رواية غريبة في عالمك الفصل التاسع عشر 19 بقلم رحاب حلمي
19= ج 1=الفصل التاسع عشر
الزوج العازب
فتح وليد باب شقته, وقد أفسح الطريق لحياة لكي تسبقه اليها, فدخلت حياة بخطى مترددة, بل لولا دخوله خلفها وإغلاقه للباب سريعا كان من الممكن أن تتراجع وتفر هاربة الى بيتها حيث أسرتها الصغيرة التي تشعر بينها بالأمان وهو ما تفتقده بالفعل في تلك اللحظة. أجالت حياة بعينيها في أنحاء الشقة الواسعة فتلك أول مرة تطؤها قدميها, لانها رفضت أن تفعل ذلك في اليوم الذي اختارت فيه فستان الزفاف بعد كلمات وليد المهينة لها. فوجدتها الآن تمتاز بالذوق الرفيع في كل شيء سواء من تناسق الألوان أو فخامة الأثاث وتوزيعه الدقيق في مختلف أنحاء الشقة بحيث يوضح مدى اتساعها وجمالها. ظلت حياة تتأمل محتويات الحجرة بدقة وإعجاب واضحين أبعدها للحظات عن الواقع الذي تعيشه, حتى انتفضت على صوت يهمس في أذنها من الخلف: عجبتك الشقة؟
ابتعدت حياة عنه قليلا وهي تواجهه لتجيب على سؤاله بنبرة تمنت أن تبدو طبيعية: أه, جميلة ورقيقة أوي. ربنا يجعلها فتحة خير عليك ان شاء الله.
صحح لها وليد مشددا: علينا, ولا انتي نسيتي انك مراتي؟
هزتها الكلمة بقوة من الداخل وهو ما حاولت ألا تظهره له, ولكن بدا أن لا شيء يمكنه أن يخفى عن تلك النظرات المتفحصة, أو أن عينيها كانت صادقة اللي أبعد الحدود, حيث سمعته يسألها بنظرات مسددة الى عينيها مباشرة: ايه؟ خايفة؟
وعندما وجدها تغرق في صمت دون أي أمل في الرد, قال: بس ياريت ما يكونش مني.
وعندما اقترب منها وأمسك بيدها شعرت برعشة تسري في كل أنحاء جسمها, ثم قال وهو يسحبها خلفه برفق: تعالي أفرجك على باقي الشقة.
وقادها الى حجرة الصالون ثم الى حجرة الطعام التي تحتوي على طاولة متوسطة الحجم يحيط بها العديد من الكراسي ثم المطبخ وبعده الى حجرة نوم صغيرة وأنيقة أخبرها بأنه قد أعدها للضيوف ممن تحكم الظروف ليبيتوا عندهم ليلة أو أكثر, وأخيرا أدخلها حجرة النوم الرئيسية ذات السرير العريض وخزانة الملابس الكبيرة والتسريحة التي تشغل تقريبا منتصف الحائط, كما أنها تضم أريكة وزوجين من الكراسي ذات المساند المريحة.
اذن فهل جاء وقت تسديد الدين؟ وما ان خطرت على بالها تلك الفكرة حتى ارتعش جسمها تلقائيا, وقد لاحظ وليد ذلك وهو الذي كان يسد منفذ الباب بجسمه الطويل ويستند على الباب بمرفقه فسألها وهو يقترب قليلا منها: ايه؟ بردانة؟
لم يكن سؤالا عاديا, بل كان فيه من السخرية ما جعل الدموع تتجمع في مقلتيها, فهي تعلم حق العلم أنه مدرك تماما لسبب ارتعاشها ولكن سؤاله كان فقط لاستفذاذها وكأن رؤيته لها تتألم سببا أساسيا يكمل به سعادته التي تسببت هي نفسها في انقاصها, ولكن هل ستستسلم له ليذيقها مزيدا من العذاب لن يمكنها تحمله؟
ولكنه ظل ينظر اليها طويلا بصمت فزاد من ارتباكها لذا قررت ان تبدأ بالحديث فمهما كانت كلماته لاذعة فهي أرحم بكثير من ذلك الصمت المطبق الذي يكاد يخنقها, فقالت له وهي تتجنب النظر اليه: على فكرة, انا متشكرة أوي يا باشمهندس.
وكالعادة يقوم بالتصحيح لها: وليد, انا اسمي وليد, مفتكرش يعني ان فيه واحدة بتنادي جوزها وتقوله يا باشمهندس. لكن متشكرة على ايه؟
حياة وهي تبتلع ريقها بصعوبة: على اللي عملته معايا النهاردة, الحقيقة انت طلعت شهم لدرجة ما كنتش متخيلاها, واحد زيك ما كنش قبل على نفسه اتهام زي دة, وكان ممكن يريح نفسه من أي جدل ويقول الحقيقة.
وليد بلهجة موضوعية: وتفتكري ساعتها اني كنت هبقا محط احترام اي حد؟
حياة: ع الاقل ما كنتش هتبقا مضطر انك تحاول تثبت براءتك من تهمة انت مليكش يد فيها.
وليد ونظره مثبت الى عينيها: مش انا اللي أعمل كدة يا حياة, ولو كنت انا الشخص اللي انتي متصوراه دة كان ايه اللي يجبرني اني اتجوزك؟
فسارعت حياة بالنفي: لا انا أسفة .انا ما كنش قصدي كدة. انا كنت أقصد............
فقاطعها وليد باشارة صارمة من يده وهو يقول: ما يهمنيش أعرف كان قصدك ايه؟ وبعدين أكيد احنا مش هنقضي الليلة كلها في شرح أمور انتهت خلاص.
ثم أشار بيده الى باب أخر بالغرفة وهو يكمل: دة الحمام, ادخلي وغيري هدومك.
وعندما لمس ترددها ووجدها تنظر اليه بارتياب, فسألها ساخرا: ايه؟ مالك؟ ناوية تنامي بالفستان ولا ايه؟
لم ينتظر ردها بل توجه الى خزانة الملابس وهو يقول بلا مبالاة: ع العموم براحتك.
فتح خزانة الملابس وأخرج بعض الثياب الخاصة به وحملها بيديه وهو يتوجه الى خارج الحجرة وعندما مر بحياة القى اليها نظرة سريعة وهو يقول: تصبحي على خير.
راقبته حياة بذهول يغلق الباب خلفه بهدوء وهي لا تصدق ما يحدث. فهل هو حقا قد ترك لها الحجرة؟ لقد قال لها قبل أن يغادر: تصبحي على خير, فهل ذلك يعني أنه قد نوى أن ينام في مكان آخر؟ انها حقا لم تستطع أن تستوعب الأمر برمته, لقد أخبرها قبل الزواج بأنه يريدها, وقد أكدت لها عينيه ذلك بما فيهما من رغبة. اذن فلم تصرف معها على هذا النحو؟ لم هذا العزوف المفاجىء الذي لم تتوقعه منه؟ فهل كان كل ذلك مجرد تمثيل؟ اذن فما الهدف الذ يسعى اليه من وراء ذلك؟ سؤال لن تجيب عنه سوى الأيام.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم وهي تغلق احدى علب الأدوية بجوار جدها الذي كان مستلقيا على السرير وتقول له: بالشفا ان شاء الله يا جدو.
عبد الرءوف: متشكر أوي يا بنتي, تعبتك معايا. بس جوزك بقا هو اللي أصر اني اجي أقعد معاكم الفترة دي. ويوسف لما بيصر على حاجة ما حدش بيقدر يراجعه حتى أنا.
مريم وهي تقبل جبينه: اوعى تقول كدة تاني يا حبيبي, ربنا يخليك ليا يارب ويقومك لينا بالسلامة. وكمان كان مين غيري يقدر ياخد باله منك؟
عبد الرءوف: كنا نجيب أي ممرضة من المستشفى وخلاص.
