رواية ظلمات حصونه الفصل الثامن عشر 18 بقلم منة الله ايمن
-الفصل الثامن عشر-
+
جالسة بغرفتها تبكى بحرقة على كل ما يحدث لها وهي ليس لها ذنبًا فى أيه شيء، سمحت لنفسها لأول مرة بالإنهيار بعد مرورها بكل تلك الفترة المليئة بالصعاب والألم والتشتت أيضًا، نعم هي كثيرًا ما كانت تشعر بالتشتت تجاه ذلك الشخص عديم الرحمة.
+
تشتت بين ما كان يفعله معها فى السابق وما يفعله معها الأن، ما الذي حدث له؟ ألم يكن هذا نفسه الشخص الذي كان يكرها ويريد قتلها منذ خمسة أشهر؟ ألم يكن نفس الشخص الذي تزوجها بالإجبار وضربها وأنتهك عذريتها وأغتصبها بدل المرة أثنين؟ ما الذي حدث له الأن؟
+
الأن يُحاول حمياتها من الجميع، يوفر إحتياجاتها من كل شيء، يرسلها بسيارة خاصة للمتابعة مع الطبيبة الخاصة بها، طلب من "زينة" البقاء معها إلى معاد الولادة، يهتم بطعامها حتى إنه ذلك اليوم لفت إنتباهها لتناول الطعام الصحي والإبتعاد عن المُعلبات.
+
نهاية بما حدث أمس وما فعله مع تلك الفتاة التي تُدعى "كوثر"، تلك اللهفة والقلق التي رأتهم فى عينيه، إرتيابه من أن يحدث لها ولجنينها شيئًا، نظرته لها بعد أن أمر رجاله بأخذ تلك الفتاة، ما الذي يحدث بالضبط؟ ما الذي يريده منها! هل يفعل ذلك فقط لأنها تحمل فى طفله وبعدها سيقتلها؟
+
ولكن ماذا عن حديث تلك الفتاة ابنة العاملة التي أرسلها هو صباح اليوم، تلك الفتاة التي جاءت معها لكي تتعرف عليها، هل كان حديثها حقيقي أم تكذب؟ ولكن لماذا ستكذب فكل حديثها يدور حولها هي فقط، حتى والدتها لا تعرف عنه شيئًا.
+
••
+
- عاملة إيه يا سلمى؟ وحشتيني جدًا.
+
أبتسمت لها "سلمى" بحب وإمتنان مُعبرة عن مدى حبها ل"زينة" مُردفة:
+
- الحمدلله يا أنسة زينة، أنتي اللي وحشتيني أوي.
+
بادلتها "زينة" الأبتسامة مُشيرة بيدها إلى "سلمى" وموجهة حديثها نحو "ديانة" مُعقبة بتوضيح:
+
- دي بقى يا ديانة سلمى بنت دادى حُسنة، جميلة جدًا ورقيقة ومتربية معانا أنا وجواد فى البيت من سنين.
+
أبتسمت لها "ديانة" بود، بينما وجهت "زينة" حديثها نحو "سلمى" فاعلة المثل:
+
- ودي يا سلمى تبقى ديانة مرات جواد و...
+
قطع حديثها صوت رنين هاتفها مُعلنا عن وجود إتصال، لتستأذن "زينة" ونهضت كي ترد على هاتفها، بينما أبتسمت "سلمى" ل"ديانة" هاتفة بود:
+
- أتشرفت بمعرفتك يا مدام ديانة، مبروك على جوازك أنتي وجواد بيه ربنا يسعدكوا ويهنيكوا يارب.
+
أبتسمت لها "ديانة" بأقتضاب، أهي تتمنى لها السعادة مع ذلك الوحش عديم الرحمة؟ يالها من بريئة حقا، بينما لاحظت "سلمى" ملامح الإنزعاج على وجه "ديانة"، لتُخمن أن هناك شيء يُزعجها وبالطبع سيكون ذلك الشيء هو قسوة "جواد" وجفائه الذي يتعامل بهما مع الجميع، لتددخل دون تفكير مردفة بتلقائية:
+
- على فكرة جواد بيه شخص كويس أوي يا مدام ديانة، صدقيني.
+
ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بتعجب لإندفاع "سلمى" وقول هذا الكلام، ومن تعني بالشخص الجيد التي تتحدث عنه؟ بالطبع لا تقصد ذلك "الجواد"، ولماذا هي تراه شخصًا جيدًا! لتقابلها مُستفسرة:
+
- لية بتقولي كده!
