رواية غريبة في عالمك الفصل الثامن عشر 18 بقلم رحاب حلمي
18=الفصل الثامن عشر
وحين يندلع الحب
أقيم حفل الزفاف في حديقة الفيلا كما كان متفق عليه وقد كان بالطبع على قدر كبير من الاستعدادات والفخامة ومسرح العروسين هو أيضا يمتاز رغم بساطته بالجمال والزينة عالية الأناقة والبهاء, كما حضره كبار الشخصيات بالدولة وكبار رجال الأعمال الى جانب أسرة حياة وصديقاتها. ويحيي الحفل بعض الفرق والمطربين المشاهير .
وفي مكان ما بالحديقة وقفت مها بجوار زوجها تتأمل في كل شيء حولها بانبهار و ذهول وهي تقول لمحمود: شايف يا أبو كريم العز والأبهة.
محمود برزانة: قولي ما شاء الله يا أم كريم.
ام كريم بتبرم: اخص عليك يا يا ابو كريم. انت فاكرني بحسد ولا ايه؟ ربنا يزيدهم ويباركلهم. ماهو في الاول وفي الاخر بنتنا هتتمتع في العز دة معاهم .مش هتبقا واحدة منهم؟
محمود: ادعيلها ربنا يسعدها مع جوزها. احنا مش عاوزين أكتر من كدة انشالله حتى تعيش معاه في كوخ وكمان ما تنسيش ان وليد مقرر انه يبدأ حياته بنفسه بعيد عن أخوه.
فقالت مها بامتعاض: يا خوية انا مش عارفة هو بيعمل كدة ليه؟ ماهو المفروض انه بردو ليه في المال دة زي اخوه يعني معقول برضه هيسيب حقه بالشكل دة؟
محمود بايضاح: يا ستي هو مش هيسيب حقه ولا حاجة وكمان الباشمهندس يوسف مش ممكن ياكل حق أخوه اللي هو اصلا أعز انسان على قلبه. بس وليد عاوز يثبت نفسه وشخصيته حاسس ان كل اللي حواليه دة من تعب يوسف وكفاحه ودة حقيقي لان أبوهم الله يرحمه مات وكانو لسة صغيرين والشركة كمان كانت لسة في بدايتها فالباشمهندس يوسف بقا بمساعدة عبدالرءوف الكامل ليه هو اللي وصلها للمكانة اللي هي فيها دلوقت. ووليد بقا عاوز يبدأ من الصفر زي ما اخوه تقريبا عمل عشان كدة حتى في الشركة مصر انه يقبض مرتب عادي زي كل الموظفين.
مها: ربنا يوفقه يا خوية عشان يقدر يسعد البنت ويهنيها.
محمود: يا ام كريم من امتى والسعادة في الفلوس يعني؟ سعادة بنتنا الحقيقية هتكون في حب جوزها ليها ودة اللي انا شايفة في عينيه عشان كدة انا مطمن على حياة.
وفي الناحية الأخرى نجد صديقات حياة تقفن معا جنبا الى جنب يتحدثون بمرح, فقالت هالة وهي تنظر الى الدبلة في يدها اليمنى: وانتي بقا امتى هتتنقلي للايد التانية؟ انا خلاص حسيت اني خللت في الخطوبة دي حتى مريم وحياة اللي اتخطبوا بعدي اتجوزوا قبلي.
نورا: طب ما تقولي لحبيب القلب يشد حيله شوية؟
هالة: لسة ياختي الشقة مش هتخلص الا بعد سنة تقريبا.
فقالت سلمى بغيظ: صحيح الناس دي لا حمد ولا شكرانية. احمدي ربنا يا هبلة انك عرفتي تكلبشي واحد وخلاص. اما الجواز دة بقا ييجي في وقته. الرك والباقي عليا انا والغلبانة دي.
فتصنعت نورا البكاء: اهىء اهىء اهىء. ما تفكرنيش ياختي, و خلينا نحزن في صمت.
ثم نظرت الى سلمى بتآمر: بقولك ايه يا بنت يا سلمى ما تيجي يا ختي ندورلنا على عريسين وسط الناس النضيفة دي.
سلمى: وانتي بقا فاكرة ان الناس النضيفة دي هتبص ليكي يا معفنة انتي؟
نورا بتذمر: انتي كدة يا سلمى دايما بتحبطيني.
سلمى: أحبطك! طب اتفرجي ياختي وانتي ساكتة.
أما عند مسرح العروس نجد البسمة المزيفة القناع الذي يخفي وراءه الكثير من الألام والقلوب الدامية, فكان كل من وليد وحياة في عالم منفصل عن الاخر؛ حياة لا تفكر الا في كيفية العلاقة التي ستكون بينها وبين زوجها والى الحد الذي سيصل اليه انتقامه منها والى متى يمكنها ان ان تتحمل اهاناته وجرحه لها؟ وهل يمكنها أن تأمل بأن الأوضاع بينهما ستتحسن في أحد الأيام؟ أو في حالة استحالة ذلك هل سيطلق سراحها أم انه سيظل يتلذذ بتعذيبها وإيلامها إلى مالا نهاية؟
وبجوارها يجلس وليد, وخلف تلك الابتسامة الجامدة يمكننا أن نرى الصراع المحتد بداخله, فمن ناحية عقله يصر على إن يكمل خطته التي بدأ بتنفيذها بالفعل مهما كان الألم الناتج عن ذلك, ومن ناحية أخرى فقلبه يتعذب كلما رآها تتألم و عندما يرى دموعها التي تنهمر كالشلال من بين جفونها يشعر بأنها كالسكين البارد الذي يمزق فؤاده قطعا صغيرة دون رحمة. ولكن لا مفر من ذلك.
جاء أعمام وليد لتهنئته, حسين ثم سليمان الى أن جاء دور هادية وكانت ابنتها هدى تقف بجوارها ونظراتها تقيم مريم باحتقار لا يخفى على أحد, اما هادية فكانت أبرع من ابنتها في التمثيل, حيث استطاعت أن ترسم ابتسامة كبيرة على وجهها وهي تصافح وليد الذي كان قد وقف احتراما وتقدير لأعمامه: ألف مبروك يا ولدي, وربنا يسعدك ويهنيك, ويرزجك بالخلف الصالح ان شاء الله.
يمكننا ان نقول أن وليد قد خُدع أيضا بتلك الابتسامة المزيفة, فأجابها وقد شعت الفرحة من عينيه: الله يبارك فيكي يا عمتي, وعقبال هدى.
وكانت هدى أسرع من أمها في الرد باقتضاب: لا. انا هكمل تعليمي الاول.
وليد: اكيد طبعا ربنا يوفقك.
ثم تقدمت هادية من حياة وهي تبذل جهدا كبيرا لضبط أعصابها, فصافحتها وهي تقول بتأني وتشدد على كل كلمة تتفوه بها: مبروك يا عروسة.
تجاهلت حياة اللهجة الساخرة التي تحدثت بها هادية, وردت بابتسامة مهذبة: الله يبارك في حضرتك.
وفور ابتعادهما, نظرت حياة إلى وليد لأول مرة منذ أن وصلا الى الفيلا لتقول بلهجة طبيعية وتلقائية: عمتك مش بتحبني ولا كمان بنتها. وطبعا ليهم حق.
وليد: مش فاهم.
