اخر الروايات

رواية ظلمات حصونه الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم منة الله ايمن

رواية ظلمات حصونه الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم منة الله ايمن 



                                        
-الفصل الثاني والعشرون- 

+



أستيقظ من نومه بصعوبة وهو يشعر بكثير من الصداع والألم الشديد برأسه، فتح عينيه بثقل شديد وبعد عدة لحظات رأى نور الصباح المنبعث من الشرفة، أعتدل فى جلسته مُحاولا التحكم فى توازنه بعد أن لاحظ إنه لايزال نائمًا بتلك الملابس. 

+


أدرك إنه فقد الوعي بسبب كمية الكحول التي تناولها ليلة أمس، ولكن ما الذي أتى به إلى هنا، هو كل ما يتذكره إنه كان مستلقيًا على الأريكة خارج الغرفة بعد أن عاد من الخارج! كيف دخل إلى هنا؟ 

+


خرج من الغرفة وهو يُمسك برأسه ليتجه نحو المطبخ لصُنع كوبًا من القهوة لعله يخفف من ألم رأسه، وسريعا ما أنتهى من صنعه وأتجه نحو الأريكة للجلوس عليها وتناول قهوته، وبمجرد أن جلس صدح رنين هاتفه مُعلنًا عن إتصال من شقيقته. 

+


أغمض عينيه بملل وقرر أن لا يُجيب ولكنه تراجع غن قراره خوفًا من أن يأتي إليه أحدًا، فتح المكالمة موجها حديثه نحو شقيقته مُردفًا بهدوء: 

+


- إيه يا ملك؟ 

+


صاحت "ملك" بلهفة وأشتياق مُعاتبة شقيقها عن إبتعاده عنهم ومُحاوله جعله يُغير رأيه مُردفة بإنزعاج: 

+


- كده بردو يا مالك، هونا عليك تسيبنا تاني وتبعد عننا! دا احنا كنا ما صدقنا يا أخي؟ 

+


وضع كوب القهوة على الطاولة أمامه وهو لايزال مُصممًا على رأيه مُعقبًا بتصميم: 

+


- معلش يا ملك، أنا مرتاح كده. 

+


حاولت إستعطافه والضغط عليه كي يعود، نعم هي أصبحت تعلم حقيقة الأمر، ولكنها عزمت على أن لا تتكلم إلا عندما ياتي "إياد" بتسجيلات الكاميرات، لتردف بإلحاح مُحاوله إقناعه: 

+


- عشان خاطري يا مالك أرجع، طب بلاش عشان خاطري أنا، خليها عشان خاطر ماما. 

+


تنهد بقليل من الغضب بسبب مُحاولة شقيقته فى الضغط عليه وجعله يوافق على حديثها، صاح بحدة مُحاولًا جعلها لا تتحدث معه بذلك الأمر مجددًا: 

+


- عشان خاطري أنا يا ملك سيبوني على راحتي. 

+


أثناء حديثه لاحظ تلك المحارم الملطخة باللون الأحمر المُلقية فى سلة القمامة، ضيق ما بين حاجبيه باستنكار، وهتف موجها حديثه نحو "ملك" عازما على إنهاء المكالمة معها: 

+


- هرجع أكلمك تاني يا ملك، سلام. 

+


أنهى المكالمة معها وامتد يده والتقط تلك المحارم من سلة القمامة مُتفحصًا إياها، شعر بالصدمة عندما تأكد أن ذلك اللون الأحمر هو دماء، لينظر إلى جسده بدهشه وأخذ يتفحص نفسه إن كان هناك جرح ما به؟ 

+



                 

                
شعر بالغرابة عندما لم يجد أى جرح بجسده، من أين أتت تلك الدماء؟ يبدو أن هناك شيئًا ما حدث وهو لا يتذكره، يجب أن يأخذ حمامًا لكي يستعيد وعيه بشكل كلي وتذكر ما حدث ليلة أمس. 

+


أسرع بالذهاب إلى المرحاض الخاص بغرفته وتخلص من كامل ملابسه التي يفوح منها تلك الرائحة الكريهة، هو لم يسبق له أن تناول كل تلك الكمية من الخمور، وبالتالي ما يمر به لم يجربه من قبل. 

