رواية ظلمات حصونه الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم منة الله ايمن
-الفصل الخامس والعشرون-
+
أجلسها "جواد" داخل السيارة وأنحنى لكي يضع لها حزام الأمان، وسريعًا ما نهض والتف حول السيارة وجلس بجانبها وأدار المحرك، أنطلق بأقصى سرعة مُتجها نحو المشفى وهو يشعر بالخوف والفزع بسبب تلك الدماء المنسدلة من بين ساقيها، مُتذكرًا ذلك الحادث الذي أفقده والدته وجنينها والأن يفقد زوجته وطفله، ظل يوزع نظراته تارة على الطريق أمامه وتارة على "ديانة" للأطئنان عليها.
+
بينما "ديانة" كانت تشعر بكثير من الألم ببعض الأماكن المتفرقة بجسدها، ألام حادة أسفل ظهرها، وألم أسفل بطنها، بالأضافة إلى تلك التي لا تُحتمل داخل مهبلها ممَ كان يجعلها تصرخ بحدة وعدم القدرة على التحمل، وما زاد من ألمها هو سرعة "جواد" الفائقة لتصرخ مُنبهة إياه:
+
- آآآه براحة، هموت.
+
أومأ لها برأسة بلهفة عدة مرات موافقًا على حديثها وهو يخفف من سرعته مُراعيًا عدم التسبب لها فى الألم مُتمتمًا بهلع:
+
- حاضر حاضر، متخافيش هتبقي كويسة، أوعدك.
+
لم تنتبه لما قاله بسبب شعورها بذلك الألم الغير مُحتمل، راغمًا إياها على الصراخ من شدة صعوبته وعدم تحملها، بينما ظل "جواد" يُتابعها بشفقة على ما تشعر به، وأيضا يشعر بالرعب على أن يُصيبها هي والطفل أية مكروه.
+
وصل إلى المشفى وكانت من أكبر المُستشفيات الخاصة بالأسكندرية، صف سيارته بمكان مخالف لها ولكنه لم يهتم، ليترجل من سيارته وسريعًا ما قام بالدوران حولها ليصبح تجاه "ديانة"، فتح الباب لها وخلع الحزام وساعدها فى الخروج من السيارة، وما إن لامست قدميها الأرض حتى شعرت بالدوران وعدم القدرة على الوقوف وسقطت بداخل صدره، ليشعر بالهلع والذعر، أنحنى مُحاصرا خصرها بيده واليد الأخر ألتفت وراء ساقيها وقام بحملها ودلف بها إلى داخل المشفى.
+
يركض وهو يصيح بكثير من الهلع والذعر على تلك التي تنزف الدماء بين يديه وهي مُغيبة عن الوعي:
+
- دكتور، عايز دكتور بسرعة.
+
أسرع الكثير من الممرضين والأطباء بالألتفاف حوله لاستقبال الحالة منه، أحضر أحد المرضين السرير المُتحرك (التروللى الطبى) ليقوم "جواد" بوضعها عليه ودفعها نحو المصعد لتوصيلها إلى قسم الطوارئ حتى يقوم الأطباء بفحصها، وصلوا إلى غرفة الكشف لتضع الممرضة يدها أمام "جواد" مُردفة بحزم:
+
- لو سمحت حضرتك أستنى هنا.
+
أنزعجت ملامح "جواد" وكاد أن يدفعها ويدخل وراء "ديانة"، ليوقفه صوت الطبيب الذي هتف موجهًا حديثه نحو الممرضة مُردفًا بأمر:
+
- روحي أنتي شوفي شغلك.
+
أنصرفت الممرضة من أمامها ليحول الطبيب نظره نحو "جواد" الذي كان يبدو عليه الكثير من الهلع والخوف المُمزوج بالغضب، ليُضيف الطبيب مُستفسرًا:
+
- ممكن تشرحلي اللي حصل بالظبط؟
+
توتر "جواد" من سؤاله، هو حقا لا يعرف ماذا يقول كأنه فقد القدرة على التفكير أو الكلام، ولكنه حاول جاهدًا التفوه بأى شيء مُردفًا بتلعثم:
+
- مش.. مش عارف إيه اللي حصل، هي حامل وفاجأة صرخت لما شافت الدم نازل منها وبعدين أغمى عليها.