مريم بلهجة مشاكسة: اه, قول كدة بقا؟
عبدالرءوف بعدم فهم: أقول ايه؟
مريم: قول انك اتعودت على شغل الممرضات داخلين خارجين عليك, ومين عارف؟ ما ممكن تكون عنيك زاغت على واحدة فيهم, وقررت انك تتخلى عن حياة العزوبية.
ابتسم عبدالرءوف بضعف: الله يجازيكي يا مريم , وهو انا وش كدة بردو؟
مريم: وليه لا بقا يا سي جدو؟ وهو انت كبرت بقا يعني ولا كبرت؟ طب ايه رأيك بقا ان انا فعلا بفكر أجوزك بدل مانت قاعد لوحدك كدة. دة انا حتى لقيتلك العروسة. واحدة صاحبتي. سلمى مانت عارفها. هي صحيح مجنونة حبتين بس طيبة وهتموت على اي عريس والسلام.
فضحك عبد الرءوف وشعرت مريم بالسعادة لانها كانت السبب في تلك الضحكة الصافية من أعز انسان عليها, ثم سمعته يقول لها: طب ياللا روحي نامي بقا , انتي زمانك تعبانة اوي, يوسف قالي انك تقريبا من اول اليوم وانتي واقفة على رجليكي, الا صحيح, هو لسة ما جاش من برة؟
فأجابت مريم بضيق: لا لسة يا جدو. من ساعة ما خرج يوصل اللي اسمها علياء دي وهو لسة ما رجعش.
لمح عبدالرءوف الغيرة بعينيها فزادت ابتسامته وهو يقول: معلش. اكيد فيه حاجة عطلته في الطريق.
فقالت مريم وهي لا تشعر بأن صوتها قد احتد ونبرته قد امتلأت بالغيظ: أو يمكن تكون الست هانم عزمت عليه انه يقعد معاها شوية فهو طبعا مقدرش يقولها لا.
وهنا لم يستطع عبدالرءوف أن يكتم ضحكته. فاغتاظت مريم كثيرا وازادت عينيها اتساعا وهي تقول غضبا: ممكن اعرف انت بتضحك على ايه يا جدو؟
تمالك عبدالرءوف نفسه وهو يقول محاولا تهدئتها: طب انتي متعصبة ليه بس دلوقت؟ يعني كنتي عاوزاه يشوفها في الحالة اللي هي كانت فيها دي, وهي مش قادرة تقف على رجليها , ويسيبها كدة تروح لوحدها؟
مريم متهكمة: لا طبعا ازاي؟ وهو ما بيفوتوش اي واجب.
عبدالرءوف: يا بنتي حرام عليكي, ما تظلميش الراجل, ما انتي كنتي شايفاها بنفسك.
مريم وهي تستمر في تهكمها: اه شفتها, يا عيني كانت بتطوح هنا وهناك وما كنتش قادرة تسند نفسها من الزفت اللي كانت شارباه.
ثم سمعا صوت سيارة تتوقف في الأسفل بحديقة الفيلا. فقال عبد الرءوف لمريم: جوزك جه, يالا بقا قومي وروحي اوضتكم.
ثم أشار نحوها باصبعه محذرا: واوعاكي يا مريم تكلميه في الموضوع دة او حتى تحاولي تتخانقي معاه, الرجالة اللي زي يوسف ما بيحبوش حد يحاسبهم وخصوصا لو كانت مراته.
مريم بدون اهتمام وكأن الامر لا يعنيها: وانا هكلمه ليه يعني؟ وانا مالي؟ يعمل اللي يعجبه ولا يهمني.
ثم أمالت رأسها نحوه وقبلت جبينه بقبلة حانية: تصبح على خير يا جدو.
فرد عبدالرءوف لها القبلة على خدها وهو يقول: وانتي من أهله يا مريم.
ثم تركته مريم وغادرت الحجرة وهي تغلق الباب خلفها, فابتسم عبدالرءوف وهو يعيد الكلمات التي قالتها بسخرية: يعمل اللي يعجبه ولا يهمني؟! ما ابقاش انا عبد الرءوف الكامل لو الليلة دي ما انتهتش بخناقة. والله يكون في عونك بقا يا يوسف. جرب نار الغيرة من اللي بتحبك بقا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخلت مريم حجرتها لتجد يوسف يخلع الجاكيت الخاص به ويلقيه على احد الكراسي باهمال وهو يخرج صفيرا متناغما من بين شفتيه. وقد كانت عيناه تنطق بالسعادة العارمة جعلت مريم تغلي غضبا وهي تشعر بحاجة ماسة الى البكاء وتقول له: ما لسة بدري. كل دة كنت بتوصلها؟
تلقاها يوسف بابتسامة واسعة: طب قولي مساء الخير الأول, جدك خلاص نام؟
شعرت مريم ببعض المراوغة في سؤاله, فسألته: وكلامك دة بقا اسميه ايه؟ هروب مثلا؟
لم يبد عليه انه على الاستعداد للدخول في اي جدال. فأغمض عينيه قليلا وكأنه يحاول السيطرة على أعصابه ليخرج صوته هادئا مصحوبا بابتسامة رقيقة:هروب! هروب من ايه يا مريم؟
مريم: من سؤالي.
غلبته روح الدعابة وهو يقول متصنعا النسيان: سؤال ايه؟ مش فاكر.
مريم بعصبية وغضب: كنت فين كل دة يا يوسف؟
حاول يوسف ان يمنع الابتسامة من الظهور على شفتيه حيث بدا انه يتلذذ كثيرا برؤيتها على تلك الحال وقرر ان يستمر في مراوغته لها, وهو يقول بجدية مصطنعة: مانتي عارفة كنت بوصل علياء لانها ما كنتش تقدر تسوق وهي في الحالة دي, وما كنش ينفع اني أخليها تركب تاكسي لوحدها.
مريم: اه, انا عارفة كدة كويس بس كمان ما كنتش اعرف ان بيتها بعيد اوي كدة للدرجة اللي تخليك تتأخر أوي بالشكل دة.
يوسف: لا هي شقتها مش بعيدة ولا حاجة. انا بس اللي ما حبتش امشي قبل ما اطمن عليها.
مريم و هي تشتعل غضبا: يااااااااااااه ,للدرجادي؟ طب مادام هي تهمك اوي كدة ما كنت تخليك جنبها احسن وما كنتش تعبت نفسك وجيت.
جاهد يوسف كثيرا لخروج صوته طبيعيا وهو يكتم ضحكته و يدير ظهره لها حتى لا ترى الابتسامة في عينيه: الحقيقة هي طلبت مني دة, بس انا رفضت.
فارتفعت نبرة صوتها وهو يقترب للصراخ تقريبا: وليه رفضت؟ ما كنت تبات عندها أحسن ماهي اكيد مش أول مرة. وانت شكلك مش هتتغير يا يوسف.
بدأ يوسف يضيق ذرعا من هذا الجدال الذي قد اتخذ منحنى جديدا لم يعجبه فبدت نظرته محذرة: مريم! الزمي حدودك, لاني مش هسمحلك تعلي صوتك عليا مرة تانية.
تجاهلت مريم تحذيره واستأنفت تقول بنفس النبرة العالية: امال بتسمح لنفسك انت بس انك تهيني قدام كل اصحابي, وتخرج قدام الناس كلها مع اللي اسمها علياء دي وانت حاطط اديك على وسطها بتسندها وهي كمان رامية راسها على كتفك وكأنها ما صدقت, وكمان تروح شقتها وتتأخر عندها كل دة؟ من غير ما تراعي البني ادمة اللي في البيت ولا كأني مراتك.
