رواية متاهتنا الفصل الرابع 4
الفصل الرابع: خطوبة من العدم!
أزالت أندريا ستارا عريضا بلون الكاراميل كان يحجب الضوء عن الصالون، فاقتحمت المكان أشعة بيضاء منعشة ناشرة لمعانها في كل زاوية. أرسلت نظرة خاطفة إلى السماء الصافية في الخارج، موقنة أن خيوس لم تتغير أبدا، هكذا كانت دائما في شهر يونيو. كانت قد هدأت و تخلصت من ثورة الغضب، تركها ألكسندروس تتجول وسط المكان الذي ستعيش فيه على مهل قبل أن يحتسيا القهوة كما نوَّه!
+
أشاحت عن الشرفة، و ابتعدت تكتشف ما تبقى من البيت، وقفت أمام لوحة جذبت اهتمامها، لم تصدق وجود لوحة شهيرة و عميقة كتلك في بيت ليفانوس، لوحة ميلاد فينوس الرائعة!
+
وسط الأرائك القاتمة، و السجاجيد البنية الكئيبة بدت تلك القطعة المعلقة على الجدار ملفتة و مختلفة، وجودها كسر الذوق الرجالي المسيطر على الأرجاء. انفرجت شفتاها و هي تنظر إلى فينوس إلهة الحب بوله، أطراف ممشوقة شاحبة، بطن مستديرة جميلة، عنق طويلة، كتفان منحدرتان، و شعر نحاسي بالغ الطول، اقتربت أندريا أكثر لتتمتع برؤية أدق، كان هناك شيء غير دنيوي في ملامح فينوس، وقفتها الكلاسيكية المتواضعة فوق صدفة الأسقلوب تبعث على الرغبة في تأملها دون توقف، لطالما رأت أندريا رائعةَ العبقري الإيطالي أليساندرو بوتيتشيلي في المتاحف، لكنها لم تغرق في تأملها الدقيق كما تفعل الآن، حدقت بفلورا إلهة الربيع التي تنشر زهورها في كل مكان، ثم انتقلت بعينيها إلى يسار فينوس حيث إله الرياح زيفروس الذي يحمل الحورية المختطفة كلوريس لتكون عروسه، ارتعشت أندريا على نحو مفاجئ، و هي تتخيل ألكسندروس يختطفها بنفس الطريقة!
+
-هل تعجبكِ؟
4
انتفضت ملتفتة نحو الصوت، فالتقطت وجه ألكسندروس خلفها، كان على بعد خطوتين فقط، اختصر نصف المسافة فخلط الأمور في عقلها، و صار الجو مثقلا بعطره إلى حد جمد حركاتها و أفكارها. أشاحت عنه عائدة إلى لوحة الحب! ماذا تفعل لوحة كهذه في بيت الرجل الذي كان يشتري خدماتها كزوجة منذ قليل؟
+
وقف إلى جوارها أمام اللوحة و التصق بها محتضنا كتفيها، حاولت التملص من ذراعه رغم شعور الراحة الذي غمرها، لكنه ثبتها إليه بقوة هامسا:
+
-نيكيتا تسترق النظر!
4
أضاف مبتسما ببطء:
+
-نحن متحابان في اعتقادها.
+
كزت على أسنانها بقسوة متسائلة:
+
-من جعلها تعتقد ذلك؟
+
-أنا.
12
أعلن ذلك ببرود كبير، و مضى يتأمل اللوحة بدوره معلقا:
+
-بعد الزواج... يمكنك إحداث تغييرات في أثاث البيت كما يروق لك.
+
ألقى رأسه نحوها في نظرة خاطفة مستطردا:
+
-إنك تتمتعين بذوق رفيع يعجبني!
6
على أنه حدق باللوحة مرة أخرى متمتما بغموض:
+
-لكن إياك أن تلمسي هذه القطعة!
+
شعرت أندريا أنها تسمع صوت ألكسندروس القديم، ألكس اللطيف الطيب، الذي يحب الطبيعة و يتأثر بالأساطير اليونانية و يؤمن بميلاد فينوس من زبد البحر و ميلاد الحب معها!
+
أعلنت حمحمة نيكيتا أن القهوة حاضرة، فانسحبا فورا نحو إحدى الأرائك، و جلسا متجاورين كعاشقين حقيقيين! انصرفت الخادمة فاستلت أندريا نفسها بعيدا عنه و قالت بتحذير:
+
-قلت سأتزوجك، و لم أقل أنني سأعاملك كزوجي المعبود!
+
ترك لها صمتا مهينا متناولا فنجانه، سرق رشفة مستمتعا بطعم القهوة، ثم تمتم باسترخاء و ثقة:
+
-ستؤدين دورك بحرص كما اتفقنا، أنت تعرفين أن الوصول إلى السلطات أسهل من حك رأسي!
+
أشار بإصبعه على الأريكة إلى النقطة التي فرت منها، فعادت إلى حضنه مطبقة شفتيها بغيظ، ناولها فنجانها و كان أن قبلته بيدين مهزوزتين، و حين لاحظ ذلك ساعدها في ارتشاف القهوة بنفسه، ثم أبعد خصلة ناعمة عن وجهها و التقط فمها الصغير المكتنز بين شفتيه النهمتين في عناق ناري قصير، و ما إن أبعد رأسه عنها حتى تنفست أندريا بعمق مذهولة من روعة الشعور الذي اعتراها للتو!
