اخر الروايات

رواية علي دروب الهوي الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم تسنيم المرشدي

رواية علي دروب الهوي الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم تسنيم المرشدي


الفصل الحادي والعشرون
على دروب الهوى
بقلمي تسنيم المرشدي
***
وآه على قلبٍ غواه العشق وآلامه، وكأنه لم يعش ألمًا مقارنةً بما يعيشه الآن، لم يرفع عينيه على يدها التي تتخلل يد رجل غيره، لقد جاهد نفسه ليحافظ على نقاء علاقاتهما، ليصل يومًا إلى تلك المكانة، فكان يطوق لـ لمسة من يدها.
رفع بصره بتهمل تدريجيًا حتى أصابت عينيه عينيها، كان يُطالعها بعيون دامعة، يتمالكها بصعوبة، يستمع لتردد صدى أنفاسه داخل صدره، لم يدري ما عليه الشعور به تلك اللحظة، أيبتسم لها سعيدًا بعودتها، أم يبكى تحسرًا على زواجها.
زواج من؟ من تزوج!! صباه! حبيبة فؤاده وسكن قلبه! أهذه دعابة؟ هل تمتحن حبه لها بإثارة غيرته؟ بوقوفها إلى جانب رجلًا آخر، بمسكها ليده بحميمية!! كيف؟ بالله كيف؟
سيجن عقله إن لم تتضح له الأمور حالًا.
سقطت عبرة رغمًا عنه فأسرع بخفض جسده حاملًا الحقائب بيده وسرعان ما أولاهم ظهره قبل أن يلاحظها أحدهم، هرول بخُطواتٍ غير متزنة وتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه.
خرج من صالة المطار، ووقف يلتقط أنفاسه الهاربة من رئتيه، رفع رأسه للأعلى يشتكي بصمتٍ، فمن غير الله يسمع قلبه، ويشعر بألمه المكنون، هو وحده يستطيع أن يربط على قلبه ويثبت عقله ويلهِمَه الصبر في ذلك الإختبار الصعب.
توجه ناحية السيارة وقام بوضع الحقائب بها ثم وقف بجوار الباب وثبت عينيه على الباب، فرآهم عند خروجهم، لم يكن حلم، إنها حقيقة، تَقدُم نحوه برفقة رجلًا آخر.
قام بفتح الباب لهما، فركب عاصم أولًا، وتلاته صبا فمال عبدالله بقُربها مُغمضًا عينيه فشم عبيرها الذي فاق اشتياقه لها، شعر بنضبات قلبه تحيا من جديد، تتجدد خلاياه وتتتفتح كالأزهار في ربيعها.
انتبه على حاله وتراجع عندما تذكر الحقيقة المأساوية، كيف عليه تقبلها؟ أغلق الباب عندما ركبت صبا ثم توجه إلى الطارة، استقل أمامها وأطال النظر في الطريق أمامه محاولًا فهم ما يعيشه.
لكزه إسلام في ذراعه بخفة وردد:
_ اتحرك يا عبدالله..
أدار عبدالله رأسه رامقًا إياه بتيهٍ، ثم رفع بصره ليرى صبا الجالسة في الخلف من خلال المرآة، رفت عينيه فجأة وظلت ترتجف وفشل في رؤية ما هو حوله، فمد ذراعه ولمس يد إسلام الذي تفاجئ بحالته ودنا منه متسائلًا بقلقٍ:
_ في إيه مالك؟
رد ببحةٍ تكسو صوته:
_ مش قادر.. تعالى مكاني
_ تمام، بس أنت كويس؟
تساءل إسلام مهتمًا لأمره، فلم يجيبه بل ترجل على الفور وتوجه إلى الباب المجاور، استقل المقعد ثم وجه عينيه على المرآة الخارجية التي تعكس له وجه صبا بوضوحٍ.
لم يشيح بصره عنها، لا يصدق، عقله، قلبه لا يصدقان ما تراه بؤبؤة عينيه، كيف تفعل به ذلك، كيف قبلت برجلًا غيره تُكتب على اسمه، ماهي أسبابها لتفتعل تلك الكارثة، العشرات من الأسئلة التي هاجهمت عقله ولم يجد لها إجابة.
***
كان قاسم أول الحاضرين على الطاولة، أمر الخادمة بإحضار العشاء ليتناولوا معًا كعائلة، ليبدأ في تهذيب سلوك آدم المفتقد لتلك الأجواء الأُسرية، ترأس الطاولة وانتظر إنتهاء الخادمة من وضع الطعام ثم أمرها قائلًا:
_ لو سمحتي نادي على حورية وآدم
_ أمرك يا قاسم بيه
قالتها بطاعة وتوجهت إلى الأعلى لتُلبي أمره، بعد قليل جاءت حورية وحدجت الطاولة وهي تتشدق متعجبة مما تراه، جلست بجوار قاسم وعلقت مبدية تهكُمِها:
_ ياه دا أنا نسيت إن عندنا سفرة في البيت
لم يتأثر قاسم لكلامها، بل أخرج تنهيدة بطيئة ونظر لها وأردف بجفاء شديد:
_ من النهاردة هتتعودي على المنظر دا، أساسي أكلنا مع بعض إحنا التلاتة إلا إذا حصل ظرف..
