اخر الروايات

رواية عيون الريان الفصل التاسع عشر19 بقلم نيللي العطار

رواية عيون الريان الفصل التاسع عشر19 بقلم نيللي العطار



                                              
التناسب بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة، فكل امرئٍ يصبو إلى ما يناسبه.

+


— ابن القيم

+


**************

+


تولى كريم قيادة السيارة بعدما أوصل علي صديق شادي إلى النادي مرة أخرى ثم انطلق برفقة ريان الجالس بجواره في صمت، ولأنه أدرى الناس به كان يعلم جيداً أن هذا الصمت وراءه ضجيج وضوضاء تدور داخل رأسه فبادر بسؤاله متوجساً (أحسن دلوقتي؟) 

+


رد عليه ريان بزفرة خافتة (شوية) .. 

+


حاول كريم التخفيف عنه بمرحه المُعتاد (شوية؟.. ده إنت عجنت الواد فبعضه، ماعادش باين له رجل من قفا) 

+


تحدث ريان بعصبية (ولسه لما يترفد من شغله واشوفه واقف قصاد مريم عينه مكسورة) 

+


استغرب كريم من عنفه المنافي لطباعه المتزنة قائلاً (إهدى يا ريان....) 

+


قاطعه ريان بصوت مرتجف رغم غضبه (مش عارف، حاسس إني واقف على حفرة نار بتاكل في قلبي) 

+


أشفق كريم عليه كثيراً ويعطيه كل الحق فيما يشعر به فالأمر صعب ومؤلم ولا يمكن تجاوزه بسهولة لكنه يود إخراجه من تلك الحالة مهما كلفه الأمر فكما قال الإمام النووي (يستحب لِلإنسان إذا رأىَ صَاحِبهُ مَهمُومًا حزينًا أن يُحدّثه بما يُضحِكُه أو يُشغِلهُ ويُطَيِب نفسه) .. وبعد دقائق من السكون الذي خيّم عليهما فجأة قال قاصداً ممازحته (كان نفسي اصورك وانت طايح ضرب فيه، وانزل الڤيديو عالنت بعنوان شاهد جاموسة تايهة في صفط اللبن تعتدي على خنزير بري)

1


لم يستطع ريان تمالك نفسه ،التشبيه قاتل وخفيف الظل بما يكفي لجعله ينفجر ضاحكاً فتابع كريم (الغريب ان مفيش حد فكر يدافع عنه) 

+


قال ريان من وسط ضحكاته (شكلهم كانوا فرحانين فيه أو خايفين مني) 

+


حرك كريم رأسه بعدم فهم مصطنع (أو مساطيل لدرجة إنهم مش مستوعبين الأكشن اللي حصل) 

+


تذكر ريان شيئاً فالتفت بكُليته إليه متسائلاً بشك (هو البيه كان بيعمل ايه فالنادي من ورايا؟) 

+


ارتبك كريم بعض الشيء قائلاً  (كنت بتغدا، إيه ماتغداش؟) 

+


سأله ريان مجدداً (لوحدك؟) 

+


تنحنح كريم يجيبه بخفوت (مع ريهام) .. رمقه ريان مضيقاً عينيه فأردف بتوتر حاول مداراته (عادي، مجرد صديقة كنت عازمها عالغدا،مفيهاش حاجة يعني) 

+


رد عليه ريان بابتسامة سمجة (أولاً أنا ماطلبتش منك تبرر كنت عازمها عالغدا ليه، ثانياً بعد إذن المُحن ماتعزمش حد عالغدا في أوقات العمل الرسمية تاني) 

+


ضربه كريم على كتفه قائلاً  (ولا، ولاااا، ماتعملش عليا ابن صاحب الشركة، وبعدين احنا لحقنا ناكل أصلاً؟، منك لله انت وابوك على طول مطفحينا اللقمة) 

+



          

                
تأوه ريان أثرًا لضربته يقول ضاحكاً (وابويا ذنبه إيه ياحيوان؟) 

+


أجابه كريم بتعابير مغتاظة (عشان ماعرفش يربيك) 
خبط ريان كفيه ببعضهما البعض مستمراً في الضحك بينما توقف كريم بالسيارة أمام الڤيلا قائلاً (اتفضل انزل، وياريت ماتتعودش ان كل ما تعمل مصيبة اوصلك) 

+


ابتسم ريان قبل أن يهم بالترجل قائلاً (نسيت أقولك، أنا طلبت إيد مريم من أستاذة وسيلة وقرينا الفاتحة) 

