اخر الروايات

رواية غريبة في عالمك الفصل العشرين 20 بقلم رحاب حلمي

رواية غريبة في عالمك الفصل العشرين 20 بقلم رحاب حلمي


20= الجزء الاول =
الحلقة العشرون


رجل بكل الأمزجة


"فشلت جميع محاولاتي
في أن أفسر موقفي
فشلت جميع محاولاتي
مازلت تتهمينني
كأني هوائي المزاج , ونرجسي
في جميع تصرفاتي
مازلت تعتبرينني
كقطار نصف الليل .. أنسى دائما
أسماء ركابي , ووجه زائراتي
فهواي غيب
والنساء لدي محض مصادفات
مازلت تعتقدين .. أن رسائلي
عمل روائي .. واشعاري
شريط مغامرات
وبأنني استعمل اجمل صاحباتي
جسراً إلى مجدي .. ومجد مؤلفاتي
مازلتي تحتجين أني لا احبك
كالنساء الأخريات"
******نزار قباني******
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


كان كالأسد الجريح يزرع مكتبه ذهابا وإيابا, حسنا فهو بالفعل يعترف بأنه قد أخطأ, ولكنه لم يفعل ذلك إلا لإغاظتها فقط, لمجرد أن يرى ماذا يكمن خلف هذا القناع الجليدي الذي ترتديه؟ ولكنه لم يتصور أن يفلت الزمام من يده بهذا الشكل, فلقد استطاعت أن تجرحه دون أن تدري, هي المرأة الوحيدة التي استطاع كلامها أن يغزو قلبه بتلك الطريقة العنيفة, فلقد تدرب كثيرا على غيرة النساء حتى اكتسب منها مناعة لا بأس بها, ولكن مع مريم كان الأمر مختلفا تماما, وقد حاول أن يعزي ذلك الأمر الى اتهامها المبطن له بالخيانة, ولكنه قرر يوسف ان يكون صريحا مع نفسه أكثر من ذلك, لذا لقد اعترف وان كان امام نفسه فقط بأن ما ازعجه هو علمه بأنها لم تهتم الا بكرامتها ووضعها الاجتماعي وكأنه لأول مرة في حياته يخسر نزالا مع امرأة , ولكنها لن تكون النهاية يا ابنة الكامل. فهي جولة واحدة من جولات عدة أعدك بأنني سأكون فيها الرابح بلا منازع.
سمع طرقات على الباب, أعادته الى الواقع, فجلس على كرسيه خلف المكتب وقد عقد العزم أن يولي كل اهتمامه لعمله: ادخل.
فدخلت السكرتيرة مي وتمسك بيدها ورقة لفتت انتباه يوسف, فرفع نظرة عينيه الى مي بتساؤال: فيه ايه يا مي؟
قدمت مي له الورقة وهي تقول: دة فاكس لحضرتك لسة واصل حالا من لبنان.
أخذ منها الفاكس. وقال لها: طب روحي انتي دلوقت يا مي واطلبيلي فنجان قهوة.
مي: امرك يا فندم.
وبعد ان خرجت السكرتيرة , القى نظرة الى الفاكس يقرأه, وما ان انتهى وضعه أمامه على المكتب وهو يقول محدثا نفسه: ياترى بتخطط لايه يا كمال؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم على أحد الكراسي بجوار سرير جدها تسيطر عليها دهشتها وهي تسأل: ممرضة؟! بس انا ازاي ما كنش عندي خبر بالموضوع دة قبل كدة.
جدها باسما: انا كمان ما كنتش اعرف غير لما جات هنا بعد ما مشيتوا بحوالي نص ساعة وقالتلي ان الدكتور عزت هو اللي بعتها بناء على طلب يوسف جوزك.
ففكرت مريم محتارة في أمر ذلك الرجل. فكيف له أن يهتم بأمور الجميع بهذا الشكل في وقت واحد؟ وبالرغم من خلافهما مساء أمس, وكذلك الصمت الرهيب الذي غرقا فيه خلال توصيله لها بسيارته في هذا الصباح, الا انه لم ينسَ أمر جدها, وقام بتدبير ممرضة لتهتم بشئونه في غيابها. لقد أصبح يشكل بالنسبة لها لغزا كبيرا يصعب عليها حله. وفي تلك اللحظة التي كانت تفكر فيه رأته وكأنه يتجسد من أفكارها الى الواقع يسد فتحة الباب بجسمه العريض فارع الطول, ولم تتأكد من انه حقيقة الا عندما سمعت صوته يقول موجها حديثه لجدها وهو يتقدم الى الداخل بلهجته المرحة التي أصبحت واثقة من أنه يستخدمها مع الجميع سواها:عال عال, واضح ان صحتك اتحسنت اول ما شفت الممرضة الجديدة.