صمت عندما انتبه لترجل آدم، ولج بهيئة تدل على خروجه، فقعد قاسم ما بين حاجبيه بغرابةٍ وسأله بجدية:
_ مش هتاكل معانا ولا إيه؟
أوضح له آدم السبب في عدم مشاركتهما الطعام وهو يتفقد ساعة يده:
_ لا مش هينفع النهاردة، عاصم أخو ڤاليا رجع من السفر ولازم أروح له..
أبدى آدم تعجبه المخالط للريبة وهو يضيف:
_ دا حتى بيقولوا راجع مع مراته، كنت تعرف الموضوع دا؟
صعق قاسم وهب واقفًا وهتف مذعورًا:
_ قولت مين اللي رجع؟
_ عاصم..
أخبره آدم ليؤكد صدمة والده الذي لم يقف لثانية بعد، وهرول مسرعًا إلى الأعلى وهتف وهو يواصل صعوده:
_ استناني، هاجي معاك
قطب آدم جبينه شاعرًا بغرابةٍ تحدث، لكن لم يكن أمامه سوى إنتظار عودة والده، بينما ولج قاسم غرفته وقام بتبديل ملابسه سريعًا ثم التقط هاتفه وقام بعمل اتصالًا ثم ألقاه على الفراش بعد أن فعّل مُكبر الصوت، ثوانٍ وجاءه صوتها القلِق:
_ قاسم!
رد عليها بلهفةٍ:
_ صبا رجعت يا أحلام!! رجعت مع جوزها..
صدمة قوية ضربت عقل أحلام فلم تستوعب بسهولة ما وقع على أذنيها، شهقت بذُعرٍ وصاحت:
_ هنعمل إيه يا قاسم؟
التقط هاتفه بعد أن انتهى من ارتداء حذائه ورد بإيجاز:
_ أنا نازل رايح له دلوقتي.. ربنا يستر
بقلبٍ ينفطر حزنًا على ولدها هتفت برجاء:
_ خليك جنبه يا قاسم، متسيبوش
_ أنتِ بتوصيني على مين يا أحلام، دا ابني
قالها وهو يترجل السُلم ثم أضاف لينهي المكالمة:
_ يلا سلام، هبقى أكلمك
توجه إلى الخارج دون الإلتفات حوله هاتفًا دون صبرٍ:
_ يلا يا آدم..
تبادل آدم النظرات المتعجبة مع والدته ثم انصرف خلف والده الذي ركب سيارته وخرج مسرعًا تحت نظرات آدم، وقف يتابع تحركاته وهتف دون فهم لما يحدث:
_ هو في إيه؟
استقل سيارته وتَبِع والده مُتجِهًا إلى بيت عائلة ڤاليا.
***
مال برأسه قليلًا رامقها بطرف عينيه وهو يُردد محاولًا عدم تصديق ما أخبرته به:
_ إيه حامل دي؟ إزاي طيب، مش أنتِ بتاخدي برشام؟
ابتلعت ليلى ريقها، وطالعته بخوفٍ يكسو تعابيرها، تخشى رد فعله للغاية، حمحمت وحاولت إخباره لكنها لم تستطع فرددت بتلعثمٍ:
_ مهو..
_ مهو!!
قاطعها بترديده لما تفوهت به وصاح عاليًا:
_ فين البرشام يا ليلى؟
يتضاعف الخوف داخل قلبها؛ كلما شعرت باكتشاف أمرها، حتمًا تلك نهايتها، عضت شفاها ولم تُبعد نظريها عنه فجن زكريا وانفعل عليها:
_ بقولك فين شريط البرشام يا ليلى، ردي عليا
_ مفيش برشام..
لم تكاد تكمل جملتها حتى هاجمها بصراخه:
_ يعني إيه مفيش برشام؟ أنتِ كنتي مستغفلاني كل دا؟
دنا منها وهو يصر أسنانه بغضبٍ لا يرى أمامه، وأضاف:
_ كلامي متسمعش ليه يا ليلى؟ كنتي مستصعبة أوي تستني الكام شهر دول!!
حاولت ليلى تهدئته بتحدثها عن القدر:
_ نصيب يا زكريا.. ياما فيه ناس مش بتاخد أي وسيلة ومش بتحمل.. كان ممكن ميحصلش حمل لو مش مكتوب لنا دلوقتي لكن نصيبنا يكون الحمل في الوقت دا
أمسك زكريا ذراعها وهزها بعنفٍ وهدر شزرًا:
_ النصيب دا لما ميبقاش لينا دخل فيه، لكن متعمليش عملتك وتيجي تقوليلي نصيب أنتِ بتضحكي على نفسك ولا عليا؟!
دفعها بعيدًا عنه ثم جاب الغرفة ذهابًا وجيئا وعقله يجن جنونه، ثم أمسك بالمصباح الكهربائي الذي يعلو الكومود وقام بإلقائه في الأرض فتحطم وتناثرت أشلائه في زوايا الغرفة.