20
-نيكيتا!
+
احتفظ ألكسندروس بأندريا في حضنه، و أصدر أوامره السريعة مداعبا ذراعها بأنامله:
+
-حضري حقيبتي بسرعة، و أخبري سانتوس أن يجهز الطائرة للسفر!
+
-إلى الولايات المتحدة سيدي؟
+
سألت نيكيتا بحشرية مضحكة، فأجابها ألكسندروس بلطف متأملا أندريا:
+
-إلى أثينا!
+
أخفض بصره إلى فم أندريا الجميل، و تابع بفخر:
+
-لا أطيق صبرا لأطلب يد حبيبتي!
أوشكت أندريا على تصديق الكذبة حين دخلت الفيلا متأبطة ذراعه، حدجتهما نايومي بنظرة مصعوقة بعدما اقتحما الصالون مبتسمين، طوت الجريدة، و ألقت نظاراتها الطبية جانبا متسائلة بتعجب:
2
-حسنا، توقعتُ كل شيء إلا أن أراكما معا! هلا شرح أحدكما لي ما معنى هذا؟
3
عجزت أندريا عن جمع الكلمات مع بعضها، فأبدى ألكسندروس بطولته، و استلم عنها دور ناقل الخبر اللامتوقع!
+
-سيدة باباندريو!
+
تقدم نحوها ألكسندروس باحترام مصافحا، و لم تخفِ أندريا إعجابها بمعاملته النبيلة لأمها، هل يمثل ليتقن الدور أم أنه يحترمها فعلا؟ سمعته أندريا يعلن بسعادة بالغة و هي تقدم حقيبتها لأغنيس:
+
-اجتمعنا أنا و أندريا اليوم صدفة، كان لقاء اعتذار و تدارك و اعترافات مذهلة!
6
التفت باتجاه أندريا و منحها نظرة حنونة، ثم أضاف مركزا على حماته المستقبلية:
+
-اكتشفنا أن العاطفة التي نمت قبل سنين لم تمت رغم الظروف!
6
ابتلعت ريقها، و نظرت نحو أمها فرأت على وجهها تأثرا جليا، هل نجح إذن في إيهامها بقصة بعث الحياة في حب الطفولة؟ لن تستغرب ذلك، هكذا هي نايومي... ساذجة رومنطيقية و سريعة التصديق! لكن أندريا تختلف عنها، كانت دائما و لا زالت تشبه والدها دونالد، متقدة العاطفة قوية لأبعد حد و حذقة!
2
-قررنا الارتباط بأسرع ما يمكن، لكننا لن نتجاهل العادات المتعارف عليها في الزواج اليوناني.
+
ضحكت نايومي بفرح و دمعت عيناها حين أكد ألكسندروس ما استنتجته، و أعلن بحماس مدروس قبل أن يلثم خد أندريا و يغادر:
+
-أبلغي السيد باباندريو أنني سأعود غدا مساء لطلب يد حبيبتي بشكل رسمي!
2
راقبت المرأتان الفراغ الذي تركه الرجل الراحل، ثم تشابكت نظراتهما للحظة، أرادت أندريا الهرب نحو غرفتها، غير أن نايومي كان لديها تعليقات ساخنة كعادتها:
+
-حسنا! حسنا! حسنا!
+
تمددت على الأريكة البيضاء بتكاسل كقطة، و استطردت ملتقطة النظارات و الجريدة:
+
-أمس كنت تجهلين ماذا يعمل هذا الرجل، و اليوم تقتحمان معا الفيلا و تلوحان بخطوبة من العدم!
4
ردت أندريا مدعية الغبطة:
+
-الزيجات في أيامنا هكذا!
+
-هل تخبرينني بصيحات جنون هذا الجيل؟ الجرائد لا تخلو منها! زيجات كثيرة تطفو فجأة بسرعة مذهلة... و تتحطم بنفس السرعة أيضا!
4
كان كلام نايومي مشبعا بلهجة التحذير، مما جعل قلب أندريا يتحرك باضطراب داخلها، إلا أنها واصلت ادعاء سعادة شابة تتحين الفرصة لتدخل القفص الذهبي، و علقت:
1
-كما قال ألكس، يبدو أن حبنا ولد ليستمر!
1
تمنت أندريا أن تصدق ما قالته، و رغم ألمها الضمني، فقد أراحها أن أمها ابتسمت بسرور مرددة:
+
-إذن هنيئا لابنتي بهذا الحب القوي، ثم لا تنسي أنه فاحش الثراء، ستكون حياتك هنيَّةً و مستقبلك آمنا.
3
انسحبت أندريا نحو غرفتها منهكة، كما لو أنها خاضت معركة طويلة، و ارتمت على سريرها عاجزة عن استيعاب أنها بعد ساعات من تلك اللحظة ستصبح خطيبة ألكسندروس ليفانوس!
3
نهاية الفصل الرابع.