+


بادله كريم ابتسامته بأخرى متهكمة (والله؟، كده من غير ما تقول لأهلك؟، خلاص مابقاش ليك حاكم ولا كاسر يا ابن رويدا؟) 

+


رفع ريان حاجبه متزامناً مع شفته العلوية قائلاً (انت بتقطمني بدل ماتفرح وتقولي مبروك؟) 

+


صفق كريم بيديه ثم رفع جانب كفه أمام فمه يزغرط قائلاً بسخرية (اهو فرحتلك وألف مبروك، شوف بقا هاتعمل ايه مع أمك وأبوك يا فالح) 

+


تنهد ريان بقلة حيلة (أكيد هاقولهم طبعاً) .. نظر إليه كريم نظرة ذات مغزى يدركه ولم يرد فأردف هو بنبرة متفائلة (إن أحْسَنتَ ظَنك بِمَولاك..تَوَلّاك) 

+


لانت ملامح كريم داعياً بود رغم قلقه من تلك الخطوة المتسرعة (ربنا يكتب لكم الخير كله بإذن الله) 

+


فتح ريان الباب لينزل من السيارة قائلاً (اللهم آمين، طمني عليك لما تروح) 

+


أومأ له إيجاباً (حاضر، مع السلامة).. ثم انطلق نحو منزله بينما اتجه ريان مباشرةً إلى غرفته، لم يكن في مزاج يسمح له برؤية أحد، يود فقط أخذ حمام ساخن والخلود للراحة بالصلاة ثم النوم حتى الصباح وكفى ، أنهى روتينه المسائي المُعتاد ثم خفف إضاءة الغرفة وتمدد على الفراش لكن جفونه تأبى الانغلاق وكأن تفكيره يشدها بأصابعه لتبقى مفتوحة باتساع أصابه بألم في رأسه، يعلم جيداً أن الخطوة التي أقدم عليها متهورة وغير محسوبة العواقب، لكن احتياجه لمريم أصبح نابعاً من أحشاء أحشائه، يريدها بفطرة عميقة ويراها مرسومة في جوف يده، حبه لها نُقِش نقشًا هيروغليفياً فوق جدران روحه ولن يستطيع العيش بعد الآن إلا وهي على ذمته زوجة وحبيبة ونور يضئ عتمة لياليه الطويلة

+


********************

+


في صباح اليوم التالي/

+


داخل إحدى المستشفيات الخاصة كان شادي مستلقيًا على سريره يأن والألم يجتاح خلايا جسده الذي لا يظهر من الأربطة البيضاء وذراعه الأيسر موضوع في جبيرة طبية لتساعد كسره البالغ على الالتئام بالإضافة للكدمات والسحجات التي تغطي وجهه وجوانبه ورغم حالته الصعبة وآثار الضرب والتعدي الواضحة عليه إلا أنه رفض تقديم بلاغ وتعلل بتعرضه لحادث سير طبيعي، ولولا اتصاله بصديقه المقرب ليستنجد به وينقله للمستشفى لأصبح في عداد الأموات، انتهت الممرضة من اعطائه إبرة تسكن أوجاعه ثم خرجت لتتابع باقي مهامها وتزامن خروجها من الغرفة مع دخول أحدهم ليطمئن عليه،اقترب منه يتفحصه قائلاً بغضب (يابني قولي مين اللي عمل فيك كده وانا اجيبلك حقك منه) 

+



          

                
جاهد شادي على التحدث قائلاً بضعف شديد (أبوس رجلك ياهيثم ، أنا مش ناقص مشاكل) 

1


زفر هيثم بحنق ثم جلس على الأريكة المقابلة للفراش قائلاً(شكلك عملت مصيبة والواد اللي ضربك ده كان عنده حق) 

+


رد عليه شادي بلسان ثقيل (الشيطان لعب في دماغي واتحرشت بخطيبته،كنت مفكرها هاتيجي سكة معايا بس طلعت شريفة وهو دغدغني زي ما انت شايف كده) سكت لثواني يستجمع قواه الواهنة ثم استطرد (المصيبة ان البت دي متوصي عليها جامد عشان كفيفة ومدير النادي هايخليني عبرة لمن يعتبر)

+


رمقه هيثم باحتقار قائلاً (تصدق إنك عيل قذر ،احنا بنعمل حاجات غلط كتير بس مش لدرجة انك تستغل ظروف واحدة كفيفة وكمان مخطوبة) 