عاد إليها من جديد بوجهٍ مُحتقن يفشل في كظم غيظه وهدر بها:
_ استصعبتي تسمعي الكلام وكسرتي كلمتي يا ليلى!!
بتحطيني قدام الأمر الواقع والمفروض إني أقبل واسكت وأقول نصيب!
لكن دا بعينك، زي ما خدتي قرارك لوحدك شيلي شيلتك لوحدك برده
خرجت ليلى عن هدوئها، واندفعت به مُتألمة من رد فعله المُبالغ:
_ أنت أناني يا زكريا، عايز كل حاجة على كيفك أنت، خدت قرار كبير زي دا لوحدك وأوهمت نفسك إني موافقة عشان ضميرك ميأنبكش بس أنا مكنتش راضية عنه، أنت بتنزل شغلك وبتخرج وتقعد مع صحابك فمش فارق معاك وجود أطفال أو لأ لكن أنا طول اليوم لوحدي لغاية ما ترجع ونقعد مع بعض الساعة ولا الاتنين اللي بنقعدهم، فكان الموضوع فارق لي جدًا، أنا عشت نص عمري وحيدة، وكنت بتمنى اليوم اللي اتجوز فيه عشان أخلف عيال كتير يملوا عليا حياتي واعمل عيلة..
دنا منها زكريا وبهدوءٍ يشبه هدوء ما قبل العاصفة همس بخفوت:
_ وأهو حملتي يا ليلى، عملتي اللي أنتِ عايزاه..
أولاها ظهره ليخرج من الغرفة فنادته بتعبٍ متوسلة إياه:
_ يا زكريا عشان خاطري....
قاطعها بإصبعه الذي رفعه في وجهها وحذرها:
_ متخرجيش ورايا
لم تستمع إليه ولحقت به فقام بإغلاق الباب قبل أن تمُر منه، فوقفت خلفه تبكي بحسرة، لم ترتب لذلك الخبر هكذا، من أسوء المفاجئات التي عاشتها كان خبر حملها، خرج الآخر وظل يتحرك في المكان بعقلاٍ لا يصدق ما يعيشه، يجن عقله كلما تذكر أنها عصته.
توجه إلى الأريكة واستلقى أعلاها، ثم وضع الوسادة على وجهه مطلقًا بعض الأصوات المختنقة بها حتى لا تصل إلى مسمع الآخرين.
***
بعد مرور وقتٍ طويل، وصلا بهم إسلام إلى الفيلا، لم يرف لعبدالله جفن طوال الطريق، فكانت عينيه مُثبتة على المرآة يطالعها بصدمة لم يهضمها بعد، ترجل إسلام وقام بإخراج الحقائب بينما ظل عبدالله ساكنًا مكانه يتابع حركة صبا.
كان الجميع في استقبالهم، كان استقبالًا حافل بعودة عاصم، حيث عانقته ڤاليا بحميمية وكذلك أخيه ووالديه، واكتفوا بمصافحة صبا، تلك الأثناء وصل قاسم وخلفه آدم.
ترجل من السيارة وعينيه تبحثان عن عبدالله، ثم انتبه على نداء عز:
_ جاي بنفسك يا قاسم، دا على كدا عاصم غالي أوي
تصنع قاسم اهتمامه بوصول عاصم وتوجه نحوه ليُرحب بوصوله قائلًا:
_ طبعا غالي دا ابني يا عز.. حمد لله على سلامتكم يا عاصم..
_ الله يسلمك يا أونكل
قالها عاصم بودٍ بينما أعاد قاسم بحثه عن عبدالله، تاركًا آدم يرحب بعودة عاصم، دعاهم عز إلى الداخل فولجوا جميعهم ما عدا قاسم الذي توجه إلى إسلام وسأله بقلقٍ:
_ عبدالله فين؟
أشار إسلام نحو السيارة وأجاب بعملية:
_ في العربية، كان تعبان وإحنا راجعين، ياريت حضرتك تطمن عليه ..
لحظة صمت حلت قبل أن يقطعها قاسم بسؤاله:
_ راجعين منين؟
أوضح له إسلام مكان عودتهم:
_ كنا بنجيب عاصم بيه من المطار..
قطب قاسم جبينه وتوجه إليه بخُطوات مهرولة، قام بفتح الباب السيارة عندما رآه مُغمض العينين، تملكه الذُعر وضرب وجهه بخفة وهو يناديه:
_ عبدالله.. أنت كويس، رد عليا
فتح عبدالله عينيه بتمهل؛ وحدق بوالده لثوانٍ بتيه كأنه يتعرف على ملامحه، خشى قاسم صمته وهتف متسائلًا:
_ طمني عليك، حاسس بإيه؟
_ مش حاسس بأي حاجة، هي ليه عملت كدا؟ صبا رجعت.. صبا رجعت بس وهي متجوزة واحد تاني غيري!! أنا لازم أسالها عملت فيا كدا ليه؟ ليه سابتني ومشت واختارت حد غيري..
