقون في سبات عميق, لذا كان عليها هي ان تنهض لتفتح الباب وهي تتساءل عمن عساه يأتي في تلك الساعة المتأخرة, وما ان فتحت الباب حتى تفاجأت بعمتها تقف أمامها بعينين دامعتين فخرجت من فمها الكلمات دون ان تدري: عمتو! مش معقول.
فقالت وردة بصوت باكي: جرى ايه يا مريم, مش هتقوليلي ادخلي؟
فأسرعت مريم تقول وقد تنحت جانبا لتفسح لها مجالا للدخول: لا طبعا ازاي يا عمتو؟ اتفضلي.
فتقدمت وردة الى الداخل بخطى متثاقلة, وبعد ان اغلقت مريم الباب أشارت الى وردة بيدها: اتفضلي يا عمتو.
وفي تلك اللحظة خرج يوسف من المكتب ليتفاجأ بدوره هو الأخر لوجود وردة في ذلك الوقت ولكن ردة فعله كانت مختلفة فقد رحب بضيفته بكل ود: عمتي! اهلا و سهلا بيكي.
فقالت وردة موجهة حديثها لابنة أخيها وزوجها وهي تشعر بالحرج الشديد: انا اسفة اني جيت في وقت متأخر زي دة, بس انا عارفة ان بابا قاعد هنا وان الفيللا بتاعته أديلها فترة مقفولة.
وكان يوسف أسرع من مريم في الرد: حضرتك البيت بيتك, وممكن تيجي في أي وقت. بس هو حضرتك جاية لوحدك؟
اجتمع كمال بعماد في مكتبه وقد كان الاجتماع سريا للغاية كما نبه على سكرتيرته بألا تسمح لأي شخص مهما كانت هويته بأن يقاطعهما.
فقال كمال: وانت بقا يا عماد ناوي تقعد في مصر كتير؟
عماد: لسة مش عارف, انا فيه شوية مشاكل في الشركة هنا لسة هحلها, واول ما تخلص هرجع تاني على مقر الشركة في لبنان.
كمال وهو يخفض صوته قليلا خوفا من ان يصل صوته لابعد من المكان الذي يجلسان فيه: طب والبضاعة هتوصل امتى؟
عماد: هي زمانها دلوقت في الطريق, يعني كلها يومين تلاتة وتوصل. بس انت تجهز باقي الحساب.
كمال: وهو انا كلت عليك حاجة قبل كدة؟ وكمان اللي هيشيل موجود وجاهز للدفع, هو دة أول تعامل بيننا ولا ايه يا عماد؟
عماد: لا, بس المرادي البضاعة أغلى, وانت عارف ان انا مجرد وسيط وعدنان مش سهل بردو.
كمال: عارف, وما تخافش اتفاقنا زي ماهو, شهر بالكتير من يوم وصول البضاعة وهتلاقي باقي المبلغ عندكم. يعني لو البضاعة زي اللي انا شفتها في لبنان دي فزبونها جاهز ومستعد يدفع اي مبلغ.
عماد: طيب تمام اوي كدة.
ثم أكمل بنظرة ماكرة: ما قولتليش بقا انت عملت ايه مع حماك العزيز؟
فأطبق كمال شفتيه في غضب شديد وهو يقول: الراجل دة يا اخي مش عارف اعمله ايه أكتر من كدة؟ لا مرض بيأثر فيه ولا اغتيال نافع معاه, لغاية ما خلاص بدأت أحس انه هيدفنا احنا كلنا وبردو هيفضل هو عايش, لا وبقا أقوى كمان بمساعدة سي يوسف جلال دة هو واخوه.
عماد: مين يوسف جلال دة؟
دة نسيبه الجديد يا سيدي اللي اتجوز البنت الاوروبية دي اللي بيقول عليها حفيدته.
عماد وقد شرد قليلا بفكره: يوسف جلال! مش دة صاحب شركة المعمار؟ دة صيته مسمع جامد.