تزين ثغر عبدالرءوف بابتسامة هادئة: الله يجازيك يا يوسف. بس تعالى هنا, انت ليه اصلا ما قولتليش موضوع الممرضة دي قبل ما تبعتها؟
يوسف: ما جتش فرصة, انا لسة اصلا مكلم دكتور عزت النهاردة وانا في الشركة.بس بذمتك مش احسن بردو؟
فهز عبدالرءوف رأسه: مفيش فايدة فيك.
وانتبه الجميع لصوت الطرقات الخفيفة على باب الحجرة المفتوح فاتجهت الانظار لتلك الشابة السمراء ذات الشعر الكستنائي الطويل والملامح الهادئة وهي تقول بصوتها الناعم ذات اللهجة الوقورة والتي تمتاز بالحزم تلك الصفة التي تغلب على معظم الممرضات: ميعاد الحقنة يا عبدالرءوف بيه.
فقال لها عبدالرءوف باذعان: أمري لله, ادخلي يا رحمة.
فاقتربت منه رحمة وأخذت تعد الحقنة, وخلال ذلك وبعد تقييم سريع لمظهرها, قال يوسف بابتسامة مداعبة: على فكرة يا آنسة رحمة, انا شكلي كدة هطلب من دكتور عزت انه يبعت حد غيرك.
كادت أن تسقط من يدها الحقنة وهي تسأل وقد فاجأها كلامه للغاية: ليه يا فندم؟ هو انا صدر مني حاجة غلط لا قدر الله؟
يوسف: لا, بس وجودك مع عمي فترة طويلة دة في حد ذاته خطر, مين عارف؟ مش ممكن يعجبه الوضع ويقرر انه يفضل عيان على طول؟ ياريتي انا اللي كنت مكانه.
فضحك كل من عبدالرءوف ورحمة, اما مريم فقد ظلت ملامحها جامدة وهي ترمقه بنظرات مليئة بالسخط كانت تفيض مما بداخلها من غضب.
فقالت رحمة , وقد عادت الجدية الى ملامحها من جديد: طب ممكن لو سمحتوا تخرجوا برة بقا؟
يوسف: أوك يا ستي, ياللا بينا يا مريم بقينا بنطرد.

وعندما خرجا وقد سبقته مريم الى غرفتها, وفور دخوله سمعها تقول ساخرة, وهي تجلس أمام المرآة تحاول الانشغال بسحب الدبابيس من طرحتها حتى لا تبدي اي اهتمام حقيقي: طب ما كنت تاخد رقمها بالمرة.
فسألها يوسف لمجرد ان يتأكد من ان الحديث موجها اليه: تقصدي مين؟
مريم: قصدي رحمة اللي انت كنت عايز تعيا مكان جدي عشان هي تهتم بيك.
حاول يوسف مشاكستها قليلا: لا مانا نسيت أقولك ان دكتور عزت عطاني رقمها عشان كنت هتصل بيها لو اتأخرت.
يبدو ان هذا الشخص دائما يبرز أسوأ ما في طباعها, ولكنها حاولت ضبط انفعالها وهي تبتسم ابتسامة صفراء,وقد انتهت من التخلص من طرحتها وأخذت تحرر شعرها الناري وهي تسأله باستهزاء: طب وياترى بقا ناوي تتصل بيها امتى؟
قرر يوسف مسيارتها في شكوكها دون محاولة منه لنفيها: أكيد لو احتجناها هنضطر نتصل بيها.
نهضت من مكانها لتتجه الى خزانة ثيابها وهي تشعر بغضب شديد وتحاول بكل جهدها ألا تبدي ذلك وهي تقول متهكمة: قصدك لو انت احتجتها.
