اخر الروايات

رواية غريبة في عالمك الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم رحاب حلمي


21 = ج 1=
الحلقة الحادية والعشرون


*عودة الماضي*

دخل وليد مكتب أخية الذي كان يجلس على كرسيه يطالع بعض الاوراق, فلفت وليد انتباهه مازحا: مش محتاج أي مساعدة ولا قررت انك خلاص هتستغنى عن خدماتي؟
فهب يوسف واقفا مظهرا مدى سعادته برؤية أخيه الصغير وتقدم نحوه يدفعه الشوق والحنين فاتحا ذراعيه: وليد بيه, مش معقول؟! وحشتني يا غالي.
فبادله وليد العناق وقد كان بالفعل يشتاق الى حضن أخيه كثيرا ولكنه فضل العتاب بلهجة مرحة وهو يدفعه بعيدا عنه بلطف: يا عم اوعى كدة. دة انت حتى ما كلفتش خاطرك واتصلت تسأل عليا ولو مرة واحدة.
ظهرت الجدية على وجه يوسف ولكنها كانت مبطنة بروح الفكاهة: معلش بقا يا صاحبي أصلي خفت ع الرصيد وانت عارف بقا اخوك كارت مش خط.
وليد محذرا: يوسف! انت هتعملهم عليا ولا ايه؟ انا بتكلم بجد.
يوسف: اتصل بيك فين يابني؟ انت نسيت؟ انت عريس واكيد ما كنتش فاضي للكلام دة. دة غير مراتك اللي ممكن ساعتها تخليك تتبرى مني, الا قولي صحيح , هي عاملة ايه؟
ثم غمز له بنظرة خاصة وهو يدفعه بكتفه قليلا: وانت عامل ايه معاها؟
ورغم انه كان قد أعد بعض الردود الخاصة لتلك الاسئلة الا انه شعر ببعض التوتر في صوته وهو يجيب: الحمد لله, احنا بخير.
وبالطبع فهو يستطيع أن يخدع الجميع بابتسامته الكاذبة وسعادته الزائفة إلا شخصا واحدا وهو يوسف جلال الذي لم تنطلي عليه تلك الحيلة, ولكنه قرر ألا يتدخل في الأمر الا اذا طُلب منه ذلك. فألقى نظرة سريعة الى ساعة يده, واكتسى وجهه بالجدية وهو يقول بصوت أراده أن يكون صارما: طيب قولي بقا انت ايه اللي اخرك؟ ولا الجواز علمك الكسل؟
وليد وهو يمسك بيد أخيه ليجلسه بجواره: طب تعالى بس اقعد عشان انا عاوزة اكلمك في موضوع مهم.
يوسف وهو يجلس بجوار أخيه: دة انت مش جاي عشان الشغل بقا.
وليد: ما هو الموضوع اللي انا هكلمك فيه دة هو موضوع شغل بردو.
يوسف مازحا: شكلك كدة عاوز زيادة في المرتب طبعا بقا يا سيدي مانت بقيت رب اسرة. ع العموم اطمن انا عملت حساب الموضوع دة.
وليد جادا: لا يا يوسف, انا كنت عاوز أستقيل من الشغل.
يوسف مندهشا: تستقيل! ازاي يعني؟ طب ليه؟
وليد: مانا يا عم يوسف مش هفضل حابس نفسي في وظيفة ومرتب طول العمر.
يوسف: مانت اللي كنت عاوز كدة. مانا ياما عرضت عليك تمسك معايا الادارة وانت كنت دايما بترفض. ع العموم احنا لسة فيها, والشركة شركتك زي ما هي شركتي ودة حقك يابني.
وليد: يا يوسف انت فهمتني غلط. انا بفكر في حاجة تانية, بصراحة كدة انا عاوز افتح شركة لوحدي, وكنت جاي أخد رأيك في الموضوع.
يوسف بعد لحظات من التفكير: تشتغل لوحدك؟!اممممممم, انت فكرت كويس في الموضوع دة؟
وليد: مانت عارف يا يوسف اني بفكر فيه من زمان.
يوسف: اه بس ما كنتش عارف انه هيحصل بسرعة كدة.
