اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم عائشة حسين 



                                    

وقف  ثابتًا كالطود يغرس سهام نظراته المتحدية في عينيها المرتعبة وهو يبتسم قائلًا «ازيك يا غزل» شحذت همتها وانتصبت مناطحة غروره وتحديه  بقوتها الكامنة، ابتسمت له محيية بلا مبالاة «ازيك يا مرتضى» 

                    

تقدم منها ونظراته تفتش فيها باهتمام ولمحة من أبوة جلبت سخريتها  «عاملة إيه؟» 

                    

تحركت ناحية ونس تمسح على ظهره بكفها قائلة بنفس الثبات مخبئةً ضعفها حتى لا يتجبر، مستمدة من دفء صديقه الثبات «كويسة جدًا» 

                    

ثم نظرت إليه بجمود قائلة «بص فوشي هتتأكد إن دا أكتر وقت كنت فيه بخير وكويسة» 

                    

ابتسم بتهكم قبل أن يرجم قوتها بحجارة الجحود « طب عال والله اشبعي» 

                    

سألته وهي تواجهه بنظرات تعاني منتفضة من أضغاث الخوف والترقب «جاي ليه؟» 

                    

مسح على ظهر ونس كما تفعل وأجابها ببرود قاتم «عرفت إن جوزك واخواته وأبوه فمصر فجيت أشوفك وأطمن» 

                    

احتدت ملامحها وهي تراقب كيف يمسح بكفه على ظهر ونس، فار اعتراضها وطفح كيلها رافضة أن يمس صديق حبيبها فضربت ونس محركةً إياه تاركة كف مرتضى مُعلقة في الهواء، ابتسمت بظفر وهي تضم رأس ونس كاعتذار له عن تلك اللمسة ، أسقط مرتضى كفه جواره وقال بنظرة ضيقة فوق ملامحها يراقب كيف تحتمي بحصانه «جهزي حاجتك هترجعي معايا» 

                    

أجابته بنفس الهدوء وهي ترفع رأسها مفتشة في عيني ونس عن صورة مطبوعة لحبيبها وهي تمسح على رأسه «مستحيل» 

                    

بنفس الهدوء سألها «عملك إيه غيرك وعصّاكي عليا؟» 

                    

تجمعت الدموع في عينيها قائلة وهي تهمس بعاطفة شديدة تملكتها مستحضرة صورته ومواقفه معها «حبني يا مرتضى حاوطني بالأمان قبلني بعيبي ورسملي فوقه فل وياسمين» 

                    

قال من بين أسنانه بغيظ محترقًا بشهب شجنها المتساقطة من نظراتها«محبكيش هو بيعمل كدا علشان يحرق قلبي بعصيانك» 

                    

صاحت فيه مدافعة عنه بقوة ورباط، مُشهرة سيف غضبها مما قال «رؤوف أكبر من كدا  مش كداب ولا خاين ولا غدار» 

                    

صاح فيها ونظراته تلعنها «هيرميكي ويسيبك بعد ما ياخد الي عايزه ويحرق قلبي وقلبك ، بيردلي الي عملته فعمته» 

                    

رمقته بإشمئزاز قائلة «رؤوف أرجل من كدا وأنت عارف» 

                    

ضرب ونس بكفه فشهقت بذعر رافضة فعلته ويده التي امتدت على صديق حبيبها الغالي، في الضربة الثانية فردت كفها مستقبلة حقارته متغاضية عن الألم لا ترى سوى أمانته وألا يصيب دنس مرتضى ما يخصه بانتقام، بعدها تحركت وحشرت جسدها بينه وبين ونس معترضة زاجرة له بنظراتها وهي تصيح «تصدق بالله لو عمل زي ما قولت ما هلومه برضو ولا هبطل أحبه مش بتقول زي ما عملت فعمته يبقى خلاص العين بالعين ودا حكم ربنا» 

                    

قيّد ذراعها وسحبها بعيدًا يصرخ «بتعملي كدا ليه؟» 

                    