فبدا الأمر بالنسبة له مسليا للغاية وثغره يعلوه الابتسامة وهو يعقد ذراعيه حول صدره بتحدي: معناه ايه كلامك دة؟ ويا ترى أقدر اعتبره غيرة؟
توترت شفتاها وهي لا تدري بما تجيب, و تحاول ان تشغل نفسها بالعبث بثيابها دون هدف لتجنب مواجهته وهي تقول بنبرة مرتبكة على غير ما أرادت: غيرة؟ من مين؟ وعلى مين أصلا؟
رد يوسف بلهجة واثقة دائما ما حسدته عليها لأن ذلك هو ما تفتقره في معظم مواقفها معه ومن ضمنهم ذلك الموقف الذي زجت بنفسها فيه دون أي حسبان لما قد ينتج عنه: عليا مثلا
فوجدت لسانها دون أن تدري ينطق بتلقائية ليزيد المشكلة تعقيدا: عليك انت؟! ليه؟
وما ان نطقت بتلك الكلمات التي بدا ان يوسف قد اعتبرها جرحا لكرامته وربما انقاصا من رجولته لتجده وقد جذبها من ذراعها فجأة بقوة وعنف لتصبح في مواجته وملاصقة له وقد كتمت صرختها التي كادت تنطلق من هول المفاجأة وكذلك الألم الذي شعرت به يغذو ذراعها نتيجة لأصابعه الممسكة بها وتكاد تنغرز فيه, مما جعلها تقول له وهي غير واعية تماما: انت مجنون؟
فهز رأسه نافيا وهو يقول بهدوء تام متأملا ملامحها بكل دقة وبطء: لا يا مريم, انا مش مجنون. انا جوزك ودي الحقيقة اللي انتي بتحاولي تتجاهليها فياريت بلاش تستفذيني عشان ما تخلنيش أعمل حاجة ممكن نندم عليها احنا الاتنين.
تقاربهما لهذه الدرجة المخيفة والتي لم تتوقعها جعلها ثابتة في مكانها لا تقوَ على الحراك إلى جانب أنها لم تستوعب جزءا كبيرا من كلامه, ولقد لاحظ هو أيضا ذلك فلم يشأ أن يفسد على كل منهما تلك اللحظة الفريدة التي يشعران فيها بالانسجام معا, وقد بدا انهما في عالم خاص بهما يفصهما عن كل ما حولهما, ودون أن يشعر رفع يده ليلمس خدها بظهر يده في مداعبة رقيقة وهو ينظر في عينيها بعمق دون أدنى مقاومة منها, وعندما طال الصمت بينهما, خرج صوته الأجش وهو يقول: مريم! انا.........
لم يتم جملته حيث قطعتها طرقات متواصلة على الباب لتخرجهما من عالمهما وتعيدهما الى الواقع من جديد لتبتعد مريم عنه فجأة وكأنها قد أدركت أخيرا ما كان يحدث, ثم سمعته يتمتم بكلمات سريعة غاضبة استوعبت بعضها وقد فهمت منها أنه يشتم ذلك الطارق في داخله, وعندما لاحظ اصرار هذا الشخص سأل بصوت عال ينم عما يعتمر بداخله من غضب: مين؟
فجاءهما صوت رحمة ذات النغمة المبحوحة: انا رحمة يا فندم.
وعندما لاحظ تصلب جسمها وهي تنظر اليه بعينين عاتبتين قرر بأنه من المحتمل أن يطرد تلك الفتاة ان لم يكن الأمر الذي جاءت من أجله على قدر كبير من الأهمية لتقاطعمها في تلك اللحظة بالذات, فذهب ليفتح الباب وحاول أن يبدو صوته لبقا بقدر الامكان: خير يا رحمة؟ فيه ايه؟
رحمة معتذرة: انا اسفة جدا يا فندم, بس عبدالرءوف بيه عاوز حضرتك ومدام مريم في اوضته دلوقت.
يوسف: اوك, روحي انتي, وانا هبلغ مريم ونروحله.
رحمة: أمرك يا فندم.
ورحلت رحمة, ثم أغلق يوسف الباب وهو لا يفكر في شيء سوى كيفية تصليح علاقته بزوجته ليتكرر ذلك التقارب الذي كان بينهما منذ لحظات وقد أفسده كل من عبدالرءوف ورحمة.
