اخر الروايات

رواية للقدر اقوال اخري الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة مصطفي وايمان جمال

رواية للقدر اقوال اخري الفصل الثالث 3 بقلم فاطمة مصطفي وايمان جمال


                                          
_ ربما الابتسام سهل ولكن الشعور بلذته صعب.

+


في صباح جديد فتحتْ رحمة عينيها، لتقابل صورة خالد وابنه عمر الموجودة بإحدى جوانب الفراش، ذلك الرجل الرائع بكل المقاييس رجل رائع وأب أروع.

+


ابتسمت لصورته بشجن قبل أن تعتدل وهي تنظر إلى جانبها لتجده ما زال نائمًا، سرحت في ملامحه الجذابة وتلك الرموش الطويلة التي تخفي بريق عينيه العسلية عنها، لتجول بعينيها على جسده الصلب الممشوق؛ فهو مثالي ووسيم جدًّا لا توجد مقارنة به وبذلك الأخرق وائل. 

+


وفور أن ذكرتْ وائل ذهب تفكيرها إلى منحنى آخر، منحنى قد أدى إلى هلاك قلبها ألمًا فور أن أتت بعقلها فكرة تركه لها فور معرفته بماضيها وما حدث لها، أيعقل أن هذا الرائع من الممكن أن يظن بها ذلك الظن السيئ الذي ظنه الجميع بها؟ حينها تفضل الموت على أن تعيش إحساس الخذلان منه هو أيضًا.

+


نفضتْ تلك الأفكار من رأسها محاولة التركيز بشيء آخر، لتقف على قدميها متجهة نحو المرحاض؛ لتأخذ حمامًا باردًا؛ علها تزيل ما يرهق تفكيرها، لتنتهي بعد فترة قصيرة لتخرج من المرحاض مرتدية كامل ملابسها ألقت نظرة نحوه فوجدت مكانه فارغ وهو غير موجود تعجبت للحظة قبل أن تصل الى أذنيها تلك الضجة التي أتت من الخارج فعلمت أين هو.

+


استقيظ خالد بعد عدة دقائق من دخولها للاستحمام على صوت جرس الباب، اعتدل في نومته ليمد يده ينظر الى الساعة فوجدها قد تعدت الثانية عشر ظهرًا زفر بضيق من ذلك الرنين المزعج فنظر الى جانبه ليتفحص ان كانت استيقظت زوجته أم لا فوجد مكانها خاليًا ولم يحتاج الكثير من الوقت لمعرفة أين هي عندما وصل الي مسامعه صوت المياه القادمة من المرحاض.

+


وقف على قدميه يمسح على وجهه بيده بعدما أعاد الهاتف الى مكانه ثم تقدم الى الخارج ليفتح الباب للوافدين ليتفاجأ بذلك الجسد الصغير الذي اندفع يعانق خصره باشتياق فابتسم خالد بحنان وهو يرفع ذلك الصغير مقبلًا وجهه بينما تحدث بحنان:

+


- حبيب بابي الي وحشني.
_ إنتً كمان وحشتني أوي يا بابا.

+


التفت خالد الي البقية اللذين وقفوا يتابعون ذلك المشهد بابتسامة ليدعوهم الى الدخول فدلفت والدته تسندها ابنتها الكبرى سمية بينما تبعها زوجها محمد وشقيقها سامي.

+


أجلسهم خالد في غرفة الصالون ثم جلس هو أيضًا وهو يحمل ابنه فوق قدميه يتحدث اليه بابتسامة:

+


- ها يا عم عمر أوعى تكون تعبت عمو سامي أو تيتة.

+


اجاب عمر نافيًا ببراءة:

+


أبدًا يا بابا إنتَ تعرف عني كدة؟

+


وقبل أن يرد خالد قاطعه سامي وهو يتحدث بابتسامة حانقة:

+


- إنتَ ده إنتَ مالك يا حبيبي.

+


تعجب خالد من نبرته ليميل على ابنه متسائلًا في تعجب:

+



                
- هو ماله مش طايقك ليه إنتَ عملتله إيه؟
_ وحياتك ما عملتله حاجة ده علشان خليته يخسر في البلايستشن قدام ولاد طنط سمية الى مكانوش بيعرفوا يكسبوه مليش ذنب إنه مبيعرفش يلعب.