+


-(ويتيمة).. قالها شادي بملامح متشنجة من شدة الألم بينما هدر به هيثم بعصبية (انت حلال فيك القتل اقسم بالله) 

+


ابتلع شادي ريقه الجاف قائلاً بلهجة متهكمة (ماتعمليش فيها شيخ بروح امك ولا ناسي اللي بتعمله مع صاحبتك كل ليلة؟) 

+


نهض هيثم من مكانه يلوح بذراعيه في الهواء بصوت عالي (مش ناسي ياشادي، ونفسي أنضف من المستنقع اللي اتوحلت فيه ثم إن علاقتي مع چيسي بمزاجها مابغتصبهاش) .. صمت هُنيهة يحاول تمالك أعصابه حتى لا يفعل ما لم يفعله ريان ويزهق روح ذلك الوقح مستكملاً بمرارة شديدة (آه بغلط بس بغلط وانا خايف، وعارف إني بأذي نفسي بس ما أذيتش حد بريء) .. قطع حديثهما رنين هاتف شادي باتصال من مدير النادي وعندما آتاه صوته تلقى توبيخاً بحجم مصيبته السوداء التي أقحمهم فيها وانتهت المكالمة بأمر قاطع بضرورة حضوره خلال دقائق وإلا ستكون العواقب وخيمة ... وعلى صعيد آخر مرّت الليلة ثقيلة فوق قلب ريان، لم ينم سوى ساعات معدودة ومع أول ظهور لخيوط الصباح استيقظ فوراً وتعمد الخروج من الڤيلا مُبكراً عن المعتاد حتى لايراه أحد في تلك الحالة المُرهقة، متوجهاً نحو الدار ليطمئن على مريم ويأخذها إلى النادي ليغلق صفحة عملها هناك للأبد .. هاتفها عندما وصل بسيارته أمام البوابة فجائه صوتها رِقراقاً مثل نبع مأهولاً بالشمس والذهب تلقي التحية بهدوء (صباح الخير) 

+


ابتسم بينه وبين نفسه قائلاً بنبرة عاشقة (لو كان ينفع الأصوات تتحضن كنت حضنت صوتك) .. أحست مريم بخجل شديد من كلماته ولم ترد فأردف هو بمرح ممزوج بيأس طفيف (مريم!، انتِ عايزة تجلطيني؟) 

+


أجابته بتوتر (بعد الشر عليك ماتقولش كده) 

+


ضحك ريان مازحاً معها (ولما هو بعد الشر عليا، بتسكتي ليه لما بقولك كلام حلو ياعديمة الإحساس؟)

+


زمت شفتيها قائلة ببراءة (والله بكون مبسوطة من جوايا) 

+


ترجل من السيارة ليقف مستنداً على جانبها قائلاً من وسط ضحكاته (حبيبي جاهز؟، ولا هاستنى قصاد البوابة كتير؟) 

+



        
          

                
سألته وهي تنهض من مكانها (إنت تحت؟) 

+


فتح أول أزرار قميصه ليخفف من حرارة الجو التي بدأت تخنقه (آه وياريت ماتتأخريش عليا، أولاً عشان وحشتيني، وثانياً عشان بزهق من الحر) 

+


تحركت في الغرفة مُتحسسة قطع الأثاث حتى وصلت للخزانة قائلة (حاضر بس كنت عايزة اقولك ان ماما وسيلة ودادا صباح هاييجوا معانا) 

+


لف ذراعه حول صدره قائلاً باستسلام (مفيش مشكلة ياروحي،حقهم طبعاً يطمنوا عليكِ) 

+


شعرت ببعض الإرتياح لعدم تذمره من الأمر قائلة (مضطرة اقفل دلوقتي عشان اجهز بسرعة) .. وافقها بكل ترحيب ثم أغلق الخط ليعطيها مساحتها الشخصية التي تحتاجها وظل ماكثاً في مكانه ينتظرها ولم تمر سوى دقائق قليلة حتى رآها تخرج من البوابة برفقة ريهام والسيدة وسيلة ومعهن صباح، اعتدل في وقفته يستقبل وجهها الجميل بتنهيدة هادئة، ونظراته تلبسها ثوباً مُطرزاً بالضوء والقطيفة والكثير من (أحبك) .. اقتربن جميعهن منه والمبادرة بالحديث كانت للسيدة وسيلة قارئة السلام عليه ثم تابعت بجدية (احنا لازم نكون مع مريم ، ماينفعش نسيبها تروح المكان ده تاني لوحدها) 

