رواية ظلمات حصونه الفصل السادس عشر 16 بقلم منة الله ايمن
-الفصل السادس عشر-
+
ذاهب إلى الشركة كعادته مُبكرًا قبل أن يستيقظوا من نومهم حتى لا يتقابل معها، إلى الأن لا يعرف كيف يتعامل معها، يكفي إنه كل ليلة يذهب ليُشاهدها وهي نائمة، لا يعرف حتى لماذا يفعل هذا! هل فقد عقله تماما؟
+
يهبط الدرج وأثناء ذلك تفاجئ بجلوسهم حول السفرة يتناولون الفطور، ليلعن حظه الذي جعله يهبط الأن، كان يريد أن يصطنع عدم ملاحظتهم ويخرج بسرعة، لتوقفة شقيقته التي اتجهن نحوه مُعقبة:
+
- صباح الخير يا جواد.
+
قابلها بإبتسامة لابقة ومحبة:
+
- صباح النور يا زينة.
+
أصطنعت عدم معرفة أمر هروبه كل صباح قبل إستيقاظهم مُستفسرة:
+
- رايح فين بدري كده!
+
أجابها بنفاذ صبر مُحاولًا إنهاء الحديث والذهاب سريعًا:
+
- هكون رايح فين يعني، الشركة طبعا.
+
لاحظت ما يُحاول فعله، ولكنها لن تتركة لينجح فيه:
+
- طب تعالي أفطر معانا.
+
شعرت "ديانة" ببعض من الضيق والتوتر من فكرة جلوسه معها على مائدة واحدة، بينما حاول هو الإنسحاب بلطافة هاتفًا:
+
- مستعجل يا زينة.
+
كاد أن يأخش خطوة نحو الباب ولكن "زينة" وقفت أمامه مانعة إياه مُضيفة بإلحاح:
+
- عشان خاطري يا جواد بقالنا كتير أوي مقعدناش على سفرة واحدة سوا.
+
يصعب عليه أن يرفض لها شيئًا تطلبه منه، ولكن هذا الطلب لا يستطيع موافقتها عليه:
+
- معلش يا حبيبتي خليها مرة تانية.
+
لن تستسلم بهذه السهولة، الأمر يستحق العناء، لقد مر الكثير من الوقت وهما يتلاشان مقابلة بعضهم، عليها أن تقرب المسافات بينهم، لتتزمر أمامه وتقوم بجذبه من ذراعيه وأتجهت به نحو المأئدة مُردفة بإصرار:
+
- لا دلوقتي وحالا.
+
جلس رغمًا عنه متوسط المائدة و"ديانة" تجلس على يمينه و"زينة" على يساره، وبدأوا فى تناول الطعام، كانت "ديانة" تتحاشى النظر نحوه وكأنه غير موجود، بينما هو كان يختلس النظر إليها من حينًا لأخر.
+
لاحظت "زينة" ما يفعله شقيقها، وأبتسمت بخفة على نجاح خطتها، ووسط تلك الأجواء أمتدت يد "ديانة" اليمين مُحاولة أخذ قطعة من الجُبن المُعلبة لتضعها على الخبز البني.
+
لتمنعها يد "جواد" الذي أمسك بيدها مانعًا إياها من فعل هذا، مُعقبًا بتلقائية لا إرادية:
+
- مش صحي إنك تأكلي حاجه مُعلبة، لأنها كلها مواد حافظة.
+
أمتدت يده لصحن الجبنة المطبوخة وقربه نحوها مُضيفًا بإهتمام:
+
- دي أحسن ليكي ومفيدة أكتر، والأحسن لو تركزي على البيض واللبن اللي مقربتيش منهم من الصبح، مُفيدين جدًا.
+
الصدمة هي كل ما تشعران به "زينة" و"ديانة"، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيبه هو عندما أستوعب ما فعله، الأن أصبح متأكدًا إنه فقض عقله تمامًا، ما دخله هو أن تتناول المُعلبات أم المأكولات الطازجة، بماذا سيفسر حماقته تلك الأن؟
+
على الرغم من صدمة "ديانة" بما فعله وشعورها بإهتمامه الصادق، إلا إنها شعرت بالنفور من تقبله، ما رأته منه ليس بهين، ولن تنسى ما فعله بها أبدًا، لتسحب يدها منه بحدة زاجرة إياه:
+
- ملكش دعوة بيا، وخليك فى حالك أحسنلك.
+
شعر بالإحراج الشديد ممَ قالته وفعلته، ولكنه ليس بذلك الشخص الذي يتقبل الخسارة، ليخبرها ببرود لازع دون أن ينظر لها:
+
- ده أصلا مش عشانك، ده عشان اللي فى بطنك مش أكتر.
