اخر الروايات

رواية متاهتنا الفصل السابع 7

رواية متاهتنا الفصل السابع 7 

الفصل السابع: أحبيني الليلة!

                                    
   استرخت أندريا داخل الحوض محاولة التخلص من قلقها، داعبت فقاعات الصابون بأناملها و نفخت على إحداها مبتسمة حين دخلت أغنيس حاملة مقصا و صرحت بحماس:

+


   -حان وقت طقس الخصلة سيدتي.

+


   حدقت بها أندريا مستعجبة، و انتابها شعور أن أغنيس و فيليبا و ألكسندروس مصرون على تحويلها إلى فتاة يونانية بأي ثمن!

+


   -ماذا الآن يا أغنيس؟

+


   -لا بد أن تقص العروس جزءً صغيرا من إحدى خصلات شعرها.

+


   أضافت الخادمة و هي تتكئ على حافة حوض الاستحمام بوركها، و تتناول خصلة طويلة لتقتطع منها الجزء المطلوب، ثم علقت بصوت حالم:

+


   -قص هذه الخصلة يعني أن العروس ستترك عذريتها للرجل الذي تحب!

6


  سرت قشعريرة في سائر اطرافها و امتدت حتى رأسها، و تابعت أغنيس تمتماتها كأنها في عالم آخر:

+


   -في طروادة كانت العروس تقص خصلة من شعرها، و تستحم في نهر إسكاماندرا العظيم مرددة: "يا إسكاماندرا... خذ عذريتي!".

+


   ضحكت أغنيس و غادرت الحمام متمتمة:

+


   -لا تطيلي البقاء في الحوض أيتها العروس!

+


   حين جففت أندريا شعرها جمعته خلف عنقها و ثبتته بدبابيس تماثله في السواد، ثم استدارت نحو السرير ففوجئت بعلبة ذهبية غريبة فوقه، فتحتها و اتسعت عيناها و هي تجد أجمل فستان زفاف رأته في حياتها، كان من المخمل الرفيع، تغطيه أحجار الماس الأبيض الدقيقة بشكل يحبس الأنفاس، دخلت أندريا في حالة ضياع و هي تلمح حذاء ماسيا يظهر من تحت الفستان، و إلى جانبه علبة مجوهرات من الماس أيضا، لم تعثر على بطاقة، و انتظرت قدوم أغنيس لتسألها، لكن شيئا ما شغل الخادمة، فابتلعت ريقها و هي تتصل بألكسندروس.

+


   -مرحبا!

+


   -ألكس...

+


   -نعم حبيبتي!

+


   جعلتها نبرته الحارة ترتجف، لكنها خمنت أن قريبته كونستانس بجانبه، و إلا لما أجابها بتلك الطريقة، تنحنحت و هي تقول:

+


   -هل رأيت الفستان الذي أرسله سانتوس؟ أعني... هل لديك فكرة عن شكله؟

+


   -طبعا عزيزتي لأنني انتقيته بنفسي! فكرت أن الماس أنسب شيء على زوجتي الفاتنة.

2


   هضمت أندريا صدمتها و ودعته شاكرة باقتضاب، إنها لا تفهم شيئا! دخلت أغنيس في تلك اللحظة على سيدتها، فصاحت أندريا بتوتر أذهل الخادمة:

+


   -أغنيس متى وصلت هذه العلبة الذهبية؟!

+


   -وصلت هذا الصباح، أحضرها السيد سانتوس بنفسه و اعتذر قائلا أن عامل المحل أرسلها إلى العنوان الخطأ أمس!

+


   لقد فهمت إذن لِمَ سألها ألكسندروس عن وصول الفستان البارحة، أحبت أندريا الفستان الماسي أيضا، كانت طرحته مشابهة للأخرى أو أطول بقليل، و لم تكن له أكمام من الدانتيل، لم تكن له أية أكمام، فقط انتشرت فوق الذراعين جدائل رفيعة من الحرير الأبيض و حبات الماس الصغيرة وصولا إلى ما فوق الرسغين، و تميزت قصته العلوية بظهر منخفض، و قبة أوسع من الفستان الآخر، فتحتها منحرفة لأسفل باتجاه الصدر، و منحدرة نحو الكتفين بصفَّين من الورود الصغيرة المطعمة ببريق الماس! استخرجت القطعة الباهرة متخذة قرارها، سترتدي الفستان الذي اختاره ألكسندروس، ربما أحبت الأول لبساطته و جماله الهادئ، لكن انتقاء خطيبها موفق بشكل أذهلها، المقاس مناسب، و الطرحة مثالية، ثم إن ألكسندروس حقق أمنية لم تصرح بها، اشترى لها الفستان و الحذاء كما هو متوقع من رجل يوناني أصيل! 

1



 
                
   شهقت فيليبا حين دخلت الغرفة و رأت أختها الكبرى في أبهى حلة! بدت كألهة يونانية حقيقية، عقدت حول خصرها الزنار الأحمر كما تقتضي العادات و علقت بتأثر:

4


   -سيسرُّ أبي بقص زنار عروسنا الفاتنة!