يوسف بعيون جامدة توحي بالخطر: بأمارة ايه؟
لم تفهم مريم سؤاله فنظرت اليه بحيرة تسأله: قصدك ايه؟
يوسف موضحا بتأني مشددا على كلة كلمة يتفوه بها: بأمارة ايه بتقولي انك مراتي؟
فشعرت مريم بالارتباك يشوب كلماتها التي تخرج من فمها بدون اقتناع تام بها: قصدي المفروض اني مراتك, و كل الناس عارفة كدة, ودة يخليك مضطر انك تحافظ على شكلي وكرامتي قدامهم, دة حقي عليك.
فور سماعه لكلامها انفجر ضاحكا وكأنها قد ألقت عليه باحدى النكات, مما جعها تنظر اليه مشدوهة بنظرات فارغة لا تدري ان كان يضحك فعلا أو انه يسخر منها؟ ولم يتركها يوسف تنتظر كثيرا حيث قطع ضحكته فجأة ليسألها: انتي متأكدة من اللي بتقوليه دة؟
مريم وقد اهتزت ثقتها بنفسها كثيرا مما جعل كلماتها تخرج مشوشة ولا تحمل أي معنى حقيقي: ايوة طبعا متأكدة.
فاقترب منها يوسف كثيرا وهو يؤكد على كل كلمة يقولها دون أن يحيد بنظره عنها: يعني انتي مستعدة انك تديني حقوقي زي ما بتطالبيني بحقوقك؟
سألت مريم نفسها ان كانت قد فهمت سؤاله بشكل صحيح, حتى توصلت بالفعل الى المعنى الحقيقي وراء كلماته مما جعلها تحملق فيه بعينين متسعتين من شدة الذهول عاجزة عن الرد, و هو أيضا عندما رأى تأثير كلماته عليها لم ينتظر ردهها بل قال لها منهيا حديثه بلهجة جادة تقترب الى الهمس: نصيحة مني يا مريم ما تحاوليش تدخلي في أي جدال معايا لانك أكيد هتطلعي منه خسرانة, تصبحي على خير.
ثم اتجه الى حجرته وأغلق الباب بعنف ليكون صوت الباب هو الوسيلة التي أفاقتها من دهشتها, ولتقر بأنه على حق.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
الزوج العازب
فتح وليد باب شقته, وقد أفسح الطريق لحياة لكي تسبقه اليها, فدخلت حياة بخطى مترددة, بل لولا دخوله خلفها وإغلاقه للباب سريعا كان من الممكن أن تتراجع وتفر هاربة الى بيتها حيث أسرتها الصغيرة التي تشعر بينها بالأمان وهو ما تفتقده بالفعل في تلك اللحظة. أجالت حياة بعينيها في أنحاء الشقة الواسعة فتلك أول مرة تطؤها قدميها, لانها رفضت أن تفعل ذلك في اليوم الذي اختارت فيه فستان الزفاف بعد كلمات وليد المهينة لها. فوجدتها الآن تمتاز بالذوق الرفيع في كل شيء سواء من تناسق الألوان أو فخامة الأثاث وتوزيعه الدقيق في مختلف أنحاء الشقة بحيث يوضح مدى اتساعها وجمالها. ظلت حياة تتأمل محتويات الحجرة بدقة وإعجاب واضحين أبعدها للحظات عن الواقع الذي تعيشه, حتى انتفضت على صوت يهمس في أذنها من الخلف: عجبتك الشقة؟
ابتعدت حياة عنه قليلا وهي تواجهه لتجيب على سؤاله بنبرة تمنت أن تبدو طبيعية: أه, جميلة ورقيقة أوي. ربنا يجعلها فتحة خير عليك ان شاء الله.
صحح لها وليد مشددا: علينا, ولا انتي نسيتي انك مراتي؟
هزتها الكلمة بقوة من الداخل وهو ما حاولت ألا تظهره له, ولكن بدا أن لا شيء يمكنه أن يخفى عن تلك النظرات المتفحصة, أو أن عينيها كانت صادقة اللي أبعد الحدود, حيث سمعته يسألها بنظرات مسددة الى عينيها مباشرة: ايه؟ خايفة؟
وعندما وجدها تغرق في صمت دون أي أمل في الرد, قال: بس ياريت ما يكونش مني.
وعندما اقترب منها وأمسك بيدها شعرت برعشة تسري في كل أنحاء جسمها, ثم قال وهو يسحبها خلفه برفق: تعالي أفرجك على باقي الشقة.
وقادها الى حجرة الصالون ثم الى حجرة الطعام التي تحتوي على طاولة متوسطة الحجم يحيط بها العديد من الكراسي ثم المطبخ وبعده الى حجرة نوم صغيرة وأنيقة أخبرها بأنه قد أعدها للضيوف ممن تحكم الظروف ليبيتوا عندهم ليلة أو أكثر, وأخيرا أدخلها حجرة النوم الرئيسية ذات السرير العريض وخزانة الملابس الكبيرة والتسريحة التي تشغل تقريبا منتصف الحائط, كما أنها تضم أريكة وزوجين من الكراسي ذات المساند المريحة.
اذن فهل جاء وقت تسديد الدين؟ وما ان خطرت على بالها تلك الفكرة حتى ارتعش جسمها تلقائيا, وقد لاحظ وليد ذلك وهو الذي كان يسد منفذ الباب بجسمه الطويل ويستند على الباب بمرفقه فسألها وهو يقترب قليلا منها: ايه؟ بردانة؟
لم يكن سؤالا عاديا, بل كان فيه من السخرية ما جعل الدموع تتجمع في مقلتيها, فهي تعلم حق العلم أنه مدرك تماما لسبب ارتعاشها ولكن سؤاله كان فقط لاستفذاذها وكأن رؤيته لها تتألم سببا أساسيا يكمل به سعادته التي تسببت هي نفسها في انقاصها, ولكن هل ستستسلم له ليذيقها مزيدا من العذاب لن يمكنها تحمله؟
ولكنه ظل ينظر اليها طويلا بصمت فزاد من ارتباكها لذا قررت ان تبدأ بالحديث فمهما كانت كلماته لاذعة فهي أرحم بكثير من ذلك الصمت المطبق الذي يكاد يخنقها, فقالت له وهي تتجنب النظر اليه: على فكرة, انا متشكرة أوي يا باشمهندس.
وكالعادة يقوم بالتصحيح لها: وليد, انا اسمي وليد, مفتكرش يعني ان فيه واحدة بتنادي جوزها وتقوله يا باشمهندس. لكن متشكرة على ايه؟
حياة وهي تبتلع ريقها بصعوبة: على اللي عملته معايا النهاردة, الحقيقة انت طلعت شهم لدرجة ما كنتش متخيلاها, واحد زيك ما كنش قبل على نفسه اتهام زي دة, وكان ممكن يريح نفسه من أي جدل ويقول الحقيقة.
وليد بلهجة موضوعية: وتفتكري ساعتها اني كنت هبقا محط احترام اي حد؟
حياة: ع الاقل ما كنتش هتبقا مضطر انك تحاول تثبت براءتك من تهمة انت مليكش يد فيها.
وليد ونظره مثبت الى عينيها: مش انا اللي أعمل كدة يا حياة, ولو كنت انا الشخص اللي انتي متصوراه دة كان ايه اللي يجبرني اني اتجوزك؟
فسارعت حياة بالنفي: لا انا أسفة .انا ما كنش قصدي كدة. انا كنت أقصد............
فقاطعها وليد باشارة صارمة من يده وهو يقول: ما يهمنيش أعرف كان قصدك ايه؟ وبعدين أكيد احنا مش هنقضي الليلة كلها في شرح أمور انتهت خلاص.