+
رطبت "سلمى" شفتها مُجيبة بمزيد من التلقائية:
+
- ملاحظه إن حضرتك متضايقة وحسيت إنك متضايقه بسبب جواد بيه وطريقته النشفة، بس والله جواد بيه مش كده وليه جميل فى رقبتي يخليني أدافع عنه قدام الدنيا كلها وأقول قد إيه هو إنسان كويس.
+
أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مستفسرة عن ما هو الموقف الذي فعله معها جعلها تدافع عنه بتلك الطريقة وتقول عنه أنه شخصًا جيد:
+
- جِميل إيه؟
+
أبتلعت "سلمى" بتوتر مُتفقدة المكان حولها لتتأكد إنه لا يوجد أحد يستمع إليها، بينما نظرت نحو "ديانة" مُجيبة:
+
- أنا هقولك على حاجة مفيش مخلوق فى الدنيا يعرف عنها، غيري أنا وجوزي وجواد بيه الله يستره، بس أمانة عليكي ما حد يعرف بالموضوع ده خصوصًا أمي.
+
أومأت لها "ديانة" بالموافقة مُردفة بصدق:
+
- متقلقيش يا سلمى، كلامك معايا مفيش تالت هيعرفه.
+
تنهدت "سلمى" بأسى مُتذكرة تلك الفترة العصيبة التي عاشتها قبل أن يتدخل "جواد" ويحل كل شيء، لتنظر إلى "ديانة" مُضيفة بإمتنان:
+
- أنا كنت هتفضح فى شرفي وجواد بيه بعد ربنا هو اللي سترني.
+
صُدمت "ديانة" من حديثها وما صدمها أكثر تلك التخيلات التي أتت برأسها عن كيفية مُساعدته لها؟ أو ما هي الطريقة التي ساعدها بها ذلك الشخص الجاف! كادت أن تستفسر منها لتُقاطعها "سلمى" مُردفة:
+
- عارفه أنتي عايزه تسألي على أيه وهحكيلك.
+
قصت عليها كل ما حدث بداية بعلاقتها هي و"خالد" مروراً بحملها وإخبارها ل"جواد " بهذا الأمر، وطلبها مساعدته، وضربه لها، وإحضار "خالد" فى ذلك اليوم وما فعله به وبالنهاية إحضار المأذون وإتمام الزواج.
+
صُعقت "ديانة" مما أستمعت إليه وأرتعبت من تلك الطريقة التي كان ينوي بها "جواد" أن يُعاقب "خالد" وذلك الزواج السريع الذي يُشبه زواجهما، لتُعقب باستفسار:
+
- وأتجوزتي خالد؟
+
أومأت لها "سلمى" بالموافقة مُردفة بأمتنان:
+
- جواد بيه وظف خالد معاه فى الشركة وجبلنا شقة وساعدنا فى إن الجوازه تكمل بسرعة عشان ماتفضحش أنا واللي فى بطني، والحمدلله أنا فى التامن أهو وربنا مكملها معانا بالستر.
+
تعاطفت "ديانة" مع "سلمى" وما حدث لها مُردفة:
+
- ربنا بيحبك عشان كده الموضوع عدى على خير، بس ده كان غلط كبير يا سلمى ولو مكنش اتلحق فى الوقت المناسب كان حصل مصايب أنتي مش قدها.
+
أومأت لها "سلمى" بالموافقة مؤكدة على حديثها:
+
- فعلا لو مكنش ربنا وقفلي جواد بيه فى طريقي، الله أعلم كان إيه اللي حصلي؟
+
شردت "ديانة" فى كيفية أن يفعل شخص مثل "جواد" ما فعله هذا ومساعدته لتلك الفتاة، كيف له أن يقوم بمساعدة كبيرة مثل هذه بالرغم من قسوته وجفائه، لتيقظها من شرودها صوت "سلمى" مُردفة بإصرار:
+
- صدقيني جواد بيه إنسان كويس جدًا، يمكن يبان قاسي شوية، بس صدقيني هو من جواه كويس بجد.
