اخر الروايات

رواية علي دروب الهوي الفصل الثامن عشر 18 بقلم تسنيم المرشدي

رواية علي دروب الهوي الفصل الثامن عشر 18 بقلم تسنيم المرشدي

الفصل الثامن عشر
على دروب الهوى
بقلمي تسنيم المرشدي
****
ظهرت ملامحها له بوضوحٍ، فجهل هويتها، وشعر بعدم انتمائه لذلك الوجه، لم يخفق قلبه عندما رآها، ولم تلمع عينيه بوميضه الذي يظهر عند وقوفه أمامها، لم تكن هي، لم تكن صبا!
_ في إيه يا أستاذ؟
قالتها الفتاة فأخرجت عبدالله من شروده، حرك رأسه يستطرد صوابه ثم رفع كلتى يديه معتذرًا:
_ أنا آسف، شبهتك بواحدة أعرفها
وسرعان ما انسحب من أمامها يجر أذيال آماله المتبخرة، آراد الهرب من المكان فتوجه إلى السُلم الكهربائي متناسيًا أمر ڤاليا التي نادته:
_ عبدالله أنت رايح فين؟
تجمدت قدميه للحظات، ثم عاد إليها وحمل الحقائب وأسرع في الهرب من المكان، وضع ما معه في الصندوق الخلفي للسيارة، واستقل خلف المقود ثم تحرك من المكان.
في الخلف؛ كانت تتابعه باهتمامٍ، يثير فضولها حول تصرفاته المبهمة، ناهيك عن عينيه الذي يشع منهما الحزن، انتبهت ڤاليا على الطريق وأسبقت في إخباره بوجهتها التي تريد الذهاب إليها، فتحدثت بصوتٍ مترقب هادئ:
_ عبدالله، أنا مش هروح البيت، لسه هروح أعمل شعري، هات رقمك ابعتلك اللوكيشن..
أملى عبدالله رقمه عليها، فقامت بإرسال الموقع له، وقام هو بالتوجه إليه، وصلا بعد عدة دقائق، ترجلت ڤاليا وولجت المكان، بينما انتظرها عبدالله بمللٍ، طالع أمامه بضيقٍ شديد فلم يحب ذلك العمل قط.
إنه متعِب وممل، شعر ببعض التعب فمال برأسه على طارة السيارة ليأخذ قيلولة يريح بها عقله ربما تعود إليه حيويته ويتجدد نشاطه اتجاه ذلك العمل.
بعد وقتٍ؛ انتبه على رنين هاتفه فقام بالرد:
_ آنسة ڤاليا..
_ عبدالله فيه دليفري واقف قدام المكان، خد منه الأكل وحاسبه please مش عارفة أخرج..
قالتها فأماء عبدالله بقبول، ترجل من السيارة وبحث عنه حتى وجده، توجه نحوه وقام بأخذ الطعام منه، وفجأة تذكر أنه لا يملك نقودًا..
ضاق صدره وأغمض عينيه لبرهة يحاول إيجاد حل غير أنه يستعين بڤاليا، حتمًا لن يفعل ذلك، تذكر أمر البطاقة الائتمانية فنظر إلى الشاب وسأله وداخله يطوق لقبوله:
_ ينفع أدفع بـ فيزا؟
أماء الشاب بتأكيد وأخرج جهاز البطاقات فناوله عبدالله إياها وقام بالدفع، نظر إليه الشاب وقال مبتسمًا:
_ تمام..
أعاد البطاقة إلى عبدالله وانصرف سريعًا، فوقف الآخر يزفر أنفاسه براحةٍ وهو يرمق البطاقة، شعر بالإمتنان لها لإخراجه من ذلك المأزق، وجه نظره إلى الطعام ثم هاتف ڤاليا وقال:
_ الأكل معايا، حضرتك هتخرجي تاخديه؟
_ مش هعرف أتحرك حاليًا أنا بعمل شعري، ادخل أنت...
هتفتها بتلقائية فاستنكر عبدالله طلبها وإلتزم الصمت لثانية قبل أن يُبدي استيائه من الأمر:
_ ادخل كوافير حريمي إزاي؟
ضحكت ڤاليا وأوضحت له ما يجهله:
_ حريمي إيه بس، اللي شغالين هنا كلهم رجالة.. تعالى يلا بجد أنا جعانة جدًا..
تفاجئ عبدالله، ولم يكن أمامه سوى الرضوخ، فتوجه إلى المكان بضيقٍ يتضاعف مع مرور الوقت من ذلك العمل، يعمل وكأنه خادم لديهم، تأفف بصوتٍ عالٍ وهمس بخفوت:
_ ما أنت كدا فعلًا..
ولج المكان وتفاجي بالكم الهائل من الرجال الذين يعملون هناك، استنكر جلوس السيدات جميعن أسفل يد رجل يداعب خصلاتهن، والكثير من الأعمال الذي يقوم بها وتستدعي تلامسه لهن.
وقف في منتصف المكان باحثًا عن ڤاليا، التي رأته ونادته وهي تلوح له:
_ عبدالله تعالى..
وقع بصره عليها فتوجه نحوها، وطالعها بنفورٍ شديد، فلقد خلعت سترتها العُليا ليسهُل على الشاب التعامل مع شعرها، فظهرت معالم أنوثتها بوضوحٍ للجميع، تحاشى عبدالله النظر عنها قدر استطاعته، ناولها الطعام وانسحب لكنها أوقفته:
_ استنى يا عبدالله، طالبة لك أكل معايا..
