اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الاربعون 40 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الاربعون 40 بقلم عائشة حسين 



                                    

الأربعون

امتصت قلقه بحنوها وربتاتها الدافئة على كتفه، طمأنته بابتسامتها وهي تهمس برفقٍ «اطمن خير بإذن الله» 

تحرر من قيود القلق وابتسم ساحبًا كفها مُقبلًا له وهو يهتف بصدق «طول ما أنتِ جنبي ومعاي كل حاجة هتبجا بخير.. فحضن جلبك كله بيهون » 

ابتسمت له بإشراق وهي تتابع الطريق معه بنظراتها، تخبيء قلقها الذي يتصاعد كالأبخرة بمشاعرها تجاهه، قلبها يحدثها بالكثير المخيف لكنها تبارزه بقربها منه وعاطفته التي لا يبخل بها أبدًا، وصل البيت فترجل من السيارة وأمسك بكفها محتويًا له رابطًا كفها بكفه في حماية ودعم واحتماء، يواجه القادم بها.. تخطى البوابة الخارجية للداخل فوقعت نظراته على وجه يونس الممتقع، زفر بضيق من هيئة أخيه وتقدّم بوجلٍ داعيًا الله في سره، ما إن رآهما يونس حتى هبط درجات السلّم مستقبلًا لهما، سأله رؤوف بتوتر صاحب قوله «في إيه يا يونس؟» 

تنقلت نظراته بينهما بصمت وعبوس فحثه رؤوف وهو يتخطاه مُكملًا سيره بضيق «لسه هتنّح» 

دخل المنزل راميًا السلام  وهي بيده، نهض الجميع مستقبلين له بترقب وقلق، دارت نظراته في الوجوه الواجمة بإقتضاب وقلق حتى توقفت على جسد متوشح بالسواد أفلتت انفعالها في وجهه ككرة اللهب «بنتي فين يا رؤوف؟  خبيتها فين وعايز منها إيه؟» 

طردت غزل شهقة عالية ونظراتها تتسع على الواقفة بدهشة «ماما» 

أدار رأسه مستفسرًا بحاجبين منعقدين في صرامةٍ وصدمة «مرات أبوكي!» 

توسلته السيدة بإنهيار فتحت له مآقيها اللحظة ليغرق سيل الدموع وجهها وهي تستعطفه مقدمة نفسها قرباناً له «بنتي فين؟  خبيتها فين؟  صفوة متتحملش بالله عليك أنا اهو أعمل فيا الي عايزه»

نطقت عيناه بالصدمة وهو يدقق النظر فيها مُعيدًا ما أخفته السنون من ملامحها في ذاكرته، نافضًا غبار النسيان عن ملامحها المحفورة على جدران صباه الضائع، رتّل الزمن تعويذته على عقله فهتف متجاهلًا قولها واتهامها الغريب  «مرت عمي؟» 

ارتجت الملامح بالصدمة، تشابكت الشهقات وامتزجت مشكّلة صدمة مدوّية وتمتمات ذهول، ضربت الجدة صدرها مرددة «مرت حامد؟» 

ابتلعت المرأة ريقها وهي تتطلع لوجوههم برهبة بعدما تحلقوا حولها في انتظارٍ وترقب، قالت بهدوء دفعت الكثير من المشاعر لتتحلى به وشجاعة واهنة بالخوف «أنا... أنا 

صرخ بها مقاطعًا في عجالة من غير صبرٍ أو رفق وهو يترك كف غزل ويقترب منها «انطجي أنتِ مرت عمي حامد أنا عارفك زين ملامحك محفورة فعقلي حفر» 

ارتعدت من نبرته وقالت بحدة وهي تفرك كفيها بإضطراب وزيغ « أيوة أنا هي، وصفوة الي أنت خطفتها تصفي بيها حسابك تبقى بنت عمك حامد» 

فغر يونس فمه بصدمة جليّة بينما ولولولت الجدة بحزنٍ كان خلفية اللحظة المظلمة مجهولة النهاية، قيّد رؤوف ذراعها بقوة ضاغطًا عليه يصرخ «آه يا بت ال...» 

أرسلت نظراتها لغزل بإستغاثة فنفضت غزل صدمتها وركضت محاولة تخليصها منه ودفعه بغضبه وتهوره بعيدًا عنها،أمسكت به مهدئة فتجاهلها وصاح وهو يحاول تخطي جسدها والهجوم على المرأة ونظراته تسبقه بالإفتراس، هتفت المرأة بإنهيار متوسلة إياهم «عايزة بنتي هي ملهاش ذنب فالي عملته» 

هتفت غزل بحدة وضيق من اتهامها زوجها بالباطل «رؤوف مخطفش صفوة يا ماما هو هيعمل كدا ليه؟» 

حدقت فيها بنظرة مهتزة وهي تسألها بتخبُط «يعني إيه؟  أمال أبوكي قالي إن رؤوف خطفها ليه؟» 

تدخل يونس هاتفًا بحنق «أنتِ جاية تسألي؟ رؤوف لو عايز صفوة مكانش اتجوز غزل وبعدين مش احنا الي نخطف بنات» 

صاحت بهستيريا وهي تدور حول نفسها «يعني إيه؟  بنتي فين؟ وحصلها إيه؟» وقفت شاخصة البصر تستعيد ما سقط من ذاكرتها «هاتولي بنتي من مرتضى دا أكيد بيردهالي » 

أزاح رؤوف غزل عن طريقه واندفع هادرًا فيها بشراسة « بتطلبي نجبلك بتك بأمارة إيه؟» 

تشبثت بهوية فتاتها الحقيقية وأشهرتها في وجهه طالبة الحماية والدعم «بنت عمك» 

هتف يونس بغضب «وإيه يثبت كلامك ده؟  ولو بنت عمي إيه خلاكي تكتبيها باسم حد تاني وتهربي مننا» 

عادت بذاكرتها أعوامًا قائلة « مرتضى بس الي كان يعرف بجوازي أنا وعمك وكنت بشوفه معاه دايما، فجأة عمك غاب فترة وكنت ولدت صفوة استنيته يجي مجاش، لغاية ما جه مرتضى وبلغني إنه مات وإنه بلغكم بيا بس أنتم مصدقتوش وبعتولي تهديد إني مجيش وإن ملكمش بنات ولو عملتها هتقتلوني، مرتضى عرض عليا نتجوز ونكتب البنت باسمه وقالي هنسافر وافقت وعمل كدا وبعدها سافرنا » 

ختمت قولها بدموعها وضربها خديها في جزع « مرتضي بيردلي الي عملته ومش بعيد يعمل حاجة في البنت» 

صرخ بها رؤوف في غيظٍ وحرقة «عملك أسود ومهبب دا أنتِ أيامك سودة معاي» 

اقتربت منها غزل حاجزة بجسدها رؤوف عنها مهدئة لها فتوسلتها المرأة «كلمي أبوكي يا غزل بينتقم مني علشان بلغتك بالي حصل وخليتك ترجعي عشان رؤوف يبعد عن صفوة وياخدك أنتِ»

ارتجفت غزل بصدمة وابتعدت عنها محملقة فيها بذهول، فتجاهلت المرأة رد فعلها وبكت متوسلة.. صرخ رؤوف فيها بغضب وهو يسحب زوجته المكلومة لأحضانه حاميًا لها من تلك المشاعر السامة التي تتسرب إليها من تلك الخائنة «والله لأندمك ندم عمرك على كلامك دِه» دارت عليهما بكؤوس التوسل وهي تغريهما بالحقيقة «الحقوا بنتكم بنت حامد من مرتضى الي أكيد ناوي على حاجة» 