+
•••
+
فاقت من شرودها بعد تذكرها لحديث "سامى" عن "جواد" وعن مساعدته لها، بينما فى المقابل تذكرت قسوته معها وتلك المعاملة التي عاملها بها وذلك الإنتقام على شيء هي لم تفعله ولا تعلم إذا كانت والدتها فعلت ذلك الشيء أم لا؟
+
أزداد بكائها ونحيبها، ليقطع عليها خلوتها دخول "زينة" بلهفة مُستفسرة عن سبب بكائها الذي كان يصل إلى خارج الغرفة:
+
- بتعيطي ليه يا ديانة؟
+
أرتمت "ديانة" بصدرها وأجهشت فى البكاء، لتشعر "زينة" بالفزع من كثرة بكائها وأخذت تربت على رأسها مُحاولة تهدئتها:
+
- أهدي يا حبيبتى، مالك فى إيه؟
+
أرتجفت "ديانة" بين يديها وقد فاض بها، يجب أن تتشارك ما بداخلها مع أحدًا وإلا ستموت من شدة الخنقة التي تشعر بها، لتهتف من بين شهقاتها:
+
- تعبت.. تعبت أوي يا زينة، تعبت ومعدتش قادرة أستحمل، من يوم ما أتولدت وأنا بتظلم، اتظلمت أول ما وعيت على الدنيا وعرفت إني عايشة فى بيت مش بيتي ومع ناس مش أهلي، اتظلمت كل مرة كنت بفكر فيهأ إن ممكن يكونوا جابوني من الملجاء أو إني جايه من علاقة محرمة أو أهلي رموني، اتظلمت أكتر لما قالولي إن أمي سابتني فى القطر عشان عرفت إن عندها مرض وحش وإنها هتموت.
+
أخذت نفسًا بصعوبة من بين شهقاتها مُكملة:
+
- اتظلمت لما قولتولي إنها قتلت مامتك واتسببت فى موت بابا وشلل عمته، اتظلمت لما لقيت الشخص المناسب وكنا خلاص هنتجوز وجيه جواد وفركش كل ده، اتظلمت لما أتجوزت جوازه مش عارفة جيت إزاي أو ليه، اتظلمت وأنا بدفع تمن حاجة أنا معملتها ومش متاكدة إذا كانت حتى أمي عملتها أو لا، اتظلمت لما حملت فى طفل جيه بسبب علاقة إتجبرت عليها، وأخيرا بعد ما أتعلق بالطفل ده وأحس إنه هيكون عوض من ربنا اتظلم ويحاولوا يموتوني أنا وهو، قوليلي مين اللى يقدر يستحمل كل الظلم ده؟
+
اجهشت مرة أخرى فى البكاء، بينما حاولت "زينة" إيقافها بالرغم من دموعها التي إنسابت هي الأخرى بسبب تأثرها بحديث "ديانة":
+
- طيب اهدي يا حبببتي، اهدي عشان خاطر البيبي اللي فى بطنك.
+
أبتلعت "ديانة" غصتها ولاتزال لا تتوقف عن البكاء مُردفة بألم وحسرة:
+
- وأنا أحافظ عليه ليه مهو كده كده هيموت، هيموت بسبب حاجة لا أنا ولا هو لينا ذنب فيها ومش قادرة أصدق إن ممكن أمى تعمل كده، أنا آه عمري ما شوفتها بس إحساسي بيقولي إن الست اللي أنا حتة منها عمرها ما تعمل كده و...
+
كانت تعتقد أن حديثها سيغضب "زينة" لذا توقفت من تلقائها نفسه، بينما لاحظت "زينة" توقفها لتُكمل هي بشيء لم تتوقعه "ديانة":
+
- أنا كمان يا ديانة مبقتش متأكدة إن مامتك ممكن تكون عملت كده، اللي تخلف بنت جواها كل الطيبة والحنية دي إستحاله تكون ست معندهاش رحمة، أكيد الموضوع ده فيه حاجة غلط!
+
توقفت "ديانة" عن البكاء بصدمة كبيره لأنها لم تتوقع أن تكون تلك هي ردة فعل "زينة"، ولكنها شعرت بكثير من الراحة لتبرئة والدتها، حتى ولو أمام شخص واحد، لتهتف بلهفة مُستفسرة:
+
- طب وهنعرف الحقيقة منين؟
+
أغمضت "زينة" عينيها بأسئ على ما حدث لشقيقة والدها مُعقبة بحزن:
+
- يوم الحادثة كان فى حد رابع غير مامتي ومامتك وخالتو هناء، كانت عمته ماجدة كمان فى الحادثة، ولما وقعت على دماغها جالها شلل كلي حتى مش بتقدر تتكلم.
