رواية ظلمات حصونه الفصل السادس والعشرين 26 بقلم منة الله ايمن
-الفصل السادس والعشرون-
+
- بتولد إزاي يعني دى لسه فى السابع؟
+
رمشت "ملك" بأهدابها بقلق وارتباك وهي لا تعلم ماذا يعني ما ستقوله لها مُردفة بتوضيح:
+
- مش عارفه يا ماما! إياد بيقولي إن جالها حاجة إسمها إنفصال مشيمة.
+
وضعت "منال" يدها على صدرها بفزع ورعب ممً استمعت إليه من ابنتها، هي تعرف ماذا يعنى جيدًا إنفصال المشيمة ومدى خطورته على الأم والجنين لتصيح بهلع:
+
- بنتي! ودونى عند بنتي، يا حبيبتي يا بنتي.
+
نهض "محمود" من مكانه وهو لا يقل فزعًا ورعبًا عن زوجته ولكنه أصطنع القوة والثبات حتى لا يزداد هلع الأخرين، حاول "محمود" أن يُهدئ زوجته:
+
- أهدي يا منال إن شاء الله خير، روحي ألبسي وأنا كمان هاجى ألبس عشان نروح للبنت.
+
أسرعت "منال" فى الذهاب وهي غير مُتزنه، ولكنها عزمت على الثبات لتغير ملابسها وتذهب لأبنتها، بينما التفت "محمود" موجها حديثه نحو "ملك" قائلًا:
+
- خلى إياد يبعتلك العنوان وغيري هدومك أنتي كمان بسرعة.
+
أومأت له برأسها موافقة على حديث والدها مُردفة:
+
- حاضر يا بابا.
+
❈-❈-❈
+
ركض كالطفل الذي يهرب من شبح ما يلاحقه ويريد إنهاء حياته، خرج من المشفى والدموع تتسارع فى الهبوط من زرقاوتيه ويشعر بصعوبة التنفس بسبب كثرة شهقاته، سريعا ما وصل إلى سيارته ودلف بها وانطلق بأقصى سرعة لديه وهو بالكاد يستطيع الرؤية مُشوشة أمامه.
+
ظل يبكى بضعفًا وقهر وشهقاته تتعالى وتزداد صعوبة تنفسه، أصبحت الرؤية شبه معدومة بالنسبة له بسبب تلك الدموع التي تملأ مقلتيه، شهقة تتابعها الأخرى وهذا كل ما يصدر منه بالأضافة لدموعه التى لا تتوقف عن الأنسدال.
+
توقف بسيارته فى مكان خالي من الحياة لا يوجد به سوى تلك الأسوار العالية والأبواب السوداء الذى تفصل بين من فارقوا الحياة ومن لايزالوا يُعانون بها، ترجل من سيارته أمام أحد المدافن الخاصة بعائلة "الدمنهوري"، تقدم ناحية الباب بخطوات مُتهالكة ودموعها مُصاحبة لشهقات لا تتوقف.
+
دفع باب المدفن ودخل ليقف أمام ذلك القبر الذى يفصل بينه وبين أحب البشر على قلبه، سقط على ركبتيه أمام ذلك اللوح المحفور عليه أكثر الجُمل التى يكرهها جميع البشر "هنا ترقض المرحومة تهاني جابر الدمنهورى"
+
أمتدت يده للمس حروف إسم والدته وما هي إلا لحظة حتى القى بنفسه على ذلك القبر مُحتضنًا إياه وعينيه لا يتوقفان عن ذرف الدموع وأزداد نحيبه بالأضافة إلى تلك الشهقات التي كادت أن تمنع أنفاسه من الصعود، هتف بصعوبه وهو لايزال مُحتضنا القبر مُتمتمًا بتلعثم:
+
- ديانة.. ديانة بتموت يا ماما، ديانة هتسيبني زي ما أنتي سبتيني، هتوجعني زي ما أنتي وجعتنيني، هتكسرني زي ما أنتي كسرتيني.
