رواية عيون الريان الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم نيللي العطار
"أحسنَ الله بنا أن الخطايا لا تفوحُ
فإذا المستورُ منَّا بين ثوبيهِ فضوحُ."
+
(أبي العتاهية)
+
*******************
+
أخذ محمود يقلب بالأوراق حتى وقعت عيناه على الإسم وكأن صاعقة نزلت من السماء وضربت أوصاله ففغر فاهه بصدمة قائلاً (يانهار إسود دي مصيبة وهتحط على دماغي أنا وخالتك) .. ثم نظر إليها متابعاً بخوف (انتِ معاكِ صور للبت دي؟) .. أعطته الهاتف بريبة شديدة من ذعره الغير مفهوم ليشاهد الصور التي أرسلتها لها دينا .. جف حلقه وارتعدت مفاصله أكثر وظل يدور حول نفسه بعدم اتزان يقول بفكر مضطرب (أنا لازم أكلم رويدا حالاً، ابنها هايودينا في ستين داهية) .. أمسك هاتفه بأصابع مرتعشة يبحث عن رقم شقيقة زوجته وشريط ذكرياته يمر أمام عينيه ليهاجمه ماضي أسود ظنه مات ودُفِن مع من قتلهم بدمٍ بارد .. ازداد توتره ثم رفع كفه يتحسس عنقه الذي سيلفه حبل المشنقة إذا انكشف المستور وغمامة دخان احتراق عقله تعيده إلى الوراء .....
+
هتف محمود بغضب عبر الهاتف (انت عايز تخرب بيتي ياعبدالرحمن ؟، الشركة هاتفلس لو ما استلمتش الطلبية في خلال إسبوع)
+
رد عليه الطرف الآخر بحزم (وانا مش مستعد أخسر سمعتي فالسوق بسبب نشاطات حضرتك المشبوهة)
+
ابتلع محمود ريقه قائلاً بتوسل (أنا كده هاغرق ومش هاعرف اتصرف)
+
زفر عبدالرحمن بإصرار (ده آخر كلام عندي، شوف مورد غيري يشترك معاك في جرايمك، وياريت ماتحاولش تتصل بيا تاني لأني لحد دلوقتي عامل حساب لسعد ورويدا)
+
خبط محمود على سطح مكتبه بعنف قائلاً (هي حصلت تهددني؟!، شكلك ماتعرفش بتتكلم مع مين)
+
قاطعه عبدالرحمن بصرامة شديدة (لا عارف كويس،وأعلى مافي خيلك إركبه) بصق تلك الكلمات في وجهه ثم أغلق الخط دون أن يمهله فرصة للرد، تاركاً إياه يرغي ويزبد بينما اشتعلت نيران الغضب والإنتقام بصدر محمود لدرجة جعلته يتوعد بتنفيذ مطلبه حتى لو اضطر لأخذ روحه .. وبعد فشل محاولات التفاوض قرر اللجوء للحل الأسهل والأقرب لقلب شيطان مثله، فإذا مات عبدالرحمن قبل فسخ العقود قانونياً سيستطيع استلام طلبيته كما يشاء، أمسك هاتفه ليتصل بأحد الأشخاص الذين ينفذون له مثل هذه الأمور
-(الراجل ده قريب اخت مراتي، عايزها تبان قضاء وقدر يامرزوق).. قالها محمود وعينيه تلتمع بوميض خبيث موجهاً كلماته السامة لأحد أفراد عصابته الخفية عبر الهاتف
وصلته الإجابة من مرزوق بتأكيد وثقة (وماله ياباشا قوللي العنوان بالظبط ومسافة ماتقفل معايا السكة كل حاجة هتخلص) .. وبالفعل لم يمر سوى يومين فقط حتى تمت خطته الحقيرة وتوفي عبدالرحمن وزوجته ليلى أثر حادث سير مُروع أثناء سفرهما من السويس إلى القاهرة فور تلقيها اتصالاً من خادمة بيت والد ليلى تبلغهما بمرضه المفاجئ ونقله للمستشفى، لا يعلمان أن المتصلة فتاة كان يواعدها محمود سراً، استأجرها كي تنفذ الجزء الأخير من مخططه القذر، ومات الزوجين الشابين غدراً، تاركين وراءهما طفلين أكبرهما لم يتخطى السبع سنوات، ورضيعة لاحول لها ولا قوة، وأخيراً استلم ذلك القاتل شحنة الأخشاب من مصنع عبدالرحمن وأنجز أعماله المُعطلة بهدوء دون انتباه أحد لجريمته النكراء