+


حاول خالد كبت ضحكته واكتفى بابتسامة توحي بما يكتمه فور أن رأى تعابير وجه شقيقه الحانقة على حديث ابنه قبل أن يستمع الي كلماته الغاضبة:

+


- انا مبعرفش ألعب يا أوزعة إنتَ.
_ إنتَ بتتريق عليا اكمني صغير بكرا أكبر وأبقى أطول منك.

+


أطلق الجميع ضحكاتهم على حديث هذا الصغير وملامح وجه سامي الحانقة الذي كاد أن يرد لتقاطعه والدته وهي تتحدث بابتسامة:

+


- خلاص يا سامي إنتَ الكبير.

+


زفر سامي في حنق وقرر الصمت كما أرادت والدته التي تحدثت مجددًا وهي تنظر الى خالد:

+


- أومال فين مراتك يا خالد؟

+


كاد أن يجيب ولكنه توقف فور إن استمع الى صوتها الرقيق الذي ألقت به السلام عليهم وهي تدلف الى الغرفة بينما تحمل صينية فوقها كؤوس العصير فهي بعد أن علمت بوجودهم ذهبت الى المطبخ وأعدت لهم العصير بعد أن تأكدت أنهم هم حين نظرت خلسة الى غرفة الصالون لتنتهي من سكب العصير الجاهز اليهم ثم حملته لتذهب مُرحبة بهم في عادة لأول مرة تجربها.

+


انزل خالد ابنه ثم وقف متجهًا نحوها ليحمل عنها الصينية التي وضعها لاحقًا فوق المنضدة التي أمامهم بينما اتجهت هي نحو والدته تقبل يديها فأخذتها والدته في أحضانها تعانقها في ود افتقدته كثيرًا لتشدد من عناقها وهي لا تريد أن تبتعد عن حنان هذه السيدة المفرط.

+


ابتعدت عنها مُجبرة ثم اتجهت نحو سمية شقيقته تعانقها مُرحبة بها في حفاوة قبل أن تلقى الترحاب على الرجال بابتسامة بسيطة فبادلها كلًا منهم الإبتسام.

+


جلست بجانب سمية تتبادل معها أطراف الحديث وأحيانًا تحادث الجميع قبل أن تستأذن هي وسمية بالذهاب الي المطبخ متعللين بتنظيف الكؤوس.

+


وقفت سمية تساعدها في تحضير بعض الفواكه للبقية بينما تتجاذب معها أطراف الحديث عن خالد وعنها قائلة في ابتسامة:

+


- تعرفي يا رحمة أنا حبيتك وارتحتلك من أول ما شوفتك وحقيقي فرحانة إنك بقيتي مرات أخويا.

+


بادلتها رحمة الابتسام وهي تتحدث برقة:

+


- القلوب عند بعضها والله يا مدام سمية.

+


_ ايه مدام دي بقى مش إحنا بقينا قرايب خلاص ملهاش لازمة التكاليف قوليلي يا سمية او يا سمسم أو يا سيمو زي ما تحبي يعني على فكرة أنا بحب الإختراعات في اسم دلعي عادي.

+


ضحكت رحمة بخفة على حديثها قائلة:

+


- تمام يا سمسم.

+


عاودت سمية التحدث مجددًا وهي تقول:

+



        

          

                
- بصي بقى يا ستي إحنا أخيرًا لقينا شقة في العمارة هنا وهبقى في الدور الي فوقك علطول وماما في الدور الي تحتك يعني لو خالد أو الواد عمر زعلوكي في حاجة تجيلي علطول وأنا هظبطهوملك يعني متقلقيش.

+


باركت لها رحمة بنبرة أظهرت سعادتها لحديثها:

+


_ ألف مبروك يا سمسم ربنا يجعلها قدم السعد عليكم وأكيد طبعًا ما انتِ هتبقى فوقي بقى هتلاقيني نطالك كل شوية بسبب أو من غير سبب.

+


ضحكت سمية بخفة وهي تقول بلطف:

+


- تسلميلي يارحومة يا قمر وأكيد طبعًا ده إنتِ تنوريني.

+


إنتهى الاثنين من تجهيز الفواكه ليحملونها الى الخارج مكملين الجلسة مع البقية الذين رحلوا بعد ذلك مع وعد بالقدوم لاحقًا.

