رواية خلف الظلال الفصل الرابع 4 بقلم يسرا
الفصل الرابع.....بقلم يـــسرا
كل شىء حولها يتساقط
تلك الجدران
تلك الحواجز
تجرى بخطوات مسرعه
قافزه وبقوه نحو المجهول
تحيطها ظلمات الليل وتحتضنها كأم حنون
وتلفها بثوبها الاسود من فوق رأسها الى اخمص قدميها
فتعجز عيناها عن الرؤيه
وتفقد قدماها قدرتها عن ابصار الطريق
ويفقد العقل هو الاخر بصيرته
لتفقد الاشياء معناها فى تلك الظلمه الكالحه السواد
ويضيع الامل لتتخذ اليأس خليلا
ثم يشع النور بفارسه البهى ويضرب بسيفه الوهاج فتنحسر الظلمات خاسئه
فتسير فى دربه المنتصر وتتعالى ابواق النصر وتنطلق شارات الالوان فى سماء الكون الزرقاء
وتتسارع خطواتها من جديد متنفسه الصعداء
تبحث وتبحث
لتجده جسدا ملقى
قتيلا!!!
مخضبه يدها بدمائه المراقه
لا تدرى كيف
لا... لا
انا لم اقتله
انا لم افعلها
صدقونى
لاااااااا
فيضمد فارس الظلام جراحه المثخنه ويرتفع ويرتفع ليصل الى عباب السماء
ويعود مجددا لساحه المعركه منتصرا ليقبض عليها من جديد
تتساقط دموعها ولا احد يبالى
و يعلو صراخها ولا احد يسمع
وقضبان السجن ترتفع امامها و لا مفر
لتبعدها عن اطفالها
عن فلذات اكبادها
مره اخرى
واخيره
ولف حبل المشنقه حول رقبتها النحيله
وصرخت
وانتفضت و..و...
اااااااااااااااااااه
صرخه اطلقتها حنجرتها فظلت تتحسس عنقها لوهله لتبعث فى روحها الاطمئنان ......
رددت داخلها :حمدا لله لازلت على قيد الحياه
تفلت عن يسارها ثلاثا واستعاذت من الشيطان الرجيم وقامت من مضجعها وانين قلبها يسبقها
وامسكت بضراعتى النافذه لتغلقها فى وجه الرياح الهائمه
ليأتيها صفيرها المرتفع ليخبرها ساخرا الى اين تهربين...سنلتقى مجددا فأنا فى الخارج دوما وفى انتظارك
لفت هاله ذراعيها حول جسدها النحيل تحركها بقوه باعثه الدفىء فيه
ولكن قلبها البارد ابى ذلك العرض السخى فما يدفئه الا احضان الصغار ...
ولكن اين هم؟
اين هم؟
ظل عقلها يردد السؤال
والقلب يرجوه صارخا... توقف
فما من اجابه لسؤالك
فدعنى وشأنى
فسؤالك يشطرنى نصفين
الا يكفيك ايها العقل
الا يكفيك جراح الماضى
دعنى وشأنى وكف عن سؤالك الذى تعرف اجابته
فيأبى عقلها الاستجابه ليأمر اليدين بالتقاط الهاتف ومحادثه "منير المحامى " عله يجيب تلك المره
وبالفعل رن جرس الهاتف واتاها صوت المحامى الرفيع قائلا : الوو
هاله بصوت متحشرج: الو ..استاذ منير المحامى
منير : ايوا يا افندم
استجمعت هاله احبالها الصوتيه لتجيب بصوت واضح : انا هاله طليقه عادل سعد الدين المحامى اللى كان بيشتغل معاك فى مكتب الاستاذ مكرم
منير : ااه اهلا اهلا يا مدام ...خير قالولى انك سألتى عليا فى المكتب امبارح ...