+


وقف تحت تدفق المياه مُحاولًا تذكر أي شيء مما حدث ليلة أمس، ولكن لما لا يستطيع تذكر شيء، ولكنه يشعر أن هناك خطأ كبير قد أقترفه، ولكن ما هو ذلك الخطأ؟ ما هي إلا لحظة وصدع ذلك الصوت الأنثوي الصارخ بأذنه "لا يا مالك متعملش كده، أرجوك يا مالك بلاش، فوق يا مالك" وضع يده على أذنيه مُحاولًا التخلص من ذلك الصوت الذي استغرب من تردده في ذهنه، ومتعجبًا من تلك الكلمات المُثيرة للريبة، والتي يجهلها ويجهل صاحبها. 

+


حاول تذكر أي شيء ممَ حدث ليلة أمس، ولكنه لا يستطيع رؤية شيء سوى تلك الصورة المُشوشه لفتاة تقف أمامه وتصرخ عليه "أنت ليه مش عايز تصدقنى والله العظيم ما عملت حاجة، أعملك أيه عشان تصدقني" لمَ لا يستطيع تحديد ملامح  هذه الفتاة وما الذي حدث بعد ذلك. 

+


تنهد بأسئ عندما خمن أن من ممكن أن تكون تلك الفتاة هى "زينة" وإنها يمكن أن تكون قد جاءت ليلة أمس! ولكن لماذا لا يتذكر ما حدث؟ وما الذي حدث بينهما بعد ذلك الحوار؟ هل أستغلت ثمالته فى الكذب عليه وأستعطافه؟ هل هي من أدخلته غرفته ووضعته على الفراش! كيف لها أن تتجرأ وتأتي إلى هنا؟ يجب أن لا يسمح بذلك أن يحدث مرة أخرى، عليه أن يخرجها من حياته نهائي. 

+


ترقرقت الدموع في عينيه بسبب ما يُفكر به وما حدث فى ذلك اليوم عندما رأها فى فراش "إياد"، شعر بغصة فى حلقه وكثيرًا من الضيق والحسرة على ما فعلته به، ضرب "مالك" الحائط أمامه وقد أخذت دموعه طريقها فى الانسدال إلى أن أمتزجت بالمياه وهو يصرخ بألم مما يشعر به داخله مُتمتمًا بحسرة: 

+


- ليه يا زينة! ليه تعملي فيا كده! ليه تعملى زيها مع إني حبيتك أكتر منها؟ ليه تكسريني وتوجعيني بالشكل ده! كنتي ممكن تقوليلي إنك مش بتحبيني، أو حتى مش عايزاني، كنتي قوليلي بحب واحد غيرك. 

+


أحتدت نبرة صوته بشكل مُخيف وكأنه تحول إلى شخص أخر وكور قبضته بحدة وبأسنان ملتحمة مُكملا حديثه: 

+


- لكن تخدعيني وتمثلي عليا الحب ومن ورايا تخونيني وتبقي فى حضن واحد غيري لا، لا يا زينة، حتى لو مقدرش أعيش من غيرك، أنتي بنسبالى خلاص موتي زي اللي قبلك. 

+


أغلق صنبور المياه والتقط المنشفة وقام بلفها حول خصره متجها نحو خزانته لكي يرتدي ملابس ويذهب لعمله لإشغال نفسه بأمر غيرها راغمًا نفسه على نسيانها. 

+


❈-❈-❈ 

+


دلف "إياد" مكتب "جواد" ويبدو عليه ملامح الضيق والإنزعاج من شيء ما، أتجه نحو المكتب ليعقب وهو يجلس على ذلك الكرسي المقابل لوجه "جواد" مُردفًا بإنزعاج: 

+



        
          

                
- صباح الخير يا جواد. 

+


لاحظ "جواد" إنزعاجه الواضح عليه، ليخمن أن هناك مصيبة ما، وذلك لأن "إياد" ليس من الطبيعي أن يكون عابسًا بتلك الطريقة، هتف متأكدًا أن هناك أمر: 

+


- متدخلش عليا بالوش ده إلا لو فيه مصيبة، خير؟ 

+


شعر "إياد" بشيء من القلق، لا يعلم أيخبره أم لا؟ ولكن على أية حال يجب أن يخبره ليكون هناك وقت لحل تلك المشكلة التي لو أستمرت أكثر من ذلك ستكلفهم الكثير، رفع وجهه نحو "جواد" مُحاولًا الثبات مُردفًا بهدوء: 

+


- فى حاجة حصلت كنت عايز أقولك عليها. 