كاد يرفض لكنها منعته بقولها:
_ please مترفضش أنت معايا من الصبح ومأكلتش حاجة
_ أنا بجد مش قادر أكل حاجة.. اعذريني
هتفها بتعبٍ فأصرت الأخرى قائلة بدلالٍ:
_ ينفع ترفض لي أول طلب كدا؟
أخذ عبدالله يتنفس الهواء ليكون هناك متسع في صدره لتحمل ميوعتها المبالغة، غض بصره عنها فهو ينفر من مظهرها الجريء، ثم أردف مختصرًا:
_ تمام..
لاحظت ڤاليا تحاشيه النظر عنها، فاسقطت عينيها على بلوزتها وقامت برفعها قدر استطاعتها حتى أخفت جزءًا لا بأس به من جسدها الظاهر، حمحمت وناولته الطعام:
_ اتفضل..
أخذه منها وسرعان ما خرج المكان، تحت نظرات ڤاليا التي أعادت النظر إلى ملابسها وشعرت بالضيق من حالها، وأسرعت في ارتداء سترتها خافية جسدها العلوي، وبعد فترة قد انتهت من تصفيف شعرها وغادرت المكان.
ركبت السيارة وقد شعرت بالتعب ينهال منها فاليوم طويل للغاية، أسندت رأسها على النافذة، بينما تابع عبدالله قيادته بشرود كعادته، سابحًا بين ذكرياته التي تضيف له الألم.
_ حاسب يا عبدالله..
صرخت ڤاليا وهي تراه يقود بسرعة جنونية حتى اقترب للغاية من سيارة أمامهم وكاد يصطدم بها، إلا أنه دعس على مكبح السيارة بكل قوته فأطلقت الإطارات صريرً عاليا اثر احتكاكها بالأسفلت.
أغمضت ڤاليا عينيها تحاول تهدئة روعها، بينما نعت عبدالله عدم حرصه، التفت متفقدًا ڤاليا بقلق لوضعها المريب:
_ حضرتك كويسة؟
أعادت ڤاليا فتح عينيها التي تحول لونهما إلى الأحمر القاتم، واندفعت به بانفعالٍ شديد:
_ أنت كنت هتموتنا!! أنت مش طبيعي بجد، تعبان متشتغلش، لكن أرواح الناس مش لعبة في ايدك، كل ما أبص عليك بتكون سرحان، في إيه معرفش؟ أيًا يكن اللي شاغلك بالشكل دا، تنساه مجرد ما تركب العربية دي، أنا مش مستغنية عن روحي..
كلماتها وقعت كالحجر الذي أسقطه أحدهم من الأعلى فسقط على رأس عبدالله، رمقها بضيقٍ شديد قد اكتسبه من خلف قسوة كلماتها، أطال النظر عليها بعيون لامعة تأثرت بها ڤاليا وشعرت بالندم يجتاحها.
بينما اعتدل عبدالله في جلسته وأعاد تشغيل محرك السيارة لكن تلك المرة كان أكثر رزانة، كما عمِل جاهدًا على الإنتباه جيدًا وعدم تشتت ذهنه، بعد فترة؛ أتاه اتصالًا فلم يجب، بل لم يهتم لمعرفة المتصل.
فعقله مشغولًا بما قالته، لم يكف رنين هاتفه لبعض الوقت فصاحت ڤاليا من الخلف بنبرةٍ متشنجة:
_ لو سمحت رد على موبايلك أو أعمله صايلنت، أعصابي مش مستحملة أي أصوات بجد..
مع تكرار الرنين اضطر عبدالله إلى التطلع للمتصل فكانت والدته، شعر بالقلق، فهي لا تعيد رنينها إلا إذا كان هناك كارثة، فلم يتردد في الإيجاب ففجائته أحلام بقولها:
_ أختك تعبانة أوي ورايحين على المستشفى..
فوجئ عبدالله ولام نفسه على عدم الرد من الإتصال الأول، ضرب الطارة بعنفٍ وسألها:
_ مالها، حصل لها إيه؟
ردت أحلام موضحة وضع ابنتها:
_ مغص، ونزيف..
صمتت وأدارت وجهها إلى الجانب المعاكس لزينب وتابعت بهمسٍ حتى لا تصل كلماتها إلى مسمعها:
_ شكلها بتسقط المرة دي..
هيهات لأذنين زينب التي سمعت ظنون والدتها، فانهارت وصرخت بألمٍ:
_ اااه مش قادرة...
تألم قلب عبدالله عندما استمع لصوت شقيقته، وهتف بجدية:
_ مسافة الطريق وأكون عندكم..
أنهى المكالمة تحت اهتمام ڤاليا لوضعه الذي أصبح عليه، يبدوا أن هناك مصاب قد أصاب شخصًا عزيزًا، فترددت كثيرًا في سؤاله بعد ما أسمعته إياه منذ دقائق، ابتلعت ريقها وبعد مجاهدة مع نفسها سألته:
_ حد تعبان من أهلك يا عبد...
دون إعطائها فرصةً لإكمال سؤالها أردف ممتعضًا:
_ متشغليش نفسك يا آنسة ڤاليا..
قالها فتفاجئت هي برده، وتضاعف خجلها، لم ترفع عينيها من عليه مستاءة من برود إجابته، لكنها أعطته الحق بعد معاملتها الغير أخلاقية، ففضلت الصمت حتى وصلا إلى الفيلا.
ترجل عبدالله مسرعًا دون النظر إلى ڤاليا وتوجه إلى رفيق عمله إسلام وحدثه بلهفةٍ:
_ محتاج إذن ضروري، أختي في المستشفى ولازم اروح لها..