+
أومأ له الطبيب برأسه مُتفهما الأمر ولكنه أراد سؤاله عن شيء أخر:
+
- هي فى الشهر الكام؟
+
أنعقد لسان مرة أخرى لا يعلم ماذا يقول، هو حتى لا يعرف زوجته فى أي شهر من الحمل، أى نوع من الأزواج هو؟ نظر ناحية الطبيب بقلة حيلة وهو يهز رأسه بالنفى مُجيبًا بتخبط:
+
- مش عارف!
+
شعر الطبيب بالغرابة من ردوده ولكنه فسر إنه يمكن أن يكون فى حالة عدم إتزان بسبب تلك الصدمة، ليحاول أن يطمئنه مُردفًا بهدوء:
+
- خير إن شاء الله، أنا هدخل أشوف فى إيه وأطمنك.
+
دلف الطبيب الغرفة ليقوم بفحصها وترك "جواد" خلفه يشعر بالقلق والرعب خاشية أن يفقدها مثلما فقد والدته بنفس تلك الطريقة، عندما توفت بعد خسارة جنينها، ليأتي بذاكرته ذلك اليوم اللعين الذي ترتب عليه فارقًا كبيرًا فى حياته.
+
••
+
خرج الطبيب من الغرفة ليلتف حوله كلا من "هاشم" و"هناء" بصحبة "جواد" الذي لم يتجاوز العاشرة من عمرهؤ صاح "هاشم" مُستفسرًا عن حالة زوجته بشيء من الرعب والفزع:
+
- خير يا دكتور! تهاني كويسه صح؟
+
أخفض الطبيب رأسه فى الأرض وهو يشعر بكثير من الأسئ على تلك العائلة التي بالطبع أصابتها لعنة، فى البداية خسارة شقيقه ويليها عجز شقيقته وخسارة جنينه والأن خسارة الزوجة، ليُجيبه مواسيًا إياه بحزن:
+
- أنت أكيد راجل مؤمن وهترضى بقضاء ربنا، البقاء لله مدام تهاني توفها الله.
+
وقعت تلك الكلمات على مسامعه كالخنجر الذى رشق فى قلبه وجعله ينزف كل ما بداخله من دماء، وضع يده على وجهه وخنته قدميه ليسقط أرضًا غير قادرًا على الوقوف، وكانه أُصيب بعجز ما.
+
بينما "هناء" أخذت تصرخ وتعول بكل ما بها من قوة وهي تضرب على وجهها وفخذها:
+
- أختي لا، تهاني ماتت يا هاشم، آآآآه يا أختي.
+
ما إن أستمع هذا الطفل الصغير إلى تلك الكلمات حتى أمتلأت عينيه بالدموع شاعرًا بألم وعذاب الفراق، نعم هو لم يتخطى العاشرة من عمره ولا يعرف ماذا يعني الموت، ولكنه يعلم أن من يموت يختفي من حياتنا ولن نراه مجددًا، ولهذا شعر بألم وحسرة، تسلل ودخل إلى تلك الغرفة الموضوعة بها والدته.
+
دلف الغرفة ليجدها مُستلقية على الفراش وذلك الغطاء أبيض اللون موضوعًا عليها مُغطيها بالكامل ويحجب عينيه عن رؤيتها، تقدم عدة خطوات بصوعبة يشعر بثقل كبير فى قدميه ولكنه أصر على التقدم نحوها، جلس بجانب والدته وأزاح الغطاء عنها ليجدها نائمة ووجهها صافي جدا كالأطفال وتلك البسمة البسيطة جدًا تُزين ثغرها، ليشعر "جواد" بغصة فى قلبه ووضع يده فوق يدها مُحاولًا إفاقتها هامسا ببراءة الأطفال مُترجيها:
+
- ماما! ماما قومي يلا.