+


   ذرفت أندريا دمعة حين تذكرت أن والدها غائب عن أجمل يوم في حياة ابنته! فاعتذرت فيليبا بخجل:

1


   -سامحي لساني المنفلت أختاه!

+


   ابتسمت أندريا بعقل مشوش، و جلست أمام المرآة لتزين وجهها، فرغت بعد وقت قصير من ذلك، فاستقامت بجسد مرتعش و خطت نحو الحذاء، أنزلت قدميها في الفردتين، و أسدلت الطرحة أمام وجهها منتظرة وصول العريس.

+





   ربما أهان ألكسندروس رباطهما بشكل جارح في مناسبات عدة حين كانا ينفردان ببعضهما، لكنه و من جهة أخرى أعزَّ من قدر ذات الرباط أمام الملأ، و أثبت أنه يوناني حتى العظم، و أن الحياة الأمريكية في السنوات العشرين لم تقتلع اليونان من جوفه، أحبت أندريا إصراره على الافتخار بأصله، و سحرتها العادات التي لم يهملها في الزفاف. كان قد ارتدى بدلة بيضاء أبرزت سمرته الجذابة أكثر، وقفا في مواجهة بعضهما بعدما سارت نحوه تحت الحجاب الأبيض متأبطة ذراع بافلوس، استلم ألكسندروس يد أندريا ناظرا إليها من فوق الستارة البيضاء التي تشف بعضا من ملامح خجلها الساحر و رقة نظراتها المتوترة! و لم يفته أن يمرر بصره على الفستان الذي ناسبها بشكل حبس أنفاسه.

+


   -السيد و السيدة ليفانوس، أصبحتما الآن زوجا و زوجة، يمكنك أن تقبل العروس!

1


   عند أذيال تلك العبارة رفع ألكسندروس طرحة كانت تحجب عنه جمالا ساحرا! أخذ شفتيها الناعمتين في قبلة قصيرة، فكانت فيليبا أول من صفق، ليتبعها الحاضرون في تصفيق حاد و هتافات مباركة!

1


   نالت الأطباق الشعبية المعدة من فريق الطباخين الذي طلبه ألكسندروس إعجابا واسعا، نصبت الموائد المحملة بالأطايب في كل مكان، و وزعت المشروبات و الحلوى المحشوة باللوز على الضيوف. خطفت المظلات الملونة التي غطت حديقة الفيلا الأبصار، و تأثرت أندريا و هي تحمل قطع السكر كرمز للحياة الحلوة، و كادت تبكي حين قص بافلوس زنارها الأحمر! 

+


   اشتعل الحفل لاحقا بحلقات الرقص اليونانية الشهيرة التي ألهبت الأجساد و حركتها يمينا و يسارا، ثم حل الليل فبدأ فصل تكسير الأطباق الذي يرمز لتمني السعادة في حياة الزوجين، و لاحظت أندريا مذهولة أن ألكسندروس حطم أكبر عدد من الأطباق وسط تصفيق و تصفير و هتافات لا تنتهي! لتتأكد أن الزواج في اليونان له رونقه الخاص، طيف الروحانية يغلف كل طقس، و آثار الحب و الوفاء عالقة حيثما نظر المرء، خشيت أندريا خلال الحفل الذي ٱقيم في الفيلا أن تنظر نحو زوجها فلا ترى شيئا من كل ذلك، لكنها حين التفتت إليه بعفوية، وجدت أنه جميل و هادئ، تحيط به هالة الغموض المعتادة، و تنبع من حركاته الواثقة الأصالة و الرجولة، و كان ذلك كافيا لتبتسم له بفرحة صادقة!

+


   تمسكت بيده لساعات، و حين راقصها التصقت به كأنها تخشى الضياع بين الراقصين... وسط متاهة مخيفة! احتضن جسدها بحنان، و همس دون مقدمات:

+


   -أحبيني الليلة!

13


   تغلغلت تلك العبارة إلى أعماق روحها، و دغدغت فم معدتها، حملها ألكسندروس فجأة نحو السيارة، و تصايح البقية مشجعين ذلك المشهد الرومنطيقي الجريء، فأخفت أندريا وجهها الخجل في صدره، و سمعته يقول و هو يضعها على مقعدها:

+


   -سنذهب لشقتي في أثينا!

+


   شعرت أندريا بقلبها يسقط منها، و أن صوتها ضاع للأبد، أدار ألكسندروس محرك السيارة و نظر إليها مبتسما:

+


   -المسافة قصيرة جدا!

+


   و بدلا من أن يريحها تصريحه، اضطربت أكثر، و مضت تحفر بأظافرها في باطن يديها بلا رحمة، ستكون لوحدها برفقة زوجها ألكسندروس ليفانوس... الليل بطوله!

+


نهاية الفصل السابع.

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close