رواية علي دروب الهوي الفصل التاسع عشر 19 بقلم تسنيم المرشدي
***
جلس قاسم برفقة عبدالله على مقاعد الإنتظار في حديقة المستشفى؛ استدار قاسم حيث يجلس عبدالله ورمقه بكل آذان صاغية فقال الآخر شرطه:
_ عايزك تلاقي لي حمادة!
تفاجئ قاسم بشرطه، قطب جبينه وتساءل بجدية:
_ هتعمل بيه إيه؟
كز عبدالله أسنانه بغضبٍ وصاح وهو يطالع الفراغ أمامه:
_ حمادة دا سبب المصايب اللي في حياتي، سبب وجع قلبي وضياع حبي الوحيد وخسارة اختي لابنها أو بنتها..
التفت عبدالله برأسه ناظرًا إلى والده وواصل ببغضٍ:
_ عايزه.. هتقدر تعمل كدا ولا لأ؟
أخذ قاسم نفسًا عميق قبل أن يردف بنبرة هادئة رزينة:
_ حمادة وجبناه، إيه اللي هيحصل بعد كدا؟
_ اللي بعد كدا دا بتاعي أنا.. أنا هتصرف معاه؟
هتفها عبدالله بنبرة تطوق للإنتقام، بينما لم يُعجبه قاسم أسلوب عبدالله وتفكيره، تنهد وأبدى استيائه:
_ تبقى عبيط لو فاكر إني هسيب لك حمادة تحت ايدك، أكيد مش مستغني عنك للدرجة دي..
لم يقبل عبدالله كلامه، هب واقفًا وصاح بحنقٍ:
_ خلاص أخرج برا الموضوع، ويبقى الحال كما هو عليه..
شعر قاسم بالخزي الشديد، نهض وتحدث بنبرةٍ محتقنة:
_ حب الأب مش مشروط يا عبدالله، أنا آه أتمنى إنك تحبني لشخصي بس هحاول أعمل لك اللي أنت عايزه، بس الحاجة دي بالظبط مش هينفع، لأنك كدا بتضيع عمرك ومستقبلك، وأنا مش هسمح لك أبدًا تعمل كدا..
استدار عبدالله ورمقه بنظرات مشتعلة مستاءة وهتف بنبرة متحسرة:
_ ماهو ضاع خلاص، معتش فيه مستقبل عشان أعمله حساب، أنا لازم أدفع حمادة تمن حياتي اللي باظت بسببه!
يابني أنت لسه صغير والحياة قدامك، مستقبل إيه اللي ضاع بس؟! أنا لو قِبلت أساعدك هساعدك إن حمادة ياخد جزاءه بالقانون مش بالطريقة اللي أنت عايزها دي يا عبدالله..
هتفها قاسم بإصرارٍ على فعل الصواب، بينما خرج عبدالله عن طوره وصرخ كالمجنون:
_ طب إزاي؟ قولي أنت إزاي؟ مش القانون دا عايز دليل؟ أجيب له دليل منين؟ مش معايا حاجة تدينه، حتى المجني عليها مش موجودة، يبقى القانون هيحاسبه إزاي؟
دنا منه قاسم وأمسك ذراعه محاولًا تهدئته بإيجاده بعض الحلول:
_ أكيد فيه دلايل كتيرة، بس إحنا ندور كويس، المنطقة عندكم مفيهاش كاميرات؟ أكيد فيها نروح ونشوف الأماكن اللي حصل فيها الحادثة، ونشوف وقت ما تعدى على أختك وعليك أنت وصاحبك بالسلاح.. فيه مليون طريقة يا حبيبي تاخد حقك بيهم منه من غير ما تإذي نفسك.. أنت غالي أوي ومش هقدر أفرط فيك تاني..
كان ينظر إلى يد والده المُمسِكة به، ثم رفع بصره وتقابل مع عيون والده، فكلامه أراح جزءًا داخله، وشعر بحاجته بالبحث عما يُدين ذلك الوغد، أخذ نفسًا وزفره على مهل ثم قال بصوتٍ أقل انفعالًا:
_ بس أنا برده عايزه، صدقني محتاج أعرف منه أي حاجة يمكن أقدر أوصل لصبا.. عشان خاطري جيبهولي..
طالعه قاسم بآسى شديد، وقلبٍ ينفطر حزنًا عليه، فهو على علمٍ بمكانها، يتضاعف ألمه كلما تذكر أنه يخفي عنه ما يطوق هو لمعرفته، هرب قاسم بعينه سريعًا خشية أن يُزل لسانه ويخبره بالحقيقة، لكنه قد وعد أحلام وعليه أن يفي بوعده.
فما كان منه إلا أن حرك رأسه بقبولٍ وأردف بإقتضاب:
_ هعمل كل اللي في إيدي وأجيبه..
هز عبدالله رأسه؛ ثم نظر إلى باب المستشفى وأردف بتعبٍ:
_ أنا هرجع لهم عشان لو محتاجيني..
أنهى جملته وسرعان ما أولاه ظهرها ليعود إلى الداخل، لكن أوقفه قاسم بندائه:
_ عبدالله..
أدار رأسه منتظرًا سماع ما يود قاسم قوله فأردف أبيه بعد تفكيرٍ:
_ ملوش لزوم شغلك عند عز.. أنت تقدر تعمل المشروع اللي أنت نفسك فيه بفلوسك، شغلك هناك مش مكانك يا عبدالله
تشدق عبدالله ساخرًا وردد بتهكم:
_ مكسوف منى ولا مقلل من شكل حضرة الظابط قدام نسايبه؟!