+
أبتلعت "ديانة" بحزن على ما حدث ل "ماجدة" أيضًا ولكن المشكلة لم تُحل بعد، لتضيف بخيبة أمل:
+
- حتى أخر أمل إننا نعرف منه الحقيقة راح.
+
تنهدت "زينة" براحة عازمة على أن تخبر "ديانة" بما لا يعرفه أحد سواها، ولكنها تعلم أن "ديانة" هي أكثر الأشخاص أحتياجًا لسماع تلك الأخبار:
+
- لا مراحش، أنا هقولك على حاجة محدش يعرفها نهائي غيري أنا وأنتي.
+
أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مُعقبة بأهتمام:
+
- قولي يا زينة ومتخافيش.
+
أبتسمت "زينة" بقليل من السعادة على ما ستتفوه به الأن، ولكنها تؤجل سعادتها كليا إلى حين عودة "ماجدة"، لتهتف براحة:
+
- من كام شهر أسما بنت عمته كلمتني وقالتلي إن فى دكتور شاطر جدًا برا، وإنهم كلموا عن حالة عمته وهو طلب يشوفها وقال إن ممكن يكون فى أمل إنها تتحسن، أنا وأسما اتفقنا إن محدش يعرف حاجة عشان منعشمهمش على الفاضي ويتكسر قلبهم لو متحسنتش، وفعلا سفرتها بمساعدة مالك وبعدها بفترة أسما كلمتنى وقالتى إن عمته بتتحسن وإنها ممكن ترجع زي الاول بس محتاجة شوية وقت.
+
سعدت "ديانة" كثيرًا ممَ أستمعت إليه وكأنها متأكدة أن براءة والدتها بيد "ماجدة"، وبالتأكيد نجاتها هي الأخرى، هي تعلم أن ما جعل "جواد" يتوقف عن إذائها هو ذلك الجنين، وتعلم أيضًا تمام المعرفة إنه بمجرد أن تضع ذلك الطفل سيُحدد مصيرها الذي يمكن أن يكون الموت.
+
ولهذا هي تعلم أن مصيرها سيكون بيد "ماجدة" إذا قالت أن والدتها لم تقتل والدته، أو على الأقل يمكن أن يكون كان حادثًا غير مقصود، لتهتف بتمني:
+
- ربنا يكمل شفاها على خير وترجع فى أقرب وقت.
+
أبتسمت لها "زينة" بود مؤمنة:
+
- أمين، يلا بقى نقوم عشان نتغدى لحسن أنا هموت من الجوع.
+
أومأت لها "ديانة" بالموافقة وذهبتا معًا لتناول الطعام وكلا منهما تتمني الشفاء ل "ماجدة" والتعرف على ما حدث بذلك اليوم بالتفصيل.
+
❈-❈-❈
+
اقتربت الساعة على الثالثة صباحًا وسكون هائل يملأ جميع أنحاء المنزل والجميع نائمون بغرفهم، ليُفتح باب المنزل ويدلف منه "جواد" ويبدو عليه عدم الإتزان والقليل من الدوران، ليصعد الدرج ولكنه لم يتجه نحو غرفته كالعادة بالأشهر السابقة منذ علمه بخبر حملها، بل غير إتجاهه صوب غرفة "ديانة"، ليفتح الباب بإندفاع كبير إثرا عليه إيقاظها بفزع، وما زاد ذعرها هو هيئته الثملة وترنحه، لتصيح فيه بحدة:
+
- أنت بتعمل إيه هنا! أمشي أطلع برا.
+
هز رأسه بعدم الموافقة على حديثها بملامح مذعورة وقد أقترب منها عدة خطوات، لتنهض هي الأخرى مرتعبة من أن يفعل بها شيئًا، بينما جلس هو بجانبها بتلقائية مُردفًا بثمالة:
+
- أنا مش عايز أطلع.. أنا خايف أوي.
+
تأكدت من شكوكها، إنه بالفعل ثمل وتفوح منه رائحة الخمر، بالإضافة إلى طريقته التي تؤكد إنه ليس بوعيه، لتخشاه أكثر، خوفًا من أن يفعل شيئًا بها، ولكنها أظهرت القوة مُصيحة:
+
- بقولك أطلع برا يا جواد.