حاولت تخليص ذراعها من قبضته قائلة بغضب «مبعملش ، ربنا اختارلي أكون هنا.. رضيت فرضاني يا مرتضى، الناس دي أنضف ناس ربنا عوضني بيهم فسيبني وانساني» 

                    

هددها بحرقة «هقتلهولك» 

                    

فغرت فمها في صدمة بللت جبينها بالذعر قبل أن تتمالك وتنفض ذراعها من قبضته صارخة بتهديد «وأنا هقتلك بعدها والله العظيم وأقتل نفسي» 

                    

صفعها عدة صفعات متتالية وهي كما هي ثابتة تنظر إليه بتحقير محاوطة إياه بإستخفافها وسخريتها، توقف ممسكًا بخصلاتها يدفع رأسها لحائط قريب وهو يقول «هتمشي معايا وهنسافر وتنسيه» 

                    

أجابته بهلاك «يبقى موتني قبلها وخدني جثة يا مرتضى» 

                    

بحالة غضب عارمة دفع رأسها للحائط فتأوهت بشدة وابتعدت تلملم الدماء المنبثقة من جبهتها بأناملها، رأى صنيعه فابتسم قائلًا بحقارة «أنا برضو بقول كدا ما أنا مش هسيبك له ببساطة ويبقى انتصر عليا» 

                    

اقتحمت سماسم التي كانت واقفة تستمع بارتجاف ، يتحرك جسدها كجريد النخل من عصف كلماته القاتلة، شهقت لا تصدق تعريته نواياه ولا تكذبها فمن قبل فعل أكثر.. أعلنت عن وجودها بنبرة مهزوزة متآكلة الأطراف بالذعر  «سيبها وغور معادش لك فيها» 

                    

ترك مرتضى ابنته ووقف يبتسم بسخرية حارقًا الواقفة بنظرة مستخفة محتقرة تمتليء خزائن ذكرياتها بالكثير منها، أجفلت غزل وتحركت واقفة بينهما في استعداد لأي هجوم.. هتف محتقرًا «حتى أنتِ يا خايبة» 

                    

صاحت غزل رافضة توبيخه مفتشة في قلبه عن ذرة ضمير  «حرام عليك أنت مبتخافش ربنا» 

                    

دفعها مرتضى بعيدًا واقترب من سماسم المرتجفة متحديًا لها بقسوة «امشي من هنا وسيبيني مع بنتي مبقاش غيرك الي يتكلم » 

                    

رفعت سماسم نظراتها المحتقنة إليه مزمجرة قبل أن تهجم عليه مخشمة بأظافرها وجهه وهي تصرخ منفجرة فيه بقهر، وقفت غزل مبهوتة دقائق قبل أن تتحرك مخلّصة سماسم من غله وشره، فدفع ابنته لاعنًا وجروح أظافر الأخرى تحرقه بشدة وتدفعه لعقابها على تجرأها عليه بقسوة، لكن غزل عادت مرتعبة حاشرة جسدها بينهما صارخة فيه «حرام عليك سيبها» 

                    

اغتاظ من دفاع ابنته فأمسك بها في غضب وتهور قابضًا على عنقها في هياج مما جعل سماسم تشهق برعب وتركض باحثة عن منقذ، التقطت من الأرض حجرًا وضربت به رأسه فتراجع بجسد مترنح متأوهًا يسبها بدناءة، تحسس الضربة شاتمًا بينما ضمت سماسم غزل في دعمٍ وحنو مواصلة الدفاع عنها بشراسة ليست معهودة بها بينما همست غزل بضعف «خدي حقك وحق ابنك منه وهو كدا، مش هلومك هو يستاهل» 

                    

كأنما أيقظت الوحش الكامن بداخلها ومنحتها القوة للثأر، قبل أن يستعيد ثباته كانت تركض سماسم للداخل ظنها هربت فضرب غزل على رأسها متأملًا في فقدانها الوعي حتى يحملها ويرحل بها بعيدًا لكن سماسم فاجأته بعودتها ممسكة بسلاح أبيها تهدده وهي تشهره في استعداد «غور من هنا وإلا هجتلك بضمير مرتاح»