+


تسرب القلق إلى قلب "جواد" شاعرًا أن هناك أمرًا كبير، ليصيح بعصبية وعدم صبر موجها حديثه نحو "إياد" بإندفاع وحدة: 

+


- ما تدخل فى الموضوع على طول يا إياد وأنطق فى إيه؟ 

+


توتر بسبب إندفاع "جواد" وحدة ردة فعله من قبل أن يعرف، ماذا سيفعل إذًا لو علم عن الأمر! ولكنه مضطرًا أن يُخبره كي يُحاول التصرف وحل تلك المشكلة قبل أن تكبر، حمحم "إياد" بحرج مُجيبًا: 

+


- بصراحة فى مشكلة كبيرة فى فرع شركتنا اللي فى لندن، النهاردة الصبح بعتولي email بيقولوا إن فى خسارة الشهرين اللي فاتوا حوالي خمسة مليون دولار. 

+


هب واقفًا فى مكانه وهو فى قمة غضبه مما تفوه به "إياد"، ولكنه حاول السيطرة على نفسه لمعرفة حقيقة الأمر، هتف بحدة مُستفسرا عن سبب تلك المشكلة: 

+


- يعني إيه الكلام ده! وإيه هى المشكلة اللي توصلنا لخساير كبيره بالشكل ده؟ 

+


أجايه "إياد" بحرج بسبب ما سيقوله، ولكنه ليس بيده شيء فتلك ليست من ضمن صلحياته ولا يستطيع التصرف فى هذا الأمر: 

+


- لسه معنديش فكرة و... 

+


قاطعة "جواد" بغضب وإنزعاج شديد، صارخا بوجهه وهو يُهاجمه بحديثه الملئ بالاهانة والاستهزاء، مُردفًا بإندفاع وهجوم دون أن يشعر بنفسه أو بما يقوله: 

+


- بتقول إيه يا بشهمندس! معندكش فكرة عن إيه؟ أومال أنت شغلتك إيه هنا؟ آه نسيت أنت دلوقتي مش فاضي لشغلك، مقضي اليوم كله دلع ومياصة وصرمحة ويولع الشغل على دماغنا كلنا. 

+


أنزعج "إياد" من مهاجمة "جواد" له بتلك الطريقة وتلك الاهانة والاستهزاء الواضح والصريح فى حديثه، شعر بالغضب ممَ قاله وقرر أن يوقفه عند حده مُقابله بإنفعال موضحا له حقيقة الأمر: 

+


- على فكرة يا جواد بيه أنا مش بقضي اليوم كله دلع ومياصة وصرحمة زي ما بتقول، المشكلة دي كبيرة بجد ومش هتتحل بمجرد email نبعته، دي محتاجاك أنت أو هاشم بيه، لأن الموضوع أكبر من صلحياتي ومقدرش أخد أي خطوة فيه بدون أذن من حضراتكم. 

+


أزداد غضب "جواد" بسبب إنفعاله على "إياد" الذي يبدو إنه إنزعج منه كثيرًا وأيضا تلك المشكلة التي لم يعرف سببها بعد، وما زاد غضبه هو إضطراره للسفر بأسرع وقت لأن والده لن يستطيع أن يُسافر وحده لحل تلك المشكلة ولذلك يجب أن يسافر هو لحلها، رفع نظره نحو "إياد" مُردفًا بحدة: 

+



        
          

                
- أحجزلي على أول طيارة بكره رايحه لندن. 

+


أومأ له بالموافقة ولم يفتح مجالًا أخر للحديث لكي لا يُزعج أحدهما الأخر بحديثه، وقرر الأنصراف من المكتب قبل أن تتطور الأمور بينهما: 

+


- حاضر، بعد إزنك. 

+


خرج من المكتب مُتجها نحو مكتبه وهو يشعر بكثير من الغضب والضيق بسبب ما فعله صديقه، بينما "جواد" لاحظ إنزعاجه من نبرته فى الحديث، ليشعر بالغضب الشديد وإحتقان الدماء فى عروقه ممَ يحدث حوله من أشياء تُعكر مزاجه وتضطره لإخراج أسوء ما بداخله. 