تفاجئ قاسم بتفكيره الساذج، اقترب بِضعة خُطوات منه، وحاول تبرير موقفه وإيضاح ما وراء كلماته:
_ أنا عمري ما اتكسفت منك، بالعكس أنت راجل وعمر الشغل ما كان عيب، والموضوع برا آدم خالص، بس دا فعلًا مش مكانك، الوضع غريب لو ركزت فيه شوية هتلاقي إنك تقدر تعمل أي مشروع وتشتغل فيه بدل ما تحتاج تشتغل عند حد سواء عز أو غيره..
_ أنا مرتاح كدا، عن إذنك عشان معتش قادر أقف أكتر من كدا..
قالها بإيجازٍ، ثم غادر ولم يعطيه فرصة أخرى للحديث في ذلك الأمر، وقف قاسم يتابع تحركاته وداخله غير راضٍ عن عمله، وعزم على محادثته مرارًا حتى يقبل.
***
ولج عبدالله الغرفة بحذر؛ حتى لا يقلق شقيقته التي غفت لتوها، اهتز هاتفه فقام بالخروج إلى الشرفة ليجيب، تفاجئ باتصال ڤاليا، صر أسنانه بضيقٍ عندما تذكر أسلوبها الفظ معه، أعاد وضع الهاتف في جيبه حتى انتهى الرنين.
لكنها عاودت الإتصال من جديد، فشعر عبدالله بانعدام ذوقه، في النهاية هي ليست حبيبة، بل مجرد عمل يقوم به، تنهد ثم أجاب بجمودٍ:
_ آنسة ڤاليا..
بحرجٍ شديد تحدثت:
_ عبدالله، إزيك؟
بإقتضابٍ رد:
_ كويس، حضرتك محتاجة حاجة؟
إزداد خجل ڤاليا من أسلوبه الجاف، حمحمت وأخبرته سبب اتصالها:
_ بكلمك أطمن على أختك.. إسلام قالي إنها تعبانة.. هي بقت كويسة؟
حك عبدالله أنفه بتوترٍ، ثم قال وهو يطالع زينب بحزنٍ:
_ لأ، قصدي يعني هتكون كويسة، مسألة وقت..
_ هي مالها؟
تساءلت باهتمام يشوبه الفضول بعد أن استمعت لنبرته المتوترة فأجابها عبدالله بصوتٍ مهزوز:
_ أجهضت..
برقت عيني ڤاليا، وشعرت بالآسى حيالها، لكنها لم تستطع الرد، وكأن جميع الكلمات قد حُذفت من رأسها، أغمضت عينيها محاولة تجميع بعض الكلمات فأخذت ثوانٍ ثم أردفت بإرتباكٍ:
_ ربنا يعوضها خير يارب، سلامتها يا عبدالله ربنا يطمنك عليها..
_ يارب
قالها فطال الصمت لبرهة، حتى استنكره عبدالله لكنه لم يعلق، بينما أخذت ڤاليا نفسًا وبحياء شديد قالت:
_ I'm sorry, يا عبدالله بجد كنت سخيفة الصبح جدًا
أنا في العادي مش بكون كدا، بس أنت وقتها خوفتني و...
قاطعها عبدالله بقوله:
_ مفيش حاجة يا آنسة ڤاليا، أنا برده قبلها عكيت الدنيا معاكي، أنا بالنسبة لي تمام المهم حضرتك متكونيش زعلانة..
أسرعت ڤاليا في نفي وجود حزنها:
_ أنا مش زعلانة..
صمتت ثم لم تجد هناك داعٍ لإطالة المكالمة فأنهتها قائلة:
_ طيب تصبح على خير، أكيد مشغول..
باختصار أجاب:
_ مع السلامة
أبعد الهاتف عن أذنه ليغلق، لكنها لحقته قبل أن ينهي الإتصال:
_ اييه، عبدالله أنت هتيجي بكرة؟
استنكرت سؤالها السخيف وحاولت توضيح ما تقصده بنية حسنة:
_ أقصد يعني عشان الظروف اللي أنت فيها، ممكن متجيش عادي.. أنا هتصرف
أغمض عبدالله عينيه، حقًا لا يدري ما عليه فعله، أخرج تنهيدة مُحملة بالهموم ورد بقلة حيلة:
_ مش عارف لسه، ربنا يسهل
_ تمام، باي
أردفتها وأنهت الإتصال بينما عاد عبدالله إلى الداخل، وقام بالاإستلقاء على الأريكة الجلدية، وأخذ وقتًا ينظر فيه إلى زينب التي شحب وجهها
وسكن الحزن تقاسيمها وعزم على الثأر ممن أوصلها إلى تلك الحالة.
***
انتهى زكريا للتو من عمله، توجه مباشرةً إلى بيت والد ليلى بوجهٍ لا يُبشر بالخير، وعقلٍ لا يكُف عن التفكير فيما أخبره عنه والده، طرق الباب بعنفٍ فأسرعت ليلى في فتحه مستنكره تصرفه الأرعن:
_ إيه دا، بابا نايم، هيصحى..
دفعها زكريا للداخل وقام بغلق الباب وصاح عاليًا:
_ خليه يصحى يشوف بنته قالت إيه لحماتها!!