+
نهض من مقعده وهو بمسح على فمه بتلك المنشفة الصغيرة موجهًا حديثه نحو "زينة":
+
- لو أحتجتي حاجة يا زينة أبقي كلميني.
+
خرج من المنزل ولم يلتفت خلفه حتى أغلق الباب خلفه، لتحول "زينة" نظراتها نحو "ديانة" وأبتسمت لها بسمة ماكرة، فطنتها "ديانة" بسرعة وفهمت معناها، لتعود وتكمل طعامها من ذلك الصحن الذي أعطاه لها.
+
❈-❈-❈
+
دلف مكتبه بعد أن أمرهم بإعداد قهوته، ليلحق به "إياد" إلى داخل الغرفة مُصيحًا بمرح:
+
- يا صباح التفاح بشوفك برتاح.
+
رفع "جواد" حاجبيه بإندهاش من طريقة صديقه الماكرة مُردفًا بأستهزاء:
+
- ياض أنت مش هتبطل الجو ده! هو أنت فاكرني واحده من النسوان اللي بتشقطهم وتعط معاهم.
+
ضحك "إياد" بمكر ووقاحته التي لا يتنازل عنها فى كل احاديثه مُعقبًا بغمز:
+
- طب والله لو كنت واحدة وبالجمال والعيون الزرقة دي ما كنت هحلك غير لما أقطعك.
+
ألتوت شفتا "جواد" باستهزاء مُعقبا بنبرة مُتهكمة:
+
- لا والصراحة أنت قطيع، كل يوم بسمع إنك قطعت واحده شكل، والنسوان بتشوفك بتجري.
+
ضحك "إياد" بشدة على طريقة صديقه ونبرته المُسهزئة، وأخذ يُسايره فى الحديث، تلك اللحظات لا تتكرر كثيرًا، وخصوصًا من قبل "جواد"، ليُضيف "إياد" مصطنعًا الدهشة:
+
- ياه للدرجة دي أنت شايفني بتاع نسوان.
+
رمقه "جواد" بنظرات مُحتقرة من أعلى رأسه إلى أسفل قدميه مُردفًا:
+
- وقربت أشوفك بتاع رجالة كمان.
+
أشمئزت ملامح "إياد" ممَ قاله "جواد" مُضيفًا بمزيد من المرح:
+
- لا مليش فى الخشن أنت عارف، ولا عدت هبقى بتاع نسوان كمان، خلاص توبنا إلى الله.
+
ضيق "جواد" ما بين حاجبيه بتعجب مستفسرًا:
+
- ليه جالك عجز؟
+
أجابه "إياد" بهيمنة:
+
- لا بعد الشر، جالي حب.
+
تبدلت ملامح "جواد" من الاستهزاء للضيق والحنق، وسريعًا ما نهض من كرسيه متجهًا نحو نافذة مكتبه مُشيحَا بنظره فى الفراغ مُتنهدا بتأثر مُتمتمًا:
+
- ما هو ده كمان عجز بس مش فى الجسم، العجز ده فى الروح والعقل، بيخليك تايه بين قلبك وعقلك، مش عارف تسمع لده ولا تمشى ورا ده، وقتها بس بتحس قد أيه أنت عاجز وضعيف قدام اللي أنت عايز تعمله واللي المفروض إنك تعمله.
+
شرد بمخيلته وأصبح يتحدث بما يدور فى عقله دون إرادته، حتى لم يلاحظ إنه يتفوه بهذا الحديث أمام "إياد" الذي نسى وجوده بالفعل، لييقظه من شردوه صوت تصفيق "إياد" مُعقبًا بمشاكسة:
+
- الله ده، إحنا بقينا بنتكلم فى الحب أهو، إحنا وقعنا ولا إيه يا عم جواد؟!
+
عاد "جواد" من شروده على سؤال "إياد"، ليلتفت إليه رامقا إياه بضيق من سواله، ولكنه لم يكن يريد أن يتشاجران معا اليوم، ليحاول تغير مجرى الحديث مُستفسرًا:
+
- خلينا فيك أنت، مين دي بقى اللي وقعتك على بوزك؟
+
تبدلت ملامح "إياد" للتوتر والقلق خشية من ردة فعل "جواد" عند معرفته إنه ترك جميع الفتيات وذهب كي يخطب أبنة العائلة التي ربت "ديانة"، ليجيله بتلعثم:
+
- امم.. ملك الصاوي.
+
أمتعضت ملامج "جواد" بالغضب، بالطبع هو يعلم من تكون تلك الفتاة، ليصيك بإنزعاج مستفسرًا:
+
- بنت محمود الصاوي! أنت بتعاديني ولا بتستهبل ولا إيه؟
+
حاول "إياد" تهدئة مُجيبًا بمصدقية:
+
- والله لا دي ولا دي، أنا حبتها بجد.
