رواية العنود والغول الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم رباب عبدالصمد
البارت الحادى والعشرون
+
هنا طرات فكرة لوليد واراد ان يضرب عصفورين بحجر واحد فقال ستاعطيكى غرفتى انا وعنودتى وسنستق تلك الغرفة البعيدة فى اخر البهو فهى اكثر خصوصية وبعيدة عن ازعاج عمر او اولاد هبة عندما ياتون
+
وليد كان يقصد بهذا ان يبتعد عن غرفة ولاء حتى لا تستطيع التصنت عليهما بسهوله وندم انه لم يفعل هذا منذ البداية
+
هدات عبير قليلا بينما نظر هو لعنود وقد مد له يدها ليهمها على الخروج
+
كانت عنود صامته ووبداخلها صراعات كثيرة فقد اخذت تستوعب كلام وليد وتقارنه على نفسها ففهم هو بقطنته ما دار بخلدها فانتظر الى ان ركبا سويا السيارة وتحركا ونظر لعمر فوجده قد استكان ونام فى صدرها وظلت هى على حالها من الصمت فتنحنح وقال : سنمر اولا على المركز الطبى لان هناك حالة اجلتها اكثر من مرة وبعدها سنذهب للغول
+
اومات براسها بنعم ولكنها لازالت شاردة تصارع افكارها
+
استقر بسيارته امام المركز وترجل بهدوء ثم وقف امام بابها وفتحه لها وحمل عنها عمر وسارا معا نحو الداخل بينما تحول شرودها الى التامل فى المركز الطبى
+
اعجب هو بها وهو يراها تتامل المكان ودخل بها الى بهو طويل واشار بيده الى غرفة الاستشارت وقال وهو يغمز لها : تلك هى حجرة الاسرار فكل من يدخل هنا يرمى باسراره ثم يخرج
+
نظرت له وقالت : ليت كل الاسرار تحكى
+
فهم مقصدها وضحك وقال : هنا كل الاسرار تقال بل كل الاعترافات والخطيئة ايضا وضحك ضحكة عذبة وشرح لها كيف ان المريض لا يرى معالجه ولا معالجه يراه مما يجعل المريض يتحدث باريحية
+
دخل بها غرفة وارقد عمر على كنبة صغيرة جوارها وهم ان يخرج ثم توقف قبل ان يفتح الباب وانتظر بره ثم عاد اليها وامسكها من كتفيها فى حركة لم تكن تتوقعها فانتفضت وقامت وقفت فصارت ملاصقة له ولكنها اقصر منه فمال عليها وقال : ما قلته لعبير لا يخص الا عبير فكل شخص له طريقة علاج وليس كل العلاجات تنفع كل الناس
+
نظرت له وقد شعرت انه قراها ولكنها ردت بسرعة وكانها فرحت لانه فهم ما يجول بداخلها وسالته بصوت خافت متلعثم من قربه هكذا وهى تصارح من الاساس اشتياقها اليه : لا افهمك
+
مال اكثر وهمس فى اذنيها لعل انفاسهما القريبه تشعرها بصدق كلامه : يعنى انى قلت لعبير ابتعدى ولا تلاحقيه ولكن قد لا يناسب هذا الكلام افراد اخرى بل على العكس من الجائز جدا ان اقول لهم تمسكوا بمن تحبوهم فهم صادقين فى حبهم لكم وقد تكونوا انتم المحطاين فى فهمكم
+
ابتلعت ريقها وكادت انفاسها تتصارع وتتلاحق حتى انه شعر بارتعادها فربت عليها واقترب وقبل جبينها برفق وتركها مبتعدا عنها لغرفة الاستشارات
+
ما ان خرج وقد شعرت ان اخير الغرفة قد اتسعت قليلا وبدات انفاسها تنتظم وقالت فى نفسها : يا الهى كيف ساقاوم بعده عنى وانا بالكاد لا استطيع بعده لدقاق يالا خيبتى وقسوتى على نفسى ثم تذكرت منظر ولاء فعادت واغمضت عينيها بالم وقالت بصوت اعلى : لا انه يستغل حبى وهو كاذب ..لا . لم اعد افهم شىء
+
.......