+


التقط هاتفه ومفاتيج سيارته من على مكتبه وشرع فى الخروج من المكتب بل من الشركة بأكملها، يشعر وكأن اليوم لن يمر بسلام، حتى إنه لم يذهب إلى ذلك الموعد الذي أعتاد عليه منذ فترة، ولكن ذلك الضيق بداخله يشعره بعدم الرغبة بفعل أي شيء الأن. 

+


❈-❈-❈ 

+


خرج من الشركة مُتجها وصعد سيارته عازمًا على الذهاب للإطمئنان على ابنه، وأيضًا ليرى تلك الفتاة، ليهتف مُوجها حديثه نحو السائق: 

+


- أطلع على بيت جواد. 

+


أدار السائق مُحرك السيارة مُتجها نحو منزل "جواد"، وبعد وقت ليس بكثير وقف أمام بابا المنزل، ليترجل "هاشم" من السيارة دالفًا إلى الداخل، ضرب جرس الباب لتفتح له الخادمة وتقوم سريعًا بإدخاله بالبطبع هي تعرفه، ليهتف مُستفسرًا موجها حديثه نحو العاملة: 

+


- زينة فين؟ 

+


أجابته العاملة بإحترام وأدب: 

+


- الست زينة بتفطر جوا مع مدام ديانة يا هاشم بيه. 

+


شعر بقليل من الإرتباك والتوتر من إنه سيراها الأن وجهًا لوجه، إنه لم يراها مُطلقًا سوا يوم خطبة "إياد" ولم يتحدث معها من قبل، تُرى كيف سيكون هذا اللقاء! 

+


دلف غرفة الطعام لتلاحظه كلا من "زينة" و"ديانة" التي شعرت بقليل من الصدمة لرؤيته، وأيضًا بقليل من التوتر، هي لم يسبق لها أن رأته عن قرب أو بعيدا عن الزحام ، بينما "زينة" نظرت نحو والدها بدهشة مُردفة بلهفة: 

+


- بابا! 

+


نهضت من مقعدها وأسرعت فى إلقاء نفسها داخل صدر والدها محتضنة إياه وهي تتمنى أن تبكي بكل ما فيها من قوة، تتمنى أن تقص عليه كل ما حدث ولكنها تخشى ردة فعله، بينما "هاشم" قد بادلها بكل حب وعاطفة أبوية مُردفًا بعتاب: 

+


- لقيتك مش بتسألي عليا قولت أسال أنا عليكي، ما أنتي خلاص معدش عاجبك القاعدة معانا. 

+


هزت "زينة" رأسها بالنفي كي لا يظن والدها إنها لا ترغب فى العيش معه مُردفة بلهفة: 

+


- أبدًا يا بابا الموضوع مش كده خالص، أنا قاعدة مع ديانة عشان الحمل، أنت عارف مينفعش أسيبها لواحدها. 

+



        
          

                
نظر تجاه "ديانة" وشعر ببعض من الحنين والرغبة فى ضمها إلى صدره، ولكن ما فعلته والدتها بأخته وأخيه وزوجته وجنينه لايزال عائقًا بينهم، ولكن ما هو ذنبها فى كل ما حدث، هل يُأنبه ضميره الأن؟ 

+


بينما "ديانة" كانت تنظر له بمزيجا من الغضب والإحتياج معًا، هي تشعر إنه من دمها وكم تتمنى أن تلقى بنفسها داخل صدره لأستنشاق رائحة والدها به والتي لم تجربها من قبل، ولكنها تشعر بالغضب أيضًا تجاهه، فهو من جعل "جواد" يتحكم بمصيرها وشجعه على الانتقام منها وأيده الرأي، هذا الرجل بالطبع لن تستطيع أن تشتم به رائحة والدها لأنه لم يرأف عليها مثل لو كان والدها، أشاح "هاشم" بنظره عن "ديانة" مُحولا نظره تجاه "زينة" مستفسرًا: 

+


- طب والبيبى كويس؟! 