+


تحدث ريان بتهذيب وتفهم لقلقها على ربيبتها (حضرتك معاكِ حق) .. أومأت السيدة وسيلة إيجاباً دون حديث بينما فتح لها باب السيارة يدعوها بمجاملة لتجلس بجواره كنوع من الإحترام كوّنها الأكبر سناً ومقاماً، فأطاعته بترحيب واتخذت المقعد الأمامي تاركة إياه واقفاً يعض لسانه الذي نطق بتلك الدعوة الحمقاء من الندم لأن مريم ستبقى في الخلف مع ريهام ومربيتها، حاول قدر المستطاع جعل تعابيره طبيعية لكنه لم يفلح بشكل كامل، يطحن ضروسه بعصبية ويود لو يصرخ ولا يتحرك إلا وهي بجانبه وبعد دقائق قضاها في تطويع غيظه والسيطرة على ضيقه انطلق بهن نحو الوجهة المقصودة، يختلس النظر إليها خلال المرآة بين الفينة والأخرى يجدها ساكنة، مُهذبة، وديعة كقطة فارسية جميلة تسرق عقل من يتأملها، وقلبه الطفل كثير اللهو والضوضاء يشاكسها بعشق خالص لوجهها 

+


*******************

+


اضطر شادي للخروج من المستشفى تلبيةً لأوامر مدير النادي الذي أرعبه بتهديداته في الصباح ويبدو أن سوء كبير سيحط فوق رأسه جرّاء آثامه وتهوره وانسياقه خلف رغباته القذرة دون ضمير أو أخلاق وهاهو الآن يسير بجوار هيثم متكأ على عكاز يساعده كي لا يسقط ،تسلل بحذر نحو مكتب رب عمله حتى لا يراه أحد وهو في هذا الوضع المخزي والذي انصدم من مظهره وحالته المزرية بينما أسنده صديقه ليجلس على المقعد المقابل له 

+


-(أهلاً بالبيه المحترم ،جلّاب المصايب).. قالها المدير بغضب شديد ثم تابع بلهجة ساخرة (مين اللي دغدغك كده ياشادي؟، دخلت في قطر بعربيتك ولا ايه؟) 
أطرق شادي برأسه لأسفل ولم يرد فهدر به بعصبية وصوت عالي (ياحيوان،ياقذر، ازاي فكرت بغبائك وقلة ضميرك إنك تعتدي على زميلتك الكفيفة وتستغل ظروفها؟، ده أنا موصيكم كلكم عليها مع إن الموضوع مش محتاج توصية) 

+



        
          

                
حاول هيثم تهدئة الأجواء رغم رغبته في ضرب هذا الحقير وطحن عظامه أكثر من ذلك قائلاً بمهادنة (بعد إذن حضرتك يا افندم اسمح لي اتدخل، هو غلط غلطة كبيرة ومعترف بغلطه وندمان واحنا عايزين نسوي الأمور بشكل ودي) 

+


نظر الرجل إليه قائلاً بأسف (انت عارف جريمته دي عقوبتها ممكن توصل لكام سنة سجن؟، ده غير سمعته وسمعة النادي اللي هاتبقى فالأرض بخلاف طبعاً إن الفضيحة هاتطولني أنا شخصياً واحتمال كبير أخسر منصبي بسبب حتة عيل طايش أهله ماعرفوش يربوه).. تناول كوب الماء الموضوع على سطح المكتب يرتشف منه بضع قطرات يبلل بها ريقه الجاف متابعاً بقلق (خطيب البنت هايودينا كلنا في ستين داهية، الحمار ده مايعرفش احتك بمين) 

+


سأله هيثم بترقب (مين؟) 

+


أجابه الرجل بتوتر (ريان زين الدين ابن رجل الأعمال سعد زين الدين) 

+


فغر هيثم شفتيه بعدم تصديق مُكررًا سؤاله مرة أخرى (بتقول مين؟)  

+


أعاد الرجل الإسم على مسامعه بتهكم ممزوج بالخوف (بقولك ريان زين الدين، يعني لو أبوه شم خبر باللي حصل في خطيبة ابنه هايهد الدنيا فوق دماغنا) 