+
رمقه "جواد" بإنزعاج وكاد أن يُصيح به، ليمنع نفسه متُذكرًا بأنه ليس لديه الحق فى أن يلومه، هو حر، من حقه أن يختار من تناسبه وبالنهاية هي فتاة صغيرة وأهلها لم يكترفا بحقه أى خطأ، بل إنهم أدوا إليه معروفًا وهو الاعتناء ب"ديانة"، ليزجر نفسه سريعًا على تفكيره بتلك الفتاة ولأمتنانه لراعيتهم لها منذ البداية، ليطرد تلك الأفكار من رأسه سريعًا مُعقبًا:
+
- مبروك يا إياد.
+
أبتسم "إياد" إلى صديقه بإمتنان على عدم مشاجراته مُضيفًا بسعادة:
+
- لا مبروك كده بس متنفعش، أنا معنديش صاحب غيرك، هتنزل تنقي معايا البدلة وكل حاجة.
+
تنهد "جواد" بملل، هو لا يروقه هذه التفاهات ولكنه لا يريد أن يُخيب أمال صديقه الوحيد، هو يعلم إنه لا يملك أخًا أو صديقًا غيره، لذلك لن يدعه وحده، ليستسلم "جواد" مُعقبا بملل:
+
- حاضر منا ولي أمر أهلك أنا عارف.
+
ضحك "إياد" على تأفف صديقه ولكنه لاحظ إنه لا يريد أن يزعجه أو يكسر فرحته، ليشعر بالسعادة على إختياره لصديق كهذا.
+
❈-❈-❈
+
كعادته يجلس أمامها يتحدث إليها تارة ويصيح بها تارة أخرى، بينما هي تجلس تستمع لكل ما يقوله دون النطق بحرف واحد، وكيف لها أن تتحدث! فإذا كانت تملُك القدرة على التحدث لكانت أخبرته بما حدث منذ زمنًا طويل، ليهتف هو بهدوء وقلة حيلة:
+
- لأول مرة أحس إنى عايز أتكلم معاكي من غير ما أفكر أنتي مين، من غير حتى شعور الإنتقام، عايز أقول كلام مش هعرف أقوله لحد غيرك، يمكن عشان ضامن إنك مش هتقولى الكلام ده لحد! أو يمكن عشان الكلام ده مينفعش يتقال لحد غيرك.
+
أطرق برأسه أرضًا مُستسلمًا لإخراج ولو جزء بسيط ممَ يحمله بداخله، خصيصًا وإنه لا يستطيع التفوه به مع أحد، و بالأخص "هناء" الذي يندم أشد الندم على زواجه منها، فقد كانت إتفاقية قاسية جدًا بالنسبة له، ولكنه لا يستطيع الآن فعل شيء.
+
ليجد نفسه لا يستطيع التحدث إلا لتلك المرأة التي كانت السبب على كل ما هو عليه اليوم، ليتنهد بحزن مُشاركها حزنه:
+
- ديانة حامل.
+
أتسعت عيني "لبنى" بصدمة ممَ أستمعت إليه، لا تعلم أتشعر بالسعادة كأي أم تفرح بحمل إبنتها وإنها ستصبح جدة! أم تشعر بالشفقة والحزن لأنها تعلم أن هذا الزواج كان بغرض الإنتقام وأن ذلك الحمل بالطبع قد حدث بطريقة بشعة ومُهينة، وقد تكون تلك الطريقة سببت لها الألم والشعور بالذلة والمهانة، لتتهاوى دموع "لبنى" من مجرد تخيل الأمر وما قد يكون حدث لأبنتها.
+
لأحظ "هاشم" دموعها ليُخمن إنها تبكي خوفًا على إبنتها ومن أن يؤذيها أحد هي أو جنينها، ليبتسم باستهزاء لا يدري على بكائها أم على نفسه؟ إنه لا يقدر على إيزاء ذلك الجنين، فهو أول من ينتظر قدومه حتى يُخفف من حزنه كل تلك السنوات ويكون العوض على كل من فقدهم منذ سنوات عدة، ليهتف بضعف:
+
- متعيطيش يا لبنى، أنا مش هأذي حفيدي أبدًا، كفاية إنه هيكون من صُلبى أنا وشرف.
+
تهاوت بعض الدموع من عينه مُكملًا:
+
- ويمكن يكون عوض من ربنا عن كل اللي خسرتهم زمان.
+
لم تستطع "لبنى" التحكم فى نحيبها وسريعًا ما ألقت بنفسها تحت قدمى "هاشم" مُقبلة إياهما ببكاء وراحة فى آنٍ واحد، فيمكن أن يكون وجود هذا الطفل هو طوق النجاة بالنسبة لإبنتها وأيضا سيكون العوض عن جميع من فُقدوا منذ زمن طويل.
