اخر الروايات

رواية بعدسة مكسورة الفصل السادس 6 بقلم ميرنا ناصر

رواية بعدسة مكسورة الفصل السادس 6 بقلم ميرنا ناصر


"اللّحظة ما كملتش.
الصمت اتقطع فجأة، زي خيط رفيع اتشدّ فجأة وانقطع.
خبطة تقيلة على الباب.
لفيت بخضة، قلبي سبقني.
تيّام...
وشّه اتبدّل كأن ملامحه اتسحبت مرة واحدة.
الباب اتخبط تاني... أهدى، بس كان فيه شيء مزعج في الهدوء ده.
همست:"
_ هشوف أنا.
= ادخلي من الممر ده عَلطول.
وأنا هلفّ من ورا... أبقى واقف ورا اللي داخل. لو فيه خطر، نتصرف.
"حركت راسي بهدوء وكنت هامشي، بس وقفت فجأة:
_ إيه المسدس ده؟ طلعته إمتى؟ ومنين؟"
= إهدي... أنا هشاورلك تطلعي.
_ ماشي...
فتحت الباب.
"لحظة صغيرة... بس كأن الزمن فيها اتوقف.
عينيا اتّسعت، وفي قلبي حاجة بين الدهشة والارتياح:"
_ إنت؟!
"واقف قدّامي راجل كبير، جلابية رمادي، وشّه فيه طيبة السنين اللي فاتت.
شايل شنطة زرع قديمة، وابتسامة واسعة كأنها جاية تهدّي جوّايا حاجة كنت ناسيها:"
= أيوه أنا،
وحشتينا يا دكتورتنا… الحارة كلها بعتالك السلام.
_ يا عم سعيد! خوّفتني!.. يا عم سعيد والله.
"ضحك بخطوته الهادية، وبس اللي يعرف الطيبة القديمة، هيفهم الضحكة دي.
لكن تيّام، واقف لسه في الممر، سمع صوت غريب…
جسمه تشنّج فجأة:"
= مين ده؟!
"رديت بسرعة وأنا لسه مبتسمة، بس صوتي مهزوز بحذر:"
_ عم سعيد... متخافش، أمان أمان.
= أيوه… مين عم سعيد؟
_ بتاع الورد… جارنا.
"ضحك عم سعيد وهو بيعدّي العتبة، وقال:
= "بتاع الورد!"
ده لقب جديد!.. هو ده اللي بتعالجيه جديد يا دكتورتنا؟
"بصيت لتيّام، كان لسه مشدوه:
_ لا خلاص، بعد الخضة دي فقدنا الأمل!
لا أنا هعرف أعالجه، ولا هو هيقبل يتعالج.
" ضحكنا... ضحكة خفيفة خرجت من تحت رماد التوتر.
حتى تيّام، ابتدت ملامحه تهدى، وقال:"
= شكلك مش بتاع ورد خالص.
ردّ عم سعيد بنغمة فيها شقاوة:
= شكلي يّدي على رئيس عصابة! أصلّي متغذي على السمن الفلاحي… إحنا الصعايدة كده.
= متغذّي إيه بس يا عم سعيد!
ما شاء الله، ده انت توزنّا أربع مرات طول وعرض!
يعني ناوي تها جّمني بنباتات؟
لمعت عنيه:
= لا يا باشا…
الهجوم لما يكون أخضر، بيصحّي الروح.
ابتسمت واتكلمت :
_ عم سعيد يا تيام هو اللي ساعدني أجهّز البيت زمان، وعلّمني الزراعة.
النهارده جاي يزرع الجنينة… ويخلّيها جنة.
"دخل عم سعيد الجنينة، ماشي بهدوء، كأنه بيكلّم الأرض قبل ما يزرع فيها.
وقف عند زاوية فيها شجرة نشفة وقال:"
= الزرع زَيّ البشر…
لازم يتقصّ، ويتروّى… علشان يرجع يزهِر.
بص تيّام للزاوية دي...
لكن عنيه كانت شايفة أبعد من الشجرة.
سكت، وبعدين قال:
عايزاك تزرع ورد أبيض.
عم سعيد فتح شنطته، وطلع منها شتلة صغيرة، وردة بيضة لسه طفلة، وقال:
= أزرع الأبيض... بس يطلع إمتى؟
قلت بهدوء وأنا ببص على تيام :
_ لمّا القلب يروق.