حياة: انا عرفت انك كنت المفروض تتجوز هدى, عمتك قالتلي دة في فرح مريم ويوسف, وطبعا انا في نظرها دلوقت واحدة خطفت عريس بنتها.
ثم سألته فجأة, وكأنها تذكرت أمر هام: هو انت صحيح ليه ما اتجوزتهاش؟
فابتسم وليد وامتلأت عيناه بنظرات استطاع ان يجعلها مليئة برغبة جامحة تلتهمها التهاما: لاني زي ما قلتلك قبل كدة. انا عاوزك انتي. وبصراحة انا مش من نوع الرجالة اللي ممكن يتجوزوا اتنين لارضاء رغباتهم, انا ست واحدة بس تكفيني. وانتي الست دي.
أخجلها رده الصريح, بل الوقح وهذا أقل وصف استطاعت أن تجده حياة مناسبا لكلامه, فقررت أن تعود لصمتها من جديد فيبدو أن هذا هو الدرع الوحيد الذي سيجنبها اهاناته المتكررة.
ونعود مرة اخرى الى محمود و مها التي قالت باستياء: شايف يا ابو محمود. شايف عيلة سليم جايين يباركو لابنهم ازاي؟ يعني حتى الزعل اللي بينهم ما قدرش يمنعهم انهم يقفوا جنب ابنهم في ليلة زي دي. اما احنا فحسرة علينا مفيش حد من عيلة العروسة غيرنا احنا. واهلك مفيش حد منهم رضي يعبرنا.
محمود محاولا اخفاء حزنه بقدر استطاعته: خلاص بقا يا ام كريم, واللي حصل حصل.
مها: بس انا صعبان عليا اوي البنت شايف فرحتها ناقصة ازاي؟ كأنها يا عيني حاسة ان هي السبب في اللي بيحصل دة. عشان كدة تلاقيها بتتقهر جواها.
محمود بانفعال بسيط: ان شاء الله كل حاجة تتحل قريب. وكل اللي حصل دة يتنسي وترجع المية لمجاريها. المهم دلوقت سعادة بنتنا وليلتها اللي بندعي ربنا انها تتم على خير.
مها: يارب يا خوية يارب.
وفجأة التفتت مها الى البوابة الرئيسية, فهتفت وهي توجه زوجها الى حيث تنظر: بص, بص يا ابو كريم مين جه دلوقت؟
فتطلع محمود الى حيث اشارت, وكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة له حيث رأى أخاه منصور وبرفقته ابنه علاء وبعض رجال العائلة منهم من يرتدي الزي القاهري من قميص وبنطلون وأغلبهم يرتدي الزي الصعيدي المعروف من الجلباب والعباءة والعمة. وكأن الحياة عادت له من جديد حيث ظهرت السعادة على ملامحه وهو يقول لزوجته: مش قولتلك يا ام كريم؟ كل هيتنسي في أقرب وقت.
ثم ذهب لاستقبال رجال العائلة بخطى سريعة الى أن اقترب منهم وهو يفتح يديه على مصراعيهما لاحتضان أخيه الذي استسلم لعناقه دون أي استجابة من ناحيته: اهلا اهلا يا خوي. انا كنت خابر بردك انك مش ممكن تسيب أخوك لصغير في ظرف زي دة, ايوة طبعا امال ايه, ماهي حياة بردك بتكم ويهمكم سعادتها ولازم تفرحولها اكتر مني كمان. تعالى يا خوي وانتو يا رجالة باركوا لبتكم و جوزها.
تعقبه الرجال في صمت ينذر بالشر, ولكن جعلته فرحته العارمة يغفل عن ذلك. فاتجه بهم الى حيث يجلس وليد وحياة, فوقف وليد لتحية الضيوف بابتسامته الالية التي ارتسمت على وجهه فور رؤيتهم. وقام محمود بدوره في تعريف كل منهما للأخر مبتدءا بوليد: الباشمهندس وليد عريس بنتي.
ثم أشار بيده الى منصور وهو يكمل: ودة منصور أخوي الكبير وعم حياة.
فمد وليد يده ناحية منصور بغرض مصافحته وهو يقول بكل تهذيب: اهلا اهلا يا عمي. شرفتنا.
فتجاهل منصور اليد الممدودة اليه وهو يرد ببرود قاتل يخفي وراءه غضب جامح: وانت فضحتنا يا ياشمهندس.
اصابت الدهشة كل من محمود ووليد وكذلك حياة, وكان وليد هو أول من استطاع الرد: فضحتكم؟! يعني ايه؟ مش فاهم.
وبدا محمود منفعلا وهو يسأل بصوت متقطع من فرط الدهشة: ايه الكلام الي انت بتجوله دة يا منصور؟
منصور: اسأل الباشمهندس ولا اسأل بتك.
وليد وهو يحاول الا يفقد اعصابه: يسألنا عن ايه؟
منصور بعينين تقدحان الشرر: يسألكم ع السبب اللي يخلي بته تسيب ولد عمها وتتجوز غيره. وعن السبب اللي يخليكم تعجلوا بجوازكم, لا وكمان تعملوه اهنا بعيد عن البلد, خايفين من ايه يا باشمهندس؟ خايفين لسركم ينكشف؟
بدأ محمود بالفعل يفقد أعصابه: منصور! ما تجولنا جصدك ايه عاد من غير لف ودوران؟
فأشار منصور اللي ابنه الذي يقف بجواره: جولهم يا علاء يا ولدي, الناس في البلد كلاتها بتجول ايه عن بت عمك وولد سليم؟ جولهم انهم بيجولوا ان بتنا غلطت مع ولد سليم وعشان اكدة عجلوا بجوازهم عشان يتجنبوا الفضيحة.
وصل محمود الى قمة غضبه لدرجه انه أمسك أخيه من كتفيه وهزه بعنف وهو يصرخ في وجهه: جطع لسان اللي يجيب سيرة بتي بحاجة عفشة. حتى لو كنت انت يا ولد ابوي.
وهنا تحدث علاء بنبرة حاقدة وعدوانية: خلاص يا عمي. تعالى اجطع لسان كل الناس اللي في البلد حدانا, يمكن تجدر تخرسهم.
فقال محمود بحدة وثقة تامة: ايوة هخرسهم كلاتهم, وهثبتلهم ان بتي, بت محمود البدري أشرف من بت أي حد منيهم.
علاء ساخرا: يعني هتعمل ايه مثلا يا عمي؟
فنظر محمود بعيون جامدة الى وليد: معلش يا وليد يا ولدي, احنا لازم نأجل الفرح و نعمل الدخلة في البلد عندنا.
شعر وليد بالخوف الذي استولى على حياة حتى دون أن ينظر اليها, ولكنه لم يجد أمامه ما يستطيع أن يطمئنها به, فقرر أن يخوض التحدي وهو على علم مسبق بخسارته, ولكنه لم ييأس من المحاولة: ايه الكلام اللي انت بتقوله دة يا عمي؟ احنا خلاص عملنا الفرح هنا واللي كان كان, وحياة بقت مراتي ومحدش ليه عندنا اي حاجة.
محمود: لا يا بني دة شرف بنتي. وانا لازم اردلها كرامتها أدام كل البلد.
منصور: يبجا تسافروا الليلة معانا, والدخلة تتعمل بكرة.
وليد محتجا بقوة: وانا مش موافق, وهاخد مراتي دلوقت ونروح على شقتنا.