وليد ببعض الاحباط: لو انت عاوزني اجله مفيش مشكلة.
فربت يوسف على كتفه بتشجيع: لا يا صاحبي, اعمل انت بس دراسة جدوى وشوف هتبدأ امتى؟
وليد بحماس زائد: انا اليومين اللي فاتوا دول كنت بعمل دراسة الجدوى وخلصتها تقريبا وناوي ان شاء الله أبدأ في أقرب وقت.
يوسف مداعبا: عملت دراسة الجدوى في اليوم اللي فاتوا؟
ثم أكمل ساخرا: وهي العروسة فتحت نفسك ع الشغل بالشكل دة؟!
أدرك وليد الخطأ الذي أوقع نفسه فيه, وقد لام نفسه كثيرا على ذلك فهو يعلم جيدا أن أخيه لا يفوته شاردة أو واردة, لذا حاول تدارك الأمر سريعا فاغتصب ابتسامة وهو يقول: وبعدين معاك يا يوسف. انت مفيش كلمة بتعدي عليك أبدا من غير ما تعلق عليها؟
يوسف بجدية ونظرات معاتبة:: دة لانها اول مرة تكدب عليا فيها يا صاحبي.
بدا ان وليد لم يدرك ما يقصده أخوه فسأله مستوضحا: وانا كنت كدبت عليك في ايه يا يوسف؟
يوسف بنظرة خاصة: يعني انت مش عارف؟
وليد بصدق: لا مش عارف, طب قولي انت يمكن أكون مش واخد بالي.
فأمال يوسف ناحيته قليلا و وقرر أن يكون سؤاله مباشرا بدلا من تلك المراوغة العقيمة التي لم يعتادها مع اخيه: انت ليه لما سألتك قبل جوازك اذا كان فيه حاجة حصلت بينك وبين حياة أنكرت؟
وليد: لان دي هي الحقيقة, ما كنش فيه حاجة حصلت بيني وبينها قبل الجواز.
ثم أكمل يقول لنفسه بألم: ولا بعد الجوز.
بدا ان يوسف لم يكتفِ بهذا الرد, بل انه لم يقتنع به على الاطلاق لذا أكمل استجوابه: أمال ليه كان كل اللي حصل دة في ليلة الدخلة؟ انت عارف لو كان أهلها صمموا ع اللي هما عاوزينه ما كنش حد هيقدر يمنعهم ولا انا شخصيا.
وامتلأ صوته بنبرات العتاب واللوم وهو يستطرد: ليه يا وليد؟ مادام كنت ناوي تتجوزها من البداية يبقا ليه تستعجل وتحط نفسك في موضع شبهة؟
شعر وليد بأن كل كلمة يقولها يوسف وكأنها سكين بارد يمزقه إربا, أو كأنها الملح الذي وُضع على جراحه ليزيد من آلامه, ولانه لم يستطع أن يتحمل نظرات الاتهام في عينيه فاندمع مدافعا عن نفسه بصوت أجش: هتصدقني يا يوسف لو قولتلك اني بريء م التهمة دي؟ واني والله ما لمست حياة قبل الجواز؟
يوسف: امال مين؟
صدمه السؤال ولم يستطع ان يرد عليه, فقال يوسف ليستحثه على الكلام: شوف يا وليد, انا مش بس أخوك الكبير دة انا كمان اللي مربيك, يعني انا ادرى واحد بيك, وانت من ساعة ما قررت انك تتجوز حياة وانا شاكك ان فيك حاجة غلط, يمكن صحيح تكون بتحبها بس انا ما شفتش في عنيك فرحة العاشق الولهان اللي صبر ونال. وليد! انت أخوية, وحياة بقت خلاص مراتك, يعني سمعتها عندي بقت من سمعتك وانا هقدر أحافظ ع الاتنين.
لم يجد وليد مفر من الرد على أخيه الذي لن يهدأ الا اذا علم الحقيقة كاملة كما انه كان في حاجة اللى دعم أخيه في هذا الشأن.