كمال بضيق: ايوة هو يا سيدي.
عماد: بس مين اخوه دة؟ انا ما اسمعش ان ليه أخ.
كمال: اهو بكرة مسيرك تسمع, ماهو هيبقا هو كمان صاحب شركة.
عماد: طيب ما تشوفلنا معاهم اي مصلحة.
كمال: لا يا سيدي, دول بقا ملهومش اي سكة ممكن تدخلهم منها.
عماد بنظرة متآمرة: طيب تراهني؟
كمال بحذر: على ايه؟
عماد: على اني ممكن أمحيلك يوسف دة هو واخوه من على الارض.
كمال بابتسامة شيطانية: دة انت يبقا عملت فيا جميل عمري ما هنسهولك, لا , وهيبقا ليك الحلاوة كمان.
عماد: دي هيبقا اسمها عمولة مش حلاوة. اتعلمها بقا.
كمال: يا سيدي اللي هتبقا تؤمر بيه ساعتها هتاخده.
عماد وهو يمد له يده لمصافحته: يبقا اتفقنا.
فاحتضن كمال اليد الممدودة بكفيه بابتسامة عريضة: اتفقنا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلس الجميع حول طاولة الطعام, وكانت كل من مريم و حياة تساعدان ام ابراهيم في تقديم الطعام بينما رفضت هدى المشاركة في ذلك الامر تماما, وعندما انتهيا من ذلك جلست مريم في الجانب الايمن لزوجها الذي كان يترأس المائدة بينما جلست حياة بجوارها وبجانبها من الناحية الاخرى كان يجلس وليد, وبينما كانت ام ابراهيم تضع آخر صينية بيدها على الطاولة ,قال لها وليد: ما تعرفيش يا ام ابراهيم, انا اد ايه وحشني اكلك دة؟
فتبسمت ام ابراهيم لمديحه وقالت: بالهنا والشفا يا باشمهندس. بس الحقيقة بقا مراتك نفسها حلو في الاكل, هي والست مريم اللي ساعدوني النهاردة.
فقال يوسف مداعبا: طيب انا بقا مش هاكل غير من الاصناف اللي عملتها مراتي.
قالت حياة مازحة وهي تنظر الى مريم: كدة بقا يبقا حضرتك يا باشمهندس ناوي انك تموت من الجوع.
فنظرت اليها مريم بغيظ: بقا كدة يا حياة, قال يعني انتي اللي المطاعم كلها بتتنافس عليكي.
فرد عليها وليد مشيرا بيده في تحذير: لا عندك بقا يا مريم, انا واثق تمام في أكل مراتي حبيبتي, الرك والباقي بقا على جوزك اللي المطاعم شغالة على حسه.
فضحك الجميع على ذلك المزاح اللطيف بينما ظلت حياة تستطعم تلك الطريقة الحميمية التي نطق بها وليد اسمها, للمرة الاولى منذ زواجهما.
وفي الجانب الاخر قال ماهر لهدى التي كانت تجلس بجواره بصوت خافت: وانتي بقا عملتي ايه يا انسة هدى؟ ولا انتي لسة صغيرة على دخول المطبخ؟
فشعرت هدى بالغضب يشعل وجنتيها, ولكنها حاولت السيطرة على انفعالها حتى لا يلاحظ أحد ذلك, فردت عليه وهي تصر على اسنانها من شدة غضبها الذي تحاول كتمانه: انا مش صغيرة, انا داخلة اولى اعلام السنادي.
ماهر: طب خلاص خلاص, وزعلانة كدة ليه؟ انا اسف يا ستي. انتي كبيرة وكبيرة اوي كمان.
ثم نظر الي امه التي كانت تجلس على الجانب الاخر له وقال بصوت سمعه الجميع: ماما! ان شاء الله بقا بعد ما نتغدى, هتروحي معايا.
