رواية عيون الريان الفصل الخامس عشر15 بقلم نيللي العطار
أغار عليك من نفسي ومني
+
ومنك ومن زمانك والمكانِ
+
ولو أني خبأتك في عيوني
+
إلى يوم القيامة ما كفاني
+
― ولادة بنت المستكفي ―
+
*******************
+
قاطعها يوسف بغضب ( أنا عارف كل حاجة..انطقي ريم فين؟)
+
خرجت الحروف من بين شفتيها مُتلعثمة ومُختنقة قائلة (ماهو أصل يابيه أختك مش إهنِه)
+
سألها يوسف والشرر يتطاير من مقلتيه (أختي راحت فين يا ست انتِ؟)
+
أجابته السيدة بخوف واضح على ملامحها (آني ماخابراش مُكانها واصل)
+
تدخلت أميرة قائلة باسترابة من ردة فعلها (يعني إيه صحيتِ من النوم مالقيتهاش مثلاً؟)
+
ردت عليها السيدة بتوتر شديد (صُح آني وعيت من النوم مالجيتهاش)
+
رمقتها أميرة شزراً قائلة (إنتِ كدابة وخوفك ده وراه مصيبة)
+
وجهت السيدة حديثها ليوسف قائلة بصوت مُرتعش (يابيه أختك تاهت من زمان ومانعرفش إذا كانت عايشة ولا ميتة)
+
لم تنطلي كذبته الغير مُنسقة على يوسف والذي قال بتهديد (أنا هاطلع من هنا على مديرية الأمن وهبلغ عنك انتِ والحقيرة اللي طلبت منكم تخفوها) .. شهقت السيدة بفزع وقبل أن تنطق وصلهم صوت فتاة تقف مستندة على إطار الباب بملامح مُتعبة تهتف باكية (حرام عليكِ يا اما بزيداكِ كدب وافترا عاد) .. نظرت لها والدتها بأوصال مرتعدة تحاول أن تثنيها عن الحديث لكن من الواضح أنها تحمل سراً خطيراً
+
_(لساكِ ما اتعظتيش من اللي حُصل ليا آني وأبوي؟) .. هدرت بها الفتاة في وجه أمها التي تنتفض بذعر من الموقف ولم تكن تعلم أن شبح الماضي سيظهر هكذا فجأة فتابعت بأعين دامعة وقلب مفطور (هتجابلي ربنا كيف؟)
+
تفحص يوسف هيئتها الضعيفة وبشرتها الشاحبة متسائلاً بترقب (انتِ مين؟)
+
جلست الفتاة على المقعد المقابل لها بإعياء قائلة (آني فريال بنت جابر الله يرحمه وللأسف بنت الست اللي واجفة جِدامك دي .. والحمدلله إنكم چيتم تسألوا على بِتكم جبل ما أموت واحصِل آبوي)
+
تصلبت أنظار والدتها عليها قائلة برعب (انتِ هتودينا في داهية لو فتحتِ خشمك .. اعجلي يابِتي وماتعمليش حاجة تندمِ عليها)
+
تحدثت فريال بإصرار (دي وصية آبوي وهانفذها لچل ما يرتاح فنومته) .. ثم أشارت ليوسف قائلة (آبوي الله يرحمه وصَّاني إن لو أهل ريم سألوا عنيها أدلهم على طريجها وأحكيلهم اللي حُصل بما يرضي الله) .. تنفست بصعوبة وكأنها تقاوم ألماً في صدرها وأردفت (الحكاية طويلة بس لازماً تسمعوها زين عشان تجدروا توصلوا لريم)
+
حثّها يوسف على الكلام بنبرة متوسلة ( اتكلمي أرجوكِ)
+
بدأت فريال في قص ماحدث مسترسلة (احنا كنا عيال يابيه وقت ماچات مرت عمك وطلبت من آبوي انه يخفيها ورمتله جرشين تمن سُكاته .. بس هو ماهانش عليه يهملها فالشارع ولايخلص منها زي ما الست الچاحدة دي جالتله .. كان بيحبها ومتعلج بيها كتير ولما چينا نعاود النچع چابها معانا .. الله يرحمه كان دايماً يجول البِت اليتيمة دي بركة)... لم تستطع منع دموعها تأثراً بآلام الماضي المُختلطة بآلامها الجسدية وتابعت بصوت مختنق بالبكاء (لكن أمي وستي أم آبوي كانوا كارهينها وما عايزينهاش تعيش معانا وياما جالوله البت دي لما تكبر هاتچيبلك العار)..رغماً عنها ابتسمت من وسط قهرها وأردفت (أصلها كانت زينة جوي وبيضة جوي جوي كيف البدر المنور).. حاولت فريال استجماع شتات نفسها المُعذبة بذنب لم تقترفه مستطردة (وفي يوم أغبر آبوي خرج هو وأمي يزوروا چماعة جرايبنا وهملونا مع ستي .. من غلها جامت چايباها من شعرها ودجاها على راسها بحديدة تَجيلة .. فكرت إنها چات بمجتلها بس كان ليها نصيب تعيش).. تقطع صوتها بشهقات عالية وهي تستكمل تلك المأساة (لما آبوي وأمي عاودوا لجيوها مسجية عالارض وغرجانة بدمها .. الله يرحمه انخرع عليها كتير واشتالها وچري بيها على أجرب مستوصف .. فوجوها وخيطولها الچرح لكن مفيش حد دري باللي حُصلها غير بعد مابدأت تتعافى .. أمي خدت بالها إنها بتجع وماشيفاش حاچة .. الخبطة ضيعت نظرها ياحبة عيني)