فغرت ليلى فاها بصدمةٍ، أخذت وقتًا تحاول استيعاب ما سمعته، ثم رددت بوجهٍ مستاء:
_ قولت لها إيه؟ أنت جاي تحاسبني على اللي هي عملته؟ وأنا برده اللي غلطانة والمفروض أسكت على اللي هي قالته؟
بانفعالٍ أردف:
_ أنتِ بتبرري لإيه؟ أنتِ بترمي لأمي الأكل وتقوليلها كُليه أنتِ!! وكمان مش عاجبك وبتقاوحي!
خرجت ليلى عن صمتها واندفعت به:
_ أيوة قولت كدا، هي مش تقولي اللي قالته ومردش، ولا تحسسني إني بسرق من بيتي عشان أأكل أبويا، أنا أعرف كويس أجيب له أحسن آكل من فلوسي..
شد زكريا تقاسميه دون فهم لما ترمي إليه وصاح:
_ أنتِ بتقولي إيه؟ سرقة إيه اللي بتتكلمي عنها؟ الست بتهزر معاكي وبتقولك عاملة له أحلى أكل تقومي ترمي لها الأكل وتقوليلها كُليه أنتِ!!
شهقت ليلى مصدومة؛ حدجته بعيون واسعة لا تصدق كذبها، لكنها لن تصمت تلك المرة، بحثت بعينها عن حجابها، ثم لقِفته حين وجدته وقامت بوضعه بإهمال على رأسها وقالت له وهي تتوجه نحو الباب:
_ تعالى معايا
بإسيتاء واضح وعدم فهم لما تفعله سألها زكريا:
_ على فين، اوقفي كلميني..
لم تجيبه بل هرولت عائدة إلى البيت، تَبِعها زكريا حتى وصلت وقامت بوضع إصبعها على الجرس دون فاصل حتى فتحت لها عليا، وقد تأكدت أن الأمر لم يمر مرار الكرام من وراء وجه ليلى الغاضب.
تنحت عليا جانبًا فسألتها ليلى بنبرة مندفعة:
_ مامتك فين؟
أشارت عليا إلى الغرفة، فتابعت ليلى بهجوم:
_ نادي عليها..
أمسكها زكريا من ذراعها ونهرها:
_ أنتِ بتعملي ايه؟
سحبت ليلى يدها ولم تجيبه، بل صوبت عينيها على باب غرفة هناء التي خرجت ويبدو عليها التوتر، اقتربت منها ليلى بخُطواتٍ مندفعة، خشتها هناء وتراجعت للخلف فلم يتقبل زكريا ما يحدث وأسرع إلى ليلى مانعها من الوصول إلى والدته مرددًا بتحذير:
_ خليكي واقفة عندك..
نظرت إليه ليلى شزرًا ثم مالت برأسها لتقابل عيني هناء واندفعت بها:
_ أنا رميت لك الأكل عشان قولتيلي حضرتي لأبوكي أحلى أكل؟!
ولا لما قولتيلي جوزك يعرف إنك أخدة آكل من بيته كأنه مش بيتي أنا كمان!!
أصل حرام أخرج أكل من غير إذنه، وكأن أبويا بعد الشر ممكن يموت لو مأكلش من الأكل اللي ابنك جايبه..
وأنتِ بتحكي اللي حصل احكيه زي ماهو من غير كذب، عيب على سنك..
تفاجئ الجميع بحديث ليلى، وتطاولها بالكلمات، لم يتقبل زكريا إهانة والدته وقام بمسك ذراع ليلى بقبضته التي آلمتها ومن بين أسنانه التي تحتك ببعضهما ردد:
_ اعتذري لها حالًا..
بعنادٍ صريح أردفت ليلى:
_ تعتذر لي الأول وأنا اعتذر لها، غير كدا مش هفتح بوقي بكلمة..
خرج والد زكريا على صوتهما بعد أن وقع ما قيل على أذنيه، توجه إلى زكريا وقام بإبعاده عن ليلى وسألها:
_ هناء قالتلك كدا فعلًا
أماءت ليلى بتأكيدٍ فوجه محمد نظراته على زوجته التي تنكمش على نفسها وصاح بحدة:
_ صح الكلام دا يا هناء؟ أنتِ قولتي كدا؟
نكست هناء رأسها في خذي ولم تتحلى بالجُرأة لتؤكد سؤاله، لكن تصرفاتها كان خير دليل، زم محمد فمه بحرجٍ والتفت إلى ليلى وقال بهدوء:
_ أنا آسف بالنيابة عنها يا بنتي حقك علينا..
ثم وجه حديثه على زكريا:
_ خد مراتك واطلع بيتكم يا زكريا..
أغمض زكريا عينيه ثم نظر إلى ليلى بملامح مشدودة وهتف أمرًا:
_ يلا..
لم تطيل ليلى بل توجهت إلى الخارج وقامت بنزول الدرج فأوققها زكريا بسؤاله:
_ أنتِ راحة فين؟
دون أن تلتفت أجابته:
_ راحة بيت أبويا، أنا مليش مكان هنا، اطلع أنت بيتك وارتاح..
قالت جملتها وتابعت ترجلها فلحق الآخر بها وصاح بانفعالٍ شديد:
_ اطلعي يا بنت الناس البيت ومتلميش الناس علينا..
دون اكتراثٍ لأوامره رددت بنفاذ صبر:
_ مش هطلع، لما أبقى أحس إني ليا قيمة وراجل يحميني وياخد لي حقي زي ما بتعرف تاخد حق ناس غيري ابقى أرجع..
أنهت كلماتها وخرجت من البناية متأملة تمسكه بها، تمنت لحاقه بها وإصراره على عدم مكوثها في بيت غير بيته، لكنه لم يفعل، بل صاح بوقاحة:
_ براحتك...