نظر إسلام في ساعة هاتفه قبل أن يعطيه إجابة بعملية:
_ اتفضل، كدا كدا مش محتاجينك باقي اليوم.. ألف سلامة عليها
_ الله يسلمك..
قالها وسرعان ما استدار بجسده وهرول ليغادر، أسرعت ڤاليا في الذهاب إلى إسلام وتصنعت جهلها بالأمر لتكون مُلِمة بما يحدث معه:
_ هو بيجري كدا ليه؟
أجابها الأخر بنبرة منضبطة:
_ أخته في المستشفى وطلب إذن يروح لها
أومأت ڤاليا برأسها ثم تابعت خروج عبدالله من الفيلا حتى اختفى فوجلت إليها، وداخلها يتآكله الندم على معاملته بقسوة، فهو لا يستحق، لم يتوقف عقلها عن التفكير في شيءٍ تريد به مساعدته.
حتى اقتحم أحدهم في مخيلتها، فأسرعت بالإتصال عليه:
_ اونكل قاسم..
***
أحضرت الفطور لهما، ثم وقفت تتفقد الأطباق چيدًا قبل إخراجها، فتفاجئت به يعانقها من الخلف، شهقت مذعورة وهتفت:
_ خضتني حرام عليك يا زكريا..
_ بتعملي إيه؟
تساءل بجدية، فأخبرته ليلى عما تقوم به:
_ بحضر الفطار..
_ ممم..
هتفها زكريا فأضافت ليلى وهي تحاول التحرر من بين ذراعيه المُتلفين حول خصرها:
_ يلا عشان ناكل.. ساعدني نخرج الأطباق دي برا
_ وليه الفرهدة دي، ما إحنا ممكن نعمل كدا..
تفاجئت ليلى برفعه لها ثم وضعها على الطاولة الرخامية، غامزها مشاكسًا:
_ كدا أسهل ولا إيه
انفرج ثغرها ببسمةٍ عذبة وحركت رأسها مستنكرة فعلته المتهورة، بدأ يتناول زكريا الطعام ويُطعمها في فمها، فشردت به ليلى، متعجبة من شخصيته المتناقضة، وكأنه شخصان في جسدٍ واحد، شخصًا حنون ورومانسي ويكون لطيفًا في بعض الأحيان، والشخص الآخر قاسٍ يتصرف ببرودٍ في أحيانٍ أخرى.
أخرجت ليلى تنهيدة قبل أن تردف:
_ ياريتك تفضل كدا على طول..
بعيون ضائقة سألها بعدم فهم لما ترمي إليه:
_ كدا إزاي مش فاهم؟!
أخبرته ليلى وهي تُمسِد بأصابعها على وجهه بنعومة:
_ كدا، يعني تفضل لطيف وهادي ورومانسي كدا على طول..
أبعدت ليلى يدها وتنشجت ملامح وجهها وهي تهدر بحنقٍ:
_ ومتتحولش وتبقى حد قاسي مش بيتهم غير لنفسه وبس..
رفع زكريا حاجبه الأيسر وهو يرمقها بنظراته المتعجبة وأشار إلى نفسه مردفًا سؤاله:
_ أنا قاسي؟
أكدت ذلك بإيماءة من رأسها فتفاجئ زكريا وإلتزم الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه بقوله:
_ ليلى أنا وأنتِ علاقتنا أكبر من اتنين حَبيبة، فيها عشم وتلقائية، إحنا بقالنا سنين مع بعض وعدينا بمواقف صعبة كتير، فبتعامل معاكي بطبيعتي مذ أكتر يعني.. عشان عارف أني مهما عملت هتسامحيني وهترجعي ليا في الآخر، وأنا نفس الوضع مهما حصل وأنتِ عملتي عارف إني ليكي وبرجع لك..
أخذ يتنفس الهواء وقال وهو يُنهي طعامه:
_ أنا نازل، عندي شغل.. وصحيح اتغدي أنتِ عشان هتأخر النهاردة مش هرجع غير بليل..
ابتهجت ليلى لحظتها؛ حيث راودها اقتراحًا أقدمت على استئذانه به:
_ طب طلاما كدا، ممكن أعمل الأكل وأروح اتغدي مع بابا، حرام بياكل لوحده..
_ وماله...
قالها زكريا بترحاب، فابتسمت ليلى وقالت:
_ نزلني بقى
ابتعد عنها زكريا وغمزها بعينيه وهو يضحك ثم قال:
_ انزلي لوحدك، ما أنا قاسي بقى..
انصرف من المطبخ فهللت ليلى بدلالٍ قبل ذهابه:
_ يا زيكو.. عشاني
تفاجئت برأسه تميل من خلف الجدار، ابتسمت له برقة، فعاد إليها وقام بإنزالها، أخذها أسفل ذراعه حتى وصل إلى الباب فقام بسحب ذراعه، تعلقت ليلى في رقبته وقبلت وجنتيه بحرارة متعمدة ذلك، نظر زكريا إلى ساعة هاتفه يتفقد الوقت وقال:
_ إحنا لسه بدري صح..
استشفت ليلى قصده؛ ابتعدت عنه ووقفت خلف الباب الذي كان حائلًا بينهما وهتفت:
_ لا أنت اتاخرت، يلا روح على شغلك...
فأصر زكريا على العودة إلى الداخل مرددًا:
_ لا لا إحنا لسه بدري
فأسرعت ليلى في غلق الباب قبل أن يدلف بخُطاه إلى البيت ثانيةً، فهلل الآخر من الخارج:
_ ما أنا كدا كدا راجع لك، هتروحي مني فين؟
أطلقت ليلى بعض الضحكات المائعة فأضاف زكريا وهو يترجل درجات السُلم:
_ ماشي يا ليلى..