وفي غرفة عبدالرءوف الذي كان يجلس تقريبا في سريره ويريح ظهره الى الخلف عندما دخلت عليه مريم مسرعة وقد احتضنته بلهفة وتقول: جدو! مالك يا حبيبي؟
وكأنها تحتمي بحضنه اما من يوسف الذي جاء بعدها على تمهل وإما من تلك المشاعر التي اكتشفتها فجأة عندما كان يحتضنها يوسف منذ قليل, مشاعر لم تكن تعلم بوجودها من قبل كما لم تعلم أيضا سبب ظهورها الآن فقط.
تفاجىء عبدالرءوف من تصرفها وابتسم فجأة وهو يحاول طمئنتها: فيه ايه يا مريم؟ انا كويس يا حبيبتي؟ انتي اللي مالك؟
ابتعدت عنه مريم قليلا ولعدم قدرتها بالطبع على اخباره بالحقيقة, فحاولت ان تراوغ بعض الشيء: ابدا يا حبيبي, انا بس لما رحمة جات وقالتلنا انك عاوزنا, اتخضيت عليك. خير يا حبيبي كنت عاوزنا في ايه؟
تطلع عبدالرءوف الى يوسف الذي كان يقف بعيدا بعض الشيء: ما تقرب يا يوسف. واقف بعيد كدة ليه؟
فاقترب يوسف وقد اختار أن يجلس بجوار مريم التي شعر بتشنجها فور لمسته لها, فقال عبدالرءوف الذي لم تكن تخفى عليه تلك الأمور, ولكنه لم يشأ أن يتدخل في الأمور ليس من حق شخص آخر سوى مريم ويوسف التدخل فيها, ولكنها حفيدته وهو ابن أعز أصدقائه, بل كان يعتبره ابنا قد عوضه الله به عن ابنه الحقيقي, لذا كان يحاول بطريقة غير مباشرة اذابة الحواجز التي بينهما لينعما بالسعادة التي يتمناها لهما من كل قلبه, و من أجل هذا الغرض قال بلهجة تنم عن البراءة التامة: والله يا ولاد أنا بدأت أحس اني عبء عليكم........
وقبل أن يكمل قاطعته مريم لائمة: اخص عليك يا جدو, ازاي تقول كدة.
عبدالرءوف: اصلي يا بنتي من ساعة ماجيت وقعدت معاكم هنا حسيت اني ربطكم معايا. ودة بردو ما يرضيش ربنا يعني حابسين نفسكم معايا لا بتخرجوا ولا بتشموا هوا. غير يدوب بتنزلوا الا للجامعة أو الشغل.
مريم بمداعبة: وهو احنا كنا اشتكينالك بردو بقا سي جدو؟
أما يوسف الذي يعرفه حق المعرفة فلم تكن لتنطوي عليه تلك الحيلة ولكنه قرر أن يلتزم الصمت ليرى مالذي يبغيه صديقه من تلك اللعبة والتي بدا انها بالفعل قد جاءت على هواه هو أيضا. فاستمر عبدالرءوف باقناع حفيدته بوجهة نظره: يا بنتي ما تنساش بردو انكم لسة عرسان جداد, ودة حقكم, دة غير ان جوزك اصلا مش واخد على الحبسة دي, وفيها ايه يعني لما تخرجوا وتتفسحوا شوية مع بعض؟
مريم بدلال: ازاي بس نخرج نتفسح ونسيبك هنا لوحدك يا جدو؟
عبدالرءوف: يا حبيبتي انا كويس والحمد لله, وكمان معايا رحمة وام ابراهيم, ومجرد ساعتين يعني هتقضوهم برة مش هيبقوا مشكلة.
كانت مريم بالطبع تميل الى الخروج ليس لسبب سوى أنها تريد تأجيل وجودها مع يوسف وحدهما مرة أخرى فأزعنت لطلبه دون ابداء اللهفة التي بداخلها: خلاص اللي تشوفه يا جدو.
فنظر عبدالرءوف الى يوسف الذي لم يرفع عينيه عن مريم بل اكتفى فقط بمراقبة تعبيرات وجهها المختلفة: وانت يا يوسف, ايه رأيك؟
يوسف: انا معنديش مانع طالما مريم موافقة.
فتنهد عبدالرءوف بارتياح: تمام, انا حجزتلكم بالتليفون ترابيزة في مطعم هيعجبكم اوي, بس لازم تكونوا هناك الساعة سبعة يعني يدوب تلحقوا تجهزوا.