وردة: لا يا ماهر, انا مش هرجع معاك بعد اللي عمله باباك, انا مليش عيشة معاه بعد كدة. انا هقعد مع بابا هنا لحد ما يقدر يتحرك و بعدها نرجع سوا على فيلتنا.
حاول ماهر الاعتراض: بس يا ماما............
فقاطعه يوسف قائلا: لو سمحت يا ماهر سيب مامتك على راحتها, وسواء هنا او في فيللا عمي عبدالرءوف فهي مش هتبقا قاعدة مع حد غريب ع الاقل لحد الامور ما تهدى.
وكالعادة لم يستطع ان يعترض أحد على كلامه, فامتثل ماهر لامره المبطن في صيغة طلب.
وتناول الجميع وجبة الغداء ثم القهوة الى ان حان الوقت لمغادرة ماهر, فودع ماهر الحاضرين ثم خرج وفي اثره يوسف الذي قام بتوصيله حتى باب الفيلا فصافحه ماهر وقال له بامتنان حقيقي: انا متشكر اوي يا يوسف ع اللي عملته مع ماما وبتعمله دلوقت مع جدي.
يوسف: انا ما عملتش اي حاجة تستاهل الشكر.
ماهر: ازاي بقا؟ الموقف بتاع امبارح دة لوحده يخليني مدينلك بحياتي كلها, واحد غيرك كان بعد اللي عمله بابا معاك وانا كمان كان ممكن يطرد ماما من بيته والله اعلم كان هيبقا مصيرها ايه دلوقت؟
يوسف: اديك قولت بنفسك, واحد غيري يعني مش انا. يا ماهر انا لو باباك نفسه رغم عداوتي معاه واللي انت عارفها كويس, فلو جه يوم ودخل بيتي يتحامى فيه انا مش هقدر اتخلى عنه.
ماهر بخجل شديد: عشان كدة انا بجد اسف للفكرة اللي كنت واخدها عنك, وياريت تسامحني على كل خطأ ارتكبته في حقك.
يوسف وهو يربت على كتفه بابتسامة صادقة: عيب تقول كدة, دة احنا في الاول وفي الاخر اهل.
ماهر: وانا لاول مرة هقولك اني بجد سعيد جدا بالنسب دة, عن اذنك.
يوسف: مع السلامة.
ماهر: الله يسلمك.
ورحل ماهر ونظرات يوسف الباسمة تشيعه وقد كان يشعر بالرضا التام لانه اليوم فقط قد كسب في صفه حليفا جديد , ولكنه كان يجهل انه في نفس اليوم قد تحالف ضده عدوا آخر.
*حليف جديد وعدو آخر*
كان يوسف يجلس على الأريكة في قاعة الاستقبال بفيلته وبجواره زوجته مريم وبصحبتهما عمته هادية وابنتها, فقال يوسف بلهجة ودودة: ودي محتاجة سؤال بردو يا عمتي؟ أكيد يعني هدى تقدر تشرفنا في أي وقت ولحد ماهي ما تحب.
هادية : والله يا ولدي أنا ما كنت هوافج أبدا على اكدة لولا الظروف.
يوسف معاتبا برقة: ليه بس يا عمتي؟ وهي هتقعد عند حد غريب؟ مانا بردو في الاول وفي الاخر ابن خالها وهدى طول عمرها زي أختي الصغيرة, ولا ايه؟
ثم نظر الى هدى وسألها بابتسامة ودودة: قوليلي بقا يا هدى انتي قبلتي في كلية ايه؟
هدى باندفاع وهي تقول بشيء من الغرور: قبلت في الكلية اللي انا اخترتها. كلية إعلام.
مريم باندهاش قليل: واشمعنى يعني اعلام؟
هدى بنظرة تحدي: وليه يعني مش اعلام؟ ولا اللي دخلوا اعلام يعني يبقوا احسن مننا؟
فهمت مريم الام تشير تلك الفتاة فتداركت الأمر سريعا وهي تقول بابتسامة دافئة محاولة امتصاص غضبها: لا طبعا يا حبيبتي, دة انا حتى متوقعالك من دلوقت انك هتبقي اعلامية شاطرة وزي القمر.