3
-(بابي، بابي، إنت مش بترد عليا ليه؟) قالتها چيسي باستغراب لحالته الساهمة فاستفاق من ذكرياته المشينة يجري اتصالاً هاتفياً بشقيقة زوجته والتوتر يتملك منه وما أن جائه صوتها من الطرف الآخر حتى هتف بذعر (مصيبة يارويدا، مصيبة)
+
انتفضت رويدا من مكانها متسائلة بفزع (نهى جرالها حاجة؟)
+
رد عليها بعصبية ونفاذ صبر (نص ساعة بالظبط وتكوني قدامي، بدل ما أسلمك جثة ابنك بإيديا)
+
******************
+
على صعيد آخر /
+
أعلن مشرف الحافلة عن وصولها بسلامة الله أمام أحد فنادق منتجع العين السخنة السياحي والذي سيقضون به فترة إقامتهم لمدة ثلاثة أيام، تحرك الجميع بآلية روتينية تامة لاستلام مفاتيح الغرف ثم توزعوا بشكل ثنائيات ليتجهزوا ويجتمعوا مجدداً لبدء برنامج الرحلة الترفيهي، اضطر ريان لترك مريم برفقة ريهام على أمل اللقاء بعد دقائق قليلة واتجه مع كريم نحو غرفتهما، ولم يكن الأخير في حالته الطبيعية، نظراته قاتمة كأنما السماء تهطل أمطاراً سوداء بمقلتيه ووجهه لوحة فنية يغمرها الغضب وغيرة عمياء تسافر بأعصابه لأقاصي الجنون .. فتح ريان الشرفة يستقبل نسائم الهواء العليل بملامح مُرتاحة مدعياً عدم الإهتمام بصديقه قائلاً بهدوء (الجو هنا حلو أوي) .. لم يتلقى إجابة منه سوى بعض الهمهمات المختنقة يتبعها قذف عنيف لمحتويات حقيبته فوق الفراش فأردف بنبرة ساخرة (رتب حاجتك كويس، انا مابحبش الكركبة وشغل الزرايب بتاعك ده)
+
رمقه كريم بأعين محتقنة قائلاً بعصبية (خليك في حالك، بدل ما وحياة أمك أطلعك بشنطة هدومك بره الأوضة خالص)
+
حرّك ريان حاجبيه بطريقة طفولية قاصداً استفزازه بسؤاله (مش طايق نفسك ليه ياكركوري؟)
زفر كريم ولم يرد بينما استلقى هو على الفراش واضعاً ذراعيه خلف رأسه مستطرداً بمكر (تصدق علي شكله عينه من ريهام، طلع خلبوص الواد ده ومش سهل، بس الصراحة لايق عليها جداً، هايبقوا كابل لطيف)
+
لم يتحمل كريم كلماته التي ضغطت بقوة على أعصابه وبدون إدراك قذفه بزجاجة عطر كان يخرجها مع أغراضه من الحقيبة لتسقط بجوار الفراش وتتهشم لشظايا قائلاً بانفعال (اسكت ياريان)
+
نهض ريان سريعاً بعدما تفادى فعلته المتهورة قائلاً وهو يضربه على كتفه (لما انت غيران ياحيوان ماروحتش جيبتها من شعرها وقعدتها جنبك ليه؟)
+
صرخ كريم بوجهه ينكر مشاعره الواضحة كوضوح الشمس (مش غيران)
+
عقد ريان ذراعيه حول صدره قائلاً (كداب أوي)
+
دفعه كريم بقبضتيه يقول بأنفاس مهتاجة (ابعد عن وشي الساعة دي، عشان مانخسرش بعض)
+
تأوه ريان بصوت خفيض موجهاً له نظرة مُعاتبة أدرك منها أنه تجاوز حدوده معه، ثم تركه ليبدل ملابسه دون إضافة حرف زائد، بينما وقف كريم يجاهد على تمالك نفسه والخروج من تلك الحالة الثائرة، مواجهة صديقه الصريحة حرّكت ستائره التي يخفي خلفها حقيقة تبتلع قلبه.. الأبله يحب ويخبئ هذا الحب داخل رداء كئيب من الإنكار والمقاومة الزائفة .. ومنظرها وهي تجلس وتتبادل الضحكات مع غيره جعل الغيرة تنز كحبيبات العرق فوق جبينه، وروحه تحترق وأنامله تنزف دخانها ..
