رواية عزف السواقي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم عائشة حسين
♡التاسع والثلاثون ♡
سألها بحزن وهو يشرد بقلق «رحاب معملتليش حاجة فموضوع الخط؟»
أجابته وهي ترفع نظراتها من على الخضراوات التي تقطعها «لا يا حبيبي لسه»
صارحها بقلقه مؤتمنًا لها على حزنه «جلجان على هدى وعبدالله غبت كتير يا رحاب»
ضمت شفتيها ممتعضة قبل أن تخبره وهي تتهرب من نظراته «هتكون بخير يعني هيحصل إيه؟ خليك أنت بس فنفسك والعملية»
زفر قائلًا وهو يضغط رأسه بكفيه «مش عارف يا رحاب أرتاح واطمن اتصرفي»
أجابته بعصبية «مش كلمتها مرة خلاص وبعدين لو سمحت ركز فنفسك ومتشغلش بالك بتفاهات»
رمقها بعتب رفيق فزفرت بإحباط وتركت ما بيدها واقتربت منه معتذرة بحنو «متزعلش يا حبيبي أنا قصدي متنشغلش وتقلق وأنت داخل عمليات أجّل كل حاجة لما تطمن»
هز رأسه بعدم اقتناع قبل أن ينهض مغادرًا لحجرته بصمت،نهض زوجها الذي كان يستمع دون تدخّل أو تعليق واقترب منها هامسًا بضيق
«ليه بتعملي كدا يا رحاب»
هزت كتفها مجيبة بعصبية وهي تواصل تقطيع الخضراوات
«بعمل ايه؟»
ضم شفتيه مسيطرًا على حنقه قبل أن يهمس من بين أسنانه بضجر شديد
«رحاب لو سمحتي اتكلمي بهدوء ومتتهربيش» تركت ما بيدها وانتبهت له معترضة على قوله
«مبتهربش بس مش فاهمة »
« بتبعديه ليه عن مراته وعايزة توصلي لإيه» أجابته ببرود
«ولا حاجة عيزاه يركز فنفسه دلوقت» صارحها بشكوكه فيها وعدم اقتناعه بما تقول
«رحاب أنا مش مقتنع»
اجابته بلا مبالاة «براحتك»
أوضح لها بصبر وإشفاق محاولًا إثنائها عما تفعل
«أخوكي عزيز النفس وضغطك عليه مش فصالحه ولا كويس»
تأففت بإستياء من مجادلته وتملصت من اتهامه
«أنا مبضغطش ، بديله فرصه لتصحيح وضع وأوجهه»
رمقها بعدم تصديق متهكمًا من قولها «بتهزري »
أجابته بنفس البرود وبإقتناع
«لا ابدا أنا اصلا مكنتش مقتنعة بالجوازة ولا النسب»
استنكر قولها مجادلًا لها
«ليه مالها البنت؟ شيلاه وصيناه»
أجابته بجدية
«مش شبهه ولا زيه ولا متعلمة كويس»
ناقشها بلطف «حرام عليكي البنت بتحبه واستحملت الي محدش يستحمله سنتين وراضية ولا مرة اشتكت ولا طلبت بالعكس»
تركت الطاولة قائلة بتصميم
«عيزاله الأحسن إنه يفضل هنا زي ما رتبتله»
ضاق ذرعًا بقولها فحذرها
«بلاش ظلم أخوكي بيحبها ولو حس هينزل ويسيبك ومش هيعمل العملية»
شهقت بخوف وقلق ثم سألته بريبة
«ناوي تقوله؟»
هددها صراحةً بحدة
«أيوة لو هتتمادي وتأذي، اعقلي يا رحاب»
قالت بعصبية شديد وهي تعقد ساعديها أمام صدرها رافضة تدخله
«لو سمحت متتدخلش بينا»
رمقها بنظرة عاتبة قبل أن يُلقي بقراره
«تمام بس مش هشارك في الظلم»
استفسرت بنظرة مهتزة بالقلق
«قصدك ايه؟»
ترك سؤالها معلقًا في انتظار الرد وغادر لحجرة مؤمن محاولا إرضاء ضميره وإيقاظ ضميرها، طرق مستئذنًا فسمح له مؤمن بالدخول، ابتسم قائلًا بمرح «بقولك إيه عندي دقايق مجانية لمصر تكلم عيالك؟»
تهلل وجهه وبش بفرحة وامتنان قبل أن يجيب بلهفة «بتتكلم جد يا أيوب؟»
هز رأسه بتأكيد وهو يراقب فرحة مؤمن برضا «أيوة يا ابني أنا مش محتاجهم بدل ما يضيعوا خدهم أنت»
شكره مؤمن بلطف وامتنان «متشكر يا أيوب بجد»
عاتبه أيوب بحنو «احنا أخوات يا أبو عبدالله»
منحه الهاتف قائلًا بتفهم «براحتك عارف إنك محتاج تطمن عليهم وتكلمهم قبل العملية»
تناوله مؤمن ببهجة شاكرًا له مرة أخرى فربت أيوب على كتفه قبل أن يخرج من الحجرة مانحًا له الحرية الكاملة.
عاتبته نظرات زوجته حين خرج فتجاهلها ببرود وعاد للتلفاز بهدوء ضاربًا بإعتراضها عرض الحائط.
*****
غمرها الارتياح بعدما حدثته واطمأنت، انشرح صدرها واطمئن خافقها فنامت بسكينة حتى استيقظت على ضربات وعرة لباب منزلها، انتفضت حاضنة صغيرها الذي استيقظ يبكي ذعرًا، هدأت من روعه ثم نهضت وهو يمسك بذيل ثوبها البيتي خائفًا من تركها متشبث بأمانها، حاولت نزعه لكنه رفض ببكاء فسحبته محتمية به، وقفت خلف الباب تسأل «مين؟»
أجابها بغضب مشتعل «أبوكي ياملكومة»
ابتلعت ريقها وأجابته بإهتزاز«أيوة يا أبوي»
ضرب الباب بقوة قائلًا «افتحي جاكي قصف رقبتك»
أمسكت بصغيرها المرتجف جيدًا وأجابته «ليه؟»
صاح بهياج «سبتي البيت ليه يا بت؟»
أجابته بثبات «جوزي جالي أرجع»
هتف بغيظ وحنق وهو يواصل قرع الباب دون توقف أو يأس «أبو جوزك افتحي»
استجمعت شجاعتها وقالت بقوة «لاه مش هفتح ومش راجعة»
صاح برعونة «بجا كده ماشي خليكي يكش تموتي من الجوع، إياك تتصلي على أمك تجبلك حاجة ولا تيجي تاخدي حاجة»
تنفست الصعداء وأجابته «مش عايزة حاجة بس سيبني فبيتي»
هتف بنبرة متوعدة «ماشي يا هدى»
رحل وتركها تسقط أرضًا خائرة القوى تحتضن صغيرها متلفظة بالحمد والشكر.