+
أغمض "هاشم" عينيه بضعف وحيرة شديد من بين أن يضمها إلى صدره ويصرخ إلى أن يتخلص من كل ذلك الألم؟ أم يضمها بقسوة وعنف إلى أن تُحطم عظامها وتخرج روحها من جسدها؟ ليجذبها بالنهاية من شعرها مُعقبًا بمزيج من الغضب والضعف معًا:
+
- أنا بكرهك يا لبنى، بكرهك بس مش عارف إيه اللي حيشني عن قتلك، كل ما أحاول أضعف، بس أوعدك إني هتخلص من الضعف ده قريب، لأن مينفعش أنا وأنتي نبقى على نفس الدنيا.
+
دفعها "هاشم" بعيدا عنه هاربًا من ذلك الضعف والحيرة الذي يشعر بهما، بينما هي ظلت تُتابعه ولأول مرة تشعر عليه بالشفقة،هى تعلم إنه لطالما كان شخصًا جيدًا، ولكن ما حدث فى ذلك اليوم قد أخرج أسوء ما فيه، وهو حتى لا يعلم حقيقة الأمر.
+
ولكن ما تخشاه هو حدوث ما كانت تحاول منع حدوثه منذ سنوات طويلة، فذلك لن يكون سهلًا على أيًا منهما، لتتنهد رافعة وجهها للسماء داعية بداخلها أن تنكشف الحقيقة قبل فوات الأوان.
+
❈-❈-❈
+
بعد مرور شهرين..
+
- مينفعش كده يا مالك.
+
صاحت فيه بكثير من الخجل بعد جملته المتغزلة تلك والتي سببت لها الكثير من الإحراج، ليصطنع هو البرأة مُستفسرًا:
+
- هو أنا قولت حاجة؟
+
اندهشت من وقاحته ومراوغته التي يتعامل بها لتزجره بحدة:
+
- يا سلام كل ده ومقولتش حاجة!
+
لقد راقه كثيرًا مُشاكستها وإشعارها بذلك الخجل، إنه يشعر وكأنه يجرب تلك الأشياء لأول مرة مع فتاة، ليستمر فى مشاكستها:
+
- كل ده عشان قولتلك إن طعم شفايفك وحشاني! أومال لو أتكلمت عن حضنك بقى هتعملي أيه؟
+
أتسعت عينيها بصدمة، إنها تعترف هو حقا وقح إلى درجة لم تكن تتخيلها، ولكنها تعلم جيدًا إنه يمزح معاها، فما عاصرته معه الفترة الماضية يُثبت لها إنه شخصًا جدي ولا يتلاعب بها.
+
حتى إنه طلب منها أن يأتي ويطلبها لزواج من والدها، ولكنها هي من منعته وأخبرته أن الوقت ليس مناسبًا لهذا، وعليهم أن ينتظروا لبعضًا من الوقت.
+
ولكن كيف عليها أن تتعامل مع وقاحته وإنحراف لسانه هذا، يجب أن توقفه عند حده، لتصيح زاجرة إياه بإنفعال:
+
- احترم نفسك بقولك يا مالك بدل ما أقفل السكة فى وشك.
+
أصطنع الحزن مستفسرًا:
+
- وههون عليكي!
+
قابلته بنبرة حزمة مُحاولة عدم الإنجراف والضعف أمام صوته الحزين مُعقبة:
+
- أه عادي يعني تهون، ما أنت قليل الأدب ومش راضي تلم نفسك.
+
- تلم نفسك؟ وقليل الأدب! عارفة أنتي لو قدامي دلوقتي، كنت كلتك قلمين بس مش على وشك.
+
فطنت ما يقصدة بكلماته تلك وسريعًا ما توهج توجهها إحمرارًا وأرتفعت حرارته، وشعرت بكثير من الإرتباك وصاحت فيه بتلعثم:
+
- تصدق.. أنا فعلا أستاهل قلمين على وشي عشان بكلمك، إنما أنت بقى تستاهل جذمتين على دماغك بسبب وقاحتك دي، متكلمنيش تاني.
+
أغلقت "زينة" المكالمة مرة واحدة وألقت الهاتف بعيدًا عنها، بينما "مالك" ظل يضحك على ردة فعلها إلى أن أدمعت عينه، يبدو أن قطته سريعة الخجل، سينتظر يوم خطوبة شقيقته بفارغ الصبر.
+
❈-❈-❈
+
بعد مرور أسبوع..
+
كان كلا من "ديانة" و"زينة" تستعدان للذهاب إلى حفل الخطبة وذلك بعد خروجهما معا للتسوق وشراء كل الأغراض التى سيحتجان لها وشرعا فى تجهيز نفسهما.