ثم أشار بيده الى باب أخر بالغرفة وهو يكمل: دة الحمام, ادخلي وغيري هدومك.
وعندما لمس ترددها ووجدها تنظر اليه بارتياب, فسألها ساخرا: ايه؟ مالك؟ ناوية تنامي بالفستان ولا ايه؟
لم ينتظر ردها بل توجه الى خزانة الملابس وهو يقول بلا مبالاة: ع العموم براحتك.
فتح خزانة الملابس وأخرج بعض الثياب الخاصة به وحملها بيديه وهو يتوجه الى خارج الحجرة وعندما مر بحياة القى اليها نظرة سريعة وهو يقول: تصبحي على خير.
راقبته حياة بذهول يغلق الباب خلفه بهدوء وهي لا تصدق ما يحدث. فهل هو حقا قد ترك لها الحجرة؟ لقد قال لها قبل أن يغادر: تصبحي على خير, فهل ذلك يعني أنه قد نوى أن ينام في مكان آخر؟ انها حقا لم تستطع أن تستوعب الأمر برمته, لقد أخبرها قبل الزواج بأنه يريدها, وقد أكدت لها عينيه ذلك بما فيهما من رغبة. اذن فلم تصرف معها على هذا النحو؟ لم هذا العزوف المفاجىء الذي لم تتوقعه منه؟ فهل كان كل ذلك مجرد تمثيل؟ اذن فما الهدف الذ يسعى اليه من وراء ذلك؟ سؤال لن تجيب عنه سوى الأيام.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم وهي تغلق احدى علب الأدوية بجوار جدها الذي كان مستلقيا على السرير وتقول له: بالشفا ان شاء الله يا جدو.
عبد الرءوف: متشكر أوي يا بنتي, تعبتك معايا. بس جوزك بقا هو اللي أصر اني اجي أقعد معاكم الفترة دي. ويوسف لما بيصر على حاجة ما حدش بيقدر يراجعه حتى أنا.
مريم وهي تقبل جبينه: اوعى تقول كدة تاني يا حبيبي, ربنا يخليك ليا يارب ويقومك لينا بالسلامة. وكمان كان مين غيري يقدر ياخد باله منك؟
عبد الرءوف: كنا نجيب أي ممرضة من المستشفى وخلاص.
مريم بلهجة مشاكسة: اه, قول كدة بقا؟
عبدالرءوف بعدم فهم: أقول ايه؟
مريم: قول انك اتعودت على شغل الممرضات داخلين خارجين عليك, ومين عارف؟ ما ممكن تكون عنيك زاغت على واحدة فيهم, وقررت انك تتخلى عن حياة العزوبية.
ابتسم عبدالرءوف بضعف: الله يجازيكي يا مريم , وهو انا وش كدة بردو؟
مريم: وليه لا بقا يا سي جدو؟ وهو انت كبرت بقا يعني ولا كبرت؟ طب ايه رأيك بقا ان انا فعلا بفكر أجوزك بدل مانت قاعد لوحدك كدة. دة انا حتى لقيتلك العروسة. واحدة صاحبتي. سلمى مانت عارفها. هي صحيح مجنونة حبتين بس طيبة وهتموت على اي عريس والسلام.
فضحك عبد الرءوف وشعرت مريم بالسعادة لانها كانت السبب في تلك الضحكة الصافية من أعز انسان عليها, ثم سمعته يقول لها: طب ياللا روحي نامي بقا , انتي زمانك تعبانة اوي, يوسف قالي انك تقريبا من اول اليوم وانتي واقفة على رجليكي, الا صحيح, هو لسة ما جاش من برة؟
فأجابت مريم بضيق: لا لسة يا جدو. من ساعة ما خرج يوصل اللي اسمها علياء دي وهو لسة ما رجعش.
لمح عبدالرءوف الغيرة بعينيها فزادت ابتسامته وهو يقول: معلش. اكيد فيه حاجة عطلته في الطريق.
فقالت مريم وهي لا تشعر بأن صوتها قد احتد ونبرته قد امتلأت بالغيظ: أو يمكن تكون الست هانم عزمت عليه انه يقعد معاها شوية فهو طبعا مقدرش يقولها لا.
وهنا لم يستطع عبدالرءوف أن يكتم ضحكته. فاغتاظت مريم كثيرا وازادت عينيها اتساعا وهي تقول غضبا: ممكن اعرف انت بتضحك على ايه يا جدو؟
تمالك عبدالرءوف نفسه وهو يقول محاولا تهدئتها: طب انتي متعصبة ليه بس دلوقت؟ يعني كنتي عاوزاه يشوفها في الحالة اللي هي كانت فيها دي, وهي مش قادرة تقف على رجليها , ويسيبها كدة تروح لوحدها؟
مريم متهكمة: لا طبعا ازاي؟ وهو ما بيفوتوش اي واجب.
عبدالرءوف: يا بنتي حرام عليكي, ما تظلميش الراجل, ما انتي كنتي شايفاها بنفسك.
مريم وهي تستمر في تهكمها: اه شفتها, يا عيني كانت بتطوح هنا وهناك وما كنتش قادرة تسند نفسها من الزفت اللي كانت شارباه.
ثم سمعا صوت سيارة تتوقف في الأسفل بحديقة الفيلا. فقال عبد الرءوف لمريم: جوزك جه, يالا بقا قومي وروحي اوضتكم.
ثم أشار نحوها باصبعه محذرا: واوعاكي يا مريم تكلميه في الموضوع دة او حتى تحاولي تتخانقي معاه, الرجالة اللي زي يوسف ما بيحبوش حد يحاسبهم وخصوصا لو كانت مراته.
مريم بدون اهتمام وكأن الامر لا يعنيها: وانا هكلمه ليه يعني؟ وانا مالي؟ يعمل اللي يعجبه ولا يهمني.
ثم أمالت رأسها نحوه وقبلت جبينه بقبلة حانية: تصبح على خير يا جدو.
فرد عبدالرءوف لها القبلة على خدها وهو يقول: وانتي من أهله يا مريم.
ثم تركته مريم وغادرت الحجرة وهي تغلق الباب خلفها, فابتسم عبدالرءوف وهو يعيد الكلمات التي قالتها بسخرية: يعمل اللي يعجبه ولا يهمني؟! ما ابقاش انا عبد الرءوف الكامل لو الليلة دي ما انتهتش بخناقة. والله يكون في عونك بقا يا يوسف. جرب نار الغيرة من اللي بتحبك بقا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخلت مريم حجرتها لتجد يوسف يخلع الجاكيت الخاص به ويلقيه على احد الكراسي باهمال وهو يخرج صفيرا متناغما من بين شفتيه. وقد كانت عيناه تنطق بالسعادة العارمة جعلت مريم تغلي غضبا وهي تشعر بحاجة ماسة الى البكاء وتقول له: ما لسة بدري. كل دة كنت بتوصلها؟
تلقاها يوسف بابتسامة واسعة: طب قولي مساء الخير الأول, جدك خلاص نام؟
شعرت مريم ببعض المراوغة في سؤاله, فسألته: وكلامك دة بقا اسميه ايه؟ هروب مثلا؟
لم يبد عليه انه على الاستعداد للدخول في اي جدال. فأغمض عينيه قليلا وكأنه يحاول السيطرة على أعصابه ليخرج صوته هادئا مصحوبا بابتسامة رقيقة:هروب! هروب من ايه يا مريم؟
مريم: من سؤالي.
غلبته روح الدعابة وهو يقول متصنعا النسيان: سؤال ايه؟ مش فاكر.