هتفها عبدالله بنبرة موجوعة، وترجل من السيارة يريد الدخول إلى الفيلا والوصول إلى صبا، بينما جاهد قاسم على إيقافه محاولًا تهدئته:
_ لا لا بلاش تدخل، تعالى معايا إهدى الأول وبعدين نشوف هنعمل إيه
رفض عبدالله الرضوخ إليه، وكان يحاول المرور من أمامه بقوة هزيلة يريد سؤالها ليريح عقله من التفكير:
_ هسألها فين وعدها ليا، عايز أعرف قدرت توجعني كدا إزاي، هسألها قلبها طاوعها تكون لغيري إزاي؟
تساقطت عبراته بغزارة وأضاف بحنحرةٍ مبحوحة:
_ سيبني أسالها بس وهمشي على طول
_ لأ لأ، مش هينفع صدقني تعمل اللي أنت عايزه دا، البنت واقفة وسط ناس ومينفعش تكلمها قدامهم، كل حاجة ليها وقتها ومكانها
أردفها قاسم وشد على ذراع عبدالله ليُجبره على السير بعيدًا عن الفيلا وواصل برجاء:
_ امشي يا عبدالله، اسمع الكلام أنت لازم تبعد عن هنا..
رفض وصرخ عاليًا كالمجنون الذي يريد الوصول إلى مُراده فقط، فاضطر قاسم إلى ضرب رأسه بقوة فخر عبدالله واقعًا فردد قاسم بآسى وندم شديدين:
_ أنا اسف يابني، مضطر والله
نظر قاسم إلى إسلام الذي يتابع ما يحدث من على بعد بذهولٍ وريبة، ثم ناداه قائلًا:
_ ساعدني نركبه عربيتي..
لم يتردد إسلام في مساعدة قاسم وقاما كلاهما بحمله ووضعه في سيارة قاسم، الذي خرج على الفور قبل أن يراه أحدهم وتوجه إلى بيت المزرعة.
***
داخل الفيلا؛ فرحة عارمة بين العائلة لعودة عاصم بعد غياب دام لعدة أشهر، كان يجلس وإلى جواره نهال التي تحتضنه بشوقٍ ظاهر فعلق عامر بتهكمٍ من تصرفها المبالغ:
_ كل الحكاية ٣شهور يعني يا ماما، لحق يوحشك للدرجة دي..
_ ولو ٣ أيام حبيبي كان بعيد عني، وكان واحشني
قالتها نهال بحنانٍ، فأضاف عامر ساخرًا:
_ أيوة يا سيدي، ناس ليها أحضان وناس ليها....
ولا بلاش أصل تزعل
نهرته نهال مُعنفة إياه:
_ إحترم نفسك يا عامر، من امتى كنت فرقت بين واحد فيكم!!
تدخل آدم مرحبًا بعودة عاصم:
_ حمد الله على سلامتك يا عاصم..
_ الله يسلمك يا حبيبي
قالها عاصم مختصرًا فتابع آدم حديثه بتلهفٍ:
_ طلاما جيت الحمدلله يبقى نحدد ميعاد الخطوبة بقى، ڤاليا مكنتش حابة تعملها وأنت مش موجود..
تفاجئت ڤاليا باقتراح آدم، فلم تتوقع سرعته في تحديد الخِطبة بهذا الشكل، تجهمت تعابيرها وحاولت تغير الحوار مُبدية استيائها من آدم واقتراحه المُتسرع:
_ خطوبة إيه دلوقتي يا آدم، عاصم لسه راجع من السفر وأكيد تعبان نتكلم بعدين..
تدخل عز وأردف برزانة:
_ الوقت مناسب يا فيفو نرتب فيه معاد لخطوبتكم، عاصم كلها ليلة هينامها وهيبقى زي الحصان
أكد عاصم بكلماتٍ تؤيد رأي والده:
_ بابا عنده حق يا ڤاليا، خلينا نعمل الخطوبة، وإحنا كمان نشاركم الحفلة على الأقل الناس تتعرف على صبا، بما إن الجواز جه من غير ترتيب ولا فرح
نظر عاصم إلى صبا الشاردة وسألها باهتمامٍ:
_ ولا إيه يا صبا، إيه رأيك؟
انتبهت عليه لحظتها لكنها لم تسمع مما قيل قبل قليل فرددت بتلعثمٍ:
_ هاا؟
أحاط عاصم كتفيها بذراعه وقال مبتسمًا:
_ مالك يا حبيبتي، تايهة كدا ليه؟
تولى عز الرد بدلًا عنها وقال بنبرة رخيمة:
_ أكيد تعبانة من السفر والطريق، خليها تطلع ترتاح ونتكلم في التفاصيل بعدين..
أماء عاصم ثم نهض ليستأذن منهم لكن صبا أسبقت بالحديث وأردفت:
_ خليك يا عاصم أنت عندك ضيوف، ممكن حد يعرفني طريق الأوضة وأنا هطلع لوحدي..
لم يجد عاصم داعٍ لبقائه فقال:
_ تعالي هنطلع سوا..
قاطعته صبا بحدةٍ وأصرت على الصعود بمفردها:
_ لأ، أنا عايزة أطلع لوحدي..