فردت هدى على ابتسامتها بابتسامة باردة وتقول بلهجة مقتطبة: متشكرة.
وهنا قال يوسف محاولا تلطيف الجو قليلا محدثا زوجته: طب لو سمحتي يا مريم, قولي لام ابراهيم تجهزلنا العشا.
احتجت هادية برفق وهي تتثاءب: يجعل بيتك عمران بكل خير يا ولدي, بس انا مليش نفس واصل وكمان مجدراش أجعد اكتر من اكدة, عن اذنكم بجا انا رايحة انعس في اوضتي عشان اجدر اجوم الصبح بكير وأعاود على البلد.
وبالفعل نهضت هادية لتتوجه الى حجرتها وكذلك فعلت ابنتها, فقال يوسف وهو يقترب منها: بس معقول هتمشي بسرعة كدة؟ طب ما تخليكي قاعدة معانا يومين او تلاتة كمان.
هادية: مانت خابر يا ولدي اني ما برتاحش غير في بيتي.
يوسف موافقا: خلاص اللي تشوفيه.
هادية وهي تضع يدها على كتفه في حنان: مش هوصيك عاد على بت عمتك. دي امانة في رجبتك يا ولدي.
يوسف مطمئنا:ما تخافيش يا عمتي, هدى في عينيا الاتنين.
هادية: تسلم عيونك يا ولدي. ياللا تصبحوا على خير بجا.
مريم ويوسف: وانتي من اهل الخير.
وصعدت هادية الدرج وبرفقتها ابنتها هدى, ثم نظر يوسف الى زوجته التي جلست مكانها مرة أخرى, فقال لها باقتطاب: طيب انا هدخل المكتب عشان عندي شغل لازم اخلصه.
مريم: اوك, طيب تحب أعملك حاجة تشربها؟
يوسف: ياريت فنجان قهوة.
مريم: ماشي, خمس دقايق ويكون عندك.
وتوجهت مريم ناحية المطبخ لتعد القهوة, اما يوسف فتوجه الى مكتبه لانجاز أعماله.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تقف في المطبخ تغسل بعض الأطباق بعد تناول العشاء بصحبة وليد, وبعد أن انهت عملها ولأنها لم تكن تشعر برغبة في النوم وخصوصا في هذا الوقت المبكر لذا قررت أن تشغل نفسها قليلا في ترتيب وتنظيف مطبخها وقد استغرق منها ذلك بالفعل بعض الوقت, ولكن مازال الوقت مبكرا. فكرت حياة في أنه لم يعد لديها سوى خيارين فإما ان تخرج لتجلس برفقة وليد الذي كان يشاهد التلفاز كعادته دائما كل مساء وفي تلك الحالة يجب أن تكون مستعدة تماما لسماع تعليقاته المريرة أو أن تكون قادرة على تحمل تجاهله الذي لا يطاق, وإما أن تتوجه إلى غرفتها لتجلس بمفردها وتصبح عرضة لتلك الذكريات الأليمة التي كانت تراودها منذ ذلك الحادث, ولكنها حسمت أمرها أخيرا لتختار أهون الأمرين فأعدت كوبين من النسكافيه وتوجهت إلى حيث جلس وليد, ولكنها وجدت أن التلفاز كان مغلقا و وليد كان مشغولا في قراءة شيء ما, وعندما دققت النظر وجدت أنه لم يكن سوى سيناريو المسرحية التي تقوم بتمثيل دور البطلة بها, وضعت حياة الصينية التي كانت تحملها على المنضدة الصغيرة التي أمام وليد و هي تقول ببعض الحذر وخوفا من أن يصدها كعادته: انا عملتلك كوباية نسكافيه معايا.