فابتسم يوسف وهو يضع ذراعا حول مريم ويضمها اليه بعفوية توحي لآي شخص يراهما للوهلة الاولي بأنهما عاشقين مغرم كل منهما بالآخر: شفتي يا حبيبتي, يعني عمي ما كنش بياخد رأينا ولا حاجة, دة كان مخطط ومرتب وبيبلغنا عشان ننفذ.
اغتصبت مريم ابتسامة لترد عليه بها وهي تصارع ذلك الشعور الغريب الذي أصبح يغمرها كلما اقتربت منه

20 = الجزء الثانى
وفي المطعم الذي أخبرهما به عبدالرءوف استقبلهما النادل بحفاوة وتهذيب بالغين, فعميل كيوسف جلال فخر لكل مكان يدخله, أرشدهما النادل الى الطاولة التي حجزت خصيصا لهما وقد كانت معزولة بعض الشيء في ركن يبعد قليلا عن بقية الطاولات وتنيره إضاءة خفيفة تضفي عليه مزيدا من الخصوصية والجو الرومانسي, وبعد ان اختارا من قائمة الطعام ما يفضلانه وطلبا كوبين من العصير قبل تناول العشاء, تركهما النادل.
فنظرت مريم الى كل ما يحيط بهما باعجاب, وقالت باطراء: فعلا جدو كان عنده حق لما قال ان المكان هيعجبنا.
يوسف مبتسما: جدك من يوم ما عرفته وهو دايما عنده حق.
مريم مشاكسة: طبعا مانت تعرف جدو من زمان.
فقهقه يوسف بصوت خافت, ثم رد عليها ردا أغاظها: تقريبا من قبل مانتي ما تتولدي.
وعندما وجد ملامحها تتبدل ويبدو عليها الغضب فأكمل بلهجة جادة تقريبا: عاوزة توصلي لايه يا مريم؟ عاوزاني أعترف اني راجل عجوز؟ يمكن معاكي حق تقريبا, أصل انا طول عمري بسمع ان الواحدة ممكن تتجوز صديق باباها, لكن دي أول مرة أشوف واحدة بتتجوز صديق جدها.
مريم بلهجة صادقة: اللي زيك يا يوسف عمره ما هيعجز.
يوسف وقد استطاع أن يخفي نظرة الألم السريعة التي ظهرت في عينيه: بس بردو ما تقدريش تنكري فرق السن الكبير اللي بيننا.
مريم: تصدق ان أنا عمري ما حسيت بفرق السن دة من يوم ما عرفتك, صحيح لما جدو كلمني عنك تصورتك راجل كبير وبكرش.
ثم اتجهت عيناها الى شعره: وشعرك كله أبيض أو ع الاقل معظمه, يعني زي كل رجال الاعمال اللي دايما بنشوفهم في التليفزيون.
جعلته يبتسم رغما عنه وهو يقول: انا بجد آسف لاني خيبت ظنك وما طلعتش زيهم.
فبادلته مريم الابتسامة في حين كان يضع النادل أمامهم العصير, وبعد ان رحل سأل يوسف: قوليلي بقا حسيتي بايه بعد ما شوفتيني مختلف عن الصورة اللي كانت في دماغك؟
مريم بعد ان ارتشف قليلا من كوبها: اتصدمت طبعا , واتغظت أوي بصراحة لاني كنت بانية امال كبيرة ع الموضوع دة, كان نفسي الاقي فيك اي عيب أقنع بيه جدي عشان اقدر ارفضك, وخصوصا لما حسيت انك انت كمان كنت واخد عني فكرة معينة مش كويسة.
يوسف موافقا: فعلا, بس أنا بردو معذور بعد ما عرفت انك كنتي عايشة لحد فترة قريبة في بلد أجنبية لها عادات وتقاليد مختلفة تماما عن عاداتنا وتقاليدنا, لكن قوليلي بقا حياتك هناك كانت عاملة ازاي؟
لم يعجبها تماما طريقته في تغيير الموضوع الى جانب اصراره دائما على اختراق عالمها بينما لا يسمح لها هي بذلك, ولكنها أحبت تلك اللحظة من المصارحة التي تحدث بينهما, ومهما حدث فقد قررت الا تضع نهايتها بيدها لذا عزمت على ان تجيب سؤاله بكل مصداقية: طبعا حياتي هناك مش كانت سهلة اوي وخصوصا بعد ما ارتديت الحجاب اللي طبعا كانت ماما رافضاه تماما زي ما كانت رافضة حاجات كتير كنت بعملها و حاجات اكتر كنت مش بحب اعملها.