+
دخل وليد الى غرفة الكشف وجلس خلف الزجاج وتعمد اللعب فى ذبذبات الصوت حتى تغيرت نبرات صوته وبدا يراقب ذلك الرجل الجالس امامه ولكنه لا يراه بدوره وبدا يدون فى ورقة امامه بعض الملاحظات واول ما كتب وجهه دائرى دليل انه عصبى جدا ولكنه غير قادر على التكيف على البيئات من حوله وذو جبهة ضيقة دليل ضيق الحياة عنده وحاجبيه منخفضان دليل وجود الشك الذاتى لديه وشفاهه متشققه طبيعيا دليل الى انها جافة دوما وهذا يدل بدوره على الجفاف العاطفى لديه
+
كل هذا ولا يعلم المتعالج ان وليد الان ينظر اليه وما ان سمع صوته الا وبدا يعتدل فى جلسته
+
كان الشاب طويل البنية ومن الواضح انه كان قويها وذو عضلات الا انها باتت هزيلة وكانه فقد قوته بسبب مرض او بسبب شىء يعانيه الا ان لون عينيه جعل وليد يشعر ان هذا بفعل المخدرات فقال فى نفسه هل ظن هذا الشاب اننا هنا مركز لعلاج الادمان ؟
+
بدا وليد الحديث وقال بصوت دافىء يحمل الابتسامة الحانية : علمت من بياناتك الاولية ان عمرك 27 عاما فتعجبت ان من هم فى عمرك يكون لديهم مشكلات نفسية فامثالك هم من يعطوننا نحن الطاقة الايجابية لنستعيد قوانا ايها الشاب القوى ولا تتعجب انى انعتك بالقوى لانك حقا قوى وانا لا اقول هذا لاشجعك بل انا اردد كلام الله فكون سنك جعله الله فترة الشباب والقوة فهو اعلم منا بهذا السن
+
كلماته ادخلت على الشاب السكينة الى حد كبيرجعلته غير خائف من الافصاح عما يرهقه واعطته ثقة فى كونه لازال يتمتع باى قوة سواء خارجية فى بنيته الجسدية او داخليه فى ثقته بنفسه
+
قال له وليد بنفس النبرة الهادئة : ما الذى يؤرقك ايها الرجل الشجاع ؟ ولما طلبت مقابلتى انا بالذات ورفضت ان تتحاور مع ايا من الاطباء الاخرين ؟
+
قال الشاب : اخترتك انت بالذات لانى اعلم ان احدا لن يفهمنى او يسمعنى مثلك فقد زارك صديق لى من قبل ولازال يزورك حتى الان وعندما وجدت انه بدا ينصلح حاله سالت عنك
+
اما عما عندى فسابدا لك من البداية لعلك تجد اى سبب يوقفنى عما انا فيه وما الت اليه صحتى فانا كما ترانى اسمر البشرة بل اسودها وهذه هى بداية قصتى وبداية المى فقد ولدت لاب مثل لونى وام غاية فى الجمال وشديدة البياض ولكنها لم تحبنى يوما فقد كانت قاسية جدا على ولم تحب الا اخى الاكبر منى لانه ابيض مثلها ففى كل مرة كانت افعل فيها اى شىء تنتقدنى عليه وتوبخنى وتعايرنى بالاسود فى حين انها كانت دوما ما تمدح فى اخى وتكافاه على اقل شىء يفعله
+
اصبحت اكرهه واغار منه بل فى كل مرة كانت امى تنهرنى فيها كنت اكسر له شىء من العابه وربما اسرق ادواته كذلك
+
ابى كان سلبى ولا ينهر امى على التفرقة بل على العكس كنت اجده يتفاعل كذلك مع اخى فتعجبت على الرغم انى انا الذى عانيت لانى ولدت شكله ولونه فلماذا يحب اخى ولا يحبنى
+
