اخر الروايات

رواية ساهر الفصل الخامس 5 بقلم داليا السيد

رواية ساهر الفصل الخامس 5 بقلم داليا السيد 



الفصل الخامس
حفل
لم يكن غاضبا وهو يعود للفندق وقد حجز بالفعل بطائرة الغد عائدا مصر، لا داعي لوجوده فقد انتهت مهمته كما قال أما ما غير ذلك فلا يهمه ولا يعنيه وهي كانت صريحة بالبعد لذا الأفضل هو ما فعله
عودته مصر كانت طبيعية لكن هو لم يكن طبيعي، منذ عاد وهو لا يتوقف عن التفكير بها ومع ذلك لم يحاول معرفة أي أخبار عنها ولم يحاول لقاء رفيق ليخبره ما فعله فقد منحهم اقتراحاته ورحل ولكن من داخله كان يعلم أنه ما كان عليه أن يتخلى عن امرأة بوقت الاحتياج، ورغم مبرراته أنها ليست ضعيفة وبدت قوية دائما إلا أنه لم يغفر لنفسه تركه لها وهي بأشد أوقاتها صعوبة
اجتمع الجميع بالشركة القديمة بالإسكندرية أخيرا بعد مرور وقت طويل لم يفعلوا، الكل مر بأزمات صعبة بحياته، حمزة وحلا وأخيها، جاسم ومايا وزواجهم الغريب ولكن الأجمل هو أن العائلة اتسعت وأصبحت أكبر بوجود أولاد إخوته ورغم أن عامر كان يدعو الجميع ببيته مرة كل أول شهر وليل ومايا يهتمان بالطعام فكلاهم خبراء بالطعام إلا أن لقاء الخميس كان الأفضل لهم
جلس جاسم ورفع ساقاه على المكتب القديم وتناول البيرة وقال "هيا عامر قلت أن هناك شيء هام فما هو؟"
وقف عامر بجوار النافذة وحدق بإخوته المتناثرون حوله وقال "نعم، الأمر يخص رفيق"
توقف جاسم عن تناول البيرة ونفخ حمزة دخان السجائر بطريقة تعبر عن الدهشة بينما ردد ساهر "رفيق؟ ماذا يهمنا بأي شيء يخصه عامر؟"
ظل عامر مكانه وقال بهدوء "لا شيء يهمنا ساهر ولكن هو يصر على إدراجنا بالأمر"
نهض جاسم وتحرك لعامر حتى وقف أمامه وقال "نحن لا نفهم شيء عامر هل توضح؟"
تحرك عامر للمقعد الذي تركه جاسم وجلس عليه وقال "بالأمس أعلن أنه انضم لرجل أعمال لديه شركة وأصبح شريك له بها"
رفع حمزة حاجبه بينما لم يتحرك جاسم لكن ساهر قال باهتمام "أي شريك عامر؟ رفيق كان واضح أكثر من مرة معنا أنه ترك لنا كل شيء بوصيته رغم معرفته برفضنا لأمواله!"
نظر عامر لساهر وقال "هذا صحيح لكن ذلك بعد موته لكن على قيد الحياة هو حر بكل أمواله"
اعتدل حمزة بمكانه وقال "ومن هو هذا الشريك عامر؟"
لفت عيونه على وجوه إخوته حتى قال "رجل أعمال يقال أنه عاد من الخارج مؤخرا بعد أن صفى كل أملاكه هناك وما عرفته أنه كان صديق عزيز لرفيق بالشباب"
ضاقت عيون ساهر وارتد لأكثر من سنتان ونصف، وتذكر عزت الفيومي وكلمات رفيق عنه أنه كان صديقه بيوم ما فترى هل هو؟ وبسرعة هبت العيون الخضراء التي لم ينساها أمامه
صوت عامر جذبه وهو يقول "الرجل عاد منذ فترة قصيرة وهو حاليا يقيم بالقاهرة"
قال حمزة بجديته المعهودة "ألم تتحدث عن الشراكة؟"
هز عامر رأسه وقال "نعم، الشراكة لم تعلن بعد لكني عرفت بالأمر"
ابتعد ساهر وهو يسأل بتردد وكأنه يخشى الإجابة "ألم تعرف من هو؟"
رد عامر "ليس بعد"
المناقشات كانت بلا نفع ولم يتوصلوا لشيء وقبل أن يرحلوا هاتف عامر رن باسم والدتهم هدى فابتسم وقال "هدى، هي تعلم بلقائنا بالطبع، أهلا سيدتي الجميلة"
أجابت المرأة بصوتها الهادئ "أهلا حبيبي، كيف حالك وحال ليل وأحفادي؟"
أجاب "بخير ماما، كيف حالك وحال البنات؟"
ردت "يسألون عنكم، إخوتك معك؟"
قال ونظراته تلف عليهم "نعم ماما"
قالت "جيد كي تخبرهم ما سأخبرك به، نحن سنقيم حفل غدا بمناسبة فوز أختك ضي بمسابقة أفضل كتاب وبالطبع لابد من وجودكم بالحفل"
رفع وجهه لإخوته الذين كانوا ينتظرون كلماته وهو يقول "لكن ماما كلا منا لديه ما يشغله بالغد"
تبدلت نبرتها وهي تقول "ليس هناك ما يشغلكم عن أختكم عامر، الحفل بالتاسعة لا تنسى جلب زوجتك وكذلك جاسم وحمزة، وبالطبع ساهر بلا نساء إلى اللقاء"
أغلقت فأبعد الهاتف ونظر لإخوته وقال "هناك حفل غدا بمناسبة كتاب ضي وهي تريدنا جميعا وبزوجاتنا"
نهض حمزة وقال "حلا بنهاية الحمل عامر ولن تتحمل السفر"
جاسم قال "أنا لا أعترض"
نهض عامر وقال "تعلم هدى هي لا تقبل أعذار حمزة، حلا قوية وستتحمل الأمر"
بالطبع ساهر ليس لديه أي وجه للاعتراض هو الوحيد الحر فيهم، لا زوجة ولا رفيقة، أصبح العمل هو ما يحوز اهتمامه مؤخرا، النساء موجودة ولكنه لم يعد يمنحهم أكثر من ساعات قليلة بأي نادي ليلي ويرحل وحده فقد توقف عنهم من فترة ولم يعد يهوى تلك الحياة مؤخرا
الحفل كان يعج بالحضور وتوقف حمزة مع عامر بركن بعيد وعيونه على زوجته التي على وشك الولادة وعامر يمنحه كلمات تهدأ منه بينما توقف جاسم مع زوجته ونور معهم بحوار هادئ أما ساهر فلم تتركه ضي وهي تحكي له عن كتابها عندما توقفت عيونه فجأة على الشخصان اللذان تحركا فجأة للداخل..