يوسف: زي ان يكون ليكي boy friend مثلا؟
شعرت مريم باحراج شديد من صراحته المفاجئة لها حيث بدا وكأنه يقرأ أفكارها: اه, كانت اوقات تتضايق لما تلاقيني برفض صداقة الاولاد, الحقيقة مش هي لوحدها كل زمايلي كانوا بيعتبروني شاذة.
ثم نظرت اليه بطرف عينيها لترى وقع كلماتها عليه وعندما رأت بعض العبوس على وجهه سألته بحذر: هو انا قولت حاجة زعلتك؟
فأضاءت الابتسامة وجهه وهو يجيب: تفتكري اني ممكن ازعل وانا بسمع اني أول راجل في حياة مراتي؟
فأفلت لسانها دون أن تدري: بالنسبة لتاريخك النسائي دة يخليني أشك.
وضعت يدها على فمها وهي لا تدري لما تفوهت بتلك الكلمات التي بدا انها لم تهز فيه شعرة واحدة وهو يقول بهدوء: شوفي يا مريم, انا مش هضحك عليكي واقولك اني كنت عايش قبلك حياة الرهبان يعني, صحيح مر بحياتي بعض الستات بس مش بالشكل اللي الصحافة بتتكلم عنه.
مريم: أمال بأي شكل؟
للمرة الثانية يفلت لسانها بكلمات لم تكن لتنطق بها في ظروف أخرى, ولكنها وجدته يتلقى سؤالها بصدر رحب: يعني انا عمري ماكنت دون جوان زي ما بيقولوا, لان كل الستات اللي كنت أعرفهم كانت بتجمع بيني وبينهم المصلحة في الاول وفي الاخر وهما كانوا عارفين كدة كويس.
مريم: حتى علياء؟
يوسف: واشمعنا علياء بالذات؟
حاولت مريم أن تركز انتباهها على كوب العصير بيدها حتى لا يزيد توترها وهي تقول: يعني , يمكن عشان هي دي الوحيدة اللي اتعرفت عليها, وواضح كمان ان علاقتك بيها لسة مستمرة لحد دلوقت.
احتضن يوسف بكفه يدها التي ترتكز على الطاولة, ثم وضع أصابع اليد الأخرى تحت ذقنها ليرفع وجهها اليه برفق وهو يهمس اليها تقريبا: لو كنتي تقصدي الليلة اللي وصلتها فيها فهتصدقيني لو قولتلك اني دخلتها شقتها ومشيت على طول؟
مريم: أمال ايه اللي أخرك كل دة؟
يوسف: كان فيه كمين في الطريق وطبعا ما كنش ينفع أكسره عشان ارجع بدري واتجنب الاستجواب اللي كان في انتظاري... ايه؟ مصدقاني ولا لا؟
كيف لها أن تكذبه ونظرات الصدق تشع من عينيه وتخترق قلبها؟ لذا أومأت برأسها موافقة بابتسمة أسرته, ولكنه عاد الى وضعه الطبيعي عندما لمح النادل يقترب منهما حاملا أطباق العشاء إلى أن انتهى من وضعه أمامهما على الطاولة.
وأمسك يوسف بالشوكة والسكينة مستعدا لتناول طعامه ويقول: على فكرة يا مريم الاكل في المطعم دة لذيذ جدا, يعني حتى لو مكنتيش جعانه, فريحته نفسها هتجوعك.
مريم مازحة وهي تتناول بدورها الشوكة والسكينة: يعني المفروض اني أشمه الاول قبل ما اكل؟
فتبسم يوسف بمرح ظاهر, وكان كل منهما يسعد بتلك اللحظات التي يقضيانها في هذا المكان وقد ذابت معظم الحواجز التي بينهما, ولكن الى متى سيستمر ذلك الصفاء؟ جاءت الاجابة على هذا السؤال سريعة جدا عندما سمعا صوتا ذكوريا مهذبا يقول: مساء الخير.