هاله : ااه فى الحقيقه انا كنت بسأل على عادل ...ياترى حضرتك تعرف اخباره والاقيه فين ؟
قال منير متعجبا : واعرف منين يا مدام ...صدقينى انا مشفتش عادل غير مره واحده صدفه بعد ما ساب المكتب وكان وقتها قالى انه فتح مكتب استيراد وتصدير فى مدينه نصر
هاله بلهفه: طيب جميل اووى ..فين فى مدينه نصر
منير : معرفش للاسف ..صدقينى لو كنت اعرف هخبى ليه ...انما ليه ماتروحيش عند والدته ...هوا مغلبك فى نفقه الولاد ولا حاجه
هاله : لاء ياريت ..دا واخد الولاد وانا مش عارفه اوصله ورحت لوالدته رفضت تقولى على مكانه وانا مش عارفه اوصله وهتجنن اشوف ولادى
منير : ايه ازاى الكلام ده ...ايش حال محامى وعارف عقوبه اللى عمله دا يعتبر اختطاف ..طيب حاولى مع والدته تانى او وسطى ناس
هاله : ربنا يسهل ..متشكره اووى ..واسفه على الازعاج
منير : العفو يا مدام ..ولو ماوصلتيش لحاجه كلمينى انا مستعد اتوسطلك
هاله: متشكره يا استاذ منير ..مع السلامه
اغلقت هاله الهاتف واخذت فى البكاء حزنا على حالها المتردى ....اهذا كان معنى حلمها القريب لا بل كان كابوسا
الن تعثر على ابناءها
محال ان تستسلم لخرافات عقلها الباطن عليها ان تفعل شيئا
"فكرى ياهاله فكرى"... ظلت تردد داخلها تلك الجمله مشجعه عقلها ليجد السبيل
وبعد ثوان معدوده لمعت الفكره فى ذهنها .....نعم عليها الذهاب الى مدرسه ابناءها
اااه ياله من امر بسيط
كيف لم تخطر ببالها تلك الفكره من قبل!!!!
قامت بنشاط واتجهت الى الحمام واغتسلت سريعا وتوضئت وصلت صلاه الصباح
وتجرعت كوبا من الشاى ثم ارتدت ملابسها وخرجت
وبالفعل ما كانت الا ساعه زمنيه حتى كانت هاله جالسه فى مكتب مديره المدرسه
وياااااااا.. آسفاه
لقد اخبرتها المديره بانقطاع اطفالها عن الحضور منذ ان انتهت اجازه منتصف العام!!!
وها هو جدارا اسمنتيا يعلو من جديد ليثقل هموم القلب
وخرجت هاله من المدرسه شاعره بالضيق والحزن الشديد
وظلت سائره تجوب قدماها الطرقات ... وتجول عيناها فى وجوه الناس باحثه بيأس عن صغارها
حتى اتعبتها ساقيها فجلست على كرسى خشبى متهالك فى احدى الحدائق العامه
وفتحت حقيبتها لتلتقط صوره فوتوغرافيه جمعتهما معا نظرت فيها مليا وتساقطت دموعها الاسيره
وادخلتها مره اخرى داخل حقيبتها مكانها الآمن
وامسكت يدها بنقودها القليله فعدتهم بحركه سريعه فما تبقى معها من اموال لايكاد يكفيها لآخر الاسبوع ...فقد كانت والدتها الراحله تبعث لها مصروفا شهريا يكفيها متطلباتها داخل السجن وكم كان من متطلبات قليله
عندها قررت هاله بالبحث عن وظيفه اى وظيفه تؤمن لها مالا يكفيها المأكل والمسكن
ظلت هاله تبحث عن عمل فى شتى مختلف المجالات لايام عده ...
تخرج من المنزل فى حدود التاسعه صباحا لتعود ليلا دون فائده
حتى كانت يوما تسير فى احدى شوارع منطقه المعادى الراقيه فعثرت على مطعم يطلب نادله للعمل تمتع بالمظهر الحسن
رددت هاله داخلها : جرسونه ..جرسونه بس ياريت يقبلونى
دخلت هاله للمطعم الفاخر واستقبلها احد العمال وادخلها الى المدير كان يبدو انه رجلا عابثا فى اوئل الخمسينات
وما ان رأها حتى استحسن مظهرها لم يسألها عن مؤهلها
والاهم لم يطلب منها كشفا بالفيش والتشبيه من قسم الشرطه كما طلب منها الجميع
ولكنه طلب منها امرا واحدا ...وياله من مطلب ثمين
المدير : انا مستعد اشغلك فورا وهاديكى 1200 جنيه مرتب بس على شرط
هاله متعجبه: شرط ؟؟؟ شرط ايه ؟
المدير : احنا هنا لينا يونيفورم ...