+


تملكت الصدمة والحيرة من هيثم فما علمه الآن خطير وإذا لم يتم تسوية الموضوع بشكل هادئ دون لفت انتباه ستعلم چيسي هوية حبيبة ريان المجهولة، تخبطت مشاعره وتأرجحت مابين الإشفاق على ظروف الفتاة والتعاطف معها والوفاء بوعده لحبيبته بمساعدتها لتثأر لكرامتها، اضطرب تفكيره بشدة وقرر حسم موقفه بعد رؤيته لمريم ثم قال بارتباك واضح (ان شاءالله لما ييجوا هنحاول نتفاهم معاهم ونعدي الليلة دي على خير) وأثناء جلستهم المشحونة بالتوتر انتبهوا لدخول السكرتيرة تبلغ مديرها بوصول ريان والبقية .. حالة من الخوف والتأهب خيمت على الأجواء فور دخولهم المتحفز، اتخذوا مقاعدهم بعدما رحب بهم المدير بحفاوة وقلقه مستمر في الازدياد خاصةً في وجود السيدة وسيلة وتعابيرها الصارمة، ونظراتها النارية الموجهة له ولشادي والذي عرفته من منظره المطحون ضرباً أما هيثم فكان يجلس مترقباً وشعور بالشفقة والعطف اختلج صدره عندما رأى مريم ،وجدها تليق تماماً بريان وتشبهه كثيراً بملامحها وبراءتها وجمالها الهادئ، تمسكها بكفه واستكانتها لمجرد أنها بجانبه عكسا مدى ارتباطهما وتعلقهما ببعضهما البعض ، وفي تلك اللحظة حسم قراره بألا يخبر چيسي بشأنهما وسيتركهما يعيشا حبهما في سلام متمنياً لهما دوام السعادة ..

2


-(تشربوا إيه ياجماعة؟).. قالها مدير النادي محاولاً تلطيف الأجواء والمبادرة بالرد كانت لريان الذي ينظر لشادي كالصقر المتربس بفريسته (مالوش لازمة، احنا مش جايين نتضايف) 

+


أحس الرجل بحرج شديد ولم يرد فأردف هو بلهجة حادة (طبعاً انت عارف اللي حصل من الكلب ده، وعارف كمان ممكن أعمل فيه إيه أكتر من اللي عملته وأظن باين على وشه) 

+



        
          

                
تحدث الرجل بمهادنة (حقك وماحدش يقدر يلومك، وهو هنا عشان يعتذر ويمضي على أوراق فصله من النادي) 

+


استكمل ريان حديثه بتعابير غاضبة (حقي في شرفي خدته بإيدي ومش مكفيني، إنما حق مريم هاخده بالقانون) 

+


تدخلت السيدة وسيلة في الحوار موجهة كلماتها لشادي الجالس مطأطأ الرأس بخزي (انت عايرت بنتي إنها عايشة في ملجأ وحكمت عليها وعلى أخلاقها بالسوء، واتهمتنا كلنا بعدم الشرف وإننا بننتهك بناتنا)... نهضت من مكانها لتقف أمامه ثم صفعته صفعة مدوية جعلته يبكي متابعة بنبرة قوية (مريم وبناتي وولادي كلهم اتربوا أحسن تربية وعايشين معززين مكرمين) بينما أضافت صباح قاصدة إهانته أكثر (والله يابني ياما ناس زيك عايشة وسط أهاليها في قصور وماشافوش ريحة الرباية، لكن احنا بناتتا زي الفل اسم الله عليهم)

1


-(أنا غلطت غلطة كبيرة وندمان والله ومستعد أعمل أي حاجة عشان مريم تسامحني).. قالها شادي بصوت يرتجف من البكاء لكن ريان زجره بعصبية (ماتنطقش إسمها على لسانك ياحيوان) .. 

+


قاطعه هيثم مُتأملاً أن يهدأ ولو قليلاً (بعد إذنك يابشمهندس هاتدخل فالكلام)

+


-(إنت مين؟) 

+


-(أنا صاحبه للأسف، واتمنى إنك تهدا شوية وتفكر بالراحة)

+


-(أفكر بالراحة مع واحد اتحرش بخطيبتي واستغل ظروفها وقفل عليها باب القاعة عشان يعتدي عليها؟)

+


-(عيل طايش الشيطان لعب بيه، ويمكن اللي حصل ده يكون درس ليه عشان يصلح من نفسه، بلاش مستقبله يضيع) 

+


أحست مريم بالاختناق واعترتها رعشة طفيفة جعلت قلبها ينتفض قائلة (أنا مش عايزة أضيع مستقبل حد، ياريت استقالتي تتقبل وامشي من المكان ده فوراً) 
توجهت انظار الجميع نحوها بصدمة ممزوجة بالتعجب وسألها ريان بعدم تصديق (انتِ عايزة تسيبي حقك؟) 