وأمسك بيد حياة وساعدها على النهوض ولكن قبل ان يتحركا, اعترض علاء طريقهما وبصحبته رجلان أخران ذات أجسام ممتلئة وكل منهما يمسك بيده عصا ضخمة, وهو يقول ببغض و تهديد صريح: مش بالبساطة دي يا باشمهندس, دة كلام رجالة ولازم يتنفذ, واللي اتفجنا عليه هيحصل, دة شرف ولازم يتصان.
فتسمر وليد في مكانه وهو يشعر بأصابع حياة تكاد تنغرس في ذراعه من شدة خوفها وقلقها مما يمكن أن يحدث. اما هو فحاول ان يركز تفكيره في هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه باحثا عن أي تسوية مرضية يمكن ان تخرجه من تلك الورطة بأقل الخسائر.
وعلى مقربة منهما نجد ابتسامة هادية الكريهة تعلو وجهها وهي تقول لابنتها التي كانت تراقب الموقف بصمت: شفتي بجا مش جولتلك ان الفرح راح يتجلب جنازة؟
هدى باستخفاف: وايه يعني؟ ماهم برديك هيعملوا الدخلة في البلد ويكتشفوا انها بت بنوت, وكأنك يا ابو زيد ما غزيت.
هادية بنظرة خبيثة: يبجا ما انتيش شايفة خضة ولد خالك هو وعروسته اول ما عرفوا انهم هيسافروا البلد وكنهم خايفين ليتكشف سترهم.
هدى بدهشة وعدم تصديق: جصدك انهم..........
فوضعت هادية اصبعها على فمها وهي تقول لابنتها بهمس: هسسس, ما تكمليش لحد يوعالنا وخلينا نتفرج من بعيد.
وفي مكان بعيد نسبيا عن كل المدعوين الذين يراقبون ما يحدث في صمت , وقفت هالة ونورا تنظران الى سلمى التي كانت تضغط بعض الازرار في هاتفها الجوال بيد مرتعشة, وهما يستحثانها على الاسراع, فقالت نورا باستنكار: معقول اللي بيحصل دة, مش العادات دي المفروض انها خلصت من زمان.
هالة: خلصت عندنا احنا بس وكمان مش في كل المناطق, اما الصعيد بقا فمتمسكين بيها الى أقصى حد, ما تيللا يا سالمى بقا.
سلمى بحنق: بيديني غير متاح شكل الشبكة مش حلوة.
هالة: حاولي مرة واتنين وتلاتة, بسرعة قبل ما تحصل كارثة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم بجوار يوسف في سيارته في الكرسي الأمامي, حيث كان الكرسي الخلفي يحتله كل من عبدالرءوف الكامل وابنته وردة التي كانت تمسك بيد أبيها اليمنى وهي تقبلها بحنان: ألف حمدالله على سلامتك يا بابا. معقول تكون وصلت البلد من أكتر من اسبوعين وانا معرفش غير النهاردة؟
فربت عبدالرءوف على كتفها برقة واشفاق: معلش يا بنتي, للظروف أحكام.
وردة: أحكام دي ايه بس اللي تبعدني عنك بالشكل دة؟ بس اللوم مش عليك, اللوم والحق على يوسف ومريم, كان لازم يبلغوني اول ما وصلت بالسلامة.
عبدالرءوف: لا يا بنتي, هما ما لهومش ذنب, جوزك وعمايله هما السبب, كان مانع اي حد من انه يتصل بيكي. فأول ما يوسف عرف انه مسافر رتب كل حاجة عشان يجيبك المستشفى.
وردة: طب و كمال يعمل كدة ليه؟
عبدالرءوف: هييجي الوقت وتعرفي كل حاجة, عشان ساعتها ما تلومنيش على اللي هعمله فيه.
وردة وهي تقبل يده مرة اخرى برجاء: ابوس ايدك يا بابا, ابوس ايدك. لو كان كمال غلط في اي حاجة يبقا بلاش تاخد ابني بذنبه.
فمسح عبدالرءوف على رأسها بحنان: ربنا يقدم اللي فيه الخير يا بنتي.
فأدارت مريم وجهها اليهما وهي تسأل جدها بعتاب رقيق: بس انت يا جدو كان لازم تقولي بميعاد خروجك من المستشفى عشان كنت أبقا معاك من اول اليوم.
فظهرت ابتسامة رقيقة على محياه وهو يقول: فكرت انا ويوسف اننا نعملهالك مفاجأة.
مريم بسعادة: أجمل مفاجأة بالدنيا يا جدو, ربنا يخليك لينا وما يحرمنا منك ابدا.
عبدالرءوف: ولا يحرمني انا كمان منكم.
ثم سمعت مريم صوت جرس هاتفها الضعيف يتصاعد من حقيبتها, ففتحت الحقيبة وأخرجت الهاتف وما ان رأت اسم المتصل زادت ابتسامتها وهي تقول ليوسف: شكلنا كدة اتأخرنا, وصاحباتي بيرنوا عليا.
يوسف: طب ردي على صاحبتك وقوليلها ان كلها ربع ساعة ونكون عندهم.
ففتحت مريم المكالمة وهي تقول مازحة: السلام عليكم, ايه يا سلمى يا رخمة؟ انتو دايما كدة لايصين من غيري؟
ثم تجهم وجهها وهي تقول بانزعاج وقلق: ايه؟ بتقولي ايه؟......طب يا بنتي اهدي شوية وفهميني بالراحة..........يوووووووه ما تهدي بقا. مش فاهمة منك حاجة.
فنظر اليها يوسف بقلق: فيه ايه؟
مريم وهي لا تزال تضع الهاتف على اذنها: مش عارفة, مش قادرة افهم منها حاجة, كل اللي سمعته انهم عاوزين ياخدوا حياة ووليد...........
وفور سماع اسم أخيه تبدلت ملامحه من الارتياح الى القلق والانزعاج ومد يده الى مريم آمرا: هاتي الموبايل.
فأطاعته مريم على الفور دون نقاش وبدأ هو يتحدث عبر الهاتف: ايوة يا انسة سلمى, ياريت بالراحة كدة وفهميني ايه اللي بيحصل عندك بالظبط؟
ثم أخذ يستمع اليها بصمت ووجهه لا ينم عن أي تعبير حقيقي يكشف ما بداخله, الى ان قال أخيرا بلهجة متزنة: طب خلاص, انا كدة فهمت, اوك كلها ربع ساعة ونبقا عندكم ان شاء الله, مع السلامة.
وبعد ان أنهى المكالمة بدأ يضغط بعض أزرار الهاتف لاجراء مكالمة أخرى فسألته مريم في قلق: فيه ايه يا يوسف.
يوسف بهدوء: ثواني لو سمحتي يا مريم.
ثم وضع الهاتف على أذنه في انتظار ردا من الجانب الأخر, وبعد لحظات قليلة بدأ يتحدث: ايوة يا مدحت انا يوسف جلال. بقولك عندك كام جارد فري في الشركة؟.............طب تمام, ياريت تبعتهملي كلهم ع الفيلا خلال ربع ساعة,............هقولك بعدين يا سيدي..........لا انا برة بس عاوز اوصل الفيلا الاقيهم هناك........تمام اوي........مع السلامة.
شعرت مريم بأن هناك أمر خطير فكررت سؤالها: هو فيه ايه يا يوسف؟
يوسف دون أن يفقد هدوئه: خير ان شاء الله.