تحرك رفيق للرجل الذي كان يتحرك على كرسي متحرك مجهز وتوقف عند مدخل القصر وبجواره امرأة التفت لها كل الوجوه بفستانها الكريمي الطويل يغطي حتى حذائها المرتفع ويكاد يترك ذيل قصير خلفها، ملتف بشكل رائع حول صدرها لا يظهر إلا عنق أبيض طويل وذراعين بنفس اللون، وجهها المستدير استقر تحت شعرها الأشقر المرفوع للأعلى بشكل خلاب وعيون خضراء تمتلئ بالقلق تتحرك هنا وهناك وفم مذموم بشكل مغري بطلاء فاتح يكاد لا يذكر
توقف قلب ساهر عن الدق للحظة وهو يعرف تلك العيون جيدا، هو يعرف صاحبة ذلك القوام الرائع الذي يرى جماله لأول مرة حتى منذ عامان ونصف هو لم يراها بهذا الشكل، رأى رفيق يتحرك لهما بابتسامة مشرقة وتبعته هدى وهي تحتضن الفتاة فأصابه الجنون وهو لا يفهم شيء
صوت عامر جذبه من الأعماق وهو يقول "ماذا أصابك؟ تبدو كالأحمق هل تعرفها؟"
لف رأسه لعامر، القائد الذي يعرف كل شيء، قال بلا وعي "هل تعرفهم؟"
أشار عامر لهم وقال "الفيومي وابنته، هو الشريك الجديد لرفيق"
ظل يحدق بعامر وهو لا يصدق ثم هتف "ما أعرفه أن ابنته لم تكن تقيم معه"
مال عامر تجاهه وقال "أنت تعرفها؟ هل هناك شيء؟"
أشاح بيده وقال بغضب "لا عامر ليس كما تظن"
أبعد وجهه وقال "فقط من الميديا عامر"
ظل عامر يحدق به بشك لكن ساهر لم ينتبه لنظراته وهو ما زال بالصدمة بينما قال عامر "حسنا بالتأكيد الميديا أيضا ستمنحنا أخبارهم ونعرف كيف انتهى بهم الأمر معا وهنا"
عاد يبحث عنها ولكنها كانت تقف مع والدته وإخوته البنات وتمنحه ظهرها فقال ردا على كلمات عامر "ربما"
هز عامر رأسه وقال "حسنا سنعرف كل شيء لكن بأوانه"
ليل تحركت تجاههم وقالت "تبدو فاتنة ساهر، هل الجمال الإنجليزي يكسب؟"
لف عامر ذراعه حول زوجته وقال بحب واضح "ليس هناك أجمل منكِ حبيبتي"
ضحكت وانجذب ساهر لها وقال "الجمال المصري يفوز دائما ليل"
قالت "أنا عرفت أنها نصف مصرية أي تجري بعروقها دماء مصرية، ألا تعجبك؟ أنت تخطيت الخامسة والثلاثين؟"
حدق بها وقال "وماذا ليل؟ عامر تزوجك بسن أكبر هل منعك ذلك من حبه؟"
تراجع عامر من حدة ساهر بينما ظلت ليل هادئة كعادتها وقالت بصدق "بل كان أكثر شيء أحببته به فهو لم يكن بالشاب الطائش بل كان جذاب وفاتن"
ابتسم عامر لزوجته بينما تدارك ساهر كلماته وقال "آسف ليل لم أعني ما قلت، اسمحوا لي"
وتحرك للشرفة وهو يجذب كأس من أحد الخدم وخرج للحديقة وهو يشعر بغضب يجتاحه، تناول الشراب الذي سرى بعروقه التي كانت تغلي ربما يمنحه بعض الهدوء، جرعة واحدة لم تكفيه فتناول كل ما تبقى بالكأس وهو يتحرك بالحديقة المضاءة بأنوار خافتة، هو يحفظها جيدا، بكل مكان ذكرى له مع إخوته حتى انتهى كل شيء بدمار حل بالجميع، توقف بالقرب من الشجرة العملاقة التي كانوا يتسلقون عليها بالصغر ويتسابقون من يصل أولا
صوت أنثوي جعله يلتفت دون أن يبتعد عن ظل الشجرة وهو يعرف الصوت وهي تقول بلغة إنجليزية "لا ماما أنا بخير صدقيني"
صمتت تسمع وهو يراها تتحرك بلا هدى فتراجع بجوار الشجرة وهي تقول "هو أفضل حالا منذ وصلنا هنا ومستر دويدار منحه الكثير وزوجته رائعة، لا تقلقي حبيبتي أنا بخير"
كلمات قليلة بعدها وأنهت الحديث وانتظر أن تذهب ولكنها لم تفعل بل ظلت تتحرك وهي ترى الزهور التي تزرعها هدى وجمالها يغريها وذهنها مشغول بالكثير وظل هو جامدا مكانه فلو تحرك ستشعر به ولو التفتت هي لتعود ستراه ولم يعرف ماذا يفعل؟
أعجبها الورد جدا وابتسمت وهي تلمسه وبدت فاتنة تحت الأضواء الخافتة من حولها وهو يراقب خصلاتها تداعب وجنتها ولا يريد الذهاب بل أراد البقاء ومشاهدتها هكذا للأبد حتى رن هاتفه فجأة مما جعلها تفزع وهو يحاول إخراج هاتفه لإسكاته وعندما انتهى رفع وجهه ليلتقي بالدهشة المرتسمة بشكل واضح على وجهها وهي تردد
"ساهر!؟"