بمنزل والدها كان علاء يصرخ بغضب «أكيد سمعت حاجة»
أجابت بهدوء وبرود مغيظ «لاه مظنش هي هدى بحالات»
تأفف علاء من برودها وقال «ربع هدوئك يا شيخة»
ضحكت قائلة «يا ابني اهدا هدى ملهاش مصدر دخل ومش هتقدر تبعد كتير عن هنا أنت بقا روح واعرض المساعدة واعمل بتطمن عليها خدلها حاجات خلي عينك عليها ورجلك رايحة جاية على بيتها اهو اطلقت تمام متطلقتش لما ياجي جوزها يعرف يطلقها هو» ختمت كلماتها بضحكة فصمت بتفكير قطعه دخول خاله العاصف للمنزل، ركضت آيات بسرعة لكنه سارع بالقبض على خصلاتها وجرها متوعدًا «رايحة فين يا جلابة المصايب»
توسلته بخوف «في إيه يا أبوي أنا عملت إيه؟»
ضربها بالعصا على ظهرها هاتفًا «جوزك عملتله قعدة رجالة وجمعت كبرات البلد ولا استعناني هو ولا أهله وبعتلي يجول أعلى ما فخيلك اركبه والمحاكم جدامك عملتي إيه يابت؟»
ابتلعت ريقها باحثة عن مخرج ثم قالت بإرتجاف «بت مرتضى أثرت عليه وقوته عليا»
لكنه واصل توبيخها وضربها مغتاظًا منها بشدة «عشان خايبة وخلفة تعرّ لو خلفتي مكانش قدر يكلّمك يا بت كانت جزمتك بجت فوج راسه، بس هجول إيه يا بوز الإخص اتبطرتي لما جات بت يومين بلفت عقله»
حاولت تخليص خصلاتها لكنها فشلت فأشارت لعلاء أن يقترب لكنه تجاهل وتركها متلذذًا بتأديبها بعد مخالفتها قوله.
بعد قليل وبعدما شفى غليله قام بتخليصها ودفعها بعيدًا عن خاله الذي جلس منهكًا يلعنهم جميعًا.
***
«في قنا»
استفسرت وهي تسرع الخطى خلفه «احنا رايحين فين؟»
أجابها وهو يسحبها خلفه «لما تدخلي هتعرفي» وقفت داخل المحل بعدما ترك كفها طليقًا حرًا كما أفكارها اللحظة، تجولت بنظراتها في المكان حتى استقرت فوق وجهه قاطبة، أحاط كتفيها وضمها في حماية ثم تقدم بها خطوتين وهو يهمس «عيب تكوني مرت رؤوف الحفناوي ومفيش فيدك حاجة»
ابتسمت قائلة بمشاكسة «إثبات ملكية يعني؟»
سبر أغوارها بنظرة ثم همس «لاه كفاية يبصوا فعنيكي هيشوفوني»
ضحكت برقة قائلة «ربنا يزيدك تواضع يا أوفة والله»
ابتلع ضحكته ووقف أمام البائع يطلب كل ما عنده لتختار، وقفت أمام خواتم الزواج حائرة لا تصدق سرعته في تثبيتها ووضعها الجديد في حياته، سعيدة ومبتهجة لكن سعادتها تنغصها رجفة خوف، وبهجتها ملطخة ببصقات وعيد أبيها، رفعت نظرات مهزوزة له وجسدها يرتعش مببللًا بمطر القلق الذي تساقط عليها اللحظة وأغرقها، فابتسم بحنو وضمها برفق، منحها مظلة قلبه مجففًا لها وجهها المتفصد خوفًا بطمأنينة ذراعيه وحبه المشتعل في نظراته كالنيران للتدفئة، مال وضمها بهمسه «اختاري الي عيزاه»
تعلقت بنظراته كالمسحورة هامسةً «عايزة اختار حاجة شبهك ومش لاقية»
ابتسم وحمحم معيدًا الهمس «كفاية أنتِ شبهي»
همست ومازالت نظراتها أسيرة عنده «رؤوف أنت تحويشة الأيام من السعادة، حصالة الدنيا الي جمعتلي فيها كل الحلو وفتحتها قدامي لما احتجت»
أفلت سعادته في نظرة وضحكة، منحها أروع ابتساماته مكافأة ونظراته تمنيها وتعدها بردًّا يليق بقولها، حمحم هاربًا بنظراته «يلا اختاري»
نظرت للموضوع أمامها بحيرة «محتارة»
من خلفها جاء الرد قويًا حاسمًا، سقط فوقها كالورود النضرة «احنا جينا نشاركك»
استدارت على صوتيهما ضاحكة، أحاطاها قائلين بفرحة «بنتنا مينفعش تكون لوحدها»
جز رؤوف على أسنانه بغيظ فهتف يونس «عارفينك عبيطة ومش هتغرّمي المتر فجولنا نيجي نجوم بالواجب وناخد دور الحموات»
ختم قوله بهزة حاجب مُغيظة لرؤوف الذي زفر بحنق لاعنًا لهما، اقترب طاهر منها، ضمها مشاركًا لها الاختيار بينما صاح يونس «طاهر عايزين حاجة بربع مليون ميصعبش عليك المتر»
رفعت نظراتها لرؤوف هامسة بطمأنينة وقد نبت لقلبها جناحين من السعادة بقدومهما «اختار معايا»
ابتسم قائلًا بحسم وصرامة«اختارلك أنا ومتعارضيش»
هزت رأسها هامسةً «هحب دا أوي يا متر»
خبأ تأثره للحظة قُرب، وتابع «هختار حاجة وأنتِ حاجة»
هتفت معترضة «لا كدا كتير»
هتف يونس ممتعضًا «اسكتي واختاري كمان هدية ليكي مني أنا وطاهر»
دارت بنظراتها في وجهيهما معترضة بخجل «لا طبعا»
خرجت كفه الدافئة من جيب بنطاله متسللة لكفها، عانقتها بدفء سرى في أوصالها مانحًا لها اكسير القوة، رفعت نظراتها له فأعلن رضاه بهزة رأس وهمس مُشجعًا«يلا يا أم الغايب»
بعد انتهائهم خرجوا متجولين في الأسواق، انتقى لها الكثير رغم رفضها، واشترى لها أكثر مما تخيلت وغادر بسرعة تاركًا لها مع طاهر مستئذنًا منها، بعد قليل كان يدخل المشفى حيث يرقد عبود.