لم تطمئن مريم للهجته وكانت تشعر بداخلها أن الأمر ليس هين كما يحاول يوسف تصويره لها, كما ان قلبها كان يحدثها بأن صديقتها في خطر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ونعود مرة أخرى لنجد أن الوضع تأزم كثيرا, وتعالت الأصوات, ومن بينهم صوت منصور: ماهو بمزاجكم أو غصب عنيكم اللي اتفجنا عليه هو اللي هيحصل برضاك او من غيره.
وليد بغضب وكانت حياة لا تزال تتشبث بذراعه: ازاي يعني؟ هي سايبة؟ اللي هيقرب من مراتي مش هيكفيني فيه عمره.
علاء بتحدي: اكدة؟ طب يا ولد سليم احنا هناخدها ودلوجيت , وأعلى ما في خيلك اركبه.
وتقدم علاء منهما ينوي الشر ولكن قبل أن يصل اليهما سمع الجميع صوت طلقة نارية ينبعث من الخلف. فجمد كل في مكانه , ثم ظهر يوسف وهو يشق الصفوف وصولا اليهم وفي يده سلاح صغير, وعندما وصل اليهم سألهم بنظرة ثابتة: ممكن حد يفهمني ايه اللي بيحصل هنا بالظبط ؟
وكان علاء هو الذي تولى الرد عليه بصوت حانق: احنا هناخد حياة وجوزها ونتم فرحهم في البلد عندينا.
نظر اليه يوسف باحتقار: انا بكلم الرجالة مش العيال.
فاحمر وجه علاء غضبا وهو يستعد للانقضاض على يوسف: انت بتجول ايه؟ انت مش عارف بتكلم مين؟
فتجاهل يوسف كلامه ونظر الى منصور يسأله: فيه ايه يا حج منصور؟
منصور: فيه ان بجا راسنا في الطين خلاص يا باشمهندس, ومش هنعرف نرفع راسنا جدام الناس غير لما الباشمهندس وليد ينفذ طلبنا.
فألقى يوسف نظرة سريعة الى وليد فرأى في عينيه نظرات الاعتراض. فعلم أن الأمر خطير بالفعل, ففكر سريعا ثم قال للجميع: طيب ممكن لو سمحتوا ندخل جوة عشان نتكلم براحتنا.
علاء بانفعال: مفيش كلام غير عندينا في البلد يا باشمهندس.
وأكد منصور على كلام ابنه: ولدي عنديه حج. نسافر لاول ونتفاهم هناك في بلدنا.
يوسف بحزم: مادام كدة بقا؟ يبقا معلش, لا انا ولا أخوية ولا مراته هنتحرك من هنا خطوة واحدة.
علاء: هية بالعافية اياك؟
يوسف: سميها زي ما تسميها.
فأمر علاء باقي الرجال: بجا اكدة؟ طب ياللا يا رجالة هاتوهم وياللابينا نعاود ع البلد.
وقبل ان يتحرك أحد من مكانه تعالت صوت طلقات النيران من كل جانب, فاتجهت الانظار لمصدر الصوت ليجدوا مجموعة من الحراس ذات الأجسام الضخمة وكل منهم يمسك سلاحا ناريا بيده ويحيطون بكل الموجودين, فنظر يوسف الى علاء ومنصور بابتسامة ساخرة وهو يقول بلهجة تهديد مبطن: انا بقول نتفاهم هنا الاول وبعدين يبقا نشوف هنعمل ايه
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلس يوسف مع محمود في حجرة الصالون برفقة منصور و علاء وبعض الرجال الاخرين , وكان الجدال قد احتد كثيرا, فقال يوسف ولم يتخل عن هدوئه بعد: مين اللي طلع الاشاعة دي؟
علاء بانفعال: هو دة كل اللي هامك يا باشمهندس؟ ومش همك كل اللي اتجال؟
يوسف مؤنبا: ودة كان المفروض هو اللي يهمكم بردو باعتبار ان حياة بنتكم وانتو اولى الناس للدفاع عنها وعن سمعتها. واي حد يقول كلمة في حقها كان لازم تقطعوله لسانه وما تسمحوش ان الكلام دة يوصل لغيره.
منصور: وادي الكلام وصل للبلد كلاتها والحل الوحيد دلوجيت انهم ييجوا معانا والدخلة تتم في البلد عشان تتجطع كل الالسنة من نفسيها.و الا بعد اكدة سيرتها هتكون لبانة في وسط الخلج من كبيرهم لصغيرهم. جولت ايه يا باشمهندس؟
فقال يوسف بجدية وصرامة: طيب اسمعوا أخر الكلام اللي عندي بقا.الفرح خلاص هيتم هنا زي ما اتفقنا من الاول و من اللحظة اللي فيها وليد كتب كتابه على حياة وهي خلاص بقت مراته يعني بقت واحدة مننا, من عيلة سليم واللي هيقول كلمة واحدة في حقها كأنه اتعدى عليا أنا شخصيا وساعتها بقا مش هيكفيني دمه هو لوحده, لا دة هيبقا بحر دم هيغرق هو وكل عيلته فيه.
ثم جال بعينيه في وجوه جميع الحاضرين ليرى تأثير كلماته عليهم, وبعدها استأنف حديثه بنظرة محذرة: فيه حد عنده كلمة تاني عاوز يقولها؟
وعندما لم يتلق ردا من أحد, نهض قائلا وهو يهم بالرحيل: طب عن اذنكم بقا لان ورايا معازيم معرفتش ارحب بيهم كويس, وطبعا لو حابين تحضروا معانا الفرح فدة أكيد شيء يشرفنا. ياللا بينا يا استاذ محمود عشان تحضر زفة بنتك.
ثم تركهم وخلفه محمود وهم ينظرون بعضهم لبعض في ذهول وقد ألجمتهم كلماته.
فور خروجهما توجهت اليهما كل من مها و مريم وقد أسرعت مها بالسؤال: خير يا جماعة؟ وصلتوا لايه؟
يوسف: اطمني حضرتك, كل شيء خلاص انتهى وياريت تخليكي مع بنتك تطمنيها.
فنقلت مها نظرها الى محمود في تساؤل فهز لها رأسه موافقا وهو يضع ذراعه حول كتفها: ياللا بينا ام كريم نطمن على بنتنا.
ثم توجها الى مسرح العروس تاركين يوسف ومريم وحدهما ينظران لبعضهما في صمت, وكانت نظرات يوسف محبة وهو يتأملها بشغف, مما جعل خدي مريم تتوردان من الخجل وهي تسأله: انت بتبصلي كدة ليه؟ هو انا فيا حاجة غريبة؟
يوسف بصوت حالم قد اخترق كل دفاعات مريم: انتي جميلة أوي يا مريم.
وقبل أن تقوم مريم بالرد وقد ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيها سمعا الاثنان صوت انثوي ناعم يقول بدلال: أخيرا لقيتك يا يوسف؟ على فكرة بقا انا مخصماك, ازاي يا وحش ما تعزمنيش على فرح أخوك.
وجد الاثنان علياء تقترب منهما بخطوات متمايلة بها بعض الاغراء ثم وضعت يدها في ذراع يوسف بتملك وهي تكمل: بس ولا يهمك, انا قلت انك اكيد نسيت, عشان كدة جيت لوحدي, ماهو البيت بيتي بردو.