كان عليه أن يتحرك خارجا من مخبأه ليواجها حتى وقف أمامها وهي ترفع رأسها تبحث عن رد وقبل أن يرد هتفت "ساهر!؟ ماذا؟ يا الله! كيف لم أعرف؟ دويدار! أنت ابنه"
لم يكن هناك مجال للإنكار وهو يملأ عيونه بملامحها وشعر كم كان يشتاق لرؤيتها وكم هو سعيد لأنها هنا وتذكره كما لم ينساها، عاد لها وقال "نعم"
تحركت من أمامه لتذهب ولكنه سد طريقها وهو يقول "آسيا انتظري"
كانت غاضبة لأنها تذكرت الطريقة التي تخلى بها عنها وتركها بلا اهتمام بمصيرها فقالت "لماذا؟ لا شيء يجعلني أفعل، أنت لم تهتم بشيء سوى نفسك، أنت حتى لم تخبرني بعلاقتك برفيق، ماذا كنت تريد مني وقتها ساهر؟"
كانت قريبة وعطر جديد يصل له وهو يرى الغضب بعيونها وأجاب "الأمر ليس كما تظنين آسيا أنا فقط أردت المساعدة ولم يكن هناك فائدة من ذكر رفيق"
هتفت بنفس الغضب "حقا؟ وهل قدمت مساعدتك لي حقا؟"
تراجع وهتف يدافع عن نفسه "هل تسألين آسيا؟ ألم أمنحك اقتراحاتي وطرق تنفيذها؟"
ردت بنفس الغضب "ورحلت، هكذا دون حتى أن تنظر خلفك مرة واحدة وتسأل نفسك هل نجحت خططك أم لا، لم تفكر ولو لحظة أن من تركتني بينهم سيحاربون بكل قوتهم لوقف كل طرق الإنقاذ السليمة، حقا لقد ساعدتني ساهر، ولكن هل تعرف شيء، أنا تمنيت لو أنك لم تأتي من الأساس"
وتركته وتحركت للداخل وهو بمكانه لم يتحرك ولم يفكر حتى بالنظر لها وهو يستمع مرة وراء الأخرى لكلماتها، أنت لم تنظر خلفك مرة واحدة، لم تفكر لحظة أن من تركتني بينهم سيحاربون بكل قوتهم لوقف كل طرق الانقاذ، هو حقا لم يفكر بكل ذلك ولا بكل ما كانت تمر به رغم أنه كان يعلم بالشبكة الشيطانية التي كانت تلتف حولها، كل ما فكر به هو أنها ترفضه وأن كرامته أهينت وعليها تحمل العقاب وكالعادة تهوره بالرحيل كان النتيجة
عاد للداخل وبحث بعيونه عنها ليجدها بجوار والدها ورفيق معهم فتحرك ليقف مع جاسم ومايا وتبادل معهم الحديث ولكن نظراته كانت عليها وهي تبتسم بإشراقة لكلمات رفيق وهدى والجنون يصيبه
انتبه لمايا ليجيب سؤالها ثم عاد باحثا عنها ليرى انضمام مجموعة من الرجال لهم وهي كما عرفها قوية وهادئة بابتسامة عملية للجميع
أراد أخذها من وسطهم والاستحواذ عليها لكنها لم تعيره أي اهتمام وهذا كان يصيبه بالجنون
العشاء كان سريع والموسيقى بدأت والبعض يرقص وتراجع عندما وجدها ترقص مع عادل وهو شاب معروف، ابن رجل أعمال شهير وهي تتبادل معه الكلمات، تناول المشروب بطريقة غاضبة وهو كأسه الثاني الليلة، بالعادة هو لا يفرط بالشراب ولكن الغضب يعميه
"ماذا بك ساهر؟ لا تبدو بخير"
نظر لهدى التي كانت تقف بجواره فأبعد الكأس من يده للخادم الذي كان يمر بجواره وقال "لا شيء ماما، فقط صداع"
كانت نظراته تذهب لها وهي تضحك مع عادل، سمع هدى تقول "لم لا ترقص؟ هناك بنات كثيرة جميلة"
عاد لوجه أمه وقال "لا أريد ماما، أفكر بالذهاب"
ابتسمت ولمست ذراعه وقالت "لا ساهر ما زال الوقت مبكرا، تعالى أريد تقديمك للفيومي"
جذبته من ذراعه وهو يحاول إيقافها وهي لا تسمعه وهما يعبران وسط الجميع حتى توقفت أمام كرسي الفيومي الذي كان يدخن سيجارة ولا أحد معه وهدى تقول
"عزت هل قابلت ابني ساهر؟"
رفع الفيومي وجهه لساهر ولم يجد به ساهر أي شبه بابنته بل بدا جامدا وهو يقول "لا، إذن هو الصغير أليس كذلك؟"
قالت بفخر "نعم، وبعده نور وضي"
كان اللقاء غير محبب له ومع ذلك كان عليه مجاراة الأمر والفيومي يقول "وأنت محاسب أيضا؟"
أجاب هو بنفاد صبر "لا حمزة هو المحاسب أنا مهندس"
قالت الأم بفخر "هو مهندس شهير ولديه دراسات كثيرة خاصة بلندن وهو المسؤول عن الإنشاءات بمجموعة إخوته"
تراجع الأب وهتف "ساهر دويدار! يا الله! كيف لم أعرفك؟ أنت الخبير الذي استعانت به ابنتي وقت مرضي أليس كذلك؟"
هز رأسه وهو لم يعرف أنها أخبرت والدها عنه فعاد الأب يقول "اقتراحاتك كانت رائعة بني وآسيا.."