صاح فيها يونس بغضب وجرأة  «وليه نلحجها؟  مش ده جوزك واختيارك؟  » 

بكت وهي ترجوه بذلٍ ومهانة شديدة  « غصب عني ضحك عليا ومكانش قدامي حل» 

هتف رؤوف بتوعد وهو يضم زوجته بحماية لصدره  «والله لأحبسك لآخر عمرك»

بكت بحرقة قائلة وهي تقترب محاولة تقبيل كفه فدفعها بنفور «اتحبس بس جبلي بنتي دي طيبة وغلبانة حتى اسأل غزل؟» 

قالتها بهستيريا وهي تنقّل نظراتها بينه وبين غزل المنكمشة داخل أحضانه في حِزن عتيق فقال متشفيًا فيها محتقرًا أفعالها ودناءتها «دلوك اسأل غزل؟  غزل الي رمتيها فالنار من غير ما تصعب عليكي؟  طب افرض كنت راجل عفش ووريتها الويل؟  افرض كنت جتلتها؟  ضميرك كان هيبجى مستريح؟» 

دافعت عن نفسها وهي تضرب على صدرها بكفها موجّهة نظراتها لغزل في استعطاف «أنا أم خوفت على بنتي وغصب عني حميتها» 

سألها يونس بغيظ شديد وهو يحرقها بنظراته المحتقرة «ومش مهم  طبعًا تأذي غيرك» 

رفعت رأسها له مؤكدة بقوة غير مهتمة بتلك التي تتلوى أمامها وجعًا من كلماتها «الضنا غالي» أغمض عينيه محاولًا السيطرة على غضبه وهو ينهرها «اكتمي وغوري من هِنا» 

لكنها واصلت بدناءة متجردة من إنسانيتها مستهينة بمشاعر الأخرى التي تتمزق وقلبها الذي يتهشم الآن  

«صفوة طيبة وكانت هتضيع بس غزل قوية وشاطرة» 

صاح فيها رؤوف مدافعًا عن حبيبته منتقمًا لها «قوية علشان ملجتش أم تحميها، شاطرة عشان لوحدها» 

انكمشت السيدة على نفسها مرتعبة من نظراته القاتمة بينما تابع هو بحرقة عظيمة«الله فسماه لآخد حق غزل وحق صفوة من عينيكي» 

أمسكت بطرف جلبابه متوسلة له بذل وخضوع «ماشي جبلي بنتي منه واعمل الي عايزه»

دفعها رؤوف بقدمه فسقطت ذليلة تضرب خديها مولولة، رنّ هاتفه فصمت الجميع بترقب حذر، سحب الهاتف من جيبه ورفعه مُجيبًا بنبرة ممطوطة مليئة  بالغلّ والكراهية «مرتضى» 

رفعت غزل رأسها من على صدره مترقبة تستمع بإنصات لكلماتهم 

«واه حسابك تقل يا مرتضى وموتك هيكون على يدي» 

قهقه مرتضى قائلًا ببرود وظفر «حلوة الهدية يا حفناوي؟» 

سأله رؤوف بغضب ملعون «فين صفوة؟» 

أجابه مرتضى بنبرة هازئة باردة غير مكترث بهياجه «في الحفظ والصون أنا برضو ربيتها» 

هدر رؤوف فيه بغضب وجسده كله يرتعد من انفلات أعصابه مما جعل غزل تضع كفها على صدره بتلقائية «عايز إيه؟» 

بضحكة مستمتعة أجابه «ولا حاجة عايز بنتي سلّم واستلم» 

نطقها رؤوف بتهكم وهو يوجّه نظراته لغزل التي شحبت بخوفٍ « بتك مين؟  مالكش بنتة هنا؟» 

تحلى مرتضى بالجدية وهدده بغلظة وانتقام متشفيًا فيه «بنتي قصاد بنتكم ولو مجاتش عادي أقتل مرة واتنين ومش بس كده لا دا أنا عاملك مفاجأة تانية» 

خارت قواها وضعفت فشدد رؤوف من ضمه لجسدها داعمًا وهو يزعق  «اعمل الي عايزه مالكش بنته» 

هتف مرتضى ببرود «تمام يا حفناوي متفقين» 

أنهى الاتصال فضغط رؤوف الهاتف بين أنامله مزمجرًا، نهضت والدة صفوة متوسلة من جديد دون ملل «هاتلي بنتي» 

أشاح رؤوف بغضب أعمى محاولًا السيطرة عليه والألم يسري في جسده كدبيب النمل، لاحظت المرأة تعبه وسيطرته على الوضع بصعوبة وتحريكه رأسه فاستغلت الفرصة واندفعت  «روحيله يا غزل وخلصي أختك دي غلبانة وطيبة» 

رفع عينيه بقوة واندفع ناحيتها، أمسك بذراعها وسحبها بعنف من أمام غزل، دفعها بكل قوته،فسقطت أرضًا شاهقة مرتجفة تحملق فيه برعب، بينما سحب هو سلاحه الذي جلبه معه قبل مجيئه وأشهره في وجهها مهددًا قبل أن تخور قواه ويقيده الألم «ابعدي عنها ومتجيش ناحيتها تاني .. إياكِ تجربي منها تاني» 

اتسعت الأعين بصدمة مراقبين انفعاله الحاد وخروجه عن السيطرة لأول مرة بهذا الشكل، استوعبت غزل ما يحدث فاندفعت ممسكة بذراعه تتوسله «رؤوف اهدا مش كده» 

زعق بجنون وهو يفرك جبهته الساخنة بكفه الأخرى «الناجصة ليها عين تطلبها تاني؟ عايزة تورطك تاني وتخلّص بتها ونفسها» 

ولولت السيدة وهي ترجوهم «يا ناس بنتي حسوا بيا»

رفع كفه مطلقًا رصاصة صارخة بعنف صمت الآذان وارتجفت لها الأبدان ثم صاح بتحذير مهددًا إياها «جربي منها تاني بخير أو شر وشوفي هعمل إيه؟ هخلّص منك الجديم والجديد وشوية للحبايب» 

وضعت كفيها على أذنيها مرتعشة الجسد بإنكماش بينما سحب رؤوف زوجته وصعد بها للأعلى. 

ابتسم يونس برضا مؤيدًا ما فعله متشفيًا في تلك الجالسة، اقتربت نجاة محاولة تهدئة والدة صفوة والصدمة تأخد بوعيها وعقلها مساعدة إياها على الوقوف وترك الأرض بينما صمتت سماسم وانزوت كعادتها..صرخت الجدة باكية «هاتولي بت الغالي عايزة أملّي عيني منها جبل ما أموت وأجابله»

****""

ما إن وصلا حتى جلست بإنهيار تدثر وجهها بكفيها في ذهول، حتى إذا ما استوعبت الحقائق انفجرت باكية بقوة،هرول ناحيتها بوجلٍ جاورها ساحبًا لها داخل أحضانه يتوسلها الصمت «غزل.. غزل» 

من بين شهقاتها القوية المسحوبة من عمق القلب والروح هذت «لا كدا كتير لا... ليه صفوة الي بنت عمك ليه مش أنا؟ مكنتش ناقصة كره منهم ليا أزيد من كدا» 

أبعدها عنه محاولًا تهدأتها بلهفة، أبعد كفيها عن وجهها هامسًا وعينيه تتوسلانها الثبات «ولا أنتِ ناجصة أحبك أزيد من كدا لو طلعتي بت عمي، من غير ما تكوني روحي فيكِ ومفرطش فيكِ أبدًا» 