دخل حجرة المشفى الواسعة مفتشًا عنه بعينيه حتى وجده راقدًا بسكون يتمتم بذكر الله كعادته وأنامله تتحرك تزامنًا مع حركات شفتيه، ابتسم برقة وتقدم من الفِراش ساحبًا الكرسي الوحيد بالحجرة متعددة الأسرّة، جلس فوقه بالقرب منه هامسًا بحنان «يا عم»
فتح عبود عينيه على وجهه مبتسمًا بحبور «حامد»
بحنانه الآسر همس وهو يمسح فوق خصلاته المشعثة «عامل إيه طمني عليك»
أجابه عبود بسعادة «شوفتك وخفيت، كل الوجع راح »
قبّل رؤوف رأسه بتوقير وتقدير ثم مسح على جبينه مستفسرًا «محتاج حاجة؟»
أجابه بضيق واختناق «متضايق عايز أطلع من هِنا»
طمأنه رؤوف بحنو وتفهم «تشد حيلك وأطمن عليك وهتطلع ترمح فالدنيا»
همس عبود «حبيبي يارب» فابتسم رؤوف متأثرًا يهمس مثله «حبيبي يارب»
سأله عبود باهتمام «كيفها الغريبة يا حامد؟»
أجابه رؤوف بنظرة متألقة بالفرح عنوانًا لما يجيش بداخله ويستوطنه من سعادة «بخير جوي وبتسأل عليك»
ابتسم عبود قائلًا بإصرار«حطلع وأشوفها اتوحشت جلبها الطيب»
ربت رؤوف على كتفه «إن شاء الله يا حبيبي»
نظر عبود لعينيه بدقة قارئا نفسه ثم قال «جبرت جلبك الغريبة وداوت جرحك يا حامد محوطاك ومسكناك جوّه جلبها»
ابتسم رؤوف هازًا رأسه بتأكيد ثم صارحه «كني معشتش جبلها يا عم»
عبس عبود قليلًا وهو يتنهد باستسلام داعيًا «ربنا يكفيك كل شر يا ولدي»
أمم خلفه ثم نهض مودعًا له «مع السلامة هجيلك تاني»
ودعه عبود بالمودة «مع السلامة يا ولدي»
غادر رؤوف حيث ينتظره طاهر بصحبة غزل بعدما تركها تتبضع ما تريد وتشتري ما يلزمها دون خجل منه.
***
ابتسم طاهر بظفر وصمت مراقبًا بحماس مشتعل تدخل الرجل وسماجته فقد رآه منذ قليل يعاكس الفتيات ويستدرجهن للكلام والضحكات كما أنه يتعمّد لمسهن فقرر تأديبه بمزاج رائق واستمتاع.
كرر سؤاله لغزل التي ضاقت بقربه منها وتدخله وسماجته فصاحت به «أنت مالك يا عم في إيه؟»
ابتسم ببرود قائلًا«بساعدك تختاري يا غزالة»
اندفع طاهر ناحيته مقيضًا جسده الهزيل من ياقة قميصه يجره كالبهائم صارخًا «ما تحترم نفسك مشيفنيش جنبها؟»
فك الرجل قبضتي طاهر من على ياقته قائلًا بثلجية «اهدا يا أمور مقصدش»
دفعه طاهر تاركًا له بعدما نال انتباه رؤوف وحميته المشتعلة في نظراته الموجهة ناحيتهم بتساؤل، ترك ما بيده وجاء يستفسر منه بعصبية «حصل إيه؟»
هتف طاهر بغيظ مشيرًا للواقف خلفهما على بعد مسافة «بيعاكس أختي»
اتسعت نظرات رؤوف مستنكرًا يردد ببسمة متهكمة وهو يستدير في تحفز للمعتدي «بيعاكس»
أكد طاهر من خلفه موجها رؤوف مستغيثًا به في براءة كاذبة «بيجولها يا غزالة»
رفع رؤوف كمي قميصه في استعداد وهو يسأل بعصبية «هو عرف اسمها منين يا زفت؟»
ابتسم طاهر موضحًا بحماس جنوني وترقب «دي كناية وتشبيه»
تابع رؤوف رفع كميه للأعلى ونظرات الغضب والتوعد تنبثق من عينيه التي_استعادت حيويتها اللحظة _للواقف بعيدًا يراقب المشهد بانتظار وترقب غير عابيء بنظرات التوعد ولا مهتمًا بها.