ابى مات وساءت حالة امى النفسية وساءت معها معاملتها لى واصبحت تعتمد فى كل شىء على اخى وانا لا وان عاتبتها تقول انك ضعيف لا تتحمل اى مسئوليه واسود فكنت اكرهها اكثر واصبحت اسرقها هى الاخرى
+
اصبحت اكره البيت على الرغم ان مدرسى شجعنى ان اشترك فى رياضة التنس وبالفعل اشتركت واخذت بطولات كثيرة الا ان هذا لم يشفع لى عند امى ولم تتباهى بى بل ظلت تحب اخى الهادىء الذى كان ماكرا يتصنع رضاها ليكسب ودها اكثر وكانت الطامة عندما كنت ادرس فى السنة الاخيرة فى كلية الهندسة وفاجاتنى بانها ستتزوج فقلت فى نفسى اتريد ان تشبع رغباتها من الرجال ولا تشبع رغباتها فى حنانها لابنها انها لا تصلح لان تكون ام فى حين انى وجدت اخى الذى صار طبيبا يهنئها على تلك الزيجة فققلت فى نفسى ايها الماكر انت تهنئها حتى لا تحرم من ميراثها فسرقت كل مجوهراتها وكل الاموال الموجودة فى البيت وهربت حتى احرمها من اى لذة فى الحياة كما حرمتنى انا الحياة نفسها وحتى لا يجد اخى ما يرثه والذى جعله يبارك لها تلك الزيجة ولكنى وجدت نفسى ضائع بلا هوية ففشلت فى دراستى وصادفت اصدقاء السوء فادمنت المخدرات فقاربت ان افلس وفشلت فى دراستى ولم اعد احرز اى شىء فى رياضتى المفضلة انا فاشل .انا فاشل . بل انا اسود
+
اخذ الشاب يبكى بهيستيريا
+
كان وليد يستمع له بجدية ويدون امامه بعض الملاحظات ولم يحاول ان يقاطع الشاب ولا حتى اثناء بكاءه
+
سادت فترة صمت وبعدها ارسل وليد احدى الممرضات بكاسا من الليمون وقال له اشربه لتهدامن حالك
+
بدا الشاب يهدا قليلا فى انتظار ان يتحدث وليد ولكنه ابتسم ابتسامة رضا عندما سمع وليد يبتسم له ويقول : اول مرة اعلم ان السمار ليس بجمال بل كنت اعلم ان السمار هو كل الجمال فهذه معلومة جديدة فكنت احسب ان من هو اسمر انما يفتخر بسماره وجماله
+
سوادى هبة خالقى واحس بالرضاء
+
لونى شرف لى وللكعبة كساء
+
سوادى فى العيون زينه وبدونه عماء
+
لونى شهامة ورجولة ما به ما يساء
+
لونى للمراة سترة وجمال وعلى كل راس امنية للنساء
+
تقولين يا امى اسود وتزورين الكعبة وتقبلى لونى بانحناء
+
لولا السواد ما سطح نجم ولا ظهر بدر فى السماء
+
السواد فيه التهجد والسجود والرجاء واستجابة الدعاء
+
فيه ذهب نبينا من مكة للاقصى فى الاسراء
+
ضحك وليد لعله يبسط للشاب المسالة ثم ساله ولكن قبل ان يساله كانت المساعدة قد همست له فى اذنه ان عنود كانت قد اقتربت من غرفة الكشف بل انها تجرات وفتحت الباب وسمعت شكوى الرجل
+
ابتسم وليد ولم يعلق ولم يامر المساعدة ان تنهرها بل تركها لعلها تجد فى مشكلات غيرها عبرة
+
كانت عنود هى الاخرى فى حالة شغف لان تسمع عبر سماعات الصوت راى وليد فقد شعرت بكره عميق للشاب ولكنها فى ذات الوقت تعجبت من هدوء وليد فى التعامل معه وعلى الرغم ان الصوت مختلفا قليلا الا ان هذا لم يخيب عليها فهى شعرت بدفء نبراته فى الكلام فتاكدت انه هو المتكلم
+