مسح لها دموعها ثم رفع وجهها ليتثنى له التواصل مع عينيها «متبكيش كانت مكانتش متفرجش ولا ده هيزود رصيدها عندي ولا هيقلل من رصيدك، هتبجا زي ما هي» 

بهزيمة ساحقة همست «هنعمل إيه؟» 

ابتسم مهونًا عليها يطمئنها «ولا حاجة ربنا هيدبرها» 

عضت شفتيها متلوية النظرات بألم ثم همست «لو كنت أنا؟» 

استغفر معاتبًا بحنان«استغفري ، أمره كله خير، انتِ غزل حبيبتي وبت جلبي مش محتاجة مجام أعلى ولا رتبة أزيد ولا نسب يربطك وأنتِ الروح» 

ألقت بنفسها بين ذراعيه محيطةً إياه بذراعيها بقوة شاكرة ً له ممتنة لقلبه ووجوده جوارها وحنانه الذي لا يتوقف تدفقه فهمس وهو يمسح على ظهرها «الي بيني وبينك ربنا جدّره موصول لآخر العمر ميتجطعش غير بالموت هونيها عليكي» 

همست بتهدج وهي تلوذ بعاطفته الصادقة«خايفة» 

شاكسها بمرح «كلمة خايفة دي تخليني أنزل أطربجها عالكل دلوك» 

ضحكت باهتزاز فطمأنها «اهدي امتحان صغير وبسيط وهيعدي بإذن الله» 

دعت بتضرعٍ وخشوع «يارب يارب» 

**

في اليوم التالي 

نادته جدته الجالسة حين تخطاها متجاهلًا وجودها مدّعيًا الإنشغال فلا طاقة له بحزنها «حامد» وقف مستغفرًا يمسح وجهه بكفه في إرهاق واستسلام ، تعلم مدى تأثير الاسم عليه فبدأت قولها الذي يعرفه به، تذكره بما لم ينساه، الاسم الذي أصدرت يومًا فرمان عاجل بعدم نطقه مرة أخرى في المنزل حتى لا يستيقظ الشجن حين يغفو في صدرها ولا يعتصرها الحنين. 

عاد إليها باشًا رغمًا عنه، قبّل كفها واعتذر عن تخطيه لها سهوًا فنظرت لعينيه الذابلة بتدقيق معاتبة له «هتسيب بت عمك؟» 

ربت على كفها مبتسمًا بتكلّف ثم قال بهدوء  «وأنا أعرف منين إنها بت عمي؟  ما يمكن خطة من مرتضى» 

قالت بصوت متحشرج وعينين مغرورقتين بالدموع «مش هنخسروا حاجة يا ولدي يمكن لو جبتها واتطلعت فوشها جلبي يحس بضنايا فيها» 

نفض تأثره بدموعها وكلماتها وقال بحدة «أنا هخسر يا جدة زي ما دايما أنا الي بخسر» 

استفسرت منه بإرتعاش «هتخسر إيه يا ولدي؟» 

توسلها بضعف وهزيمة «طعتكم في الي فات وضاع، متجبرونيش وتضيّعوا الي جاي» 

استعطفته «فاكر وعدك لعمك الي حكتلي عليه؟» 

ابتسم ساخرًا بمرارة  يذكرها بما نسيت «وكنه عمي كان عارف وعفاني منه يا جدة» 

جادلته بالحسنى في ضعفٍ واستعطاف «بتنا وعارنا هنسيبوها مش كفاية اتربت بعيد، ريحة عمك الباقية» 

زفر شاعرًا بالضغط ورأسه يغلي كقدر قبل أن يجيبها بهدوء وصبر «يمكن مش بت عمي الي تهرب وتزوّر تعمل أي حاجة تلاجيها عايزة شوية فلوس» 

استغلت انحياز الجدة لها فتدخلت بعدما سمعت الحوار الدائر «والله بت عمك مستعدة أحلف عالمصحف» 

انتفض تاركًا كف جدته، وقف مُنفجرًا فيها بقسوة «اكتمي مسمعش حسك فالبيت دِه خالص» 

صاحت بجرأة أذهلته «لا هتكلم علشان بنتي الي مش عارفة حصلها إيه؟غزل مهما حصل دا أبوها مش هيأذيها » 

رفع رؤوف كفه للأعلى بهجوم وهو يهدر فيها «اكتمي ومتجبيش سيرة مرتي وإلا هدفنك مطرحك ومحدش يعرفلك طريق» حشرت غزل جسدها بينهما ممسكةً بذراعه قابضة على رسغه بتوسل «خلاص يا رؤوف اهدا » 

رخى ذراعه وارتجف كفه العليل بألم بدأ يظهر على محياه  فتركته ودست حبة الدواء بين شفتيه بآلية، الدواء الذي أضحى لا يفارق جيب عباءة ترتديها أو بيجامة، تحتفظ به لانهيار كهذا وما أكثر انهياراته هذه الأيام. 

لثمته بنظراتها وتحركت فجلس بإرهاقٍ وتعب يشد ذراعه كوتر وهو يتألم من فرط ما يكتمه ثم رفع رأسه للأعلى متأوهًا بقوة قبل أن يزفر الألم مع الأنفاس، حاولت والدة صفوة التحدث ثانية فمنعتها غزل متوسلة «أرجوكي كفاية مش هيتحمل»

لكنها ابتعدت محملقة فيها بذهول وهي تقيّمها بنظرة مستنكرة، تهز بصرخاتها المنزعجة قلبها «طيب هو وميعرفش صفوة وأنتِ يا غزل؟  مش سامعة صوتك ولا شايفة خوفك على أختك» 

تحركت غزل تلقائيًا ناحيته لتطمئن عليه، مسحت على رأسه بحنو ثم قبّلت جبينه في تقدير وبعدها ابتعدت عنه هاتفة «طنط أنا خايفة على أختي وكل حاجة بس واثقة فرؤوف وعلشان... 

صمتت غزل بتردد وانكسار ثم أخذت نفسًا قويًا وأكملت بدموع «علشان أول مرة مبقاش قادرة أنفذلك حاجة ولاعايزة، المرة دي بتطلبي قلبي يا طنط الي لو خدتيه أنا هموت»

جحظت عينا المرأة بصدمة هزت أركان ثباتها حينما جردتها غزل من أمومتها لها ماحيةً سنين العمر في لحظة ، بنظرة لائمة منكسرة عاتبتها «طنط» 

منحتها غزل نظرة مؤكدة ثابتة الخطى ناحيتها لا متمايلة بالندم ولا مهزوزة بالتردد، أطبقت المرأة شفتيها بحقدٍ وغيظ قبل أن تهتف «تمام يا بت جوزي بس الي عشتيه مع الراجل الي مش عايزة تسيبيه مش أد الي عشتيه مع صفوة» 

ابتسمت غزل بسخرية قبل أن تهتف «أهم شوية الأيام دول راضوني عن عمر فات بكل وجعه» 

هتفت بتلعثم واضطراب «أنا مقصرتش معاكي» 

منحتها غزل نظرة تقديرية «صح يا طنط مقدرش أنكر إنك كنتي مرات أب كويسة وحنينة» 

فغرت المرأة فمها بصدمة فتابعت غزل بقوة «بس مدتنيش أكتر من كونك مرات أب، لا أنتِ ولا مرتضى ليكم حاجة عندي ولا شيلالكم أي جميل ومعروف واجب عليا أرده» 

رفع رأسه المتعبة من على حافة الأريكة وحركها مستعيدًا وعيه محركًا ذراعه، فقالت غزل بجفاء ونظرة متشفية ساخرة  «متطلبيش مني حاجة بعشم ولا تستني مني حاجة وتحاسبيني لو معملتهاش، أنا هعمل الي أحبه وقت ما أحب بإرادتي ومش علشان حد، لإني مش هختار بعد كدا غير نفسي وجوزي بس» 