+
كان يوسف يستمع لِمَ تحكيه تلك الفتاة بقلب مفطور وأعين تغشاها الدموع .. أشفقت أميرة عليه من منظره المصدوم فتولت هي استجواب فريال متسائلة (وأبوكِ الله يرحمه عرف إن ستك هي اللي عملت فيها كده؟)
+
مسحت فريال وجهها الحزين قائلة بضعف (آني خَبّرته وكان هيمشيها من البيت لكن أمي الله يسامحها جالتله إنه هايفتح عيون الناس علينا وممكن نتأذي ونخش في سين وچيم وجعدت تِوِزُّه عشان يخلص منها) .. سكتت هُنيهة ثم تابعت بتنهيدة متألمة (آبوي سمع كلام أمي وخدها واندل بيها على مصر عِند أهل المرحومة أمها.. ولشين بخته وبخت الغلبانة اللي كانت على يده جابلته ست جلبها حچر ماتتخيرش عن مرت عمها.. عِلمنا بعد إكدِه إنها مرت خالها...هددته إنها هاتبلغ الحكومة وتتبلى عليه بإنه خطفها يا إما ياخدها ويرچع بيها مُطرح ماكانت.. ولما وجف جصادها وخبّرها إنه ماهيهموش منها واصل ساومته وسكتته بكلمتين .. وبعديها راحتله اللوكاندة اللي كان جاعد فيها بريم هي وراچل صيطه كبير جوي فالبلد.. وعطوه تجارير مزورة بتثبت إنها عِميت جبل ماتعيش معانا وشهادة ميلاد مكتوب فيها إنها تبجى بنت أخوه الله يرحمه .. ودلوه على دار رعاية نضيفة عشان يسيبها هناك)..
ثم أطرقت برأسها لأسفل مستكملة بحزن (خاف يانضري لما حس إنهم جادرين وفچرة وممكن يجتلوها لو ماطاوعش شيطانهم وراح سلمها للدار .. وبعديها عاود النچع وهو مكسور وجلبه جايد نار ومن يومها وصحته حطت وتعب وعاش بجية عمره حزين لحد ما مات بحسرته عليها)
2
سألتها أميرة بثبات زائف (هو خد فلوس من الناس دي؟)
+
أومأت فريال بنفي قاطع (لا ياست هانم آبوي ما خادش فلوس غير من مرت عمها واتصرفت كلاتها على علاچي)
+
شعرت أميرة بالشفقة عليها قائلة (انتِ مريضة؟)
+
أجابتها فريال مبتسمة بوهن (عِندي بعيد عنكم فشل كلوي .. ومانيش زعلانة واصل ربك بيخلص ياست هانم)
+
نظرت إليها أميرة قائلة بمواساة (بس انتِ مالكيش ذنب)
+
ارتعشت ملامح فريال قائلة بأسى (وهي ريم كان ليها ذنب فكل اللي حُصلها؟)
+
جاهد يوسف على تمالك أعصابه قائلاً (ماتعرفيش دار الرعاية دي فين؟)
+
أخرجت فريال ملف خبأته بين طيات زيها الصعيدي الفِضفاض ثم أعطته له قائلة (آني ماخابراش مُكانها بس الورج ده فيه التجارير وشهادة الميلاد المزورة .. آبوي عطاهم ليا جبل ما يموت ووصّاني لو حد ظهر من أهل ريم أعطيهم ليه يمكن يساعد تعرفوا فين أراضيها)
+
تناول يوسف الملف يتفحص الأوراق الموجودة به باهتمام علّه يجد إسم الدار أو حتى عنوانه لكن دون جدوى .. بالعكس اكتشف أن شهادة الميلاد تحتوي على بيانات غير حقيقية عن شقيقته فسألها بتعجب (هم غيروا إسمها؟)
+
_( أيوه سموها مريم حسين محفوظ المسيري)
+
فغر يوسف فاهه بصدمة فهؤلاء الشياطين لم يكتفوا بقتلها حية بل محوا هويتها وشطبوا كل مايربطها بعالمها الحقيقي والمبادرة بالسؤال كانت لأميرة قائلة بعدم فهم (هم ليه خلوا لقب عيلتها زي لقب عيلتكم؟)
+
جاوبتها فريال بتأكيد (حسين محفوظ المسيري ده يبجى عمي لزم .. كان مسافر العمرة هو ومرته والأتوبيس اتجلب بيهم هناك وماتوا ماكانش حداهم عيال..