أطال عاصم النظر إليها، لم يستشف ما يوجد خلف نبرتها القاسية، لكنه أراد أن يترك لها الحرية في التعامل في المنزل، حمحم ونادى على الخادمة التي تجاورهم لربما يحتاجونها بلغته الأجنبية:
_ مريانا، لو سمحتي خدي مدام صبا وطلعيها في اوضتنا..
أماءت الخادمة بطاعة ثم أخذت الحقائب الخاصة بها وصعدت أولًا لتوجهها إلى غرفتها، ولجت صبا الغرفة وانتظرت حتى غادرت ثم وقفت خلف تحدق أمامها دون حركة حتى فرت دمعة من عينيها مفاجئة ففتحت سبيلًا لشلالٍ من الدموع الذي اندفع فجأة.
أجهشت بالبكاء المرير وارتجف جسدها بعنفٍ، رفعت كلتى يديها ووضعت يُمناها على عُنقها الذي يختنق، والأخرى وضعتها على قلبها الجريح الذي ينبض بقسوة وكأنه سيخترق ملابسها ويسقط أرضًا أمامها.
أسرعت باحثة عن المرحاض ووقفت تطالع صورتها المنعكسة بآسى وحزنٍ عشعش ملامح وجهها الجميل، فأصبح شاحبًا فقد رونقته وحيويته، وظلت تردد بصوتٍ باكي:
_ ليه، ليه؟
تلك الأثناء صعد عاصم وولج الغرفة، تعجب من عدم وجود صبا، فنادها بهدوءٍ:
_ صبا، أنتِ فين؟
لم يأتيه ردًا فتسلل القلق داخل قلبه؛ وفضل أن يبحث عنها، توجه إلى غرفة تبديل الملابس وناداها قبل دخولها فلم يجد لها اثرًا، تضاعف قلقه وأسرع ناحية المرحاض ليستمع إلى صوت بكائها من خلال الباب، فدعب الرعب أوصاله وطرق الباب وهو يردد:
_ صبا، في إيه بتعيطي ليه؟ أنتِ كويسة
لم تجيبه بل كان يزداد نحيبها فخفق قلبه رعبًا خشية أن تفتعل في نفسها مكروه وهتف عاليًا:
_ صبا أنا هدخل..
انتظر ثانية فلم تفتح الباب فقام باقتحام المرحاض، توجه نحوها بخوفٍ وقلق يسيطران عليه وتساءل باهتمامٍ مستفسرًا عن حالتها المفاجئة:
_ مالك، حصل حاجة ضايقتك؟
فقط لا يوجد سوى البكاء تفعله، حاول عاصم مسك ذراعها فنفرت صبا منه وصرخت محذرة:
_ ابعد عني..
رفع عاصم يديه للأعلى مستسلمًا وقال:
_ بعدت، بس اهدي وتعالي برا..
حركت صبا قدميها ففهم عاصم أنها تود الخروج
فأسبق بخُطاه إلى الخارج ودعاها للجلوس على الفراش، ثم سحب هاتفه ودلف شرفة الغرفة ليقوم بعمل اتصالًا دوليًا، أتاه الرد بعد فترة فتحدث باللغة الأجنبية:
_ Hello Dr., Saba has a severe crying fit and I can't stop it. Can you help me?
( مرحبًا دكتور، صبا تعاني من نوبة بكاء شديدة ولا أستطيع إيقاقها، هل يمكنكِ مساعدتي؟ )
وجه عاصم بصره على صبا وهو يستمع لتعليمات الطبيبة بعناية حتى يمكنه التعامل معها بشكلٍ صحيح.
***
تجلس على طرف الفراش تبكي بشدة؛ تجاورها عليا من يمينها وتواسيها هناء من على يسارها:
_ إهدي يا ليلى مفيش حاجة هتتحل بالعياط أبدًا
ربتت عليا على ظهرها بحنانٍ متأثرة لحالتها وأردفت:
_ شوية وهيهدى يا ليلى، أنتِ مش عارفة زكريا يعني، بيترفز وفي الآخر بيهدى ويصالحك..
رفضت ليلى سماع المزيد وهتفت مستاءة من بين بكائها:
_ مش المرة دي يا عليا، المرة دي مختلفة، دا خبر حمل يعني المفروض يفرح، أنا جبتكم عشان تفهموه أهمية الخطوة دي، هو مش متخيل جمالها، دا هيبقى أب، إزاي مش مقدر النعمة اللي هو فيها؟!
لم تتحمل هناء سخافة زكريا التي يُحدثها ولم تتقبل إعتراضه على رزقٍ يتمناه غيره، انتفضت من مكانها وخرجت من الغرفة فوجدته جالسًا على الأريكة بوجهٍ محتقن يصر أسنانه بغضبٍ.
جلست مقابله ولامته بضيقٍ:
_ أنت بجد زعلان إنك هتكون أب؟! دي نعمة يابني غيرك يحلم بيها سنين طويلة ومش طايل ضُفرها، بدل ما تقول الحمدلله مراتي حملت من غير مشاكل ولف على دكاترة تعترض على قضاء ربنا!!