وقعت كلمته على أذنيها فتسببت في ضيق صدرها، وشعرت بحاجتها للبكاء ربما تشعر بالتحسن، تمالكت دموعها قدر استطاعتها حتى وصلت بيت والدها وفشلت في إمساك
دموعها التي انسدلت بغزارة حزنًا لعدم اهتمام زكريا بها.
***
عادت خلود إلى غرفتها منسحبة من بين الجميع، أرادت عمل اتصالًا عليها إجرائه، بعد لحظاتٍ، أتاها صوته الناعس:
_ خلود.. أنتِ كويسة؟
ابتسمت بخفة وأجابت بخفوت وعينيها مصوبتان على الباب خشية دخول أحدهم:
_ أنا كويسة، بس أنت قفلت فجأة الصبح وكنت سمعت قبلها صوت حد.. حصل حاجة ولا إيه؟
_ اتخصم لي يوم..
هتفها فشهقت خلود مستاءة ولامته بلطفٍ:
_ مكنتش تكلمني، أنت كدا كدا وصلتني وأنا كنت بقيت كويسة بدل اللي حصل دا..
_ فداكي، فداكي
أردفها بعفوية باغتة لمست قلب خلود الذي خفق فجأة، إلتزمت الصمت لفترة فلم تجد من الكلمات ما تُحادِثه بها بينما حمحم وليد وسألها باستغرابٍ:
_ أنتِ معايا ولا روحتي فين؟
_ معاك..
لم تُ
كمل بعد حتى تفاجئت بدلوف عليا الغرفة تأفف بضجرٍٍ، فجتاح خلود التوتر وابتلعت ريقها وحاولت إنهاء الإتصال:
_ أنا هقفل سلام..
رمقتها عليا بغرابةٍ وسألتها مستفسرة عن ذلك الإتصال:
_ بتكلمي مين متأخر كدا..
أطالت خلود الصمت، فازدادت ريبة عليا وتوجهت نحوها وبعيون ضائقة أعادت سؤالها:
_ بتكلمي مين يا خلود؟ مصيبة لتكوني بتكلمي واحد!!
أسرعت خلود في نفي ظنونها الخبيثة وأخبرتها بلهفة:
_ واحد إيه بس، دا وليد!!
فغرت عليا فاها ورددت مستاءة من ردها الساذج:
_ على أساس وليد دا قفص جوافة!! ماهو واحد، بتكلميه في وقت زي دا ليه إن شاء الله؟
بإرتباكٍ واضح أجابتها وعينيها مُثبتة على وجه عليا لتستشف تعابير وجهها عند إخبارها بالسبب:
_ كنت بطمن عليه، أصل بصي هو كلمني الصبح وهو في الشغل واتخصم له يوم..
عقدت عليا ما بين حاجبيها بعدم فهم حرفٍ مما قالته ورددت:
_ إيه الكلام اللي مش راكب مع بعضه دا؟ فيه حاجة مريبة في الموضوع، بس الأهم هو ليه يكلمك أصلًا، دا من امتى يعني؟
حمحمت خلود وهربت بعيونها ناظرة في الغرفة بعيدًا عن أعين عليا وردت بصوتٍ مرتبك:
_ دا النهاردة بس.. أصل يعني كان حصل موقف الصبح كدا معايا فهو كان عايز يطمن أنا بقيت كويسة ولا لأ؟
توجهت نحوها عليا وأرغمتها على النظر لها وتساءلت:
_ خلود أنا مش فاهمة حاجة من كلامك، فهميني براحة حصل إيه عشان دماغي بدأت تروح في حتت تانية!
تنهدت خلود وهي تطالع عينيها، ثم قصت عليها ما حدث، فشهقت عليا مذعورة وهللت:
_ يعني أنتِ كويسة، عملك حاجة؟
أسرعت خلود بوضع يدها على فم عليا مانعة إياها من الكلام مرددة بخفوت:
_ هشش، مش عايزة حد يعرف.. أنا كويسة محصليش حاجة..
أزاحت خلود يدها عن فمها وتابعت:
_ أنا بس خوفت من الموقف وعيطت.. وأنتِ عارفاني وقت ما بعيط مبعرفش أوقف نفسي..
لحظاتٍ مرت تستوعب فيهما عليا ما أملته عليه شقيقتها، أخذت نفسًا ثم ابتسمت وتحركت في الغرفة بخفة كفراشة تطير بين الأزهار:
_ وطبعًا عنتر زمانه شافك بتعيطي قام مكلمك وهو في الشغل يطمن عليكي، أوه
نكست خلود رأسها بحياء شديد وعضت على شفاها وأخبرتها ما تجهله بخفوت:
_ دا وصلني الكلية..
اتسعت حدقتي عليا بدهشة؛ انفجرت ضاحكة وهي تقترب من اختها، ثم قامت بلكز ذراعها مازحة:
_ هو إيه الحكاية؟
خفق قلب خلود تلك اللحظة؛ شعرت بمحاصرة عليا لها، فاستدارت بجسدها لا تدع لعينيها رؤياها ورددت:
_ حكاية إيه؟ ما أنتِ عارفة وليد، جدع وأكيد كان هيعمل كدا لو الموضوع معاكي..