+


ضغطت مريم علي كفه وأردفت برجاء (عشان خاطري ياريان)

+


حاولت السيدة وسيلة أن تحثها على عدم التنازل عن حقها قائلة باستغراب (يابنتي انتِ مش قليلة ولا ضعيفة.....) قاطعتها مريم بنبرة متوسلة (بالله عليكِ ياماما، انا هاكون مرتاحة لو الموضوع انتهى بهدوء وبدون ماحد يتأذي، ومش معنى كلامي إني مسامحاه، بالعكس أنا مختصماه عند ربنا يوم القيامة) .. تفويضها أمرها إلى الله جعل الجميع في حالة ذهول، سحبت قضيتها من قاضي الأرض لتسلمها بين يدي قاضي السماء وصدقت حين قالت هو كفيل به .. تصرف يبدو غاية فالضعف والانهزام لكنها على يقين بقوة القدير وأنها ستخرج من تلك المواجهة منتصرة .. 
شعر شادي ببعض الطمأنينة لأن الأمر لن يمتد للقضاء بينما قال مدير النادي بحزن (أنا آسف يامريم، ووشي منك فالأرض عشان ماعرفتش أحميكِ، حقك عليا يابنتي) 

+


ابتسمت مريم قائلة (ربنا هو الحافظ، الحمدلله نجاني منها، وحضرتك مالكش ذنب) 

+


بادلها الرجل ابتسامتها بأخرى ممتنة ثم وجه حديثه للسيدة وسيلة (يازين ما ربيتِ يا أستاذة)

+



        
          

                
شكرته السيدة وسيلة بهدوء رغم ضيقها من تصرف مريم (شكراً لذوقك يا افندم، ولو اني مش موافقة على مرور الموضوع بدون إجراء قانوني بس هاحترم قرارها) 

+


استند الرجل بمرفقيه على سطح مكتبه قائلاً باهتمام (أنا بكرر اعتذاري ليها ولحضرتك ولبشمهندس ريان وللدار، وياريت تقبلوا عزومة النادي على الرحلة اللي طالعة العين السخنة كمان يومين) 

+


أجابته السيدة وسيلة بلهجة عملية (لو الشباب موافقين مفيش مشكلة) .. نظرت لريان تستشف موافقته من تعابيره ثم نقلت بصرها نحو مريم وجدتها مثله وأيضاً ريهام الصامتة طوال الجلسة فأدركت أنهم بحاجة لتغيير جو بعيداً عن الضغط الذي تعرضوا له خلال الفترة الماضية واستكملت (طبعاً استقالة البنات مقبولة بدون نقاش؟) 

+


أومأ الرجل إيجاباً (مقبولة مع إني زعلان لخسارتهم شغلهم وخسارة النادي ليهم) 

+


تولى ريان الرد عليه بحزم (ده قرار نهائي مفيش فيه رجوع) .. لم يعطه فرصة لحديث أطول ونهض من مقعده وكفه مازال يعانق كفها معلناً إنهاء المواجهة لكنه نظر لشادي نظرة أذابته رعباً قبل انصرافه كلياً قائلاً (لو شوفتك قريب من مريم خطوة واحدة هايكون آخر يوم في عمرك) .. قذف تهديده الصادق في وجهه بعدائية شديدة ثم غادر بها ليخرج الجميع خلفهما بالتتابع، وأصر مدير النادي على توصيلهم بنفسه مع سكرتيرته الخاصة حتى البوابة الخارجية كنوع من التقدير لهم، بينما تسلل شادي برفقة هيثم بحذر وكما جاء انصرف ليعود إلى المستشفى ويستكمل علاجه هناك .. أما ريهام فاستأذنت لبضع دقائق تتيح لها فرصة جمع أغراضها من الصالة الرياضية استعداداً لترك المكان والمغادرة بلارجعة وأثناء عودتها للداخل مجدداً تقابلت مع كريم الذي استوقفها متسائلاً بلهفة (انتم فين يابنتي؟، أنا بدور عليكم من بدري) 

+


أجابته باستعجال (كنا في مكتب مدير النادي وخلاص ماشيين) 

+


-(واضح إني اتأخرت) 

+


-(آه فعلاً فاتك حاجات كتير ومهمة) 