+
أنزعجت ملامحه بسبب صوتها العالي وأمتلأت عيناه بالدموع والخوف يتطاير من زرقاوتيه مُردفًا بضعف:
+
- متزعقليش، بقولك مش عايز أطلع، لو طلعت وشافتني هتزعقلي وتضربني.
+
وقعت تلك الكلمات على مسامعها كدلو من الثلج فى عز ليالي الشتاء الباردة، كيف يمكن أن يكون ذلك الوحش يخشى أحدًا أو يستطيع أحدٌ تعنيفه! لتشعر بالفضول لتعرف من الذي يُعنيه، متسائلة:
+
- هي مين دي لللي هتضربك؟
+
ابتلع بكثير من الخوف والفزع وبالفعل قد شرع فى البكاء وكأنه طفل فى العاشرة مُضيفًا بألم:
+
- هناء.. هناء لو شافتني سكران هتضربني وتعاقبني زي ما كانت بتعاقبني زمان، خبيني يا ديانة ومتقوليلهاش إني سكران عشان خطري.
+
قال جملته الأخيرة بإذلال شديد وبكاء يتخلله شهقات مريرة، وكأنه طفل وليس رجلًا فى العقد الرابع من عمره، لتتسع عيناها بصدمة مما تراه أمامها غير مُستوعبة أن هذا هو نفسه ذلك الرجل صاحب الشخصية القاسية والقلب المُتحجر والمشاعر الباردة، كيف لكل هذا الجبروت أن يتحول لهذا الضعف؟ لتُحاول أن تطمئنه عسى أن يهدأ قليلا:
+
- هناء مش هنا ومش هتعرف.
+
شهق مرة أخرى وقد دخل بنوبة بكاء مريرة، وكأنه عاد إلى ذلك الطفل الصغير الذي يبكي بزاوية مُظلمة داخل غرفته، وتناسى تماما من هو ومع من يتحدث، فقد عاد إلى ذلك الجزء المٌظلم من طفولته مُتذكرًا كل ما مر عليه من ألمٍ وظلم مُهسهسًا:
+
- لا هتعرف وهتيجي تضربني، أو هتعاقبني زي ما كانت بتعمل زمان، كانت بتضربني كتير أوي، كانت بتحبسني فى أوضة فاضية وضلمة مفهاش شباك، كانت بتجبلي الأكل مرة واحدة بس وترجع تقفل عليا تاني، كانت بتحرجني قدام صحابي وتضربني قدامهم.
+
بكاؤه لا يتوقف وكأنه عاد بالزمن مُتذكرا تلك المرة التي كسرته أمام الجميع وهو لا يزال طفلًا لم يتخطَ الثانية عشر من عمره:
+
- مرة كنت نقصت فى امتحان الرياضة خمس درجات عشان هي كانت حبساني ومكنتش عارف أذاكر، المدرسة بتاعتي طلب تشوفها وتعرف منها إيه سبب إن مستوايا ضعف، وفعلا جيت الفصل عندي والمدرسة بتاعتي سألتها، بس هي مغلطتش نفسها وجابت الغلط عليا أنا، وقدام المدرسة وصحابي والفصل كله، رفعت إيدها وضربتني بالقلم قدامهم كلهم، قالت عليا فاشل ومستهلش إني أتعلم أصلا، المدرسة كلها بقيت بتتريق عليا بعد ما اللي هي عملته وقالته انتشر، بقى العيال بتشتمني وتتنمر عليا ولما أزعقلهم يضربوني، كانوا بيبقوا كتير أوى وأنا أخاف أروح أشتكي لحسن تيجي وتضربني قدامهم تاني، الموضوع كان بيموتني من الرعب.
+
أستمر فى البكاء وكأنه لم يعد يستطيع التوقف، وقد غاب بماضية القاتم الذي لم يتذوق به سوى الألم والإهانة، ونسى تمامًا إنه يتحدث مع أخر شخص كان يظن إنه سيتحدث معه عن ذلك الأمر مُضيفًا:
+
- حتى صحابي اللي كانوا بيحبوني وبحبهم كرهتني فيهم، فضلت تمدح فيهم قدامي وتقولي شوف صاحبك ده أحسن منك بكتير ده شاطر وجرئ وعنده شخصية قوية مش زيك جبان وفاشل وضعيف، ولا صاحبك ده شكله حلو أوى والناس كلها بتحبه وبيسمع الكلام، أنا مش عارفة هما مصاحبينك إزاي، كانت بتحرمني من إني أروح النادي معاهم وكل ما حد يجى يسأل عليا تقوله إني نايم، وأنا مكنش نايم ولما كنت أقولها إني صاحي وإني عايز أروح تضربني وتشتمني وتقولي هو أنت شايف نفسك راجل عشان تخرج معاهم، دول هيكبروا ويبقوا رجالة إنما أنت مش راجل ولا هتبقى راجل أنت ضعيف يا جواد.