ضربت المرأة على فخذيها مولولة «عيني عليكي يا صفوة يا بنتي» 

استدارت غزل متجاهلة قولها ورثائها، تركتها خلف ظهرها واقتربت مبتسمة من زوجها تعرض المساعدة «يلا بينا فوق يا حبيبي» 

منحها كفه المرتعش فضمته برقة وسحبته برفق ثم لفّت ذراعه حول كتفيها وسارت به تحت نظرات زوجة أبيها المشتعلة الحاقدة «إيه رأيك يا متر أعملك النهاردة بيتزا وناكل أنا وأنت والشباب ونسهر» 

اندفعت المرأة ناحية جدته الصامتة بحزن وإنهاك قبّلت يديها متوسلة «رجعولي بنتي متسبوهاش مش بعيد غزل متفقة مع أبوها» 

ختمت كلماتها ببكاء حاد جعل الجدة تواسيها بالدموع والكلمات «بإذن الله خير رؤوف واد ولدي أنا عرفاه ميسيبش ريحة عمه، دا مبيحبش حد كده» 

دعت المرأة بحرقة وهي تبكي «ربنا يهديه مش عارفة غزل بتعمل كدا ليه؟ » 

هتفت الجدة بضيق «العرق يمد لسابع جد وهي مهما عملت دمها معكر بدم مرتضى» 

صمتت المرأة بحقدٍ وغل بينما عادت الجدة للرثاء المقهور. 

***

مساءً

تمدد جوارها فوق التخت، أحاط خصرها هامسًا وهو يمسح بكفه على خصلاتها «غزل.. غزل» 

أدّعت النوم مقررة الهروب منه والاختباء حتى همس بضعف «غزل اصحي؟» حينها لم تستطع المقاومة والثبات عدّلت وضع جسدها وأجابته برقة «نعم» 

ابتسم برضا وهو ينظر لملامحها المضاءة بابتسامة حنون وهمس «وحشتيني» 

ضحكت بنعومة هامسةً «وأنت كمان يا حبيبي» 

تنقلت نظراته عليها كالنحل فوق الزهور وهو يهمس «مش هتتكلمي معاي؟» 

ابتلعت دموعها وأجابته بمرح كاذب «لا مش هتكلم» 

مسح على رأسها بحنو بالغ وهو يهمس مترجيًا لها «جوليلي الي فنفسك وخليني أسمعك، ساكتة أنتِ ومسهّمة من ساعة الي حصل» 

راوغته وهي تسحب كفه مقبلة ثم محتضنة لها «لا عادي» 

لانت نظرته الحادة بإنكسار وهو يسألها بشبه توسل لها «غزل أنتِ مش هتسبيني صُح مش هتمشي ولا هتضحي بي عشانهم؟» 

صمتت بوجع وهي تتأمله ثم أجابته بابتسامة مهزوزة «أنا أضحي عشانك مضحيش بيك» 

ضمها لصدره قائلًا بهزيمة «ولا عشاني يا غزل» ضمته مستسلمة بين ذراعيه للوجع الذي ينحرها محررة دموعها الغزيرة من سد القوة العالي الذي شيدته أعوامًا والآن ينهار فوق رأسها، تأوه بصوت عالي متوجعًا مثلها، يشاركها الخوف نفسه وهو يقسم «والله ما هسيبك مش عايز حاجة من دنيتهم دي غيرك علشان أجدر أكمل الي باقي» 

رنين الهاتف أبعدها عنه، جلس قائلًا بدهشة عانقت ملامحه «دي أم عبدالله» 

مسحت دموعها وقالت بسرعة «رد طيب يمكن محتاجة حاجة» 

تنهد بإستسلام وأجابها بود «إزيك يا أم عبدالله» 

أجابته بوهن شديد «ازيك يا أستاذ» 

كتمت توجعاتها مطبقة شفتيها تمرر تموجات الألم بأنفاس مضطربة قبل أن تهمس «سامحني يا أستاذ بس معرفش حد غيرك» 

انتفض واقفًا بهلع من تسارع أنفاسها «في حاجة أنتِ وعبدالله بخير» 

بسرعة شاركته غزل السؤال لطمأنة  الأخرى «هدى أنتِ كويسة؟» 

من بين شهقات بكائها استغاثت  ببعض الخجل والحرج مما تنطق به«تعبانة ومحتاجة أروح المستشفى ومعرفش حد غيركم وأبوي مبكلمهوش» 

ارتدى خفه تاركًا الهاتف لغزل تطمئنها وسارع بتبديل ملابسه في عجالة «حالا يا أم عبدالله اطمني» 

ابتسمت غزل له بإشراق ونظراتها تلاحقه بإعجاب وفتنة، فهذا الوقور لا يتوانى عن مساعدة المحتاج ولا يتردد في المساعدة مهما كلفه الأمر ومهما بلغ حزنه وألمه، طمأنتها غزل برفق «هيجي بسرعة متخافيش» 

أنهت هدى الاتصال فسارع رؤوف «يلا يا غزل البسي» 

استفسرت بتقطيبة «هروح معاك؟» 

ابتسم مشاكسًا لها بمرح «امال هروح لوحدي معاها يا أم مخ تخين؟  بعدين عشان تساعديها وتاخدي بيدها»

قفزت من فوق التخت بحماس ونشاط فناداها «غزل تعالي» 

اقتربت منه مستفسرة «إيه» 

قبّلها برقة شديدة ثم تركها هامسًا «لاه بس اشتقت» قبلته بسرعة خاطفة وهي تضحك بنعومة وبعدها غادرت لتبديل ملابسها استعدادًا للمغادرة. 

أوصلها للمشفى و تركها لغزل تعاونها ورحل بالصغير، بعد قليل عاد ممسكًا بالصغير في يده بعدما اشترى له الحلوى والأطعمة المختلفة إلهاءًا له، سألها حين رآها تخرج من الحجرة «خير يا غزل؟» 

أخبرته بأسف حقيقي «إجهاض ربنا يعوض عليها هيدخلوها العمليات وهتبقى كويسة بإذن الله بس محتاجين دم لإنها للأسف سابت نفسها تنزف كتير» 

جلس على أقرب مقعد منهكًا، أجلس الصغير وأغمض عينيه بصمتٍ وحزن، جلست جواره فورًا تسأل بقلق «مالك يا حبيبي» 

فتح عينيه المغرورقة بالدموع فتلصصت على حزنه من نوافذ روحه، ربتت على كتفه مواسيةً بحنان ورقة «أد كده بتحب الأطفال؟» 

أجابها بصوتٍ خافت متأثر «ربنا يعوضها عنه خير» 

ابتسمت بدموع متحجرة وخزت عينيها وقالت «يارب ويعوضك حرمانك ويرزقك أد ما بتتمنى» 

نظر لعينيها هامسًا ومناخ نفسيهما قد بدأ في الإعتدال«يارب يا غزل ويكونوا منك» 

لاحت الحسرة في عينيها اللامعة فانطفأت وذبلت أغصان أملها المورقة، ربطت نظراتها بالأرض في صمتٍ فهمس بإصرار كأنه يؤكد على أمنيته ويحذرها من المساس بها «منك يا غزل وإلا معيزهمش» 

أغمضت عينيها متنهدة لا تعرف بما تجيبه، دقائق والتقت نظراتهما في طريق العشق ،  مانحة وعدها ضمادًا لجروح القلب «ولا أنا عايزة أكون أم لغير ولادك والله» تعكرت نبرتها بالأسى والحزن فابتسم هامسًا «جولي يارب وبس، خلي عندك يقين بقدرته وعدله ورحمته» همست بتضرع «يارب» 