+


جلس عمر بجانب رحمة يبتسم لها بسعادة وهو يعبر عنها بكلمات لطيفة:

+


- تعرفي يا مس رحمة أنا فرحان أوي لأنك هتفضلي معانا علطول.

+


قرصت وجنته بلطف وهي تقول:

+


- انا كمان فرحانة أوي وهفرح أكتر لما تبطل تقولي "مس" مش احنا صحاب؟

+


اومأ عمر برأسه بمعني نعم فعاودت الحديث بابتسامة رقيقة:

+


- خلاص يبقى تقولي يا رحمة علطول من غير ألقاب.

+


وافق عمر بعد برهة تفكير لم تأخذ ثواني ليتصافحا على اتفاقهما لإزالة التكليف بينهما.

+


دلف خالد الى الغرفة حيث يجلس الإثنين بعدما أخذ حمامًا بارد أزال به اثار النوم الذي كاد يغلبه.

+


تسائل بتعجب مُبتسمًا بعدما جلس بجانبهم:

+


- خير اتفقتوا على ايه؟

+


كادت رحمة تجيبه لولا يد ذلك الصغير التي ضغطت فوق يدها ليغمز لها ففهمت أنه لا يريده أن يعرف ولكنها اكتشفت خطأ تفكيرها فور أن تحدث عمر ببراءة كعادته:

+


- إحنا اتفاقنا على خروجة بكرا.

+


ارتسمت الدهشة فوق ملامحها من حديثه الذي تسمعه لأول مرة وهذا ما استنتجه خالد بعدما رأى دهشتها ليهز رأسه بيأس من ابنه قبل أن يتحدث وهو يضع يده أسفل ذقنه قائلًا:

+


- بس باين إن طنط رحمة مش موافقة على الموضوع.

+


التفت عمر ينظر بدهشة الى رحمة التي أصبحت في موقف حرج معهم الاثنين لتجفل على صوت عمر الذي تحدث بصدمة مصطنعة:

+


- ايه بجد مش موافقة أومال ليه قولتي انك موافقة من شوية.

+


ارتفع حاجبيها في تعجب حقيقي من هذا الصغير الذي يُجبرها على الرضوخ لقراره كي تنقذ ذاتها من موقف ظنته مُحرج لتتحدث قائلة:

+


- مش فاكرة يا عمر الصراحة بس أنا معنديش اعتراض على الفكرة أنا موافقة عادي.

+


اتسعت ابتسامة عمر بسعادة وهو يلتفت لوالده قائلًا:

+



        
          

                
- ها يا بابا أهي وافقت وافق إنتَ كمان بقى.

+


_ خلاص تمام مادام هي وافقت أنا معنديش مشكلة.

+


صفق عمر في حماس واندفع يقبل والده وهو يهتف بعبارت الحب والود له بينما كان يستقبل هو حب ابنه المفاجئ بابتسامة حنونة.

+


جعلها ذلك المشهد تبتسم بحنين لماضي بعيد قد اشتاقت اليه في أعماقها.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
_ في صباح اليوم التالي _

+


خرج خالد من غرفته صباحًا بعدما أخذ حمامه وارتدى ثيابه تاركًا رحمة تستعد لنزهة اليوم مُتجهًا إلي غرفة ابنه ولكنه فوجئ ببابها يُفتح ويطل منه ذلك المشاغب الصغير ويبدو أنه استعد جيدًا للخروج.

+


عقد خالد ذراعيه أمامه وهو يتطلع الى ذلك الكائن الصغير القصير الذي يقف أمامه يتابعه بابتسامة بنظرات متعجبة وحاجب مرفوع قبل أن يتسائل بتعجب:

+


- للدرجادي متحمس؟

+


_ جدًا يابابا أنا معرفتش أنام بسبب حماسي.

+


ابتسم خالد بحنان قبل أن يمد يده يعبث بشعره وكم أمتعته نظرة الغضب التي التمعت بعيني ابنه والذي أخفاها خلف تلك الابتسامة الصفراء وكلماته المرحة التي ألقاها من بين أسنانه:

+


- رغم إني مبحبش الحركة دي وأنتَ عارف بس براحتك إنتَ زي أبويا بردوا.