-(تمام ياحبيبتي، هاستناكِ في اللوبي).. قالها ريان لمريم عبر الهاتف ثم أغلق الخط وأخذ أغراضه استعداداً للنزول مرة أخرى إلى بهو الفندق ليقابلها هناك، استوقفه كريم يعتذر عما بدر منه بحرج (أنا آسف) .. رمقه بضيق متجاهلاً إياه تماماً وكأنه غير موجود رغم رغبته في سحق رأسه وانصرف كلياً ليتركه وحيداً مع معاركه الداخلية، يخوض حرباً شعواء ضد نفسه
+
****************
+
عودة إلى ڤيلا محمود الصراف /
+
كان التوتر سيد الموقف، محمود لا يطيق الجلوس ذارعا الأرض ذهاباً وإياباً والقلق يتوغل بصدره ويأكله بضراوة، فكرة انكشاف الماضي والعبث به تجعله يموت ذعراً بينما انضمت نهى لذلك الاجتماع الغير مبشر بخير، تجلس بجوار ابنتها بخوف ممزوج بالإندهاش، لأول مرة بحياتها ترى زوجها في حالة لا يُرثى لها هكذا، وبعد دقائق مرّت كحد السيف على رقابهم دخلت رويدا عليهم متسائلة بتوجس من هيئته التي تنذر بجحيم آتٍ لا محالة (فيه إيه يامحمود؟، انت جايبني على ملا وشي كدة ليه؟)
+
انتبه إليها محمود قائلاً باضطراب شديد (كارثة يارويدا، لو مالحقتيش تتصرفي هنروح كلنا في داهية) .. تناول الملف الذي يحتوي على المعلومات الخاصة بمريم ثم أعطاه لها مستكملاً (افتحي واتفرجي عالبلوة السودة اللي ابنك هايوحلنا فيها)
+
أطاعته بعدم فهم ثم تفحصت الأوراق وحدقتيها تتسع شيئاً فشيئاً، وصدمة قوية احتدمت بين دواخلها وكأنها تلقت ضربة عنيفة فوق رأسها عندما قرأت الإسم والعنوان المرفقين بالصورة، فهي تعلم من تكون " مريم حسين محفوظ المسيري "، وتعرفها كما تعرف نفسها حق المعرفة .. -(أنا مش فاهمة حاجة).. قالتها بأوصال مُرتعدة فأعطاها هاتف چيسي مفتوحاً على صور ريان ومريم .. ترنح جسدها وأحست أن ساقيها فقدتا القدرة على حملها فهوت ليستقبلها الكرسي من خلفها تقول فاغرة شفتيها (إزاي؟).. ثم عادوت النظر للصور مجدداً متابعة بأعين زائغة (ريان قابلها فين؟)
+
تولت چيسي الرد عليها بشماتة بالغة (دي حبيبته اللي بعتيني عشانها، حتة جربوعة، عامية وعايشة في ملجأ).. ضحكت بسخرية لاذعة وأردفت (انتِ متخيلة المستوى اللي ابنك نزل ليه يا رويدا هانم؟)
+
تجاهلتها رويدا فالمعلومات التي تلقيها على مسامعها قديمة بالنسبة لها بينما تدخل محمود محاولاً تخويفها أكثر (البت نسخة من أمها يعني لو ظهرت وشافوها هايشكوا والمستخبي هايبان)
+
هبت رويدا واقفة كالملسوعة تهتف بنبرة مغلولة (هو انا كنت ببعدها وهي صغيرة عشان ترجع تاني لما تكبر واتهدد بيها؟)
+
رد عليها محمود بلوم واستنكار (ما انتِ اللي مارضيتيش نخلص منها لما جابر جابها وكان هايتكلم ويفضحنا، واكتفيتِ اننا نرميها في دار الأيتام) ..
+
جلست رويدا مجدداً تمسك مقدمة رأسها بأطراف أصابعها، مُطبقة جفنيها وشبح ذكرى قديمة يهاجم عقلها وكأنها البارحة ......