ثم تابع نزوله قاصدًا الذهاب إلى عمله، متوعدًا لتلك الفتاة داخله، بأن يلقنها درسًا ستفكر بعد ذلك قبل ملاطفاته وتركه بين نارين.
***
يقف يعمل، لكنها كانت شاغله الأساسى، يتفقد ساعة الحائط من آن لآخر، يريد أن يطمئن عليها لكن كيف فاستخدام الهواتف ممنوعة أثناء العمل، لكنه لم يستطع الصبر لأكثر، تكفي تلك الساعات التي مرت.
انتقى أبعد زاوية عن أعين الكاميرات التي تترصد المكان، وقام باعادة فتح هاتفه، ثم قام بالإتصال عليها، وعينيه تُراقبان المكان من حوله.
بعد قليل؛ أجابته بصوتها العذب:
_ وليد؟
بصوتٍ منخفض تعمد عدم رفعه سألها باهتمامٍ:
_ خلود، عاملة إيه دلوقتي؟
_ أحسن كتير..
هتفتها مجيبة إياه فتابع الآخر أسئلته:
_ عملتي إيه في الإمتحان؟ حليتي كويس؟
أخرجت خلود تنهيدة حارة قبل أن تخبره ما أحدثته في الإختبار:
_ يعني، مش أحسن حاجة، بصراحة كان معقد شوية، بس تمام يعني..
_ أنتِ رجعتي البيت ولا لسه؟
تساءل بجدية، فردت خلود وهي تصعد الدرجات:
_ لسه طالعة على السلم..
أراد وليد إنهاء المكالمة قبل أن يتم كشفه فقال:
_ متقوليش لحد على اللي حصل الصبح، يعني عشان ميقلقوش وكدا..
بتأكيدٍ قالت:
_ أنا مكنتش هقول لحد فعلًا..
صمتت خلود حين راود عقلها سؤالا وسألته بفضولٍ:
_ أنت بتتكلم إزاي وأنت في شغلك؟ مش المفروض ممنوع الموبايلات
رد عليها مختصرًا:
_ كنت قلقان، فحبيت أطمن عليكي..
فاجئها رده؛ فغرت فاها وكذلك عينيها التي اتسعت
مذهولة، لم تقدر على إعطائه رد، فالخجل كان سيد الموقف لحظتها، عضت شفاها ولم تمنع ابتسامتها التي غزت شفتيها دون إرادة منها.
على الجانب الآخر، انتبه وليد على مُشرف الممر خاصته الذي لاحظه وقال معنفًا:
_ مكالمات وقت الشغل يا وليد!!
أنهى وليد الإتصال على الفور ووقف يسمع ما لا يسُر أذنيه، حتى فرغ المُشرف من توبيخه ثم أنهاه قائلًا:
_ مخصوم لك نص يوم عشان تلتزم بعد كدا بقوانين المكان..
لم يستطع وليد مجابهته وفضل الإستماع دون تعليق، فانسحب المُشرف من أمامه متابعًا مراقبته على جميع العاملين بينما سبًه وليد بحنقٍ وعاد يتابع عمله بحنقٍ.
على الجانب الآخر؛ وضعت خلود يدها على فمها بصدمةٍ، بعد أن كُشف أمر وليد، انتهت صدمتها بضحكة سعيدة لإطمئنانه عليها، نظرت إلى الهاتف وتفقدت إسمه المدون على الشاشة بعيون لامعة
ثم تابعت صعودها حتى وصلت إلى الطابق الكائن به بيتهم.
***
ترجل عبدالله من التاكسي سريعًا وولج المستشفى مهرولًا، وقف أمام موظف الإستقبال وسأله من بين أنفاسه اللاهثة:
_ زينب إبراهيم لسه داخلة هنا فين؟
تفقد الموظف الجهاز أمامه ثم أجابه:
_ في العمليات يا فندم، آخر أوضة في الممر على اليمين
لم يقف عبدالله ثانية وركض حيث أخبره الموظف، فالتحق بوالدته التي تبكي بحسرة:
_ زينب فين، وحصل لها إيه؟
تساقطت عبراتها بغزارة وهي تخبره عما أصاب شقيقته:
_ دخلت عمليات، أختك بتجهض يا عبدالله..
صعق من سماع مصيبة شقيقته، وجه أنظاره نحو الباب التي توجد خلفه زينب، أغمض عينيه لبرهة، لم تتحمله قدميه فجلس أرضًا واضعًا راحتي يده على رأسه محاولًا لملمة شتات نفسه.
بعد مرور بعض الوقت؛ خرجت زينب من غرفة العمليات برفقة ممرضتان، وضعوها في غرفةٍ ثم قاموا بإعطاها العلاج اللازم وانصرفن متمنين لها السلامة.
جلست أحلام بجوارها على الفراش، مُمسكة بيدها ومسدت بالآخرى على رأسها، حزينة على رؤيتها في تلك الحالة المذرية، بينما كان يقف عبدالله أمام الفراش يطالعها بشجن، يلوم نفسه على عدم حمايتها من ذلك الكلب، حتى وإن جاهد مرارًا على تركها له لكنه حتمًا كان في استطاعته أكثر من ذلك.
توجه إلى النافذة التي تتوسط الغرفة وضرب الحائط بعنفٍ ثم هدر:
_ يارتني ما سيبتهاله، يارتني أصريت عليها أكتر من كدا..