+
أنتهت "زينة" من أرتداء فستانها الأسود الرقيق دون حمالة مكشوف الصدر والاكتاف مُنسدلا إلى نهاية قدميها مُرتدية فوقه شال حريرى شفاف باللون الأسود، أستعانت بتصفيفة شعرًا بسيطة وهي جعل شعرها مُموج واضعة إياه بجانب واحد، مُضيفة عليه تلك الشعرات البسيطة القصيرة التي تصل إلى نهاية جبهتها، وأتمتت أناقتها بوضع القليل من مُستحضرات التجميل التي زادتها جمالًا والوانها المناسبة لهذا الفستان، لتصيح بعجلة موجهة حديثها نحو "ديانة" التي مازالت تستعد مردفة بحماس:
+
- يلا بقى يا ديانة كل ده بتلبسي، دا أنتي لسه فى الرابع أومال لما تبقي فى التاسع هتعملس إيه! هنلبسك إحنا؟
+
خرجت "ديانة" من غرفة تبديل الملابس مرتدية ذلك الفستان الرمادي اللامع ذو الأكتاف المُغطاه قليلا، كاشفًا ذراعيها ورقبتها، والذى يصل إلى نهاية ركبتيها مُضيفة عليه ذلك الحزام الذي برز مفاتنها وزادها جمالا، أستعانت بتصفيفة شعر بسيطة وهى انها جعلت ثلثان شعرها بإحدى الجانبي والثلث الاخر بالجانب الأخر، وأتمت زينتها بإستخدام مستحضرات التجميل وقامت بعمل رسمة عين قوية وجريئة إلى حد ما بالإضافة إلى زراق عينيها.
+
أتسعت عينى "زينة" بصدمة مُصفرة بإعجاب على أناقة وجمال "ديانة" مُعقبة بمدح:
+
- إيه الحلاوة والجمال ده كله، لا دا أنتي كده هتخطفي الأنظار أكتر من ملك.
+
أبتسمت "ديانة" على كلمات "زينة" ظنًا منها إنها تُبالغ مردفة بحب:
+
- أنتي أحلى يا قلبى، وبعدين مش للدرجة دي يعني، أنا لو خطفت الأنظار هخطفها بالبلبلونه اللي فى بطني دي.
+
ضحكت "زينة" على كلماتها مُضيفة بتوضيح:
+
- طبيعي يا بنتي عشان حامل، وبعدين أنتى كده مش باينه لسه و...
+
قطع حديثها صوت طرقات على الباب، لتهتف بهدوء:
+
- أدخل.
+
دلف "جواد" إلى الغرفة وبمجرد أن وقعت عينيه على "ديانة" تسمر مكانه وقد غاب عقله عن الوعي من شدة جمالها وأناقتها، ظل ينظر إليها مُتفحصًا إياها وكأنه لم يرى أنثى من قبل! حتى إنه لم يستطيع الأشاح بنظره بعيدًا عنها، كيف له أن يترك هاتين الساقين الممشوقتين وذلك الخصر الذى أذاب عقله، وتلك الجرأة والتحدي التي تندلع من زرقاوتيها، يُقسم بداخله إنه لو كان معها الأن بمفردهما لكان أشفق عليها مما سيفعله بها، ليفيقه من شروده صوت شقيقته:
+
- جواد، روحت فين؟!
+
فاق من شروده مُحمحًا بارتباك نجح فى إخفائه وقد أشاح بنظره بيعدًا عن "ديانة" حتى يستطيع السيطرة على نفسه، ليعقب بهدوء موجها حديثه نحو "زينة":
+
- لا أبدًا صفقة كده شاغله تفكيري شويه.
+
رمقته "زينة" بعدم تصديق، فهى لاحظت تلك النظرات المتفحصة التي كان ينظر بها نحو "ديانة"، لتبتسم بمكر مردفة بتهكم:
+
- لا واضح فعلا، مش يلا بينا طيب ولا ايه؟
+
ضيق "جواد" ما بين حاجبيه رادفا بأستفسار
+
- يلا إيه؟
+
أبتسمت "زينة" بمرح على سؤال شقيقها،فهما انتهيا من أرتداء ملابسهما، يبدو إنه لم تُدرك معنى حديثه، لتُردف بتوضيح:
+
- يلا نروح الحفلة! إحنا خلاص خلصنا.
+
ظل يتجول بزرقاوتيه بين شقيقته وزوجته مُتفحصًا فستانيهما التي لا تخفيان شيئًا بالنسبة له، ليحول نظره نحو "زينة" مرة أخرى مُردفًا بحنق:
+
- خلاص أيه مش فاهم! هتروحوا كده؟
+
أمتعضت ملامح "ديانة" من تعليقه على ملابسها وهو حتى لا يملك الحق فى النظر إليها، فهى تكرهه كثيرًا ولا تحتمل مجرد وجوده معاها بنفس المكان، ولكنها ظلت صامتة حتى لا تفتح معه مجالا للحديث، لتهتف "زينة" موجهة حديثها نحوه مرة أخرى:
+
- مالها الفساتين يا جواد وبعدين فى الشالات لسه هنلبسها.