والعالم اللي أذوا ريم دول واصلين جوي وخابرين معلومات ياما عَنّينا ولفجوا الحكاية صُح)
+
أحس يوسف أن وجوده في هذا المكان أكثر من ذلك لن يفيده بشئ فهم بالإنصراف قائلاً بامتنان (نستأذن احنا عشان نلحق طريقنا..وبجد مش عارفين نشكرك ازاي يا فريال)
+
تبعته فريال قائلة بابتسامة مُرَحِبة (ماتجولش كدة يابيه خطوتكم عزيزة وربنا يعتركم في ريم عن جريب ان شاءالله)
+
***************
+
على صعيد آخر /
+
لم يقبل ريان بأي شكلٍ من الأشكال أن يترك مليحته تذهب إلى عملها في يومها الأول مع أحد غيره .. رغم تأكده من احترام السائق المُكلف من قِبل إدارة الدار برعايتها هي وصديقتها .. يكفي أنه شقيق مربيتها ويُعتبر بمثابة أب أو أخ كبير لها لكنه رفض وأصر على توصيلهما بسيارته .. ولم تنكر مريم خوفها من تجربة العمل خارج شرنقتها الخاصة فالأمر له رهبة عظيمة كتلميذ مُقبل على أهم اختبار في حياته .. الشئ الوحيد الذي يطمئنها ويبث الأمان في روحها هو وجود ريان بجوارها وبعد انتهاء إجراءات استلام البطاقات التعريفية الخاصة بها وبرفيقتها .. قام مدير النادي باصطحابهما بنفسه إلى مواقع العمل .. ريهام في صالة الألعاب الضخمة وسط كم هائل من الأجهزة وأدوات الرياضة ومريم في قاعة الموسيقى والتي كانت عبارة عن مسرح متوسط الحجم يحتوي علي آلات عزف عديدة وبعض الطاولات والمقاعد
.. رحب بها زملاؤها وزميلاتها في الفرقة بحفاوة شديدة خاصةً بعدما أوصاهم المدير عليها نظراً لظروفها ..
+
_(إحنا مبسوطين انك انضميتِ للفريق بتاعنا يامريم) .. قالتها جميلة تلك الفتاة اللطيفة (المسئولة عن آلة الكمان) فأجابتها مريم بخجل (وأنا كمان مبسوطة أوي وإن شاء الله أكون خفيفة عليكم)
+
بينما تدخل شادي (عازف الكونترباص) يتفحصها بنظراته قائلاً (انتِ متوصي عليكِ جامد بس ليهم حق الصراحة .. حاجة فاخر من الآخر)
+
رمقته بيريهان (مسئولة آلة التشيللو) بضيق من طريقته ثم قالت لمريم بلطف (اعتبرينا اخواتك يامريم الشباب قبل البنات وأي حاجة تحتاجيها هتلاقينا جنبك)
+
ابتسمت مريم قائلة (شكراً أنا معايا صاحبتي بتشتغل فالچيم وهي اللي بتساعدني)
+
تحدثت زميلتها الثالثة علياء (عازفة آلة الهارمونيكا) بتعاطف مع حالتها (خلاص ياحبيبتي احنا هنكون معاكِ هنا وهي لما تخلص شغلها تبقى تجيلك) .. بينما قالت جميلة بمرح لتساعدها في الإندماج بالأجواء (بصي بقا يامريومة احنا فرقتنا أربع بنات أنا وانتِ وعلياء وبيريهان وتلات شباب شادي اللي كان بيستخف دمه من شوية ده وعلي عازف الجيتار وطارق عازف الدرامز)
+
ردت عليها وابتسامتها مازالت مرسومة فوق ثغرها الجميل (ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك) .. قاطع حديثهم دخول طارق وعلي العضوان المتأخران دائماً وأبداً .. غمز لهما شادي وهو ينظر لمريم بطريقة وقحة فانتبها لوجودها وقاما بالترحيب بها بتهذيب يختلف عن صاحبهما وهما يرمقانه بضيق من حركاته المُربية .. وبعد دقائق قليلة بدءوا جميعاً في الاستقرار خلف آلاتهم ليستعدوا للبروڤة بصحبة (حسناء البيانو) أو العضوة السابعة التي اكتملت فرقتهم بانضمامها إليهم
+
********
+
سيرٌ حائر وفكرٌ متردد وعقل ينكر بحماقة طريق اليقين .. كلها أشياء تثبت أن الإنسان العدو الأكبر لنفسه .. أي صديقي نحن لا نستطيع الهرب مما نشعر به فالأحاسيس ليست كالنقش على وجه الماء إنها جذور تمتد داخل القلب ذات الشمال وذات اليمين .. قضية كبرى وإشكالية لا تقبل بأنصاف الحلول وبينما كان هو واقفاً في ركن هادئ يتابع المارة بشرود انتبه لخروجها من الصالة الرياضية .. تنهد بقلة حيلة وتمرد على ذلك الزلزال الذي يدمر استقرار دواخله فكلما رآها يشعر بأنه طفل قصير الذراعين أمام شجرة أوراقها مثقلة بثمار الفراولة وأغصانها مدرورة بطيور الحب وهذا قمة العجز أو الغباء أيهما أوضح .. ورغم تناقضاته وشعث سريرته لم يستطع منع نفسه من الإتجاه نحوها ليستوقفها ويستمتع بمشاكستها