هاله بهدوء: اوك ..عادى يعنى
المدير بنظره ماكره: بس اليونيفورم بتاعنا منغير حجاب ...تقلعى حجابك اهلا وسهلا
نظرت له هاله شاعره بالصدمه وخيبه الامل ثم قالت : وفيها ايه لما اشتغل والبس الحجاب
المدير متململا: اسف دى سياسه المطعم عندنا... هااا قولتى ايه
ارادت هاله الرفض ولكنها تذكرت انها لاتحمل مالا حتى يكفيها لطريق العوده
فقالت على مضض : ابتدى الشغل امتى ؟؟؟
المدير : بكره الساعه 3 الضهر بالدقيقه تكونى هنا هتستلمى اليونيفورم بتاعك شغلنا بيخلص الساعه 12
خرجت هاله من مكتب المدير المتصابى واسترقت النظر الى اليونيفورم الذى كانت ترتديه احداهن فوجدته مكونا من جيب قصيره ضيقه سوداء يعلوها قميصا ابيض ضيقا ولم تكتفى الفتاه بمظهرها الفاضح ففتحت ازره القميص العلويه مظهره قسما كبيرا من صدرها الممتلىء
فى اليوم التالى ذهبت هاله الى المطعم مرتديه ملابسها العاديه فقابلها المدير باستنكار
فقالت مبرره : هدخل اغير
نادى المدير على احدى الفتيات : رانيا ...خدى ...اسمك ايه صحيح؟
هاله كاذبه : مريم
المدير : خدى مريم واديها اليونيفورم ووريها الشغل
رحبت بها رانيا بابتسامه مشرقه وقالت: هاى ازيك تعالى معايا
سارت هاله خلف رانيا حتى وصلت الى حجره تبديل الملابس
قالت لها رانيا : الشغل هنا متعب شويه بس المرتب والتيبس حلو اووى وكمان الناس ظراف
هاله : زى المدير كده ؟
رانيا : سيبك منه ...بس تيجى مراته تلاقيه اتقلب فار ..انا محجبه زيك على فكره
هاله : وقلعتى الحجاب عشان تشتغلى صح
رانيا : لاء مش بالظبط بعمل زيك اجى الصبح عادى واقلع هنا واخر النهار ارجع بحجابى بعد اما اخلص شغل
هاله : انا حاسه ان كده حرام ...لولا ان بقالى كتير بدور على شغل ماكنتش قبلت
هزت رانيا كتفيها وقالت : وانا شرحه بس هنعمل ايه مضطرين
مرت الايام على هاله قاسيه فهى تخرج فى الظهيره لتتجه الى مدرسه ابناءها علها تجدهم قد انتظمو فى دراستهم
ولكن دون جدوى
بعدها تتجه الى عملها لتعود متأخره ليلا فتنام من شده شعورها بالارهاق
حتى ذات يوم كانت تمارس عملها فى خدمه زبائن المطعم الفاخر و دخل رجلان فى اوائل الاربعينيات
احدهما وسيم بشكل جلى الا ان حادثاً اصاب وجهه فترك قطعا بطول خده الايسر ...
والاخر يحمل جاذبيه خطره على الرغم من خشونه ملامحه
اشارت لها زميلاتها رانيا لخدمه طاولتهما هامسه : ميمى بليز شوفى تربيزه 11 عايزه ادخل الحمام
اتجهت هاله الى الطاوله حامله قوائم الطعام وقالت : اتفضلو
نظر لها الرجل ذو الوجه المصاب بتمعن وقال : مالوش لزوم ..انا حاخد استيك مشوى وسلطه وهاتيلى فنجان قهوه ساده بعدها ...حتاخد ايه يا رفيق ؟
رد المدعو رفيق : زيك بس قهوتى مظبوط... لو سمحتى
اومأت هاله برأسها وانصرفت تحت انظار الرجل المتفحصه لها فقاطع افكاره رفيق قائلا : ايييه... سالم ..رحت فين؟
سالم : لاا بدا ...قولى البضاعه وصلت المينا ولا لسه؟
رفيق : ااه كلمت المخلص من شويه وقالى انها دخلت الرصيف وكمان ساعتين هيتصل بيا
سالم: طيب كويس وظبطت امورك مع بتاع الجمارك
رفيق متأففا : ابن اللاذينه زود 5 فوق العشره اللى واخدهم
سالم : معلش تتعوض
حضرت هاله بعد قليل حامله اطباق الطعام الساخن ووضعته على الطاوله بخفه وانصرفت قائله بلطف : بونا بيتى ..