+
رمقها بأستهزاء مُضيفًا بتهكم:
+
- طب ما أيه رأيك تروحوا من غير هدوم خالص، ومش هتفرق حاجة عن اللي أنتوا لابسينوا ده.
+
طفح الكيل يجب أن توقفه عند حده، من يظن نفسه ليتحدث إليهما بتلك الطريقة؟ كادت "ديانة" أن تصيح فيه ليقاطعها صوت رنين هاتف "جواد"، ليتفقد "جواد" هاتفه ليجده والده، ليغمض عينيه ويبتعد عنهم قليلا مُجيبا والده مُردفًا بإقتضاب:
+
- نعم.
+
أتاه صوت والده مُستفسرًا:
+
- أنت فين؟
+
أجابه بمزيدًا من الأقتضاب:
+
- فى الفيلا لسه.
+
أضاف والده أمرًا إياه بتحزير:
+
- طب يلا متتاخرش وسوق بالراحه عشان ديانة.
+
أمتثل لأمر والده مُردفًا:
+
- حاضر.
+
أنهى المكالمة مع والده ورجع إلى شقيقته بعدما عزم على أن ينهي ذلك اليوم دون شجار، ليعقب مُوجهًا الحديث نحوهم هما الأثنا بملامح باردة:
+
- أنا فى العربية دقيقتين وتكونوا تحت.
+
❈-❈-❈
+
تجلس بجانبه فى المقعد الخلفي للسيارة بينما السائق يقودهما إلى بيت عائلة "ملك"، لتمتعض ملامحها بضيق وحنق وخصيصا بعد مكالمته ل"جواد" وتحذيره فى الحرص على سلامة تلك الفتاة التي تود خنقها، والأن يجب عليها أن تذهب لحضور حفل خطبة ذلك المعتوه الذي يُدعى "إياد" وتلك الساقطة إبنة تلك العائلة التي ربت تلك الفتاة الملعونة، لتزفر بحنق مُستفسرة:
+
- هو أحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟
+
حول "هاشم" نظره إليها بعد أن أفاقته من شروده وكثرة تفكيره الذي لا يرأف به، ليحمحم بحرج هاتفًا:
+
- معلش يا هناء كنت سرحان مخدتش بالي، كنتي بتقولي إيه؟
+
أغمضت عينيها بملل بسبب كثرة شروده، فهى لأحظت بالأيام الماضية إنه يشرد كثيرًا وتضطر لإعادة حديثها مرة أخرى، لتبتلع بحنق مُرددة بإنزعاج تُحاول إخفائه:
+
- إحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟
+
تنهد "هاشم" زافرًا كل الهواء من رئتيه وكأنه يريد إنعاشها بهواء آخر نظيف مُجيبًا بهدوء:
+
- عشان إياد عندى زي جواد وزينة بالظبط، لأنه مش بس صاحب جواد، لا ده أبوه كمان كان صحبي وزي أخويا، وبعد ما مات هو ومراته إياد بقى مسؤل مني خصوصًا إنه ملوش حد خالص، إزاي بقى أسيبه فى يوم زي ده؟
+
أومأت برأسها بملل مُعلنة عن تفهمها لحديث "هاشم" الذي لم تكترث له، فتلك المشاعر قد ماتت بداخلها منذ زمن طويل ولم تعد تتأثر بتلك التفاهات، لتُغير مجرى الحديث مُستفسرة:
+
- هو أنت بجد مُهتم بموضوع الجنين ده؟
+
سريعًا ما عقب "هاشم" بكثير من اللهفة:
+
- مهتم جدًا كمان، وعمرى ما هسمح إنه يتأذي مهما حصل.
+
أمتعضت ملامحها بحنق مردفة بإعتراض:
+
- بس ده أبن ديانة يا هاشم!
+
ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بضيق وإنفعال مُصيحًا بحدة:
+
- حتى لو أبن ديانة يا هناء، الطفل ده حفيدي أو حفيدتي، ومش هسمح لأى حاجه تأذيه أو تأثر عليه، حتى لو أضطريت إنى أحمي ديانة بنفسي عشان الطفل ده هعملها، ومش عايز أسمع ولا كلمة زيادة فى الموضوع ده.