+


-(طمنيني، إيه اللي حصل؟) 

+


حثته على السير لتتابع طريقها نحو وجهتها المقصودة وبدأت في سرد ماحدث دون إغفال أي تفاصيل، تعجب كريم لرفض مريم اتخاذ أي موقف قانوني من ذلك الحقير وما جعل تعجبه يزداد موافقة ريان لقرارها والجزء الذي أصابه بألم عميق هو ترك ريهام للعمل وهذا يعني أن فرصة لقائهما ستكون شبه نادرة... 
-(انتِ هاتستقيلي خلاص؟) .. سألها كريم بنبرة حزينة فأجابته مبتسمة بهدوء (أنا كنت بشتغل هنا عشان مريم ووجودي من غيرها مالوش لازمة) 

+


زفر متسائلاً  بإحباط (يعني مفيش أي سبب تاني ممكن يخليكِ تستمري في شغلك؟) 

+


حركت رأسها بنفي قاطع (لا والصراحة مبسوطة،أخيراً هاخلص من وش البومة اللي كانت قرفاني في عيشتي) 

+



        
          

                
اتسعت حدقتيه بصدمة يشير إلى نفسه قائلاً (بومة؟!، أنا بومة؟) .. ثم توقف هاتفاً بغيظ (امشي ياريهام، جاتك نيلة عليكِ وعاللي يهتم بيكِ تاني) 

+


ضحكت على ردة فعله الطريفة (يابني انا قصدي على البت الرخمة اللي كانت شغالة معايا) 

+


رفع ذراعه يحك مؤخرة رأسه قائلاً بنظرات مُتحسرة (هاشوفك تاني امتى؟) 

+


ردت عليه بعدم اهتمام (لو هاتطلع رحلة العين السخنة يبقى كمان يومين) 

+


هتف عليها بخفوت (ريهام!) .. ثم تنهد وكأنه يقاوم غصة مؤلمة مستطرداً (هاتوحشيني) .. أسبلت اهدابها متحاشية النظر إليه كي لا تتقابل أعينهما وآثرت الصمت، فلا هما بالقرب الذّي يريح القلب ولا بالبعد الذي يسمح بالنسيان وقطع الأمل، وهي لن تبوح بما تشعر به لو وقف على شعر رأسه ،لا تعلم أنه يحبها عن بعد دون اعتراف ، مكتفياً بفتنة حيرته، محمياً بتخبطه من نظرتها التي تذيب حواجزه مثل العسل الساخن 
-(استني معايا شوية).. قالها برجاء ونبرة متوسلة فأومأت إيجاباً ثم همست (ماشي بس ريان....) 

+


لم يدعها تكمل جملتها وأخرج هاتفه من جيبه قائلاً بحماس (هابعتله رسالة اقوله يمشي، تمام؟) 

+


وافقت باستسلام (تمام) 

+


******************

+


خارج بوابة النادي/

+


عاد مدير النادي وسكرتيرته إلى مكتبهما لمتابعة أعمالهما يتنفسان الصعداء بعدما تمت تسوية الأمور بهدوء دون الدخول في قضايا وتعقيدات وتعللت السيدة وسيلة برغبتها في قضاء بعض المشاوير المهمة برفقة صباح وغادرت معها تاركين مريم وريان بمفردهما، اتخذت مقعدها داخل السيارة بجواره وظلت صامتة، تدرك جيداً غضبه من تصرفها تجاه الحقير الذي عفت عنه بكل سهولة وبعد دقائق من الصمت المشحون نادته بصوت خفيض (ريان!) 

+


رمقها بنظرة جانبية قائلاً بحنق واضح (أفندم) 

+


سألته مقوسة شفتيها ببراءة (زعلان مني؟) 

+


أجاب سؤالها بسؤال آخر ساخراً (انتِ عملتِ حاجة تزعل؟) 

+


ابتسمت تجيبه بمشاكسة (لا طبعاً) 

+


صك أسنانه قائلاً  (استهبلي كمان، وضايقيني أكتر ما انا مش طايقك) 

+


شهقت بحزن مصطنع (طاوعك قلبك ولسانك تقول إنك مش طايقني، ماكانش العشم يابشمهندس) .. ثم همّت بفتح باب السيارة مستكملة (أنا لايمكن أفرض نفسي عليك بعد اللي قولته) 

+


نظر إليها قائلاً بغيظ (اعمليها كده وانزلي عشان ألسعك كف يلزق وشك عالإزاز زي البرص) 