+


كادت "زينة" أن تُجيب والدها وتطمئنع ولكن قاطعها تدخل "ديانة" موجهة حديثها نحو "هاشم" هاتفة بنبرة مستهزئة: 

+


- هيفرق معاك فى حاجة يا هاشم بيه! 

+


رمقها "هاشم" بدهشة من تدخلها وحديثها معه لأول مرة، ولكنه لم يُظهر دهشته وأستطاع إخفائه وراء ملامحه الجامدة مُجيبًا بجمود: 

+


- أيوه طبعًا هيفرق معايا، لأنه حفيدي ومن صُلبي. 

+


ضحكت بأستهزاء على ما قاله "هاشم"، تراه يتحدث وكأنها هي الأخرى ليست من صُلبه، أضافت بتهكم: 

+


- وإيه يعني! منا كمان من صُلبك، ولا أنت نسيت إني بنت شرف كمان مش لبنى بس، ومع ذلك عايزين تدفعوني تمن حاجة أنا معملتهاش. 

+


شعر بالغضب والضيق من حديثها مُتأثرًا به، نعم هي من صُلبه ودمها هو دمه، هي ابنة أخيه الذي يتمنى أن يدفع باقي عمره ليحتضنه ولو مرة واحدة، ولكنها أيضا تحمل دم تلك المرأة التي قتلت زوجته وجنينه ولذلك لا يستطيع أن يتهاون معها أكثر من ذلك، صاح وهو يُحاول إخفاء تلك الغصة بحلقه: 

+


- في ناس بتبقى مُعانتها فى الحياة هي أهلها، وأنتي مُعاناتك فى الحياة هي عملت أمك. 

+


أمتلأت عينيها بدموع وسريعًا ما صرخت فى وجهه بكل ما بداخلها من ألم: 

+


- وأنا مش مصدقة، ولو ده فعلا حصل أنا ذنبي إيه؟ 

+


تهاوت الدموع من أعينها وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ زمن طويل، صاحا بكل ما بداخلها من وحسرة وظلم: 

+


- أنا ذنبي إيه؟ ذنبي إيه أترمي فى الشارع من وأنا لسه مكملتش شهرين، حتة لحمة صغيرة لا ليها حول ولا قوة لو كان كلب مسعور معدي فى الشارع وشافها كان كلها ومحدش أخد باله، ذنبي إيه أتحرم من أبويا وأمى وأترمي فى الشارع لناس مش من دمي هما اللي يربوني، ذنبي إيه أعيش طول طفولتي بسأل الناس اللي كنت فكراهم أهلي هو انا ليه أسمى مختلف عن أخواتي وأحس إني فيا حاجه غلط، ذنبي إيه لما أكبر شويه يفضل ملازمني إحساس إني مليش اهل وإني جايه من الملجأ أو إني ممكن أطلع بنت حرام فى الآخر، ذنبي إيه أعيش طول عمري فاكره إن مليش أهل وإني زرعة شيطاني كده. 

+



        
          

                
شهقت بشدة لتُسرع "زينة" لمساندتها بعد أن لاحظت خلل توازنها، بينما "هاشم" قد رجف قلبه رغمًا عنه قلقًا من أن يُصيبها شيئًا، ولم يستطيع أن يُميز أهو خاف عليها أم على الجنين، بينما أكملت "ديانة" حديثها موجهة إياه نحو "هاشم" بمزيد من القمر: 

+


- ذنبي إيه يوم ما أحس إن حياتي هتتظبط ولقيت الشخص المناسب اللي هبني  معاه حياة جديدة وهعوض نفسي عن كل حاجة حصلت فى حياتي، يطلعلي ابنك يدمرلي كل حاجة، يهددني بكل الناس اللي بحبها إنه هيأذيهم، يجبرني على الجواز منه ويتجوزني غصب عني، يعاملني بأزبل مُعامله، يذلني، يضربني، يشتمني شتايم قذرة، يجبرني على علاقة أنا مش قبلاها ويخليني أشيل جوايا حته منه وأنا بكرهه لانه عمره ما عمل حاجة تخليني مكرهوش، ذنبي إيه مراتك تجيلي أكتر من مره تهيني وتغلط فيا وتهددني، ذنبي أيه أول ما أحس إني تقبلت الطفل ده تبعتلي حد يقتلني أنا والجنين؟ 