+
-(اتصرفي يارويدا انا عارفة ان جوز أختك ليه فالسكة دي).. قالتها سُمية خالة يوسف عبر الهاتف فأتاها صوت رويدا هادئاً رغم حماسها للأمر (ياحبيبتي الموضوع صعب مش زي ما انتِ متخيلة، بس هاحاول أحلها ماتقلقيش)
+
ردت عليها سُمية بغل دفين (البت دي لو غارت في داهية هانرتاح احنا الاتنين) .. سكتت هْنيهة تراقب ردود أفعالها من خلال أنفاسها المُتهدجة ثم أضافت بنبرة ذات مغزى تدرك جيداً أنها ستؤتي ثمارها (ولا عايزة سعد ياخدها يقعدها عند جدها مع ريان؟)
+
أحست رويدا بالغضب يتملك منها فعلى مايبدو أن كلماتها لامست جزء من كرهها لأهل زوجها تجيبها بتأكيد (يومين بالكتير والأوراق اللي طلبتيها هتكون عندك)
+
ابتسمت سُمية قائلة بخبث (اتفقنا ،بس ياريت ماتتأخريش عشان سالم وأمه بدأوا يسألوا عليها ومسكتاهم بالعافية) ... أغلقت الخط وعينيها تلتمع بحقد متأصل بداخلها تجاه تلك الصغيرة التي لم تقترف ذنباً لتقع بين براثن أناساً جفت الرحمة من قلوبهم وكما وعدت أوفت والتقارير والأوراق المزورة التي أثبتت وفاة ريم وصلتها في الموعد المتفق عليه وظنوا جميعاً أنهم تخلصوا منها للأبد لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفنهم وبعد قرابة العام والنصف تفاجئت رويدا أثناء تواجدها في بيت حَموها بجابر يجلب الطفلة ولحسن حظها كانت بمفردها مع ريان والمنزل فارغ في هذا اليوم لسفر زوجها مع الجد والجدة لآداء فريضة الحج، فاستغلت الفرصة لإبعاده بما يحمله على ذراعيه من سر لعين سوف يفسد حياتها .. عنفته وأمرته أن يأخذها ويغادر بلارجعة وينتظر حتى إشعار آخر منها، ولم يمر سوى ثلاثة أيام حتى ذهبت إليه برفقة محمود في البانسيون الفقير الذي يقضي به فترة إقامته بالقاهرة وبحوذتهما أوراق وتقارير جديدة أيضا مزورة، والكثير من التحريات حول أسباب ظهوره مجدداً بالصغيرة والتي جاءت في مصلحتهما وسيستخدماها كوسيلة ضغط وتخويف كي يغلق فمه وينفذ ما يبغيان رغماً عن أنفه .. جلست أمامه واضعة ساق فوق الأخرى ترمقه هو وريم بازدراء قائلة (إسمعني كويس عشان كلامي مش هاكرره ،والمرة الجاية فيها موتك) .. أخرجت ملف من حقيبتها وألقته بوجهه متابعة باستعلاء (الورق ده فيه عنوان دار أيتام محترمة،تاخده ومعاه البتاعة اللي شايلها على إيدك وتروح تسلمها ليهم، وماشوفش وشك ولا وشها تاني نهائي)
+
ترجاها جابر بنبرة حزينة (ياست هانم خلي في قلبك شوية رحمة، أرميها في دار أيتام وهي كفيفة ازاي؟)
+
تدخل محمود في الحديث قائلاً بلهجة مهددة (احنا اتكرمنا وسيبناها عايشة، لكن كلمة زيادة هاتحصّل أبوها وأمها وانت قبلها)
+
تحدثت رويدا بنظرات يملؤها التوعد (اسمع الكلام ياجابر وربي عيالك) .. سكتت لثواني تستقرأ الخوف الذي يظهر جلياً على ملامحه واستكملت بابتسامة هادئة (البت متسجلة بإسم أخوك اللي مات فالعمرة من سنتين، بشهادة ميلاد جديدة والتقارير بتثبت انها اتعمت قبل ماتيجي تعيش معاك وامك تضربها على راسها)
+
قاطعها محمود بسخرية (إبسط ياعم، خرجناك من مصيبة زي الشعرة من العجين)
+
نهضت رويدا استعداداً لمغادرة المكان قائلة (الموضوع بسيط، مشوار لحد دار الأيتام تقولهم انها مش بنتك، وانك مش قادر تصرف عليها، وتسيبها هناك وتقطع علاقتك بيها وبينا)
+
احتضن جابر ريم يقول بعيون دامعة (أنا مش عارف العيلة اليتيمة دي عملت فيكم إيه عشان تبهدلوها وترموها بعيد عن أهلها، أنتم أبالسة لايمكن تكونوا بني آدمين أبداً، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم)
+
أمسكه محمود من ذراعه يحدجه والشرر يتطاير من مقلتيه قائلاً بغضب (انت تنفذ أوامرنا ورجلك فوق رقبتك، وإلا هنحرق قلبك عليها وعلى عيالك) .. أنهى كلماته بحدة شديدة ثم أزاحه من طريقه ليخرج من المكان والشياطين تتراقص أمام عينيه بينما أعطته رويدا ورقة مطوية قبل أن تلحق بشريكها في جريمتها قائلة بتشفي وعدم اكتراث لصراخ الطفلة الذي يقطع نياط القلب (ده رقمي، تخلص اللي اتفقنا عليه وتتصل بيا تبلغني وبعدها تختفي تماماً)..