تابعتها انظار سالم بتركيز على جسدها الرشيق ....فالتهمتها اعينه قبل ان يلتهم طعامه
انتهى الرفيقان من تناول الطعام فأشار رفيق الى هاله لتحضر القهوه فاحضرتها هاله بعد قليل
وضعت هاله فنجان القهوه "المظبوط" امام رفيق اولا ثم همت بوضع فنجان القهوه الخاص بسالم
فيما تسللت يده من اسفل المنضده ليتلمس ساقها العاريه فجزعت هاله وسكبت القهوه على يده الاخرى
فصرخ سالم متأوها بقوه وقال غاضبا :مش تحاسبى... انتى عاميه؟؟؟
وقفت هاله شاعره بالسخط وقالت بغضب : معلش اصلى حسيت زى صرصار ماشى على رجلى
فهم سالم ما تلمح اليه من اهانه وقال بصوت مرتفع : انتى بت قليله الادب ..فين المدير ..انا هوريكى مقامك
حضر المدير على الفور لدى سماعه الجلبه العاليه التى احدثها سالم قائلا : خير يافندم بس
سالم : دى آخر مره هاجى المطعم هنا طالما مش عارفين تشغلو ناس بتفهم فى معامله الزباين ..الهانم دلقت القهوه السخنه على ايدى ...ايدى اتحرقت وحضرتها واقفه تقل فى ادبها عليا
هاله حانقه: اهو انت اللى قليل الادب واحترم نفسك احسنلك ..انا سكتالك ومش عاوزه ااقول انت عملت ايه
المدير : لاااا ...اتفضلى يا مريم سلمى النيم تاج بتاعتك واليونيفورم وبالسلامه مش عاوز اشوف خلقتك هنا تانى فى المطعم
خلعت هاله مئزرها الاحمر والقته بعنف على الطاوله وقالت : كده...اوك ....عايزه بقيه حسابى
المدير ساخطا: حسابك ايه يا ام حساب ...مالكيش عندى حاجه كفايه الفناجيل اللى اتكسرت وقله ادبك على الزباين اطلعى بره من سكات بدال ما اخلى السيكيورتى يرموكى بره ...بره
انصرفت هاله شاعره بالحنق والغضب الشديدين واتجهت الى حجره تبديل الملابس
فيما اجلس المدير سالم وقال له بلطف: هدى خلقك حضرتك حالا هجيبلك تلج
سالم بترفع: لااا خلاص هات الحساب خلينا نمشى
قال رفيق بعدما انصرف المدير : ايدك عامله ايه؟
سالم باستخفاف : كويسه القهوه ماكنتش سخنه اووى
رفيق : يا اخى حرام عليك ولما ماكنتش سخنه كان ذنبها ايه تترفد
سالم : تستاهل
رفيق : يعنى تتحرش بيها وتخليها تترفد وتقول تستاهل
سالم : رفيق ...بلاش والنبى قلبك الحنين ده انا جاى اكل واتبسط مش تغم عليا ...انا ماشى بلا قرف
بعد قليل احضرت رانيا كشف الحساب ونقدها رفيق المال وسألها باهتمام : فين زميلتك؟ اللى المدير رفدها
رانيا بأسف : بتغير هدومها
اخرج رفيق كارت العمل الخاص به : طيب اديها الكارت ده من فضلك وخليها تتصل بيا عندى شغلانه ليها لو تحب
نظرت له رانيا امتنان : شكرا يا فندم دى اكيد هتفرح خالص
انصرف رفيق الى عمله .....وبعد قليل خرجت هاله ومرت على زميلاتها رانيا لتودعها فقالت : انا ماشيه يا رانيا اشوف وشك بخير
رانيا : استنى يا مريم ..استنى
هاله : خير فى ايه؟
رانيا : الاستاذ اللى كان قاعد على تربيزه 11 سابلك الكارت ده بيقولك عنده شغل بدال هنا
هاله بغضب: دا انسان سافل
رانيا : لاء مش اللى كبيتى على ايده القهوه ..التانى اللى كان قاعد معاه
هاله : اااه ...طيب هاتى الكارت كده
رانيا : ده توكيل بيع عربيات كبير اووى على فكره...