+
تعالت شهقاته وسال لُعابه وهو يبكي بهسترية مُتشبثًا بتلك الحجارة وكأنه يريد أن يدلف بداخلها ويستطيع الوصول إلى والدته، حاول التحدث بصعوبه مرة أخرى من بين نحيبه:
+
- أنتوا ليه بتعملوا فيا كده! ليه كل اللي بحبهم بيروحوا مني ليه، فى الأول أنتي وبعدين عمي شرف وعمتي ماجدة وبعدها طنط لبنى، ودلوقتي بخسر ديانة اللي كان المفروض أموتها بإيدي، دلوقتي ضعيف ومكسور بسبب إنها بتروح مني.
+
قال جملته الأخيرة وهو يصرخ بقوة ويضرب الأرض من تحته بكلتا قبضتيه لدرجة أن يديه تكاد تكون شُرخت أو كُسرت، ولكنه لم يهتم لذلك الأمر وأخذ يصرخ مرة أخرى مُضيفا بقهرًا وحسرة:
+
- خايف تروح مني، خايف أخسرها زي ما خسرت كل اللي بحبهم، مش ده حصل أزاي بس أنا حبيتها.
+
حول نظراته إلى القبر مرة أخرى وقد تكرمشت ملامح وجهه مُعلنة عن موجة بكاء وإنهيار أخرى مُردفًا بضعف:
+
- أيوه يا ماما أنا حبيتها، حبيتها أوي، الموضوع بدأ معايا بإحساس الغضب اللي حسيته أول ما عيني وقعت عليها وهي فى إيد اللي اسمه أدهم ده، بعدين بدأت أتشدلها أكتر من أول مرة وقفت فيها قدامي بكل قوتها ومكنتش خايفة مني رغم إن الكل كان خايف منى، قلبي حنلها وهي ضعيفة وخايفة مني لما حست إن أتقفل علينا باب واحد ومحدش هينقذها من إيدي، اتشديت ليها أكتر لما قلبها جمد وفضلت تدافع عن نفسها وتضربني عشان أبعد عنها، عجبتني قوتها لما ضربتنى بالسكينة فى صدرى وبالشوكة فى إيدى عشان تثبتلى إنها مش ضعيفة، قلبي كان هيقف لما لاقيتها واقفة فى أوضتي وماسكة قميصي وأتلجلجت لما لاقتني شوفتها وأخترعت حجة، وقتها عرفت إني بحبها.
+
- حبيتها وحبيت ضعفها وإستسلامها ليا وأنا عايزها رغم إنها مش ضعيفة وتقدر تقاوم وأنا متأكد من ده، بس مش عارف ليه كانت بتستسلم، حبيت ضعفها وقوتها، حبيت جنانها وعنادها، حبيت وجودها وقربها مني، حبيتها يا ماما حبيتها أوي.
+
دفن وجهه بين كفيه وأزدادت نهنهاته ودموعه ملأتهم، وأخذ جسده ينتفض بشدة بسبب شهقاته المكتومة، ظل على تلك الحالة ما يقارب العشر دقائق، أزاح يده عن وجهه وظهرت عينيه التي أصبحت شديدة الأحمرار وكأنها تنزف الدماء، أرتعش جسده مرة أخرى وهو يضع يده على قبر والدته مُضيفًا بصعوبة وبكاء متمتمًا:
+
- سامحيني يا ماما مش هقدر أأذيها، أنا بحبها أوي ومش هقدر إنها تروح مني، سامحيني وأعرفي إنها لو راحت مني هموت، أنا مش عايز إنتقام ولا عايز أملاك، أنا عايزها هي وبس.
+
القى بجسده على الأرض ورغمًا عنه ضم ساقيه إلى صدره، ليصبح بوضعية الجنين وهو يصيح بألم وبكاء مرير صارخا بطلب الرحمة لعذابه مُردفًا بإنهيار:
+
- يا ماما أنا بحبها ومش عايزها تروح مني، يارب متحرمنيش منها هي كمان، يارب انا بحبها يارب، آآآه يارب.