+
أغلق جابر الباب خلفهما يمسد ظهر ريم قائلاً وهو يبكي بقهر واستسلام (على عيني يابنت سيدي، ما باليد حيلة ياحبيبتي، يارب لما تكبري وتعرفي الحقيقة تسامحيني) .............
+
انتفضت رويدا لتخرج من دوامة ماضيها الذي ظنته دُفِن بعيداً عنها وعن أسرتها على صوت محمود يهدر غاضباً (انتِ لسه هاتسرحي؟!، لازم نلاقي حل بسرعة قبل مايرجعوا من العين السخنة)
+
تحدثت رويدا بتيهٍ (مش عارفة افكر يا محمود، دماغي هاتتشل)
+
تدخلت نهى قائلة بخبث (واضح من الصور إنهم على علاقة بقالهم فترة كبيرة، والهانم نايمة على ودانها ولولا اكتشاف چيسي للموضوع كان زمانه واخدك تخطبيها له)
+
ردت عليها رويدا بخوف (وانا كنت هاعرف منين انه ساب بنات الدنيا كلها وحب بنت ليلى؟!، والأغرب شافها فين وازاي؟!)
+
تذكرت نهى أمر ما قائلة (افتكرت، أكيد شافها في حفلة دار الأيتام اللي طلب من باباه إنه يحضرها)
+
أكدت چيسي على حديث والدتها قائلة (براڤو عليكِ يامامي...)
+
قاطعتهما رويدا تسأل ابنة شقيقتها بتعجب (الصور اللي على تليفونك دي مين بعتها ليكِ؟)
+
أجابتها چيسي من طرف أنفها (دينا البيست فريند بتاعتي معاهم فالرحلة وبتراقبهم هناك، ده غير انها هي اللي اكتشفت علاقتهم)
+
رمقتها رويدا باحتقار لاعنة الحظ الذي أرغمها على التعامل معها مجدداً قائلة (بلغيها تشيل عينها من عليهم، مش عايزين حد ياخد باله من حاجة)
+
رسمت چيسي ابتسامة متشفية فوق ملامحها قائلة (مع إني مش فاهمة سبب خوفكم من البت دي، بس إتس أوك طالما ريان هايسيبها) ..