لم تختفي الإبتسامة من على محيا عليا، توجهت ثانيةً إلى خلود وقامت برفع رأسها بيدها وهتفت سؤالها بخبثٍ:
_ طب دا وليد ودي شخصيته، أنتِ بقى إيه يا قطة؟ بتطمني عليه ليه؟
استشفت خلود ما ترمي إليه، شدت تقاسيم وجهها وهدرت بضجرٍ:
_ أنا إيه؟ ما طبيعي أكلمه أطمن عليه بعد اللي عمله معايا..
تأففت خلود من وراء نظرات عليا المحاصرة لها، وتوجهت إلى فِراشها، قامت بالإستلقاء عليه ودسرت الغطاء على رأسها هاربة من عينيها، فتوجهت عليا إلى فِراشها وهي تدندن كلماتها على ألحان اغنية وحياة عينيك وفداها عنيا:
_ أطمن عليك، وتطمن عليا..
بلغت خلود ذروة تحملها على سخافة عليا، فقامت بإزاحة الغطاء عن وجهها وصاحت منفعلة:
_ يوه بس بقى
رفعت عليا حاجبيها وكذلك كتفها الأيسر متصنعة برائتها:
_ إيه؟ بغني..
تأففت خلود وهدرت بها:
_ ياريت تسكتي عشان مش عارفة أنام..
ثم أدارت جسدها مُتعمدة النوم على الجانب المعاكس لعليا فلم تتوقف الأخرى عن الدندنة بخفوت، فانفرجت شفتي خلود مبتسمة على مزاح عليا الثقيل.
***
صباحًا؛ أحضرت أحلام جميع ما يلزم في الحقائب،
وساعدت زينب على الوقوف بعد أن بدلت ملابسها بأخرى نظيفة، توجه إليهن عبدالله وقام بأخذ الحقائب وقال:
_ يلا لو كله تمام..
أماءت أحلام، بينما توجه عبدالله إلى الباب فتفاجئ بوصول قاسم برفقة سائقه، ابتسم له وأمر حمدي السائق:
_ خد الشنط يا حمدي من عبدالله..
قام السائق بأخذهم، ثم تحدث قاسم بشموخٍ:
_ ها هتروحوا على فين؟
ضاق عبدالله بعينه عليه وأجابه بغرابة من سؤاله:
_ على البيت..
حمحم قاسم ليقترح عليهم أمرًا:
_ زينب أكيد تعبانة ونفسيتها مش أحسن حاجة، إيه رأيكم لو تغيروا جو وتقعدوا في بيت المزرعة...
رفضت أحلام ذلك بنبرة هجومية:
_ لا، إحنا هنرجع بيتنا..
ثم حثت عبدالله على المشي بقولها:
_يلا يا عبدالله، أختك مش قادرة تقف أكتر من كدا
أومأ برأسه فألقى قاسم نظرة معاتبة على أحلام، ثم تنحى جانبًا سامحًا لهم بالمرور، حتى خرجوا من المستشفى، فقام قاسم بالتحدث وهو يشير إلى السيارة:
_ اركبوا مع حمدي في العربية دي وأنا همشي وراكم بعربيتي..
تنهد عبدالله وقال بفتورٍ:
_ مش لازم تتعب نفسك وتيجي، كفاية العربية اللي توصلنا..
رمقه قاسم مستاءً وأردف بصوتٍ أجش:
_ أنا حابب أكون معاكم، إلا إذا كنت هتضايق؟!
لم يجيبه عبدالله بل اكتفى برمقه ببعض النظرات المبهمة، ثم أولاه ظهرها وتوجه إلى السيارة التي ستقِلهم، وقام بمساعدة زينب على الجلوس، ثم اتخذ الجميع أماكنهم وتحركت السيارات خلف بعضها.
بعد مرور ستون دقيقة؛ استلقت زينب الفراش وقالت بتعبٍ:
_ أنا عايزة أنام، سيبوني لوحدي
تبادلت أحلام نظراتها مع عبدالله لكنهما لم يكن بيدهما شيء سوى تركها بمفردها، حتمًا ستكون بخير، خرجا كليهما من الغرفة فقال عبدالله وهو يتفقد ساعة يده:
_ أنا هروح شغلي عشان متأخرش، أنا جبت شوية حاجات للبيت وإحنا راجعين، بس لو احتجتي لحاجة كلميني..
ربتت أحلام على ذراعه ورددت:
_ عايزين سلامتك يا حبيبي، توكل على الله
توجه عبدالله إلى الخارج ثم ترجل السلم وتفاجئ بوقوف قاسم في الفناء، ذهب نحوه وقال:
_ كل حاجة تمام، ممكن تروح تشوف شغلك
دون اهتمامٍ لما قاله سأله قاسم:
_ أنت رايح فين؟
_ رايح شغلي..
هتفها عبدالله فنظر إليه قاسم بملامح مشدوهة وأردف:
_ فكر كويس في اللي قولتهولك يا عبدالله، شغلك هناك نسيبه لحد محتاجه، لكن أنت لأ ..
قلب عبدالله عينيه، فهو لا يريد تحكمه في شيءٍ يخصه، ابتعد عنه بِضع خُطوات وهتف:
_ هتأخر، عن إذنك
_ طب استنى أوصلك..
هتفها قاسم بجدية فرفض عبدالله معللًا:
_ لأ، عشان متتعطلش
لم يكن قاسم راضٍ عن أسلوبه، لكنه سيتحلى بالكثير من الصبر حتى ينال حبه في النهاية، أخذ نفسًا ومازحه بأسلوبٍ طريف:
_ عطلني يا سيدي، العطلة منك حلوة برده
لم يطيل عبدالله عناده، وقام بالعودة إليه وركوب السيارة، أوصله قاسم إلى بيت عز فترجل عبدالله وقبل ذهابه ناداه قاسم وأردف بنبرة رخيمة:
_ فكر في اللي قولتلك عليه.. متنساش
تابع عبدالله سيره إلى الداخل فاستقبله إسلام وقال بعملية:
_ آنسة ڤاليا نازلة كمان عشر دقايق..
