اخر الروايات

رواية متاهتنا الفصل الثامن 8

رواية متاهتنا الفصل الثامن 8 

الفصل الثامن: دموع الإله تعكس الحب!

                                    
   بعد طريق طويل من الفيلات الجميلة و البنايات المتلألئة، برز في النهاية منزل أبيض من طابقين، تزينه أحجار الطوب الزرقاء و ٱصُص الزهور المختلفة المعلقة على الجدران و الشرفات و التي فاح عبيرها هنا و هناك، أوقف ألكسندروس سيارته، و ترجلا منها صامتين، خمدت الأصوات كلها، و ربما لم تسمع أندريا سوى طقطقات حذائيهما، و همهمات السيارات البعيدة، و قرع الطبول في قلبها أيضا.

3


   شعرت به يقترب و بيديه تلتفان حول خصرها و فخذيها، و وجدت نفسها مرفوعة بين ذراعيه مجددا، حجب الليل نظراته عنها، و غلف تعابير وجهه الغامضة. تشبثت بعنقه جيدا و هو يحملها و يتقدم نحو البيت، كان الجو حارا، و الأرجاء ساكنة، نظرت أندريا حولها متوقعة وجود خدم في بيته، فتمتم ألكسندروس بعدما خمن تفكيرها و هو يصعد بها إلى الطابق الثاني:

+


   -نحن وحدنا الليلة!

+


   إن كانا وحدهما لماذا إذن يحملها كزوج محب و سعيد لانفراده بمحبوبته؟ لماذا لا يقسو و لا يزدري و لا يسخر كما هو متوقع منه؟ لماذا؟ انتهت السلالم فخطا وسط ممر واسع ثم انحرف يمينا و ضرب أحد الأبواب بقدمه، فتذكرت أندريا حين شبهته بمحاربي إسبرطة، لا بد أن أحد أجداده كان كذلك!

+


   ابتسمت لفكرتها، فلاحظ ألكسندروس ذلك و هو يدخل الغرفة، و قال:

+


   -هكذا ابتسمتِ أيضا في الحفل!

+


   جالت أندريا ببصرها في تلك الغرفة فاغرة الفم، المرآة مزينة بمصابيح صغيرة أضواءها خافتة، و على طاولة الزينة شموع و بتلات ورود بيضاء، كانت الزينة بسيطة و حميمة، السرير الأبيض واسع و فارغ، و الأرضية المصقولة تلمع عاكسة أنوار الشموع و المصابيح الصغيرة و ماسات ثوبها. استطرد ألكسندروس بلطف:

+


   -أنظري! كل شيء في هذه الغرفة يرمز للعذرية، للبساطة، للعاطفة النبيلة، لك أنتِ!

6


   دار رأسها فوق كتفيها من روعة الكلمات التي أصابت قلبها بدقة، جلس ألكسندروس على طرف السرير دون أن يفلتها، فإذا بها مستلقية في حجره كطفلة، أخذ أصابعها البيضاء الممشوقة و وضعها على فمه مطبقا جفنيه، فجن قلبها و تخبط داخل أسواره بجموح، تمتم و أنفاسه الحارقة تنتشر بين فراغات أصابعها كأنه في دنيا من الوهم:

4


   -أخشى أن تكوني حلما!

7


    شعرت أندريا بالحنان تجاهه، أطاعت رغبتها بلمس شعره الأسود، و أغرقت أصابع يدها الأخرى بين خصلاته المتهدلة، فرفع ألكسندروس جفنيه، و غمرها بنظرة طويلة، كانت عيناه العسليتان عميقتان إلى حد لا يمكن وصفه، نظر بهما إلى شعرها الداكن المجتمع خلف عنقها، و عينيها البنيتين العاكستين للمعة الأضواء، و فمها المرتجف من الإثارة، و عظام جيدها البارزة، ثم مرر أنامله برقة فوق المجوهرات التي أهداها إياها قائلا:

+


   -هل تعلمين أنك ترتدين دموع الإله التي تعكس الحب؟

+


   حدقت فيه حائرة، فتابع مداعبا قبة الفستان المتوجة للصدر، متحسسا الأحجار الصغيرة وصولا إلى الخصر:

+


   -هذا ما يرمز له الماس في بلادي!