هاله : متشكره يا رانيا ربك بيقفل باب بيفتح التانى
رانيا : ربنا معاكى ...خدى دوول انا عارفه ان المدير مرضيش يديكى مرتبك
هاله : مالوش لزوم يا رانيا ...مستوره والحمد لله
رانيا : دول 100 جنيه مش 100 الف... امسكى بأه وابقى رجعيهم اما ظروفك تتحسن
احتضنتها هاله وقبلتها وقالت : مش عارفه ااقولك ايه ...اول ما ربنا يعدلها هرجعهم ان شاء الله
انصرفت هاله الى منزلها شاعره بالاكتئاب فالاحداث المتعاقبه قد الحقت بحياتها المزيد والمزيد من الخسائر
بدايه من خساره 5 سنوات من عمرها الفتى قضتهم خلف القضبان ظلما وقهرا
وصولا لخسارتها القريبه لعملها المتواضع
ولكن
اعظم خساره استشعرتها هاله خسارتها لاولادها ...فلذات اكبادها
تلك الخساره التى تجعلها تأن احيانا بصوت عال فى جوف الليل المظلم
كل شىء حولها يتساقط
تلك الجدران
تلك الحواجز
تجرى بخطوات مسرعه
قافزه وبقوه نحو المجهول
تحيطها ظلمات الليل وتحتضنها كأم حنون
وتلفها بثوبها الاسود من فوق رأسها الى اخمص قدميها
فتعجز عيناها عن الرؤيه
وتفقد قدماها قدرتها عن ابصار الطريق
ويفقد العقل هو الاخر بصيرته
لتفقد الاشياء معناها فى تلك الظلمه الكالحه السواد
ويضيع الامل لتتخذ اليأس خليلا
ثم يشع النور بفارسه البهى ويضرب بسيفه الوهاج فتنحسر الظلمات خاسئه
فتسير فى دربه المنتصر وتتعالى ابواق النصر وتنطلق شارات الالوان فى سماء الكون الزرقاء
وتتسارع خطواتها من جديد متنفسه الصعداء
تبحث وتبحث
لتجده جسدا ملقى
قتيلا!!!
مخضبه يدها بدمائه المراقه
لا تدرى كيف
لا... لا
انا لم اقتله
انا لم افعلها
صدقونى
لاااااااا
فيضمد فارس الظلام جراحه المثخنه ويرتفع ويرتفع ليصل الى عباب السماء
ويعود مجددا لساحه المعركه منتصرا ليقبض عليها من جديد
تتساقط دموعها ولا احد يبالى
و يعلو صراخها ولا احد يسمع
وقضبان السجن ترتفع امامها و لا مفر
لتبعدها عن اطفالها
عن فلذات اكبادها
مره اخرى
واخيره
ولف حبل المشنقه حول رقبتها النحيله
وصرخت
وانتفضت و..و...
اااااااااااااااااااه
صرخه اطلقتها حنجرتها فظلت تتحسس عنقها لوهله لتبعث فى روحها الاطمئنان ......
رددت داخلها :حمدا لله لازلت على قيد الحياه
تفلت عن يسارها ثلاثا واستعاذت من الشيطان الرجيم وقامت من مضجعها وانين قلبها يسبقها
وامسكت بضراعتى النافذه لتغلقها فى وجه الرياح الهائمه
ليأتيها صفيرها المرتفع ليخبرها ساخرا الى اين تهربين...سنلتقى مجددا فأنا فى الخارج دوما وفى انتظارك
لفت هاله ذراعيها حول جسدها النحيل تحركها بقوه باعثه الدفىء فيه
ولكن قلبها البارد ابى ذلك العرض السخى فما يدفئه الا احضان الصغار ...
ولكن اين هم؟
اين هم؟
ظل عقلها يردد السؤال
والقلب يرجوه صارخا... توقف
فما من اجابه لسؤالك
فدعنى وشأنى
فسؤالك يشطرنى نصفين
الا يكفيك ايها العقل
الا يكفيك جراح الماضى
دعنى وشأنى وكف عن سؤالك الذى تعرف اجابته
فيأبى عقلها الاستجابه ليأمر اليدين بالتقاط الهاتف ومحادثه "منير المحامى " عله يجيب تلك المره
وبالفعل رن جرس الهاتف واتاها صوت المحامى الرفيع قائلا : الوو
هاله بصوت متحشرج: الو ..استاذ منير المحامى
منير : ايوا يا افندم
استجمعت هاله احبالها الصوتيه لتجيب بصوت واضح : انا هاله طليقه عادل سعد الدين المحامى اللى كان بيشتغل معاك فى مكتب الاستاذ مكرم
منير : ااه اهلا اهلا يا مدام ...خير قالولى انك سألتى عليا فى المكتب امبارح ...