وليد : هل علمت ان علاجنا هنا لا يعتمد على ايه عقاقير ؟
+
الشاب : نعم
+
وليد : اذن فاستمع الى فمشكلتك تضمنت شقين الشق الاول الا وهو العنصرية وهذه ليست مشكلتك بل هى مشكلة بشر اما الشق الثانى فهو جهلك بنفسك وهذا ما سبب لك ما انت فيه الان بل وهو من جعلك ترى امك واخيك انهما شيطانين
+
وليد : ما اسمك ايها الشاب الوسيم وما اسم اخاك
+
انفرجت اسارير الشاب وقال : اسمى غسان واخى اسمه مروان
+
وليد : اسمع يا غسان احيانا كثيرة عندما نتعب نفسيا فاننا نتصرف تصرفات ضد رغباتنا بل قد تكون تصرفات خاطئة ونصمم عليها مثل ما فعلت انت فى حالة السرقة
+
صمت قليلا ثم قال وقد نسى وجود عنود لانه انهمك حقا فى الكلام مع الشاب ثم قال : اتعرف من هو مالكوم اليكس انه امريكى شهير عانى من اضهاد الامريكان للونه ولم يجد الراحة الا فى الاسلام فاعتنقه ووقتها عرف ان التطرف يوجد حوله فى كل مكان فمثلا التطرف فى الانفاق يسمى اسراف والتطرف فى الامساك يسمى بخل والتطرف فى العبادة يؤدى الى الالحاد وهكذا وكل هذا اكتشف انه كان موجود بالفعل حتى من وقت الجاهلية
+
قاطعه الشاب بياس وقال : وما ذنبى انا انا لم اختر لونى لتكرهنى امى
+
قال له وليد : امك ايضا اسرفت فى اعتقادها فادى بها الى العنصرية اى ان الغلط ليس فيك انت بل فيها هى ولهذا كان يجب عليك الا تفهم الدنيا بسطحية كما فعلت بل كان عليك ان تحلل الموضوع بعقلك مثلما فعل مالكوم الذى كان لا يعرف شىء عن الاسلام ولكن بالبحث اكتشف الدين الاسلامى وكان فى مقدورك انت بالبحث ان تجد لما امك كانت عنصرية معك فهى من الاساس لم تنهرك ابدا لكونك اسود كما تعتقد بل هذا ما فرضته انت على فكرك بل هى كانت تنتقدك بسوادك لتتعبك لانك اتعبتهها هى اولا وقبل ان اشرح لك تلك النقطة عليك ان تفهم اولا ان الله لم يخلقنا لاجل الدنيا فقط لكن هناك شىء اسمه اخرة ومن الطبيعى ان تفوتك بعض الاشياء فى الدنيا لكنها لن تفوتك ابدا فى الاخرة فالاخرة هى الابقى
+
ومع ذلك تجد ان هناك شىء يفوتنا ولكنه لا يفوت غيرنا كما انك تجد ان هناك اناس تظلمنا واناس لا هناك اناس تعشق البياض واناس لا فلماذا رايت انت هؤلاء الذين يعشقون البياض ولم ترى الذين يعشقون السمار مع ان لك عينين وكان من الافضل ان ترى عين هؤلاء والاخرى ترى تلك
+
ثم ان الظلم الواقع عليك من غيرك فكان يجب ان ينشرح صدرك لانك لست بظالم
+
كان عليك ان تعرف ان الله هو خالق لونك وهو امر ان نتساوى وان احد لا يعاير احد بخلقه ولكن هم من عايروك فمن المخطىء انت ام هم . بالطبع هم اذا هم من سيحاسبون وانت ستاخذ حسنات هل هذا شىء يجعلك تكرهه ام تحبهم كان فى مقدورك ان تحول الازمة الى نعمة بشكرك الى الله لانه وهبك اناس يهدونك حسنات دون تعب منك . ثم ان ظلم بعض الناس لا يعنى ان كل الناس ظالمين
+
صمت وليد للحظات ليترك فرصة لغسان لان يعيد التفكير بما فعله بنفسه فقال بصوت هادىء ولكنى انا من تاذيت على شىء لم اقترفه