+


ضحك خالد بخفة وهو يقرص وجنته بلطف هو يعلم أنه يكره أن يعبث أحد بخصلات شعره التي يحبها ولذلك فهو يجد متعته في إغضاب ذلك الصغير المشاغب.

+


- صباح الخير.

+


صدح صوت رحمة بتحية الصباح التي ألقتها بابتسامة وهي تغلق بابا الغرفة خلفها بعدما خرجت لتتجه نحوهم تتابع تلك النظرات التي اتضحت بعينيهم بشئ من الخجل.

+


التفت اليها الاثنين ليتطلعوا اليها بنظرات إعجاب لأناقتها البسيطة التي أبهرتهم حقًا بذلك الفستان البني الذي زينته بحجاب من اللون البيچ الفاتح ليزيدها جمالًا إلى جمالها البسيط.

+


كان عمر أول من كسر الصمت الذي خيم على المكان حين تحدث بإعجاب برئ:

+


- الله شكلك حلو أوي يا رحوم.

+


ابتسمت رحمة في خجل قد زاد عندما استمعت الى صوت خالد الذي تحدث بخفوت:

+


- سبحان الله قمر.

+


لا يعرف مُسميًا لذلك الشعور الذي إجتاحه ولا يريد أن يعرف فلقد أسرته حقًا ربما ليست ملكة جمال لكنه يراها الآن أجمل النساء في هذه الملابس البسيطة وتلك الحمرة المحببة التي اكتسحت وجهها وهذا كان كفيلًا بأن تسلب عقله بسهولة.

+


أفاق خالد على صوت عمر الذي أمسك بيده يهزه في ضيق قائلًا:

+


- بابا إنتَ سامعني.

+



        
          

                
تنحنح خالد في حرج بعد أن أدرك شروده بها لفترة ليلتفت الي ابنه متسائلًا:

+


- نعم كنت بتقول حاجة؟
- بقول يلا علشان نلحق اليوم من أوله.

+


أومأ له خالد بتوتر أصابه نتيجة حرجه الشديد من شروده الأحمق ليتحدث بنبرة جدية اليهم وهو يتحاشا النظر اليها:

+


- يلا بينا. 

+


أمسك بيد ابنه ليتقدمها بينما تبعته ونظرة تعجب ممزوجة بخجل ترمقه بها خجلة من نظراته السابقة ومتعجبة منها ومن ذلك التوتر الذي أصابه فجأة ولكنها قررت تأجيل التفكير في هذه النظرات الآن كي تستطيع الاستمتاع معهم على الأقل.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
خرج الثلاثة من المبنى السكني وعمر يمسك بيديه يد كل منهما، ليظهروا بشكل أسرة صغيرة متحابة، تقدم خالد لسيارته فاتحًا إياها لزوجته وطفله وانطلقوا متوجهين إلى مدنية الملاهي بنائًا على رغبة صغيره.

+


وبعد ثلاث ساعات إنهمك فيهم عمر بلهوه في الكثير من الألعاب ورحمة أيضًا التي نسيت عمرها ومكانتها عندما رأت الألعاب، جلسوا ثلاثتهم في أحد المطاعم؛ ليتناولوا فيه الغداء قبل أن يرن هاتف خالد معلنًا عن اتصال من مكتب الهندسة الذي يمتلكه، ليبتعد عنهم قليلًا مبتعدًا أيضًا عن عيني رحمة التي كانت تتابعه.

+


تنهدت بارتياح سرعان ما انسحب منها وهي تشعر بصعوبة دخول الهواء لرأتيها، حينما وقعت عينيها على آخر شخص قد تود رؤيته الآن مسبب كوابيسها ومدمر أحلامها، الخطأ الوحيد الذي ارتكبته في حياتها.

+


شعرت بدوار مفاجئ بداخل رأسها فور أن تلاقت عينيها بخاصته التي اتضحت بها الدهشة جيدًا وقد ازدادت أكثر فور أن عاد خالد إلى الطاولة، لتلمح نظرات المكر التي غزت دهشته قبل أن يشير إليها بعينيه إلى مكان الحمام الخاص بالسيدات رامقًا إياها بنظرة غامضة جعلتها تتوجس قبل أن تمتثل لمطلبه مستئذنة منهم؛ لتتجه سريعًا نحو الحمام لترى ماذا يريد.