+
كانت ملامحها متأثرة جدًا بما يقول بالإضافة إلى إنسياب دموعه وصوت بكائه المرير، لا تعرف كيف ولكنها تأثرت جدًا بما يحدث له وانسابت دموعها هي الأخرى حزنًا عليه، لا تعرف هل حقًا تشعر بالشفقة تجاهه؟ أم إنها فقط هرمونات الحمل! ليُكمل هو:
+
- طول عمرى بخاف منها حتى بابا عمرى ما شوفته بيتناقش معاها، كان على طول مسافر وهي كانت بتسلي وقتها بضربي وإهانتي وإنها تذلني، مكنتش بتعمل كده مع زينة كانت بتعمل كده معايا أنا بس، كتير كنت بتمنى إنها تموت زي ماما بس هي مكنتش بتموت، أنا اللي كنت بموت كل يوم بسببها، لحد ما كبرت وخلصت تعليمي، وقتها قررت إني أعيش لواحدي بعيد عنها، بعيد عن الكل، كنت بخاف إنها تهيني أو تضربني قدام حد، أتحولت لشخص تاني خالص، شخص قاسي مبيحبش مبيتأثرش مبيفرحش مبيزعلش مبيعيطش.
+
أنتحب بشدة وكأنه يأخذ كامل حقه فى البكاء والإنهيار مُردفًا:
+
- شخص بيخاف من الناس وعشان كده بيحاول يظهرلهم إنه وحش عشان محدش يجي عليه، شخص خالي من المشاعر زيها بالظبط، كنت بفتكر دايما كلامها ليا وهي بتقول عني جبان وضعيف وفاشل ومش راجل وقررت أثبتلها وأثبت لنفسي إني راجل وإني مش ضعيف، بس من جوايا كنت بحس إنها عندها حق وإني فعلا زي ما بتقول وأحس قد إيه أنا مليش وجود.
+
رفع عينيه وقد تلاقت زرقاوتيهما وعينيهما مليئتان بالدموع، إنها تشفق عليه، كيف لطفل أن يحتمل كل هذا؟ بينما هو يبكى بسبب تخبط مشاعره داخله، لا يدري ما هذا الضعف الذي أمتلكه بمجرد أن نظر لها، أيمكن أن يكون وقع لها:
+
- لحد ما ظهرتي أنتي، فى البداية كنت عايز أنتقم منك أوي لأنك بنت الست اللي أتسببت فى اللي حصلي ده وإن أمي ماتت وهناء هي اللي أتحكمت فيا، بس لما لقيتك بتقفي فى وشها وبتعملي اللي أنا مش قادر أعمله وكمان مديتي إيدك عليها، حسيت إنك أقوى منها وخصوصًا إني أول مرة أشوف حد قدر يقف فى وشها، عشان كده كنت بضربك وبهينك عشان أحس إني أقوى منها وإني قدرت على اللي هي مش قادرة عليها، حبيت أثبت لنفسي إني مش جبان ومش ضعيف وإني قوي.
+
كانت ملامحه مُشتتة وهو يبكي بحرقة وألم، يشعر بالضعف الشديد ليُلقي بنفسه فى صدرها، لتنزعج ملامحها ممَ فعله، ولكنها لم توقفه حتى يُخرج كل ما بداخله، ليضيف بمزيد من البكاء والثمالة:
+
- قالتلي مقربش منك وملمسكيش وعشان أثبت لنفسي إني مش بمشي ورا كلامها زي ما قولتي، نمت معاكي بس مكنتش متخيل إن الموضوع يوصل لحمل، لما عرفت إنك حامل حسيت إني عاجز مش عارف أعمل إيه؟ أقتلك وأقتل ابني ولا أقتل نفسي عشان أرتاح من كل ده؟
+
أخذ صدره يعلو ويهبط من كثرة إنفعاله وبكائه مُكملا بتلعثم:
+
- بقيت.. بقيت بضعف قدامك، بقيت بحاول أبعد نفسي عنك على قد ما أقدر، بقيت بنام فى أوضة تانية بعد ما أرجع أخر الليل بعد ما أتأكد إنك نمتي، وأخرج الصبح بدرى قبل ما تصحي، كنت بخاف إني أقابلك أو عيني تيجي فى عينك، كنت بترعب إني أضعف قدامك أو أعمل حاجه أحاول أثبت بيها لنفسي إني مش ضعيف أقوم أأذيكي.