+
أعتلت ملامح الغضب والكراهية وجه "هناء" تجاه ذلك الطفل الذي أوشك على أن يُخرب لها كل مُخططاتها حتى من قبل أن يولد، بل يجب أن لا يولد، يجب عليها التخلص من ذلك الطفل بأسرع وقت حتى لا تخسر بمعركتها تلك، وبعدها تٌعيد "جواد" إلى طاعتها مرة أخرى.
+
❈-❈-❈
+
وصل الجميع إلى منزل عائلة "ملك" وتبادلا التهاني وبمجرد أن وقعت عين "منال" على "ديانة" أسرعت إليها وأحتضنها بكثير من الحب والأشتيقاق مُعقبة:
+
- يا حبيبة قلبى وحشتيني وحشتيني أوي.
+
بادلتها "ديانة" العناق وقد أمتلئت زرقاوتيها بالدموع لا تعلم إن كانت تلك دموع الحزن والقهر التي عاشتهما بعيدًا عنهم؟ أم تلك دموع الأشتياق الذي مزقها طوال تلك الأشهر بعيدة عن حضن والديها التيض لم تفارقهما منذ أكثر من عشرون عاما؟ لتهتف "ديانة" بصوت منخفض من بين دموعها:
+
- وأنتي كمان يا ماما وحشتيني أوي.
+
خرجت من عناق "منال" على صوت "محمود" الذي يقف خلفها منذ أن رآها وهي تتوجه نحو "منال" وأسرع للقائها والأطمئنان عليها، هتف بحنان أبوى وهو يربت على ظهرها:
+
- طب وبابا موحشكيش هو كمان؟
+
أسرعت "ديانة" بدفن وجهها بصدر "محمود" مُتشبثة به كالأطفال ولم تتحكم فى دموعها بسبب شعورها بالراحة والأطمئنان، حقا لا مثيل لحضن الأم ولكن لا يوجد أأمن من عناق الأب، فهو له مذاق أخر مملؤ بالراحة والأمان والطمئنينة، لتهتف بنحيب:
+
- مقدرش متوحشنيش يا حبيبي، وحشتني أوي أوي.
+
خرجت "ديانة" من عناقه بعد وقت ليس بقليل، ليضع يده على بطنها مبتسما بسعادة كبيرة مُعقبًا:
+
- بسم الله مشاء الله، ربنا يكملك على خير يا بنتي وتقومي أنتي واللي فى بطنمك بألف سلامة يارب.
+
كان كل ذلك يحدث تحت أنظار "جواد" الذي يقف بجانب والده وقد رأى كيف يضمها ذلك العجوز ويضع يده على بطنها أيضا، لقد طفح الكيل يجب عليه إقافه عند حده، كاد "جواد" أن يتجه نحوهم ليمنعه والده الذي لاحظ ما يحدث عندما تغيرت ملامح وجه "جواد"، ليمسك بيده مُتمتمًا بهدوء:
+
- أهدى شويه فى ناس حولينا، متنساش إنها حامل وكمان ده فى مقام أبوها بردو، ولو حصلت حاجه مش عجباك أبقى حاسبها عليها بعد الولادة دلوقتي لا.
+
ضيق "جواد" ما بين حاجبيه مندهشًا من حديث والده كيف يمكن أن يكون ذلك الطفل سبب تغير والده بكل ذلك الشكل، هل حقا يمكن أن يكون ذلك الطفل نقطه التحول بحياة الجميع؟ ولكن كيف! هل سيُعيد ذلك الطفل والدته وجنينها؟ هل سيشفى عمته من عجزها؟ هل سيُحيي عمه الذى توفى بسبب تلك الصدمة؟ هل سيمحي طفولته المريرة التي عانها بسبب عدم وجود والدته وجعل "هناء" هى من تتحكم بأمره؟ كلا هناك أشياء لا يُمكن تغييرها ولو بعد مئات الاعوام.
+
❈-❈-❈
+
خرجت من المرحاض بعد أن هندمت هيئتها لتجد يد قوية وواضح جدًا إنها لرجل ووضعت على فمها من الخلف والأخرى تسحبها نحو إحدى الغرف المُجاورة، ليقوم بدفعها داخل الغرفة وسريعًا ما أغلق الباب عليهما لتشعر بالقلق والرهبة، ولكن عندما رأت وجه لكزته فى معدته بغضب وقد شعرت بقليل من الراحة:
+
- أنت مش هتبطل حركاتك دي بقى؟
+
ألتقط "مالك" يدها قبل أن تلكزه مرة أخرى وهو يُطالعها بكثير من الحب والأعجاب مُضيفًا بعزل:
+
- وأنتي مش هتبطلي تخطفي قلبي كده بحلوتك دي؟
+
أكتست الحُمرة وجه "زينة"، فهى ليست كالفتايات الذين يخجلن بسهولة، ولكن كلماته تلك مع وجودهما بغرفة واحدة مُغلقة عليهم وطريقته التي أحضرها بها، كل ذلك جعلها لا تستطيع أن تُسيطر على إحمرار وجنتيها، ليلاحظ هو خجلها ويقترب منها أكثر مُعقبًا:
+
- بالرغم من إني أول ما شوفتك بالفستان ده كنت عايز أخدك من جمب أبوكي وأخوكي وأخبيكي عشان محدش يشوف كل الجمال ده غيري، إلا إني مقدترش أعمل حاجه من كتر منا مكنتش عارف أشيل عيني من عليكي أو حتى أغمضها، أول ما شوفتك حسيت إني عايز أخدك فى حضني ونبعد عن كل الناس ومحدش يشوفك غيري، أنا مكنتش متخيل أني هحبك بالشكل ده يا زينة!