+
-(هانعمل إيه يارويدا؟).. سألها محمود بقلق متزايد فأجابته بندم وهي تنهض من مكانها لتغادر (الشيطان اللي خلانا نحلها زمان، هايخلينا نحلها دلوقتي) .. أنهت كلماتها سريعاً ثم انصرفت كلياً والخوف يدق قلبها كناقوس خطر، أحست بحاجتها المُلِّحة في استنشاق الهواء والسير بدلا من ركوب السيارة، حصونها التي شيدتها طيلة السنوات الماضية لإخفاء هذا الأمر سوف تنهار، خططت ونفذت لإقصاء ذكرى أخت زوجها الوحيدة عن حياة الجميع انتقاماً منهم مثلما حرموها من ولدها، ألم يكن وحيدها أيضاً؟، أحلال لهم وحرام عليها؟، أليس العين بالعين، والسن بالسن، والولد بالبنت؟، والرحم بالأثر؟، .. لكن الآن كيف ستفعلها؟، كيف ستسطيع خوض اللعبة ذاتها في ظروف مختلفة؟، كيف ستجعل ريان يدفع ثمن أخطاء لم يقترفها؟، ولماذا الزمن دار ولف وعاد لقلبه هو، ماذنبه؟، وأصبحت واقعة بين اختيارين، أولهما أن تعترف لسعد وعائلته بما فعلته بابنة شقيقته وفي هذه الحالة ستفتح أبواب جحيم لن تقوى على مواجهته، من ناحية زوج أختها الذي لن يدخر جهداً في إيذاء ريان، وقد يصل به الجنون لارتكاب جريمة قتل حتى لا ينكشف أمره، ومن ناحية أخرى خسارتها لأسرتها وهدم استقرار بيتها.. وثانيهما أن تجد حلاً سريعاً للتخلص من مريم وإبعادها عن طريق الجميع بهدوء مثلما فعلت سابقاً
+
*******************
+
في العين السخنة/
+
لم يحسب كريم كم من الوقت مضى وهو جالس في غرفة الفندق والنار المشتعلة بين أضلعه لا تخبو، كلما حاول تهدئة نفسه يشعر وكأن أحدهم يضع بنزيناً حاراً داخل صدره، ظل يسحب سيجارة تتلوها أخرى حتى أنهى علبتين كاملتين في أقل من ساعتين، نظر إلى المنفضة الممتلئة بأعقاب السجائر بأعين نادمة على تلك العادة السيئة التي يدرك مدى خطورتها على صحته لكنه لا يلجأ لها إلا إذا كان يريد كبح جماح غضبه والعجب أنها لم تفلح مثل كل مرة وحالته أصبحت ثائرة أكثر من ذي قبل، زفر بيأس ثم نهض ليبدل ملابسه ويخرج بحثاً عن ريان كي يراضيه، أو ربما عن سبب عِلّته المستعصية، وفي غضون دقائق وصل إلى بهو الفندق لكنه لم يجد أحد، وأثناء اتجاهه نحو حمام السباحة ظناً منه أنهم متواجدون هناك قابلته الفتاة التي رآها أمام الحافلة .. تهللت كثيراً وركضت تعانقه بحرارة شديدة قائلة (أخيراً لقيتك، أنا كنت بدور عليك) .. ثم ابتعدت عنه برفق تمسك كفه متابعة بحماس (عاملين بارتي عند الپول يجنن، الجروب كله هايص هناك) .. وبدون مقدمات سحبته خلفها لينضم إليها بحرج من تصرفاتها وملابسها الشبه عارية وحركاتها المائعة بشكل مبالغ فيه، وقف معها أمام المكان المخصص للمشروبات الباردة بينما ناولته كأساً يحتوي على عصير ليمون طازج تهتف وهي تتمايل على أنغام الموسيقى بجسدها الرشيق (الميوزيك تحفة) .. ابتسم لها بمجاملة مكتفياً بإيماءة صامتة ولم يرد، متعجباً من اختفاء صديقه وخلو المكان من أي شخص يعرفه غيرها، وفي نفس التوقيت انتبه لريهام واقفة بمفردها ويبدو أنها وصلت للتو، هي أيضاً لاحظت وجوده لكنها تعمدت تجاهله عندما رأته برفقة نفس البنت التي أثارت غيرتها قبل انطلاقهم في طريق السفر، رمقته باحتقار وجلست على أحد المقاعد المتطرفة عن الزحام، تزفر في ضيق واضح طاحنة فكيها في محاولة بائسة لابتلاع ذلك الشعور بالاختناق...
+
-(كنتِ فين كل ده؟!).. قالها علي مبتسماً بلطف ثم أعطاها كوباً من عصير البرتقال وجلس قبالتها متابعاً (المكان جميل أوي)
+
أمسكت كوب العصير بكلتا يديها ثم ارتشفت منه بعض القطرات لتروي عطشها قائلة (بس البنات واخدين راحتهم عالآخر)
+
ضحك علي قائلاً (مولد سيدي العريان حرفياً) .. بادلته الضحكات فما يقوله حقيقة لايمكن إنكارها، غافلة عن زوج العيون التي تتربص بهما والشرر يتطاير منهما .. أحست ريهام بالتوتر قائلة بعدم راحة (الصراحة الجو ده مش جوي خالص، بفكر أطلع أوضتي أنام) ..