قطع كلماته وعيونه تتحرك لمكان آخر وهو يهتف "ها هي، آسيا هل التقيت بالمهندس ساهر؟"
كانت آسيا قد انتهت من الرقص واستأذنت من عادل الذي جعلها تشعر بالصداع من كلماته ولولا أنه أراد الانفراد بها للحديقة لما رفضت بأدب واختارت العودة لوالدها واللقاء بساهر مرة أخرى ولكن والدها كان حجتها الوحيدة
التقت عيونها بهدى التي أفسحت لها بابتسامة رقيقة وهي قالت "مرحبا ساهر"
التفتت له بعيون باردة قابلها بنفس البرود وهو يقول "مرحبا آسيا"
قبل أن يتحدثا قالت هدى "عزت هل قابلت حمدي الدمياطي؟ تعالى لرؤيته، آسيا اسمحي لنا"
أحنت رأسها بأدب وقالت "بالتأكيد حضرتك"
نظرات هدى لابنها كانت غريبة وحاول ألا يفهمها كما تريد وهو يضع يداه بجيوبه ويلتفت لها وقال "أخبرتِ والدك عني؟"
رفعت رأسها كعادتها لتبدي قوتها وهي تلتقي بعيونه وقالت "هل تقصد عنك الخبير الهندسي الذي أنقذنا؟ بالتأكيد كان لابد أن أفعل، الجميع كان سيفعل"
أبعد وجهه عنها لحظة قبل أن يعود لها ويقول "ماذا تفعلين بمصر؟"
تراجعت والدهشة تصيبها وهي تقول "ألا تعرف ماذا أفعل هنا؟ هل تمزح؟"
انتبه لكلماتها وضاقت عيونه وهو يقول "أمزح؟ عن ماذا تتحدثين آسيا؟ أنا لا أفهم"
ظلت تحدق به وهي لا تعرف هل هو صادق أم لا ولكن نظراته كانت تعني الحيرة بجد لذا قالت "بابا صفى كل أملاكه بالخارج بعد أن حدثت مشاكل له مع كاترين زوجته قبل موتها ومر بأزمة صحية أخرى قرر بعدها أن يعود هنا وطلب مني صحبته ولم يمكنني تركه بحالته هذه، الميديا كلها تعرف ما كان ولولا والدك لما عاد والدي لحياته"
تراجع أكثر وهو يردد "والدي!؟ وما علاقته بالأمر؟"
عادت تنظر له وهي لا تصدق كلماته "ألا تعرف حقا؟"
الغضب تعالى داخله من دهشتها المستمرة من جهله وغضبه الأكبر من نفسه لأنه بالفعل يجهل كل ما يخصها لكن هو حقا لم يحاول أن يعرف عنها شيء لذا قال "آسيا أنا حقا لم أتابع أخباركم منذ عدت من لندن ولا أتابع أخبار رفيق فكفي عن دهشتك من كل كلمة أنطق بها"
شعرت بضيق لعدم اهتمامه بها ولكنها كانت تعلم أنه لم يهتم بها بأي يوم فلو فعل ما تركها بتلك الأيام لذا هزت رأسها وما زالت تحدق به وقالت "نعم، معك حق ما الذي سيجعلك تهتم بأمور لا تخصك ولا أظن أنها تعنيك الآن"
تدارك أنه لا ينطق إلا بكلمات لا معنى لها، بل كلمات تبعدها عنه أكثر مما هي فأسرع يقول "لا، أقصد نعم تهمني، آسيا"
الغضب زاد داخلها فتحركت من أمامه وهو لا يعرف ما الذي أصابه؟ هو حقا يفقدها أكثر وأكثر، أي جنون يصيبه الآن؟ هل الشراب أفقده وعيه؟
حاول البحث عنها ولكنها كانت قد اختفت تماما وقد تأخر الوقت وبدأ الجميع بالانصراف ولم يجد مفر من الذهاب وإخوته رحلوا كلا مع زوجته بينما قاد هو بالسيارة بلا هدى وهو يدرك الآن أنه لم يحقق خطوة واحدة للأمام معها بل ارتد ألف خطوة للخلف
الصباح كان قريب خاصة وهو نام متأخر جدا، خلع جاكته ووضعه على ظهر مقعده وتحدث بالهاتف الداخلي "قهوة سحر"
رفع يده لشعره وهو يشعر بصداع منذ أن ترك الفراش، لم يحصل سوى على ساعتين نوم والشراب أثر عليه وأصابه بصداع لم يتركه
جلس خلف مكتبه وفتح جهازه ورغم الرسائل الالكترونية الواردة لديه إلا أنه لم يفتحها وتحرك لجوجل وطلب أخبار عزت الفيومي، الأخبار توافدت أمامه وصور عزت على المقعد المتحرك ملأت الشاشة، بالعودة لتاريخ أقدم وصل للمرحلة التي كان بها هناك ولكنها كانت مفقودة واندهش وهو لا يجد شيء بتلك الفترة فقط عناوين
وضع الرجل القهوة فلم يهتم وهو يرى أخبار المجموعة والعناوين "آسيا الفيومي تقود مجموعة الفيومي وترفعها من القاع لتعود للقمة، آسيا الفيومي أصغر سيدة أعمال تحقق نجاح غير معهود، وآخر خبر، الفيومي يعود لعرشه وابنته تختفي بعد النجاح الذي حققته