+
_(صباح الخير على فراولاية النادي) .. قالها كريم بمرح وابتسامة شقية فردت عليه ريهام بمجاملة وملامح يبدو عليها الإنزعاج (صباح النور)
+
أحس ببعض القلق يساوره من منظرها المتضايق قائلاً (شكلك مش مبسوط ليه؟.. فيه حد زعلك؟)
+
قوّست ريهام شفتيها لأسفل قائلة بطريقة لذيذة (البنت اللي شغالة معايا مغرورة أوي وحاسة إنها مش طايقاني)
+
مازحها قائلاً بمشاكسة (انتِ أي حد يشوفك بيحس انه عايز يضربك بالجزمة عادي جداً)
+
عقدت حاجبيها بشدة قائلة بضيق من دعابته (تصدق أنا مهزأة عشان واقفة مع واحد دبش زيك)
+
ضحك كريم قائلاً (بهزر والله.. تلاقيها غيرانة منك البت الصفرا دي)
+
ابتسمت قائلة باستحسان (جدع .. عايزاك بقا كل ما اتضايق من حد تشتمه معايا كده)
+
_(طول عمري بسمع عن لؤم البنات أول مرة أشوفه الصراحة)
+
=(دي هرمونات وياريت تحترمها شوية بدل ما اقلب عليك) .. قالتها ريهام بحركة تحذيرية فانفجر ضاحكاً وهو يقول (منها لله هرموناتك اللي مدمرة برستيچك وسط الخلق)
+
سألته بجدية مغيرة مجرى الحديث (هي مريم هاتخلص إمتى؟)
+
نظر في ساعة يده قائلاً (مش عارف .. تعالي نشرب حاجة على ما ميعاد خروجها ييجي) .. امتثلت لدعوته بإذعان فهي لا تريد التقرب منه بتلك الطريقة لكنها مُجبرة لأنها تخاف داخل هذا المكان وذهابها معه إعمالاً بمبدأ (اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش) .. أما هو إكتشف أنه لا يجيد التعامل مع المشاعر الحقيقية رغم إجادته العبث وحالته الغير منطقية أثبتت أن الحب غريزة متأصلة في الإنسان منذ الولادة وليست عادة مُكتسبة أبداً .. اختار طاولة بعيدة عن الأنظار وجلس برفقتها يتأمل وجهها المُتمرد وملامحها اللاذعة والمبادرة بالحديث كانت لها متسائلة بفضول (انت مالكش أصحاب غير ريان؟)
+
رد عليها مبتسماً (أنا ماليش حد فالدنيا كلها غير ريان)
+
سألته مجدداً بعدم فهم (ليه؟..أهلك فين؟)
+
أجابها مُتنهداً باستسلام (دي حكاية طويلة أوي ياريهام هاتصدعي لو سمعتيها)
+
شعرت ببعض الشفقة عليه قائلة بتعابير طفولية (احكيها لي ومش هاصدع والله)
+
تحدث بحاجب مرفوع قاصداً ممازحتها (افتكري اني قولتلك بلاش)
+
_(هو انت لو مابطلتش رخامة هايقولوا اللي مابيبطلش رخامة اهو)
+
=(مش بحب جو الصعبانيات والمناديل المُبللة ده)
+
_(هتلاقيها حكاية تافهة أصلاً)
+
= (لعلمك أنا أحارب في معركة لا أعلم عنها شيئاً)
+
نظرت إليه باستغراب مُصححة الجملة (قصدك أحارب في معركة لا تعلمون عنها شيئاً)
+
قال ساخراً (لا يا أمي أنا لا أعلم شئ عن معركتي الخاصة وعايشها بالله كده وبالبركة)
+
ضحكت ريهام على طريقته قائلة (اخلص ياكريم انا خُلقي أضيق من عين الصينيين)
+
ارتشف بعض من كوب العصير خاصته ثم قال بجدية (إحنا كنا عايشين مستقرين زي أي أسرة عادية لحد ما بابا قرر فجأة إنه يتجوز على ماما.. بس ياستي وعينك ماتشوف إلا النور .. طلاق ومحاكم ومشاكل مابتخلصش وليلة كبيرة أوي مش عارف مين الصح ومين الغلط فيها) .. صمت لبرهة يقاوم البكاء أمامها ثم تابع بسخرية مريرة (ماما طبعاً ماقبلتش ان جوزها يبص لغيرها وهي ماتبصش لغيره لاحسن الناس تاكل وشنا ولا حاجة وراحت اتجوزت راجل تاني وسافرت معاه ألمانيا وسابتني أنا وأخويا الكبير مع بابا) .. ثم أضاف بنبرة متألمة (لكِ أن تتخيلي الحياة مع مرات أب شكلها عامل إزاي .. هي الشهادة لله كانت بتعاملنا كويس لحد ماكبرنا وبقينا شباب بعد كده بدأت أحس منها بحركات غريبة)
+
أدركت ريهام مقصده قائلة بحزن (وأخوك كمان كان بيحس بكده؟)
+
التوت زاوية فمه بشبه ابتسامة قائلاً (أخويا اختصر الموضوع وسافر لماما يكمل تعليمه واتجوز واستقر هناك)
+