رفع رأسه ونظر إليها بعينين ينطق منهما الشر ثم هدر:
_ دا لما الحمل يجي من عند ربنا فعلًا، مش هي اللي كانت عايزاه ومنعت البرشام وحملت رغم إني قايلها مش عايز يحصل حمل دلوقتي..
استنكرت هناء تفكيره وعدم إدراكه الكامل بما يُردفه دون رحمة وصاحت معاتبة:
_ استغفر ربنا، لأن كل شيء بإيديه، كان ممكن متحملش حتى لو وقفت البرشام، لكن مشيئة ربنا إنها تحمل في حتة منك يا زكريا، دا ابنك يابني اللي وقت ما هتشيله على ايديك هتنسى الدنيا ومافيها..
رفض الآخر الرضوخ لما تحاول إقناعه به، وهب واقفًا رافضًا سماع المزيد مرددًا بتأففٍ:
_ يووه، محدش فاهم حاجة..
تركها وولج الغرفة الأخرى وأوصد بابها حتى لا تقتحم خلوته إحداهن، بينما هزت هناء رأسها باستنكار شديد، ثم انتبهت على رنين الجرس، فنهضت لتعرف هوية الطارق، وجدتها خلود تود الدخول فمنعتها بيدها قائلة:
_ عايزة إيه؟
_ عايزة أدخل..
هتفتها خلود بتلقائية؛ فرفضت هناء دخولها مُعللة:
_ لأ، انزلي أنتِ تحت
عبست خلود وصاحت بحنقٍ:
_ إيه دا ليه يعني، ماهي عليا هنا اشمعنا أنا لأ
بنفاذ صبر أجابتها:
_ عليا كبيرة، إنما أنتِ صغيرة وملكيش دعوة باللي بيحصل دا، يلا على تحت
شدت خلود تقاسيم وجهها بتزمجرٍ وهللت عاليًا:
_ طب اسالي عليا فين الشكولاتة اللي كنت سيباها على رف التلاجة..
اندهشت هناء من سخافتها؛ فلم تتحملها وقامت بلكز ذراعها مُبدية استيائها قبل أن تردف موبخة إياها:
_ إمشي يا معدومة الدم، إحنا في ولا في إيه دلوقتي؟
أغلقت هناء الباب في وجهها وعادت إلى ليلى، بينما ضربت الأرض خلود بثدميها متذمرة من تصرف والدتها نحوها، هبطت درجات السُلم وهي تُردد بغيظ:
_ أوف، أجيب منين شكولاتة دلوقتي اتسلى فيها على ما ينزلوا؟
نظرت إلى الأعلى وأضافت بنبرة حانقة:
_ ماشي يا عليا..
تلك الأثناء كان وليد عائدًا من عمله، ووقعت كلمات خلود على مسامعه، فابتسم بخفة ثم عاد إلى الأسفل حتى لا تراه، كما عادت خلود أيضًا إلى البيت.
ظلت تجوب غرفتها ذهابًا وجيئا بمللٍ، وقررت النوم عندما فشلت في إيجاد شيءٍ تفعله، استلقت على الفراش وسحبت وسادتها بين ذراعيها وما كادت تفعل حتى استمعت إلى قرع الجرس.
فنهضت مستاءة وسارت بخُطواتٍ متشجنة تستعد لتوبيخ شقيقتها فور رؤيتها، أدارت مقبض الباب وهي تصيح:
_ أنتِ إيه....
صمتت عندما لم تجد أحدهم، دب الرعب قلبها، وتفقدت المكان يمينًا ويسارًا فلم تجد أثرًا لأحد، تراجعت للخلف سريعًا لتُغلق الباب فسقط بصرها على تلك الشكولاتة الموضوعة على الأرض أمام الباب.
حدجتها قليلًا، لا تدري من أين جاءت، لكن سرعان ما أخذتها وعاودت تفقد المكان من جديد، فلم ترى أحدًا، لكنها استمعت إلى صوت إغلاق باب شقة عمها، انسحبت إلى الداخل وأغلقت الباب ووقفت في حيرة من أمرها وهي ترمق الشكولاتة بذهولٍ.
حتى ربط عقلها صوت غلق الباب بوجود الشكولاتة وانتهى تفكيرها إلى وليد الذي اقتحم مخيلتها، لكن كيف علم بذلك؟
أخذت نفسًا وتوجهت إلى الغرفة وأمسكت بالهاتف، ترددت بالإتصال عليه فالوقت متأخر، وسيكون عيب إن هاتفته الآن.
فازدادت حيرتها بين تأجيل سؤاله غدًا أم تهاتفه الأن، وفي النهاية فاز فضولها حول ما يحدث وقامت بالإتصال عليه، انتظرت قليلًا حتى أتاها رده بصوتٍ ناعس:
_ خلود...
ازدردت ريقها وشعرت بالحرج الشديد يجتاحها، لعنت تسرعها لكن ليس هناك إلا أن تواصل المكالمة، حمحمت ثم أردفت بحرجٍ:
_ أنت كنت نايم؟
_ آه، فيه حاجة؟
تساءل بجدية فنظرت هي إلى الشيكولاتة وأطالت النظر عليها قبل أن تجيبه بنبرة متلعثمة:
_ لا مفيش، بس لقيت شكولاتة قدام الباب ومش عارفة مين جابها
_ شكولاتة إيه؟ معرفش عنها حاجة.. يمكن زكريا حطها ومشى..