ولا أخبار بعد ذلك عنها، وبدا وكأن هناك فجوة زمنية بالمنتصف، شيء مفقود، اختفت صورها كسيدة أعمال ناجحة وتربع الفيومي على العرش مرة أخرى، ترى لماذا تراجعت بعيدا رغم نجاحها؟ ولماذا كانت غاضبة منه لرحيله ألم تنجح هي؟
لم يتابع أخبار الفيومي وعناوين عن زوجته وموتها، أخبار هامة ولكنه لم يهتم بها
تراجع بالمقعد وهو يتناول القهوة ولا يفهم سبب اهتمامه بها بهذا الشكل؟ وهي؟ هي ماذا؟ ألم تكن مهتمة لأنه تركها ورحل؟
انتهى من القهوة ورن هاتفه الداخلي فأجاب وكان عامر يطالبه بالعمل فلم يتأخر أكثر وهو ينفض آسيا عن رأسه للتركيز بعمله ولكنه لم يستطع التخلص منها نهائيا وعيونها الغاضبة تلاحقه
مر اسبوع تقريبا على اللقاء المؤسف وحاول هو تجنب التفكير بها حتى طلبه عامر لمكتبه فتحرك له ودخل مكتبه فنظر له عامر وقال "اجلس لدي موضوع هام"
بدا عليه القلق وقال "بخصوص؟"
ترك عامر جهازه وارتد بالمقعد وهو ينظر لساهر وقال "الفيومي"
ظل يحدق به لحظة قبل أن يسأله "ماذا عنه؟"
نهض عامر وتحرك حتى جلس أمام أخيه وقال "أنت لم تخبرني أنك قدمت خدماتك لهم منذ سنوات"
تحرك بمقعده وقال "لم يكن الأمر بهام عامر، كنت بإجازة بذلك الوقت ورأيت الأمر سهل فقدمت اقتراحاتي كخبير"
ضاقت عيون عامر وهو يقول "حسنا، الفيومي هاتفني اليوم وطلب خدماتنا الهندسية وبالطبع أنت بالاسم"
نظرات عامر كانت تتحدث بالكثير فلم يتحمل مواجهته ونهض وهو يتحرك بلا هدى وقال "ماذا تريد عامر؟"
لم يتحرك عامر وهو يقول بجدية "لا شيء غير ما تريد قوله"
لم يلتفت لعامر وهو يحكي له باختصار ما حدث وقتها وعامر يسمعه بهدوء كعادته حتى انتهى وهو لا يواجه أخيه الذي قال "ولماذا رفضت البقاء والاشراف على الأمر؟"
التفت له بحدة وهو تجنب الحديث عنها وعن الرجال بحياتها وفتح فمه ليجد رد ولكنه تمهل وهو يقول "لم أكن أرغب بالبقاء عامر، أنا قدمت الاقتراحات فقط وهو ما نص عليه الاتفاق"
نهض عامر وتحرك له وقال "حسنا وما رأيك بطلب الفيومي؟"
لم يتحرك وهو يرد "ولماذا أنا؟ أنت من تتخذ القرارات عامر"
وابتعد من أمامه بينما قال عامر "القرية التي يتحدث عنها تحتاج خبير هندسي وأخبرتك أنه ذكرك بالاسم، الشركة التي أنشأها هنا تطلب خدماتنا كأي شركة"
دفع شعره للخلف بيده وقال "لا أعلم عامر، قد لا أفضل العمل معهم"
تحرك عامر له وقال "للأمر علاقة بآسيا ابنته؟"
التفت بحدة لمواجهة عامر الذي جمدت ملامحه منتظرا الرد وأدرك ساهر أنه لا يتوقع مماطلة فقال "لا شيء بيننا عامر، نحن مختلفان، هي من قالت ذلك وأنا لم أتجاوز معها بأي شيء"
كان صادق فابتعد عامر وقال "إذن لا وجه للاعتراض، هم يقدمون عرض جيد نظير التعامل معنا وأنت متفرغ حاليا فلا مجال للرفض"
أراد الاعتراض ولكنه لو فعل سيعيد الشك لرأس عامر وهو بالفعل كان صادق بكلماته وعليه إثبات ذلك ولا يظن أنها ستقابله مرة أخرى الفيومي لا يضعها بجواره على المقعد بل يحب أن يكون الرائد لذا هي لن تسقط بطريقه مرة أخرى
سمع عامر يقول "بالطبع سيكون عليك رؤيته لمعرفة تفاصيل الصفقة والمناسب لنا وبالتالي نقرر بناء على تقريرك"
لم يناقش، قرارات عامر دائما لا جدال بها فهو يتخذها بناء على ما هو مناسب لهم وللعمل فهز رأسه وتحرك وعامر يجلس ويكمل "حقق معهم اتصال اليوم ساهر"
نظر لعامر ولكنه لم يمنحه نظرة وهو يعود لجهازه فتحرك لمكتبه ولا يعلم ما المسمى الذي يمكن إطلاقه على ما يشعر بها الآن؟ تردد كثيرا قبل أن يحدث السكرتيرة "سحر اطلبي مكتب عزت الفيومي من فضلك وحددي موعد للقاء معه"
"حاضر يا فندم"
مر وقت قبل أن يرن هاتفه والسكرتيرة تقول "الفيومي على الهاتف يا فندم"
أجاب "ألم تحددي لهم موعد؟"
قالت "حاولت يا فندم ولكن تم تحويلي لسيد عزت نفسه بالبيت"
قال "تمام" لحظة وسمع صوت العجوز يقول "الباش مهندس ساهر، سعيد جدا بسماع صوتك شخصيا"
تراجع ساهر بمقعده وقال "الشرف لي سيد عزت، كيف حالك؟"