+
وليد : يا لها من اذيه ترفعك للجنه لان من اذوك قد اذوك على افعال بيد الله
+
طابت نفس غسان قليلا وقال نادما : انا لن اسلم عقلى ونفسى لظلمهم مرة اخرى
+
قال وليد : اجل حسابك لنفسك لدقائق فانت ايضا مخطىء وان كنت انت اساس اذية نفسك لانك لو نظرت للموضوع من اوله لعرفت ان امك انما كانت تنهرك لانها تريد ان تنتقم منك لانها لم ترى منك اى حنان او عرفان لها بل كنت على العكس من اخيك هو كان هادىء يسمع الكلامه حنون الى ابعد درجة معها حتى انه لم يرد ابدا ان يحرمها الحياة وانت قد حرمتها يوم ان قررت ان تتزوج من رجل اخر
+
اخيك علم انها تحتاج الى حضن رجل يؤنس وحدتها ويطيب خاطرها كانت تحتاج الى من يشعر بها كانثى فليس كل العلاقات علاقات جسدية بل هناك علاقات اعمق واقوى ولكنك نظرت للموضوع بسطحية وبنظرة مريضة من وجهة نظرك انت فسرقتها وقررت ان تعدمها بحرمانها من حقها فى الحياة هل ان كنت قاضيا وجاء اليك شاب وقال هذا لك وقضيت بالحكم على امه بعدم الزواج هل تظل ان هذا سيكون عدلا منك ؟
+
ثم ما ذنب اخيك ان احبته امك لتكرهه انت فاين انت من اية " سنشد عضدك باخيك " الاخ سند فلما كرهت سندك وبعدت نفسك عن كتف يحملك ان وقعت يوما او ربما حماك من الوقوع من الاساس
+
اخيك كان اكرم منك عليك وعلى امك لانه حتى لم يفكر ان يرد اساءاتك له باى اساءة تذكر والا لقد كنت ذكرت هذا لتبرر لنفسك ما كنت تفعله فيه
+
صمت مرة اخرى ثم قال : يا غسان انت لست بسىء وكان عليك ان تحب اخيك بل وتفتخر بما لديه فهذا يقربك له على عكس ما اعتقدت انت انك ان تفاخرت بمحاسن اخيك انما انت تنتقص من نفسك
+
اتعرف يا غسان عندما كلم الله جلا وعلى موسى واخبره انه صار نبيا وانه من الان وضع على كاهله مستقبل اليهود باكملهم
+
لم يرد غسان فى انتظار ان يكمل وليد وبالفعل اكمل وليد وقال : اول ما نطق موسى لم يتفاخر بنفسه وانه سار نبيا ولم يتفاخر ان الله اصطفاه عن بقية اليهود وان كان افتخر فله الف حق فهذا شرف يتمناه جميع البشر ولكن اول شىء نطق به وقتذاك (ص) اخى هارون افصح منى لسانا
+
نعم لقد كان موسى دوما ما يتفاخر بمحاسن اخيه وانه افضل منه على الرغم ان الله جل وعلا اعترف له بنفسه انه افضل من هارون ولكنه تفاخر كذلك وفى تلك اللحظة التى تتوه فيها العقول بان هارون افضل منه
+
اتعلم لماذا لم يتفاخر موسى بنفسه ؟ لانه كان يشعر ان افتخاره باخيه انما هو افتخار بنفسه مثل ان يكون هناك رئيس دولة مثلا وانت تقول بكل تفاخر انا اخو الرئيس فلماذا فى الصغائر اذا نتغافل
+
لم يعاقب الله موسى انه قال اخى افصح منى ولم ينهره فى مجادلته بانه يقول له اخترتك وهو يقول اخى
+
اليس من الممكن ان الله قد نهره بل وعاقبه لانه اعلم منه ؟ لا والله كان ربك كريما ورحيما وكان يشعر بما يكنه موسى لاخيه فقال له سنشد عضدك باخيك