+


لم تتمالك نفسها وضحكت بشدة على دعابته التي لم يقصدها ، وكالعادة ضحكتها غلبته ، عيناها، صوتها، حديثها، جميعها تنتصر عليه وتنهي أمره وتجعله واقفاً على حافة قلبه .. سألها بنبرة حنونة (ليه اتنازلتِ عن حقك؟) 

+


أهدته ابتسامة حُلوة قائلة (مين قال اني اتنازلت؟، كل الحكاية إني رفضت أدخل صراع هايخليني أتعامل مع البني آدم ده غصب عني) 

+


أحاط جانب وجهها بكفه يعاتبها بهدوء (أنا كفيل بيه من غير ماتتعاملي معاه ،ولا شايفاني مش قدها؟) 

+


ردت عليه محاولة إقناعه بوجهة نظرها (ربنا قادر عليه  من غير مانتعامل معاه احنا الاتنين) .. زفر بخشونة واكتفى بعدم الرد ورغم إيمانه التام بقدرة الله الواسعة على رد الحقوق إلا أنه غير راضي عن تهاونها وإنهاء الأمر بتلك الطريقة المسالمة، وعندما استشعرت ضيقه من صمته تحدثت برقة (ريان!، حبيب قلب مريم، ماتزعلش مني عشان خاطري) 

+


لانت ملامحه كثيراً أثراً لكلماتها التي أصابت هدفها بدقة قائلاً (اهي كلمة عشان خاطري دي نقطة ضعفي، بتجيبني في ثانية والله) 

+


سألته بعبوس طفولي (وبالنسبة لحبيب قلب مريم ما أثرتش فيك خالص؟) 

+


أمسك كفيها يقبل ظاهرهما قائلاً بحب (انا حبيب قلب مريم على طول، إنما عشان خاطري اللي بتقوليها لما بتكوني عايزة حاجة بتخليني عامل زي عيل صغير اهبل مستعد يجيبلك حتة من السما تحت رجليكِ) .. جذبها لتستند برأسها على كتفه مستطرداً (مريم! ، طيبتك الزيادة وقلبك الرقيق ماينفعوش في كل المواقف، ولو قادرة تاخدي حقك من حد خديه بقوة وماتتنازليش) .. سكت لثواني ثم استكمل حديثه بألم (الحياة عاملة زي القطر يانور عيني بتدوس الضعيف وبتطحنه) ... قاطع حديثهما صوت تنبيه برسالة وصلت لهاتف ريان من كريم يخبره ألا ينتظر ريهام لأنها برفقته مؤكداً شكوكه حول طبيعة مشاعره نحوها، أدار محرك سيارته استعداداً للمغادرة قائلاً (أنا جعان، تعالي نروح ناكل وبعد كده اوصلك الدار) 

+


تسائلت بتعجب (مش هانستنى ريهام؟) 

+


رد عليها باستسلام (كريم بعتلي رسالة قاللي انه هايوصلها) .. تذكر أمر الرحلة التي أخبرهم عنها مدير النادي ثم قال وهو ينطلق مسرعاً (صحيح! ،ماتنسيش تجهزي نفسك عشان رحلة العين السخنة) 

+


رفعت كتفيها وأنزلتهما ببطء تقول (مش عارفة ماما وسيلة هتوافق ولا لا) 

+


قام بتشغيل موسيقى هادئة من خلال توصيل هاتفه بكاسيت السيارة قائلاً (هتوافق ماتقلقيش، وبعدها هاجيب أهلي عشان نتفق هانتجوز ونتلم في بيت واحد امتى) .. أحست مريم بخجل شديد ممزوج برهبة وخوف من تلك الخطوة، ونفس التساؤلات التي تقتحم تفكيرها منذ بدء علاقتهما مازالت تدور داخل رأسها، هل ستتقبل عائلته ظروفها ويباركون زواجه من فتاة مثلها؟، وكعادتها آثرت الصمت حتى لا تفسد رونق لحظاتهما معاً بينما هو ابتعد عن النادي مسافةً لا بأس بها غافلاً عن زوج من العيون الحاقدة كان يراقبهما ويصور مايحدث بينهما كاملاً .. أنزلت الهاتف بعدما تأكدت من مغادرتهما مبتسمة بخبث ثم أرسلت رسالة عبر تطبيق الواتساب لصديقتها (صاحبك وقع)..... 

1


******************

+


يتبع.... إلى اللقاء مع الفصل العشرين 

+



      
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close