تركت أحلام يد زينب برفق، وتوجهت نحوه، ربتت على كتفه محاولة مأزرته:
_ أنت عملت كل اللي عليك يا عبدالله، متلومش نفسك، أنت موت نفسك عشان تشوف الحقيقة وهي اللي صممت تكمل معاه، أنت عملت اللي عليك وأكتر يا حبيبي..
صمتت أحلام وانسدلت دموعها كالشلال وهي تجوب بعينها ابنتها النائمة واستأنفت حديثها المسترسل:
_ ربنا يسامحني على كلامي، بس كدا أحسن لها يا عبدالله، هتزعل شوية أحسن من أنها تجيب طفل للدنيا من غير أب، الحياة من غير راجل صعبة أوي.. وأنت مهما عملت في الآخر هيكون ليك حياتك ومش هتقدر تسد احتياجاته.. ربنا كريم والحمدلله إن حصل كدا.. ربك لطف بيها صدقني..
كانت كلماتها بلسمًا لجراح عبدالله، داوته وخففت من آلامه، استدار بجسده ناظرًا إلى زينب بآسى شديد، فلم يكن يحب أن يحدث لها ذلك، أخرج تنهيدة مهمومة وجلس على الأريكة مستندًا برأسه على حافتها.
طُرق باب الغرفة؛ فسمح للطارق بالدخول، فظهر من خلفه قاسم بهيئة قلِقة، فتفاجئوا بحضوره، حمحم وباهتمامٍ ظاهر تساءل:
_ زينب عاملة إيه دلوقتي؟
***
انتهت ليلى للتو من طهي الطعام التي صنعته بكل حب خصيصًا لوالدها، وضعته في حافظة الطعام ثم ارتدت ملابسًا خاصة بالخروج وخرجت من البيت.
تقابلت مع والد زكريا على السُلم، فدعاها للدخول لكنها أبت مُعللة:
_ معلش يا عمي أنا راحة لبابا.. مش عايزة أتأخر عليه
ابتسم محمد بهدوءٍ وردد:
_ ابقي سلمي لي عليه كتير..
تلك الأثناء جاءت هناء على صوتهما، فولج محمد للبيت بينما تساءلت هناء وهي تطالع الحقيبة البلاستيكية المُمسِكة بها والتي تفوح منها رائحة الطعام:
_ على فين يا ليلى؟
بإمتعاضٍ أجابتها ليلى وهي ترفع الحقيبة للأعلى:
_ أخدة آكل وراحة أكل مع بابا..
رمقتها هناء بدهشة، ولم تمرق الأمر دون تعكير صفوها:
_ وعلى كدا جوزك عارف إنك واخدة آكل من بيته؟
فغرت ليلى فاها بصدمة؛ وطالعتها بعيون واسعة ولم تستطع الصمت:
_ عارف ولا مش عارف، تفرق في إيه؟
_ تفرق إن حرام حاجة تخرج من بيت جوزك من غير إذنه!!
هتفتها هناء بوقاحة، بينما لم تتقبل ليلى نسبها البيت لزكريا فقط، واندفعت بها:
_ على فكرة هو بيتي زي ماهو بيت ابنك بالظبط، ولو على الأكل ياستي اللي مضايقك أوي..
أمسكت ليلى يد هناء وقامت بوضع الحقيبة بها وتابعت:
_ اتفضليه، كُليه أنتِ..
أولتها ليلى ظهرها وترجلت الأدراج سريعًا بخُطوات غير متزنة ذهبت إلى بيت والدها وهي لا ترى أمامها من فرط غضبها، بينما تجمدت هناء مكانها تنظر إلى الحقيبة التي بيدها بصدمة، ثم صاحت بصوتٍ جهوري:
_ عليا...
هرولت الأخرى من غرفتها إثر صراخ والدتها متسائلة بتوجسٍ:
_ في إيه؟
التفتت لها هناء ورفعت يدها المُمسِكة بالحقيبة وبوجهٍ محتقن يميل لونه إلى الإحمرار بسبب كظم غيظها هتفت:
_ خدي الشنطة دي من ايدي بسرعة..
أسرعت عليا في أخذ الحقيبة من يدها وهي لا تعي ما يحدث، فتابعت هناء ببغضٍ شديد:
_ بتقولي كُليه!! شيفاني جعانة قدامها!!
ارتمت هناء على الأريكة وأمسكت رأسها فشعرت بالدماء تتدفق بقوة بها، ركضت نحوها عليا مذعورة وهي تتساءل بقلق:
_ مالك يا ماما، إيه اللي حصل؟
_ الحقيني ببرشامة الضغط، مش حاسة بدماغي..
قالتها هناء وهي مُغمضة العينين لا تستطع فتحهما، فتوجهت عليا إلى غرفة والدتها وطرقت الباب قبل دخولها، سمح لها والدها فوجلت وقالت بإستيحاء:
_ معلش يا بابا، هاخد برشام الضغط بتاع ماما وهخرج..
باهتمامٍ سألها:
_ مالها أمك؟
أخبرته مختصرة وهي تبحث عن الحبوب:
_ مش عارفة حصلها إيه فجأة...
أخذت الدواء خاصة والدتها وعادت إليها وكذلك انضم لها محمد وخلود التي جاءت على أصواتهم متسائلة بلهفةٍ:
_ في إيه ماما مالها؟
_ شكل الضغط عالي..
قالتها عليا وهي تناولها حبوبها وكوبًا من الماء، كما ساعدتها على تناولها، في الخلف صاح محمد مهتمًا لأمرها:
_ تعالي لما ننزل المستشفى أحسن يا هناء..