سألته بتوجس (وانت عملت ايه؟)
+
_(حاولت اتجاهلها لحد ماجابتها صريحة .. صريحة أوي لدرجة إنها بتوجعني كل مابفتكرها) .. قالها كريم بصوت مختنق ومقلتين غائمتين ثم تابع (ماقدرتش أواجه بابا بحقيقة مراته .. هو أصلاً كان هايكدبني فخدتها من قصيرها وسيبت البيت بحجة إني كبرت ولازم اعتمد على نفسي وحالياً عايش لوحدي ولولا ريان كنت انهارت من زمان وبقيت إنسان تاني غير اللي قاعد قصادك دلوقتي)
+
لم تستطع ريهام كبح جماح دموعها فبكت قائلة بتأثر (ماتزعلش .. انت حد جميل والله)
+
أخرج منديلاً ورقياً من جيب بنطاله ليعطيها إياه قائلاً (عيطي إنتِ أنا عيطت كتير وماليش نفس أعيط دلوقتي)
+
تناولت منه المنديل قائلة وهي تضحك من وسط بكائها (يخرب بيت فصلانك الواحد مايعرفش يتعاطف معاك أبداً)
+
حرّك رأسه يمينا ويساراً قائلاً باستنكار (انتِ طلعتِ كيكة خالص .. أمال إيه جو القتلنجية اللي راسماه عالخلق ده؟)
+
مسحت دموعها متسائلة بتعجب (يعني إيه قتلنجية؟)
+
_ (شبح يعني مع إن قلبك من جوه بفيونكة)
+
= (زيك بالظبط على فكرة)
+
_ (وده مالفتش انتباهك لحاجة؟)
+
توترت ريهام من تلميحه المُبطن قائلة بثبات زائف (ولا أي اندهاشة)
+
رمقها بغيظ قائلاً (أنا طول عمري حظي زفت هاتطلعي إنتِ اللي سخنة وبسمسم؟) ... وقبل أن تهم بالرد عليه قاطعهما رنين هاتفه باتصال من ريان ليخبره أنه ينتظر أمام بوابة النادي حتى موعد خروج مريم ليقوم بتوصيلها إلى الدار فأدرك رغبته في الإنفراد بها بعض الوقت .. أغلق الخط قائلاً (ريان واقف بره مستني مريم .. ممكن أوصلك؟)
+
رفضت بطريقة لبقة ثم نهضت قائلة (ماتتعبش نفسك.. هابقى أركب تاكسي وخلاص)
+
جمع متعلقاته الشخصية يستعد للمغادرة معها قائلاً (تاكسي وأنا موجود؟.. ليه قاعدة مع هايدي؟) .. حثّها على السير أمامه قائلاً (يلا يا آخر صبري)
+
**************
+
بعينين مثل اتساع السماء التي تخبئ الشمس في جواريرها وقلب لا يلبس إلا عشقه الأخضر وروحه تورق تحت معطف الشوق كحديقة أندلسية ..كان يقف في انتظار سطوع مرآها المَصون .. ينظر لساعة يده بقلق ويود لو يقتل عقاربها البطيئة كسلحفاة مُسنّة .. وبعد وقت ليس بقليل فاحت رائحة النعناع وانسدل منجدلها الكِستنائي بخروجها من البوابة الضخمة كقمر يلمع في ألف فضاء تصحبها فتاة يبدو على ملامحها اللطف ويتبعها باقي زملاؤها .. وقفوا جميعاً يتمازحون ويتحدثون لكن عين المُحب تبصر ما لايبصره الخوالي وبُعد المسافة لم يُخفي عليه نظرات ذلك المدعو (شادي) الغير مريحة المُتفحصة لها بوقاحة .. وفي أقل من الثانية كان يحول بينها وبينه .. أمسك كفها بتملك ثم ألقى التحية عليهم بنبرة واثقة وقبضته تأكله وشيطان غيرته يؤزه أزاً على سفك دماء أحدهم وعندما همّ بالإنصراف وأخذها بعيداً عن هذا الجمع الغير محمود استوقفها اللزج المقصود قائلاً بابتسامة ثقيلة الظل (ماتتأخريش بكرة يا مريم عشان عندنا بروڤات كتيرة) .. أسلوبه المائع ونطقه لإسمها مُجرداً من التكليف كانا كفيلين كذريعة تبرر له تحطيم فكه وخروجه من أسوار تحضره إلى جهل البربرية وجاء رد مريم المُجامل .. الرقيق بشكل زائد كسيف قطع آخر وتر للصبر حيث قالت (ماتقلقش ان شاء الله هاجي في ميعادي) ... وكانت القدرة على التحكم بأعصابه في تلك اللحظة جهاد ولولا خشيته من إفساد مظهرها أمام زملاؤها لنفذ رغبته وأبرحه ضرباً فسحبها خلفه بطريقة عنيفة قائلا بغضب واضح (يلا بقا احنا مش هنقف كتير) .. بينما تتبعهما شادي مبتمساً بخبث وتعبير ممثل التحرش الأشهر في السينما المصرية (حمدي الوزير) مرتمساً فوق ملامحه
_ (انت مش هاتبطل طريقتك دي؟).. قالها علي صديقه وزميل مريم أيضاً في الفرقة بضيق من تصرفاته
+
رد عليه شادي وهو يعض شفته السُفلى (بصراحة البت تتاكل أكل)
+