تدخلت غزل لشعورها بالخطر لكن طاهر كتم فمها محذرًا، فأشار لهما رؤوف «اطلع بيها واستنوني جدام المحل عند العربية»
سحبها دون كلمة وخرج تاركًا رؤوف يحطم المحل فوق رأس العامل، وقفا جوار السيارة مع الناس المتجمهرة يتناولان الآيس كريم بمتعة مراقبين ما يحدث بإستمتاع كأنه فيلم أكشن في سينمات العرض
«تفتكر هيموته» قالتها غزل بقلق بدأ في الطفو على ملامحها فطمأنها طاهر «لاه هيأدبه بس»
بعد قليل عاد رؤوف وعلى وجهه ابتسامة انتشاء رائعة، أنزل كمي قميصه ووقف أمامها يسأل بحيوية «جبتيلي آيس كريم»
تأملت ابتسامته الجذابة ببلاهة فابتسم وأشاح برأسه ناحية طاهر قائلًا وهو يُخرج محفظة نقوده «خد شوف تمن التلفيات إيه وادفعهاله وتعالى»
ذهب طاهر بحماس بينما وقفت غزل مصدومة من ردود أفعاله وعودته لطبيعته بهذه السرعة، استدار هاتفًا «هاتلي آيس كريم يا طاهر»
عانقته باندفاع ولهفة غير عابئة بمن حولها من المراقبين والمشاهدين، فوبخها بعصبية وحرج وهو يبعد جسدها الملتصق به «يسد بيت أبوكي احنا في الشارع»
همست له بدلال ورقة وضحكة تلقائية «ماليش دعوة أنت وحشتني»
عاتبها وهو يسحبها للسيارة «عقلك فين يا عاقلة»
جلست جواره في السيارة قائلة «بيطير معاك يا متر والله»
****
أدرار محرك السيارة قائلًا«هاخد عشا ونروح عند خالتي تماضر ناكله معاهم ونبيت هناك »
حطمت قفص غضبها منه وخرجت راكضة النظرات تهتف بفرحة «رؤوف بتتكلم جد»
أجاب بجمود «من متى بهزر أنا»
صفقت متحمسة تطلب «هات كل الحاجات الي بيحبها قاسم»
أجابها بنفس جموده «قاسم مش جاعد»
فتر حماسها وتراجعت فرحتها في ضيق «فين؟»
أجابها بمكر «مش جاعد في البيت بيتفسح مش هيبجى في غيرنا أنا وأنتِ وخالتي »
ابتسمت برضا ومالت هامسةً بفرحة عادت لموقعها في القلب «بجد طيب حلو أووي»
لثمت خدّه بسرعة وابتعدت قائلة «شكرًا يا متر بجد»
أجابها بغيظ من النقرة التي نقرتها فوق خده مسمية إياها قبلة «كتر خيرك أنا مبشحتش»
قهقهت عاليًا برقة فأشاح منزعجًا يستغفر داعيًا الله الثبات
**
نهضت تماضر متلهفة لرؤيته تتعكز بإرهاق وتجر ساقيها بثقل، اندفعت مهرولة ناحيته فتقدم خطوتين تاركًا كف غزل بعدما منحها الحقائب، اقترب معانقًا خالته يعاتبها برفق «كنت جايلك جومتي ليه يا حبيبتي»
رفعت تماضر كفه لفمها مقبلة فسحبها لائمًا بتأثر «ليه يا خالة»
قبّل رأسها بتقدير ومودة فابتعدت تهتف من بين محاولاتها الفاشلة للزغردة «جتني وجلبك جارك يا واد» ضحك مخبئًا دموعه المتأثرة بالقول وهو يفرش طريق حبيبته بنظراته العاشقة، تقدمت على استحياء منهما وهو يطالعها هكذا كملكة متوّجة فهمس بما لم تسمعه «اتجمعوا النصين يا خالة والجمر بجا بدر»
أطلقت تماضر زغروتة متقطعة بالتحشرج قبل أن تبكي فرحةً ورضا
وضعت غزل ما بيدها جانبًا واقتربت تسألها بأنفاس عالية من فرط الإثارة «أنا غزل يا خالة فكراني»
اندفعت تماضر معانقة لها بالشوق والدموع، احتوتها بين ذراعيها هامسةً «ضي عين حبيبي»
أدمعت غزل متأثرة بتلك النفحة من السعادة الغامرة والاستقبال المبهج ثم نظرت لزوجها بحب فوضع كفه على رأسها مبتسمًا كأنه يُشهِد المكان على ما في قلبه لتلك الجميلة ويخبره ببسمة متألقة أنها ردت إليه.
ابتعدت تماضر عنها فمسح رؤوف وجهها من الدموع معاتبًا بلطفٍ وحنو «كل دِه؟ بتخزني دموع زي الجمال يا خالة»
ضحكت بفرحة فضمها مستفسرًا وقد تبدلت نظراته كليًا «بجيتي كويسة يا حبيبتي؟»
تعلقت نظرات غزل به في انبهار خاطف، تتابع بشغف براعم السكينة التي تتفتح في نظراته والرضا الذي يسطو عليها بهيمنة، ترمش غير ملاحقة لتلك التغيرات، تركض خلفها ببهجة طفلة ولدت في وسط ربيعها الخاص، تسجّل بعينيها ذلك التحوّل المبهر غير مصدقةً، أفاقها بفرقعة أصابعه وابتسامته الجذابة «غزلي روحتي فين؟»
مالت بدلال متنهدة تخبره «أنا في الربيع يا متر»
ضحك بمرح قبل أن يضم خالته ويعيدها مكانها آمنة ويعود مساعدًا زوجته في إدخال الحقائب..
دخلت المكان ببطء تتأمل أركانه بشغف وحب، تمرر نظراتها عليه دون خجل أو حرج وقد أصبحت اليوم تملك ذلك الحق، ابتسمت ثم ضحكت وهي تشاهد صورًا من ذكرياتها في خطوط جدرانه وشقوق سقفه، عانقها من الخلف متنهدًا وما تشعر به يصله كاملًا بل يشاركها إياه، يومًا تمناها هنا وتمنى ضمها والآن يفعلها بحرية بعدما أصبحت له.
يرى الآن جدران بيته العابسة تبتسم بل وتضحك، وأرضه تهتز متمايلة بجسديهما في فرح، فكّ حصار خصرها وأشار لها «يلا غيري وتعالي نتغدا»
اتجهت ناحية الحجرة بسرعة، دخلتها وأغلقت خلفها فسارع هو بالجلوس جوار خالته بلهفة طفل يهمس موصيًا إياها يتأكد « الي جالك دلوك مين يا خالة؟ »
ضحكت تماضر قائلة وهي تضرب خده «واد حفناوي»
هددها بعبوس كاذب «عارفة لو فتنتي عليا يا خالة مش هجبلك عسلية تاني»
ضحكت تماضر قائلة «يمكن هي تعرفك وحدها»
هز رأسه هامسًا بشك « مظنش بس على الله»
خرجت غزل بحماسها المشتعل وشقاوتها المحببة فابتعد عن خالته ونهض قائلًا «تعالي يا غزل حطي شاي وافرشي الأرض للأكل على ما أغير أنا كمان»
أومأت بطاعة فانصرف للحجرة وبقيت هي تثرثر بمشاعرها وتسكب في أذني تماضر عاطفتها «وحشتيني يا خالة عاملة إيه؟»
ابتسمت تماضر مُجيبة اياها وسمعها يستلم القيادة ملتقطًا ما تساقط من فم تلك الشقية المتحركة حولها بحماس «الحمدلله يا بتي تعيشي»