هاله : ااه فى الحقيقه انا كنت بسأل على عادل ...ياترى حضرتك تعرف اخباره والاقيه فين ؟
قال منير متعجبا : واعرف منين يا مدام ...صدقينى انا مشفتش عادل غير مره واحده صدفه بعد ما ساب المكتب وكان وقتها قالى انه فتح مكتب استيراد وتصدير فى مدينه نصر
هاله بلهفه: طيب جميل اووى ..فين فى مدينه نصر
منير : معرفش للاسف ..صدقينى لو كنت اعرف هخبى ليه ...انما ليه ماتروحيش عند والدته ...هوا مغلبك فى نفقه الولاد ولا حاجه
هاله : لاء ياريت ..دا واخد الولاد وانا مش عارفه اوصله ورحت لوالدته رفضت تقولى على مكانه وانا مش عارفه اوصله وهتجنن اشوف ولادى
منير : ايه ازاى الكلام ده ...ايش حال محامى وعارف عقوبه اللى عمله دا يعتبر اختطاف ..طيب حاولى مع والدته تانى او وسطى ناس
هاله : ربنا يسهل ..متشكره اووى ..واسفه على الازعاج
منير : العفو يا مدام ..ولو ماوصلتيش لحاجه كلمينى انا مستعد اتوسطلك
هاله: متشكره يا استاذ منير ..مع السلامه
اغلقت هاله الهاتف واخذت فى البكاء حزنا على حالها المتردى ....اهذا كان معنى حلمها القريب لا بل كان كابوسا
الن تعثر على ابناءها
محال ان تستسلم لخرافات عقلها الباطن عليها ان تفعل شيئا
"فكرى ياهاله فكرى"... ظلت تردد داخلها تلك الجمله مشجعه عقلها ليجد السبيل
وبعد ثوان معدوده لمعت الفكره فى ذهنها .....نعم عليها الذهاب الى مدرسه ابناءها
اااه ياله من امر بسيط
كيف لم تخطر ببالها تلك الفكره من قبل!!!!
قامت بنشاط واتجهت الى الحمام واغتسلت سريعا وتوضئت وصلت صلاه الصباح
وتجرعت كوبا من الشاى ثم ارتدت ملابسها وخرجت
وبالفعل ما كانت الا ساعه زمنيه حتى كانت هاله جالسه فى مكتب مديره المدرسه
وياااااااا.. آسفاه
لقد اخبرتها المديره بانقطاع اطفالها عن الحضور منذ ان انتهت اجازه منتصف العام!!!
وها هو جدارا اسمنتيا يعلو من جديد ليثقل هموم القلب
وخرجت هاله من المدرسه شاعره بالضيق والحزن الشديد
وظلت سائره تجوب قدماها الطرقات ... وتجول عيناها فى وجوه الناس باحثه بيأس عن صغارها
حتى اتعبتها ساقيها فجلست على كرسى خشبى متهالك فى احدى الحدائق العامه
وفتحت حقيبتها لتلتقط صوره فوتوغرافيه جمعتهما معا نظرت فيها مليا وتساقطت دموعها الاسيره
وادخلتها مره اخرى داخل حقيبتها مكانها الآمن
وامسكت يدها بنقودها القليله فعدتهم بحركه سريعه فما تبقى معها من اموال لايكاد يكفيها لآخر الاسبوع ...فقد كانت والدتها الراحله تبعث لها مصروفا شهريا يكفيها متطلباتها داخل السجن وكم كان من متطلبات قليله
عندها قررت هاله بالبحث عن وظيفه اى وظيفه تؤمن لها مالا يكفيها المأكل والمسكن
ظلت هاله تبحث عن عمل فى شتى مختلف المجالات لايام عده ...
تخرج من المنزل فى حدود التاسعه صباحا لتعود ليلا دون فائده
حتى كانت يوما تسير فى احدى شوارع منطقه المعادى الراقيه فعثرت على مطعم يطلب نادله للعمل تمتع بالمظهر الحسن
رددت هاله داخلها : جرسونه ..جرسونه بس ياريت يقبلونى
دخلت هاله للمطعم الفاخر واستقبلها احد العمال وادخلها الى المدير كان يبدو انه رجلا عابثا فى اوئل الخمسينات
وما ان رأها حتى استحسن مظهرها لم يسألها عن مؤهلها
والاهم لم يطلب منها كشفا بالفيش والتشبيه من قسم الشرطه كما طلب منها الجميع
ولكنه طلب منها امرا واحدا ...وياله من مطلب ثمين
المدير : انا مستعد اشغلك فورا وهاديكى 1200 جنيه مرتب بس على شرط
هاله متعجبه: شرط ؟؟؟ شرط ايه ؟
المدير : احنا هنا لينا يونيفورم ...