+
إنسابت الدموع من عينيه وهو ينحني ليُقبل وجنتها بحزن وإنكسار مُتمنيًا أن تكون على قيد الحياة مُردفًا بانكسار:
+
- هما ليه بيقولوا آنك موتي! أنا عارف إنك مش هتسبيني عشان أنا لسه صغير ومحتاجلك، عارف إنك أكيد زعلانه مني عشان مش بسمع الكلام بس والله ما هكررها تاني.
+
أزداد فى نحيبه وأخذت شهقاته تعلو بشدة، يُحاول التحدث بصعوبة وأنفاس مُتثاقلة من بين بكائه:
+
- ماما أنا أسف لو كنت زعلتك، قومي بقى والله هسمع الكلام ومش هعمل حاجة غلط بعد كده بس قومي يلا.
+
ظل يُحرك فى جسد والدته برفق على أمل أن تفيق، ولكن كيف يفيق الإنسان من الموت؟ دلفت الممرضة إلى الغرفة لتحضر "تهاني" لتنفيذ أخر طقس لها بالحياة قبل أن تُسلم الأمانة إلى صاحبها، تفاجأت بوجود ذلك الطفل ملقي بجسده داخل صدر المُتوفاه، هتفت موجهة حديثها تجاهه بلهفة:
+
- بسم الله الرحمن الرحيم، أنت بتعمل إيه هنا يا حبيبي! أطلع يلا برا.
+
أنتبه "جواد" على حديثها ورفع رأسه عن صدر والدته، وأخذ يهز رأسه بالرفض غير موافقا على حديثها متزمرًا:
+
- لا أنا هصحي ماما عشان تروح معايا.
+
أغمضت الممرضة عينيها بحزن وأسئ على هذا الطفل المسكين وتقدمت ببضع خطوات ناحيته وأخذت تربت على كتفيه مُتمتمة:
+
- لا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبي حرام اللي بتعمله ده، أنت كده بتعذبها.
+
دفع يدها بيعيدً عنه بإنزعاج طفولي مُمزج بدموعه التي لم تفارق وجهه صارخًا بحدة:
+
- ملكيش دعوة أنتي، أنا هخليها تصحى.
+
أبتلعت الممرضة مرارة حزنها ثم وضعت يدها عليه مرة أخرى مُشفقة عليه، ثم سريعًا ما قامت بسحبه بعيدًا عن جثمان والدته خوفًا من أن يحدث له شيئًا بسبب حزنه عليها مُضيفة بإلحاح:
+
- طيب تعالى بس.
+
ظل يُقاومها ويحاول الأفلات منها ولكنها أحكمت قبضتها عليه وأخذت تسحبه إلى خارج الغرفة وتُحاول الأستنجاد بأحدًا، حتى لا يتسبب ذلك الطفل فى حدوث بعض الأذى لنفسه، صاحت مُستغيثة:
+
- يا جماعة حد يلحقني هنا.
+
أسرع "هاشم" فى الحضور والأمساك بيد "جواد" مُحاولًا إخراجه من الغرفة، ليصيح "جواد" بالجميع وهو يتلوى بين يديهم ودموعه تتهاوى بلا توقف صارخًا ببكاء:
+
- لا أوعوا سيبوني، يا ماما أصحي، يا مامااا.
+
•••
+
- ماما
+
صاح بتلك الكلمة وعينيه لا تتوقف عن ذرف الدموع، لاحظ إنه لايزال يقف أمام غرفة الطوارئ الموجود بها "ديانة"، ليغمض عينيه مُتحسرًا من تلك الذكريات التي يمر بها للمرة الثانية وكأن تلك الحياة لا تريد أن تراه مرتاحًا أو سعيدًا.