خرج من الحجرة يرتب ملابسه ويمسدها باهتمام توقفت نظراتها عنده بعدما سرق حواسها منها له واستأثر بوعيها وأفكارها في امتلاك، حين اقترب عادت للحياة مرويَّة بقربه مطمئنة النظرات وراقصة الدقات «تعالى»
سألها قبل أن يجلس بينهما « في حاجة عايزة تسخين؟»
أجابته وهي تضع كفها على الأواني متحسسة«لا معتقدش حلو كدا علشان الخالة»
ابتسم بحنوٍ ورقة معجبًا بمراعاتها واهتمامها بالتفاصيل بعفوية تامة ودون ترتيب، تربع بينهما فسألته «عبود هيجي؟ لو هيجي نستناه»
أجابها وهو يبسمل بإستعداد «معرفش بس كدا كدا هنشيله منابه»
هزت رأسها بالإقتناع والموافقة فشرع في فتح الأواني ذاكرًا الله، تابعته دون مساعدة وهو يهتف «جايبلك الأكل الي بتحبيه يا خالة»
سألته بإهتمام «جبت شبكة لمرتك يا واد؟»
ضحك قائلًا وهو يمسك بكفها المتغضن واضعًا فيه قطعة لحم «جبت يا خالة»
سألته من جديد بمراعاة واهتمام «ومهرها يا حفناوي يا صغير؟»
ابتسم قائلًا بعملية وهي تتابعها فاغرة الفم بذهول «حطتهولها باسمها في البنك مهرها بزيادة والي يليج بيها»
فتحت عينيها على وسعهما مستفهمة «رؤوف إنت بتقول إيه؟ أنت عملت دا أمتى وإزاي وليه طيب؟ أنا مش عايزة حاجة؟»
ضحك مشاكسًا لها وهو يضع الطعام بفمها «كل دي أسئلة»
تناولتها بشفتيها قائلة بضيق «مش عايزة حاجة يا رؤوف»
أجابها بجدية وهو يقرب المعلقة من شفتيها «ده حقك ومتناقشيش»
تأففت بإنزعاج واستياء فسألها بغيظ «ولا حاجة عجباكي ورضياكي دهب لاه شقة لاه وفلوس لاه نريحك كيف»
طغت لهجته فتراجعت مبتسمة تهدئه«خلاص يا صعيدي متتنرفزش عليا، مش يبقا بطر لو أطلب حاجة وأنت معايا؟ إيه أغلى منك يا حبيبي يعجبني ولا يملأ عيني ؟ مش عيب برضو»
رفع رأسه للأعلى هاتفًا بضجر «يسد بيت أبوكي، بتختاري الأوقات الغلط»
ضحكت برقة ونعومة كعادتها فهتفت تماضر بمحبة «اللهم صل عالنبي ربنا ما يحرمكم من بعض يا حبيبي»
مال مشاكسًا غزله «أنا جايبها تجوليلي رأيك فيها لو معجبتكيش هنرجعها خلاص»
عاتبته بدلال ونبرة مغناج وهي تبتسم بخجل «أهون يا متر؟»
عاد بجذعه لها هاتفًا بنشوة وغرام «يا أبووووي اتجبرت بيكِ أنا، كيف أبعدك؟»
دست الطعام بفمه ضاحكة «طيب خد يا صعيدي»
تناول من بين أناملها بينما تستمع لهما تماضر بسعادة وتبتسم لمحبتهما بجذل.
***
أخذ الهاتف ونهض من جوارها تاركًا لها تساعد خالته في شُرب الحليب، مُجيبًا صديقه بخفوت «أيوة يا زين أخبارك؟»
*الحمدلله أنت عامل إيه؟
نظر لزوجته بهيام ثم أجابه بتنهيدة «زي الفل»
قهقه زين مشاكسًا له
*والله وعشنا وسمعناك بتتنهد يا واد الحفناوي
ابتسم قائلًا «ها إيه الأخبار؟»
*مسكنا الواد وجبناه بس الحاجات الي جابها أقل من الي بلغت بفقدانها.
عبس باستفسار «يعني إيه؟»
*ناقص الورقة إياها وبيقول مفيش خواتم ..
«مش هتديهوله بالساهل بت ال... جولتك استغل الموقف وأجول تبع المسروجات »
*وارد تنكر وتتهرب وتقول محصلش
«هنعمل إيه؟»
*هنصبر لغاية ما نشوف
«تمام» نظر لزوجته المنشغله وهمس بحذر «قاسم كويس ؟»
*زي الفل متقلقش
«الحمدلله»
*ما تجيب مرتك وتيجي تقعد شوية
«لاه مش وقته»
*ما تفضها من جو الغموض والقلق دِه وتقولها كل حاجة وتخلص
«حاضر بس شوية»
*براحتك بس مترجعش تشتكي. عملت إيه مع آيات؟
«ولا حاجة مشيتها»
*جدع أوعى تديها قشاية بنت المقشف دي
«خير»
*سلّم على جماعتك سلام يا باشا
أنهى الاتصال وجلس بينهما قائلًا «فين اللبن بتاعي يا غزل؟»
أجابته بابتسامة رائقة «حاضر مصبتهوش علشان ميبردش يا حبيبي»
سألته وهي تسكب له اللبن وتناوله له «رؤوف هو فعلا البيت اتسرق تاني؟»
أضاء عقله بالفهم بعدما عبس بتفكير وأجابها بمكر «أيوة بس ليه هو اتسرق أولاني؟»
تربعت جواره قائلة بحماس «تقريبا، علشان لما كنت هنا كان أخوك بيقول اتسرق منهم خاتم حتى إني خوفت يتهمني»
عبس بمراوغة وسألها باهتمام وترقب «واه وعملتي إيه؟»
ضحكت تماضر بصمت بينما تابعت هي «ولا حاجة فكرت أمشي بس هو رفض وقالي لا وإنه مش شاكك فيا»
أظهر تأثر كاذب وتعاطف مغشوش بالخبث «كتر خيره»
سألته بضيق وإنزعاج «قاسم فين وإزاي أخوك سايب الخالة؟»
أجابها وهو يتناول منها بعض المخبوزات التي صنعتها وأحضرتها معها «متظلميهوش مشغول مع مرته شوية، وقاسم عند صاحب أبوه قاعد مع ولاده بيغير جو»
استنكرت بضيق «وسايبه عادي؟»
أجابها وهو يتناول المخبوزات بنهم وابتسامة متسلية على شفتيه «عريس خليه يتمتع اتبهدل كتير والله واتحرم معلهش »
عبست ضائقة بقوله «هو قاسم هيعطله مثلا فإيه ولا يكونش مراته هي الي مش عيزاه وبتحبه»
استنكر قولها بمشاغبة ومكر «لاه كيف دي بتحبه خالص»
تأففت بإستياء وضجر فضحك مستمتعًا بردود أفعالها فدفعته ضائقة بضحكاته ولا مبالاته «بتضحك ليه أنت تجبلي قاسم يقعد معايا»
هتف برضا «يا سلام حاضر ولو عايزة تعيشي هنا مفيش مانع»
لمعت عيناها وابتسمت قائلة «إيه ده بجد»
خبأ ابتسامته وأجابها بملامح محايدة «هحاول مع أخوي»
شاركته رغبتها «تعرف نفسي أشوف علاقتكم ببعض عاملة إزاي؟ شوفتك مع طاهر ويونس مش متخيلة أنت وتوأمك»
هتف ضاحكًا «اشربي اللبن خلينا ننام ربنا يسهل »
*""***
في الصباح
كان يجلس أمام المنزل أسفل شجرة العنب المتسلقة يدندن بمتعة وإنتشاء، ابتسمت حين نالت رضا زمانها بعودته، اقتربت منه ببطء حتى وصلت إليه وغطّت عينيه بكفيها، رفع كفيه لكفيها هاتفًا «كل دِه تأخير.....»