مريم بعصبية وغضب: كنت فين كل دة يا يوسف؟
حاول يوسف ان يمنع الابتسامة من الظهور على شفتيه حيث بدا انه يتلذذ كثيرا برؤيتها على تلك الحال وقرر ان يستمر في مراوغته لها, وهو يقول بجدية مصطنعة: مانتي عارفة كنت بوصل علياء لانها ما كنتش تقدر تسوق وهي في الحالة دي, وما كنش ينفع اني أخليها تركب تاكسي لوحدها.
مريم: اه, انا عارفة كدة كويس بس كمان ما كنتش اعرف ان بيتها بعيد اوي كدة للدرجة اللي تخليك تتأخر أوي بالشكل دة.
يوسف: لا هي شقتها مش بعيدة ولا حاجة. انا بس اللي ما حبتش امشي قبل ما اطمن عليها.
مريم و هي تشتعل غضبا: يااااااااااااه ,للدرجادي؟ طب مادام هي تهمك اوي كدة ما كنت تخليك جنبها احسن وما كنتش تعبت نفسك وجيت.
جاهد يوسف كثيرا لخروج صوته طبيعيا وهو يكتم ضحكته و يدير ظهره لها حتى لا ترى الابتسامة في عينيه: الحقيقة هي طلبت مني دة, بس انا رفضت.
فارتفعت نبرة صوتها وهو يقترب للصراخ تقريبا: وليه رفضت؟ ما كنت تبات عندها أحسن ماهي اكيد مش أول مرة. وانت شكلك مش هتتغير يا يوسف.
بدأ يوسف يضيق ذرعا من هذا الجدال الذي قد اتخذ منحنى جديدا لم يعجبه فبدت نظرته محذرة: مريم! الزمي حدودك, لاني مش هسمحلك تعلي صوتك عليا مرة تانية.
تجاهلت مريم تحذيره واستأنفت تقول بنفس النبرة العالية: امال بتسمح لنفسك انت بس انك تهيني قدام كل اصحابي, وتخرج قدام الناس كلها مع اللي اسمها علياء دي وانت حاطط اديك على وسطها بتسندها وهي كمان رامية راسها على كتفك وكأنها ما صدقت, وكمان تروح شقتها وتتأخر عندها كل دة؟ من غير ما تراعي البني ادمة اللي في البيت ولا كأني مراتك.
يوسف بعيون جامدة توحي بالخطر: بأمارة ايه؟
لم تفهم مريم سؤاله فنظرت اليه بحيرة تسأله: قصدك ايه؟
يوسف موضحا بتأني مشددا على كلة كلمة يتفوه بها: بأمارة ايه بتقولي انك مراتي؟
فشعرت مريم بالارتباك يشوب كلماتها التي تخرج من فمها بدون اقتناع تام بها: قصدي المفروض اني مراتك, و كل الناس عارفة كدة, ودة يخليك مضطر انك تحافظ على شكلي وكرامتي قدامهم, دة حقي عليك.
فور سماعه لكلامها انفجر ضاحكا وكأنها قد ألقت عليه باحدى النكات, مما جعها تنظر اليه مشدوهة بنظرات فارغة لا تدري ان كان يضحك فعلا أو انه يسخر منها؟ ولم يتركها يوسف تنتظر كثيرا حيث قطع ضحكته فجأة ليسألها: انتي متأكدة من اللي بتقوليه دة؟
مريم وقد اهتزت ثقتها بنفسها كثيرا مما جعل كلماتها تخرج مشوشة ولا تحمل أي معنى حقيقي: ايوة طبعا متأكدة.
فاقترب منها يوسف كثيرا وهو يؤكد على كل كلمة يقولها دون أن يحيد بنظره عنها: يعني انتي مستعدة انك تديني حقوقي زي ما بتطالبيني بحقوقك؟
سألت مريم نفسها ان كانت قد فهمت سؤاله بشكل صحيح, حتى توصلت بالفعل الى المعنى الحقيقي وراء كلماته مما جعلها تحملق فيه بعينين متسعتين من شدة الذهول عاجزة عن الرد, و هو أيضا عندما رأى تأثير كلماته عليها لم ينتظر ردهها بل قال لها منهيا حديثه بلهجة جادة تقترب الى الهمس: نصيحة مني يا مريم ما تحاوليش تدخلي في أي جدال معايا لانك أكيد هتطلعي منه خسرانة, تصبحي على خير.
ثم اتجه الى حجرته وأغلق الباب بعنف ليكون صوت الباب هو الوسيلة التي أفاقتها من دهشتها, ولتقر بأنه على حق.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
19= الجزء الثانى
في صباح اليوم التالي وقد تعدت الساعة العاشرة, استيقظت حياة من نومها وهي تنظر حولها بدهشة جاهلة بمكان تواجدها, وما هي الا لحظات حتى استعادت أحداث الأمس لتعلم أنها الآن في شقة زوجها الذي ينبذها ولكنه لايزال متمسكا بوجودها معه.
بعد ان نهضت حياة من الفراش و أعادت ترتيب سريرها , ذهبت الى الحمام لتغتسل وتبدل ثيابها, ثم فتحت باب الحجرة بحذر تتلفت يمينا ويسارا تتلمس وجوده في أي مكان, ولكن يبدو انه لا يزال نائما, فقررت أن تذهب الى المطبخ لاعداد الفطور فهي حقا تشعر بالجوع الشديد كما أنها لا تريد أن تكون أول فكرة يكونها عنها في بداية حياتهما الزوجية أنها كسولة, وبخطوات ثابتة توجهت الى المطبخ الذي لاتزال صورته مطبوعة في ذاكرتها حتى الان. وما ان خطت أولى خطواتها داخل الحجرة حتى تراجعت مرة أخرى خطوة للخلف وهي تكتم صرختها, بالطبع فهي لم تتوقع أنه قد سبقها الى المطبخ وقد أعد فطاره بنفسه, وهو الأن يجلس أمام الطاولة الصغيرة التي بالمطبخ ويتناول الفطار, وما إن أحس بدهشتها لرؤيته , رفع حاجبه في تساؤل: اللي أعرفه انهم في الأوقات دي بيقولوا صباح الخير.
ابتلعت حياة ريقها وهي تتغلب على صدمتها سريعا وقالت: صباح الخير, انا اسفة ما كنتش فاكرة انك صحيت.
فقال وليد بعد أن ارتشف بعضا من كوب اللبن أمامه: انا متعود دايما اني أصحى بدري عشان أفطر الاول قبل ما اروح الشغل في ميعادي.
فسألته حياة وهي تجلس أمامه في توجس: وانت هتروح الشغل دلوقت؟
بدا أنه كان في انتظار سؤالها ليرد عليها بسخريته اللاذعة ولكنها كانت قد اعتادت عليها: أولا المفروض ان دة يوم الصباحية وهيبقا شكلنا احنا الاتنين وحش اوي لو نزلت الشغل النهاردة, وثانيا المفروض ان مامتك هتجيلك النهاردة فهتقوليلها ايه بقا لما تسألك فين جوزك؟ ثالثا أنا المفروض اني ببقا موجود في مكتبي الساعة تسعة بالظبط والساعة دلوقت حداشر .
فقالت حياة بابتسامة مترددة: على العموم انا اسفة لاني اتأخرت في النوم فما عملتش الفطار.
وليد بجمود: حصل خير, بس ياريت ما تتكرش تاني, لاني متعود اني لما اصحى بلاقي الفطار جاهز دة غير اني مش بحب اكل برة.
فهزت حياة رأسها في موافقة وهي تقول باستكانة: ان شاء الله مش هتتكرر تاني.
فقال لها وليد في لهجة آمرة أقرب منها للطلب: فيه أكل في التلاجة فلو جعانة قومي جهزي لنفسك حاجة تاكليها.
وبالرغم من أنها تكاد تتضور جوعا الا أنها شعرت بالخجل الشديد لتعترف بذلك,فقررت ألا تفعل لتقول نافية: لا انا مش جعانة دلوقت.