+
اين انت من موسى يا غسان
+
كذلك فعل الله مع سيدنا محمد (ص ) عندما اسرى ليلا فكان اول ما هدا به حال رسولنا الكريم ان اسمعه صوت اخيه فى الاسلام ابا بكر رضى الله عنه من فوق سابع سماء لانه كان يسانده فى الارض
+
بكى غسان واخذ يردد سنشد عضدك باخيك ااااه اريد اخى
+
تركه وليد مرة اخرى ليبكى حتى يهدا
+
لكنه عاد يقول ولكنى لازلت اكره امى لن اتقبلها ابدا فى حياتى فقد دمرتنى
+
وليد : كيف دمرتك وهى من الاساس كانت تبنيك الم ترضعك وتطعمك لتكبر فكيف تسعى لتكبر انت وانت تقول انها تدمرك وان كانت قد اخطات فى شىء فهذا لا يهنى انها تكرهك بل انها فقط تعاملت معك بطريقة خاطئة فلا تلومها على قلة تقديرها للامور فلكل منا عقله ثم اين انت من وبالوالدين احسانا اتعرف معناها يا رجل ؟
+
لم يقل الله وبالوالدين حبا ولكن قال احسانا اتعرف لماذا؟ لانه يعلم ان قلوبنا ليست بايدينا فكان رحيم بنا فلم يشق علينا ولم يامرنا بالحب جبرا ولكنه قال احسانا ولانه رحيم بنا عرف ان الاحسان يولد الحب فامرنا بالاحسان فان كنت انت احسنت الى امك منذ البداية على الرغم من قسوتها لرايت منها ما يقر عينك وتحول كل ره لها الى حب واين قلبك وقتها ان كانت دعت لك بالطبع كان سيحلق فى السماء فلما جعلته يدفن فى الارض
+
فى ذات الوقت كانت عنود فى الخارج تبكى حالها فقد شعرت بالبرودة تسرى فى جسدها فكم افتقدت هى كلامه هذا والسبب عنادها
+
ابتعدت عن الغرفة وعادت الى عمر الذى كان لازال نائما وحملته على كتفها وخرجت تتجول فى المركز
+
بينما غسان كان لازال يبكى ويبكى
+
اسكته وليد وقال : ساعيدك الى اخيك لتسنده انت فقد حان دورك ولكن قبل ان تعود اليه لابد ان تعود اليه وقد استعدت قواك البدنية لتسنده عن حق
+
قال غسان : كيف وقد اصبحت شبه انسان وليد : ستنتظر معنا هنا فى المركز حتى يخرج مفعول المخدرات من جسدك وستجد هنا ام جميلة حنونة ستعوضك حضن امك فهى الاخرى تركها ابنها وعندما اجد غسان القوى لك منى عهد ان اعيدك الى اخيك وامك
+
........
+
اثناء ما كانت عنود تتجول فى حديقة المركز وجدت السيدة العجوز تبتسم لها وهى جالسة على مقعد بجوار شجرة
+
شعرت عنود نحوها بالفة قد افتقدتها فقد شعرت بروح امها فيها فاقتربت منها وقد بادلتها الابتسامة
+
انهى وليد جلسته مع غسان وقد شعر بارهاق فنظر فى ساعته فوجد نفسه انه قد تاخر على عنودته فخرج يبحث عنها فوجدها وقد تعرفت على السيدة وانها تتحدث معها باريحية فابتسم لانه يعلم ان العجوزة حقا حنونة للغاية فاشار اليها فاتت اليه فحمل عنها عمر وخرجا معا
+
مدت يدها تمسك طرف سترته كنوع من الاطمئنان فقد كانت حديقة المركز شاسعة لكن الليل قد حل
+
شعر بها فحمل عمر بيد واحدة ومد الاخرى اليها وحضن كفها وشبك اصابعه فى اصابعها دون ان يتكلم وسارا صامتين حتى السيارة
+
.......