+
شعر بتلك اليد التي وضعت على كتفه مواسية إياه، ليرفع نظره وعينيه لا تزال تذرف الدموع ليجده صديقه "إياد" الذيي صاح مستفسرًا:
+
- إيه اللي حصل يا جواد! فين ديانة؟
+
تنهد بحسرة من بين دموعه وكأنه سمح لنفسه بإظهار ضعفه ولو لمرة واحدة أمام أحدًا، ليغمض عينيه بكسرة مُرظفًا بضعف:
+
- جوا لسه الدكاترة بيكشفوا عليها.
+
حاول "إياد" تهدئة صديقة وأن يطمئنه مُردفًا بتمني:
+
- متقلقش إن شاء الله خير.
+
أومأ له "جواد" برأسه بالموافقة على حديثه ولاتزال عينيه تذرف الدموع، لاحظه "إياد" ذلك ليقترب أكثر منه رابطًا على كتفه مُستفسرًا:
+
- أنت حبيتها يا جواد؟
+
شهق بضعف وأنهار فى البكاء أمام أعين صديقه غير مُهتمًا لتلك الشخصية الفولازية التي كان يُحاول أن يُظهرها أمام الجميع طوال تلك السنوات، وكيف له ألا ينهار وهو بالفعل أصبح يعشقها وليس يحبها فقط! كيف له أن يسطتع التظاهر بالقوة وهو بداخله قد تحطم بالكامل عند رؤيتها تسقط بين يديه! لا يستطيع التظاهر بعدم التأثر وهو أصبح حطام رجل ليس إلا.
+
بينما صُدم "إياد" من تلك الحالة التي لم يراه عليها منذ بداية معرفتهم ببعض، أحتضنه وأخذ يربت على ظهره مُحاولا مواساته مُردفًا بتأثر:
+
- هتبقى كويسة، صدقني هتبقى كويسة.
+
خرج من عناق صديقه وهز رأسه بالموافقثة وحاول جاهدًا أن يُسيطر على نفسه، رفع يده وقام بالمسح على وجهه مُحاولًا إسترجاع قوته مُضيفًا بحدة:
+
- فين زينة؟
+
توتر "إياد" قليلا من سؤاله وفكر ألا يخبره خوفًا من ردة فعله، ولكنه يجب أن يعرف حتى لا يقع بالحديث أمام أحدًا، أجابه بقليل من القلق:
+
- زينة تعبت وجبناها المستشفى هنا ومالك معاها.
+
جحظ "جواد" عينيه بغضب وحنق وكاد أن يصرخ به زاجرًا إياه، ليلاحظ صديقه ملامح وجهه وردة فعله وسريعًا ما أوقفه بنبرة مُحذرة:
+
- من غير عصبية يا جواد، الموضوع مش زي ما أنت فاهم، فى حوار كبير أوي أتعمل علينا، نتطمن بس على ديانة وأنا هحكيلك على كل حاجة، أنا كلمت عمي هاشم وزمانه جي أوعى يعرف حاجة بخصوص زينة.
+
أدار وجهه إلى الناحية الأخرة وأغمض عينيه بشيء من الضعف والإنكسار، لا يعلم أية مُصيبة عليه مواجهتها أولًا، أمصيبة شقيقته التي إذا علم بها أحد ستلحقهم فضيحة طوال عمرهم! أم مصيبة ما حدث ل"ديانة" التي تضيع من بين يديه الأن؟ حتى إنه لا يعلم ماذا أصابها؟ ضرب الحائط بيده مُحاولًا إخماد تلك النيران التي تندلع بداخله.
+
❈-❈-❈
+
أنتهى "هاشم" من إرتداء ملابسه وهبط السلم بسرعة وكاد أن يخرج من المنزل، لتوقفه "هناء" التي أمسكت بذراعيه وصاحت بعجل:
+
- أستنى أنا هاجي معاك.