في منتصف الليل دخل بها المنزل فوجد جدته مستيقظة تنوح بطريقة قبضت قلبه وأسقطته في هوة سحيقة مظلمة زفر بإنزعاج شديد وهو يرفع رأسه مستغيثًا «يالله» 

شددت من احتضان كفه في مؤازرة دفأت قلبه، أسقط نظراته عليها فابتسمت برقة، تحرك بها متجاهلًا جدته فلا طاقة له بجنود غمها التي تطلقها في وجهه كلما التقيا، صعد للأعلى بصمت فسألته غزل «ليه مروحتش هونت عليها شوية» 

أجاب بجفاء «تعبان عايز أنام» 

توقفت هامسةً «متقساش عليهم علشاني يا رؤوف» 

نظر لعينيها الدافئة مفتشًا عن سكينة قلبه في أحضانها وهمس «مش بقسى عليهم بس بحط حدود للكلام وللطلب والتدخل، أي نقاش معاهم هيضيع وجت وطاقة ومجهود» حدّق فيها بنظرة اختلج لها قلبها وهمس «ولا حد يجدر يفهم الي بيني وبينك غيرنا ولا حد هيجدّره، أنا بدافع عن بتي كيف يفهموها دي» 

أدمعت عيناها بإمتنان ومحبة فقال بقوة «أنا أبوكي وأمك وناسك أدافع عنك بروحي والقول الي هيوجعك مسمعهوش والجعدة الي هتضايقك بلاها منها، أنتِ مرتي كرامتك من كرامتي» 

همست وهي تتأوه لوعة وعشق «كتير عليا حبك وكتير عليك الي بيحصل بسببي» 

أحاط كتفيها وضمها لصدره قائلًا «جيتي بعد شوقة للونس، مليتي القلب وريحتي العقل، كنت فقير فأغناني ربنا بيكِ، خليتي للعمر معنى وقيمة» 

سقطت دموعها هامسةً بترجٍ وقلبها يخفق بجنون «سامحني يا رؤوف لو معرفتش أحبك حب تستاهله، سامحني لو حبي ليك مش كافي» 

واصل الصعود بها للأعلى قائلًا «حبيني زي ما عايزة قليلك لقلبي زاد وكتيرك نِعَمّ» 

****

جلس علاء جوارها مستفسرًا بضيق وانشغال «هدى مبتكلمكيش؟» 

قالت هازئة وهي تنقر بأناملها فوق الهاتف بعجالة«لا» 

سألها وهو يمد نظراته لهاتفها متلصصًا «مكلمتهاش أنتِ؟» 

أزاحت الهاتف جانبًا بضيق من نظراته الفضولية قائلةً بغيظ وتوبيخ«حاولت بس بتجفل فوشي الكلبة» سألها من جديد بصبرٍ على حدتها وحماقتها «طيب يعني هتسبيها كدا؟» 

رفعت نظراتها من على الهاتف متأففة بضجر «أعملها إيه يعني ما أنا جولتلك روحلها» 

قال بضيق من بين أسنانه المطبقة حنقًا «بروح ومش بترد ولا بتعبرني» 

عادت لانشغالها بالهاتف قائلةبعدم اكتراث «خلاص كبّر دماغك منها» 

انتفض ملدوغًا بقولها وعدم اكتراثها «نعم يا أختي بعد دا كله؟» 

وضعت هاتفها جوارها وقالت بغضب«أمال أعملّك إيه؟» 

صاح فيها بضجر شديد «يا سلام على برودك، أمال أنا ساعدتك ليه؟» 

عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة بضحكة متهكمة  « وأديها مكملتش وخربت خلاص» 

هددها بفظاظة متحديًا إياها «أنتِ لو ما ساعدتنيش إنها ترجع ونكمل أنا هخربها خالص وأطربقها على دماغك أكتر ما هي متطربقة» 

ضمت شفتيها وهي ترمقه بإحتقارٍ ثم قالت بإستهانة «يعني هتعمل إيه؟» 

مال فمه بسخرية قائلًا بثبات «كتير تحبي تجربي؟» 

اهتزت نظراتها الواثقة فابتسم باستهزاء وسألها «ها؟» 

امسكت بهاتفها وأشاحت قائلة وهي تغادر محيطه بغضب مكتوم «ماشي هتصرف» 

توقفت على نداء والدها الغاضب الآتي من المندرة الصغيرة التي يأخذ فيها قيلولته «بت يا آيات» 

زفرت بحنق قبل أن تذهب إليه مُلبية «أيوة جايه حاضر» 

وقفت أمامه فلملم جلبابه مكورًا ودفعه بوجهها صارخًا فيها«مش جولتلك اغلسليها زين يا بت معايا مشوار؟» 

تناولت الجلباب بين يديها وتأملته قائلة «ما أنا غلستها» 

صاح فيها بتهكم وهو ينتعل الحذاء «مباينش عليها يا خيبانه، تلاته بالله العظيم لو ما غسلتيها وقرضتيها على يدك زين يابت لأنزّل العصا على جتتك أهريها» 

تحرك من أمامها فنفخت بسأم وهي تتأمل الجلباب الواسع الكبير بقرف فهي لم تشارك والدتها يومًا أعمال المنزل فقط هدى هي من كانت تفعل وحتى بعدما تزوجت هدى كانت تتولى تلك المهمة، أما هي كانت بمنزل رؤوف لا تهتم سوى بملابسها فقط وهو لا يكلفها شيئًا يضع ملابسه داخل الغسالة ويجففها ثم يقوم بكيها وحده لا ينتظر حتى تفعلها.

 غمغمت قائلة «فينك يا هدى الزفت ناقصة أنا جرف أبوكي» 

اقتربت منها والدتها متسائلة «أبوكي كان عايز إيه؟» 

أجابتها بضيق وهي تشير للجلباب الكبير «عايزني أغسلّه الجلابية تاني» تناولتها والدتها منها قائلة «روحي شوفي البقرة عايزة تشرب، شربيها وارميلها حشيش وسبيلي الجلابية أغسلها أنا»

هتفت آيات بيأس وملل«لاه أغسل أرحم ووكلي وشربي أنتِ» 

مصمصت والدتها بحسرة قبل أن تسألها«أختك مردتش عليكي؟ جلجانة عليها وأبوكي حالف عليّ» 

تحركت آيات من أمامها قائلة بإنزعاج «لاه متزفتتش» 

سارت ناحية المرحاض داعية على رؤوف فدعت لها والدتها وهي تتحرك نحو الحظيرة المتصلة بالمنزل «ربنا يصلح حالك يا بتي»  

*****

في الصباح 

وقفت مبهوتة مما تسمع بقدمين منغرستين في وحل الصدمة اللزج، كلما حاولت تحريكهما للهرب والخلاص فشلت، وضعت كفها على فمها مغرورقة العينين بدموع « يطلجها ويسيبها ويتجوز بت عمه أولى منها» قالتها الجدة فهتف طاهر غاضبًا من كلماتها «لاه مش هيحصل ولا هتعملوا كده فغزل» 

اتحد يونس معه في القول صارخًا فيها بلا رادع من احترام «كفاية ظلم للبت الغلبانة» 

تدخل والده هاتفًا «طول ما غزل هنا مش هنخلص وبت عمك لازم ترجع هنسيبها يعني؟» 

صرخ يونس بعصبية مفرطة «لاه وأنا هروح أجتله، يعني إيه رؤوف يطلق غزل ويكسر خاطرها فشرع مين دِه» 