قال الرجل "بخير، أتمنى أن يكون اتصالك بخصوص طلبنا الخاص بتولي شركتكم القرية الجديدة"
رد "نعم، فقط أحتاج لتفاصيل كثيرة ربما ترسلها لي"
رد الرجل بلهفة "بالطبع ولكنك تعلم ظروفي فما رأيك لو تناولت العشاء معي بالبيت الليلة وتناقشنا بالأمر، هكذا يمكنني التحرك بسهولة أكثر فأنا أتعامل من هنا"
صمت وهو يستوعب كلمات الرجل الذي ناداه فقال "هنا سيد عزت"
ردد الرجل عرضه "ماذا عن العشاء؟"
لم يجد مفر من الموافقة وبالتأكيد ستتجنب هي لقائه لذا قال "تمام"
صوت ضحكة أتته والرجل يقول "رائع، أنتظرك بالتاسعة سأرسل لك الموقع"
لم يحاول التفكير لأنه لو فعل فلن يعود لعمله وهو لديه الكثير ليفعله
توقف بسيارته أمام الفيلا الصغيرة بحي راقي ونزل وتحرك للباب الذي انفتح له وامرأة متوسطة القامة تواجهه وتقول "أهلا سيد ساهر تفضل"
تحرك خلفها لركن جانبي به صالون فاخر والفيلا كلها كانت رائعة، المرأة قالت "دقائق وسيد عزت سيكون هنا"
لم يرد وهو يفتح جاكته ولكن قبل أن يجلس رأى باب الفيلا يفتح وهي تدخل بملابسها التي عرفها من قبل، بسيطة ومحتشمة بلا تكليف فتجمد مكانه وهي تلتفت فتتجمد هي الأخرى لرؤيته
اعتدل بوقفته مما جعلها تنتبه لوضعها وتتحرك تجاهه وتقول "سيد ساهر مفاجأة غير متوقعة"
تجول على ملامحها الجادة والتي نادرا ما تتبدل بصرف النظر عن يوم الحفل، قال بهدوء "مفاجأة غير سارة أليس كذلك؟"
عيونها لم تفارق عيونه وهي ترد "لا علاقة للسرور بكل ذلك، هل لي بمعرفة سبب الزيارة؟"
صوت عزت هو من أجاب "العشاء حبيبتي، لقد قمت بدعوته للعشاء وبعدها العمل، أهلا ساهر"
التفت لعزت وقال "أهلا سيد عزت"
تراجعت وهي تقول "عمل؟ أي عمل بابا؟"
ابتسم الرجل وهو يشير لهم بالجلوس ففعلا وهو يقول "القرية الجديدة آسيا هل نسيتِ؟"
ارتسم غضب على وجهها، هل سيضعه بطريقها مرة أخرى حتى يتركها بمنتصف الطريق ويرحل؟ لا، لن يكون ولكن هي تعرف والدها جيدا، لا مكان للعناد معه لذا قالت
"إذن لا مكان لي اسمحوا لي"
كاد يصرخ بها غاضبا لكنه تماسك وعزت يقول "كيف ذلك آسيا!؟ أنتِ أردتِ المشروع كله"
نهضت واقفة وقالت "وأنت منحته للمهندس ساهر إذن لا مكان لي"
ظل صامتا والجدال مستمر وعزت يقول بجدية "آسيا، أنتِ تباشرين كل شيء تقريبا معي والمشروع لا يمكن تجزئته عن الشركة وساهر مهندس وأنت المدير العام للشركة"
هكذا سقطت بطريقه وهي لا ترغب بذلك، هذا ما رآه بعيونها، قالت بجدية "لا بابا طالما آل دويدار سيتولون الأمر فلا داعي لي وأنت ما زلت تباشر كل شيء"
لم يتراجع عزت وساهر يقول "أرى أننا سبب مشكلة؟"
نظرت له بغضب بينما قال عزت "لا بني هي ابنتي عنيدة قليلا ولكن حاليا هي من تباشر معي كل شيء فقط لا تفهم كيف تدار الأمور هنا، آسيا اهدئي لا شيء سيتم دون رأيك وسيد ساهر هنا من أجل مناقشة كل ما هو مناسب لنا جميعا"
اندهش من طريقة الرجل مع ابنته ونظراتها لانت من نبرة والدها، لن تجعله يترجاها أمام ساهر، لن ترضي غروره لذا قالت "كما تشاء بابا، سأستبدل ملابسي وأعود"
وتحركت مبتعدة وهي لا تفهم موقف والدها، هي لم تخبره بمواقفهم الشخصية ولكنه يعلم أن ساهر رفض مباشرة عمله معهم ومع ذلك يريده معها مرة أخرى؟
استبدلت بدلتها بفستان أزرق قصير وأعادت رفع شعرها ثم نزلت، العشاء لم يتخلله أي نقاش لكن بعد العشاء عزت أمسك رأسه وقال "يبدو أني نسيت دوائي أشعر بتعب، ساهر هل تغضب لو تولت آسيا الأمر بدلا مني أشعر بالتعب حقا؟"
تحركت لوالدها وقالت باهتمام "بابا ماذا بك؟ هل نطلب الطبيب"
ربت على يدها بحنان وقال "لا حبيبتي فقط أحتاج للراحة، تولي أمر العمل نيابة عني كالمعتاد"
لم تعترض وهو ينسحب من بينهم فالتفت لها وبدا القلق على ملامحها فقال "هل نؤجل الأمر؟"
رفعت وجهها له وقالت "لو لم ترغب بالنقاش معي"