+
زفر "هاشم" بنفاذ صبر، إنه لا يستطيع التأخير أكثر من ذلك، ليبعد يدها عنه مُردفًا بشيء من الحدة:
+
- هناء أنا مستعجل وأنتي لسه هتلبسي، لو الموضوع يهمك أوي أبقي حصليني.
+
تركها وأتجه صوب الباب وسريعًا ما خرج من القصر بأكملها، أنزعجت ملامحها من ذلك التغير المفاجئ الذي حدث ل"هاشم"، لتصيح مُتمنية بغضب:
+
- إنشالله توصول تلاقيها ماتت.
+
صعدت غرفتها لتقوم بتبديل ملابسها واللحاق به إلى المشفى لمعرفة ماذا يحدث لتلك الفتاة التي تتمنى أن تكون جثة عندما تصل إلى هناك.
+
❈-❈-❈
+
خرج الطبيب من غرفة الكشف ليُسرع نحوه "مالك" قالقًا من أن يكون حدث ل "زينة" أو لجنينهم شيئًا، صاح بلهفة:
+
- طميني يا دكتور زينة عاملة إيه؟
+
لاحظ الطبيب قلقه الشديد وخمن إنه زوجها، ليحاول تطمئنته عليها:
+
- أنا عايزك تطمن ده مجرد هبوط فى ضغط الدم، ممكن يحصل بسبب التعرض للتوتر أو الخوف ومتنساش إنها حامل، بس لازم تخلي بالك منها ومتحطهاش تحت أي ضغط نفسي مرة تانية.
+
لم يشعر بالاطمئنان الكامل ليحاول الاستفسار أكتر عن وضعها هي والجنين:
+
- هو فى أي خطر عليها؟
+
هز الطبيب رأسه بالنفي موضحًا:
+
- لا متقلقش ده مجرد ضعف بسيط وتقدر تعوضه بانتظمها فى الأكل وشوية فيتامينات كده.
+
أبتلع بمرارة حينما تذكر ما فعله بها ممَ أوصلها لتلك الحالة، لينظر للطبيب بضعف مُستفسرا عن وضع الجنين بخزي:
+
- طب والجنين؟
+
أجابه مُحاولًا التخفيف من ضغط الموقف عليه:
+
- واضح إنكوا فى أول جوازكم وده أول طفل ليكوا، متخفش هي والجنين بصحة كويسة، أنا علقتلها محلول وبعد كده هكتبلها على خروج عادي.
+
شعر بالقهر داخله عندما قال له الطبيب إنهم زوجين فى بداية زواجهم وهذا أول طفل لهم، نعم هذا أول طفل لهم ولكن بطريقة ستجعلها لن تسامحه طوال عمرها، ليرد بإقتضاب:
+
- شكرًا يا دكتور.
+
❈-❈-❈
+
لا يزال واقفًا أمام الغرفة ينتظر خروج أحد والكثير من الأفكار السيئة تُسيطر على عقله، أحقا سيفقدها كما فقد والدته! لما يبتعد عنه جميع أحبائه؟ هل ستسامحه على ما فعل بها وتوافق على البقاء معه؟ هل ستمنحه فرصة أخرى لكي يكون لها الزوج الذي تريده؟ هل ستتركه يُعوضها عن كل شيء فعله بها؟ أسئلة كثيرة تدور فى رأسه يُحاول أن يجد لها أجوبة، قاطعه صوت "هاشم" الذي وضع يده على كتفه مُستفسرًا بلهفة:
+
- إيه اللي حصل يا جواد! وديانة فين؟
+
التفت إلى والده وهو يعمل جاهدًا على التظاهر بالقوة أمامه وعدم إظهار ضعفه مُجيبًا بهدوء:
+
- جوا لسه مع الدكتور.
+
أمتدت يد "هاشم" للقبض على عنق قميصه بغضب وحنق مُهاجمًا إياه:
+
- أنا مش قولتلك خلي بالك منها؟ أنا عايز أعرف إيه اللي حصل بالظبط!