+


توترت نظراتها وهي تقف على الباب بعيدًا عن الأنظار، تنتظر ذلك الأخرق ولم يطل انتظارها طويلًا حينما وجدته يقترب منها حتى توقف أمامها وما زال يرمقها بتلك النظرات الماكرة، لتحدثه هي بحدة وقد بدأ الغضب يشتعل بداخلها من نظراته:

+


- عايز إيه؟ 

+


ابتسم لها وائل بسذاجة وهو يشير ناحية خالد بعينيه قائلًا:

+


- خالد مدكور مرة واحدة! وقعتِ أشهر مهندس في القاهرة إزاي؟ 

+


ألقتْ بنظرة خاطفة نحو خالد قبل أن تعود بنظرها إليه ترمقه باشمئزاز قائلة:

+


- ما هو الزبالة بيفكر كل الناس زيه، أنا موقعتش حد، ده يبقى جوزي يا وائل، عارف يعني إيه جوزي؟ 

+


صدر من وائل صوت دالًا على سخريته وهو يقول:

+


- ويا ترى جوزك عارف حبيب القلب القديم ولا محكتيلوش؟

+



        
          

                
انتفض قلبها من محجره وبدأتْ انظارها بالتشتتْ قبل أن تقول بثقة زائفة وكلمات خرجت دون شعور منها:

+


- مفيش حبيب في حياتي غير خالد، أمَّا الباقي نكرة.

+


لتتابع بكبرياء وهي تنظر إليه باشمئزاز:

+


- يا وائل.

+


تجاهل الأخير سخريتها وهو يقترب منها قائلًا: 

+


- طيب يا ترى عرف حاجة عن ماضيكِ المُشرف؟

+


بدأتْ الارتجافة تسير بداخلها مجددًا، لتتجاهلها وتقول بحدة:

+


- إنتَ عايز مني إيه تاني يا وائل؟

+


أجابها بابتسامة خبيثة:

+


- كل خير.

+


_ في حاجة يا رحمة؟

+


أجفل الاثنين على صوت خالد الذي صدح متسائلًا بتعجب وهو يمسك بيده عمر بعد أن أصر للذهاب إليها؛ ليرى سبب تأخرها هكذا، ليقع قلبها خوفًا وهي تنقل أنظارها بينهم قبل أن تبتلع لعابها بتوتر وهي تجيبه بتعلثم:

+


- لا مفيش هو.. الأستاذ كان.. بيسأل عن الطريق.

+


رمقها خالد بشك وهو ينظر إلى وائل الذي أبعد وجهه عنه بتدقيق وكأنه يشعر أن هذا الشخص مألوف ولكن أين رآه؟

+


قاطعت رحمة نظراته حين أمسكتْ بذراعه وهي تقول بهدوء:

+


- يلا إحنا علشان منتأخرش.

+


رغم اندهاشه من فعلتها إلا أنه أومأ لها بهدوء وهو يسير معها تحت أنظار وائل المصدوم، وخاصة حين التفتَتْ إليه ترمقه بنظرات نافرة قبل أن يخرج ثلاثتهم من المطعم.

+


ساد الصمت والتوتر الجو بالسيارة التي يقودها خالد متهجم الوجه وبجانبه رحمة مشتته الفكر وهي تحمل عمر النائم على صدرها، ليحمحم خالد قائلًا ونار الغيرة تكاد تفتك به وهو لا يعرف سببها ربما لأنها زوجته وهذا حقه:

+


- إنتِ كنتِ تعرفيه يا رحمة؟ 

+


غزا التوتر ملامحها وهي تجيبه بتعلثم:

+


- لا معرفهوش، ده كان مجرد واحد بيسأل عن الطريق وبس.

+


أجفلت على سؤاله السريع:

+


- وإيه اللي وداكِ عنده أصلًا؟ 

+


أردفت رحمة بتوتر وقلق من اكتشافه للأمر:

+


- كنت راحة الحمام وقابلته وأنا راجعة. 

+


زفر خالد مرة أخرى بضيق وهو يقول بأمر صارم:

+


- تمام، بس بعد كده متقفيش تتكلمي مع حد متعرفيهوش.