"سكتنا التلاتة.
ولا صوت غير نفس خفيف بيتملى صدري.
بصيت للشتلة…
كأنها بداية جديدة كُتبت بلون أبيض، وسط تعب كتير.
قلت وأنا بمدّ إيدي:"
_ نبتدي من هنا.
| عدت ساعات |
"الجو كان هادي، النسيم بيلفّ حوالين المكان بشويش، كأنه بيطبطب على تعب الليلة اللي فاتت.
ريحة الطمي المبلول مالية الجو، والعصافير بتزقزق بهدوء بعيد، زي موسيقى خفيفة ماشية جنب اللحظة.
الأرض شكلها لسه متقلّبة من الحفر، والشتلات الصغيرة واقفة في صفّها، مستنيّة تتزرع… مستنيّة حدّ يبدأ.
على طرف الجنينة، عم سعيد قاعد على كرسي خشب، لابس طاقيته، وطبطب بإيده على التربة حوالين وردة زرعها.
كان باصص لها كأنها حاجة غالية عليه، كأنها أكتر من مجرد زرعة… كأنها حاجة بتحكيله حكاية.
نزلت بدرجتين، كنت شايلة صينية صغيرة عليها كوبايتين شاي.
الهوى كان منعش، لمس وشي بنعومة، كأنه بيحاول يقول لي: _كل حاجة هتبقى أهدى النهارده._
بابتسامة دافية وأنا بمدّ له الكوباية:"
_أهو الشاي اللي وعدتك بيه يا عم سعيد، عملته بنفسي.
عم سعيد عدّل قعدته ومدّ إيده ياخد الكوباية، ابتسامته فيها راحة:
=سلّم إيدك يا بنتي… الشاي ليه طعم تاني لما يتشرب تحت السما المفتوحة.
"كنت هردّ، لكن حسّيت بحركة ورايا.
لفّيت بهدوء، شُفت تيّام بيظهر، كان متكئ على كرسيه المتحرك، نازل على الممر ناحية المقعد.
ملامحه كانت هادية، بس فيها أثر شوية من تعب الصبح، ومع ذلك، كان فيه حاجة جديدة… حاجة خفيفة في الجو حواليه.
قال بصوت هادي فيه لمحة مزاح، كأنه بيكسر الجليد بينّا:
= وبعدين يا عم سعيد… هتسيب الجنينة دي فاضية كده؟
عم سعيدضحك بهدوء، ردّ بصوت كله يقين:
=الجنينة عمرها ما بتبقى فاضية يا بيه…
هي بس بتستنّى اللي ييجي يملّاها بالورد.
وحضرتك جيت أهو.
" قعدت على طرف المقعد ومدّيت له وردة صغيرة في شتلتها، إيدي كانت ثابتة، بس عنيّا بتراقب ردّ فعله، كأنّي باختبر حاجة من غير كلام.
بنغمة هادية، كأنّي بشوف هو هيختار إيه، قلت:"
_تحب تبدأ بزرعة من دول؟ أنت مشيت وسبتنا، بس خليت لك كام واحدة تزرعهم بنفسك…
ولا نخليها على المرحلة التانية من العلاج؟
"تيّام خدها بإيده، قلبها بين صوابعه، وبعدين قال بصوت هادي، كأنه بيسأل نفسه أكتر مني:"
= لو ماتت… يبقى أنا السبب؟
عم سعيد ضحك، لكن مش ضحكة عادية، ضحكة حدّ فاهم الدنيا أكتر مما شكله بيقول:
= الورد مش بيموت يا بني…
هو بس بيزعل لو اتزرع بإيد خايفة.
"ضحكت وأنا بسقي الأرض جنبه، الضحكة كان فيها دفء، كأنها بتهوّن التوتر اللي كان لسه قريب.
بمزاح خفيف، كأنّي بجذبه للهدوء:
_يعني إحنا الاتنين كده في وضع حساس… لو الورد مات، هنخسر سمعتنا مرة واحدة!
حتى الورد هيكوّن فكرة وحشة عنّا.
" تيّام ضحك، لكنه مش ضحك كامل.
فيه شيء من التردد، كأنه بيتعلّم إحساس جديد لأول مرة.