+
توقف عن البكاء وقد أحتدت نبرته وبرزت عروقه من شدة الغضب مُعقبًا بأسنان مُلتحمة:
+
- لحد ما عرفت إنها عايزه تقتلك أنتي واللي فى بطنك، روحتلها ولأول مرة أحس إني مش ضعيف قدمها، لأول مرة أمنعها إنها تمد إيدها عليا، لأول مرة أزعق فى وشها وأزقها بعيد عني، لأول مرة أحس إني راجل بجد.
+
ضعفت نبرته مرة أخرى ولم يعُد يملك القدرة على البكاء مرة ثانية، ليتشبث بها أكثر مُتمتمًا:
+
- كل ده حصل بسببك لأني خفت عليكي، أنا مش عايز أقتلك يا ديانة أنتي مصدر قوتي، ياريتك ما كنتي بنت لبنى، كان زمان كل حاجة أتغيرت، متسبنيش يا ديانة أرجوكي أنا ضعيف من غيرك.
+
لا تُنكر إنها بالفعل تأثرت بما مر به بمرحلة طفولته وما فعلته به تلك المرأة القاسية، ولكنها لن تستطيع أن تغفر له ما فعله بها، فهذا القدر من الإيذاء الذي ألحقه بها لا يُغتفر مهما كان به، هى ليس لها ذنب بكل هذا، لهذا قررت أن لا تتفوه بشيء ظنًا منها إنه سيرحل، ليُفاجئها بقبلة على رقبتها لم تكن تتوقعها منه، خصيصًا وهو بتلك الحاله، لتُحاول الأبتعاد عنه دافعة إياه بصدره برفق مما أبعده عنها قليلا، قائلة بانزعاج:
+
-إبعد عني.
+
استغلت فرصة ابتعاده، ونهضت بسرعة مُحاولة الفرار منه بعد أن أدركت ما يُحاول فعله، ولكنه نهض هو الأخر وأمسك بها مُحاصرًا جسدها بينه وبين الحائط خلفها، حينها هتفت بزعيق:
+
-انت عايز إيه بالظبط؟ وجاي تقولي كل الكلام ده ليه؟
+
اقترب منها أكثر ورائحة الخمر تفوح من فمه مما أثار غثيانها مُردفًا بثمالة وثقل:
+
- سبيني أعمل اللي أنا عايزه بمزاجي وأرتاح وأريحك أحسن ما أعمله بمزاجى بردو بس أنتي مش هتبقي مرتاحة وممكن تتأذي كمان، الأختيار ليكي!
+
أقترب ليُلثم عُنقها لمتعضت ملامحها بكثير من التقزز والاشمئزاز من ثمالته، وقد أوشكت على التقيؤ من رائحة فمه، حينئذ صاحت بضيق:
+
-جواد ابعد، أنا مش عايزاك ولا طايقه إنك تقرب مني.
+
تجاهل ما قالته، وفاجأها بإلتقاطه لشفاتها بقبلة ناعمة مليئة بالرغبة والشغف، ولكنها لم يُعجبها الأمر إضافة إلى رائحته التى لا تستطيع أن تتحملها.
+
حاولت دفعه بعيدًا عنها مرة أخرى ولكنها لم تستطيع، لتشعر بالكثير من الغضب ورفعت قدمها مُحاولة أن تركله برجولته عساه يبتعد عنها، ليرفع هو ساقه مُتفاديًا ضربتها تلك ليزداد غضبها، ليدفعها على الفراش وقد وألقى بجسده عليها ولكن بحذر ليهمس بأذنها بتحذير:
+
- قولتلك متضطرنيش إني أأذيكي، سيبي نفسك يا ديانة ومش هتندمي.
+
هي بالفعل نادمة على الاستماع له منذ البداية، لم يشفع له ما قصه عليها منذ قليل عمَ فعله بها من قبل وما يفعله بها الأن، هي الأن لا تستطيع أن توقفه خشية على جنينها وهو الأن ليس بوعيه فاحتمال أن يؤذيها -إذا حاولت منعه وهو على تلك الحالة غير الواعية- كبير للغاية، لتشعر بكثير من الضيق مع كل لمسه يقوم بها.