وقف خلفها بصمت يستمع لما تستمع إليه ويجعلها بتلك الحالة المزرية حتى أنها ما شعرت باقترابه منها، أطبق شفتيه بغضب مستعر قبل أن يتحرك مُعلنًا عن وجوده، رفعت نظراتها المصدومة إليه فضم رأسها لصدره بصمت مهدئًا من روعها، ثم ابتعد ساحبًا لها من كفها للداخل مقتحمًا جلستهم رغم رفضها لما ينتويه، وقف أمامهم بقوة وصمود، شامخًا كالجبل بهيبة وسيطرة لا يمتلكها سواه، صاح فيهم «سمعوني تاني الي بتجولوه» 

أمسكت جدته بدفة الحوار قائلة «طلّق بت مرتضى ورجعها، هات بت عمك هي أولى بيك وأنت أولى بيها» 

استنكر قولها القاسي فصاح بتهكم «ليه هي كيلو طماطم» 

أشاحت الجدة مُعلنة بحدة «معيزينش حاجة من ريحة الخاين دِه فبيتنا تاني» 

انتفض ناثرًا حكمته ورزانته تحت أقدام الغضب «مرتي مش هتمشي ولو مشت رجلي على رجلها»

تدخل الشابان مؤيدين لقراره «واحنا معاه، أختنا متفارجناش»

أشار لهم رؤوف مهددًا «محدش له دعوة بمرتي ولا يكلمها» 

التقط أنفاسه وتهكم من قراراتهم بفظاظة «اتجوز يا رؤوف طلق يا رؤوف هو رؤوف دِه حجر؟» 

نهض والده محذرًا إياه بعصبية «متعليش صوتك» 

صاح فيه رؤوف «لاه أعليه ونص مرتي جعدت تحت رجلكم وكّلت وشرّبت وداوت واتحملت، دلوك تجولوا معيزنهاش ظلم هو وخلاص» 

صاح والده وهو يتقدم منه متحفزًا«وطي صوتك واتكلم بأدب» 

اندفع رؤوف بهياج «مفيش أدب طالما بتكسروا بخاطرها جدامي من غير أي اعتبار» 

شدت كفه هامسة بحشرجة «خلاص يا رؤوف» 

هتف والده بضيق «معايزينش مصايب مع أبوها تاني» 

قال متحديًا له بقوة «أنا كدها المصايب وعايزها يا ناظر ومفرطش فمرتي» 

هدأه يونس بإشفاق فصمت ملتقطًا أنفاسه ثم تابع «من عقلكم أنتو عايزيني أتجوز صفوة؟» 

هتف والده ببساطة «ليه مش من عقلنا مش بت عمك؟ طاهر ويونس مش هينفع دلوك بس أنت ينفع» 

استدار رؤوف منهيًا الجدال والنقاش عند تلك النقطة، يسحب زوجته خلفه «لاه دا كده هتجننوني» 

صعد بها للأعلى وهو ينبهها بعصبية «متخطيش تحت خالص ولا تعمليلهم حاجة ولو حد طلعلك فوق مترديش عليه»  

لكنها كانت في حالة يرثى لها من الذهول والصدمة لا تصدق ما سمعته بأذنها ولا سرعة تخليهم عنها ولا الفكرة المطروحة التي يناقشونها بكل أريحية وبساطة، كيف يصبح حبيبها لغيرها محرمًا عليه ببساطة هكذا؟  كيف تصبح أختها زوجته؟ وماذا سيفعلان؟ وكيف سيهربان من هذا المأزق؟ 

***

مساءً

تعجب من مجيء عمته وتوجس منها خيفة لكنه سمح لها بالعبور والجلوس بقلق وترقب وفضول لمعرفة سبب صعودها لهما الآن بعد تشديد منه بألا يفعلها أحد مقرراً الإنعزال التام بها وحمايتها مما يدور بالأسفل ويقال ،  

جلست سماسم بهدوء ثم سألت غزل الباشة بحنوٍ وعينيها تتفقد ملامحها بإهتمام وليد الأيام والمعاملة الطيبة «ازيك يا غزل يا بتي عاملة إيه» أضاءت نظراتها المنطفئة وابتسمت ببهجة وهي تجيبها بحماس «الحمدلله يا طنط بخير» 

نظر إليها بحب يفصح عنه بكل الطرق ويعلنه مع كل نفس، ثم ضمها في حماية وسعادة لأجل فرحتها الظاهرة بسؤال عمته،وقبولها بأقل القليل، قبّل رأسها غامرًا لها بذراعه في حماية، تأثرت سماسم مبتسمة لهما برقة، مما جعل الأخرى تخرج من كنفه متوردة بخجل، حمحمت قائلة وهي تصد نظراته _التي تعانقها_ بحياء «طنط تشربي إيه؟» 

أجابتها سماسم بنظرة ممتنة «شاي بالنعناع والقرنفل» 

قالت ببهجة طفولية وعفوية محببة «كلكم بتشربوه كدا» 

أكدت سماسم «جوزك عودنا عليه» 

غادرت للداخل بحماس، ثم عادت لركوة الفحم في استعداد، نهض عارضًا مساعدته «هاجي أعمله بعّدي عن النار يا غزل» 

أومأت بطاعة وهي تمنحه أروع ابتساماتها وأجمل نظرات العشق، راقبتهما سماسم بمحبة، يجلسان ملتصقان لا يسمحان حتى للهواء بالعبور بينهما، يتهامسان بشغف ويبتسمان برضا، رنّ هاتفه فنهض فورًا ليجيب، رحل فرحلت معه نظراتها المهتمة مؤطِرة جسده بنظرة غرام  ، أنهى الاتصال وعاد قائلًا «هنروح نجيب أم عبدالله يا غزل»

أجابته بفهم وطاعة «تمام يا متر» 

جلس جوار عمته فمالت هامسةً له بشجن وهي تنظر لغزل الشاردة «لما أبوها قالها هجتله قالتله هجتلك وأجتل نفسي» 

نظر لعمته بدهشة فابتسمت بتأكيد، عادت نظراته للجالسة أمامه بنظرة متأثرة بعدما مس قولها شغاف قلبه ولثم ندبات فؤاده المعذب. 

همست عمته مؤازرةً بحيادية «أخوي غالي جوي وغلاوة بته من غلاوته، بس غزل برضو حبيبة الحبايب وغالية ربنا يجدرك وتردها بالسلامة من غير أذى لغزل» 

ثم سألته وهي تتناول كوب الشاي من يد غزل «مالها أم عبدالله؟  » 

أجابها رؤوف وهو يتناول كوب الشاي من يد زوجته شاكرًا « كانت حبلى وخسّرت» 

عبست غزل موقفة استرساله «طلاسم دي يا متر.؟»

أوضح رؤوف بصبر «حبلى يعني حامل، خسرت يعني سقطت» 

جلست جواره قائلة بمرح «تمام يا معجم» 

نظرت لكفه الحاملة للكوب بقلق فتعبه أصبح يمتد لفترات طويلة نتيجة الضغط الذي يتعرض له يوميًا، عرضت عليه بلطفٍ ومراعاة «رؤوف هات أمسكلك الكوباية لغاية ما تبرد علشان إيدك متتأذيش» ٠ 

بنظرة ممتنة عاشقة أجابها «لاه عادي» 

أصرّت عليه «همسكها بدالك وهشرّبك» 

وضعها على الأرض زافرًا بقنوط «أها عشان لا أمسكها أنا ولا أنتِ» 