وقفت مريم واجمة وقد ماتت الابتسامة على وجهها
وحين يندلع الحب
أقيم حفل الزفاف في حديقة الفيلا كما كان متفق عليه وقد كان بالطبع على قدر كبير من الاستعدادات والفخامة ومسرح العروسين هو أيضا يمتاز رغم بساطته بالجمال والزينة عالية الأناقة والبهاء, كما حضره كبار الشخصيات بالدولة وكبار رجال الأعمال الى جانب أسرة حياة وصديقاتها. ويحيي الحفل بعض الفرق والمطربين المشاهير .
وفي مكان ما بالحديقة وقفت مها بجوار زوجها تتأمل في كل شيء حولها بانبهار و ذهول وهي تقول لمحمود: شايف يا أبو كريم العز والأبهة.
محمود برزانة: قولي ما شاء الله يا أم كريم.
ام كريم بتبرم: اخص عليك يا يا ابو كريم. انت فاكرني بحسد ولا ايه؟ ربنا يزيدهم ويباركلهم. ماهو في الاول وفي الاخر بنتنا هتتمتع في العز دة معاهم .مش هتبقا واحدة منهم؟
محمود: ادعيلها ربنا يسعدها مع جوزها. احنا مش عاوزين أكتر من كدة انشالله حتى تعيش معاه في كوخ وكمان ما تنسيش ان وليد مقرر انه يبدأ حياته بنفسه بعيد عن أخوه.
فقالت مها بامتعاض: يا خوية انا مش عارفة هو بيعمل كدة ليه؟ ماهو المفروض انه بردو ليه في المال دة زي اخوه يعني معقول برضه هيسيب حقه بالشكل دة؟
محمود بايضاح: يا ستي هو مش هيسيب حقه ولا حاجة وكمان الباشمهندس يوسف مش ممكن ياكل حق أخوه اللي هو اصلا أعز انسان على قلبه. بس وليد عاوز يثبت نفسه وشخصيته حاسس ان كل اللي حواليه دة من تعب يوسف وكفاحه ودة حقيقي لان أبوهم الله يرحمه مات وكانو لسة صغيرين والشركة كمان كانت لسة في بدايتها فالباشمهندس يوسف بقا بمساعدة عبدالرءوف الكامل ليه هو اللي وصلها للمكانة اللي هي فيها دلوقت. ووليد بقا عاوز يبدأ من الصفر زي ما اخوه تقريبا عمل عشان كدة حتى في الشركة مصر انه يقبض مرتب عادي زي كل الموظفين.
مها: ربنا يوفقه يا خوية عشان يقدر يسعد البنت ويهنيها.
محمود: يا ام كريم من امتى والسعادة في الفلوس يعني؟ سعادة بنتنا الحقيقية هتكون في حب جوزها ليها ودة اللي انا شايفة في عينيه عشان كدة انا مطمن على حياة.
وفي الناحية الأخرى نجد صديقات حياة تقفن معا جنبا الى جنب يتحدثون بمرح, فقالت هالة وهي تنظر الى الدبلة في يدها اليمنى: وانتي بقا امتى هتتنقلي للايد التانية؟ انا خلاص حسيت اني خللت في الخطوبة دي حتى مريم وحياة اللي اتخطبوا بعدي اتجوزوا قبلي.
نورا: طب ما تقولي لحبيب القلب يشد حيله شوية؟
هالة: لسة ياختي الشقة مش هتخلص الا بعد سنة تقريبا.
فقالت سلمى بغيظ: صحيح الناس دي لا حمد ولا شكرانية. احمدي ربنا يا هبلة انك عرفتي تكلبشي واحد وخلاص. اما الجواز دة بقا ييجي في وقته. الرك والباقي عليا انا والغلبانة دي.
فتصنعت نورا البكاء: اهىء اهىء اهىء. ما تفكرنيش ياختي, و خلينا نحزن في صمت.
ثم نظرت الى سلمى بتآمر: بقولك ايه يا بنت يا سلمى ما تيجي يا ختي ندورلنا على عريسين وسط الناس النضيفة دي.
سلمى: وانتي بقا فاكرة ان الناس النضيفة دي هتبص ليكي يا معفنة انتي؟
نورا بتذمر: انتي كدة يا سلمى دايما بتحبطيني.
سلمى: أحبطك! طب اتفرجي ياختي وانتي ساكتة.
أما عند مسرح العروس نجد البسمة المزيفة القناع الذي يخفي وراءه الكثير من الألام والقلوب الدامية, فكان كل من وليد وحياة في عالم منفصل عن الاخر؛ حياة لا تفكر الا في كيفية العلاقة التي ستكون بينها وبين زوجها والى الحد الذي سيصل اليه انتقامه منها والى متى يمكنها ان ان تتحمل اهاناته وجرحه لها؟ وهل يمكنها أن تأمل بأن الأوضاع بينهما ستتحسن في أحد الأيام؟ أو في حالة استحالة ذلك هل سيطلق سراحها أم انه سيظل يتلذذ بتعذيبها وإيلامها إلى مالا نهاية؟
وبجوارها يجلس وليد, وخلف تلك الابتسامة الجامدة يمكننا أن نرى الصراع المحتد بداخله, فمن ناحية عقله يصر على إن يكمل خطته التي بدأ بتنفيذها بالفعل مهما كان الألم الناتج عن ذلك, ومن ناحية أخرى فقلبه يتعذب كلما رآها تتألم و عندما يرى دموعها التي تنهمر كالشلال من بين جفونها يشعر بأنها كالسكين البارد الذي يمزق فؤاده قطعا صغيرة دون رحمة. ولكن لا مفر من ذلك.
جاء أعمام وليد لتهنئته, حسين ثم سليمان الى أن جاء دور هادية وكانت ابنتها هدى تقف بجوارها ونظراتها تقيم مريم باحتقار لا يخفى على أحد, اما هادية فكانت أبرع من ابنتها في التمثيل, حيث استطاعت أن ترسم ابتسامة كبيرة على وجهها وهي تصافح وليد الذي كان قد وقف احتراما وتقدير لأعمامه: ألف مبروك يا ولدي, وربنا يسعدك ويهنيك, ويرزجك بالخلف الصالح ان شاء الله.
يمكننا ان نقول أن وليد قد خُدع أيضا بتلك الابتسامة المزيفة, فأجابها وقد شعت الفرحة من عينيه: الله يبارك فيكي يا عمتي, وعقبال هدى.
وكانت هدى أسرع من أمها في الرد باقتضاب: لا. انا هكمل تعليمي الاول.
وليد: اكيد طبعا ربنا يوفقك.
ثم تقدمت هادية من حياة وهي تبذل جهدا كبيرا لضبط أعصابها, فصافحتها وهي تقول بتأني وتشدد على كل كلمة تتفوه بها: مبروك يا عروسة.
تجاهلت حياة اللهجة الساخرة التي تحدثت بها هادية, وردت بابتسامة مهذبة: الله يبارك في حضرتك.
وفور ابتعادهما, نظرت حياة إلى وليد لأول مرة منذ أن وصلا الى الفيلا لتقول بلهجة طبيعية وتلقائية: عمتك مش بتحبني ولا كمان بنتها. وطبعا ليهم حق.
وليد: مش فاهم.
حياة: انا عرفت انك كنت المفروض تتجوز هدى, عمتك قالتلي دة في فرح مريم ويوسف, وطبعا انا في نظرها دلوقت واحدة خطفت عريس بنتها.