+
كاد أن يصيح بوالده ولكن أوقفه تدخل "إياد" الذي أبعد يد "هاشم" عن عنقه مُحاولًا تهدئته:
+
- بعدين يا عمي، المهم دلوقتي نطمن عليها.
+
أخفض "هاشم" يده عنه، ولكنه ظل يُطالعه بنظرات ثاقبة ومليئة بالغضب، وفى تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة "ديانة" ليلتف الجميع حوله مُستفسرين عن وضعها، صاح "هاشم" بلهفة:
+
- خير يا دكتور؟
+
أخفض الطبيب رأسه بأسئ عمَ سيقول، ولكنه مُضطر أن يخبرهم:
+
- للأسف الحالة متطمنش، مدام ديانة جالها إنفصال مشيمة.
+
ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بعدم استيعاب مُستفسرًا:
+
- يعني إيه؟
+
حاول الطبيب تفسير الأمر لهم لكى يسهل عليهم فهمه:
+
- المشيمة بيوصل عن طريقها الغذاء والأكسجين للجنين، وللأسف المشيمة حصلها إنفصال عن الرحم والموضوع ده نادر لما بيحصل، وده حصل بسبب تعرضها لارتفاع فى ضغط الدم بنسبة ١٨٠/٩٠ وده للأسف هيضطرنا للخضوع لولادة مبكرة، وللأسف فيه خطورة على الأم والجنين.
+
صُدم "جواد" مما أستمع إليه وشعر بالفزع الشديد، بينما "هاشم" أدمعت عينيه شاعرًا بالندم وأمسك بيد الطبيب مُحاولًا التكفير عن ذنبه فى حق ابنة اخيه ولو بجزء بسيط مُردفًا:
+
- لو أضطريت تضحي بالجنين ضحي، المهم الأم.
+
نظر "جواد" ناحية والده بصدمة وألتمعت عينيه بما سمعه منه، وهذا أكد له أن والده لم يعد يرغب فى أذيتها وأن هناك فرصة لهما للعيش بسلام، ليحطم أماله الطبيب وهو يُعقب بيأس:
+
- للأسف حتى دي كمان فيها خطورة على حياة الأم، لأنها أتعرضت لنزفت حاد ده غير إن تحايل الدم متشجعش خالص وحدوث ولادة مبكرة هيضطرنا لتدخل جراحي وعمل ولادة قيصرية، وللأسف ده بردو خطر جدا لأن ضغتها عالي، والتخدير أثناء إرتفاع ضغط الدم ليه أثار جانبية خطرة جدًا.
+
لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، هل هذا الأحمق يُخبره أن يستعد لإستلام جثتها؟ أندفع بغضب تجاه الطبيب وأمسك به من عنقه بأعين مُشتعلة وملامح غير مُبشرة بالخير صارخًا بحدة:
+
- يعني إيه! أنت مش عارف تتصرف يعني؟
+
أبتلع الطبيب بقلق من ملامحه التي تصرخ بالغضب ممَ جعله يبدو كمن ينوى قتل أحدهم، ليحاول أن يتحدث ويوضح له الأمر:
+
- يا أستاذ الموضوع مش سهل والعملية خطيرة.
+
أشتدت قبضة حول عنق الطبيب وأصبحت عينيه على وشك أن تذرف النيران وتلك العروق البارزة التي جعلت مظهره مرعب للغاية، صرخ فيه بغضب وأسنان ملتحمة مُحذرًا:
+
- حياتها قصاد حياتك، أقسم بالله لو جرالها حاجة هتكون جثتك بتتغسل قبل جثتها، أنت فاهم؟
+
صُدم "هاشم" من ردة فعل ابنه التي أكدت له أن ذلك الخوف والهلع الذى يشعر به ليس من أجل طفله فقط بل من أجل "ديانة"، يبدو إنه حدث ما كان يتوقعه، بينما أبتلع الطبيب برعب وذعر من تهديد "جواد" الصريح له مُحاولًا التحدث:
+
- يا أستاذ الموضوع صعب لأن فصيلة دمها نادرة جدًا ومعندناش منها فى المستشفى الكمية اللي ممكن نحتاجها فى العملية.