+
-(عندك حق، أنا كمان بتخنق من الزحمة) .. صمت هُنيهة يفكر في اقتراح يسليهما بدلاً من التواجد بين هذا الصخب والضجيج ثم أردف (إيه رأيك نروح نركب التلفريك؟)
+
كادت أن ترفض لكنها تراجعت عندما لاحظت نظرات كريم المحتقنة ووجهه الذي لايبشر بخير قائلة وهي تنهض مدعية الحماس (فكرة حلوة، يلا بينا) .. لم يتحمل الأخير الضغط على أعصابه أكثر من ذلك فانتفض من مكانه والغيرة تعمي عينيه، متجهاً نحوها كبركان شديد النشاط، حممه تتساقط حوله، وبدون وعي منه أمسك كوب العصير ووضعه على الطاولة ثم جذبها خلفه بعنف فصرخت به بأعصاب مُهتاجة (انت مجنون؟!)
+
استدار لها يهدر بصوت عالٍ (اخرسي)
+
حاولت التملص من قبضته القوية قائلة (سيب دراعي ياحيوان)
+
غرز أظافره أكثر في لحم ذراعها قاصداً إيلامها قائلاً بتهديد (لمي لسانك بدل ماتشوفي مني وش عمرك ماشوفتيه فحياتك)
+
تأوهت بشدة ثم نجحت في تحرير نفسها منه ثم دفعته بقبضتيها في صدره (وريني كده هاتعمل إيه)
+
اتسعت حدقتيه بصدمة قائلاً بملامح تنذر بالشر (انتِ بتمدي إيدك عليا؟)
+
لوحت بسبابتها في الهواء قائلة (عليك وعاللي يتشددلك، وعلى أي حد)
+
رمقها بازدراء قائلاً (امشي ياريهام، روحي كملي ضحك ومسخرة مع علي، انتِ ماتستاهليش أصلاً)
+
شعرت بأنه سدد لقلبها طعنة قوية بنصل سكين بارد، إهانته المتعمدة لها جعلتها ترغب بالبكاء لكنها لن تظهر ضعفها أمامه قائلة بثبات رغم حزنها (أنا حرة في تصرفاتي، وإياك ترفع صوتك عليا، أو تعدي حدودك معايا تاني، إنت فاهم؟) .. أنهت كلماتها بنظرة يملؤها التحدي ثم تجاوزته وكأنه هواء موجهة حديثها نحو علي الذي كان يتابع مايحدث بذهول تام (يلا ياعلي عشان مانتأخرش) ... بينما وقف هو مشدوهاً مما فعلته، يقسم أنه لم يرى فتاة قليلة التربية وسليطة اللسان في حياته مثلها،وللعجب العجاب أنه أحبها كما لم يحب أحد من قبل، كريم الذي تقع في غرامه قبائلَ من النساء، تضبطه هي متلبساً بالغيرة عليها وتجعله يدور حول نفسه كطفل تائه يبحث عن آثار أمه في منافي روحه، حاول تمالك أعصابه والسيطرة على غضبه قدر المُستطاع وقرر الصعود مجدداً لغرفته حتى لا يستجيب لرغبته في ارتكاب جريمة قتل ستضيع مستقبله الذي يريد أن يقضيه وهي بين أحضانه للأبد ...........
في مكان آخر وبحالة مختلفة كان ريان يأخذ جولة برفقة مريم على أحد شواطئ خليج الأدبية الرائع حيث المياه الزرقاء الصافية تلفهما من كل جانب والطيور تحلق أعلاهما مستمتعة بعشقهما الذي يشبه نسيم البحر الهادئ، يسيران يداً بيد، وقلباً بقلب، هو يتأمل براءة الملائكة في وجهها وروحه تجثو راكعة على حرير شعرها الطويل فيتعلق بها تعلق الأم بوليدها، أما هي فكانت ترفُل بثوبها الجميل لتنافس الشمس في ضيائها، تخطو فوق الرمال برشاقة فلا تكاد تمسها فتحسبها تطير، تداعب الأرض بأقدامها ولا تطأها، وثغرها الرقيق يفتر بابتسامة عذبة تخطف بصره، و سبحان الله عيناها المنطفئتين تلمعان كنجمتين تنطوي بهما جميع المجرّات ..