هاله بهدوء: اوك ..عادى يعنى
المدير بنظره ماكره: بس اليونيفورم بتاعنا منغير حجاب ...تقلعى حجابك اهلا وسهلا
نظرت له هاله شاعره بالصدمه وخيبه الامل ثم قالت : وفيها ايه لما اشتغل والبس الحجاب
المدير متململا: اسف دى سياسه المطعم عندنا... هااا قولتى ايه
ارادت هاله الرفض ولكنها تذكرت انها لاتحمل مالا حتى يكفيها لطريق العوده
فقالت على مضض : ابتدى الشغل امتى ؟؟؟
المدير : بكره الساعه 3 الضهر بالدقيقه تكونى هنا هتستلمى اليونيفورم بتاعك شغلنا بيخلص الساعه 12
خرجت هاله من مكتب المدير المتصابى واسترقت النظر الى اليونيفورم الذى كانت ترتديه احداهن فوجدته مكونا من جيب قصيره ضيقه سوداء يعلوها قميصا ابيض ضيقا ولم تكتفى الفتاه بمظهرها الفاضح ففتحت ازره القميص العلويه مظهره قسما كبيرا من صدرها الممتلىء
فى اليوم التالى ذهبت هاله الى المطعم مرتديه ملابسها العاديه فقابلها المدير باستنكار
فقالت مبرره : هدخل اغير
نادى المدير على احدى الفتيات : رانيا ...خدى ...اسمك ايه صحيح؟
هاله كاذبه : مريم
المدير : خدى مريم واديها اليونيفورم ووريها الشغل
رحبت بها رانيا بابتسامه مشرقه وقالت: هاى ازيك تعالى معايا
سارت هاله خلف رانيا حتى وصلت الى حجره تبديل الملابس
قالت لها رانيا : الشغل هنا متعب شويه بس المرتب والتيبس حلو اووى وكمان الناس ظراف
هاله : زى المدير كده ؟
رانيا : سيبك منه ...بس تيجى مراته تلاقيه اتقلب فار ..انا محجبه زيك على فكره
هاله : وقلعتى الحجاب عشان تشتغلى صح
رانيا : لاء مش بالظبط بعمل زيك اجى الصبح عادى واقلع هنا واخر النهار ارجع بحجابى بعد اما اخلص شغل
هاله : انا حاسه ان كده حرام ...لولا ان بقالى كتير بدور على شغل ماكنتش قبلت
هزت رانيا كتفيها وقالت : وانا شرحه بس هنعمل ايه مضطرين
مرت الايام على هاله قاسيه فهى تخرج فى الظهيره لتتجه الى مدرسه ابناءها علها تجدهم قد انتظمو فى دراستهم
ولكن دون جدوى
بعدها تتجه الى عملها لتعود متأخره ليلا فتنام من شده شعورها بالارهاق
حتى ذات يوم كانت تمارس عملها فى خدمه زبائن المطعم الفاخر و دخل رجلان فى اوائل الاربعينيات
احدهما وسيم بشكل جلى الا ان حادثاً اصاب وجهه فترك قطعا بطول خده الايسر ...
والاخر يحمل جاذبيه خطره على الرغم من خشونه ملامحه
اشارت لها زميلاتها رانيا لخدمه طاولتهما هامسه : ميمى بليز شوفى تربيزه 11 عايزه ادخل الحمام
اتجهت هاله الى الطاوله حامله قوائم الطعام وقالت : اتفضلو
نظر لها الرجل ذو الوجه المصاب بتمعن وقال : مالوش لزوم ..انا حاخد استيك مشوى وسلطه وهاتيلى فنجان قهوه ساده بعدها ...حتاخد ايه يا رفيق ؟
رد المدعو رفيق : زيك بس قهوتى مظبوط... لو سمحتى
اومأت هاله برأسها وانصرفت تحت انظار الرجل المتفحصه لها فقاطع افكاره رفيق قائلا : ايييه... سالم ..رحت فين؟
سالم : لاا بدا ...قولى البضاعه وصلت المينا ولا لسه؟
رفيق : ااه كلمت المخلص من شويه وقالى انها دخلت الرصيف وكمان ساعتين هيتصل بيا
سالم: طيب كويس وظبطت امورك مع بتاع الجمارك
رفيق متأففا : ابن اللاذينه زود 5 فوق العشره اللى واخدهم
سالم : معلش تتعوض
حضرت هاله بعد قليل حامله اطباق الطعام الساخن ووضعته على الطاوله بخفه وانصرفت قائله بلطف : بونا بيتى ..