+
تدخل "إياد" مُستفسرًا عن فصيلة دم "ديانة" عساه أن يستطيع تقديم المساعدة:
+
- هي فصيلة دمها إيه؟
+
حول الطبيب نظراته نحو "إياد" وظل يُطالعه بإرتباط وكانه يستغيث به أن يُفلته من يد "جواد" مُجيبًا:
+
- فصيلة دمها O سالب.
+
جذبه "جواد" من عنقه بشدة مُردفًا بإنفعال:
+
- أتصرف وشوف أي حد يتبرع حتى لو بالفلوس.
+
تدخل "هاشم" بسرعة هو الأخر مُردفًا بلهفة:
+
- أنا عمها ونفس الفصيلة.
+
تنهد الطبيب بقليل من الراحة موجها حديثه نحو "هاشم":
+
- تمام جدًا ممكن حضرتك تروح مع الممرضه عشان يتم السحب.
+
أرخى "جواد" قبضته عن عنق الطبيب وسريعًا ما أبعد يده عنه، نادى الطبيب على إحدى الممرضات وإخبارها بأخذ كمية مُعينة من الدم من "هاشم" وبالفعل ذهبت الممرضة لتنفيذ الأمر، بينما وجه الطبيب حديثه نحو ممرضة أخرى امرًا إياها:
+
- حضروا أوضة العمليات وجهزوا المريضة.
+
أومأت له الممرضة براسها موافقة على حديثه بأنصياع:
+
- حاضر يا دكتور.
+
❈-❈-❈
+
فى هذا الوقت وصلت "هناء" إلى المستشفى وتوجهت ناحية الأستقبال لتسأل عن غرفة "ديانة"، صاحت موجهة حديثها نحو عامل الاستقبال مُستفسرة:
+
- ديانة الدمنهوري أوضه رقم كام؟
+
نظر موظف الاستقبال فى الحاسوب أمامه ونظر إليها مرة أخرى مُجيبًا:
+
- هي فى العمليات دلوقتي يا فندم.
+
ضيقت "هناء" ما بين حاجبيها باستنكار وقد ظنت أن "ديانة" قد فقدت الجنين، أستفسرت وبداخلها تشعر بالسعادة:
+
- ليه فى إيه؟
+
اجابها الموظف بإقتضاب:
+
_ ولادة.
+
أتسعت عينيها بصدمة مُمزجة بالغضب غير مُستوعبه لما أستمعت له مُتمتمة:
+
_ ولادة؟
+
❈-❈-❈
+
خرج "هاشم" من غرفة التبرع بالدم ليجد "إياد" و"جواد" لايزال ينتظروا أمام غرفة العمليات الموجودة بها "ديانة"، وقف الجميع فى إنتظار خروج أحد ليطمئنهم، كان "جواد" يُطالع غرفة العمليات بقلق، بينما ربت "إياد" على كتفه كي يواسيه ويطمئنه، بينما لاحظ "هاشم" عدم وجود "زينة" ليهتف مُستفسرًا:
+
- هي زينة فين؟
+
نظر "جواد" نحو صديقه الذي أجاب على الفور:
+
- فى البيت يا عمي أصلها أترعبت لما شافت الدم فمرضناش نجبها معانا.
+
أومأ له "هاشم" بالموافقة مُتفقًا معه:
+
- أحسن، مش ناقصة تعب أعصاب وتوتر.
+
بمجرد أن أنهى جملته تفاجئ بتلك المزعجة وهي تتجه نحوهم بنظرات بنظرات منفعلة موجهة حديثها نحو "جواد" مُردفة بحدة وتوبيخ:
+
- ألف مبروك يا سي جواد على ولادة مراتك اللي لسه مكملتش الست شهور!