لكزه علي في كتفه قائلاً بغيظ (خف شوية ياعم الدنچوان عشان الواد اللي معاها ده شكله خطيبها ولو قربت منها هيعلقك زي الدبيحة)
+
ضحك قائلاً بعدم اهتمام (يرضيك اسيبه ياكل القشطة دي كلها لوحده؟)
+
رمقه علي باحتقار قائلاً (يا أخي خلي عندك دم وراعي ظروفها .. البنت شكلها محترمة وبريئة جداً)
+
أخرج سيجارة من علبته الخاصة يضعها بين شفتيه ثم أشعلها قائلاً وهو ينفث دخانها في الهواء (مفيش بنات محترمة فالزمن ده ياصاحبي ولو مش هاتدوس معايا يبقى اطلع منها وخليك في حالك) ...... وعلى صعيد آخر كان الوضع في سيارة ريان يسوده صمتاً مريباً .. مشحوناً بالتوتر .. ونيران الغيرة تشطره لنصفين وتأكل كل نصف منفرداً على مهل .. دماغه تغلي ودمائه تغلي وأنفاسه تغلي .. جميعه من رأسه لإخمص قدميه يغلي ويثور كالمرجل المُتقد .. يقود السيارة بسرعة جنونية حتى كاد أن يصطدم أكثر من مرة لكنها صرخت برعب عندما توقف فجأة فأرتدت للخلف بعنف صارخة (إنت مجنون؟)
+
نظر لها والشرر يتطاير من عيناه هاتفاً (مريم)
+
لم تتحمل عصبيته الزائدة فبكت قائلة بشهقات متقطعة (أنا عملت إيه عشان تزعق لي؟)
+
صك أسنانه قائلاً بغضب (الواد اللي معاكِ فالفرقة كان بيكلمك كده ليه؟)
+
ردت عليه وهي تمسح دموعها بجانب كفيها تسأله بحُسن نية (قصدك شادي؟)
+
خبط طارة القيادة بمعصمه هادراً بصوت عالي (ماتنطقيش إسمه)
+
انتفضت مريم شاهقة بخضة (ريان من فضلك إهدا)
+
أمسك ذراعها يضغط عليه بشدة قائلاً بتحذير (ما اشوفكيش بتتكملي معاه تاني .. مفهوم؟)
+
حركت رأسها لأعلى وأسفل قائلة بعدم إتزان (حاضر والله بس وصلني الدار .. أنا خايفة) .. منظرها المُرتعب وصوتها المختنق بالبكاء جعلاه يدرك أنه أخافها فعلاً وهذا شئ غص بقلبه لكن الأمر خرج من بين يديه وأصبح في زمام جنون غيرته .. لم يقصد جرحها .. بالله لم يقصد .. هو فقط لم يختبر احتراق العُشب بين أضلعه وما حدث محاولة للإخماد .. امتثل لأمرها عندما فشل في مصالحتها وقام بتوصيل اللؤلؤة لمحارتها وتركها برفقة صديقتها ثم غادر بصمت ..
+
**********
+
اتجهت مريم نحو غرفتها بمساعدة ريهام ودموعها لم تتوقف .. لأول مرة تشعر بأن عينيها في حالة تعتيم كامل .. ولا تعلم أي جُرم ارتكبته ليثور كالنفير هكذا .. صوته مازال يتردد في آذانها كعويل إعصار جامح يدفق أمطار من نار .. بالكاد استطاعت تبديل ملابسها ثم جلست على الفراش بين أحضان رفيقتها تسرد لها ماحدث وتبكي كما لم تبكي من قبل..._(كفاية عياط ياحبيبتي .. قلبك هايوجعك كده).. قالتها ريهام بحزن فأجابتها من وسط شهقاتها (والله ماعملت حاجة عشان يعاملني بالطريقة دي)
+
حاولت ريهام التخفيف عنها قائلة بمواساة (ريان بيحبك أوي وطبيعي يغير عليكِ .. اعذريه يامريم الغيرة وحشة) .. أبعدتها قليلاً عنها تمسح وجهها المُبلل بالدموع بأطراف أصابعها ثم أضافت بهدوء (وخدي بالك كويس إنه شاب وفاهم الشباب اللي زي شادي بيفكروا إزاي)
+
تحدثت مريم بصوت مبحوح (بس انا ماغلطتش وكنت برد عليه باحترام)
+
ربتت فوق وجنتها المُحمرة تقول (ياروحي إنتِ محترمة وريان مش خفيف عشان يغير من الهوا.. أكيد الواد ده عمل حاجة استفزته)
+
قوّست شفتيها لأسفل كالأطفال قائلة (أياً كان اللي حصل مش من حقه يرفع صوته عليا).. ثم لوحت بسبابتها متابعة (أنا مش هاكلمه تاني خالص وخليكِ شاهدة)
+
ضحكت ريهام على حركاتها اللطيفة قائلة بمزاح (بلاش جلالة الاسترونج اندبندنت وومن دي تاخدك عشان ما اشهدش على خيبتك) ..
+
لكزتها في كتفها بغيظ ثم استلقت منسحبة تحت الأغطية الثقيلة (هاتشوفي هاعمل فيه إيه هو أنا لاقية كرامتي فكيس قلبظ؟)
+
خبطت ريهام كفيها ببعضهما واتجهت نحو سريرها لتنام قائلة ( سبحان الله عيوطة ومناخيرها وعينيها قد كده من كتر العياط وليها عين تتكلم)
+
ردت عليها بعصبية (نامي ياريهام بدل ما اقوملك) ..