نزل بإيده في التربة بمساعدة عم سعيد ،
صوابعه لمست الطين لأول مرة من سنين، خد نفس عميق، كأنه بيحاول يصدّق إن دي لحظة حقيقية."
عم سعيد بدأ يحكي، بس كأنّه مش بس بيحكي عن الزرع، كأنّه بيحكي عن حياته:
= أنا اتعلمت أزرع لما حبيت واحدة كانت بتحب الورد…
كنت أروح السوق أشتري كل يوم نوع جديد، وأرجع أحاول أفهمه…
هي ماخدتش بالها من الورد.
بس أنا… اتعلّمت أتكلم بلُغته.
"رفعت عنيّا بتأثر بسيط، لكنه مرّ بسرعة.
تداركت الموقف بهزار، لكن تحته كان فيه نغمة حقيقية:
بابتسامة مستسلمة، كأنّي باقرّ الواقع:
_وبعد خضة الصبح دي… إحنا فقدنا الأمل فينا إحنا الاتنين، يا عم سعيد!
لا هنحب، ولا هنتحب، ولا هنلحق نتهنّى بالورد.
عم سعيد ضحك، لكنه شايف حاجة إحنا مش شايفينها:
= لأ، ده انتو أمل جديد…
بس محتاجين تترووا، زي الورد لما يتنقل من أصيص لأرض واسعة.
" تيّام سكت لحظة، بصّ للوردة بعد ما غرسها.
إيده كانت بترتعش شوية، لكنه كمل من غير ما يقول حاجة.
بصّيت له، حسّيت إني مش عايزة أعلّق.
قررت أسيب اللحظة تعدّي بهدوء، تسيب لها مساحتها تنمو، زي الورد."
عم سعيد قالها بهدوء، كأنه بيقول حكمة عادية، لكنها كانت أعمق بكتير:
= الجنينة دي هتبقى جنة…
بس لو كل وردة فيها، اتزرعت بإيد حبّت، حتى لو كانت مكسورة.
"النسيم مرّ، حرّك فروع الشجر،
واللحظة سكنت، زي لقطة من فيلم قديم،
والشاي اتشرب على مهل...وعم سعيد بيحكي لينا عن الورد، أما عنّا فكان في نظرات غريبة"
|بعد مرور أيام |
"فرشت السجادة، وضبطت الوسادة الكبيرة في مكانها، وبصيت على تيّام اللي بدأ يغيّر وضع جلسته.
كان باين عليه بيحاول يجهّز نفسه، مش بس بجسمه… بحاجات تانية كمان، ما تتشافش بسهولة.
قُلت بصوتي الهادي، وكنت بفرد كُمّي بشويش:
_النهاردة، هنتعامل مع الرجل الشمال…
هنفردها بهدوء… ونفكّ التشنّج، من غير استعجال.
" قبل ما أكمّل، لمحت ظل بيتحرّك على الباب. لفيت بسرعة.
_ادخل يا ثروت.... تعالى.
ثروت دخل، ماسك شوية حاجات بسيطة: فوطة، كريم، وكام حاجة كده متعود يجيبهم في الجلسات _كونه المساعد الخاص لتيام_.
كان وشّه دايمًا بيطمنّي، لأنه ما مبيتكلمش كتير، لكن حضوره دايمًا فيه احترام للمكان وللمُصاب.
=مساء الخير، يا تيام بيه ، ومساء الخير يادكتور
_ مساء النور ياثروت...يلا بينا.
تيّام بص له وابتسامة خفيفة طلعت منه كأنها بتهوّي على حاجة جواه:
_جِيت في وقتك يا ثروت … كنت خايف أصرّخ لوحدي.
"ضحك ثروت بخفة، قرب منّا، وأنا خدت نفس أهدى...واتكلمت."
_هنثبت الساق الأول على الوسادة ياثروت … بعد كده تبدأ التحفيز العضلي الخفيف زي ما اتفقنا، وأنا هوجّهك.
"أنا كنت مشيرة على نقطة معيّنة في الرجل الشمال، بعيني مش بإيدي ثم قمت بطمسها بقلم:
_هنا نبدأ بالتحفيز السطحي… نحاوط المكان ده بهدوء… من غير ضغط.
ابتدي العد معايا.
" ثروت بدأ يشتغل بصبر.