+


أومأت هي بطاعة وهي تتمتم سريعًا:

+


- حاضر.

+


وصلتْ السيارة أسفل المبنى حين أطفأ خالد محركها فالتفت إلى رحمة التي وجدتْ صعوبة في فتح الباب، ليقترب منها قائلًا: 

+



        
          

                
- استني.

+


مدَّ ذراعه ناحية باب السيارة ليرتفع جذعه قليلًا مقتربًا بشدة من رحمة تلك التي غابت عن الواقع عندما تغلغلتْ رائحة عطره النفاذ إليها، لينتهي خالد من عمله وهَمَّ بالعودة ليقابل عينيّ رحمة المتابعة له، لتلتقي عسليته مع خضراوتها في لقاء طويل وجد في العقل صعوبة في البقاء.

+


ليقترب بوجهه منها لا يدري بنفسه سوى بعينيه التي غابت في بريق عينيها الرائع ويبدو أن هي أيضًا قد غابت معه كذلك.

+


اختلطتْ أنفسهما في لحظة جنون متناسيين واقعهم، ليفيق خالد على حركة صغيره القابع أوسطهما؛ ليرجع مكانه مرة أخرى وهو يتنفس بسرعة وعيناه تتابع تلك الهاربة التي احتلتْ قلبه وكيانه في فترة صغيرة.

+


بينما أفاقت على نفسها وهي تحمد الله بداخلها على عدم اكتمال هذا اللقاء؛ فبالتأكيد لم تكن لتستطيع رفع عينيها والنظر إليه أبدًا، لتجفل على صوته حين هتف يدعوها للنزول وهو يترجل من سيارته، لتتبعه مغلقة الباب خلفها وهي تحاول إمساك الصغير، ليقترب منها حاملًا إياه عنها متجهًا إلى مدخل البناية، بينما هي كانت تتبعه في صمت.

+


_ بعد فترة ليست بقصيرة _

+


جلست على الفراش تعبث بأظافرها بتوتر بينما عينيها تتابعه وهو يتحرك أمامها بخفة، قبل أن تراه يتقدم ليستلقي بجانبها واضعًا ذراعه فوق عينيه كي يجحب الضوء يبدو أنه لايريد أن يطلب منها إغلاقه حين لاحظ أنها تنوي السهر.

+


أطلقت زفرة طويلة وهي تستلقي بجانبه مُغلقة الأنوار كي ينعم الإثنين بنوم هادئ.

+


وصل اليها صوته الخافت قائلًا:

+


- تصبحي على خير.
_ وإنتَ من أهله.

+


كان هذا أخر الحديث قبل أن يقع هو في النوم سريعًا بعد ذلك اليوم الشاق بالإضافة الى تفكيره المكثف في تذكر ذلك الشخص الذي رأه اليوم والذي لم يستطيع رؤية وجهه بسبب محاولته المثيرة للشك في إخفائه عنه ويبدو أن كثرة التفكير أوقعته في النوم دون إرادة.

+


بينما تطلعت هي إلى سقف الغرفة بشرود في ذلك اللقاء المفاجئ الذي حدث اليوم لا تعرف لما ظهر لها مجددًا بعدما استقرت حياتها وقررت أن تعيش من جديد مع شخص أفضل وقد تجنبت الحديث معه عن سبب طلاقها حتى لا يفهم الأمر بطريقة خاطئة كالباقية.

+


ولم يكن يمر يومين على زواجها حتي يظهر لها كابوس حياتها الأكبر لم تتوقع أن تلقاه مجددًا ربما يكون اللقاء صدفة ولكن نظراته كانت تخبرها بوضوح أنها ليست المرة الأخيرة للقائهم وهذا أكثر ما يقلقها.

+


زفرت بحزن يثقل قلبها وهي تغمض عينيها تدعي بخفوت لربها أن يخلصها من هذا الكابوس سريعًا فهي لن تتحمل تكرار معاناة الماضي مجددًا.