تطلعت أنظارهما الى صاحب هذا الصوت, فهتفت مريم بصوت خافت من دهشتها: أستاذ خالد؟
أما يوسف فبعد أن ألقى نظرة سريعة الى تعابير وجهها نظر الى خالد وقال بطريقة لبقة: مساء النور. أي خدمة؟
خالد وقد أربكه هذا الاستقبال الغير مرحب على الاطلاق: لا أبد, انا بس حبيت أطمن على مدام مريم, لانها مشت النهاردة وكان شكلها تعبان شوية, ولما شفتها قصدي شفتكم هنا في المطعم قولت أسلم عليكم, وانا اسف لو كنت تسببت في أي ازعاج.
وكان سؤال يوسف الصريح: مين حضرتك؟
فتولت مريم مهمة التعارف وهي تشعر بنظرات يوسف الحادة مصوبة الى كل منهما: أستاذ خالد صلاح معيد في كلية إعلام وهو البطل ادام حياة في المسرحية اللي بنحضرلها.
ثم أشارت إلى يوسف: يوسف جلال جوزي, رجل أعمال.
فمد خالد يده لمصافحته بابتسامة واسعة: أكيد طبعا يوسف بيه غني عن التعريف.
فصافحه يوسف ببرود: تشرفنا يا استاذ خالد. اتفضل اتعشى معانا.
رفض خالد عرضه بتهذيب وهو يشير إلى طاولة تبعد عنهما قليلا وتجلس عليها شابة تقريبا تقريبا أكبر من مريم بسنتين أو ثلاث: متشكر أوي يا فندم ومرة تانية ان شاء الله, ومعلش بقا أستأذن عشان معايا أختي, وألف سلامة عليكي للمرة التانية يا مدام مريم. وياريت بقا نشوفك بكرة في البروفا ان شاء الله, عن اذنكم.
اكتفت مريم بابتسامة باهتة وايماءة بسيطة من رأسها وهي تتوقع استجوابا من زوجها فور رحيله, ولكن عكس ما توقعت فلم يعلق يوسف بشيء ولكن قد اختفى سحر تلك اللحظات التي عاشاها سويا قبل ظهور خالد المفاجىء, وقد أكمل يوسف تناول وجبته بصمت أما هي فقد أجبرت نفسها على تناول القليل من الطعام حيث أنها قد فقدت شهيتها ولم تعلم ما السبب؟
عادا الى الفيلا وقد سبقته مريم الى حجرتها بخطوات واسعة فيما يشبه العدو فقد شعرت بغضب مكبوت بداخله بحاجة الى من يشعل فتيله, وسرعان ما لحق بها, ولقد صدقت تكهناتها حيث أغلق الباب خلفه بعنف وجاءها صوته الهادر يسألها:اسمعي يا مريم انا استنيت لحد ما نرجع بيتنا بس عشان ما اعملش مشاكل في مكان عام, بس دة مش معناه اني موافق على اللي حصل. فممكن تقوليلي بقا مين خالد صلاح دة وايه علاقتك بيه بالظبط؟
الآن فهمت لِمَ لم يعلق على الامر في حينه, فشعرت بالغضب يتسلل اليها بسبب اتهامه غير الصريح, وردت بعنف ثائرة لكرامتها: علاقة ايه اللي انت بتتكلم عليها دي؟ أستاذ خالد دة زي ما قولتلك بالظبط في المطعم هو معيد في كلية اعلام وبطل المسرحية اللي انا بصمم الديكور بتاعها.
لم تهدأ ثورته بعد ولكن قد انخفضت نبرة صوته قليلا: ودة بقا يديله الحق انه أول ما يشوفك في مكان ييجي يسلم عليكي؟
مريم: لا طبعا مش للدرجة, هي كل الحكاية اني النهاردة واحنا شغالين حسيت اني تعبانة شوية, فاستأذنت منهم وروحت بدري , عشان كدة هو أول ما شافني في المطعم كان من الذوق طبعا انه ييجي ويطمن عليا. وأفتكر انه لو كانت نيته حاجة تانية ما كنش جه وهو شايفك قاعد معايا. ودة أكبر دليل على حسن نيته. وبعدين الموضوع ما كنش يستاهل كل اللي انت عملته دة.
خرج صوته باردا بشكل مخيف: ماشي يا مريم, بس اسمعي آخر الكلام بقا, أنا مش عاوز أسمع انك اتكلمتي مع الشخص دة مرة تانية. مفهوم؟
مريم: يعني ايه بقا؟ انت ناسي أصلا اننا بنشتغل مع بعض في مكان واحد؟ يعني الطبيعي انه ممكن يكلمني وأكيد هرد عليه.