ثم سألته فجأة, وكأنها تذكرت أمر هام: هو انت صحيح ليه ما اتجوزتهاش؟
فابتسم وليد وامتلأت عيناه بنظرات استطاع ان يجعلها مليئة برغبة جامحة تلتهمها التهاما: لاني زي ما قلتلك قبل كدة. انا عاوزك انتي. وبصراحة انا مش من نوع الرجالة اللي ممكن يتجوزوا اتنين لارضاء رغباتهم, انا ست واحدة بس تكفيني. وانتي الست دي.
أخجلها رده الصريح, بل الوقح وهذا أقل وصف استطاعت أن تجده حياة مناسبا لكلامه, فقررت أن تعود لصمتها من جديد فيبدو أن هذا هو الدرع الوحيد الذي سيجنبها اهاناته المتكررة.
ونعود مرة اخرى الى محمود و مها التي قالت باستياء: شايف يا ابو محمود. شايف عيلة سليم جايين يباركو لابنهم ازاي؟ يعني حتى الزعل اللي بينهم ما قدرش يمنعهم انهم يقفوا جنب ابنهم في ليلة زي دي. اما احنا فحسرة علينا مفيش حد من عيلة العروسة غيرنا احنا. واهلك مفيش حد منهم رضي يعبرنا.
محمود محاولا اخفاء حزنه بقدر استطاعته: خلاص بقا يا ام كريم, واللي حصل حصل.
مها: بس انا صعبان عليا اوي البنت شايف فرحتها ناقصة ازاي؟ كأنها يا عيني حاسة ان هي السبب في اللي بيحصل دة. عشان كدة تلاقيها بتتقهر جواها.
محمود بانفعال بسيط: ان شاء الله كل حاجة تتحل قريب. وكل اللي حصل دة يتنسي وترجع المية لمجاريها. المهم دلوقت سعادة بنتنا وليلتها اللي بندعي ربنا انها تتم على خير.
مها: يارب يا خوية يارب.
وفجأة التفتت مها الى البوابة الرئيسية, فهتفت وهي توجه زوجها الى حيث تنظر: بص, بص يا ابو كريم مين جه دلوقت؟
فتطلع محمود الى حيث اشارت, وكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة له حيث رأى أخاه منصور وبرفقته ابنه علاء وبعض رجال العائلة منهم من يرتدي الزي القاهري من قميص وبنطلون وأغلبهم يرتدي الزي الصعيدي المعروف من الجلباب والعباءة والعمة. وكأن الحياة عادت له من جديد حيث ظهرت السعادة على ملامحه وهو يقول لزوجته: مش قولتلك يا ام كريم؟ كل هيتنسي في أقرب وقت.
ثم ذهب لاستقبال رجال العائلة بخطى سريعة الى أن اقترب منهم وهو يفتح يديه على مصراعيهما لاحتضان أخيه الذي استسلم لعناقه دون أي استجابة من ناحيته: اهلا اهلا يا خوي. انا كنت خابر بردك انك مش ممكن تسيب أخوك لصغير في ظرف زي دة, ايوة طبعا امال ايه, ماهي حياة بردك بتكم ويهمكم سعادتها ولازم تفرحولها اكتر مني كمان. تعالى يا خوي وانتو يا رجالة باركوا لبتكم و جوزها.
تعقبه الرجال في صمت ينذر بالشر, ولكن جعلته فرحته العارمة يغفل عن ذلك. فاتجه بهم الى حيث يجلس وليد وحياة, فوقف وليد لتحية الضيوف بابتسامته الالية التي ارتسمت على وجهه فور رؤيتهم. وقام محمود بدوره في تعريف كل منهما للأخر مبتدءا بوليد: الباشمهندس وليد عريس بنتي.
ثم أشار بيده الى منصور وهو يكمل: ودة منصور أخوي الكبير وعم حياة.
فمد وليد يده ناحية منصور بغرض مصافحته وهو يقول بكل تهذيب: اهلا اهلا يا عمي. شرفتنا.
فتجاهل منصور اليد الممدودة اليه وهو يرد ببرود قاتل يخفي وراءه غضب جامح: وانت فضحتنا يا ياشمهندس.
اصابت الدهشة كل من محمود ووليد وكذلك حياة, وكان وليد هو أول من استطاع الرد: فضحتكم؟! يعني ايه؟ مش فاهم.
وبدا محمود منفعلا وهو يسأل بصوت متقطع من فرط الدهشة: ايه الكلام الي انت بتجوله دة يا منصور؟
منصور: اسأل الباشمهندس ولا اسأل بتك.
وليد وهو يحاول الا يفقد اعصابه: يسألنا عن ايه؟
منصور بعينين تقدحان الشرر: يسألكم ع السبب اللي يخلي بته تسيب ولد عمها وتتجوز غيره. وعن السبب اللي يخليكم تعجلوا بجوازكم, لا وكمان تعملوه اهنا بعيد عن البلد, خايفين من ايه يا باشمهندس؟ خايفين لسركم ينكشف؟
بدأ محمود بالفعل يفقد أعصابه: منصور! ما تجولنا جصدك ايه عاد من غير لف ودوران؟
فأشار منصور اللي ابنه الذي يقف بجواره: جولهم يا علاء يا ولدي, الناس في البلد كلاتها بتجول ايه عن بت عمك وولد سليم؟ جولهم انهم بيجولوا ان بتنا غلطت مع ولد سليم وعشان اكدة عجلوا بجوازهم عشان يتجنبوا الفضيحة.
وصل محمود الى قمة غضبه لدرجه انه أمسك أخيه من كتفيه وهزه بعنف وهو يصرخ في وجهه: جطع لسان اللي يجيب سيرة بتي بحاجة عفشة. حتى لو كنت انت يا ولد ابوي.
وهنا تحدث علاء بنبرة حاقدة وعدوانية: خلاص يا عمي. تعالى اجطع لسان كل الناس اللي في البلد حدانا, يمكن تجدر تخرسهم.
فقال محمود بحدة وثقة تامة: ايوة هخرسهم كلاتهم, وهثبتلهم ان بتي, بت محمود البدري أشرف من بت أي حد منيهم.
علاء ساخرا: يعني هتعمل ايه مثلا يا عمي؟
فنظر محمود بعيون جامدة الى وليد: معلش يا وليد يا ولدي, احنا لازم نأجل الفرح و نعمل الدخلة في البلد عندنا.
شعر وليد بالخوف الذي استولى على حياة حتى دون أن ينظر اليها, ولكنه لم يجد أمامه ما يستطيع أن يطمئنها به, فقرر أن يخوض التحدي وهو على علم مسبق بخسارته, ولكنه لم ييأس من المحاولة: ايه الكلام اللي انت بتقوله دة يا عمي؟ احنا خلاص عملنا الفرح هنا واللي كان كان, وحياة بقت مراتي ومحدش ليه عندنا اي حاجة.
محمود: لا يا بني دة شرف بنتي. وانا لازم اردلها كرامتها أدام كل البلد.
منصور: يبجا تسافروا الليلة معانا, والدخلة تتعمل بكرة.
وليد محتجا بقوة: وانا مش موافق, وهاخد مراتي دلوقت ونروح على شقتنا.