ولكنه لم يرفع نظره عن السيناريو الذي في يده واكتفي بقول كلمة واحدة: شكرا.
فأخذت حياة الكوب الخاص بها ثم جلست على كرسي بجوار الاريكة التي كان يجلس عليها وليد وهي تنظر اليه بتوجس, فبدا أنه قد أعطى كل تركيزه لهذا السيناريو, فهل حاز على اعجابه بالفعل؟ وقررت أن يكون ذلك هو محور نقاشهما فربما يكون هذا الموضوع هو نقطة التقائهما, لذا سألته ببعض الشجاعة التي قد تحلت بها ولكن بصوت ضعيف: عجبتك؟
يبدو انه لم يسمعها , فكررت السؤال بنبرة أعلى: بقولك المسرحية عجبتك؟
رفع وليد نظره عن الورق الذي في يده لينظر الى حياة وكأنه لم ينتبه لوجودها الا في هذه اللحظة, ثم أغلق السيناريو و وضعه على المنضدة بجوار الصينية التي أخذ منها كوب النسكافيه وارتشف بعضا منه, وعندما بدأت حياة تيأس في احتمالية رده على سؤالها ,قال أخيرا: هو مين اللي بيقوم بدور البطل؟
حياة: معيد عندنا في الكلية اسمه خالد صلاح.
وليد: بس انتي ما قولتليش قبل كدة ان هيكون معاكم راجل في المسرحية.
حياة وقد أربكها كلامه: احنا اصلا ما جتش اي فرصة قبل كدة عشان نتكلم فيها عن المسرحية. لكن زي مانت شايف هو راجل واحد والمفروض انه البطل بس بالاسم بس لان مفيش رجالة غيره في المسرحية لكنه بيظهر تلات مشاهد كل واحد فيهم ما بيزيدش عن خمس دقايق دة غير ان التلات مشاهد دول دايما بيكون معانا فيهم البنات سواء وهما صغيرين او وهما كبار.
فأومأ وليد برأسه متفهما: ع العموم السيناريو مش بطال مع ان القصة خيالية و صعب انها تحصل في الواقع.
حياة: ليه يعني؟
وليد: أصل صعب أوي أصدق ان ممكن تكون فيه ست زي وسام البطلة, يعني مش قادر اتصور ان النوع دة لسة موجود, الست المكافحة اللي بتعيش على ذكرى جوزها المتوفي لحد ما بتربي بناتها التلاتة وتطلعهم زي ما كانوا بيتمنوا هما الاتنين. على حسب علمي ان النوع دة انقرض خلاص.
حياة: اسمحلي اقولك انك غلطان, لان لو الواحدة فعلا كانت بتحب جوزها فبتفضل مخلصة لذكراه حتى بعد وفاته.
وليد مكررا كلماتها بسخرية ظاهرة: لو بتحب جوزها, ودة بقا معناه اني مستثنى من القاعدة دي؟
فوجئت حياة بسؤاله ولم تدرِ بم يمكنها ان تجيب فلزمت الصمت, ثم احتست كمية كبيرة من النسكافية مرة واحدة لتتجنب نظراته المهاجمة, وقررت أن تغير دفة الحديث فسألته: هو انت ليه ما بقتش بتروح شغلك بدري زي ما قولتلي قبل كدة؟
شعرت حياة بالندم من القائها لهذا السؤال ومما ذاد من شعورها ذلك تلك الفترة المليئة بالصمت عقب سؤالها مما جعلها تقول باعتذار وخجل شديد: انا اسفة؟
وليد مندهشا: اسفة! على ايه؟
حياة: عشان واضح اني اتعديت حدودي للمرة التانية وسألت عن حاجة ما تخصنيش.