ابتسمت سماسم لمشاكستهما وسألت «هي هدى أهلها مش معاها؟»  أجابها رؤوف منشغلًا برغبة غزل في الإمساك بكوبه الساخن بعدما لاحظت ارتعاشة طفيفة في كفه «لاه متعركة معاهم وجوزها سافر يعمل عملية» 

دعت له سماسم بصدق «ربنا يرده مجبور الخاطر» أمم على دعائها فسألته غزل «هي هتقعد لوحدها إزاي دلوقت يا رؤوف؟» 

أجابها بقلق «جولتلها تيجي هنا بس هي مرضيتش»

اقترحت غزل بعفوية «أقعد معاها أنا» 

أجابها بعبوس وضيق «لاه طبعا» 

سألته بانتباه «ليه عادي؟» 

أجابها بإمتعاض وغيظ «لاه مش عادي عشان حاجات كتير» 

اسكتتهما سماسم عن الشجار والمشاكسة «هروح أنا خدوني معاكم وأرجع معاها» 

نظرا لبعضيهما بدهشة اختلفت أسبابها، فرؤوف تعجب من عرض عمته تلك التي لا تخرج إلا للضرورة ولا تشارك أحد قولا أو فعلا، أما غزل فاندهشت من سلاستها العجيبة في الطلب ورغبتها في المساعدة وهي المنعزلة قليلة الكلام. 

أنهت سماسم الكوب ونهضت قائلة «هروح أجهز على ما تخلصوا نقار وتنزلوا» 

انتهت من ارتداء ملابسها وجلست منتظرة له وهو يتنقل بين الخزانة وطاولة الزينة، يقلّب ملابسه مستكشفًا منتقيًا لها بعناية، منشغلًا عنها بالاختيار، التفت يطلب «ما تيجي تختاريلي يا غزولة» توقفت نظراته عليها باستفسار قلق، تحركت ناحيته بعينين مغرورقتين بالدموع وهمست بصوت مرتعش وابتسامة مهزوزة «رؤوف ممكن أصورك؟ » 

قطب بإنزعاج قبل أن يسألها بلطف مرتجف القلب من هول افتراضه لطلبها«ليه؟» 

أخفضت الهاتف مبررة له وهي تتحاشى الالتقاء بنظراته التي تعانقها الآن بخوف «لا عادي أصل مالكش ولا صورة عندي ولا اتصورنا مع بعض تخيل» 

سحب من يدها الهاتف وجذبها ضامًا لها يطمئنها برفق «متخافيش من حاجة ولا حد يقدر ياخدك مني» 

تأوهت متألمة بنغزة حادة في القلب، فمسح على ظهرها مواسيًا يعدها «أوعي تخافي وأنا معاكي هنسيب كل حاجة ونمشي، هنبعد ونروح نعيش عند خالتي زي ما بتتمني» 

دفنت وجهها بصدره منتحبة بقوة تفرغ شحنة جذعها  وخوفها على صدره،فانتفض محيطًا لها بقوة، غامرًا لها بذراعيه ومسيجًا جسدها بالأمان «أنا مشتريكي بعمري الي فات وأشتريكي بالغالي والي جاي يا حبيبتي والله» 

همست بضعف وهي تمسك بذراعيه «دول أهلك وأنا ولا حاجة» 

ارتجف جسده وتململ في وقفته منزعجًا يهتف بعجالة وعصبية  «أنتِ كل حاجة هما أهلي أيوة وبطيعهم وأرضيهم بس المرة دي مفيش طاعة ففراق روحي، شوية ويرضو بس مسبكيش بروحي والله» 

زاد بكاؤها فبدت شهقاتها رثاءً له، تحرك بها ناحية التخت وجلس محيطًا لها يربت عليها بحنو ويهمس لها بحزن، يوصيها بقلبه العاشق خيرًا «ثقي في يا غزل وارحمي قلبي وطمنيه عليكي» 

دثرت وجهها بكفيها مفصحة «خايفة أبعد عنك أوي» 

أبعد كفيها عن وجهها ومسح وجهها من الدموع مترجيًا لها «اهدي مش هيحصل حاجة ربنا هيقف معانا بإذن الله معيزهاش صفوة دي أنا ولو مش هترتاحي هِنا نمشي ونعيش وحدنا بس اهدي » 

ابتعدت عنه قائلة وهي تمسح دموعها «يلا روح كمّل علشان منتأخرش» 

نهض ساحبًا لها من كفها حتى الخزانة وهو يطلب «يلا اختاريلي على ذوقك» 

تقدمت من الخزانة بطاعة مفتشة عن ما يرضي ذوقها بحماس. 

*****

عاد بعدما أوصل هدى وعمته للمنزل، صعد لأعلى ممسكًا بكفها كما اعتاد، 

ناداه والده أثناء صعوده للأعلى بصحبتها أشار لغزل بالصعود والعودة حتى يأتيها، فامتثلت لأوامره وصعدت للأعلى بينما دخل هو حجرة والده حانقًا يستغفر في سره، تبعه يونس لشعوره بالخطر، ذهب معينًا له يُعلن المؤازرة واستعداده للدفاع عن زوجة أخيه.. وإعلان رفضه التام لما يتهامسون به سرًا وتتناقله الأفواه وتفضحه النظرات. 

دخل رؤوف الحجرة وفي أعقابه يونس، سلّم على والدته وجلس ممسكًا بمسبحته يمرر أنامله عليها متحصناً بذكر الله. 

سأله والده بهدوء وهو يراقب ملامحه بدقة «عملت إيه يا رؤوف؟» 

أجاب بمراوغة مدّعيًا الجهل «فإيه يا أبوي؟» 

أجابه عدنان بصبر «موضوع بت عمك؟» 

مال فمه ببسمة متهكمة ثم أجابه «مين جال بت عمي أنا لسه متأكدتش؟» 

زفر عدنان بصبر ثم قال «على متى كده هتخلص تأكيد؟» 

أجابه رؤوف ونظراته تعتنق حبات مسبحته «ربنا يسهل زين بيعمل تحرياته وهنشوف» 

سأله والده بضيق «وهي هتفضل مع مرتضى كل دِه؟» 

استغفر رؤوف ثم أجابه بحدة «وكأن الي مربيها مش مرتضى ولا عاشت معاه العمر كله!» 

جادله والده بتحفز شديد «ودلوك عرفنا معدلهاش جعاد عنده ولا نآمنله بعد الي حصل» 

استفسر رؤوف وهو يمسح وجهه متمالكًا أعصابه «وعايز مني إيه يا أبوي؟  » 

أجابه بجدية «ترجعها» 

انتفض رؤوف خارجًا عن هدوئه، شاعرًا بالضغط والمحاصرة «مش هيرجعها غير لما تروحله غزل» 

أجابه والده ببساطة «طب ما تروحله غزل بته ومش هيمسها بسوء» 

استنكر رؤوف قوله  وصاح بغضب «كيف يعني أبعتله مرتي كده عشان أخلص واحدة مضامنش هي بت عمي صُح ولا لعبة منهم» 

سأله والده بغضب «ولو جولتلك هي بت عمك هترجعله غزل وتجيبها» 

وقف صامدًا يرفع رأسه للأعلى بشموخ منهيًا الجدل «لاه يا أبوي مش هضحي بمرتي ولا هبهدلها حتى لو كانت بت عمي صُح» 

صاح والده بغضب شديد «كيف يعني ومين هيسمحلك؟»

أجابه رؤوف بهدوء «مش هستنى حد يسمحلي مرتي مش هتطلع من البيت وبت عمي الحكومة تجيبها» 

استنكر والده قوله وحملق فيه«وهنستنى دِه كله؟» 