حدق بها ثم تحرك ليقف أمامها وقال "ألا تكفين عن غضبك هذا؟ تحملتك بما يكفي فكفي عن تصرفات الأطفال هذه ودعينا نتصرف كالبالغين"
نبرته كانت حازمة وهي تراجعت منها وتلجم لسانها لحظة حتى قالت "تعلم أني لست كذلك، لم ولن أتصرف كالأطفال أبدا"
هز رأسه وقال "لنجد مكان إذن لنباشر العمل فليس لدي الليل كله لانتظارك"
كادت تهتف بوجهه أيها المغرور اخرج من هنا ولكنها كانت تعلم أهمية المشروع لشركتهم الجديدة ورغم عدم معرفتها بتصرف والدها إلا أنها تعلم أن آل دويدار هم الأفضل لتولي الأمر لذا تراجعت من أمامه وقالت
"هذا تنازل منك حقا، تفضل المكتب هنا سيد ساهر"
وتحركت أمامه وهو خلفها وقد شعر أنه بركان خامد أوشك على الانفجار بأي لحظة لو لم تتوقف عن طريقتها المستفزة معه
أغلقت الباب خلفه فالتفت ليواجها وهي توقفت بمكانها تنتظر حركاته ولكنه ظل أمامها وقال "قبل أن نبدأ أي شيء جديد لابد أن ننتهي من مشكلتنا القديمة فلا مجال للتعامل معك وأنت تبدين كمن يجلس على صفيح ساخن"
كان عليها أن تهدأ وبالفعل إيقاف الغضب عن تملكها لذا قالت "لقد انتهيت"
تحرك مقتربا منها حتى توقف قريبا لدرجة أنها استنشقت عطره الذي لم يغيره كما هي ملامحه لم تتبدل رغم ما مر من سنوات، وسيم وجذاب وما زال ساخر ومغرور وما زال وجوده يؤثر بها بلا حدود
لم يتحرك من أمامها وهو يقول "الأيام زادتك جمالا آسيا"
تورد وجهها بالحال وارتفعت دقات قلبها كانت تعلم أنه رجل نساء، ما عرفته عنه عن طريق الميديا أكد لها ذلك ولكن تعامله معها لم يمنحها هذا الانطباع وهو لم يتجاوز معها فظنت أنها ليست من نوعه كما أنها لم تكن بحالة تسمح لها بالدخول بأي علاقة
انتبهت عندما لمست أصابعه وجنتها وأنفاسه تحط على وجهها وهو يهمس "أنتِ بالأساس فاتنة"
أخفضت رموشها ونظراته تنزل على شفتيها ولكنها استوعبت نفسها بلحظة فتراجعت وقلبها يعجز عن مدها بالدماء الكافية وبرودة غريبة تسري بكل جسدها وهي تنظر لعيونه الحائرة من تراجعها فرفع يده لشعره وهو يقول
"تحاربيني بكل قوتك فهل هذا لي أنا شخصيا؟"
لم تفر من مواجهته وقالت "وما الذي يدفعني للحرب معك؟"
وتحركت لتبتعد ولكنه لمس ذراعها فرفعت وجهها له مرة أخرى وهو يقول "ليست المرة الأولى التي ترفضيني بها"
لم تبتعد وهي تقول محاولة ألا تجعله يشعر بالضعف الذي داخلها بقربه "أنا لم أرفضك ساهر أنا أرفض طرقك وتوقيتك"
عيونه تجولت على ملامحها وكلماتها كانت تفتح أبواب أمامه لم تكن مفتوحة من قبل فقال "لنفعلها بطريقتك إذن"
عادت عيونه على شفتيها ووجهه يقترب وهي ترد بصعوبة من مقاومته "إذن لنتعارف أولا قبل أن نتصادم مرة أخرى"
رفع عيونه لعيونها وقال "هذا ما طلبته من قبل آسيا"
أجابت "التوقيت ساهر"
ابتسم وقال "ذكية وهذا يثير إعجابي أكثر"
شعرت بالضعف يكاد يهزمها وهي لن تضعف، المشاعر ستظل بالمكانة الثانية خاصة بعد كل ما واجهته بحياتها فابتعدت إلى المقاعد الوثيرة واختارت واحد وجلست لتوقف ارتجاف ساقيها وقالت
"أولا ستتوقف عن طريقتك هذه"
ابتسم وهو يتحرك ليجلس أمامها وقال "أي طريقة"
قالت بهدوء ظاهر "طريقتك الشهيرة مع النساء الذين تعرفهم وربما تظن أني مثلهم لمجرد أني أعيش بالخارج"
ضحك بصوت مرتفع وقال "معلوماتك قديمة، لقد توقفت منذ وقت طويل ربما لم يعد الأمر يشغلني أو ربما العمل بالسنوات الأخيرة كان يأخذني ولا، أنتِ لم تمنحيني فرصة لأراكِ كأي امرأة"
نظرت لأصابعها لحظة قبل أن تقول "من المفترض أن أصدق؟"
انحنى للأمام وقال "تحدثتِ عن التعارف فلنمنح أنفسنا فرصة لاكتساب الثقة وبعدها نتحدث عن تصديقي من عدمه، ثم أنا أيضا بحاجة لأصدقك"
اتسعت عيونها وهتفت "ماذا تعني؟ هل تشكك بي؟"
لم يبدل مكانه ولم يبعد نظراته عنها وهو يقول "ألم يكن هناك أحد عندما كنت بلندن؟ لقد رأيتك مع اثنين، واحد بالمطعم وآخر بالسيارة وتناولتم العشاء سويا و.."