فنظر اليها وليد متشككا ثم قال لها بلهجة حازمة وهو يستند بمرفقيه على الطاولة: بصي يا حياة, احنا مش هنقعد مع بعض مجرد يوم او اتنين, احنا متجوزين وبما ان مش في نيتي اني اطلق في يوم من الايام دة معناه اننا هنعيش مع بعض مدى الحياة ان شاء الله, يعني مفيش داعي لانك تحسي بالاحراج قدامي, لان دي مش هتكون اول ولا اخر مرة ناكل فيها مع بعض, ياللا اتفضلي حضري لنفسك الفطار وتعالي افطري معايا.
علمت حياة بأنه لن يفيد الجدال معه, لذا نهضت لتنفذ الأمر وكانت قد فقدت شهيتها بالفعل.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي غرفة نوم عبدالرءوف كانت تجلس مريم مرة أخرى بجواره وتسقيه بعض الحساء بيديها في اللحظة التي طرق فيها يوسف باب الحجرة المفتوح ثم تقدم الى الداخل وهو يقول: صباح الخير.
رد الاثنان معا: صباح النور.
وابتسم له عبدالرءوف وهو يقول له مداعبا: نموسيتك كحلي ياسي يوسف, الساعة في ايدك كام دلوقت؟
يوسف بعد أن نظر الى ساعة يده سريعا: الساعة حداشر وربع.
عبدالرءوف مؤنبا: بذمتك مش مكسوف تقولها؟ دة انت لو كنت موظف عندي كنت زماني طردتك من زمان قبل ما الشركة تضيع.
يوسف مبتسما: طب الحمد لله اني مش موظف عندك. ثم ان مفيش حاجة مستعجلة تستاهل اني اروح بدري عشانها, كل الشغل ماشي تمام اطمن.
عبدالرءوف بثقة تامة: ومين قال اني بشك في ادارتك؟ انا عارف ان كل الموظفين بيعملولك ألف حساب في غيابك قبل حضورك. بس قولي عملت ايه في موضوع محمد جمال؟
يوسف بغموض: طلع هو.
عبدالرءوف: وناوي تعمل معاه ايه؟ هتطرده؟
يوسف بابتسامة واسعة: هبقا عبيط لو عملت كدة, باستمراره معانا هستفيد منه أكتر.
عبدالرءوف: طب وكمال, ايه آخر أخباره؟
يوسف: لسة مسافر, وسمعت انه بيتفق على صفقة كبيرة, بس لسة معالمها مش واضحة.
عبدالرءوف: طب خلي بالك بقا.
فأومأ يوسف برأسه وهو يرى نظرات مريم المتسائلة تنتقل بينه وبين جدها, لذلك قرر الهائها بأمر أخر فاستأنف الحديث بلهجة أكثر مرحا: ياللا بقا عاوزين حاجة؟ اصل صاحب الشركة شكله ناويلي على نية, وباين عليا هطرد قريب. امتى بقا وليد يرجع للشغل تاني؟ والله الواد دة كان مريحني. كان هو في ناحية وانا في ناحية, دلوقت حاسس اني مشتت.
عبدالرءوف مازحا: يا أخي حرام عليك, سيبه يتهنى بعروسته شوية, ولا انت عاوزه يقلدك ويسيب عروسته في شهر العسل عشان ينزل الشغل؟
يوسف: لالالالا, هو اصلا ناوي من نفسه انه يقلدني, قالي انه بالكتير أوي تلات ايام ويرجع الشركة. عشان كمان مراته تروح كليتها.
عبدالرءوف ساخرا: انا مش عارف ايه عرسان اليومين دول اللي يا خوية يزهقوا من الجواز والعروسة بعد يوم او اتنين!
نظر يوسف الى مريم نظرة ذات معنى وهو يجيب على عبدالرءوف بتهكمه: معلش بقا يا عمي, الايام ادامنا كتير. ياللا بقا سلام عليكم.
وقبل أن يغادر الحجرة ناداه عبدالرءوف: يوسف!طب مادام انت رايح الشركة ماتاخد مريم في طريقك توديها الجامعة, بدل ما كل واحد منكم يمشي لوحده.
كانت مريم تلوم عبدالرءوف في سرها لاقتراحه هذا الأمر وحاولت التملص من ذلك الموقف وهي تقول متحججة: لا يا جدو شكل يوسف مستعجل وانا هعطله.
عبدالرءوف بالحاح: ولا مستعجل ولا حاجة. مش شايفاه قايم الساعة كام؟ وكمان انتو تقريبا طريقكم واحد دة غير انك جاهزة للخروج, يعني مفيش عطلة ولا حاجة.
مريم بتبرم: بس يا جدو انا مش ممكن امشي قبل ما تخلص فطارك واديك العلاج.
عبدالرءوف سادا أمامها كل منافذ الهروب: انا يا ستي الحمد لله خلاص شبعت, اما بالنسبة للعلاج اهو جنبي وهاخده بنفسي. ياللا ياللا ما تتحججيش بيا.
لم تر مريم أمامها سبيل آخر سوى الاستجابة لطلب جدها فقالت بانهزام أمام عيني يوسف التي تتتبعانها في ترقب: أمرك يا جدو.
ثم نهضت مرغمة لتضع الصينية التي في يدها على طاولة صغيرة في احدى زوايا الحجرة, وقالت لعبدالرءوف: طب انا مش هتأخر عليك, هشوفهم بس وصلوا لايه في المسرحية واذا كانوا محتاجين مني حاجة ولا لا, وبعدين هاجي على طول, وانت لو احتجت اي حاجة في غيابي رن الجرس اللي عندك وام ابراهيم هتطلعلك انا منبهة عليها.
فابتسم عبدالرءوف من دور الأم الذي تحاول مريم ان تؤديه أمامه رغم صغر سنها وهو يقول مطيعا: حاضر يا مريم, بس على فكرة بقا انا خلاص كبرت وأقدر اعتمد على نفسي كويس اوي.
فطبعت مريم قبلة سريعة على وجنته: ربنا يخليك ليا ويديك الصحة يا حبيب قلبي. ياللا بقا مش عاوز حاجة؟
فهز عبدالرءوف رأسه بالنفي: مع ألف سلامة.
وأفسح يوسف لها المجال لتتقدمه بخطوة, ثم خرج الاثنان معا
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي شقة علياء كانت تجلس وهي تستشيط غضبا, و ماهر يحاول تهدئتها: ما خلاص بقا يا لولا . اللي حصل حصل.
علياء وهي تشير باصبعها الى نفسها بتفاخر: بقا انا علياء القوصي ييجي عليا اليوم اللي يرفضني فيه واحد زي يوسف جلال, لا وعشان مين؟ عشان بنت مفعوصة لا راحت ولا جات.
ماهر بعقلانية: ما تنساش بردو ان البنت اللي انتي بتقولي عليها دي تبقا مراته.
علياء: طب وديني ليكون طلاقهم على ايدي وقريب اوي كمان, وبكرة تشوف يا سي يوسف.
ماهر: هيحصل يا علياء. وغلاوتك عندي ليحصل, بس كل حاجة هتيجي في وقتها.
فنهضت علياء فجأة وقالت وهي لاتزال تشتعل غضبا: انا هاين عليا أروح للي اسمها مريم دي دلوقت واديلها الكارت الميموري اللي معايا .
ماهر محذرا: لا اوعي, دة مش وقته, الكارت دة لو ظهر في ميعاد غير ميعاده مش هيكون ليه التأثير اللي احنا عاوزينه.
علياء صائحة: مانا كمان مش قادرة اقف كدة واتفرج وانا ساكتة, وكل ما افتكر شكله وهو بيرفضني احس بنار قايده جوايا, ومش هيطفيها الا لما انتقم لكرامتي.