+
فى ذات الوقت كانت عبير فى غرفتها مستلقية فى السرير وشاردة البصر على قلم بيدها وقد سالت دموعها على وجنتيها وهى تقلب القلم فى يدها وقد نظرت له بحسرة فكيف له الان لا يستطيع كتابة حرف واحد عن سليم وقد اصبح عاجز بينما كان سابقا يجرى بحبره على الورق دون ان تمليه بل كان يترجم احساسها فها هو الان قد شاخ احساسه كما شاخ احساسها هى الاخرى
+
اخذت تتجول بنظراتها على جدران الغرفة وعادت تنظر للقلم مرة اخرى وكانها تحدثه " حين تتملكنى الاوجاع لاسقط فى غياهب جرف بلا قاع . كنت قد امنت بذاك الحب الذى سعد به القلب فما كان سوى استدراج الى جب ادمن . تمكن . تغلغل . بعد ان تلثم بقناع
+
وها انا الان بعاصفة الاحزان والخذلان اتاوه الملم شتاتى باوجاع ليخرج الالم منى ملتاع
+
لست ادرى ان غفلت سهوا او عمدا عند نقطة الصفر نصبت لى فخا بخفة على حين غبطة ويال بديع تلك الحبكة
+
فلقد تعطرت وتزينت وتغنجت وتدللت ثم بسحر الشفاه تبسمت خاطفة رشدى منى قبل النظر لاقع صريعا اثرها بلمح البصر
+
عم الظلام فؤادى المحطم فكساه فزاغت شمس الامل فى مداه ليختفى قمر حلمى المشود فى دجاه
+
وها انا هنا اجدنى وحيدا فى قاعى اصيح غوثا انادى فيعود صدى صوتى لا تتلقفه الايادى حتى اذان السيارة حثت خطاها باسراع ما هما النداء ما حفلت بالاستماع
+
عودا استكين للغفلة فالتحف العتمة لتطبق على انفاسى المعذبة الف كتمة وكتمة
+
انزوى بنفسى احاول فى الدهماء رؤية خيال لجسدى كشبح انا ما عدت ارانى يرتد خاسئا لى طرفى ينعانى فاخشانى ولا اجد فى عزلتى انيسا او معينا فقد فررت وانعزلت عن الناس جميعا
+
يشتد المى يمزقنى خسرانى وخذلانى المبين ليعتصر الوجع حزنى الدفين
+
اسمع بعدها خلى الامين قلمى الحزين باسم الثغر ضاحكا شامتا على غير عادته وقد خيل الى بهيئة شيطان
+
ها هو الان يدنو يوسوس يستشير فى اللوعة والحنين وها هو يتراقص بخطواته مسلطنا كمستوطن يهودى على نغمات الانين
+
انهض استقيم اكابر بما تبقى لى من جهد بعد السقوط والانكسار لاصد همساته عله يتركنى بسلام
+
عبثا تتهاوى كل محاولات الصد والرد يتجاسر هو وهجماته لى تشتد وتحتدم فابدى له الرضوخ والاستسلام وابادره برايات الانهزام
+
عندها يهفت كبرياؤه قليلا ليصدقنى قيلا فيظهر بعض الاهتمام وصدى قهقهته تتقاذفها جدران المكان عند اذن يبسط لى شروط المنتصر فانصت لغطرسته كتلميذ بدرس ضجر
+
يدنو حينها منى اكثر فاكثر يتدلى ويقترب ليردف قائلا لا تخف لن يسمعك غيرى فلما ترتجف ؟
+
قلت رفقا بحالى يا فاضح القلب ويا من تقتات على رغيف عذاب الدرب وتغطس حبرك من ملح كرب
+
فوجدته وقد غاب عن محياه الوفاء واسترسل بخطه متجاهلا منى الرجاء ومرغ حبره بنهم بين السطور ثم باح بما جاش فى الصدور
+
جمعت بعدها شتات نفسى باسى وكم تمنيت ان امسك خصره واكسره وعالحبر ينشح فيخذله ولكن سئست محاولاتى فى كتم صوته الفاجر واستمر بحرث حصون مملكتى متجاهلا مجاهرا فرمقته بنظرة حائر وكانه قد خلت منه الضمائر وبرغم ايمانى بحرفك الصادق الجائر كرهتك يا قلمى يا من استبحت كشف عورة قلبى
+