وأنا قعدت جنبه،بالقرب الكافي اللي يخليني أشوف كل تفصيلة، وبعيد كفاية إني ما أضغطش على المساحة اللي لازم تفضل بيني وببن تيّام.
كتبت ملاحظة في النوت، وبعدين سرّحت لحظة وأنا ببصّ لتيّام.
قُلت له، بصوت شبه همس:
_أنا هنا عشان أسمع رجلك...متتحكمش في وجعك..لو صدر أي ألم نتيجة للتمارين أفصح فورًا.
"تيّام كان باصص للسقف، بس صوته وصل لي، أهدى مما توقّعت:"
_وهي بترد؟
بتقولك إيه؟
ضحكت بخفّة وأنا برجع عيني على الرجل:
_بتقول: أهو، حد فهمنا أخيرًا…
إحنا مش محتاجين نصرُخ…ولا نستسلم ها؟!فاكر.
إحنا محتاجين وقت”.
"كان بيحاول يتنفس بهدوء، وأنا عيني على إيده اليمين وهي ماسكة حافة الكرسي بقوة صغيرة… كأن فيها سؤال مش عايز يتهرب.
سألت وأنا مركزّة:"
_حسيت بشَكّة خفيفة في صباعك الكبير؟
ولا لسه؟
"تيّام ردّ بصوت أهدى من قبل، كأنه بيترجِم إحساس مالهوش اسم:"
_مش شَكّة…كأنها فكرة بتعدّي…فهماني..
زي صوت بعيد بيقرب.
سبته يقول كلمته للآخر…
ولقيت ضحكة صغيرة طلعت جوايا من بين قلقي:
_ده تطوّر مهم…
صغير؟ آه.
بس مش بسيط.
ثروت كان بيكمّل التمرين باحتراف، وبص لي وهو بيعدّ:
= نكمّل خمس عدّات كمان يادكتور طالما في استجابة ، وبعدين نثبّت الوضع كدا صح؟
هزّيت راسي:
_تمام… وبعدها نلفّ الكمّادة السخنة عشر دقايق.
الدقايق عدّت بهدوء.
كنت حسّة إن كل نفس بيتاخد جوّه الغرفة، بيغيّر حاجة.
مش كبيرة… بس محسوسة.
وقفت وانا بجمع أوراقي،شكرت ثروت:
_شُكرًا ياثروت … أنقذت رجله منّي النهاردة.
"ضحك وهو بيجمع أدواته وخرج.
وسابني أنا وتيّام لوحدنا...بعد ما طلبت منه يترك باب الغرفة مفتوح"
بصّ لي، المرة دي بعينين فيها حاجة تانية… مش امتنان، مش تحدّي…
حاجة زي الفضول.
= هو كان تمرين…
ولا اعتراف؟
_ اعتراف لأيه؟
=أن رجلي قالت لك:
تيام مفيهوش أمل.
"سكتّ لحظة.
ما كنتش محتاجة أفكر.
كان الرد طالع من جوّا من غير تردّد:
_كان الاتنين…
اعتراف وتمرين.
وانت شاركت فيهم، حتى لو ما تحركتش.
بس هي ماقلتش مفيش آمل.
قالت لي: برافو يانورين معاكِ حق.
وشاطرة إنك وقفتي قدام الشرير لأ لأ.
= لسـه بيغلس عليكي؟
_ علطول..رخم..أرخم دكتور شافته عيني.
= مش مصدق،إنك وصلتي لحاجة.
_ لا هو مش عايز يصدق، بس دي مشكلته.
الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
= اختلاف وود ايـه يا نورين، دا أحنا مطلعين الراجل من معدتك إمبارح..
_ عصبني..بقول لك شرير، ما هو لو دماغه كبيرة زي ودانه كان فهم أنا بتناقش في ايـه.
=بطلي تنمر...بقى...حرام..حرام.
ضحكت... فضل ساكت، لميت كل أوراقي، النوت وشنطي
تيّام قال بصوته الهادي، وهو بيعدّل ضهره شوية:
= هتمشي؟
بابتسامة خفيفة، وقفت وأنا بجمع أوراقي:
_خلصنا خلاص فقرة العذاب اللي بتكرهها.
نمينّا على الشرير لألأ، ومش بس كدا قولت ليّ بطلي تنمر بتاعت كل يوم..