فاستجمع كل شجاعته وهو يقول: انا هقولك على كل حاجة يا يوسف لاني بجد بقيت محتاجلك اوي وما بقتش عارف اعمل ايه ولا اتصرف ازاي؟
يوسف: قول وانا سامعك.
وأخذ وليد يسرد على أخيه كل قصته مع حياة بالاضافة الى ما علمه من مريم الى ان انتهى وهو يقول بتنهيدة كبيرة تدل على ما يعانيه من الم و حيرة: هو دة كل اللي حصل.
تعاطف يوسف مع أخيه وهو يتخيل ما يحمله على عاتقه من هم صعب على أي انسان ان يتحمله, فسأله بثبات وقد قرر التزام الموضوعية في تعامله مع هذا الأمر: وناوي على ايه؟
وليد: مش عارف.
يوسف: أهم حاجة انك تكون واثق ان مراتك ضحية ومالهاش أي ذنب في اللي حصل, ولازم تتصرف معاها ع الاساس دة. وتعيش حياتك بقا. دي بقت مراتك خلاص
فأومأ وليد برأسه قليلا وهو يقول بغموض: ان شاء الله.
يوسف بتشكك: مش عارف ليه حاسس ان في دماغك حاجة تانية ومش عاوز تقولها.
وليد بتأكيد: بصراحة كدة اه, انا كنت محتاج مساعدتك في حاجة كدة هتوفر عليا كتير.
يوسف: حاجة ايه؟
هقولك بس مش دلوقت, انا كل اللي يهمني دلوقت اني افتح الشركة الاول وبعد دراسة الجدوى فاتضح اني هحتاج ع الاقل خمسة مليون جنيه كبداية, عشان كدة فانا كنت عاوزك تشتري نصيبي في الشركة و لو مش فيه سيولة كافية تغطي نصيبي فممكن تديني الخمسة مليون دلوقت وبعدين تديلي باقي المبلغ على دفعات. او زي ما تحب.
فسأله يوسف بعيون غاضبة: انت عاوز تنفصل عني للأبد بقا.
فسارع وليد الى النفي: لا طبعا انا ما كنش قصدي كدة, انا بس كنت...........
فقاطعه يوسف بحسم: خلاص يا وليد, بس انا عاوز اقولك حاجة مهمة لازم تحطها حلقة في ودنك, احنا ما ينفعش ننفصل عن بعض لاننا ملناش غير بعض, وطول ماحنا سوى هنبقا أقوياء ومحدش هيقدر يتغلب علينا, لكن لو كل واحد فينا مشي في سكة لوحده فهيبقا سهل أوي لاي راجل اعمال تاني انه يكسر شوكتنا, فاهمني يا صاحبي؟
وليد باذعان: فاهمك يا يوسف.
يوسف:اوك, يبقا من بكرة ان شاء الله هتلاقي المبلغ موجود في حسابك بالبنك, واي مبلغ تاني هتحتاجه قولي عليه من غير ما تتردد, فيه حاجة كمان كنت عاوز أطلبها منك.
وليد: ايه؟
يوسف: انا عاوز الشركة بتاعتك تكون قريبة من هنا, عشان خبر زي دة ممكن يهز السوق ويعرفوا ان حجم تعاملتنا كبر.
وليد: مفيش اي مشكلة بس فين المكان اللي ممكن ينفع؟
يوسف: فيه فيللا قريبة من هنا صاحبها عارضها للبيع بحوالي مليون ونص تقدر تشتريها وبشوية ديكور بسيط ممكن تتحول لشركة.
وليد: تمام أوي كدة ودة ممكن يوفرلي في التكاليف كمان. دة غير ان الموقع هنا ممتاز.
يوسف: اوك, يبقا من بكرة ان شاء الله هتصل بصاحب الفيللا .
وليد بحماس: وليه من بكرة يا عم يوسف, ما خير البر عاجله ونروح النهاردة.
يوسف موافقا: أوك, انا هخلي مي تجيبلي رقمه وهتصل بيه وأحدد معاه ميعاد.
وليد: اوك يا صاحبي, ويبقا اتصل بيا وبلغني بالجديد.
يوسف: ان شاء الله. وفيه طلب كمان ياريت تنفذه.