+
صدم الجميع مما تتفوه به "هناء" ماعدا "جواد" الذي ظل يُتابعها بنظرات نارية مليئة بالغضب والكراهية، بينما هي لم تتأثر بتلك النظرة المُشتعلة وصاحت به مرة أخرى صائحة عليه بإهانة مُردفة بتهكم:
+
- بس قولي بقى مراتك المحترمة اللي داخل عليها وهي المفروض بنت بنوت عملتها أزاي دي، ولا أنت اللي طلعت أهطل والفاجرة دي عرفت تضحك عليك؟
+
أزداد شعوره بالغضب والحنق ولأول مرة أقسم على أن يُقفها عند حدها ويُخرسها إلى الأبد، كز على أسنانه ورفع يده عاليا وكاد أن يتهاوى بها على وجهها، ولكن أمتدت يد والده اليسرى مُلتقطاً ليده مانعه عما كاد أن يفعله، ورفع هو يده اليمنى وتهاوى بصفعة قوية على وجه "هناء" أثر عليها خللًا فى توازنها.
+
رفعت عينيها ونظرت فى أعين "هاشم" بغضبًا وحدة، فتلك أول مرة له أن يقوم بمد يده عليها، بينما "هاشم" رمقها بنظرة تحدي وإنزعاج مُردفًا بحدة:
+
- عيب لما ابني يمد إيده على خالته ومرات أبوه، لكن مش عيب إني أربي مراتي لما أحس إنها ذودتها ومبقاش هاممها حد وكمان بتسب فى عرض بنت أخويا.
+
نظرت له "هناء" بكثيرًا من الحنق والغضب، بينما ألتقط هو ذراعها وقبض عليه بعنف هاتفًا بأسنان مُلتحمة:
+
- روحي يا هناء ومش عايز ألمح ضلك فى المستشفى، يلا.
+
دفعها بعيدًا عنه لدرجة إنها أختل توازنها وكادت تسقط، وهنا أدركت إنها خسرت أحترام الجميع لها وأوشكت على أن تخسر كل شيء، التفتت وغادرت المستشفى على الفور وهي تقسم على أن تنتقم منهم جميعًا وبالأخص تلك الساقطة التي بسببها أنقلب الجميع عليها.
+
ما إن أختفت "هناء" من أمامهم حتى خرج ممرضتان من غرفة العمليات وهما تُهرولان بسرعة لأحضار ما أمرهما به الطبيب، تصيح إحداهما موجهة حديثها إلى الأخرى بلهفة:
+
- شوفي دكتور محمود فين وأنا هروح أشوف بنك الدم.
+
شعر "جواد" بالفزع من طريقتهما ليلتقط ذراع واحدة منهما مستفسرًا عن الأمر:
+
- فى إيه! إيه اللي بيحصل جوا! ديانة مالها؟
+
أبتلعت الممرضه بالتوتر من منظر "جواد" ونظراته المُخيفة مُجيبة بإرتباك:
+
- حالة الأم سيئة جدًا، أحنا بنعمل كل اللي فى وسعنا بس خروج الأتنين من أوضة العمليات محتاج معجزة.
+
ترك يدها وهو يشعر بالعجز الشديد سيطر عليه وأصبح نفس ذلك الطفل الذي فقد والدته منذ أكثر من عشرون عاما، ظل ينظر حوله بصدمة إلى والده تارة وإلى صديقه تارة أخرى، وهما أيضًا يبدو عليهما الفزع والقلق مما سمعاه، أبتعد عنهما وأخذ يركض بعيدًا عن غرفة العمليات، ولم يهتم حتى ل"مالك" الذى نظر لهم بقهر وأخذت دموعه تتهاوى بلا توقف مُلقيا بالذنب على نفسه وأنه الآن يخسر أخته إلى الأبد بسبب ما فعله، سقط "مالك" أرضا مُتكئًا على ركبتيه وأخذ يبكى بكل ما فيه من قهر وندم.
+
يتبع...