تيّام بص لي لحظة، كأنه بيقيس حاجة بين السطور، وبعدين قال:
_جايلِك نوم؟
رفعت حاجبي شوية، ابتسمت بخفّة وأنا بردّ:
_آه… شوية.
تيّام بص بعيد شوية، كأنه كان بيتفرج على فكرة بتعدّي في دماغه، وبعدين رجع لي بنظرة مباشرة:
=بس ممكن… تقعدي شوية؟
أنا محكتلكيش...أصل عم سعيد جه النهاردة وقعدنا سوا.
_ ما انت حكيت ليّ..وإنكم اتكلمتوا عن الحب.
= كلامه بيدور في دماغي…
"يبخت الحد اللي يحب وشريك الحب يستاهل"… الكلمة دي وقفت جوايا.
" سكتّ، سكوتي كان فيه حاجة أكتر من مجرد عدم الردّ…
كنت بحاول أفهم هو بيقصد إيه.
تيّام قرّب نظره، وبصوت واطي كأنه بيختبر ردّي، قال:"
= إنتِ… حبيتي قبل كده؟
أو بتحبّي؟
"أخدت نفس، بس كان أطول من اللازم…
وشّي شدّ خجل فجأة، ما توقعتش السؤال ده، ولفّيت وشي ناحية الباب، كأني كنت بدوّر على جواب أهدى."
_أنا…
"تيّام حسّ بتردّدي، ابتسم بودّ بسيط، كأنه بيطبطب على الحرج بدون ما يتخلّى عن فضوله:
= آسف… شكلي دخلت في خصوصيات مش من حقي.
بسرعة، وبصدق نابع من المفاجأة أكتر من أي شيء تاني، قلت:
_لا، لا، متقولش كده…
بس السؤال فجأني… معرفتش أرد.
تيّام اتكأ على الكرسي، نظره كان رايح بعيد، كأنه بيستدعي ذكرى:
_عارفة إن من وقت الحادثة…
كان بيجيني جوابات؟
" بصّيت له بسرعة، متفاجئة بجدّ، والدهشة في صوتي ما كانتش متعمدة:
_جوابات؟
" تيّام ابتسم، بس الابتسامة كان فيها شيء بين الامتنان والحيرة، كأنّه بيحكي حاجة غالية عليه، لكنه لسه مش عارف يشوفها كاملة:
=رومانسية…
كل شوية جواب، مكتوب بخطّ حلو، ومفيهوش اسم.
بس الكلام…
كان دايمًا بييجي في وقته.
كأنه حدّ شايفني من جوّا.
بيوصّف وجعي، ويدّي له طبطبة، من غير ما يحاول يغيّره.
كأنه بيقول لي: "أنا جنبك، حتى وانت مش شايفني".
" شهقت بخفّة، بس بلعتها بسرعة، وقلت له:
_رومانسية؟ ازاي يعني؟
"تيّام بص لي، كأنه بيحاول يفكّ لغز، كأنه بيختبر الكلمات اللي هيستخدمها، وبعدين قال:
= يعني كانت مكتوبة بحنية…
بحُب يمكن.
بس مش الحب اللي بيتقال كده، لأ…
الحب اللي بيتشاف في الطريقة اللي حدّ يستناك فيها، من غير ما يستعجلك.
" وشّي احمر، حسّيت بصوتي بيتكسر وأنا بسأله:"
_ولسه الجوابات دي بتجيلك
هزّ راسه بهدوء، نظراته ناعمة، لكن جواه حاجة أعمق من الهدوء اللي ظاهر عليه:
_لأ…
وقفت بعد فترة.
بس أنا محتفظ بيها كلها.
كل حرف…
كل سطر…
كأنها كانت ضهري، في وقت كنت واقع فيه على وشي.
شكلها زهقت.
صمت عم المكان أنا ببصّ للأرض، وبصوت واطي جدًا قلت:
_محدّش يعرف عنهم حاجة ؟
تيّام نظر لي، وبنظرة فيها حذر وإدراك، قال:
= ولا حتى بابا…إنتِ أول واحدة أحكيلها.
سكتّ، بس عنيّا كانت بتلمع.
مش عشان الإجابة…
بس عشان حاجة تانية… حاجة مش مكتوبة في الجوابات، بس مكتوبة في اللحظة اللي إحنا فيها."