وليد بنظرات باردة: يمكن يكون عندك حق, لكن مفيش حاجة تستدعي السرية, لان دلوقت او بعدين مسيرك تعرفي, انا حاليا بفتح شركة خاصة بيا, واحنا دلوقت في مرحلة اعداد المقر ودة مش مستدعي اني اكون هناك طول الوقت مجرد متابعة من وقت للتاني وطبعا ساعات بروح الشركة الرئيسية أتابع مع يوسف لحد ما يشوف حد يحل محلي.
حياة بابتسامة هادئة: الف مبروك وربنا يجعلها فتحة خير عليك ان شاء الله.
وليد وهو يصحح لها مشددا على كلمته: علينا.
لم تفهم حياة مقصده في البداية الا أن قال لها موضحا: المفروض انك مراتي واننا اسرة واحدة, وأنا مش هفضل على طول أفكرك بدة؟ المفروض انك خلاص اتعودتي على كدة.
فأومأت حياة برأسها موافقة, ثم نهضت وهي تقول: طب عن اذنك انا هدخل انام عشان اقدر اقوم الصبح بدري لأن سلمى دقيقة اوي في موضوع الحضور بدري دة, تصبح على خير.
وليد: وانتي من أهله.
غفت مريم على الأريكة التي كانت تجلس عليها, في حين كان يوسف لا يزال في مكتبه يعمل الى أن رن جرس الباب فأفاقت من غفوتها على صوته, ونظرت الى الساعة المعلقة بالحائط لتجدها قد قاربت على الواحدة صباحا, وبالطبع كان جميع الخدم يغرقون في سبات عميق, لذا كان عليها هي ان تنهض لتفتح الباب وهي تتساءل عمن عساه يأتي في تلك الساعة المتأخرة, وما ان فتحت الباب حتى تفاجأت بعمتها تقف أمامها بعينين دامعتين فخرجت من فمها الكلمات دون ان تدري: عمتو! مش معقول.
فقالت وردة بصوت باكي: جرى ايه يا مريم, مش هتقوليلي ادخلي؟
فأسرعت مريم تقول وقد تنحت جانبا لتفسح لها مجالا للدخول: لا طبعا ازاي يا عمتو؟ اتفضلي.
فتقدمت وردة الى الداخل بخطى متثاقلة, وبعد ان اغلقت مريم الباب أشارت الى وردة بيدها: اتفضلي يا عمتو.
وفي تلك اللحظة خرج يوسف من المكتب ليتفاجأ بدوره هو الأخر لوجود وردة في ذلك الوقت ولكن ردة فعله كانت مختلفة فقد رحب بضيفته بكل ود: عمتي! اهلا و سهلا بيكي.
فقالت وردة موجهة حديثها لابنة أخيها وزوجها وهي تشعر بالحرج الشديد: انا اسفة اني جيت في وقت متأخر زي دة, بس انا عارفة ان بابا قاعد هنا وان الفيللا بتاعته أديلها فترة مقفولة.
وكان يوسف أسرع من مريم في الرد: حضرتك البيت بيتك, وممكن تيجي في أي وقت. بس هو حضرتك جاية لوحدك؟
اجتمع كمال بعماد في مكتبه وقد كان الاجتماع سريا للغاية كما نبه على سكرتيرته بألا تسمح لأي شخص مهما كانت هويته بأن يقاطعهما.
فقال كمال: وانت بقا يا عماد ناوي تقعد في مصر كتير؟
عماد: لسة مش عارف, انا فيه شوية مشاكل في الشركة هنا لسة هحلها, واول ما تخلص هرجع تاني على مقر الشركة في لبنان.
كمال وهو يخفض صوته قليلا خوفا من ان يصل صوته لابعد من المكان الذي يجلسان فيه: طب والبضاعة هتوصل امتى؟
عماد: هي زمانها دلوقت في الطريق, يعني كلها يومين تلاتة وتوصل. بس انت تجهز باقي الحساب.
كمال: وهو انا كلت عليك حاجة قبل كدة؟ وكمان اللي هيشيل موجود وجاهز للدفع, هو دة أول تعامل بيننا ولا ايه يا عماد؟
عماد: لا, بس المرادي البضاعة أغلى, وانت عارف ان انا مجرد وسيط وعدنان مش سهل بردو.