+
جلست ريهام على طرف الفراش تتمطى بذراعيها قائلة بتثاؤب (أحلى حاجة ان الواحد يعيش جزرة كده لا بيحب ولا بيتحب .. حياة بلا هدف)
+
زفرت مريم بنفاذ صبر (عندك حق .. احنا كار الحب والإرتباط ده مش كارنا أصلاً)
+
نامت ريهام واضعة ذراعيها أسفل رقبتها من الخلف تدندن أغنية كارتون (نقار الخشب) الشهيرة (أحب أن أعيش بِحُرية وأحب أن آكل ملوخية..ملو ملو ملو ملوخياااااة)
+
أمسكت مريم بالوسادة الصغيرة ثم قذفتها باتجاه صوتها قائلة (يابنتي نامي بقا هاتجلطيني)
+
_(تصبحي على خير).. قالتها ريهام بصوت ناعس قبل أن تغلق عينيها وتغط في نوم عميق خلال لحظات بينما أمسكت هي بهاتفها تنتظر أي مبادرة منه للصلح رغم ماينام في عينيها من أحزان فصدق من قال لا غالب إلا الحب ..
+
************
+
ماذا يحدث إذا انتهك أحد ملكيتك الخاصة؟ .. الأمر أشبه باحتلال .. وهو في عشقها جندي متطرف لا يعترف بالمهادنة .. ولا يؤمن بالحياد فالحياد مع الأوطان تنازل سخيف وهي وطنه وحبها ينام في عظمه ويتسلق أوردته ورديداً وريداً كتعريشة الياسمين .. ظل يقود سيارته بلا وجهة وقلبه لم يطاوعه على الذهاب إلى منزله ويمامته الصغيرة حزينة .. ومنطفئة .. كيف سيراضيها الآن بعدما أخافها منه بعصبيته؟.. وهل سيستطيع غلق أجفانه وهي مكسورة الخاطر هكذا؟.. شتم ولعن غبائه آلاف المرات ثم قرر الرجوع إلى الدار بعدما اشترى لها أكثر الأشياء التي تحبها الفتيات وشئ آخر صنعه من أجلها ليحول شجارهم الأول إلى ذكرى لطيفة .. وأثناء نومتها القَلِقة واحتضان الوسادة لدموعها انتبهت لوصول رسالة صوتية إلى هاتفها .. قامت بتشغيلها سريعاً ليصلها صوته الدافئ يقول بنبرة تقطُر حباً (كأنك شيخ وأنا مُريدك .. وعمري سبحة بين إيدك).. صمت لبرهة ثم أضاف بتنهيدة عميقة (أنا المغزول بشال صوفك .. خيط دهب وخيط فضة.. واروح لعيونك اتوضى تلفيني على كفوفك .. ياست الحُسن والمواويل .. يانور قلبي .. بحبك جنة من نعناع .. وقلبي وهبته ليكِ مشاع .. تردي روحه جوه الروح .. واطوف حواليكِ كما الحضرة .. وادوب في ملامحك الخضرة).. سكت مجدداً واستكمل بعتاب مُلتاع (وبعد ده كله عايزاني بارد مابغيرش.. كأنك بتقصي جناحاتي .. يامولاتي .. أنا الدرويش .. وجسمي معطره بالريش .. وغيرتي جزء من ذاتي .. وغصبٍ عن جمال قدك .. هاغير وهاطير) .. انتهى المقطع الصوتي ودقات قلب مريم تتسارع من فرط سعادتها ولم تمر إلا ثواني حتى وصلتها رسالة صوتية أخرى يقول فيها (أنا واقف قصاد البوابة تحت .. عايز اشوفك)
+
شهقت واضعة كفها فوق فمها من تهور هذا المجنون الذي يطلب منها المستحيل ثم ضغطت على زر التسجيل قائلة بخوف (امشي ياريان هتودينا فداهية)
+
أضاء الهاتف برسالة أخرى منه يقول باستنكار لعدم تقديرها الجهد الذي يبذله من أجل مصالحتها (بت انتِ ماعندكيش دم ولو مانزلتيش حالاً هاطلع لك انا وفضايح بفضايح بقا)
+
نزعت الأغطية عنها بتوتر تنادي على ريهام لتنقذها من الموقف قائلة (ياريهام الحقيني)
+
ردت عليها ريهام بصوت ناعس (فيه إيه يابنتي.. انتِ لسه بتعيطي؟)
+
تحسست الأثاث حتى وصلت لسريرها تلكزها في جانبها قائلة (ريان واقف تحت وعايزني انزله يا إما هايطلع هو)
+
انتفضت ريهام من نومتها كالملسوعة قائلة بأعين متسعة من الصدمة (بتهزري؟)
+
_ (لا وربنا بتكلم جد)
+
هبت واقفة تلف حول نفسها مثل المعتوهة قائلة (هايفضحنا المجنون ابن المجنونة .. كان يوم إسود لما حبيتوا بعض)
+
هتفت عليها مريم بحنق (بطلي ندب وشوفيلي حل بسرعة)
+
تناولت سُترة قطنية مُعلقة على المشجب ثم ألبستها إياها فوق منامتها قائلة (تعالي أنزلك أما نشوف هطل آخر الليل بتاعكم ده منكم لله) .. وفي غضون دقائق أوصلتها إلى الأسفل وبصعوبة تجاوزت الحارس النائم وأخرجتها من البوابة كالبضاعة المُهربة وجدته يقف مستنداً على جانب سيارته وفي يده باقة ورد وحقيبة مملوءة بجميع أنواع الشيكولاتة وشئ آخر لم تتبين كُنهه .. نظرت إليه قائلة بتذمر (اتفضل ياعم روميو اياكش تتصالحوا ونخلص)