يوسف بلهجة حاسمة: يبقا تسيبي المسرحية دي خالص.
لم تصدق مريم ما سمعته أذنيها, بل انها لم تتوقع منه هذا التحكم المفرط في حياتها, لذا لم تستطع اخفاء غضبها: يعني ايه بقا؟ انت اصلا مش ليك الحق انك تطلب مني حاجة زي كدة.
يوسف: اظاهر يا مريم اني لازم أفكرك كل شوية انك مراتي وليا كل الحقوق عليكي.
مريم بتحدٍ ظاهر: وان رفضت؟
يوسف وقد رفض الهزيمة بعنف وهو يرد لها التحدي بنظرة جليدية: انتي أذكى من انك تعانديني يا مريم. واللي قولت عليه هو اللي هيحصل بإرادتك أو غصب عنك.
كانت مريم على يقين بأنه بالفعل يستطيع ارغامها على كل ما يريده فهو من ذلك النوع الذي لا يقبل التحدي وهذا ما يقر به بعض رجال الأعمال الذين يوقعهم حظهم في التعامل معه. ولكنها مثله ترفض الاعتراف بالهزيمة بسهولة فقالت: يعني ايه بقا؟ ناوي تحبسني مثلا؟
يوسف: لو دي كانت الوسيلة الوحيدة قدامي مش هتردد اني اعملها يا مريم.
ثم تركها في حالة من الذهول الشديد ودخل حجرته.
قاسي, عنيف, همجي, تلك هي الألفاظ التي أطلقتها عليه من خلال ذلك الموقف وقد ندمت على اللحظات القليلة التي كانت تصفه فيها باللطف والحنان والسحر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وذات صباح, جلس كل من وليد وحياة أمام مائدة الطعام لتناول وجبة الفطار, وقد كان وليد يرتدي ثيابا للخروج استعدادا لمغادرة المنزل, فبدت حياة مترددة قليلا وهي تقول: وليد.
لم يرد عليها وليد, بل انه لم يلق لها بالا على الاطلاق, فاستمرت وقد شعرت بثقتها تتزعزع بسبب تجاهله المتعمد لها: انا كنت عاوزة اروح الكلية النهاردة. البت سلمى عمالة تزن عليا عشان انزل للبروفات وبتقول اننا كدة مش هنقدر نقدم المسرحية في ميعادها.
ثم صمتت قليلا لترى ردة فعله, ولكنه لم يرفع نظره عن الطبق الذي أمامه, بل لم يبد عليه اطلاقا بأنه قد سمع حديثها, فحاولت أن تعيد ما قالته مرة أخرى بنبرة أعلى: وليد, انا بقولك...........
قاطعها صوته الهاديء: انا سمعت كويس اللي انتي قولتيه, ع العموم معنديش مانع بشرط انك ترجعي بدري.
حياة بإذعان: حاضر.
وليد وقد بدأ ينظر اليها وان كانت نظراته لاتزال باردة الا انها أفضل من تجاهله: هتنزلي امتى؟
حياة: بعد مانت ماتنزل على طول هغير هدومي وأتصل بمريم عشان تعدي عليا.
فقال وليد بلهجة آمرة أكثر منها اقتراح: وليه تخلي مريم تقطع المسافة دي كلها لهنا وبعدين تروح الجامعة؟ انا بقول ان من الافضل اني أوصلك في طريقي, وتقدري تدخلي تغيري هدومك عقبال ما اخلص فطار.
حياة: بس انت كدة ممكن تتأخر. وانت قولتلي انك مش بتحب تتأخر على مواعيد الشغل.
وليد بغموض: لا, النهاردة الوضع اختلف, لاني مش هروح الشغل كموظف.
حياة مستوضحة: يعني ايه؟
وليد: هتعرفي بعدين, ياللا بقا عشان انتي ما تتأخريش.
لم تنزعج من لهجته الأمرة فلقد اعتادت عليها خلال الايام القليلة التي قضتها معه تحت سقف واحد وقد ظل خلالها باردا متحفظا قاسيا في معظم الأوقات, كما انها وبخت نفسها كثيرا على سذاجتها التي جعلتها تعتقد أنه من الممكن أن يشركها في أمر يتعلق به, فهي ليس لها الحق تماما في التدخل في شئون حياته أما هو فله الحق كل الحق في التحكم في كل حياتها. 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close