وأمسك بيد حياة وساعدها على النهوض ولكن قبل ان يتحركا, اعترض علاء طريقهما وبصحبته رجلان أخران ذات أجسام ممتلئة وكل منهما يمسك بيده عصا ضخمة, وهو يقول ببغض و تهديد صريح: مش بالبساطة دي يا باشمهندس, دة كلام رجالة ولازم يتنفذ, واللي اتفجنا عليه هيحصل, دة شرف ولازم يتصان.
فتسمر وليد في مكانه وهو يشعر بأصابع حياة تكاد تنغرس في ذراعه من شدة خوفها وقلقها مما يمكن أن يحدث. اما هو فحاول ان يركز تفكيره في هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه باحثا عن أي تسوية مرضية يمكن ان تخرجه من تلك الورطة بأقل الخسائر.
وعلى مقربة منهما نجد ابتسامة هادية الكريهة تعلو وجهها وهي تقول لابنتها التي كانت تراقب الموقف بصمت: شفتي بجا مش جولتلك ان الفرح راح يتجلب جنازة؟
هدى باستخفاف: وايه يعني؟ ماهم برديك هيعملوا الدخلة في البلد ويكتشفوا انها بت بنوت, وكأنك يا ابو زيد ما غزيت.
هادية بنظرة خبيثة: يبجا ما انتيش شايفة خضة ولد خالك هو وعروسته اول ما عرفوا انهم هيسافروا البلد وكنهم خايفين ليتكشف سترهم.
هدى بدهشة وعدم تصديق: جصدك انهم..........
فوضعت هادية اصبعها على فمها وهي تقول لابنتها بهمس: هسسس, ما تكمليش لحد يوعالنا وخلينا نتفرج من بعيد.
وفي مكان بعيد نسبيا عن كل المدعوين الذين يراقبون ما يحدث في صمت , وقفت هالة ونورا تنظران الى سلمى التي كانت تضغط بعض الازرار في هاتفها الجوال بيد مرتعشة, وهما يستحثانها على الاسراع, فقالت نورا باستنكار: معقول اللي بيحصل دة, مش العادات دي المفروض انها خلصت من زمان.
هالة: خلصت عندنا احنا بس وكمان مش في كل المناطق, اما الصعيد بقا فمتمسكين بيها الى أقصى حد, ما تيللا يا سالمى بقا.
سلمى بحنق: بيديني غير متاح شكل الشبكة مش حلوة.
هالة: حاولي مرة واتنين وتلاتة, بسرعة قبل ما تحصل كارثة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست مريم بجوار يوسف في سيارته في الكرسي الأمامي, حيث كان الكرسي الخلفي يحتله كل من عبدالرءوف الكامل وابنته وردة التي كانت تمسك بيد أبيها اليمنى وهي تقبلها بحنان: ألف حمدالله على سلامتك يا بابا. معقول تكون وصلت البلد من أكتر من اسبوعين وانا معرفش غير النهاردة؟
فربت عبدالرءوف على كتفها برقة واشفاق: معلش يا بنتي, للظروف أحكام.
وردة: أحكام دي ايه بس اللي تبعدني عنك بالشكل دة؟ بس اللوم مش عليك, اللوم والحق على يوسف ومريم, كان لازم يبلغوني اول ما وصلت بالسلامة.
عبدالرءوف: لا يا بنتي, هما ما لهومش ذنب, جوزك وعمايله هما السبب, كان مانع اي حد من انه يتصل بيكي. فأول ما يوسف عرف انه مسافر رتب كل حاجة عشان يجيبك المستشفى.
وردة: طب و كمال يعمل كدة ليه؟
عبدالرءوف: هييجي الوقت وتعرفي كل حاجة, عشان ساعتها ما تلومنيش على اللي هعمله فيه.
وردة وهي تقبل يده مرة اخرى برجاء: ابوس ايدك يا بابا, ابوس ايدك. لو كان كمال غلط في اي حاجة يبقا بلاش تاخد ابني بذنبه.
فمسح عبدالرءوف على رأسها بحنان: ربنا يقدم اللي فيه الخير يا بنتي.
فأدارت مريم وجهها اليهما وهي تسأل جدها بعتاب رقيق: بس انت يا جدو كان لازم تقولي بميعاد خروجك من المستشفى عشان كنت أبقا معاك من اول اليوم.
فظهرت ابتسامة رقيقة على محياه وهو يقول: فكرت انا ويوسف اننا نعملهالك مفاجأة.
مريم بسعادة: أجمل مفاجأة بالدنيا يا جدو, ربنا يخليك لينا وما يحرمنا منك ابدا.
عبدالرءوف: ولا يحرمني انا كمان منكم.
ثم سمعت مريم صوت جرس هاتفها الضعيف يتصاعد من حقيبتها, ففتحت الحقيبة وأخرجت الهاتف وما ان رأت اسم المتصل زادت ابتسامتها وهي تقول ليوسف: شكلنا كدة اتأخرنا, وصاحباتي بيرنوا عليا.
يوسف: طب ردي على صاحبتك وقوليلها ان كلها ربع ساعة ونكون عندهم.
ففتحت مريم المكالمة وهي تقول مازحة: السلام عليكم, ايه يا سلمى يا رخمة؟ انتو دايما كدة لايصين من غيري؟
ثم تجهم وجهها وهي تقول بانزعاج وقلق: ايه؟ بتقولي ايه؟......طب يا بنتي اهدي شوية وفهميني بالراحة..........يوووووووه ما تهدي بقا. مش فاهمة منك حاجة.
فنظر اليها يوسف بقلق: فيه ايه؟
مريم وهي لا تزال تضع الهاتف على اذنها: مش عارفة, مش قادرة افهم منها حاجة, كل اللي سمعته انهم عاوزين ياخدوا حياة ووليد...........
وفور سماع اسم أخيه تبدلت ملامحه من الارتياح الى القلق والانزعاج ومد يده الى مريم آمرا: هاتي الموبايل.
فأطاعته مريم على الفور دون نقاش وبدأ هو يتحدث عبر الهاتف: ايوة يا انسة سلمى, ياريت بالراحة كدة وفهميني ايه اللي بيحصل عندك بالظبط؟
ثم أخذ يستمع اليها بصمت ووجهه لا ينم عن أي تعبير حقيقي يكشف ما بداخله, الى ان قال أخيرا بلهجة متزنة: طب خلاص, انا كدة فهمت, اوك كلها ربع ساعة ونبقا عندكم ان شاء الله, مع السلامة.
وبعد ان أنهى المكالمة بدأ يضغط بعض أزرار الهاتف لاجراء مكالمة أخرى فسألته مريم في قلق: فيه ايه يا يوسف.
يوسف بهدوء: ثواني لو سمحتي يا مريم.
ثم وضع الهاتف على أذنه في انتظار ردا من الجانب الأخر, وبعد لحظات قليلة بدأ يتحدث: ايوة يا مدحت انا يوسف جلال. بقولك عندك كام جارد فري في الشركة؟.............طب تمام, ياريت تبعتهملي كلهم ع الفيلا خلال ربع ساعة,............هقولك بعدين يا سيدي..........لا انا برة بس عاوز اوصل الفيلا الاقيهم هناك........تمام اوي........مع السلامة.
شعرت مريم بأن هناك أمر خطير فكررت سؤالها: هو فيه ايه يا يوسف؟
يوسف دون أن يفقد هدوئه: خير ان شاء الله.