+
استسلمت على مضض لما يفعله وكم هي كارهة لتلك اللحظة التي نسيت فيها أن تغلق الباب جيدًا قبل أن تنام، اللعنة لقد جردها فى لحظة واحدة من ملابسها وفعل هو الأخر المثل، لم تهتم بلمساته التي لم تكن كثيرة على أية حال، يبدو إنه مُتعجل للغاية.
+
وبلحظة كان مُخترقًا إياها دون تمهيد، لتشعر فى البداية وكأنها جُرحت بجرح ليس غائرًا ولكنها تألمت لبعض من الوقت، الأن أدركت أن كل ما حدث من قبل ليس شيئًا أمام ما يفعله الأن.
+
فمن أول دفعة شعرت بكثير من الكراهية تجاهه وتجاه "هناء" وتجاه نفسها لأنها شعرت بالأسئ عليه، وبالمُقابل هو لا يشعر بالأسئ عليها وهي تصرخ بين يديه بأن يتوقف عمَ يفعله، ولكن دون فائدة فهو لن يتركها سوى بعد أن يصل إلى خلاصه.
+
شعرت بزيادة سرعته وحدة دفعاته، ولكنها ألمها لم يعُد كالسابق، فصرخاتها الأن مُستمتعة وليست مُتألمة، ولكن أن تصل إلي ذروتها الأن يبدو صعبًا بسبب تشتتها وخشيتها على جنينها بسبب سرعته تلك.
+
بينما كان هو كالذى يُحارب من أجل الحصول على راحته، كان يُزيد من سرعته وكأنه يهرب من هلاكه وشريط حياته يمر أمام عينيه، بداية من حادث والدته مرورًا بطفولته القاسية وعذاب "هناء"، وأيضا ضعفه مع "ديانة" وذلك التخبط والصداع الذي يشعر به كلما فكر بالأمر نهاية بما يفعله الأن.
+
لم تستطيع هي أن تحتمل أكثر من ذلك، تشعر بثقل جسده عليها وسرعة أنفاسه وبالطبع زيادتة دفعاته، لتُدرك إنه أوشك على الوصور لذروته، وبالطبع ثوانٍ ووصل إليها، ليسقط بجانلها على الفراش كالمغشى عليه، لتنهض من جانبه مُرتدية منامتها متجهة صوب غرفة أخرى تاركة إياه على نفس حالته المُقززة تلك.
+
❈-❈-❈
+
كانت تجلس بغرفتها بعد الإنتهاء من تناول فطورها، تُفكر فى مُخططها والنتائج المُترتبة عليه، لتبتسم بمكر على ما قد تخيلته برأسها والجميع يُحاول قتل بعضه ولم يبقى سوا الأقوى بينهم، لتقتله هي بيدها لأن الجميع يستحق ذلك، ليقطع شردوها صوت هاتفها مُعلنًا عن وجود إتصالًا، لتلتقطه وتقوم بفتح المكالمة ليأتيها ذلك الصوت مُخبرًا إياها:
+
- أنسة زينة ومدام ديانة لسه خارجين من الفيلا حالا يا هانم.
+
أعتدلت "هناء" فى جلستها وهي تشعر بالكثير من الحماس لأن اللعبة حالًا ستبدأ وسيخسر الجميع أمامها لتستفسر بحدة:
+
- جهزت كل اللي قولتلك عليه؟
+
أتاها صوت ذلك الرجل مُؤكدا أن كل ما خططت له قد حدث بالفعل:
+
- كل حاجة جاهزة يا ست هانم وجاهزين على التنفيذ.
+
زجرته "هناء" بحدة خوفًا من أن تخرب خطتها مُعقبة بتحذير:
+
- عارف لو حصل غلطة صغيرة بس أنا هعمل فيكوا إيه؟
+
طمأنها الراجل مُعقبًا بكثير من الثقة:
+
- متقلقيش يا ست هانم، كل حاجة هتمشي زي ما حضرتك خططتي بالظبط.
+
أبتسمت "هناء" براحة وقد بدأت برسم صور كل شخص بهم بمخيلتها وماذا سيحدث بعد قليل، لتهتف بحدة:
+
- نفذ.
+
يتبع...
+