+
أمسك برأسه وأخذ يضغط عليها وهو يصرخ بألم ولايزال على وضعية الجنين تلك، من يستمع إلى تلك الصراخات يقسم أنه قد تمزق حلقه وجفت عينيه من كثرة البكاء والنحيب، لم يشعر بنفسه بعد كل تلك الآلام والمعناة، فقد وعيه بجانب قبر والدته وهو على نفس حالته تلك التي تُمزق القلوب من كثرة الحزن على منظره وعلى كل ما يحمله بداخله من ألم وقهر.
+
❈-❈-❈
+
يجلس "مالك" على الأرض يبكي على ما تسبب فيه من أذى لأخته ولجنينها، أمتدت يد "إياد" مُلتقطًا ذراعه راغمًا إياه على النهوض وسحبه بعيدًا عن غرفة العمليات وعن "هاشم"، دفع "إياد" "مالك" على الحائط مُستفسرًا بغضب وإنفعال:
+
- أنا عايز أعرف اللي حصل ده حصل أزاي؟
+
أبتلع "مالك" بمرارة وندم على ما فعله، بعد أن كان يظن إنه هو المجني عليه والذي تم خداعه من قبل حبيبته، أصبح هو الجاني الوحيد فى حق حبيبته وفى حق نفسه، رفع بصره ناحية "إياد" مُحاولا تفسير الأمر له مُتأملًا أن يصدقه مُردفًا بضعف:
+
- كنت سكران يا إياد والله العظيم ما كنت دريان بنفسي.
+
رمقه "إياد" بحيرة كبيرة لا يعلم أيصدقه ويتعاطف معه بسبب تلك اللعبة القذرة التي لُعبت عليهم! أم إنه هكذا يخلق له الأعذار ويُحلل له ما فعله بتلك المسكينة التي دُبحت على يد الشخص التي أحبته؟ ذكر "إياد" نفسه بأن هناك شيئًا أهم من إن كان "مالك" يكذب أم يقول الصدق! وهو ماذا سيكون مصير "زينة" الأن؟ طالعه بنظرات الغضب والحدة مُستفسرًا:
+
- والحل دلوقتى إيه؟
+
أحتدت ملامح وجه "مالك" وصاح بجدية ونبرة غير قابلة لنقاش مُجيًبا بحزم:
+
- هتجوزها ومحدش هيعرف حاجة لا أهلى ولا أهلها.
+
أنشق ثغر "إياد" بإبتسامة مُستهزئة فهو أكثر شخصًا يعرف "جواد" ويعرف كيف يتعامل صديقه مع تلك الأمور مُتذكرا ما كان ينوى أن يفعله ب"خالد"، ليعقب موجهًا حديثه نحو "مالك" ساخرًا:
+
- وتفتكر بقى جواد هيوافق على كده؟
+
أومأ "مالك" برأسه مؤكدا على حديثه مُضيفًا بإنفعال وأعيُنه تلمع من كثرة الدموع:
+
- لازم يوافق، أنا بحبها بجد، والله العظيم عمري ما كان جوايا أي نوايا وحشه ليها وعمر ما هيكون، دا انا حتى طلبت منها أطلب إيدها بس هي قالتلي نأجل الخطوة دي شوية.
+
أغمض "إياد" عينيه بتشتت ورفع يده وأخذ يفرك جبهته مُحاولا تشغيل عقله مُتستفسرًا:
+
- طب واللي فى بطنها! هتعملوا فيه إيه وهل محدش هيلاحظ؟
+
إندفع "مالك" مُجيبًا على سؤال "إياد" بعد أن فهم المغزى من سؤاله:
+
- اللي فى بطنها ده ابني وأنا مش هتخلي عن حد فيهم.