قالها وليد، وعلى الرغم من معرفتها القوية بأنه ليس زكريا لكنها لم تطيل وأرادت إنهاء المكالمة فقالت:
_ أيوة ممكن برده.. معلش قلقتك، تصبح على خير
كادت تغلق لكنه لحق بها وأردف:
_ ابقي وطي صوت البرطمة شوية على السلم..
فغرت خلود فاها بدهشة بينما أضاف وليد بمشاكسة كأنه لم يقل شيئًا:
_ وأنتِ من أهله، سلام
أنهى الإتصال وهي ما زالت على حالتها، تأكدت أنه استمع إلى تمتمتها أثناء نزولها وهو من أتى لها بالشوكولاتة، ابتسمت وهي ترمقها، ثم أشاحت النظر عنها وقررت شكره على تصرفه اللطيف فقامت بإرسال رسالة إليه
' شكرًا '
وضعت الهاتف جانبًا وقامت بتناول الشكولاتة باستمتاعٍ وشهية، تغزو الإبتسامة شفتيها من آن لآخر كلما تخيلت رؤياه لها وهي تُتَمتم بالكلمات الحانقة.
في الأعلى، قرأ وليد الرسالة وابتسم بعذوبة، ثم وقف يبدل ملابسه وعينيه على الكيس البلاستيكي الذي يحتوي على عدد هائل من الشكولاتة الذي اشتراه خصيصًا لوضع واحدة كلما مر أمام البيت ربما ينعم برؤياها.
تعجب من حالته كثيرًا، ألقى قميصه على الفراش وجلس أعلاه عاري الصدر يفكر لماذا يفعل ذلك، لماذا يهتم لأمرها، ورؤيته لها بماذا ستفيده؟
فلم يجد إجابات صريحة على أسئلته.
لم تمر ثوانٍ حتى صدح رنين هاتفه فوجده رقم مجهول، فأجاب بريبة، وما زاد ريبته هوية المتصل، نهض من مكانه وهتف:
_ أيوة أنا وليد، ماله عبدالله؟
***
بدأ يستعيد جزءًا من وعيه؛ نظر إلى والده برؤى مشوشة، فأعاد غلق عينيه عندما هاجمه دُوارًا قوي، وهتف سؤاله بتيهٍ:
_ أنا فين؟ إيه اللي حصل؟
أجابه قاسم بنبرة حزينة رغم اطمئنانه لاستعادته رشده، فهو على غير استعداد لمواجهته:
_ أنت في بيت ابوك يا حبيبي..
استعاد عبدالله ذاكرته؛ فانتفض فجأة وهتف:
_ صبا!!
وقف قاسم أمامه وحادثه بملامحٍ تتوسل إليه أن لا يُعيد ما فعله من جديد وبرجاءٍ قال:
_ صبا خلاص اتجوزت يا عبدالله، اقنع عقلك بكدا..
رفض الإقتناع بما يود إقناعه به وصرخ عاليًا:
_ أنت بتقول كدا عشان هي متخصكش، لكن دي كل حياتي، دي عمري اللي راح وعمري اللي ضاع وعمري اللي جاي، مقدرش مقدرش
حاول قاسم أن يُهدئ من حالته لكنه آبى وانسحب من بين يديه هاتفًا:
_ أنا كنت بس عايز أكلمها، أعرف عملت كدا؟ أنا لازم امشي، أنا إيه اللي جابني هنا أصلًا..
توجه ناحية الباب فأسرع قاسم خلفه يحاول منعه من الخروج، لكن حمدًا لله، لقد وصلا صديقيه فتنهد ببعض الراحة وأردف بصوتٍ أجش:
_ شوف مين جه عشانك، وليد وزكريا، اقعد معاهم واهدى..
اقتربا الآخرين منه فتابع قاسم موجهًا حديثه لهما:
_ هدوه يا شباب، عرفوه إن التهور مش في صالحه..
كان وليد أول من تحدث، وقف أمامه وقال بآسى لوضع صديقه المُبهم:
_ إحنا جنبك يا عبدالله، شوف أنت عايز إيه واحنا معاك فيه..
ليضيف زكريا كلامه الجاف:
_ هي اللي اختارت يا صاحبي، حاول تنساها
تألم قلب عبدالله للغاية، نظر حيث يقف زكريا وصاح فيه غير راضٍ بما قاله:
_ أنت بتقول إيه، أنسى مين؟ دي صبا يا زكريا؟
أومال لو مكنتش شايف وعايش اللي بينا..
تدخل وليد وأمسك يد زكريا وشد عليها وهمس بخفوت:
_ اهدى شوية هو مش ناقص، مش شايف حالته
ضاق صدر زكريا أضعافًا ماهو عليه، فهو ليس في حالٍ يستطيع مواساة غيره، ففضل الصمت يكفي وجوده أفضل من حديثه الذي سيضيف ألمًا ويفتح جراحًا لصديقه.