رفضت هناء بحركة من رأسها دون تعقيب، أسندت رأسها على الأريكة وأغمضت عينيها محاولة الاسترخاء ليعود ضغط دمها إلى معدله الطبيعي.
بعد مدة؛ شعرت ببعض الراحة، أعادت فتح عينيها فوجدتهم يقفون أمامها والخوف مرسوم على تقاسيمهم، وأول من أسبق بالسؤال كان زوجها:
_ عاملة إيه دلوقتي؟
بنبرةٍ متعبة أجابته:
_ تعبانة، تعبانة مش قادرة، البت رفعت لي ضغطي وهتموتني..
قطب الجميع جبينهم بغرابة، وسألتها عليا مستفسرة:
_ تقصدي مين؟
رفعت عينيها في عيني خلود وقالت بحدةٍ:
_ أنتِ عملتي لها حاجة؟
برقت عيني خلود وهتفت عاليًا:
_ معملتش حاجة، أنا لسه راجعة من الكلية أصلًا..
تأفف محمد بضجرٍ وصاح بنفاذ صبر:
_ ما تقولي يا هناء بت مين اللي قصدك عليها؟ وحالتك دي سببها إيه؟
أعدلت هناء جلوسها؛ وبدأت تخبرهم ماحدث متعمدة اختلاق حديثها مع ليلى:
_ ليلى، بقولها راحة فين؟ قالتلي راحة أكل مع بابا، قولتلها طبعا عملاله الحلو كله، تلاقيكي خلصتي على أكل البيت بهزار قامت رامية الشنطة في أيدي وقالتلي خليهولك كُليه أنتِ..
صعق الجميع مما أخبرتهم به هناء، وتبادلوا النظرات المذهولة، غير مصدقين ما حدث، فلم يسبق وأن تطاولت ليلى في الحديث كهذا، فما الذي حدث لها؟
خرج محمد عن هدوئه وصاح بنبرةٍ غير متقبلة ما حدث:
_ إيه قلة الذوق دي، الكلام دا ميتسكتش عليه أبدًا، لازم ابنك يعرف ويعرف مراته حدودها كويس!!
انسحب محمد على الفور جاذبًا هاتفه من الغرفة وقامت بالإتصال على زكريا يخبره بالأمر كاملًا، بينما اقتربت عليا من هناء وجست على ركبيتها وهمست وعينيها تتطلع في والدتها بترقبٍ قبل أن تسألها بجدية:
_ ماما أنتِ متأكدة إن عليا قالت كدا فعلًا؟ الدنيا هتقوم يا ماما، وهيحصل مشاكل وزكريا مش هيسكت وأنتِ أكتر واحدة عارفة عصبيته بتكون إزاي؟!
أطالت هناء النظر بها، خشيت حدوث تلك المشاكل التي اخبرتها عنها، لكنها حتمًا لن تقول الحقيقة وتصبح كاذبة في مثل ذلك العمر، ابتلعت ريقها ثم تصنعت القوة وهدرت بها منفعلة:
_ والله عال يا ست عليا، قصدك تقولي إن أمك كذابة وبتتبلى عليها؟ بدافعي عنها على حساب امك؟!
حاولت عليا إيضاح الأمور التي تتغافل عنها برزانة:
_ مش بقول كدا، بس لو فيه مبالغة منك إلحقي بابا ما يقول لزكريا، فيه بيت ممكن يتخرب بعد كلامك دا!
هبت هناء واقفة رافضة سماع المزيد خشية تأثرها بكلامها، وتتراجع عما افتعلته وصاحت وهي تهرب من أمامهن:
_ يتخرب على دماغها، دي آخرة قلة أدبها
اختفت خلف باب غرفتها بينما استقامت عليا في وقفتها ورددت بعقلٍ لا يُصدِق والدتها:
_ الموضوع دا فيه حاجة، أكيد ليلى مقالتش كدا
أضافت خلود مستاءة من تصرفات والدتها:
_ أمك دي ست أرشانة، توقعي منها أي حاجة
تفاجئت عليا بوقاحة خلود ونهرتها غير راضية عما قالته:
_ اتلمي واتكلمي عدل عن أمك..
تنهدت بضيق وواصلت:
_ لما نشوف آخرة الموضوع دا إيه؟
****
انتهت من ارتداء تنورتها السوداء القصيرة، وقامت بإدخال بلوزتها الزرقاء بها، قامت بفتح الزِر العلوي لها ليظهر عِقدها الألماس، فتحت درج الحُلي خاصتها وقامت بانتقاء أقراط تتماشى مع العِق وقامت بارتداءه.
سحبت عطرها الفرنسي تنثر منه على ثائر جسدها، ثم ارتدت كعبها الفضي، ووقفت تتفقد هيئتها في المرآة، شعرت بالرضاء الكامل لمظهرها الأنيق، توجهت إلى الشرفة عندما استمعت إلى صوت إحدى السيارات.
فوجدته آدم قد وصل لتوه، عادت إلى الغرفة والتقطت حقيبتها الفضية ووضعتها أسفل ذراعها ثم ذهبت إليه، ترجل آدم لاستقبالها فتفاجئ بطلتها الساحرة التي سرقت قلبه.