وليد: طلب ايه؟ عينيا يا كبير.
يوسف: انت هتفضل في مركزك بالشركة هنا لحد ما تخلص اجراءات شركتك او ع الاقل لحد ما نلاقي حد تاني ممكن يقوم بشغلك.
وليد: طبعا يا يوسف من غير ما تقول.
يوسف بابتسامة عريضة وهو يمد يده الى وليد: يبقا اتفقنا يا صاحبي.
فصافحه وليد بحرارة كعلامة للاتفاق: احنا عمرنا ما اختلفنا يا كبير, ويارب دايما ما نختلف

21 = الجزء الثانى = ونكمل بالليل
بعد ان استقبلها الجميع بالحفاوة والترحاب سألتها هالة بمشاكسة: بس ايه دة؟ دة انتي طلعتي جبارة على كدة, ازاي قدرتي تقنعي جوزك انك تنزلي تالت يوم جواز.
حياة بابتسامة مزيفة وهي تخفي مدى الالم الذي يعتصر به قلبها: لا, ماهو انا ووليد كنا متفقين على كدة من الاول. وهو كمان نزل الشغل من النهاردة.
سلمى بصرامة: طب ياللا بقا يا حياة وبلاش تضييع وقت اكتر من كدة, كفاية الايام اللي فاتت.
حياة بانصياع لاوامر صديقتها المخرجة: اوك وأنا جاهزة.
ثم تلفتت حولها وسألت: امال فين البنت مريم؟ وكمان استاذ خالد مش ظاهر ليه؟
سلمى: استاذ خالد استأذن انه هيتأخر النهاردة يعني شوية كدة وهييجي ان شاء الله, اما مريم فاتصلت بيا وقالتلي انها مش هتقدر تيجي دة غير انها طلبت مني اني اسمحلها تنفذ الشغل المطلوب منها في البيت. وابقا اروحلها عشان اشوفه.
حياة مندهشة: غريبة اوي! وما قالتش ايه السبب؟
سلمى: حاولت اني افهم منها لكن واضح انها ما كنتش حابة تقول اي حاجة, عشان كدة مش رضيت اضغط عليها ووافقت على اقتراحها.
حياة: واضح ان الامر ما يطمنش. ع العموم بعد ما نخلص هبقا اعدي عليها ان شاء الله وافهم منها ايه اللي بيحصل.
سلمى: اوك, ويبقا طمنينا بردو اصلها تعبت شوية امبارح ويمكن دة السبب اللي خلاها ما عرفتش تيجي, وقوليلها ان شاء الله اني هعدي عليها بكرة.
وهنا دخل خالد ملقيا التحية بلهجة مرحة ومشددا على كل كلمة بها: السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
فرد الجميع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم وجه كلامه الى سلمى: اولا انا اسف ع التأخير.
سلمى: مفيش داعي للاعتذار, حصل خير
وأكمل ناظرا تجاه حياة: وثانيا, حمدالله ع السلامة يا مدام حياة, والف مبروك ولو انها جات متأخرة شوية.
حياة بابتسامة هادئة: الله يبارك فيك.
سلمى موجهة اوامرها للجميع: اوك. بما اننا اكتملنا دلوقت فنقدر بقا نبدأ شغلنا, احنا هنبدأ الاول بالمشاهد اللي فيها حياة عشان نعوض اللي فات.
فسأل خالد بعد ان أجال بنظره في القاعة: امال فين مريم؟
سلمى: اتصلت وقالت انها مش هتيجي, اظاهر كدة انها لسة تعبانة.
فقال خالد في نفسه مخفيا دهشته امام الجميع: معقول يكون غيابها بسبب الموقف بتاع امبارح؟

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وبالفعل زارت حياة صديقتها في الفيللا للاطمئنان عليها ولتستفسر منها عن سبب غيابها وبعد الحاح كبير اضطرت ان تقص مريم عليها كل ما حصل ابتداء من لقائهما هي وزوجها بخالد صلاح في المطعم منتهية بقرارا زوجها الحاسم بعدم زهابها الى المسرح مجددا.