لم تطمئن مريم للهجته وكانت تشعر بداخلها أن الأمر ليس هين كما يحاول يوسف تصويره لها, كما ان قلبها كان يحدثها بأن صديقتها في خطر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ونعود مرة أخرى لنجد أن الوضع تأزم كثيرا, وتعالت الأصوات, ومن بينهم صوت منصور: ماهو بمزاجكم أو غصب عنيكم اللي اتفجنا عليه هو اللي هيحصل برضاك او من غيره.
وليد بغضب وكانت حياة لا تزال تتشبث بذراعه: ازاي يعني؟ هي سايبة؟ اللي هيقرب من مراتي مش هيكفيني فيه عمره.
علاء بتحدي: اكدة؟ طب يا ولد سليم احنا هناخدها ودلوجيت , وأعلى ما في خيلك اركبه.
وتقدم علاء منهما ينوي الشر ولكن قبل أن يصل اليهما سمع الجميع صوت طلقة نارية ينبعث من الخلف. فجمد كل في مكانه , ثم ظهر يوسف وهو يشق الصفوف وصولا اليهم وفي يده سلاح صغير, وعندما وصل اليهم سألهم بنظرة ثابتة: ممكن حد يفهمني ايه اللي بيحصل هنا بالظبط ؟
وكان علاء هو الذي تولى الرد عليه بصوت حانق: احنا هناخد حياة وجوزها ونتم فرحهم في البلد عندينا.
نظر اليه يوسف باحتقار: انا بكلم الرجالة مش العيال.
فاحمر وجه علاء غضبا وهو يستعد للانقضاض على يوسف: انت بتجول ايه؟ انت مش عارف بتكلم مين؟
فتجاهل يوسف كلامه ونظر الى منصور يسأله: فيه ايه يا حج منصور؟
منصور: فيه ان بجا راسنا في الطين خلاص يا باشمهندس, ومش هنعرف نرفع راسنا جدام الناس غير لما الباشمهندس وليد ينفذ طلبنا.
فألقى يوسف نظرة سريعة الى وليد فرأى في عينيه نظرات الاعتراض. فعلم أن الأمر خطير بالفعل, ففكر سريعا ثم قال للجميع: طيب ممكن لو سمحتوا ندخل جوة عشان نتكلم براحتنا.
علاء بانفعال: مفيش كلام غير عندينا في البلد يا باشمهندس.
وأكد منصور على كلام ابنه: ولدي عنديه حج. نسافر لاول ونتفاهم هناك في بلدنا.
يوسف بحزم: مادام كدة بقا؟ يبقا معلش, لا انا ولا أخوية ولا مراته هنتحرك من هنا خطوة واحدة.
علاء: هية بالعافية اياك؟
يوسف: سميها زي ما تسميها.
فأمر علاء باقي الرجال: بجا اكدة؟ طب ياللا يا رجالة هاتوهم وياللابينا نعاود ع البلد.
وقبل ان يتحرك أحد من مكانه تعالت صوت طلقات النيران من كل جانب, فاتجهت الانظار لمصدر الصوت ليجدوا مجموعة من الحراس ذات الأجسام الضخمة وكل منهم يمسك سلاحا ناريا بيده ويحيطون بكل الموجودين, فنظر يوسف الى علاء ومنصور بابتسامة ساخرة وهو يقول بلهجة تهديد مبطن: انا بقول نتفاهم هنا الاول وبعدين يبقا نشوف هنعمل ايه
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلس يوسف مع محمود في حجرة الصالون برفقة منصور و علاء وبعض الرجال الاخرين , وكان الجدال قد احتد كثيرا, فقال يوسف ولم يتخل عن هدوئه بعد: مين اللي طلع الاشاعة دي؟
علاء بانفعال: هو دة كل اللي هامك يا باشمهندس؟ ومش همك كل اللي اتجال؟
يوسف مؤنبا: ودة كان المفروض هو اللي يهمكم بردو باعتبار ان حياة بنتكم وانتو اولى الناس للدفاع عنها وعن سمعتها. واي حد يقول كلمة في حقها كان لازم تقطعوله لسانه وما تسمحوش ان الكلام دة يوصل لغيره.
منصور: وادي الكلام وصل للبلد كلاتها والحل الوحيد دلوجيت انهم ييجوا معانا والدخلة تتم في البلد عشان تتجطع كل الالسنة من نفسيها.و الا بعد اكدة سيرتها هتكون لبانة في وسط الخلج من كبيرهم لصغيرهم. جولت ايه يا باشمهندس؟
فقال يوسف بجدية وصرامة: طيب اسمعوا أخر الكلام اللي عندي بقا.الفرح خلاص هيتم هنا زي ما اتفقنا من الاول و من اللحظة اللي فيها وليد كتب كتابه على حياة وهي خلاص بقت مراته يعني بقت واحدة مننا, من عيلة سليم واللي هيقول كلمة واحدة في حقها كأنه اتعدى عليا أنا شخصيا وساعتها بقا مش هيكفيني دمه هو لوحده, لا دة هيبقا بحر دم هيغرق هو وكل عيلته فيه.
ثم جال بعينيه في وجوه جميع الحاضرين ليرى تأثير كلماته عليهم, وبعدها استأنف حديثه بنظرة محذرة: فيه حد عنده كلمة تاني عاوز يقولها؟
وعندما لم يتلق ردا من أحد, نهض قائلا وهو يهم بالرحيل: طب عن اذنكم بقا لان ورايا معازيم معرفتش ارحب بيهم كويس, وطبعا لو حابين تحضروا معانا الفرح فدة أكيد شيء يشرفنا. ياللا بينا يا استاذ محمود عشان تحضر زفة بنتك.
ثم تركهم وخلفه محمود وهم ينظرون بعضهم لبعض في ذهول وقد ألجمتهم كلماته.
فور خروجهما توجهت اليهما كل من مها و مريم وقد أسرعت مها بالسؤال: خير يا جماعة؟ وصلتوا لايه؟
يوسف: اطمني حضرتك, كل شيء خلاص انتهى وياريت تخليكي مع بنتك تطمنيها.
فنقلت مها نظرها الى محمود في تساؤل فهز لها رأسه موافقا وهو يضع ذراعه حول كتفها: ياللا بينا ام كريم نطمن على بنتنا.
ثم توجها الى مسرح العروس تاركين يوسف ومريم وحدهما ينظران لبعضهما في صمت, وكانت نظرات يوسف محبة وهو يتأملها بشغف, مما جعل خدي مريم تتوردان من الخجل وهي تسأله: انت بتبصلي كدة ليه؟ هو انا فيا حاجة غريبة؟
يوسف بصوت حالم قد اخترق كل دفاعات مريم: انتي جميلة أوي يا مريم.
وقبل أن تقوم مريم بالرد وقد ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيها سمعا الاثنان صوت انثوي ناعم يقول بدلال: أخيرا لقيتك يا يوسف؟ على فكرة بقا انا مخصماك, ازاي يا وحش ما تعزمنيش على فرح أخوك.
وجد الاثنان علياء تقترب منهما بخطوات متمايلة بها بعض الاغراء ثم وضعت يدها في ذراع يوسف بتملك وهي تكمل: بس ولا يهمك, انا قلت انك اكيد نسيت, عشان كدة جيت لوحدي, ماهو البيت بيتي بردو.
وقفت مريم واجمة وقد ماتت الابتسامة على وجهها