ماهر: استني بس لما بابا يرجع من السفر, ونتفق على كل حاجة.
علياء: طب وباباك هيرجع امتى؟
ماهر: كلها اسبوع كتير ويخلص الصفقة اللي معاه ويرجع على طول. وبعدها بقا نبتدي اللعب اللي على اصوله.
علياء: طب وانا نصيبي كام من الصفقة الجديدة دي؟
ماهر وهو يمسك يدها ليجلسها بجواره وهو يبتسم: انا كلي ليكي ياروح قلبي, وكل اللي تؤمري بيه هتاخديه. بس انتي شدي حيلك معانا.
علياء: من غير ما تقول, وهو فيه حد بردو بيكره المكسب؟
ثم ادارت جسمها على غفله لتنظر اليه متسائلة: الا قولي صحيح, انت حقيقي ناوي تتجوز مريم دي بعد ما تطلق من يوسف؟
ماهر: طبعا, امال انا بعمل كل دة ليه؟
علياء بتذمر: انا مش عارفة البنت دي عاملة فيكم ايه مخلياكم انتو كلكم بتجروا وراها؟
ماهر مبتسما بخبث: عاملة فينا كتير, كفاية ميراثها من ثروة جدي عبد الرءوف الكامل, عرفتي بقا احنا بنجري وراها ليه؟
علياء بتشكك: يعني انت قصدك ان يوسف متمسك بيها عشان طمعان في نصيبها من الميراث؟
ماهر بثقة: طبعا يا بنتي, زيادة الخير خيرين. هو عاوز يضم شركة عبدالرءوف لشركته وياكل هو السوق كله لوحده بدون اي منازع. وكمان كفاية التسجيل اللي معاكي هو أفضل دليل على صحة كلامي. امال انتي كنتي فاكرة ايه؟
علياء بصوت سارح وكأنها تحدث نفسها و لكن بصوت مسموع: مش عارفة, بس لو صحيح يوسف زي مانت بتقول كدة يبقا ليه عمل معايا اللي عمله امبارح؟ وكأنه كان واحد تاني غير يوسف اللي اعرفه. زي ما يكون اتبدل تماما
في صباح اليوم التالي وقد تعدت الساعة العاشرة, استيقظت حياة من نومها وهي تنظر حولها بدهشة جاهلة بمكان تواجدها, وما هي الا لحظات حتى استعادت أحداث الأمس لتعلم أنها الآن في شقة زوجها الذي ينبذها ولكنه لايزال متمسكا بوجودها معه.
بعد ان نهضت حياة من الفراش و أعادت ترتيب سريرها , ذهبت الى الحمام لتغتسل وتبدل ثيابها, ثم فتحت باب الحجرة بحذر تتلفت يمينا ويسارا تتلمس وجوده في أي مكان, ولكن يبدو انه لا يزال نائما, فقررت أن تذهب الى المطبخ لاعداد الفطور فهي حقا تشعر بالجوع الشديد كما أنها لا تريد أن تكون أول فكرة يكونها عنها في بداية حياتهما الزوجية أنها كسولة, وبخطوات ثابتة توجهت الى المطبخ الذي لاتزال صورته مطبوعة في ذاكرتها حتى الان. وما ان خطت أولى خطواتها داخل الحجرة حتى تراجعت مرة أخرى خطوة للخلف وهي تكتم صرختها, بالطبع فهي لم تتوقع أنه قد سبقها الى المطبخ وقد أعد فطاره بنفسه, وهو الأن يجلس أمام الطاولة الصغيرة التي بالمطبخ ويتناول الفطار, وما إن أحس بدهشتها لرؤيته , رفع حاجبه في تساؤل: اللي أعرفه انهم في الأوقات دي بيقولوا صباح الخير.
ابتلعت حياة ريقها وهي تتغلب على صدمتها سريعا وقالت: صباح الخير, انا اسفة ما كنتش فاكرة انك صحيت.
فقال وليد بعد أن ارتشف بعضا من كوب اللبن أمامه: انا متعود دايما اني أصحى بدري عشان أفطر الاول قبل ما اروح الشغل في ميعادي.
فسألته حياة وهي تجلس أمامه في توجس: وانت هتروح الشغل دلوقت؟
بدا أنه كان في انتظار سؤالها ليرد عليها بسخريته اللاذعة ولكنها كانت قد اعتادت عليها: أولا المفروض ان دة يوم الصباحية وهيبقا شكلنا احنا الاتنين وحش اوي لو نزلت الشغل النهاردة, وثانيا المفروض ان مامتك هتجيلك النهاردة فهتقوليلها ايه بقا لما تسألك فين جوزك؟ ثالثا أنا المفروض اني ببقا موجود في مكتبي الساعة تسعة بالظبط والساعة دلوقت حداشر .
فقالت حياة بابتسامة مترددة: على العموم انا اسفة لاني اتأخرت في النوم فما عملتش الفطار.
وليد بجمود: حصل خير, بس ياريت ما تتكرش تاني, لاني متعود اني لما اصحى بلاقي الفطار جاهز دة غير اني مش بحب اكل برة.
فهزت حياة رأسها في موافقة وهي تقول باستكانة: ان شاء الله مش هتتكرر تاني.
فقال لها وليد في لهجة آمرة أقرب منها للطلب: فيه أكل في التلاجة فلو جعانة قومي جهزي لنفسك حاجة تاكليها.
وبالرغم من أنها تكاد تتضور جوعا الا أنها شعرت بالخجل الشديد لتعترف بذلك,فقررت ألا تفعل لتقول نافية: لا انا مش جعانة دلوقت.
فنظر اليها وليد متشككا ثم قال لها بلهجة حازمة وهو يستند بمرفقيه على الطاولة: بصي يا حياة, احنا مش هنقعد مع بعض مجرد يوم او اتنين, احنا متجوزين وبما ان مش في نيتي اني اطلق في يوم من الايام دة معناه اننا هنعيش مع بعض مدى الحياة ان شاء الله, يعني مفيش داعي لانك تحسي بالاحراج قدامي, لان دي مش هتكون اول ولا اخر مرة ناكل فيها مع بعض, ياللا اتفضلي حضري لنفسك الفطار وتعالي افطري معايا.
علمت حياة بأنه لن يفيد الجدال معه, لذا نهضت لتنفذ الأمر وكانت قد فقدت شهيتها بالفعل.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي غرفة نوم عبدالرءوف كانت تجلس مريم مرة أخرى بجواره وتسقيه بعض الحساء بيديها في اللحظة التي طرق فيها يوسف باب الحجرة المفتوح ثم تقدم الى الداخل وهو يقول: صباح الخير.
رد الاثنان معا: صباح النور.
وابتسم له عبدالرءوف وهو يقول له مداعبا: نموسيتك كحلي ياسي يوسف, الساعة في ايدك كام دلوقت؟
يوسف بعد أن نظر الى ساعة يده سريعا: الساعة حداشر وربع.
عبدالرءوف مؤنبا: بذمتك مش مكسوف تقولها؟ دة انت لو كنت موظف عندي كنت زماني طردتك من زمان قبل ما الشركة تضيع.
يوسف مبتسما: طب الحمد لله اني مش موظف عندك. ثم ان مفيش حاجة مستعجلة تستاهل اني اروح بدري عشانها, كل الشغل ماشي تمام اطمن.
عبدالرءوف بثقة تامة: ومين قال اني بشك في ادارتك؟ انا عارف ان كل الموظفين بيعملولك ألف حساب في غيابك قبل حضورك. بس قولي عملت ايه في موضوع محمد جمال؟
يوسف بغموض: طلع هو.