وبعد ان انتهت وعلى غير ما توقعت تماما وبدلا من الاندهاش أو المواساة رأت صديقتها تضحك بشكل اغاظها كثيرا فسألتها: ممكن اعرف بقا حضرتك بتضحكي على ايه دلوقت؟
حياة: مانتي لو كنتي بتفهمي كويس يا عبيطة كان زمانك بتضحكي معايا.
مريم بحيرة: اضحك على ايه؟ هو فيه حاجة من اللي انا قولتها تضحك؟
حياة: طبعا, دي تضحك وتضحك, وتخليكي أسعد واحدة في الدنيا كمان.
مريم: يعني ايه بقا؟ ما بقتش فاهماكي يا حياة.
حياة موضحة: أفهمك انا, تفتكري يوسف جوزك, عمل كدة ليه؟ وأكيد يعني قراره دة ما كنش من فراغ.
مريم بغيظ: استبداد بعيد عنك, اهو عاوز يفرض سيطرته وخلاص زي ما هو كمان عارف اني مش هقدر اعارضه ع الاقل اليومين دول بسبب وجود جدو هنا.
حياة: مش بقولك عبيطة
فرفعت مريم يدها مهددة: بت انتي, اتلمي احسن اضربك, وفهميني كدة بالراحة انتي تقصدي ايه؟ وشايفة يعني ليه يوسف بيعمل معايا كدة؟
حياة بصوت حالم: عشان بيغير يا جميل.
تفاجأت مريم من الكلمة ورددتها بدون وعي: بيغير!
ثم اسبعدت الفكرة سريعا وهي تقول: انتي بتقولي ايه؟ لا طبعا مش صح, وهو ايه يعني اللي يخليه يغير؟ يا بنتي اللي بيغير على حد دة يبقا اكيد بيحبه ويوسف جلال ما يعرفش الكلمة دي, يعني مش موجودة في قاموس تعاملاته.
حياة باستنكار: ليه بقا؟ هو مش راجل زي كل الرجالة ولا ايه؟!
مريم: راجل اه, بس مش زي كل الرجالة.
حياة: يعني ايه بقا؟ فهميني يا أم العريف.
مريم ساخرة: افهمك ايه اذا كنت انا اصلا مش فاهمة, المهم سيبك مني انا بقا وقوليلي وليد عامل معاكي ايه؟
أجابت حياة بألم وقد اختفت الابتسامة من وجهها: وليد! اهو دة بقا اللي انا فعلا ما بقتش فاهماه.
مريم: يعني ايه؟ بيعاملك وحش؟
حياة: لا وحش ولا حلو, هو تقريبا اصلا بيتجنب اي تعامل معايا.
مريم: ازاي بقا؟ مش المفروض انكم متجوزين وعايشين مع بعض في شقة واحدة؟
حياة: اهو زي مانتي بتقولي كدة المفروض.
مريم بعدم فهم: يعني ايه؟
حياة: يعني زي ما قولتلك, من ساعة ما اتجوزنا وهو بينام في اوضة وان في اوضة تانية وكل اللي بينا السلام عليكم و صباح الخير ومساء الخير, وهو معظم الوقت حابس نفسه في اوضة المكتب بيشتغل, وتقريبا كلامه معايا بالقطارة او تقدري تقولي انه منعدم يعني مجرد بيرد على كلامي باختصار, واكتر من كدة مفيش.
مريم بحيرة: بس تصرفه دة مناقض تماما للي قالهولك قبل الجواز لما سألتيه عن سبب اصراره للجواز منك.
حياة: ماهو دة اللي محيرني فعلا يا مريم. انا بجد ما بقتش فاهمة حاجة.
فوضعت مريم يدها على ذراع حياة تواسيها: معلش يا حياة, هو اكيد لسة مجروح. بس ان شاء الله مع الوقت هيتعود على وجودك معاه وينسى كل اللي حصل, وتبدأوا مع بعض صفحة جديدة.
حياة: وانتي بقا امتى هتبدأي مع يوسف صفحة جديدة؟
مريم: لا انا ويوسف متفقين من الاول, ان حياتنا مع بعض هتنتهي بمجرد ان جدو يخف تماما ويرجع زي الاول عشان الصدمة ما يكونش ليها تأثير كبير على صحته.