أماء عبدالله بتفهمٍ، نظر إلى المكان حوله وأراد اكتشافه لحين حضور ڤاليا، سار في الحديقة حتى وصل إلى مكان وقوف السيارات، وتفاجئ بالكم الهائل من السيارات الحديثة التي تقف أمامه، لوهلة شعر أنه يقف في معرضًا خاص بالسيارات.
لكن ما لمس قلبه حقًا، تلك السيارة السوداء من ماركة المرسيدس ( جي كلاس ) لطالما تمنى امتلاكه لواحدة مثلها، توجه نحوها وقام بتحسسها وقلبه متعلق بها.
انتبه على صوتٍ من خلفه يقول:
_ ازيك يا عبدالله يابني..
التفت عبدالله فوجده العم طاهر من يهتم بنظافة الحديقة ويقوم بمراعاة الأزهار، ابتسم له عبدالله بخفة وأجابه:
_ الحمد لله..
أعاد عبدالله النظر إلى السيارة وسأله بفضولٍ:
_ ألا قولي ياعم طاهر، دي عربية مين دي؟
ألقى طاهر نظرة سريعة على السيارة وأجابه:
_ دي بتاعت ابن عز بيه
أومأ عبدالله وردد:
_ اه عامر
_ لا ابنه الكبير، بس دا تملي بيسافر أمريكا وهو دلوقتي هناك..
أخبره طاهر بما لا يعلمه فاستأذن منه عبدالله بعد أن تفقد الوقت ليعود إلى عمله.
ترجلت ڤاليا وخرجت من الفيلا، وعينيها تبحث عن عبدالله، وعندما لم تراه فأشارت إلى إسلام الذي اسرع نحوها وسألته بترددٍ:
_ هو عبدالله مجاش النهاردة؟
بعملية رد:
_ لا جه يا فندم، بس مش عارفة راح فين ثواني هكلمه..
أدارت ڤاليا رأسها للجانب المعاكس له حيث لا يرى ابتسامتها التي غزت شفتيها، سقطت عينيها على عبدالله الذي يتقدم منها فخفق قلبها بقوة، وشعرت بالتوتر يعصف بها، إزدردت ريقها وحاولت جمع شتات نفسها قبل وصوله إليها.
وقف الآخر أمامها وسألها مستفسرًا:
_ حضرتك جاهزة؟
اكتفت بإيماءة من رأسها فأسبق عبدالله خُطاه إلى السيارة، وكذلك فعلت هي، ثم تحرك عبدالله متجهًا إلى الجامعة، مر وقتًا لم ينبس منهما بشيءٍ حتى قاطعته ڤاليا بسؤالها:
_ أختك بقت أحسن؟
كان عبدالله شارد الذهن فوصلت كلماتها إليه في وقتٍ متأخر، انتبه عليها وقال:
_ مش أوي.. بكرة تتعافى
كان فضولها يزداد حول شروده الدائم وعينيه الحزينة، كانت تطوق لمعرفة ما يوجد خلف حزنه الظاهر لكنها لم تتحلى بالجُرأة لسؤاله، صدح رنين هاتفها فأخرجها من شرودها به.
أجابت عندما وجدتها والدتها:
_ إيه يا مامي؟
_ عامر موبايله وقع اتكسر ومحتاج موبايل معاه الإمتحان على ما يجيب واحد، اقترحت عليه ياخد موبايلك القديم..
استمعت ڤاليا إليها ثم هتفت رافضة:
_ لا يا مامي موبايلي دا تحديدًا محدش ياخده
_ هيكون معاه وقت الإمتحان بس يا ڤاليا وهيرجعه تاني..
برفضٍ تام أصرت:
_ لأ موبايلي دا عليه شات بحاجات خاصة بيا بكتبها عليه، مينفعش حد ياخده.. مامي لو سمحتي بجد بلاش ياخده، please..
_ شات إيه دا؟
نفخت ڤاليا بنفاذ صبر واوضحت لها:
_ شات بكتب عليه كل حاجة مضيقاني مش بعرف اق٥ولها لحد.. دي خصوصية ومينفعش حد يقرأها وأنتِ عارفة عامر كويس مش بيحترم خصوصية حد
تأففت نهال وقالت ناهية الإتصال:
_ خلاص خلاص هتصرف
كان حديثها محض انتباه عبدالله، انتظر وقتًا كافيًا ثم سألها بترددٍ:
_ آنسة ڤاليا، إيه الشات اللي حضرتك اتكلمتي عنه دا، أنا مش قصدي اسمع...
قاطعته ڤاليا مازحة:
_ أكيد متقصدش، إحنا في عربية واحدة طبيعي تكون سامع كلامي..
تنفست بعض الهواء وبدأت تخبره عن تلك المحادثة الشخصية:
_ هو شات عادي على واتساب، بكتب فيه كل حاجة مضيقاني مينفعش أحكيها لحد غيري
قهقهت بمرحٍ وأضافت ممازحة:
_ بيكون فيه كوراث مينفعش حد يقرأها.. مساحتي الشخصية بقى
هز عبدالله رأسه بتفهمٍ ثم ردد وهو يدخل من باب الجامعة:
_ وصلنا..