تيّام بص لي، بنُص ابتسامة، وصوت هادي فيه خبث بسيط:
=هو إنتِ متضايقة… ولا إيه؟
رفعت حاجبي شوية، وأنا بردّ بنفس النبرة اللي بتحب تخلّي السؤال كأنه مش موضوعي:
_أنا؟ من إيه؟
ضحك وهو بيشرب عصيره، وقال:
= من جواباتي؟
ولا من اللي كانت بتبعتهم؟
"أنا اتكتمت ثانية، معرفتش أردّ فورًا، وبعدين قلت وأنا بحاول أضحك، بس حتى الضحكة كأنها فيها خطوة مأجلة:
_هو أنا عارفاها أصلاً؟
ولا حتى أعرف كانت بتقولك إيه؟
" رفع حاجبه، ومال ناحيتي شوية، نبرته أخدت شكل السؤال اللي مش بس بيستفهم، لأ… كأنه بيجسّ إحساس:
= طب إيه رأيك؟
في واحدة تبعت كلام حُب وشَوق لحد مش بيقدر يتحرك،
ولا حتى يعرف مين هي، وتختفي فجأة؟
"بصيت في ساعتي، مركزّة على عقرب الساعات.
وقلت بهدوء، وأنا بختار كلماتي كأنّي بافكّك وِحدة وِحدة:
_يمكن…
كانت بتحبك من بعيد، ومقدرتش تكمّل.
أو انت مبادرتش..فخوفها.
الخوف بيكسّر حاجات جوانا… وما بيرجعهاش بسهولة.
"لحظة سكت فيها، وبعدين بص لي، النظرة ما كانتش بس غريبة… كانت فيها محاولة يقرأ حاجة ما اتقالتش:
_الخوف؟
ولا الغيرة؟
" قلبِي اتقبض لحظة، مش من سؤاله، من اللي ممكن أجاوب به."
_غيرة؟!
"ضحك وهو بيتّكئ على ظهر الكرسي، وقال بنبرة فيها دفا بس برضه فيها لعب:"
_يا ستي بهزر…
بس شكلك غيرانة فعلًا.
"هزّيت راسي وأنا بتبسّم، بس الابتسامة كانت فيها استسلام صغير للي ما اتقالش بصوت:
_شكلك بتحب تتهوّر بالكلام آخر الليل...وتكسر حدود كلامية بينا
" غمز، بنعاس خفيف، وقال بصوت شبه هامس وهو بيبص لي:"
=آخر الليل…
أحلى وقت للحقيقة...أنا شكلي بخترف...أنا نمت ولا ايـه.
_ قصدك..انا بستهبل ولا ايـه.
تصبح على خير ياتيام..نادم على ثروت بقى يساعدك علشان تنام.
"دخلت الأوضة، ولسّه شايلة في عنيّا آثار الضحك…
وآثار حاجة أعمق.
وقفت قدّام المراية، بصّيت لنفسي، وسحبت التوك من شعري بهدوء،
كأنّي بفكّ فكرة من جوايا، مش مجرد قماشة.
"غيرة؟
. مينفعش أغير من صاحبة الجوابات ياتيام بيه؟"
الهمسة خرجت مني قبل ما أفكّر فيها،
زي سؤال مش متعوّدة أسأله لنفسي.
اتنفست بعمق،
والبسمة اللي طلعت كانت صغيرة، شبه خجولة، بس فيها اعتراف خفيف…
كأنّي اكتشفت حاجة كنت بستخبى منها.
فتحت الدرج اللي على الكومود، طلّعت ظرف قديم،
متني من النص، وعليه بقعة شاي باهتة.
مسحته بطرف صباعي، وفضلت أبُص له.
"لو تعرف إن الجوابات دي…
صاحبتها أنا."
"مفيش حد بيغير من نفسه"
الكلمة تقطّعت في نصّها،
لأن دمعة صغيرة، سريعة،
لمعت في عينيّا قبل ما ألحق أكمّلها.
ما كانتش دمعة حزينة…
كانت تقيلة
قمت وطّيت النور.
الغرفة غِرِقت في هدوء أعمق.
وسبت الظرف مرمي على الكومود،
جنبّي، وأنا نايمة."


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close