نهضت والغضب يلفها وهتفت "كفى، هل كنت تراقبني؟ أنت مجنون أنا لا علاقة لي بأي رجل وإلا لوافقت على العشاء معك وكل رجل يمر بحياتي ها هو أنت تثبت صحة ظنوني"
نهض ليقف أمامها ونظراتها الغاضبة تعنى الصدق وهو كان عليه أن يفهم فقال "أنا لا أتحدث عن الظنون آسيا أنا أتحدث عمن كانوا معك"
هتفت بنفس الغضب "أصدقاء، مجرد أصدقاء، ليس من حقك التشكيك بي ساهر ليس كل الناس مثلك"
اعتدل وقال "لن نعود للحرب مرة أخرى آسيا"
لم تتراجع وهي تقول "ليس وأنا امرأة الرجال"
أشاح بيده وقال بلا مبالاة "لا يهم طالما كلانا سيتجاوز عن الماضي"
لم تتراجع وهي تقول "لا ساهر، يهم ويهم جدا لأنك تتحدث عن شرفي"
ابتعد وقال "أعلم أن فتيات الغرب مختلفات بتفكيرهم عنا ولكن"
صوتها القوي أوقفه "كفى"
التفت لها وعيونها تلمع ولم يعرف هل يصدق كل ما يظهر بعيونها أم يصدق ما رآه هناك فقال "من كانوا إذن؟ وماذا كنت تفعلين معهم؟"
شعرت بالإهانة من اتهامه فرفعت وجهها ورفضت الدموع وهي تقول "ربما لست ملزمة بالإجابة"
حدق بها ولا يفهمها حقا فاقترب منها وقال "أنا لم أعد أفهمك حقا آسيا، هناك كان رفضك لأي شيء بيننا واضح وصريح والآن تتأرجحين بين الرفض والقبول، العلاقات لا تطرق الأبواب آسيا"
ردت بلا تفكير "إذن دعنا لا نفعل، لأن كلانا لا يليق بالآخر، أخبرتك وقتها أننا مختلفين وما يحدث الآن يثبت ذلك"
ثار غضبه أكثر وهو يقول "أنتِ ماذا تظنين نفسك؟ أنتِ لا شيء، لست بحاجة لكل ذلك للتعرف على امرأة فلدي الكثيرين وبدون كل هذا الإرهاق والملل ولو على العمل فاعتبريه منتهي لأني لن أعمل معك"
واندفع من جوارها للباب وتحرك خارجا بلا اهتمام بها وهو يلعن نفسه لأنه حط من كرامته ولا يصدق أنها ترفضه للمرة الثانية وبتلك الطريقة، سيكون مجنون لو سار بطريق هي حتى تقف على أطرافه
بالصباح الهاتف أيقظه بشكل مزعج فأجاب دون أن يفتح عيونه ووجد صوت عامر يقول "حمزة أصبح أب، هل ستأتي؟ نحن بالمشفى"
نهض وقال "بالطبع، ساعة وأكون معكم"
أخذ حمام سريع واستبدل ملابسه وبالمشفى رحب الجميع بالضيف الجديد، ريان الصغير، حتى اختفى عامر قليلا ثم عاد وجذبه لجواره وقال "هل عرفت أن فيلا الفيومي تعرضت لهجوم لصوص بالأمس؟"
رفع وجهه والدهشة تسكن عيونه "ماذا؟ وما الذي حدث؟ هل أصابهم شيء؟"
ظل يحدق بعيون عامر الذي قال "آسيا بالمشفى و.."
الجنون ارتفع لرأسه وهو يقول "أي مشفى عامر؟ تحدث"
أخبره عامر فاندفع خارجا بلا تفكير سوى بها وما الذي قد يكون أصابها وهو يقود السيارة ولا يعلم كم مخالفة ارتكبها وهو لا يتوقف بإشارة ولا يتبع أي قواعد للمرور حتى وصل المشفى واندفع للداخل يسأل عنها ولا يعلم سبب جنونه لما أصابها
يتبع..



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close