كمال: عارف, وما تخافش اتفاقنا زي ماهو, شهر بالكتير من يوم وصول البضاعة وهتلاقي باقي المبلغ عندكم. يعني لو البضاعة زي اللي انا شفتها في لبنان دي فزبونها جاهز ومستعد يدفع اي مبلغ.
عماد: طيب تمام اوي كدة.
ثم أكمل بنظرة ماكرة: ما قولتليش بقا انت عملت ايه مع حماك العزيز؟
فأطبق كمال شفتيه في غضب شديد وهو يقول: الراجل دة يا اخي مش عارف اعمله ايه أكتر من كدة؟ لا مرض بيأثر فيه ولا اغتيال نافع معاه, لغاية ما خلاص بدأت أحس انه هيدفنا احنا كلنا وبردو هيفضل هو عايش, لا وبقا أقوى كمان بمساعدة سي يوسف جلال دة هو واخوه.
عماد: مين يوسف جلال دة؟
دة نسيبه الجديد يا سيدي اللي اتجوز البنت الاوروبية دي اللي بيقول عليها حفيدته.
عماد وقد شرد قليلا بفكره: يوسف جلال! مش دة صاحب شركة المعمار؟ دة صيته مسمع جامد.
كمال بضيق: ايوة هو يا سيدي.
عماد: بس مين اخوه دة؟ انا ما اسمعش ان ليه أخ.
كمال: اهو بكرة مسيرك تسمع, ماهو هيبقا هو كمان صاحب شركة.
عماد: طيب ما تشوفلنا معاهم اي مصلحة.
كمال: لا يا سيدي, دول بقا ملهومش اي سكة ممكن تدخلهم منها.
عماد بنظرة متآمرة: طيب تراهني؟
كمال بحذر: على ايه؟
عماد: على اني ممكن أمحيلك يوسف دة هو واخوه من على الارض.
كمال بابتسامة شيطانية: دة انت يبقا عملت فيا جميل عمري ما هنسهولك, لا , وهيبقا ليك الحلاوة كمان.
عماد: دي هيبقا اسمها عمولة مش حلاوة. اتعلمها بقا.
كمال: يا سيدي اللي هتبقا تؤمر بيه ساعتها هتاخده.
عماد وهو يمد له يده لمصافحته: يبقا اتفقنا.
فاحتضن كمال اليد الممدودة بكفيه بابتسامة عريضة: اتفقنا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلس الجميع حول طاولة الطعام, وكانت كل من مريم و حياة تساعدان ام ابراهيم في تقديم الطعام بينما رفضت هدى المشاركة في ذلك الامر تماما, وعندما انتهيا من ذلك جلست مريم في الجانب الايمن لزوجها الذي كان يترأس المائدة بينما جلست حياة بجوارها وبجانبها من الناحية الاخرى كان يجلس وليد, وبينما كانت ام ابراهيم تضع آخر صينية بيدها على الطاولة ,قال لها وليد: ما تعرفيش يا ام ابراهيم, انا اد ايه وحشني اكلك دة؟
فتبسمت ام ابراهيم لمديحه وقالت: بالهنا والشفا يا باشمهندس. بس الحقيقة بقا مراتك نفسها حلو في الاكل, هي والست مريم اللي ساعدوني النهاردة.
فقال يوسف مداعبا: طيب انا بقا مش هاكل غير من الاصناف اللي عملتها مراتي.
قالت حياة مازحة وهي تنظر الى مريم: كدة بقا يبقا حضرتك يا باشمهندس ناوي انك تموت من الجوع.
فنظرت اليها مريم بغيظ: بقا كدة يا حياة, قال يعني انتي اللي المطاعم كلها بتتنافس عليكي.