ولكن سرعان ما راوده الضيق من نظرات العاملين عليها، ضاق صدره واقترب منها بوجهٍ عابس وأردف بصوتٍ محتقن:
_ مفيش حاجة أطول من كدا شوية يا ڤاليا؟
أخفضت بصرها على ملابسها ثم عاودت النظر إليه وردت ببرود:
_ لأ.. لو مش عاجبك ممكن نلغي العشا عادي
تفاجئ آدم بإرادتها في إلغاء العشاء، آبى ذلك فهو يود التودد منها ليوطد علاقته بها، أعاد النظر إلى هيئتها من جديد فأصابه الضيق ثانيةً، ولم يتقبل مظهرها البتة، عاد إلى السيارة وقام بفتح الباب الأمامي لها قائلًا:
_ اتفضلي..
بغرورٍ توجهت إلى السيارة وقامت بركوبها، بينما نفخ هو بضجرٍ وتوجه إلى مقعده بوجهٍ متجهم، قاد السيارة وعينيه تختبئ النظر إلى ساقيها الواضحين له.
لم ينبس بحرفٍ حتى وصولهما إلى المطعم الذي قام بحجزه، حمد لله داخله بأنه قام بحجز المكان
كاملًا لكي لا تكون الأعين كثيرة، ولجا سويًا فقام بإعدال الكرسي لها بلطفٍ، ثم جلس أمامها.
حمحم وسألها مستفسرًا:
_ المكان عجبك؟
تفقدت ڤاليا المكان فوجدته مليء بالأزهار الحمراء فعادت ناظرة إليه مجيبة إياه بإيجازٍ:
_ كويس..
ابتسم لها وحاول أن يكون لطيفًا معها فقال بصوتٍ رخيم:
_ شكلك حلو أوي.. زي القمر
تفاجئت ڤاليا بمغازلته لها وقالت بخجلٍ:
_ Thanks, دا من ذوقك
حمحم قبل أن يقترح عليها:
_ تحبي تاكلي حاجة معينة، ولا تسبيني اختار لك؟
_ it's okay, مفيش مشكلة..
قالتها ڤاليا فقام آدم بطلب طعامًا لهما، ثم بدأ حديثه المُهتم:
_ يومك كان عامل إزاي النهاردة؟
أجابته وهي تقلب عينيها:
_ بصراحة كان يوم طويل ومليان أحداث مملة.. مش حابة أفتكره..
ضاق آدم بعينيه وتردد في سؤالها لكن شيء داخله حثه على سؤالها:
_ عبدالله ضايقك في حاجة؟
طالعته ڤاليا لبرهة، لم تفضل إخباره بالتوتر الذي حدث بينهما، تنهدت وقالت:
_ لا بالعكس، عبدالله شاب لطيف..
تأججت نيران غيرة آدم، تجهم وجهه ولم يستطع إخفاء ضيقه الذي انعكس على نبرته:
_ ڤاليا أنا عايزك تتجنبي البني آدم دا على قد ما تقدري، هو مهمته يوصلك وبس، أكتر من كدا متديلوش فرصة..
قطبت جبينها بغرابةٍ من حديثه المريب، وفضولها قادها لسؤاله حول هجومه على أخيه:
_ ليه كل دا؟ وليه بتتكلم عنه بالشكل دا، مش هو برده أخوك؟
أغمض آدم عينه للحظة؛ ثم أردف بصوتٍ أجش:
_ إحنا اخوات على الورق كدا بس، لكن مفيش بينا جو الأسرة دا، ودا لأنه إنسان غير سوي، همجي متربي في بيئة غير بيئتنا، وأنا خايف عليكي منه.
صعقت ڤاليا من هجومه الغير أخلاقي على أخيه، شعرت بالنفور منه وحاولت ردعه عن الحديث بهذا الشكل:
_ بس أنا محستش منه اللي بتقوله عليه دا..
_ أنتِ لسه صغيرة يا ڤاليا، مش عندك النضج الكافي عشان تشوفي البني آدمين على حقيقتهم..
هتفها آدم ثم التقط أنفاسه وحاول كبح غضبه المتقد ثم تابع:
_ وبعدين إحنا مش جاين هنا عشان نتكلم عن عبدالله
مد يده وأمسك يدها وواصل بنبرة عذبه:
_ خلينا نتكلم عننا..
تفاجئت ڤاليا من جرأته وسحبت يدها مُبدية
انزعاجها:
_ لو سمحت من غير لمس..
أعاد آدم يديه إلى جواره وقال:
_ تمام..
نظر إليها وابتسم لحالتها الخجولة، فحاولت الهرب من نظراته المصوبة عليها، انفجرت ضاحكة عندما فشلت في الهرب منه ورددت:
_ بتبُصلي كدا ليه؟
مال بجسده للأمام حتى إلتصق بالطاولة فكان قريبًا منها وأجابها:
_ مُغرم!
اتسعت مقلتي ڤاليا مذهولة مما سمعته، أدارت رأسها ناظرة إلى يمينها وابتسمت بخفة، فابتهج آدم من ابتسامتها التي أسرت قلبه، وشعر ببداية قُرب الوصال بينهما.
وصل النادل ومعه الطعام الذي طلبه آدم خصيصًا، فتفاجئت ڤاليا بالأطعمة التي وُضعت أمامها، انتظرت حتى فرغ النادل وذهب وتساءلت:
_ أنت عرفت منين إني بحب الإستيك مع الباستا بالمشروم؟
تقوس ثغره للجانب مُشكلًا بسمةٍ جذابة وقال:
_ بصراحة استعنت بـ طنط نهال.. حبيت أعملك حاجة بتحبيها..
لم تختفي الإبتسامة من على وجهها؛ وشعرت باللطف إتجاه تصرفه فشكرته ممتنة:
_ Thanks, بجد أنت لطيف أوي..