قطع كلماته متنفسًا الهواء من حوله بقلق، عبس بغير رضا حين غزت صدره رائحة لا تشبهها ولا يعرفها. انتفض بقلق حين تلمّس الكفين وشعر بالجهل لتلك الأنامل، دفع الكفين ونهض بسرعة مشمئزًا لاهثًا..
ابتسمت زينب قائلة بجرأة«ازيك يا متر»
نظر لكفه المضمومة جواره بعبوس وضيق قبل أن يرفع نظراته ويسألها بعصبية «عايزة إيه أنتِ؟»
أجابته وهي تتمايل أمامه بدلال أصابه بالاشمئزاز والقرف «كنت فايته من هنا ووعتلك جولت آجي أسلم»
فرك أنامله بضيق شاعرًا بجمرٍ يحرقه قبل أن يجيبها بحدة «ماشي اتكلي على الله يلا»
تأملته بنظرة مضيئة بالجرأة قبل أن تقترب هامسة «وحشتني يا أستاذ»
تراجع خطوة بقلق وهو يجيبها بغضب «ما تحترمي نفسك وحش أما يلهفك»
ضحكت ظنًا منها أنه يوبخها لشعوره بالهزيمة أمام دلالها، خرجت غزل من المنزل متسائلة «مين دي؟»
حولت زينب نظراتها لها مُجيبة «أنا زينب»
قلدتها غزل بتهكم مقلدة طريقتها المغناج «عايزة إيه يا زينب؟»
أخفض رأسه كاتمًا ضحكته فقالت زينب بوقاحة «ولا حاجة الأستاذ وحشني جيت أشوفه»
تصاعدت الغيرة من رأسها لنظراتها التي سلطت عليه اللحظة بغضب فتحرّك للداخل، سحب زجاجة مياه وعاد يغسل كفه أمام المتبجحة بمغزى، حين أتمّ الغسل تنهد براحة وأراح الزجاجة أرضًا وهو يهتف بابتسامة ماكرة «لسه في القزازة ميه نعملك بيها شاي يا زينب؟»
احتدت نظراته لكنها تماسكت ورمقته متحدية له «لاه يا أستاذ المرة الجاية لما تعملهولي بيدك»
صُدم من قولها وارتبك بينما ضحكت غزل قائلة «اتغطي كويس بالليل يا زينبو»
نظرات زينب المتحدية شغلته عن قول غزل فصمت بجمود ،مراقبًا الأخرى بفطنة منتظرًا تاليها الذي دفعها لتأتي إليه بكل هذا التبجح
استدارت زينب قائلة «نغشة وحلوة مرتك يا أستاذ تستاهلها زي ما تستاهل الحلو كله »
هتفت غزل بسخرية وازدراء «بيجزع النفس كتر الحلو يا زوزو»
تجاهلتها زينب واستدارت متصنعة«جلبي عندك فسرقة البيت يا أستاذ »
ختمت قولها بضحكة قصيرة ملبدة بالتشفي فقطب بغضب شديد حارقًا لها بنظراته لكنها تجاهلته مُردفة «امال فين قاسم يا أستاذ مشيفهوش يعني؟ » ثم مصمصت بشفقة «بيفكرني بأمه لما أشوفه الخالق الناطق هي الله يرحمها؟»
ابتسمت حين وصله ما أرادت فقالت مستأذنة «فتك بعافية يا أستاذ متطولش غيبتك بتوحشنا»
ضم قبضتيه حتى ابيضت مفاصله لاعنًا لها متوعدًا قبل أن يفيق على سؤال غزل «هي مالها وبتكلمك كدا ليه بجد؟»
نفض ما حدث واقترب منها معاتبًا «وأنتِ طولتي ليه؟»
ضربت الأرض بقدمها هاتفة بغيرة «رؤوف بكلمك مين دي ومالها مش مظبوطة»
اتجه ناحية الصنبور وفتحه مقررًا الوضوء بعدما لامست أنامله تلك المتبجحة، عبس بضيق متذكرًا ما حدث فضاق صدره أكثر، منحته المنشفة بعدما انتهى «رؤوف بكلمك»
أجابها بصدق والضيق مازال يحتل صدره ويقبض قلبه «والله ما أعرفها يا غزل دي أصلًا واد أخوها هو الي سرق البيت ومن قبله هي الي سرقت الخاتم»
هتفت بصدمة «يا خبر وجاية عادي؟»
أجابها باشمئزاز ونفور «ناجصة رباية هجول إيه!»