+


   أمسكت أندريا أنفاسها بدهشة، رمزية الماس الذي اختاره لها أذهلتها و خطفت قلبها، لم تستطع أن تنظر إليه كعدو، كشخص تخلى عنها يوما ما، أو كرجل صلف اشتراها بكل برودة و تزوجها تحت التهديد! بحثت عن أي أثر للقسوة و لم تجد، كل ما وجدته في أنفاسه و كلماته و نظراته هو... الحب!

+


   فاضت الدموع من عينيها فجأة، فأزالها ألكسندروس بسرعة و هو يمددها على السرير، و قال مبتسما:

+


   -لا ترتدي دموع الحزن الليلة! إنها تزيدك فتنة، لكنها تحجب ابتسامة عروسي عني!

1


   انحنى فوقها و مضى يلثم بشفتيه آثار الدموع على وجهها برقة بالغة، راح جسدها يرتعش، و صدرها يعلو و يهبط بأنفاس قوية، و اكتشفت أندريا أن ذراعاها امتدتا حوله و طوقتا ظهره برغبة قوية، تلاشت المسافة بينهما نهائيا، ضغط صدره القوي على صدرها الهش، و تحولت القبلات الرقيقة إلى عناق لا ينتهي!

4


   لم تعرف أندريا ما هو الحب و ما هي الرغبة و ما هي السعادة حقيقة إلا في تلك اللحظات التي عاشتها بين أحضان زوجها، استيقظ حب الطفولة العذري في أعماقها و تعاظم و انفجر، ليصبح شعلة واضحة في عينيها البنيتين، أيقنت و هي تسلم نفسها بسعادة له، أنها لم تكرهه يوما واحدا، لا زالت بكل قوة فيها تحب ألكسندروس ليفانوس!

+


   -ألكس...

+


   همست بعذوبة في أذنه، فرفع رأسه فجأة و أخذ جسده بعيدا عنها، كان على وشك أن يجردها من الفستان حين عبرت عينيه نظرة جمدتها، ارتجفت ما إن أصبحت لوحدها على السرير، كادت أن تكون له، أن تصبح جزءً منه، لكن ما الذي حدث؟ هل قالت شيئا أزعجه؟!

10


   لاذ زوجها بزاوية قصية من الغرفة، و تحرك جيئة و ذهابا ممررا يده في شعره بعصبية، توقف و تأملها بنظرة غامضة، إنها تعرف تلك النظرة، الغضب و الازدراء! اهتزت في رعشات مهلكة رغم حرارة الجو، فتحت فمها لتتكلم، غير أنه سبقها قائلا بلهجة مؤذية:

1


   -جمالك لعنة مهلكة! و أنا من جلب اللعنة إلى حياته بنفسه.

8


   خرج من ذلك الباب، و خرجت كل المشاعر الدافئة معه، لم تصدق أندريا في أي عالم جميل كانت و في أي جحيم باتت! لا يمكن أن يكون ألكسندروس قد تعمد إذلالها! لا يمكن أن يكون الرجل الذي أحبته و لا زالت تحبه بلا رحمة إلى هذه الدرجة! و لا يمكن أن تكون هذه مجرد الجرعة الأولى من حياتها القادمة معه! نظرت إلى ثوبها مجهشة بالبكاء، ارتدت دموع الإله التي تعكس الحب في اليوم الأول، و يبدو أنها في ما تبقى من أيام... لن ترتدي سوى دموع الذل و الحزن!

11


نهاية الفصل الثامن.

+
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close