توقف عندها عن الخط ورفع راسه ووضع نقطة وادخل فاهه ولسفاهه امتط وردد بعض الكلم قبل ان يضمحل مع العدم وقال هكذا سيبقى حالك يا انتى بعد ان يخذلك استتار الضمائر هكذا تصبحين اليوم نسيا منسيا فيروقك دور الضحية وهكذ سينزف ككل مرة جرحك لتندبى معه حظك العاثر فمتى تتعلمى ان لا تلدغى من جديد حتى تصمت حروفى فلا احدث عنك ولا اثرثر
+
صرخت بقهر صامت وقلت له شكوت جورك يا قلمى انصفت انت وبطلت دعوتى انا "
+
هنا انهمرت دموعها وصرخت صرخة ندم وكسرت قلمها والقت به بعيدا مهشما ودفنت راسها فى وسدتها ولكنها لم تستطع فقامت مرة اخرى من على فراشها فلم تعد قادرة على التنفس وكان الغرفة قد انطبقت عليها واخذت تنزع صوره من كل مكان ولكنها ابقت صورة واحدة صغيرة فى اخر ركن بجدار الغرفة ولكنها لم تمسح ابدا اى حرف خط على الجدار كما لم تنزع اى ورقة الصقتها به وكانها كانت تريد ان تتعلم من تجربتها دون ان ترى صورته فقد حفرت فى صدرها بما جعله يضيق عليها حتى كادت اضلاعه تتفتت
+
قامت ونظرت من الشرفة واخذت تتنفس الهواء النقى لعلها تملا رئتيها المختنقة بهواء بارد لعله يرطب صدرها
+
دعوت كرها حرفا هجانى فمسكت بنانه وهو يعانى
+
مزعت انفه بحبر احزانى وطلبت سطرا فيه ينعانى
+
وثرت عليه بشد الحزام لعجز لسانه عن رسم الكلام
+
فخر وغص ثم بكانى ولطخ حبره كل البيان
+
كفكفت دمعه اذ ترجانى وتركته يرتاح مما اعانى
+
........
+
اما عند سليم فكان فى غرفته لتوه انهى حديث عاطفى مع احدى الفتيات وما ان ركن الى فراشه الا واستلقى عليه وشرد ببصره الى السقف فكان يحادث الفتاه ولكن عيناه لا ترى الا صورة عبير
+
حاول ان يتقلب على احد جانبيه ولكنه راها كذلك فهى ايضا كانت مسكونه فى صدره وفى حقيقة الامر ان سليم يحبها اكثر من اى شىء ولكنه اراد ان يثق فى نفسه وانه مرغوب ولم يعد عاجز حتى انه تخبط فى اكثر من علاقة فى وقت واحد وفى وقت قصير جدا دليل انه لم يحب ايا منهما والاكثر غموضا انه حاول ان يبتعد عن عبير ليختبر قلبه انه يحبها حقا وليس انه يحبها لانه لم يجد غيرها لانه كان عاجز ولم ترضى به غيرها
+
اخذ يتقلب على السرير ويتذكر مواقفهما معا حتى انه بات يسمع صدى صوتها يملا المكان حوله وهذا ما كان الا انه يزيده حنينا وشوقا اليها
+
كانت تقلباته على فراشة كما لوكانت تقلبات على جمر فلا هو هانىء بحبها ولا هو استطاع ان يخلعه عن صدره ولكنه كان خائف من مواجهتها فى الحفلة فكيف لعينيهان تثبت عند رؤيتها فهو لن يستطيع ان يحيد عنها طرفة عين وفكر ان يعتذر اليها ويتوسل لها ان ترضى به وترضى عودته لها مرة اخرى
+
لما انت معاها مش ناوى تكمل لية بالحب وعدتها
+
ليه بالكدب طمنتها وقدام عنيها الجنة رسمتها
+
وعلى كابوس من حلمها فوقتها وبسكينة باردة دبحتها
+
...............
+
ايه رايكم فى قصة غسان تفتكروا هينجح أنه يثق فى نفسه ويرجع لاخوه
+
طيب تفتكروا عبير ممكن تسامح لو سليم رجالها
+
يا ريت كل واحد فينا يفتخر باخوه ونفتخر كلام ربنا ومساندته لموسى عليه السلام ينشد عضدك باخيك
+
الاخ سند قوى جدا لان روحه من روحك ودمه من دمك فمتخليش ولا مرة الشيطان يوهمك بأن سند اخيك سند هش وان الدم ممكن يباة مية
+
يا رب بارك لكل شخص فى أخيه