حياة بخضة: يعني هتطلقوا؟
مريم بألم محاولة اخفاءه وراء ابتسامة لم تستطع ان تخدع بها صديقتها: ايوة دة كان اتفاقنا.
فقالت لها حياة بغيظ وهي تميل نحوها: طب عيني في عينك كدة.
مريم وهي تبتعد عنها بضيق: اوعي يا رخمة و كمان انا عيني بتوجعني.
حياة مغيظة اياها وقد تأكدت من صحة ظنونها: على ماما يا ماما؟

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وفي منزل العائلة بسوهاج وتحديدا في حجرة النوم الخاصة بهدى, نجد هادية تجلس على سرير ابنتها وهي تقول رافضة بشكل قاطع: انا جولت لا يعني لا.
فجلست هدى بجوارها وهي تتوسل في محاولة لاقناعها: ليه بس يا اماي؟ انتي يرضيكي يعني اني مستجبلي يضيع اكدة؟
هادية: لا ما يرضنيش. وكمان ما يرضنيش اني اسيبك تعيشي لحالك في مصر. حتى اخوالك مش هيوافجوا على اكدة.
فأوشكت هدى على البكاء وهي تقول: يعني اعمل ايه بس ياربي؟ وهو كان بيدي بردك اللي حصل دة؟ ما هو مكتب التنسيج هو اللي حولني على جامعة القاهرة. وانا لازم اروح عشان اكمل تعليمي, ومش هينفع واصل اني اروح واعاود في نفس اليوم وعشان اكدة لازم افضل هناك لحد ما الدراسة ما تخلص, وكمان انا مش هكون لحالي , انا هيكون معايا زملاتي المغتربات.
هادية وهي تصر على اعتراضها: بردك هيبجا اسمكم بنات وعايشين لحالهم. ومفيش حد هياخد باله منيكم.
وبدأت دموعها تتساقط وهي تجهش بالبكاء: يعني اعمل ايه عاد؟ انا مجدرش اهمل دراستي واصل. وانتي ما يرضكيش ان حد يجول على بنتك انها جاهلة وما كملتش تعليمها.
هادية: جطع لسان اللي يجول اكدة.
ثم استطردت وقد بدأت تلين قليلا: بس انا بردك يا بنيتي مش هجدر اجنع اخوالك بكدة. انتي عارفاهم زين. عمرهم ما هيجبلوا بكدة واصل.
فكرت هدى سريعا الى ان لمعت عيناها فجأة وهي تقول: انا عندي الحل اللي هيخلي اخوالي يجبلوا اني اروح مصر ويكونوا مطمنين عليا كمان.

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وفي مكان اخر, بفيللا واسعة ذات أثاث فخم نجد رجل الأعمال شاكر عزالدين يقف عاقدا ذراعيه حول صدره وهو يتابع المشهد بين زوجته وابنه في صمت, فلقد كانت الام تعانق ولدها بحرارة وشوق وهي تردد كلمات مثل: عماد! ابني, وحشتني اوي اوي يا حبيبي, وانت عامل ايه؟ وخاسس اوي كدة ليه يا حبيبي؟ انت ما كنتش بتاكل ولا ايه؟
فتبسم عماد وهو يهم بالرد ولكن كان والده اسرع منه: خاسس ايه يا مديحة؟ ما ترحمي الواد بقا, اكيد راجع من السفر تعبان. خليه يطلع يستريح شوية.
مديحة وهي ما زالت تتشبث بذراع ابنها وكأنها تخشى ان يهرب من بين يديها: اسيبه ازاي؟ انا لسة ما شبعتش منه, دة كأنه كان غايب عني من عشر سنين.
عماد متبسما من مبالغة والدته: يااااه عشر سنين ايه بس يا ماما؟ دول كلهم سنتين وانا جيت هنا من حوالي سنة تقريبا قضيت معاكم العيد وانتي كمان زورتيني في لبنان مرتين, آخر مرة كانت من حوالي خمس شهور
مديحة: اديك قولت بلسانك, يعني بقالي اكتر من خمس شهور ما شفتكش فيهم, يبقا ليا حق بقا انك توحشني ولا لا؟
فأومأ عماد برأسه موافقا: طبعا ليكي حق يا ست الكل, بس مش ليكي حق خالص في انك تسيبي نهال واقفة لوحدها كدة من غير حتى ما تسلمي عليها.