اكتفى آدم بالإبتسام ثم شرع كليهما في تناول الطعام كما تناولا بعد الأحاديث من آن لآخر مستمتعين بوقتهما، مر وقتًا لا بأس به، شعرت ڤاليا بالتعب، فاليوم كان طويلًا، نظرت حيث آدم وقالت بلطفٍ:
_ هكون سخيفة لو قولت إني عايزة أروح؟
تفاجئ آدم بقولها وسألها بريبة:
_ زهقتي مني بالسرعة دي؟
أسرعت ڤاليا في توضيح الأمور له:
_ مش مسألة زهق، بس أنا مطبقة من امبارح ومعتش قادرة أفتح عيوني..
ابتسم آدم بجاذبية وأردف بصوت رخيم:
_ لا يبقى نقوم عشان تنامي براحتك..
ابتسمت ممتنة، ثم نهضا كليهما وخرج من المكان، قام آدم بفتح السيارة لها فركبت هي ثم استقل هو مقعده، وتحرك بالسيارة عائدًا إلى الفيلا خاصتها.
بعد ما يقرب الثلاثون دقيقة وصلا إلى الفيلا، استدارت ڤاليا برأسها وأردفت ممتنة:
_ Thanks كان وقت ممتع..
ابتهج آدم من أسلوبها الهادئ الرقيق الذي يتعامل معه حديثًا وقال بسعادة:
_ فرحت إنك استمتعتي..
تثاءبت ڤاليا بنعاسٍ انتهت بضحكة ساخرة على حالتها ورددت مازحة:
_ أنا لو طولت ثانية كمان ممكن يغمي عليا، يلا Good night
_ تصبحي على خير..
هتفها بلوعة فاكتفت الآخرى ببسمةٍ وترجلت من السيارة ثم لوحت له مودعة إياه وولجت الفيلا، فتحرك آدم خارجًا بسيارته من الفيلا بشعورٍ من السعادة التي سكنت قلبه، وإزداد حماسه إلى الأيام القادمة متأملًا توطيد علاقتهما أكثر من ذلك.
***
بعد حلول منتصف الليل المستشفى؛ عاد قاسم من الخارج وأشار إلى عبدالله الذي توجه نحوه فهمس الآخر بخفوت:
_ أنا خلصت حساب المستشفى، وبعت حمدي السواق يجيب شوية طلبات كدا بما إنكم هتباتوا النهاردة..
لم يحب عبدالله ذلك وهاجمه:
_ وليه عملت كدا؟ أنا موجود وأقدر أعمل كل دا!
تنهد قاسم وتحلى بالصبر ثم قال:
_ عنيد أزي، بس معلش هستحملك..
ابتسم بخفة وتابع مازحًا:
_ ابني بقى هبلع لك الزلط زي ما بيقولوا..
انضمت لهما أحلام ووجهت حديثها إلى قاسم ممتنة:
_ أنت تعبت معانا النهاردة يا قاسم، روح بيتك ارتاح..
_ راحتي هي راحتكم يا أحلام، طول ما أنتوا كويسين أنا هكون مرتاح
لم ينطق أي منهما بكلمة بل اكتفيا بنظراتٍ ممتنة، بعد قليل؛ وصل السائق ومعه الكثير من الأكياس المليئة بالأطعمة الشهية والعصائر الطبيعية، وبعض الحلوى، أخذهم منه قاسم ووضعهم على الطاولة التي تتوسط الغرفة ثم نظر إلى عبدالله وقال:
_ أنا همشي بس عشان تكونوا على راحتكم، وبكرة من بدري هكون عندكم.. عشان العربية توصل زينب مكان ما تحب، تصبحوا على خير..
_ وأنت من أهله
قالتها أحلام بينما ابتسم لها قاسم بخفة ثم انسحب من الغرفة بهدوءٍ، لم يمر سوى ثوانٍ حتى استيقظت زينب ودخلت في نوبة بكاء شديدة كالمرات التي استفاقت بها، ركضت نحوها أحلام وقامت بضمها محاولة تهدئتها:
_اهدي يا زينب عشان خاطري، قدر الله وماشاء الله يا بنتي، نصيب ..
ثم نظرت إلى عبدالله وقالت بحيرة من أمرها:
_ هنعمل إيه، الممرضة آخر مرة قالت جرعة المهدئات خلصت، معتش ينفع تاخد النهاردة!
حركت أحلام رأسها مستاءة ورددت بحرارة:
_ ربنا ينتقم منك يا حمادة، بنتي في حالتها دي بسببك
أخرج عبدالله تنيهدة مهمومة، ولعن قلة حيلته، فهو يقف مُكبل الأيدي لا يستطع النجاح بشيء، يفشل في حماية من يحبهم، تذكر كلمات والده حول الأشياء التي تحدث ولا يمكننا ردعها، لا نملك القوة لمنع ما يؤذي أحبتنا.
لكن لن يستسلم، لن يخضع لهوان نفسه وترك المذنب دون محاكمته، صر عبدالله أسنانه بغضبٍ وبرزت عروق عنقه حتى كادت تنفجر، طالع شقيقته يستمد من وضعها القوة ويزداد كُرهًا لذلك اللعين حمادة.
لم يقف لثانية أخرى، بل هرول إلى الخارج وهو يتوعد داخله بأخذ ثأره من حمادة لكل من قام بآذيته، خرج من المستشفى بخُطوات غير متزنة تتسارع مع نفسها، حتى وصل إلى سيارة قاسم الذي ركب لتوه وقام بفتح الباب ثم انحنى بجسده ليكون في مستوى جلوس أبيه وقال:
_ أنا موافق أعطيك فرصة، بس بشرط!
يا ترى ايه الشرط؟


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close