سألته بإهتمام مشاركة معه الأمر «وناوي على إيه؟ وأخوك هتقوله ولا هو عارف؟»
ابتسم لاهتمامها بالأمر ومشاركته التفكير متجاهلًا نصف سؤالها متحاشيًا بمراوغته الإجابة «هحكيلك ناوي على إيه وتجوليلي رأيك يا غزالة الحفناوي »
*****
سألتها زوجة أخيها بسخرية وهي تنهض من جلستها مغادرةً خلفها للحجرة «كتي فين يا زينب هانم»
نزعت حجابها وألقته ثم جلست فوق حافة الفِراش قائلة «بشتري حاجة من الصيدلية»
مصمصت زوجة أخيها مُعلّقة بتهكم وهي تحرّك شفتيها يمينًا ويسارًا «الصيدلية برضو يا زينب»
سألتها باهتمام «جوزك عمل إيه مع ولده الصايع»
أجابتها الأخرى بحسرة بالغة «هيعمل إيه ولدي التهمة لبساه والأستاذ نابه أزرق مش هيفوّتها»
ابتسمت عند ذكر اسمه بهيام وإعجاب فلكزتها زوجة أخيها مؤنبة بغيظ «ولا هامك يا بت ولا شفجانة على أخوكي وواد أخوكي»
تمددت زينب على الفِراش قائلة بلا مبالاة «ولدك يستاهل مربتهوش وسيبينه يشرب ويسرق»
رمقتها زوجة أخيها بنظرة منزعجة وهي تسألها «وأخوكي مصعبانش عليكي؟»
ابتسمت قائلة «هعمله إيه يعني؟»
مصمصت زوجة أخيها مرة أخرى ثم قالت «الظابط بيجول الحاجة ناجصة وفي خاتم وأمصر إيه جولنا ياخد حاجته ونستسمحوه عشان مستجبل الواد بس هو مش راضي بيجول تاجيني الحاجة كاملة»
صمتت زينب بتفكير بينما تابعت زوجة أخيها «كله بيجول الأستاذ كد ما طيب كد ما واعر ومبيسيبش حقه»
همست زينب بهيام وابتسامة حلوة ترتسم على شفتيها «وحلو جوي جوي»
أفاقت من أفكارها وخيالها على هزة زوجة أخيها لجسدها «فكرك هيبصلك بعد عملة واد أخوكي؟»
تألقت نظراتها وابتسمت مؤكدة «مش بمزاجه»
استنكرت زوجة أخيها قولها وعاتبتها ناصحة «باصة للعالي يا زينب والراجل دِه مش سهل وشكلك هتغرّجي نفسك»
هتفت بثقة «مفيش راجل يجدر على كيد الحريم»
مصمصت زوجة أخيها مرة أخرى قبل أن تقول «طيب جومي يلا غيري وتعالي ساعديني جبل ما ياجي أخوكي من جنا»
غادرت الحجرة فاعتدلت زينب قليلًا وأخرجت من حافة مرتبتها القطنية و من داخل أحد ثقوبها قطعة قماش، فردتها وأخرجت الخاتم معاينةٌ له بانبهار فهو يبدو لها قطعة مميزة وقديمة مثله تمامًا، ارتدته في اصبعها متأملة برضا وبعدها أخرجت من ثقب آخر ورقة وجدتها في أغراض ابن أخيها حين فتشتها للبحث عن المسروقات وتسليمها، وقتها فتحتها وقرأتها ثم خبأتها سريعًا محتفظة بسرها.
أعادتها لمخبئها الآمن ونهضت متأففة على نداء زوجة أخيها المتعجل.
*****
جلست جواره هامسةً وهي تنظر للأوراق التي أمامه «رؤوف مشغول فإيه؟» رفع رأسه مُجيبًا عليها بنفس الهمس وهو يتأملها بحنو «شوية شغل مستعجلين»
منحته اقتراحها وهي تسند خدها بقبضتها «أساعدك يا حبيبي»
أمسك ذقنها بأنامله مداعبًا برقة وعاطفة وهو يغازلها متأثرًا بقولها «اهي حبيبي دي هونته جبل ما أبدأ يا جلب حبيبك»
توردت بخجل بهيّ وهي تضحك برقة لكلماته فعاد لأوراقه متنهدًا بهيام، جذبته لمحرابها بهمسها الناعم الذي أغوى عقله للانتباه وقاد قلبه لها مسحورًا «أوفة أنا جيبالك هدية»
التفت مضيقًا نظراته على وجهها بابتسامة مندهشة فتابعت بخجل زادها روعةً «يارب تعجبك»
ترك الأوراق جواره من الناحية الأخرى وانتبه لها مستقبلًا محبتها واهتمامها كالغيث في أرضه الجدباء، تابعت وهي تفتح الحقيبة الورقية ونظراته المكللة بالشغف تتابعها قافزة مع حركات يدها ببهجة طفولية «على فكرة من فلوسي أنا؟ »
صمتت تمسح بأناملها على الهدية موضّحة وهي تطأطأ بخجل بينما هو يتابعها بإنبهار، سحبت كفه بين أناملها وألبسته خاتمًا فضيًا هامسةً وهي تتأمله «محبش أخبي عنك حاجة حتى لو عادية، دي فلوسي أنا من تعبي وشغلي كانت ليا بره في السوق، لما رجعت صفوة بعتتهالي فودافون واستلمها طاهر، فضلت معايا لغاية ما جه وقتها، مفيش أحب عندي ولا لقلبي من إني أهادي حبيبي بتعبي الي بحبه»
رفعت كفه بعدما تأملته بإعجاب راضية باختيارها وسعيدة به، وضعتها على شفتيها توثق اعترافها بالحب بختم قبلاتها هامسةً «علشان تفتكرني دايما، لما شوفته عجبني وحسيته يليق بيك»
سألها بإنبهار ودهشة طحنت وعيه اللحظة «غزل بالله أنتِ بجد! حقيقية يعني؟» وضعت كفه برفقٍ وحنو وأخرجت هديتها التالية هامسةً « وكمان المصحف ده ، فهمت إنه أفضل جليس وونس ليك ونور لقلبك ابقا اقرأ منه وابعتلي حسنات بقا متبخلش» ختمت كلماتها بغمزة شقية فتناوله منها مُقبلًا يعدها بصدق «مش هقرأ تاني غير منه»
وضعه جانبه بقدسية وجذبها برفق لأحضانه شاكرًا بينما هي تمسك بكفه ممررة أناملها ونظراتها على خاتمها في إصبعه، صمت طويلًا مقربًا إياها من قلبه مأخوذًا بسحر أفعالها فهمست «سكت ليه؟»
تنهد قائلًا وهو يضمها لصدره أكثر كأنما يريدها أن تسكن وتستقر بين أضلعه «والله إن جلبك لجلبي رحمة يا غزل ربنا يديمك له»
بادلته عشقه «ويديمك ليا يا حبيبي»
رفع وجهها ملثمًا خدها فانكمشت بخجل وإحراج من وجود خالته بالقرب منهما فقال «مكنتش أعرف إن الحب حلو جوي كده يا غزال»
أكدت بضحكة قصيرة منغمة بلطافتها ورقتها «حلو أوي أوي يا متر بس مش كل مِن يتحب ولا كل من يستاهل »
نظر لعينيها اللامعة مقترحًا مغازلًا بنظراته ومراقصًا إياها بعشق «إيه رأيك فروح لونس؟»
قطبت مستفسرة فلثم أنفها الذي كرمشته ضاحكًا يخبرها بمرح «سبجتيني ربنا يجعلك سباجة لجلبي الملهوف لكل الي منك»
عبّرت عن إنزعاجها بتكويرها شفتيها ونظرة لائمة قائلة «متر قول علطول احنا اتفقنا مفيش لف ودوران»
نهض تاركًا جسدها واقترب من خالته هامسًا بحنو وهو يمسح على رأسها «خالة صاحية؟»
أجابه الصمت فلثم رأسها بتقدير وغطاها جيدًا ثم وقف أمام المتابعة له مُشيرًا بمرح «يلا يا غزالي»
قفزت واقفة بحماس مشتعل بوقود شقاوتها واندفعت معانقة له متعلقة برقبته تسأله بدلال ورقة دغدغت حواسه «على فين يا روحي؟»
أحاط خصرها بذراعه ورفع جسدها قليلًا عن الأرض وهو يسير بتؤدة للباب هامسًا «هوريكي حاجة»
ترك جسدها مشيرًا لها «يلا البسي حاجة مناسبة هستناكي مع ونس»
لثمت خده بسرعة خاطفة وركضت للحجرة بطاعة لتعود إليه بعد قليل وتمتطي ونسًا أمامه...