+


شعر بكثير من التأثر والندم بسبب ما يقع على مسامعه، هل هي على حق! هل ترك نار الغضب والانتقام تعميه إلى هذا الحد؟ هل كان ينتظر طوال تلك العشرون عاما قتل ابنة أخيه الوحيدة، هل كان يريد التخلص من أخر شيء يحمل رائحة شقيقه؟ هل غضبه جعله ولا مرة يرى بها إنفعال وحدة وجرأة "شرف"! ماذا كان سيفعل هي مُحقة ما هو ذنبها بكل ما حدث؟ ولكن لحظة أحقا "هناء" فعلت ذلك وأرسلت أحدهم لقتل حفيده؟ 

+


بينما "ديانة" ظلت تشهق وتنتحب مُحاولة أن تتماسك وتقدمت نحوه ووقفت أمامه مُصطنعة الجمود والثبات مُضيفة بحدة: 

+


- أنت ظالم، ظالم ومعندكش قلب ولا رحمة ولا بتحس بحد غير نفسك، مشوفتش غير وجعك أنت بس، عمرك ما حبيت بابا لأنك لو كنت حبيته بجد كنت حافظت على أخر حاجة بقيالك من رحته، بس أنت عملت العكس عشان كده يوم ما هتموت وتروحله، مش هيبص فى وشك أبدًا يا عمي. 

+


شعر بضيق كبير فى صدره وكأن أحدهم صفعه بصفعة قوية لكى يفيق من كل ذلك الظلام والكراهية التي عمت بصيرته وترك نار الانتقام هي من تتحكم به كاد أن يتحدث ليتفاجئ بدخول "جواد" بينهم وقبض على يد "ديانة" بغضب وأسنان ملتحمة مُردفًا بحدة: 

+


- أنتي إزاي تتجرئي وتتكلمي معاه بالطريقة دي؟ 

+


حاولت "زينة" الخروج عن صمتها حائلة بينهم لكي لا يؤذيها "جواد"، بينما صاح "هاشم" مُوجها حديثه نحو "جواد" مُحاولًا إيقافه بحزن وإنكسار: 

+


- سيبها يا جواد، سيبها. 

+


سحبت "ديانة" يدها من يد "جواد" بكثير من الحدة والأنفعال مُصيحة بهجوم: 

+


- أسمع الكلام وسيب إيدى يا جواد، ما أنت أصلا دي شخصيتك، إنسان ضعيف وجبان ومعندكش شخصية، بتفتري على أي حد عشان بس تثبت لنفسك إنك قوي وراجل وأنت أصلًا معندكش ريحتهم وإنسان ضعيف. 

+


قالت جملتها الأخيرة وهي تدفعه فى صدره بكل حدة وغضب، ليشعر هو باحتقان الدماء داخل عروقة بسبب كل تلك الاهانة التي ذكرته بما يُحاول الهرب منه وبمجرد أن دفعته، رفع يده عازمًا على أن صفعها بقسوة، ولكنه مع نفسه فى اللحظة الأخيرة قبل أن يتهاوى عليها، بينما رأى "هاشم" ما كاد أن يفعله، ليصرخ عليه زاجرا إياه بحدة: 

+



        
          

                
- جواد. 

+


رفعت "ديانة" زرقاوتيها تجاه يد "جواد" ثم حولت نظرها تجاهه مرة أخرى ويبدو عليها ملامح التقزز والاشمئزاز مُردفة باحتقار: 

+


- مش قولتك إنك ضعيف يا جواد، أنا بكرهك. 

+


التفتت ناحية الدرج وسريعًا ما صعدت إلى غرفتها لتلحق بها "زينة" مُحاولة تهدئتها خوفًا من أن يصبها شيئًا بسبب كل ذلك الغضب والانفعال، بينما "جواد" شعر وكأنه أصبح مثلما تقول هي، أصبح بالفعل ضعيف ومحطم، يشعر وكأنه عاد إلى نفس ذلك الطفل الحبيس بتلك الغرفة المظلمة، يشعر وكأنه على وشك البكاء ولكنه لن يُظهر كامل ضعفه أمام أحد. 