+
أقترب منها كثيرًا وسريعًا ما ألتقط شفتيها، حتى إنه لم يترك لها فرصة لكى تُصدم بل أبتلع شفتيها بكثير من الرغبة واللهفة، بينما هي ظلت تترجع للخلف مُحاولة التخلص منه ولكن دون فائدة، فكلما رجعت للوراء تقدم هو إليها إلى أن ألتصقت بالحائط خلفها وإلى تلك اللحظة لم يتخلى عن أمتصاص شفتيها.
+
تُحاول دفعه بعيدًا عنها ولكن دون فائدة، وبالنهاية خارت قواها مُستسلمة لما تفعله بها شفتيه، وبعد وقت ليس بقليل أبتعد عنها وهو يلعن بداخله ذلك الهواء الذي أحتاج له كلا منهما.
+
شهقت هي لكثرة إحتياجها للهواء وأخذت تُحاول تنظيم أنفاسها، بينما هو لم يبتعد عنها كثيرًا وبمجرد أن لاحظ إستقرار أنفاسها عاد ليقبلها مرة أخرى، ولكن تلك المرة بادلته رغمًا عنها، فهى الأخرى تحبه كثيرًا وتشعر بالكثير من المتعة بالقرب منه أو ملامسته.
+
ليظن الأخر أن تلك إشارة منها على موافقتها لأقترابه منها، وبلحظة أمتدت يده نازعة عنها ذلك الشال الشفاف الذي لا يُخفي شيئًا، ولكنه يمنعه من ملامسة جسدها.
+
شعرت هي بنزع شالها لتتسع عينيها بصدمة ولكن سريعا ما أذابتها يد "مالك" التي أحتوت خصرها وسريعا ما أخذت طريقها إلى الجزء المكشوف من ظهرها مُتحسسا إياه، وهو لايزال يلتهم شفتها برغبة تزداد مع كل لمسة، ليفرق بين شفاتيهما أخذًا طريقه نحو عنقها مُلثما إياه ببعض القُبل الحارة والمليئة بالشبق، لتغمغم "زينة" من بين تيهتها:
+
- ما..لك أبعد..أرجوك.
+
لم يكترث إلى غمغماتها وأخذ يوزع تلثيماته على عنقها ونحرها، بينما يده لم ترأف بها وظلت تتحسس ظهرها، ولم يكتفى بذلك القدر بل يزداد إثارة ورغبة بالحصول على المزيد، ليقوم بفتح سحاب فستانها الذي يبدأ من منتصف ظهرها إلى أسفله.
+
أنتفض جسدها أثر ما يقوم به وقبل أن تقوم بأية ردة فعل، قطع عليهم تلك اللحظة الحميمة صوت طرقات على باب الغرفة، لينتفض على أثرها جسد "زينة" دافعة إياه بعيدا عنها.
+
عدل من مظهره مُتجها نحو باب الغرفة لاعنًا الطارق ويتمنى لو أن يقتله بيده، فتح الباب ليجدها العاملة تخبره بأن أحدهم يسأل عليه:
+
- معلش يا مالك يا أبني واحد صاحبك بيسأل عليك برا.
+
أغمضت عينيه بغضب لازع لاعنًا جميع أصدقائه بداخله مُعقبًا بضيق:
+
- قوللهم دقيقتين وجي يا دادا.
+
أغلق الباب وسريعًا ما عاد إلى "زينة" مرة أخرى ليجدها بالفعل أغلقت سحاب فستانها وأرتدت شالها وعدلت من مظهرها، ليعقب بضيق وحنق:
+
- أنا هقطع علاقتي بصحابي كلهم.
+
شعرت "زينة" بالخجل ممً حدث، لتجده يُحاول الأقتراب منها مرة أخرى، لتدفعه بعيدًا عنها وسريعًا ما أتجهة نحو باب الغرفة هاربة منه، ليلتقط "مالك" سترته مُتمتمًا بإنزعاج:
+
- ملعون أبو صحابي كلهم.
+
يتبع...