+
تنهد "إياد" بقليل من الراحة لشعوره بتمسك "مالك" ب "زينة" وإنه لا يريد أن يتزوجها فقط من أجل ما فعله معها، بل يشعر بحب "مالك" لها خصيصًا بعد أن تذكر منظره حينما غابت عن الوعي، ولكنه عزم على إخفاء تعاطفه معه مُبدله بحدة:
+
- أنا هساعدك بس مش عشانك، عشان زينة تبقي أختي وأنت ظلمتها، وعشان الطفل اللي فى بطنها ملوش ذنب إن ليه أب مجنون ومُتهور زيك، المهم هي زينة فاقت؟
+
هز "مالك" رأسه بالنفي مُجيبًا وهو يمسح على وجهه:
+
- مش عارف هروح أطمن عليها حالًا.
+
أومأ له "إياد" برأسه موافقًا على حديثه مُعقبا بهدوء:
+
- ماشى وأنا هستنى مع عمي عشان ميحسش بحاجة.
+
❈-❈-❈
+
أسرع فى التوجه نحو المصعد للصعود للطابق الذي تتواجد به "زينة"، وصل أمام غرفتها ووقف أمام الباب وهو يشعر بالتردد والارتباك، ماذا سيفعل لو كانت استيقظت! ماذا سيقول لها! كيف سيفسر لها سبب تلك العملة الشنيعة التي فعلها بها! هل ستصدقه وتسامحه؟ أم بالفعل كرهته ولن تسمح له بالتفوه بحرف! استجمع شجاعته وفتح باب الغرفة، وجدها نائمة على الفراش وذلك المحلول الطبى موصل بساعدها وهي لاتزال مُغيبة عن الوعي.
+
سحب كرسي ووضعه بجانب فراشها جالسًا على الناحية الأخرى للمحلول، التقط يدها مُحتضنًا إياها وأخذت دموعه فى التهاوي بصمت وبكاء مرير، ظل يُفكر فى فداحة ما فعله بها وهو يتذكر صراخها وهي تطلب منه الرحمة وعدم فعل ذلك الشيء بها، ولكنه لم يكن يستمع إلى صرخاتها بل كان يستمع إلى صوت تلك العاهرة الذي لم يُغيب عن باله لحظة.
+
يتذكر صرخة "زينة" وهو يقتحمها بدون أي مقدمات ويفكر فى حجم ألمها فى تلك اللحظة، بسبب غبأه وقلة عقله، قبل يدها وأحتضن كفها بوجهه وهو يردف بين بكائه المكتوم ودموعه التي تنساب دون توقف:
+
- أنا أسف، أسف يا زينة، أسف.
+
شعرت بأحتضانه لكفها ودفء أنفاسه التي تضرب بساعدها وتلك الدموع التي رطبت يدها، فتحت عينيها بثقل شديد ورؤية غير واضحة، لحظات ووضحت لها الرؤية لترى أن من يحتضن يدها هو "مالك"، سحبت يدها منه بسرعة ببعض من القلق، بينما لاحظ "مالك" إفاقتها ورفع وجهه إليها لترى هي تلك الدموع التي تتهاوى من مقلتيه ولكنها لم تهتم.
+
كادت أن تنهره وتطرده من الغرفة ولكنها تذكرت ما حدث قبل فقدانها للوعي، صاحت بلهفة وفزع:
+
- فين ديانة، إيه اللي حصل؟
+
أزدادت أعين "مالك" فى ذرف الدموع وهو ينظر نحوها بضعف وشعور بالذنب تجاههما هما الأثنتين مُردفًا ببكاء:
+
- ديانة بتموت يا زينة، بتموت بسببي يا...
+
قاطعته بحزم وهي تنزع المحلول من ذراعها مُردفة بحدة:
+
- وديني عندها.
+
حاول إيقافها ومنعها عما تفعله وهو يشعر بالرعب من أن تأذي نفسها مُعقبًا بخوف:
+
- زينة أهدي عشان خطري، أنتي كمان تعبانة أوي و..
+
قاطعه مرة أخرى ولكن تلك المرة بإنفعال صارخة به بغضب وحدة:
+
- بقولك وديني عند ديانة حالًا.
+
شعر بالقلق عليها بسبب إنفعالها هذا ليُوافقها على طلبها كي لا يزداد الأمر سوء وأضاف بتحذير:
+
- حاضر هوديكي بس خلي بالك محدش يعرف حاجة بخصوصنا، أوعي تقولي حاجة دلوقتي على الأقل لما نطمن على ديانة.