ترجلت ڤاليا من السيارة بينما صفها عبدالله جانبًا، وأمسك هاتفه وقام بفتح الواتساب والدخول إلى رقم صبا، أطال النظر في المحادثة الفارغة لوقتٍ ثم أرسل أولى رسائله:
_ وحشتيني يا دكترة، كدا برده تبعدي عني كل دا؟
طب طمنيني عنك، لو كويسة ردي عليا، لو مش كويسة عرفيني..
قلبي معرفش طعم الوجع غير في بُعدك، عيني متعلمتش البكا غير عليكي..
تعالي وأنا هجيب لك حقك من حمادة
ارجعي ونتجوز ونحقق حلمنا..
أنا بقيت بصلي، وبعدت عن السجاير..
حتى دقني سيبتها تطول زي ما كنتي بتحبي
يا صبا أنا تعبان أوي ومش لاقيكي تدوايني..
انهمرت دموعه بغزارة وسقطت على شاشة الهاتف
فأسرع في مسحها ثم أغلقه وألقاه جانبًا، أسند رأسه على الطارة خافيًا حالته المذرية عن عيون المارة، حتى هدأ تمامًا ولم يعرف ما هذا الهدوء الذي أصابه، هل أصبح أفضل أم أن جوفه بات خاليًا من المشاعر، بات إنسانًا دون أي إحساس.
***
استيقظت عليا اثر رنين هاتفها، فقامت بسحبه من على الكومود، وحدجته برؤى مشوشة، وجدته زكريا، فأجابت على الفور:
_ الو..
_ عليا تعالي اطلعي عايزك..
قالها وأنهى الاتصال، فانتفضت عليا مذعورة، سكن القلق قلبها، نهضت عن الفراش وقامت بدسر الإسدال أعلاها وصعدت دون أن يلاحظها أحد، طرقت بابه بهدوء ففتح لها على الفور.
كان مُمسِكًا بيده قميصًا، أعطاه لها فور دخولها وأوضح:
_ إكوي لي القميص مش عارف أكويه..
نظرت عليا على طاولة الكي، التي تتوسط المكان وعينيها ذهبت إلى غرفتهما فوجدت الفراش فارغًا، عقدت حاجبيها وتساءلت بريبة:
_ هي ليلى فين؟
باندفاعٍ أجاب:
_ بايتة عند أبوها..
تفاجئت عليا، وتحدثت مستاءة:
_ ليه سيبتها تبات برا بيتها، مم...
قاطعها زكريا بعصبية بالغة:
_ هي اللي مشت، وأنا هتحايل عليها تقعد!
صعقت من رده، ولم تستطع التحدث، قامت بكي القيمص دون أن تنبس بحرف، لكن داخلها يطمح للحديث معه بخصوص أسلوبه الفظ ذاك، انتهت من كي القميص، ثم ناولته له وقالت بصوتٍ متردد قليلًا:
_ ممكن أتكلم معاك.. وتسمعني للآخر؟
قام زكريا بارتداء قميصه وقال:
_ هتتكلمي في إيه؟
_ تعالى أقعد الأول..
قالتها وهي تجلس على الأريكة المنفرده، فقلب زكريا عينيه مستاءًا وهدر:
_ أنا مش فاضي يا عليا، لما أرجع نتكلم..
_ عشان خاطري يا زكريا أقعد واسمع كلامي للآخر ومتقاطعنيش.. لو سمحت
هتفتها متمنية قبوله، فنفخ الآخر بضيق ثم توجه إلى الأريكة المجاورة لها واعتلاها متسائلًا بإقتضاب:
_ ها؟
أخذت عليا شهيقًا عميق وبدأت حديثها قائلة:
_ بص يا حبيبي، أنا أختك وخايفة عليك وعشان بحبك من واجبي أنبهك لحاجة أنت مش أخد بالك منها، طريقتك مع ليلى غلط يا زكريا..
قاطعها الآخر بهجومه:
_ يعني عاجبك اللي هي بتعمله؟
_ اسمعني الأول بس وبعدين قول اللي عندك.. ممكن؟
قالتها بهدوءٍ فهدأ زكريا واستند بظهره على جدار الأريكة، فتابعت عليا بنبرة زرينة:
_ فاكر لما هي جت تحت قبل جوازكم وماما ضايقتها بالكلام وأنا وقتها عرفتك عشان تراضيها، وبعدها سألتك صالحتها، قولتلي اتكلمنا.. بصراحة كنت فاكرة إنك مش حابب تقول حاجة خاصة بينكم، بس بعد كدا اكتشفت إن معندكش ثقافة الصلح يا زكريا..
يا حبيبي لازم لما يحصل أي زعل بين الطرفين يكونوا مهتمين لزعل بعض، مش مجرد كلام عابر كدا وخلاص الموقف لو محتاج اعتذار اعتذر دا مش هيقلل منك بالعكس دا هيكبرك في نظرها
قاطعها زكريا مرة أخرى بنفاذ صبر:
_ عليا، إيه علاقة اللي بتقوليه دا باللي إحنا فيه حاليًا..