+


ويبدو أنها وقعت بنفس موقف زوجها حين تزاحمت الأفكار برأسها لتصبح فريسة سهلة لسلطان النوم الذي سيطر عليها ولكن للقائه اليوم أثر كبير على أحلامها او ربما باقي كوابيس الماضي.
^_____________________^

+


أخذتْ تلك الدموع تأخذ مجراها على وجه رحمة المشتت، وهي جالسة بمنتصف الطريق وتحتضن حقيبتها بضياع، لا تعلم لمن تلجأ، كأن عقلها شُل بعدما رفض أقرابها أنْ يتركوها بالمكوث لديهم ليلقوها خارجًا ناعتيها بالعار وأنها غير شريفة، وحتى حين لجأت لإحدى صديقاتها لم تصدقها، وأغلقت بابها في وجهها تاركة إياها في مواجهة الصعاب وحدها لا تعلم ماذا تفعل، والكل رفض تصديقها منتظرة أي أحد ينجيها من ذلك العذاب.

+


- رحمة. 

+


رفعت رحمة رأسها على ذلك الصوت، لتقابل وجه صديقتها حسناء تلك الفتاة التي تعرفت عليها في الجامعة، لتجثو حسناء أمامها قائلة:

+


- بتعملي إيه هنا يا رحمة؟

+


أجابتها رحمة بانكسار:

+


- مش عارفه أروح فين. 

+


اقتربت منها صديقتها وهي تحاول تهدأتها: 

+


- اهدي بس يا رحمة، تعالي نقعد في حتة قريبة وفهميني.

+


_ وبعد وقت قليل _

+


تحدثتْ حسناء بصدمة:

+


- إيه؟ بتقولي إيه؟

+


أطلقتْ رحمة شهقة قاسية وهي تكمل في بكائها المرير تشعر بانسحاب روحها وهي تحكي قصتها لصديقتها تلك المتوقعة منها عدم التصديق.

+


لتتفاجئ بها تقترب منها تحتضنها بأسف وشفقة قائلة:

+


- لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل فيه، اهدي، اهدي كل حاجة هتتحل. 

+


اتسعتْ عيني رحمة بذهول وهي تتسائل بعدم تصديق:

+


- إنتِ مصدقاني يا حسناء؟

+


ابتسمت لها صديقتها وهي تقول:

+


- إنتِ هبلة يا بت؟ ومش عايزاني أصدقك ليه؟ 

+


ازداد بكاء رحمة وهي تردف بانكسار وحزن:

+


- محدش مصدقني، محدش مصدقني يا حسناء.

+


ربتت حسناء فوق ظهرها بخفة محدثة إياها بهدوء:

+


- اهدي يا رحمة اهدي، مش مهم حد يصدقك ما دام ربنا جنبك خلاص.

+


هدأت رحمة قليلًا وهي تقول:

+


- ونعم بالله.

+


تحدثت حسناء بمرح تحاول إخراجها من حالتها:

+


- أيوة كدا يا مؤمنة.. بصي إنتِ من النهاردة هتقعدي معايا، أنا والدي مسافر ومبيجيش غير فين وفين وإنتِ عارفة والدتي متوفية. 

+


قاطعتها رحمة قائلة:

+


- ربنا يرحمها.

+


أيدتها حسناء وهي تتنهد بهدوء:

+


- يا رب، بس يا ستي تعالي اقعدي معايا، وأهو تسليني بدل وحدتي، ومتقلقيش أنا مش ساكنة هنا، أنا ساكنة في القاهرة، أنا كنت هنا بس علشان بزور واحدة من قرايبنا، ها موافقة؟ 

+


أومأت لها رحمة بابتسامة باهتة؛ فهي ليس أمامها سواها لتلجأ إليها.

+


وبعد مرور عام استطاعتْ فيهم رحمة تجاوز أزمتها بمساعدة حسناء، واستطاعت إيجاد عملٍ لها بإحدى المدارس الدولية، وبدأت رحمة بعد عام من تلك الليلة المشؤومة التعامل بشكل جيد بعدما كانت تتجنب جميع العاملين معها؛ خوفًا من أنْ يكون أحدهم كمثل من تربت بينهم وخذلوها.

+


وبعد مرور هذا العام أرسل والد حسناء مرسال يخبرها بحاجته إليها، لتضطر للذهاب مودِّعة صديقتها بقلب منفطر؛ لفراقها، لتبدأ حياة جديدة لرحمة قد ظنت أنها من ستحددها ولكن كان للقدر رأي آخر في هذا.
__________________________________________

+


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close