+
رمقته بكثيرًا من الغضب والإنزعاج الممزوج بخيبة الأمل التي تشعر بها تجاهه، هي لم تكن تتوقع منه أن يفعل ذلك بها، والأن هما السبب فيما حدث ل"ديانة" وإذا حدث لها شيئًا لن تُسامح نفسها أبدًا.
+
أستجمعت قوتها ونهضت من الفراش، حاول "مالك" مد يده ومساعدتها لتدفعه بعيدًا عنها ونهضت بمفردها وسارت مُتجهة ناحية الباب، طالعها "مالك" بندم وأدرك أن كل الحب التي كانت تحمله له قد تحول إلى كراهية بسبب فعلته الدنيئة تلك، أتبعها فى صمت وحسرة على ما وصلا له.
+
❈-❈-❈
+
لايزال مُغشيا عليه بجانب قبر والدته كالذي فارقته الحياة بجميع شهواتها وملازاتها، يرقد ويبدو عليه الكثير من الراحة، وكيف لا يشعر بالراحة وذلك هو الملجئ الأخير الذي يلجأ إليه جميع البشر بعد أن يسترد خالقهم أمانته، ولكنه ليس وقته بعد، لم يأتى ميعاده.
+
أرتفع صوت المؤذن بذكر الله لتنبيه للناس بأنه حان موعد أذان الفجر، فتح عينيه بثقل شديد وهو مُمسك برأسه يشعر بكثير من الألم بسبب كثرة بكائه، أنتفض من مكانه عندما تذكر لماذا هو هنا، تمتم بصدمة ولهفة باسمها:
+
- ديانة!
+
نهض من مكانه ولم يهتم لملابسه التى أصبحت مليئة بالأتربة وسريعًا ما توجه ناحية الباب عازمًا على الذهاب إلى المشفى، أوقفته تلك اليد المُجعدة المُتهالكة والتي عانت طوال عمرها التي أمتدت على الباب أمامه، رفع نظره إلى صاحب تلك اليد ليجده حارس المدافن الذى جاء لتفقد المكان، بينما لم يصُدم الحارس من وجوده، ولكنه حاول أن يبدو مُندهاشًا موجهًا حديثه تجاه "جواد" بصوت خافت مُستفسرًا:
+
- جواد! خير يا أبن الناس الطيبين؟
+
تنهد "جواد" بأنفاس مُتثاقلة مُعبرًا عن حجم التعب والمُعانة التي يشعر بهم، ربت على كتف ذلك الرجل العجوز مُعقبًا بهدوء:
+
- خير يا عم محفوظ، معلش أقفل أنت الباب.
+
كاد أن يرحل لتمنعه يد عم "محفوظ" مُجددًا والتي قبضت على ذراعه مانعًا إياه من الذهاب مُردفًا بلهفة وابتسامة مُحبة:
+
- مستعجل ليه يا أبني! رايح فين كده؟
+
أغمض "جواد" عينيه بندم وشعور الحسرة والضعف لا يرأفان به، أجابه بهدوء وتأثر بكلمات ذات معنى قائلا:
+
- رايح ألحق أصلح الغلط اللي عملته قبل ما يفوت الأوان.
+
أبتسم عم "محفوظ" بهدوء على تسرعه وغفلته عما هو أهم مُعقبًا بكلمات ذات معنى كبير وصادق:
+
- كل شيء ولُه أوان يا جواد يا أبني، واللي أوانه حضر الأول يبقى واجب علينا تنفيذه، الأذان أذن ولازم نلبي النداء.
+
شعر "جواد" بالرهبة والأرتباك، إنه لا يتذكر متى أخر مرة وقف ليصلى بها، هو بالكاد يتذكر كيف نُادي الصلاة، ولكن الأهم هل سيكون له القدرة على الوقوف بين يدي الله! هل سيتجرأ ويطلب منه شيئا فى صلاته وهو كل ما كان يفعله معاصي وذنوب! حاول التهرب من عم "محفوظ" مُردفًا بتلعثم وارتباك:
+
- بس.. بس أنا مستعجل و...