ازدردت عليا ريقها، وقالت موضحة:
_ علاقته إنك بايعها يا زكريا، زعلت عادي تزعل، مشت من البيت عادي سيبتها تمشي، ودا غلط، البنت مننا مبتحبش تحس بالإحساس دا أبدًا، إحساس إن اللي بتحبه بايعك ومش فارق معاه زعلك دا وحش أوي
البنات بتحب تتعامل بطريقة مختلفة، طريقة كلها اهتمام وحنية.. وأنت كراجل واجب عليك تسد الخانة دي.. وفيه ظروف ليلى كمان بجد لازم تتعامل بطريقة خاصة جدًا، ليلى ملهاش أم تحكي ولا تفضفض لها أي حاجة مضيقاها، اختها مشغولة بحياتها ومش بتقدر تكون جنبها على طول.. فأنت عليك العامل الأكبر إنك تحتويها، وتكون لها أم وأخت وصاحب قبل ما تكون زوج..
توقفت عن الحديث حين رأته هادئًا لا يُعارض كلماتها، ابتسمت ثم أضافت جميع ما لديه اتجاهه:
_ نيجي لماما، إحنا عارفين إنها صعبة وواجب علينا نعدي لها ونستحملها لأننا ولادها، لكن ليلى لأ..
_ أيوة يعني المفروض أقف قصاد أمي وأعمل مشاكل عشان ترتاح مش كدا؟
قالها زكريا مستاءً فاقترحت عليه عليا طُرقًا يمكنه التعامل بها:
_ مش لازم تعمل مشاكل ولا تزعل ماما، بس برده متزعلش ليلى، ليه أصلًا طرف من الطرفين يزعلوا لما ممكن أراضي الإتنين، بالنسبة لماما تتكلم معاها بهدوء إن اللي بتعمله بيضايق ليلى وأنت مش حابب كدا، وبالنسبة لـ ليلى راضيها وحسسها إن فعلًل ميصحش يحصل كدا وقولها حقك عليا وهي هتلاقيها اتراضت من غير مشاكل..
أنا بحط نفسي مكانها بحس إني مضايقة أوي لو حازم فضل مامته عليا، أيوة أكيد هي ليه معزة ومكانة تانية غيري، بس مش لازم يجي عليا عشان يرضيها، احترم مامتك بس مش على حساب مراتك، فاهمني؟
أمسكت عليا يد زكريا وشدت عليها ثم أردفت مسترسلة:
_ روح راضيها وحسسها إن غيابها فارق معاك، وأنها أصلًا مينفعش تسيب بيتها، بيتها يا زكريا مش بيتك لوحدك.. وصلها الإحساس دا، ولو لزم الأمر يعني والمشكلة كانت كبيرة قولها إنك أنت اللي هتمشي، لكن هي متسبش بيتها لأي سبب، حسسها إن دا أمانها مش مجرد حيطان مدارية عيون الناس عنها، البيت دا مملكة الست، لو محستش إنها بتنتمي ليه بتحس مع كل مشكلة أنها في غُربة وملهاش مكان تروح فيه..
إلتوت شفتي زكريا ببسمةٍ وهو يردد:
_ إيه الكلام العميق دا، مكنتش أعرف إنك عاقلة للدرجة دي
سحبت عليا يدها من عليه وتراجعت للخلف، مبتسمة بخجلٍ، نهضت لتغادر لكنها تريثت وعاودت النظر إليه متسائلة بجدية:
_ هتراضيها؟
أماء زكريا فابتسمت ثم انصرفت سريعًا.. بينما خرج هو من البيت ولم يحدد وجهته.
***
استقل سيارته وخرج بها من الفيلا، فتفاجئ بوقوف ذلك اللعين أمامه، فدعس على مكبح السيارة بكل ما أوتي من قوة قبل أن يصطدم به، فتح باب السيارة وترجل منها بغضبٍ مُشكل على تقاسيمه وهدر به مندفعًا:
_ أنت يابني آدم أنت إيه اللي جابك هنا؟ أنت عايز تشبهني؟
اقترب منه حمادة وقال من بين أسنانه المتلاحمة:
_ أشبهك!!
عموما مقبولة منك، بس أنا مرمي في الشارع زي كلاب السكك ومش لاقي مكان أنام فيه ولا حتى لُقمة أكلها، وكله بسببك، عملت لي البحر طحينة ونفذت لك اللي أنت عايزه وفي الآخر تقولي مقولتلكش تعمل كدا..
خرج آدم عن هدوئه وأمسكه من تلابيب ملابسه ثم هزه بعنف وهو يردد بتذمرٍ:
_ أنت تبقى مجنون لو فاكر إن تهديدك هيهز شعرة مني، أنت بتلعب مع الحكومة يالا فوق، لو ظهرت قدامي تاني مش هوقف العربية دي وهعدي عليك أنت فاهم!!
دفعه آدم فاختل توازن حمادة، فاستعان بالجزء الأمامي للسيارة وأمسك به، ثم رمق آدم بنظراتٍ مستشاطة يتوعد له داخله.
انتبه آدم على سيارة والده التي تقترب منه، فجحظت عينيه بصدمةٍ، هرول نحو حمادة ودفعه بكل قوته يحثه على الذهاب:
_ امشي غور، أبويا لو شافك مش هيرحمك..
أدار حمادة رأسه متفقدًا اقتراب السيارة، وقام بالمرور بجوار آدم وهمس بقرب أذنه:
_ هتلاقيني قدامك تاني..
ثم أسرع من خُطاه قبل أن يراه قاسم، بعد لحظاتٍ
وصل قاسم بسيارته وقام بفتح نافذته وتساءل بريبة وعينيه مُصوبة على حمادة:
_ مين دا؟
ابتلع آدم ريقه بتوترٍ ثم أجاب بتريثٍ:
_ دا واحد عايز حاجة لله..
حمحم ثم غير مسار الحوار بسؤاله:
_ أنت جاي ولا معدي عادي؟