+
ضحك ريان على طريقتها اللطيفة قائلاً (إحنا آسفين عالإزعاج والله) .. استدارت لتعود إلى الداخل ملوحة من خلفها بضيق بينما هو كانت عينيه مُسلطة على مليحته التي كانت تقف في قمة خجلها.. ترتدي منامة قطنية وردية اللون تجعلها بمنتهى الطفولة والأنوثة .. ابتسم تلقائياً لمنظرها الذي يشبه حلوى غزل البنات اللذيذة قائلاً بمرح (اللهم صلّي عالنبي .. غزالة بيضة لابسة بيچامة بمبي؟)
+
قاومت الضحك على دعابته قائلة بحاجب مرفوع (عايز ايه يابشمهندس؟.. مجرجرني في انصاص الليالي على ملا وشي ليه؟)
+
أمسك كفها برفق وفتح الباب الأمامي للسيارة وساعدها في الجلوس على المقعد ثم التف من الناحية الأخرى ليجلس بجوارها .. ظل صامتاً لثواني يتأمل آثار البكاء المرسومة فوق ملامحها وقال معتذراً بندم شديد (حقك عليا ياست البنات).. رفعت أكتافها لأعلى بحركة اعتراضية ولم ترد فتابع هو بثبات زائف يقاوم مشاعره ورغبته في تخبئتها بين ضلوعه لكي لا يراها أحد سواه (على فكرة أنا بعتذر عشان خوفك من صوتي العالي وعصبيتي بس لو شوفتك واقفة مع الواد ده ولا بتوجهي له أي كلام تاني هاكسر رقبتك).. فغرت فاهها بصدمة من حديثه لكنه وضع كفها فوق موضع نبضه مضيفاً (حبي ليكِ شريعة أنا اللي بكتبها وبنفذها وانتِ عليكِ تسيبيني أحكم وأحبك بطريقتي ولو عالغيرة فأنا مش آسف خالص)
+
عقدت حاجبيها قائلة بحزن (وانا مش معترضة على غيرتك بس ماتخوفنيش منك)
+
جذبها ليسند رأسها فوق كتفه قائلاً بحب (أعمل إيه مريم؟.. ماحيلتيش حاجة أغلى منك عشان أغير وأخاف عليها كده.. عندك حل لمشكلتي؟)
+
ردت على سؤاله بسؤال آخر مُعاتبة (حبك ليا مشكلة؟)
+
أغمض عينيه منتشياً بقربها قائلاً (ما انتِ فاهمة إنه حب اهو .. أمال بتتغابي ليه؟)
+
إفترّت شفتيها بابتسامة جميلة قائلة (حِبني دايماً كده)
+
ضحك بخفة قائلاً (مش بمزاجك على فكرة أنا ماعنديش حلول وسط يا أحبك أوي يا أحبك أوي) .. ثم سألها وهو يداعب خصلاتها المُنتشرة فوق قميصه (القصيدة اللي بعتها لك عجبتك؟)
+
أجابته بسعادة (حلوة أوي)
+
_ (أنا اللي كاتبها أصالحك بيها)
+
= (بجد؟)
+
أمسك معصمها برفق ثم أخرج من جيب سُترته سواراً فضياً منقوش عليها جملة بارزة بالخط الكوفي أسفلها إسميهما يتوسطهما قلب بفصوص زرقاء ليلبسها إياه قائلاً (ونقشتها لك كمان عالإسورة دي مع أسامينا عشان كل اللي يشوفك ويشوفها يعرفوا إنك حبيبتي)
+
تحسست مريم السوار بأطراف أناملها وجدت جملة (كأني شيخ وأنا مُريدك وعمري سبحة بين إيدك).. مكتوبة عليه بشكل يمكنها من قراءتها بسهولة قائلة (تحفة ياريان .. فرحتني أوي)
+
وضع باقة الورد في كفها الآخر قائلاً (كان نفسي أجيب لك حتة من السما بس الوقت اتأخر فجيبتلك مع الإسورة ورد وشيكولاتة)
+
رفعت الباقة نحو أنفها تستنشق رائحته العطرة قائلة بأسارير مبتهجة (شكراً ياحبيبي .. ربنا مايحرمني منك أبداً) ..
+
فتح غلاف إحدى قطع الشيكولاتة ليطعمها لها بيده قائلاً بمزاح (كنت عارف إنك تافهة وهتتصالحي بسرعة)
+
مضغتها قائلة (لعلمك أنا استرونج اندبندنت وومن بس قلبي هو اللي رُهيف)
+
دَسّ قطعة أخرى داخل فمها ساخراً (الاسترونج باين على وشك فعلاً ياعيوطة)
+
ابتلعتها قائلة بحنق طفولي (متهيألي كفاية صرمحة لحد كده بره الدار ووصلني عند ريهام عشان الاسترونج عندها شغل الصبح بدري)
+
نظر في ساعة يده قائلاً (ماشي يالمضة) .. وبالفعل قام بتوصيلها إلى الداخل وتركها مع رفيقتها لتصعد لغرفتها ولم يغادر قبل أن تسجل له رسالة صوتية تطمأنه أنها في فراشها آمنة
+
**************
+
يتبع .... إلى اللقاء مع الفصل السادس عشر
+