+
قاطعه عم "محفوظ" مانعًا إياه من إكمال حجته مُعقبًا بإصرار وتأكيد:
+
- مفيش حاجة فى الدنيا تخلى الواحد يتأخر عن تلبية نداء ربه، ربك هو اللي بيزيح الغُمه ويرفع البلاء مش الأموات يا ابني.
+
أندهش "جواد" مما قاله ذلك العجوز وأدرك إنه أستمع لما كان يقوله لوالدته، قطع "محفوظ" شروده مفسرًا له الأمر بإعتذار:
+
- أعذرني يا ابني، صوتك كان عالي وغصب عنى سمعت صريخك وعياطك بس مردتش أدخل، سبتك تطلع كل اللي جواك.
+
زفر "جواد" بقلة حيلة سامحًا لنفسه بالاستسلام والضعف وعدم إصطناع القوة المُزيفة تلك، أضاف بتعب وحزن بات واضحًا فى نبرة صوته قائلا:
+
- كان نفسي أرتاح.
+
هز عم "محفوظ" رأسه بعد الموافقة على حديث مُصححًا إياه بثقة وتأكيد مُعقبًا بحب وصدق:
+
- مش هترتاح غير وأنت وأقف بين إيدين ربك وبتنفذ فرضك اللي أمرك بيه، هو بس اللي يقدر يرفع البلاء عنك ويريح قلوبك يا جواد، أُقصده يا ابني وأنت ساجد وهو مش هيردك مكسور الخاطر أبدًا.
+
لمعت عيني "جواد" متأثرًا بذلك الحديث، رفع المؤذن صوت الأقامة مُعلنًا عن النداء الأخير قبل البدأ فى الصلاة، أبتسم عم "محفوظ" إلى "جواد" والتقط يده مُتجها ثوب الجامع قائلًا:
+
- يلا يا أبني، يلا نلبي النداء.
+
❈-❈-❈
+
وصل كلا من "محمود" و "منال" و"ملك" إلى المشفى للأطمئنان على "ديانة"، ما إن وصلوا أمام غرفة العمليات حتى أسرعت "منال" باحتضان "مالك" بلهفة وإشتياق مُردفة بنبرة مُعاتبة:
+
- مالك! كدا يا مالك تبعد عني كل الفترة دي؟
+
بأدلها العناق باشتياق مُماثل مُردفًا بهدوء:
+
- حقك عليا يا حبيبة قلبي، مش هبعد عنك تاني.
+
خرجت "منال" من عناق "مالك" مُستفسرة عن حالة "ديانة" مُردفة بلهفة وإستفسار:
+
- أختك عملت إيه؟
+
ربط "مالك" على كتفها مُحاولًا تطمئنها وهو بالكاد يمنع نفسه عن البُكاء مُردفًا بأعين لامعة:
+
- لسه فى أوضة العمليات، أدعلها يا ماما.
+
وضعت "منال" يدها على قلبها وقد تهاوت دموعها بخوف ورعب على ابنتها وهي تُتمتم بتمني:
+
- يارب، يارب.
+
كل ذلك كان يحدث أمام "زينة" التي تقف بجانب والدها أمام باب غرفة العمليات، حاوط "هاشم" بذراعه جسد "زينة" مُستفسرًا:
+
- جيتي ليه يا حبيبتي؟ كنتي خليكي فى البيت وأنا أطمنك.
+
حاولت "زينة" إصطناع القوة أمام والدها كي لا يشك بالأمر مُجيبة بهدوء:
+
- مكننش هرتاح يا بابا، كان لازم أجي أطمن بنفسي.