وأخيرا تذكرت مديحة زوجة ابنها التي انشغلت عنها في ذروة ترحيبها بقرة عينها _ولدها الوحيد_فاتجهت عيناها ناحية تلك الفتاة الطويلة التي ترتدي ثيابا ضيقة وتسرح شعرها بطريقة عصرية علاوة على كمية المساحيق الكبيرة التي استخدمتها لتزين بها وجهها وابتسامة صفراء تعلو ثغرها, فمدت لها مديحة يدا لمصافحتها: اهلا وسهلا بيكي يا بنتي, معلش بقا, انشغلت عنك, اصلك ما تعرفيش الواد دة كان واحشني اد ايه؟
وشعرت مديحة بأصابع باردة تصافحها وهي تستمع لذلك الصوت الرنان الذي يقول لها بجمود: ولا يهمك يا طنط, مانا صاحبة بيت بردو.
صدمها الرد, ولكنها تداركت ذلك سريعا وهي تقول بابتسامة مرتبكة: طبعا طبعا يا بنتي البيت بيتك, مانتي خلاص بقيتي واحدة مننا.
فاقتربت نهال من زوجها وهي تسأله بدلال: طب يا حبيبي مش هنطلع اوضتنا بقا, انا بجد تعبت اوي من السفر وعاوزة استريح.
مديحة: طيب مش هتتعشوا الاول؟
نهال: لا يا طنط انا عاملة رجيم.
مديحة بتهكم لم يلاحظه احد: وانت يا عماد هتتعشا ولا عامل رجيم بردو؟
عماد: لا يا ماما معلش انا هطلع مع نهال, انا اصلا اكلت في الطيارة. تصبحو على خير.
مديحة: اللي يريحك يا بني, وانت من أهله.
ووضع وليد ذراعه حول خصر زوجته واتجه بها الى الدور الثاني, وعندما تأكدت مديحة من صعودهما وعدم سماعهما لها اقتربت من زوجها وهي تقول بضيق: مش عارفة ليه يا شاكر انا قلبي مش مستريح للبنت مراة ابنك دي؟
شاكر مبتسما بمشاكسة: اه, هو احنا ابتدينا الغيرة بقا ولا ايه؟
مديحة: غيرة ايه؟ انتي فاكرني بهزر؟
شاكر: يا حبيبتي, ابنك لو كان اتجوز اي واحدة غيرها كنتي بردو مش هتستريحيلها, لانها في نظرك هتكون واحدة ست جات خطفت منك ابنك الوحيد.
مديحة نافية: لا يا شاكر, انت عارفني انا كنت بحلم باليوم اللي الاقي فيه عماد متجوز وعايش حياة مستقرة, بس البنت دي مش مظبوطة.
شاكر: يبقا ملناش دعوة, ابنك هو اللي اختارها وهو اللي يتحمل نتيجة اختياره, ومين عارف, ما جايز كل شكوكك دي تطلع مش صحيحة ويبقا هي دي فعلا البنت اللي هتقدر تسعده.
فقالت مديحة بتمني: يارب يكون كلامك دة صح, وانا هكون عاوزة ايه يعني من الدنيا غير اني اشوف ابني مبسوط ومتهني مع مراته, واشوف ولاده بيجروا ويتنططوا ادام عينيا.
ثم قالت وهي تهم بالذهاب: لما اروح بقا اقول لسعدية تجهز العشا لينا احنا الاتنين.
فقال شاكر مازحا وهو يحاول ان يقلد صوت نهال: لا خليه لواحد بس اصل انا عامل رجيم.
فتبسمت زوجته ردا على مزاحه, وهي تتجه ناحية المطبخ بسعادة تغمرها وهي تحمد ربها على عودة ولدها من جديد بعد غياب طويل حتى وان كانت في صحبته زوجة كنهال


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close