فرد عليها وليد مشيرا بيده في تحذير: لا عندك بقا يا مريم, انا واثق تمام في أكل مراتي حبيبتي, الرك والباقي بقا على جوزك اللي المطاعم شغالة على حسه.
فضحك الجميع على ذلك المزاح اللطيف بينما ظلت حياة تستطعم تلك الطريقة الحميمية التي نطق بها وليد اسمها, للمرة الاولى منذ زواجهما.
وفي الجانب الاخر قال ماهر لهدى التي كانت تجلس بجواره بصوت خافت: وانتي بقا عملتي ايه يا انسة هدى؟ ولا انتي لسة صغيرة على دخول المطبخ؟
فشعرت هدى بالغضب يشعل وجنتيها, ولكنها حاولت السيطرة على انفعالها حتى لا يلاحظ أحد ذلك, فردت عليه وهي تصر على اسنانها من شدة غضبها الذي تحاول كتمانه: انا مش صغيرة, انا داخلة اولى اعلام السنادي.
ماهر: طب خلاص خلاص, وزعلانة كدة ليه؟ انا اسف يا ستي. انتي كبيرة وكبيرة اوي كمان.
ثم نظر الي امه التي كانت تجلس على الجانب الاخر له وقال بصوت سمعه الجميع: ماما! ان شاء الله بقا بعد ما نتغدى, هتروحي معايا.
وردة: لا يا ماهر, انا مش هرجع معاك بعد اللي عمله باباك, انا مليش عيشة معاه بعد كدة. انا هقعد مع بابا هنا لحد ما يقدر يتحرك و بعدها نرجع سوا على فيلتنا.
حاول ماهر الاعتراض: بس يا ماما............
فقاطعه يوسف قائلا: لو سمحت يا ماهر سيب مامتك على راحتها, وسواء هنا او في فيللا عمي عبدالرءوف فهي مش هتبقا قاعدة مع حد غريب ع الاقل لحد الامور ما تهدى.
وكالعادة لم يستطع ان يعترض أحد على كلامه, فامتثل ماهر لامره المبطن في صيغة طلب.
وتناول الجميع وجبة الغداء ثم القهوة الى ان حان الوقت لمغادرة ماهر, فودع ماهر الحاضرين ثم خرج وفي اثره يوسف الذي قام بتوصيله حتى باب الفيلا فصافحه ماهر وقال له بامتنان حقيقي: انا متشكر اوي يا يوسف ع اللي عملته مع ماما وبتعمله دلوقت مع جدي.
يوسف: انا ما عملتش اي حاجة تستاهل الشكر.
ماهر: ازاي بقا؟ الموقف بتاع امبارح دة لوحده يخليني مدينلك بحياتي كلها, واحد غيرك كان بعد اللي عمله بابا معاك وانا كمان كان ممكن يطرد ماما من بيته والله اعلم كان هيبقا مصيرها ايه دلوقت؟
يوسف: اديك قولت بنفسك, واحد غيري يعني مش انا. يا ماهر انا لو باباك نفسه رغم عداوتي معاه واللي انت عارفها كويس, فلو جه يوم ودخل بيتي يتحامى فيه انا مش هقدر اتخلى عنه.
ماهر بخجل شديد: عشان كدة انا بجد اسف للفكرة اللي كنت واخدها عنك, وياريت تسامحني على كل خطأ ارتكبته في حقك.
يوسف وهو يربت على كتفه بابتسامة صادقة: عيب تقول كدة, دة احنا في الاول وفي الاخر اهل.
ماهر: وانا لاول مرة هقولك اني بجد سعيد جدا بالنسب دة, عن اذنك.
يوسف: مع السلامة.
ماهر: الله يسلمك.
ورحل ماهر ونظرات يوسف الباسمة تشيعه وقد كان يشعر بالرضا التام لانه اليوم فقط قد كسب في صفه حليفا جديد , ولكنه كان يجهل انه في نفس اليوم قد تحالف ضده عدوا آخر.