تابعتها انظار سالم بتركيز على جسدها الرشيق ....فالتهمتها اعينه قبل ان يلتهم طعامه
انتهى الرفيقان من تناول الطعام فأشار رفيق الى هاله لتحضر القهوه فاحضرتها هاله بعد قليل
وضعت هاله فنجان القهوه "المظبوط" امام رفيق اولا ثم همت بوضع فنجان القهوه الخاص بسالم
فيما تسللت يده من اسفل المنضده ليتلمس ساقها العاريه فجزعت هاله وسكبت القهوه على يده الاخرى
فصرخ سالم متأوها بقوه وقال غاضبا :مش تحاسبى... انتى عاميه؟؟؟
وقفت هاله شاعره بالسخط وقالت بغضب : معلش اصلى حسيت زى صرصار ماشى على رجلى
فهم سالم ما تلمح اليه من اهانه وقال بصوت مرتفع : انتى بت قليله الادب ..فين المدير ..انا هوريكى مقامك
حضر المدير على الفور لدى سماعه الجلبه العاليه التى احدثها سالم قائلا : خير يافندم بس
سالم : دى آخر مره هاجى المطعم هنا طالما مش عارفين تشغلو ناس بتفهم فى معامله الزباين ..الهانم دلقت القهوه السخنه على ايدى ...ايدى اتحرقت وحضرتها واقفه تقل فى ادبها عليا
هاله حانقه: اهو انت اللى قليل الادب واحترم نفسك احسنلك ..انا سكتالك ومش عاوزه ااقول انت عملت ايه
المدير : لاااا ...اتفضلى يا مريم سلمى النيم تاج بتاعتك واليونيفورم وبالسلامه مش عاوز اشوف خلقتك هنا تانى فى المطعم
خلعت هاله مئزرها الاحمر والقته بعنف على الطاوله وقالت : كده...اوك ....عايزه بقيه حسابى
المدير ساخطا: حسابك ايه يا ام حساب ...مالكيش عندى حاجه كفايه الفناجيل اللى اتكسرت وقله ادبك على الزباين اطلعى بره من سكات بدال ما اخلى السيكيورتى يرموكى بره ...بره
انصرفت هاله شاعره بالحنق والغضب الشديدين واتجهت الى حجره تبديل الملابس
فيما اجلس المدير سالم وقال له بلطف: هدى خلقك حضرتك حالا هجيبلك تلج
سالم بترفع: لااا خلاص هات الحساب خلينا نمشى
قال رفيق بعدما انصرف المدير : ايدك عامله ايه؟
سالم باستخفاف : كويسه القهوه ماكنتش سخنه اووى
رفيق : يا اخى حرام عليك ولما ماكنتش سخنه كان ذنبها ايه تترفد
سالم : تستاهل
رفيق : يعنى تتحرش بيها وتخليها تترفد وتقول تستاهل
سالم : رفيق ...بلاش والنبى قلبك الحنين ده انا جاى اكل واتبسط مش تغم عليا ...انا ماشى بلا قرف
بعد قليل احضرت رانيا كشف الحساب ونقدها رفيق المال وسألها باهتمام : فين زميلتك؟ اللى المدير رفدها
رانيا بأسف : بتغير هدومها
اخرج رفيق كارت العمل الخاص به : طيب اديها الكارت ده من فضلك وخليها تتصل بيا عندى شغلانه ليها لو تحب
نظرت له رانيا امتنان : شكرا يا فندم دى اكيد هتفرح خالص
انصرف رفيق الى عمله .....وبعد قليل خرجت هاله ومرت على زميلاتها رانيا لتودعها فقالت : انا ماشيه يا رانيا اشوف وشك بخير
رانيا : استنى يا مريم ..استنى
هاله : خير فى ايه؟
رانيا : الاستاذ اللى كان قاعد على تربيزه 11 سابلك الكارت ده بيقولك عنده شغل بدال هنا
هاله بغضب: دا انسان سافل
رانيا : لاء مش اللى كبيتى على ايده القهوه ..التانى اللى كان قاعد معاه
هاله : اااه ...طيب هاتى الكارت كده
رانيا : ده توكيل بيع عربيات كبير اووى على فكره...
هاله : متشكره يا رانيا ربك بيقفل باب بيفتح التانى
رانيا : ربنا معاكى ...خدى دوول انا عارفه ان المدير مرضيش يديكى مرتبك
هاله : مالوش لزوم يا رانيا ...مستوره والحمد لله
رانيا : دول 100 جنيه مش 100 الف... امسكى بأه وابقى رجعيهم اما ظروفك تتحسن
احتضنتها هاله وقبلتها وقالت : مش عارفه ااقولك ايه ...اول ما ربنا يعدلها هرجعهم ان شاء الله
انصرفت هاله الى منزلها شاعره بالاكتئاب فالاحداث المتعاقبه قد الحقت بحياتها المزيد والمزيد من الخسائر
بدايه من خساره 5 سنوات من عمرها الفتى قضتهم خلف القضبان ظلما وقهرا
وصولا لخسارتها القريبه لعملها المتواضع
ولكن
اعظم خساره استشعرتها هاله خسارتها لاولادها ...فلذات اكبادها
تلك الخساره التى تجعلها تأن احيانا بصوت عال فى جوف الليل المظلم