عاود وليد النظر إلى عبدالله وقال بهدوءٍ حتى لا يبعث فيه نبرةً آمرة فيتمرد:
_ عبدالله تعالى ندخل ونتكلم بهدوء.. إحنا جاين من آخر الدنيا عشانك..
لحظاتٍ أطال بها عبدالله النظر إلى صديقه الذي حثه على الدخول مرارًا حتى قبل وعاد بالفعل، فقام قاسم بإغلاق الباب بعد أن دلف صديقي عبدالله.
جلس أربعتهم متفرقين، لم ينطق منهم أحد، فلم يمتلك أحدهم الكلمات حينها، وأي كلماتٍ ستهون مصاب عبدالله، لم يستطع الجلوس لمدة أطول وهب واقفًا وظل يجوب المكان من حوله كالثور الهائج يبوح بما يدور في عقله:
_ هتجنن، أنا بس لو لاقي سبب واحد عملته يخليها تعمل كدا، كنت هونت على نفسي لكن مش لاقي، أنا يومها بعد...
انتبه عبدالله على حاله ولم يواصل حديثه، أغمض عينيه وأخرج تنهيدة مهمومة، عاد ليجلس على الأريكة واستند برأسه عليها، حدق بالسقف وأضاف:
_ الحل إني أفهم منها هي، لازم اتكلم معاها.. يمكن ألاقي السبب دا عندها
_ طب وهتكلمها إزاي يا صاحبي؟
تساءل وليد باهتمامٍ لأمره، بينما نظر إليه عبدالله ثم انحنى بجسده للأمام مستندًا بمرفقيه على فخذيه وقال وهو يُطالع الفراغ أمامه:
_ بنفس الطريقة اللي كنت بوصل لها بيها دايمًا..
تبادلا الجميع النظرات المبهمة؛ فلم يستشف أحدهم إلى ما يرمي عبدالله حتى بدأ يُملي عليهم ما سيفعله تحت ذهولهم من اقتراحه الذي آثار خوفهم عليه.
***
بعد عدة ساعات؛ كان يقف أمام الجدار الزجاجي الذي يطل على الحديقة، شاهد شروق الشمس وحينها لم ينتظر لحظة، بل التفت ورمق صديقه وأبيه النيام على الأرائك ثم انسحب بهدوءٍ حذِر لكي لا يتسبب في إيقاظهم ويضطر إلى التعامل مع رفضهم الذي واجهه البارحة.
أخبر السائق بحاجته لمن يقله إلى مكان عمله فلم يتردد الآخر، وقام بتوصيله على الرحب، بعد فترةٍ وصل عبدالله إلى الفيلا، تعجب إسلام من وصوله باكرًا اليوم وشاكسه مازحًا:
_ إيه النشاط دا كله يا عُبد، دا إحنا حتى في إجازة..
لم يهتم له عبدالله، بل أردف سؤاله وكأنه لم يسمع منه شيئًا مسبقًا:
_ لسه فيه مكان ليا هنا في الأوضة اللي كنت قولتلي عليها؟
أماء إسلام برأسه قبل أن يجيبه:
_ لسه موجود أيوة، غيرت رأيك ولا إيه؟
_ آه، هفضل هنا المشوار متعب بين هنا للبيت..
قالها عبدالله وعينيه تدوران في المكان على أمل أن يجدها، ثم صوب بصره على سلاح إسلام الذي يضعه في جانبه وقال بعيون ضائقة على السلاح:
_ ما تعلمني بتنضف سلاحك دا إزاي، عندي واحد مركون وبخاف أجي جنبه، مش بعرف أتعامل معاه أوي يعني..
ألقى إسلام نظرةً سريعة على سلاحه وقال مُرحبًا:
_ غالي والطلب رخيص.. تعالى أقعد وأنا أعرفك
جلس كليهما على كرسيان أمام البوابة وبدأ إسلام يشرح له كيفية تنظيف المسدس بادئًا حديثه قائلًا:
_ أول حاجة تتأكد أن السلاح مفيهوش رصاص أصل تتكل على الله بدري..
ضحك إسلام وتابع شرحه شفوي، ثم سأله حينما انتهى:
_ فهمت مني حاجة؟
أومأ عبدالله بتأكيدٍ وقال وهو يمد له يده:
_ ممكن أجرب..
كاد يعطيه إياه إسلام إلا أنه أعاد يده إليه وهتف محذرًا:
_ أيوة بس خلي بالك مفيهاش هزار دي..
_ متخافش مش هعمل حاجة..
قالها عبدالله ليطمئن إسلام الذي ناوله سلاحه بشعورٍ من القلق خشية عدم تعامله معه بشكلاٍ صحيح ويصيبه عيارًا طائشًا، بينما أخذ عبدالله السلاح وتصنع اكتشاف ثغراتٍ به حتى صوبه باتجاه ذراعه ومد إصبعه ليطلق من فوهة المسدس ذخيرة قد اقتحمت ذراعه فصاح عاليًا بألمٍ لا يُحتمل بعد أن رمى السلاح من يده:
_ اااه


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close