ابتسم رؤوف بسخرية قائلا «مفرقتش استنينا كتير معلهش لو استنينا شوية» 

صاح والده بعصبية ليست من طبعه «مكناش نعرف لكن دلوك فرجبتنا وعرضنا منسبهاش» 

أجاب رؤوف بنفس الهدوء المغيظ «هنعمل الي علينا وربنا يعين» 

زعق والده بنفاذ صبر «وليه منرجعش غزل وبعد كده جيبها منه؟» 

حدق رؤوف فيه باحثًا عن ذرة إنسانية قبل أن يصيح بغضب «غزل مش هترجع على جثتي يا ناظر، مرتي مش هفرط فيها» 

سأله عدنان بغضب «والحل يا أستاذ حاطط أنت يدك فالميه الباردة طيب اعمل حساب لعضم التربة» 

هدر رؤوف فيه «عمي لو عايش مكانش رضي بالأذى ليتيمة يا أبوي» 

سأله عدنان وهو يقترب منه بتحفز«جصدك إني عايز أأذي مرتك؟» 

أجابه رؤوف بصدق «أيوة،مبتفكروش غير فنفسكم وبس والي عايزينه لا صابرين نحلها ولا ساكتين ولا مراعييني فيها، وأنا ساكت ومتحمل »

وضعت نجاة كفها على قلبها بقلق ونظراتها تتسابق فوق جسديهما بينما كان يونس يتابع بأدب ودون تدخل رغم ضيقه الشديد. 

سخر منه والده «لاه متتحملش وورينا هتعمل إيه؟» 

أغمض رؤوف عينيه محاولًا التحكم في غضبه وكبح انفعالاته لكن لم يفلح وفتح عينيه هاتفًا «هاخد مرتي وأمشي وماليش دعوة بحد خلصوا بتكم بطريجتكم ومع نفسكم» 

نال من والده صفعة أحيطت بشهقات والدته ونظراتها اللائمة المغرورقة بالدموع، بينما تراجع رؤوف خطوة مبهوتًا لا يصدق فعلة أبيه يضع كفه على خده في صمتٍ وذهول، اندفع يونس غاضبًا وقف بينهما حائلًا مؤازرًا أخيه بوجع «ليه كده يا أبوي هي حصلت؟ رؤوف مغلطش أنتم زودتوها جوي معاه ومع مرته» 

أشهر والده سبابته محذرًا بغلظة «ملكش دعوة وأسكت  يا يونس» 

صاح يونس فيه برعونة ونظرات متألمة «لا مش هسكت ومع أخوي فكل الي قاله دلوك وحقه يدافع عن مرته ويخاف عليها ومش من العدل تيجو عليه عشان واحده منعرفش بتنا ولا لاه» 

انسحب رؤوف بصمت فنهضت نجاة خلفه متوسلة «استنى يا ولدي أبوك ميجصدش» 

أوقفها عدنان زاعقًا «ولدك عايز يمشينا على مزاجه عايز يربينا» 

تدخل يونس مدافعًا بقوة «طول عمره ماشي على مزاجكم و بيراضي الكل على حساب نفسه يا ناظر وشايلنا، ليه لما مرة من نفسه اختار جايين ضده» 

جادله عدنان «بتنا أجابل أخوي كيف وأجوله إيه؟  نسيبها كيف لمرتضى واحنا عارفينه زين وعارفين كرهه لينا دلوك» 

هدر فيه يونس «ورؤوف مفكرتش فيه ليه؟  بيجولك هحلها بس براحتي مستكترين عليه يدور على نفسه ليه؟ أنتم مشيفينش روحه فغزل كيف؟  بالله عليكم محسينش بيه؟  بعد ما ربنا عوضه بيها تجوله رجعها ببساطة ده منتهى الظلم والأنانية» 

رفع عدنان كفه لصفعه فانحشر جسد نجاة بينهما متوسلة بنحيب بعدما عادت خائبة خالية الوفاض بحزن  «لاه يا ناظر كفاية» 

صاح بزمجرة «مسمعاش جلة أدبهم» 

هتف يونس بجرأة ونظرة متحدية «الحق عندك جلة أدب؟  والله العظيم لو غزل مشت وأخوي متراضاش ما أنا جاعدلكم فالبيت دِه أنا ولا طاهر واشبعوا بصفوة وأمها» 

تحرك عدنان بغضب فقيدته نجاة بذراعها متوسلة بضعف«سيبهم دلوك» 

تحرّك يونس قائلا بتحدي «سبيه يا أما أبوي لو ضربني بعد ضرب رؤوف ولا هيفرق، جلبي اتكسر مع أخوي ألف مرة» 

صاح عدنان «شايفة ربايتك وجلة الأدب» 

وقف يونس على الباب قائلًا ببسمة ساخرة «فوق يا ناظر أنت خلفت بس الي ربى وكبر وعلم وشال رؤوف وربانا عالحق، ورد الجميل له كلمة حق قولتها» 

قبل أن يصل إليها جلس متعبًا يزفر الإرهاق ويتنفس الهوان، وضع كفه على قلبه المحطم ممسكًا بقطعه المتناثرة ململمًا لها من جديد، كلما تباطأت نبضاته لملم بخياشيمه ما يحتاجه من الهواء وتأوه.. حتى تماسك وتابع الصعود بنصف قوة وأفكار مبعثرة ووهن شديد، شدّ الرحال لمسكنه الآمن بين ذراعيها، باحثًا عندها عن الأمان.. 

دخل المكان فلم يجدها فتحرّك لحجرته فورًا وتمدد فوق مخدعه  مدثرًا رأسه بذراعه في انكسار وحسرة، خرجت من المطبخ فور شعورها بمجيئه مسحت كفيها ودخلت خلفه منادية باسمه «رؤوف» 

أجابها بضعف «هاتي الدوا وتعالي يا غزل» 

بخفة كانت تتناوله من درج مكتبه وتقفز بسرعة فوق التخت، أزاحت ذراعه عن رأسه كاشفةً عن وجهه ثم وضعت الحبة بين شفتيه وهي تتأمله «خد يا حبيبي» 

ابتلعها مغمض العينين فمسحت على رأسه بحنو مستفسرة «حصل إيه؟  حاجة زعلتك؟» 

هالها ما رأته على ملامحه فتناولت رأسه على صدرها وبين ذراعيها هامسةً بهلع «رؤوف في إيه؟  تروح لدكتور؟» 

أحاطها بذراعه هامسًا بحشرجة «لاه أنا بخير بس خليكي جنبي متبعديش عايزك أنتِ وبس» 

مسحت على رأسه بحنوٍ ورقة ثم قبلتها هامسةً «حاضر»

توسلها بضعفٍ «الدنيا ضلمة معارفش ليه وصدري ضيق» ارتجفت بذعرٍ وقلق، وضعت شفتيها على جبهته متحسسة وهي تسأل «رؤوف متقلقنيش عليك» 

همس بضعفٍ وجسده المشدود يرتخي «نوريهالي تاني بالقرآن يا غزل، سمعهوني بصوتك» 

تساقطت دموعها على جبهته وجسدها يختض بالشهقات فضمها متوسلًا «متبكيش داويني بالقرآن ووجودك وبس» 

مسحت على رأسه بحنو قائلة «حاضر،، أنا عايزة أقولك إني بحبك أوي وإنك أحسن راجل قابلته فحياتي» 

حثها من جديد بوهن «اقرئيلي يا غزل سورة يس» مسحت دموعها ورتلت الآيات وهي تمسح على رأسه وتضمه إليها بحنان، حتى غفى بين ذراعيها مطمئنًا آمنًا. 


4



#انتهى


+



الحادي والاربعون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close