+
كاد "هاشم" أن يتحدث ليقاطعهم خروج الطبيب من غرفة العمليات وهو ينزع عن وجهه تلك القمامة الطبية ويزفر بثقل، أجتمع الجميع حوله للأطمئنان على "ديانة" وجنينها، شعر الجميع بالقلق الشديد من ملامح الطبيب الغير مُطمئنة وانعقد لسانهم خوفا مما سيقول، بينما أندفع "هاشم" بلهفة موجهًا سؤاله نحو الطبيب مُستفسرًا:
+
- إيه اللي حصل يا دكتور؟
+
❈-❈-❈
+
دلف إلى قاعة المُصلين بعد أن أنتهى من الوضوء، وقف بينهم وهو يشعر بالكثير من الخزي والندم من كل ما كان يقوم به من فعل أشيئاء مُحرمة ومكروة، وقف ورفع ذراعيه ليكبر ويبدا فى صلاته، فى البداية كان يشعر بالثقل والعبئ الكبير فوق كتفيه ولكن كلما كان يتعمق فى الصلاة كان يشعر بالراحة والسكينة، خصيصًا عندما سجد وتخلص من كل ذلك الكبر والغرور الذي يصطنعهم أمام الجميع لتخور قوة ويشعر بالحاجة الشديدة للبكاء والشكوة إلى خالقه.
+
أنتهى من صلاته ولكنه ظل جالسًا فى مكانة وشعر بأنه لم يعد لديه القدرة على التحمل أكثر من ذلك، خارت قوته وأخذ يبكي بكل ما فيه من ألم وندم على كل ما فعله بحياته، وأيضا شعوره بالظلم لما عانه على يد "هناء" بدون أن يكون له أي ذنب فيما حدث، ولكن لحظة لما يلوم على "هناء" وهو فعل نفس الشيء مع "ديانة"! هو أيضا ظلمها بدون أن يكون لها أية ذنب فيما حدث منذ زمن.
+
أزداد نحيبه وبكائه عند تذكره بكل شيء سئ فعله مع "ديانة" بدون أن يكون لها أي ذنبًا معه، رفع يده إلى السماء وعينيه تذرفان الدموع دون توقف مُتمتمًا بألم وحسرة:
+
- يارب أنا عارف إني مليش الحق إني أرفع إيدي وأطلب منك حاجة، بس أنا عشمي فيك كبير أوي، أنت أحسن مني، أنت اللي عالم باللي جوايا، أنا مش هقول أعذار أو مبررات لأي حاجة غلط عملتها، بس أنا هوعدك إني مش هعمل كده تاني، عمري ما هرجع للمعاصي تاني، عمري ما هظلم ديانة تاني بس أنت متحرمنيش منها، أنت اللي عالم أنا حبتها قد أيه وبعمل إيه عشانها متخلنيش أحس إن كل ده على الفاضي، بلاش تحرمني منها، أنا بحبها أوي يارب متحرمنيش منها يارب.
+
ظل يشهق بين بكائه وهو يشعر بالندم والكراهية تجاه نفسه، دفن وجهه بين كفيه وهو يبكي كالأطفال غير مُهتمًا بنظرات من حوله، قطع بكائه صوت هاتفه الذي صاح مُعلنا عن وجود إتصال من صديقه "إياد"، شعر بالخوف والقلق من ذلك الإتصال ولكنه سريعًا ما أجاب مُنفضًا رأسه من تلك الأفكار السيئة التي تدور بها، فتح المكالمة ليأتيه صوت "إياد" مُردفًا بلهفة:
+
- جواد تعالى بسرعة.
+
أنتفض قلبه من الرعب والفزع وأصبح يتنفس بصعوبة بسبب ثقل أنفاسه مُردفًا بلهفة وهلع:
+
- فى إيه! ديانة حصلها حاجة؟
+
أتاه صوت "إياد" أمرًا إياه بحدة وإصرار:
+
- ديانة خرجت من أوضة العمليات، تعالى بسرعة.
+
فز من مكانة وأسرع فى الخروج من المسجد وهو يشعر بزيادة ضربات قلبه موجها حديثه نحو "إياد" مُردفًا بلهفة وأستعجال:
+
_ أنا جي حالا.
+
يتبع...
+