عبدالرءوف: وناوي تعمل معاه ايه؟ هتطرده؟
يوسف بابتسامة واسعة: هبقا عبيط لو عملت كدة, باستمراره معانا هستفيد منه أكتر.
عبدالرءوف: طب وكمال, ايه آخر أخباره؟
يوسف: لسة مسافر, وسمعت انه بيتفق على صفقة كبيرة, بس لسة معالمها مش واضحة.
عبدالرءوف: طب خلي بالك بقا.
فأومأ يوسف برأسه وهو يرى نظرات مريم المتسائلة تنتقل بينه وبين جدها, لذلك قرر الهائها بأمر أخر فاستأنف الحديث بلهجة أكثر مرحا: ياللا بقا عاوزين حاجة؟ اصل صاحب الشركة شكله ناويلي على نية, وباين عليا هطرد قريب. امتى بقا وليد يرجع للشغل تاني؟ والله الواد دة كان مريحني. كان هو في ناحية وانا في ناحية, دلوقت حاسس اني مشتت.
عبدالرءوف مازحا: يا أخي حرام عليك, سيبه يتهنى بعروسته شوية, ولا انت عاوزه يقلدك ويسيب عروسته في شهر العسل عشان ينزل الشغل؟
يوسف: لالالالا, هو اصلا ناوي من نفسه انه يقلدني, قالي انه بالكتير أوي تلات ايام ويرجع الشركة. عشان كمان مراته تروح كليتها.
عبدالرءوف ساخرا: انا مش عارف ايه عرسان اليومين دول اللي يا خوية يزهقوا من الجواز والعروسة بعد يوم او اتنين!
نظر يوسف الى مريم نظرة ذات معنى وهو يجيب على عبدالرءوف بتهكمه: معلش بقا يا عمي, الايام ادامنا كتير. ياللا بقا سلام عليكم.
وقبل أن يغادر الحجرة ناداه عبدالرءوف: يوسف!طب مادام انت رايح الشركة ماتاخد مريم في طريقك توديها الجامعة, بدل ما كل واحد منكم يمشي لوحده.
كانت مريم تلوم عبدالرءوف في سرها لاقتراحه هذا الأمر وحاولت التملص من ذلك الموقف وهي تقول متحججة: لا يا جدو شكل يوسف مستعجل وانا هعطله.
عبدالرءوف بالحاح: ولا مستعجل ولا حاجة. مش شايفاه قايم الساعة كام؟ وكمان انتو تقريبا طريقكم واحد دة غير انك جاهزة للخروج, يعني مفيش عطلة ولا حاجة.
مريم بتبرم: بس يا جدو انا مش ممكن امشي قبل ما تخلص فطارك واديك العلاج.
عبدالرءوف سادا أمامها كل منافذ الهروب: انا يا ستي الحمد لله خلاص شبعت, اما بالنسبة للعلاج اهو جنبي وهاخده بنفسي. ياللا ياللا ما تتحججيش بيا.
لم تر مريم أمامها سبيل آخر سوى الاستجابة لطلب جدها فقالت بانهزام أمام عيني يوسف التي تتتبعانها في ترقب: أمرك يا جدو.
ثم نهضت مرغمة لتضع الصينية التي في يدها على طاولة صغيرة في احدى زوايا الحجرة, وقالت لعبدالرءوف: طب انا مش هتأخر عليك, هشوفهم بس وصلوا لايه في المسرحية واذا كانوا محتاجين مني حاجة ولا لا, وبعدين هاجي على طول, وانت لو احتجت اي حاجة في غيابي رن الجرس اللي عندك وام ابراهيم هتطلعلك انا منبهة عليها.
فابتسم عبدالرءوف من دور الأم الذي تحاول مريم ان تؤديه أمامه رغم صغر سنها وهو يقول مطيعا: حاضر يا مريم, بس على فكرة بقا انا خلاص كبرت وأقدر اعتمد على نفسي كويس اوي.
فطبعت مريم قبلة سريعة على وجنته: ربنا يخليك ليا ويديك الصحة يا حبيب قلبي. ياللا بقا مش عاوز حاجة؟
فهز عبدالرءوف رأسه بالنفي: مع ألف سلامة.
وأفسح يوسف لها المجال لتتقدمه بخطوة, ثم خرج الاثنان معا
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي شقة علياء كانت تجلس وهي تستشيط غضبا, و ماهر يحاول تهدئتها: ما خلاص بقا يا لولا . اللي حصل حصل.
علياء وهي تشير باصبعها الى نفسها بتفاخر: بقا انا علياء القوصي ييجي عليا اليوم اللي يرفضني فيه واحد زي يوسف جلال, لا وعشان مين؟ عشان بنت مفعوصة لا راحت ولا جات.
ماهر بعقلانية: ما تنساش بردو ان البنت اللي انتي بتقولي عليها دي تبقا مراته.
علياء: طب وديني ليكون طلاقهم على ايدي وقريب اوي كمان, وبكرة تشوف يا سي يوسف.
ماهر: هيحصل يا علياء. وغلاوتك عندي ليحصل, بس كل حاجة هتيجي في وقتها.
فنهضت علياء فجأة وقالت وهي لاتزال تشتعل غضبا: انا هاين عليا أروح للي اسمها مريم دي دلوقت واديلها الكارت الميموري اللي معايا .
ماهر محذرا: لا اوعي, دة مش وقته, الكارت دة لو ظهر في ميعاد غير ميعاده مش هيكون ليه التأثير اللي احنا عاوزينه.
علياء صائحة: مانا كمان مش قادرة اقف كدة واتفرج وانا ساكتة, وكل ما افتكر شكله وهو بيرفضني احس بنار قايده جوايا, ومش هيطفيها الا لما انتقم لكرامتي.
ماهر: استني بس لما بابا يرجع من السفر, ونتفق على كل حاجة.
علياء: طب وباباك هيرجع امتى؟
ماهر: كلها اسبوع كتير ويخلص الصفقة اللي معاه ويرجع على طول. وبعدها بقا نبتدي اللعب اللي على اصوله.
علياء: طب وانا نصيبي كام من الصفقة الجديدة دي؟
ماهر وهو يمسك يدها ليجلسها بجواره وهو يبتسم: انا كلي ليكي ياروح قلبي, وكل اللي تؤمري بيه هتاخديه. بس انتي شدي حيلك معانا.
علياء: من غير ما تقول, وهو فيه حد بردو بيكره المكسب؟
ثم ادارت جسمها على غفله لتنظر اليه متسائلة: الا قولي صحيح, انت حقيقي ناوي تتجوز مريم دي بعد ما تطلق من يوسف؟
ماهر: طبعا, امال انا بعمل كل دة ليه؟
علياء بتذمر: انا مش عارفة البنت دي عاملة فيكم ايه مخلياكم انتو كلكم بتجروا وراها؟
ماهر مبتسما بخبث: عاملة فينا كتير, كفاية ميراثها من ثروة جدي عبد الرءوف الكامل, عرفتي بقا احنا بنجري وراها ليه؟
علياء بتشكك: يعني انت قصدك ان يوسف متمسك بيها عشان طمعان في نصيبها من الميراث؟
ماهر بثقة: طبعا يا بنتي, زيادة الخير خيرين. هو عاوز يضم شركة عبدالرءوف لشركته وياكل هو السوق كله لوحده بدون اي منازع. وكمان كفاية التسجيل اللي معاكي هو أفضل دليل على صحة كلامي. امال انتي كنتي فاكرة ايه؟
علياء بصوت سارح وكأنها تحدث نفسها و لكن بصوت مسموع: مش عارفة, بس لو صحيح يوسف زي مانت بتقول كدة يبقا ليه عمل معايا اللي عمله امبارح؟ وكأنه كان واحد تاني غير يوسف اللي اعرفه. زي ما يكون اتبدل تماما