-(ماتيجي نقعد شوية) .. قالها ريان بهدوء بعدما أحس ببعض الإرهاق من السير فأومأت له بموافقة دون حديث .. اختار نقطة بعيدة عن الأنظار نسبياً واصطحبها إليها وأجلسها أولاً ثم جلس قبالتها يحتوي راحتيها بين كفيه قائلاً بنبرة والهة (انتِ بتوحشيني واحنا مع بعض ليه؟) .. أطرقت برأسها خجلاً فداعب الهواء خصلاتها ولم تسعفها كلماتها لترد عليه بينما هو تابع بنفاذ صبر وقلبه عاشقها لايتسع لحُمرة وجنتيها ولايتحمل كل هذا الحُسن دفعة واحدة (حرام عليكِ، أنا لسه صغير على فكرة)
+
ابتسمت قائلة بلطافة (عايز إيه ياريان؟!)
+
أجابها بمزاح (عايز سلامتك ياغالية)
+
زمت شفتيها تقول ببراءة مصطنعة (الله يسلمك)
+
زفر بحنق من مراوغتها المكشوفة (بتموتي فالاستعباط وحرق أعصابي) .. حرّكت حاجبيها لأعلى وأسفل سريعاً بشقاوة قاصدة إغاظته فانفجر ضاحكاً يقول من وسط ضحكاته (انتِ جاحدة وربنا) .. ران عليهما صمتًا مشحوناً بالخجل قطعه هو قائلاً بهدوء (غنيلي)
أهدته ابتسامة ساحرة ولم تلبث أن تنفذ طلبه بترحيب عساها ترضيه بكلمات خرجت من بين شفتيها كنافورة مضيئة، تدثر روحه الشفافة بحرير حنانها حيث شدت عصفورته الرقيقة (إنت الفرحة اللي في بالي، والدنيا اللي اتمنيتها.. بطلت أسرح بخيالي، ما خلاص أحلامي لقيتها، وبعيش اللي ما عيشتوش) ... اتسعت ابتسامتها أكثر ثم أكملت (يا اللي مروقها علينا، أنا لسه بكلم قلبي...وبقول له ده جيه ينسينا، أيام ضاعت من عمري، من عمري ما يتحسبوش) .. اعتدل ريان في جلسته ليصبح بجانبها يحيطها بذراعيه يشاركها الأغنية وقلبه يطير من السعادة (أنا لو تبقى معايا بيترج القلب ويِتهز، أنا لو تاخذ عيني يا نور عيني يا عيني ما تتعز..ده أنا خايف من العين يا حبيبي، اللي يغير واللي يِجز، يِجز .. عارف إنت الحظ آه، أهو إنت الحظ يا حظ، يا حظ) .. استندت مريم برأسها على كتفه تحديداً أسفل رقبته وفوق موضع نبضه تقول بعدما انتهت من الغناء (أنا عيشت سنين بحارب مرارة اليتم، ووجع العجز، وجيت إنت في ثانية نسيتني أي إحساس وحش حسيته فحياتي).. صمتت هُنيهة تستجمع رباطة جأشها ثم تابعت بصدق (العالم كله في كفة وانت لوحدك في كفة، وكفتك جوه قلبي كسبانة)
+
رد عليها وعينيه تفيضان بالحب (وانتِ عندي العالم والميزان والكفتين، حتى نفسي سايبها فيكِ)
+
أطبقت مريم جفنيها تقول بصوت مرتجف (أنا خايفة)
+
سألها ريان بتعجب (من إيه ياعمري؟)
+
أجابته تحاول السيطرة على القلق الذي يساورها (خايفة من الدنيا تسرق فرحتنا ببعض، وتاخدك مني).. تشبثت بقميصه متابعة برجاء (ماتسبنيش، مش هاقدر أعيش بعيد عنك)
+
ضمها أكثر لأحضانه قائلاً (أسيب مين؟، انتِ هبلة يامريم؟!، ده انتِ الهوا اللي بتنفسه) .. أنهى كلماته دامغاً خصلاتها بقبلة عميقة ولا يعلم لماذا أحس بوخزة خوف تباغته، وبين كل مشاعر الحب والسعادة التي تتملك منه في قربها إلا أن حديثها الأخير ترك أثراً مؤلماً فوق أرض روحه لم يستطع تجاهله أو إنكاره
+
***************
يتبع....... إلى اللقاء مع الفصل الثاني والعشرون
+