+


خرج من المنزل غير مُهتما لصُراخ والده الذي يُحاول إيقافه، ليأخذ مفاتيح السيارة من السائق وسريعًا ما صعدها وحرك السيارة وأنطلق بسرعة جنونية لدرجة أن السائق أقسم إنه كاد أن ينقلب بالسيارة بسبب شدة سرعتها، بينما "جواد" لم يُحدد وجهته وكأنه يبحث عن أخر نقطة بالعالم كي يُفرغ بها كل ذلك الألم والكسرة التي بداخله. 

+


خرج "هاشم" من المنزل بعد أن رحل "جواد" ليتجه إلى منزله لحثم الأمر مع "هناء" وإيقافها عند حدها وإبعادها عن طريق "ديانة" وحفيده للأبد. 

+


❈-❈-❈ 

+


كانت "ديانة" تبكي بكل ما بها من قهر وحسرة متذكرة كل ما مرت به طوال حياتها، وأكثر ما يؤلمها أن من يُحاول إيذائها هم بالأصل أهلها وعلى رأسهم زوجها الذي تزوجها كي ينتقم منها على ذنب لم ترتكبه وليس لها أية صلة به. 

+


أقتربت "زينة" منها وأخذت تُحاول تهدئتها، ولكنها لا تعلم أتُهدئها أم تُهدئ نفسها، فهي أصبحت الأن أخر شخص يمكن أن يقوي أحدًا وهي أضعف شخصًا على وجه الأرض، ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وأخذت تربت على كتف "ديانة" مُضيفة: 

+


- ديانة أهدي عشان خطري. 

+


حاولت "ديانة" التحدث من بين شهقاتها العالية وصوتها المبحوح من كثرة بكائها: 

+


- كان عايز يضربني يا زينة، كان عايز يكسرني ويذلني قدامكوا كمان. 

+


هزت "زينة" رأسها بالنفي مُضيفة بتوضيح: 

+


- لا يا ديانة جواد عمره ما كان هيعمل كده، وأديكي شوفتي مقدرش يعمل حاجة. 

+


أغمضت عينيها بخيبة أمل وكسرة خاطر، تشعر وكأن بداخلها قهر وحسرة العالم بأكمله، وكأنها خسرت كل شيئًا ولم تعد ترغب فى العيش أكثر من ذلك، ولكنها لن تنكسر، أصطنعت القوة موجهة حديثها نحو "زينة" مردفة بحدة: 

+


- أنا عايزه أمشي من هنا يا زينة. 

+


أتسعت عينى "زينة" بصدمة وكأن هناك من صعقها، تعلم إنها مُحقة فى طلبها لرحيل بل والإنفصال عنه للأبد بعد كل ما راته منه، ولكنها تخشى عليها من غضب أخيها حينما يسمع طلبها هذا، فزواجها من "جواد" هو نجاتها إلى الأن، ولكنها لا تستطيع أن تخبرها بهذا الأمر لكي لا تكره الجميع أكثر من ذلك، لتحاول تهدئها: 

+


- أنتي بتقولي إيه يا ديانة؟ أنتي مش عارفة عواقب اللي بتقوليه. 

+


صاحت "ديانة" صارخة فى وجهها مؤكدة على حديثها: 

+


- بقول إني عايزه أمشي من هنا، عايزه أطلق منه، حتى لو كان التمن إنه يقتلني، المهم مبقاش مع البني أدم ده فى مكان واحد، أنا بكرهه. 

+


أحتضنتها "زينة" وهي تشعر تجاهها بكثير من الشفقة والحزن، فهما الأثنتان يبدو أن حياتهما تُشبه بعضهما، هما الأثنتان أصبحا مدمرتان الأن ولهذا السبب هي لا تستطيع الانزعاح منها بل الاشفاق عليها، ربتت على ظهرها مُردفة بتعاطف: 

+


- طب أهدي يا ديانة، أهدي دلوقتي وبعدين نتكلم فى الموضوع ده. 

+


سكتت "ديانة" وظلت مُعانقة إياها حتى أنتهى بكائها وسقط فى النوم، وضعتها "زينة" بالفراش وقامت بتغطئتها ونهضت وخرجت من الغرفة وهي تشعر بأن كلاهما تضمرت حياتهم ويبدو أن هناك رابط مشترك بين قصتيهما. 

+


يتبع... 

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close