بعد قليل كان يصل بها لمكانه المفضل، توقف ونس فضمها هامسًا قرب أذنيها وهو يشير بسبابته لوليفة ونس «إيه رأيك فروح لروح الروح أنتِ»
فغرت فمها ذاهلة وهي تفتح عينيها على الفرسة التي تقف أمامها بكل بهاء وجمال، استدارت له مستفسرة «رؤوف أنت قصدك»
قاطعها ضاحكًا على ردة فعلها «أيوة يا حبيبتي دي ليكِ»
قفزت للأعلى صارخة بحماس وهي تنقل نظراتها بينه وبين روحها الواقفة بشموخ أضحكه، اندفعت لأحضانه قائلة بسعادة غامرة «حبيبي أنت»
أحاطها بذراعيه ورفعها قليلًا يدور بها قائلًا من بين ضحكاته الرائقة«ولا ليا أنا حبيب غيرك»
**
بعد قليل كان يتسلل بها لمنزل خالته، اطمئن لعدم استيقاظها فدخل الحجرة ساحبًا لها مُغلقًا الباب خلفهما وبعينيه ألف نظرة عزم وتصميم، هتفت وهي تفرد ذراعيها «تعرف بحب الأوضة دي أوي» تأملها وهي تدور وتحلّق حوله كفراشة جميلة مبهجة مهلكة «عارف» همسها وهو يقترب منها بعينين ممتلئتين بالشغف، توقفت عن الدوران حين اصطدمت بصدره هامسةً وهي تحاوط عنقه متمايلة «عرفت منين يا روحي»
نزع عنها حجابها برفقٍ ولين، وألقاه بعيدًا قائلًا وهو ينحني ملثمًا خدها المتورد المتوهج بالخجل اللذيذ «جلبك جالي»
ارتجفت بإرتباك وهي تنظر لعزم عينيه المسلطة عليها فابتسم هامسًا يصرف ذهنها بطمأنته وهدوئه هاربًا بها من خوفها «جولتيلي مجهزالي أغنية»
عادت لحيويتها ملطخة الوجنتين بالحمرة وهمست «أيوة أغنيلك؟»
هز رأسه بتأكيد فتمايلات بين ذراعيه مُغنية بصوتٍ ناعم، عانقها مستمعًا بإهتمام مرتشفًا صدقها من بين كفيّ عاطفتها، يتمايل معها في نشوة حتى توقفت مستفسرة «عجبتك؟»
أجابها بهزة رأس مؤكدة وهو يسألها «إيه رأيك نفسي بكريتك تبجى آسيا»
صمتت قليلًا مرتبكة مضطربة المشاعر ثم رفعت نظراتها المثقلة بالعشق هامسةً بابتسامة رائقة مُعلنة رضاها مباركةً طلبه بالقبول«حلو أوي حبيته »
انحنى مغمغمًا بما لم تسمعه، تلفحها أنفاسه العطرة فتشكلها بين يديه كما يحب، يغمرها بحنوه وعاطفته فتنحني طاعة له وقبولًا بملكيته.
سريعًا كان يبتعد مُجيبًا على هاتفه المزعج وهو يفرك مؤخرة رأسه بإرتباك، منقلًا نظراته بينها وبين ما أمامه مضطرب المشاعر والخافق يلعن أخيه العجول الملحّ ألف مرة، حتى ما إذا نطق هاجمه بثورة «عايز إيه يا زفت»
أجابه يونس بقلق شديد «مصيبة يا رؤوف»
نفض عقله محررًا له من غمامة المشاعر وانتبه مستفسرًا باقتضاب «خير في إيه؟»
تنهد يونس بحزن قبل أن يختصر الأمر بالطلب «هات غزل وتعالى ضروري ومتتأخرش»
زعق رؤوف بغضب وقلقه يزداد «حد جراله حاجه؟»
تركت غزل الفِراش ووقفت خلفه واضعة كفه فوق كتفه بتساؤل فاستدار دون أن ينطق
«تعالي مش هينفع الكلام في التليفون تعالى ومتسألنيش لإني مش عارف أجول إيه »
التقت نظراتهما فأشاح متحاشيًا سؤالها غير المنطوق يُجيبه «ماشي جاي حاضر»
أنهى الاتصال وزفر بتعب جعلها تمسح على صدره هامسةً بابتسامة حنون «في إيه يا حبيبي»
فرك جبهته لاعنًا قبل أن يجيبها بإقتضاب وغيظ شديد «معرفش قالي أجي ضروري في مصيبة» شردت بقلق واضطراب بعدما نُقلت إليها عدوى التوتر فأشاح عنها هامسًا«يلا اجهزي على ما أجيب أم جمال تبيت مع خالتي»
أومأت بقلق سكن نظراتها وربض داخل القلب فتركها ينهشه التفكير القاتم...غادر لمنزلهم داعيًا الله ذاكرًا له حتى وصل وترجّل ممسكًا بكفها
دخل من البوابة الخارجية فوجد يونس في انتظاره أمام باب المنزل فسارع بالسؤال«خير يا يونس»
أشار له يونس بصمت وهو يسبقه في الدخول فدخل المنزل مُلقيًا السلام عليهم جميعًا، اندفعت الأخرى معانقة غزل التي تخشب جسدها ولم تبادلها عناقها هامسةً بذهول «ماما؟»
تعجب رؤوف مما قالت وردده بدهشة «أمك؟»
تركتها السيدة واندفعت تتوسل رؤوف بنظرات تموج ما بين الخوف والقلق والترقب «بالله عليك يا ابني صفوة ملهاش ذنب قولي مكانها حرام عليك»
نظرت إليه غزل بدهشة بينما كان هو غارقًا في أفكاره الخاصة شارد الذهن بجمود لا يعي ما يدور حوله ولا يسمع قولها،ينفض غبار النسيان عن ذاكرته بينما الجميع مترقب بصمت حتى نطق بعد دقائق «مرت عمي؟!»
#عزف_السواقي
#عائشة_حسين
#رواية_صعيدية
#انتهى
1