                    

وقف مكانه بينما سقطت غزل أرضًا تئن، زمجر ونس وتحرك بعصبية، تقدمت سماسم منه بخطوات هادئة  تتأمل خوفه برضا وجبنه براحة وهي تقول «صُح فات معاد موتك من زمن بس ملحوقة حجتلك دلوك وأخد بتار أخوي وأدفن جتتك فسباط البهايم يا زفر» 

                    

ضحك مرتضى بهستيريا مستخفًا بقولها وتهديدها فزمجرت بغضب وهي تُطلق على الحائط جواره، لإثبات جدية نواياها وتأكيدًا على قولها.. تراجع في رعب بينما أطلقت هي مرة أخرى بغلّ وانتقام متشفية راضية بما تراه من ضعف. 

                    

جاءت نجاة راكضة ووقفت متسمرة لا تصدق شجاعة سماسم النابعة من قهرها ولا مجيء مرتضى بجرأة، ما إن رأت غزل الواقعة أرضًا حتى اندفعت ناحيتها محتوية لها بين ذراعيها تضمها لصدرها هاتفةً «يابتي! سلامتك يا ضنايا» 

                    

صرخت به سماسم «غور يلا» 

                    

تحرك مرتضى ببطء حتى وصل لباب الحظيرة وخرج منه فأشارت سماسم لنجاة «اجفلي وراه» 

                    

تركت غزل وهرولت ملبية، أغلقت خلفه جيدًا وعادت لغزل، فتركت سماسم سلاحها وساعدتها في حمل غزل وادخالها المنزل والاطمئنان عليها. 

                    

***

                    

جن جنونه وأصابه القلق بسهمه الطائش، دار في الشقة بغير هدى ثم جلس منتظرًا يطرق بأنامله فوق حافة الكرسي، شيئًا ما يقبض قلبه ويفسد عليه يومه، يضيّق أنفاسه ويخنقه كأن في صوتها اتساع العالم ورحابته 

                    

راقبه يونس مستفسرًا «في إيه يا أخوي مالك؟» 

                    

تململ رؤوف في جلسته قائلًا «غزل فينها؟  مسمعتش صوتها بتكلمكم زي عوايدها يعني وتطمن؟ هي كويسة؟» 

                    

أجابه يونس مستعرًا منه بعض القلق «والله ما عارف طاهر رنّ عليها مردتش وبعدها كتبت إنها مشغولة لما تفضى هترن» 

                    

نهض من جلسته لا صبر ولا تحمل، يشعر بأن القلق أشواك تدميه، أمسك بهاتفه ونقر محاولًا الاتصال بها وكسر كل الحواجز التي وضعتها بينهما، لكنه صُفع بالصمت الخانق الذي أشعل قلقه فقال وهو يدور حول نفسه «بجول أبوي خلاص ينزل وكفاية هو فين؟ يا أبوي» 

                    

طمأنه يونس «اصبر يا أخوي يمكن مشغولة صُح ما كل حاجة عليها وفوق راسها» 

                    

أكد له رؤوف بوجه ممتقع ونظرات تائهة «لاه جلبي بيجولي فيها حاجة والله» 

                    

بعد قليل رنّ هاتف يونس باسمها فقفز رؤوف فوق الكرسي وسحب منه الهاتف مُجيبًا عليها «الووووو» 

                    

جفلت من صوته ومباغتته لها فصمتت، لا تريد الإلتقاء بصوته وهي على هذه الحالة من الضعف وبكل هذا الاحتياج له ستنهار باكية رغمًا عنها متوسلة له طالبة عودته فورًا 

                    

«بالله عليكي أنتِ كويسة؟  فيكِ حاجة؟  غايبة ليه وفين؟» 

                    

اندفع سيل أسئلته يثقل عليها الأمر ويضغط على احتياجها بقوة، صمتها يزداد وقلقه يتضاعف منسوبه يكرر أسئلته دون توقف فتُبعد الهاتف لإلتقاط أنفاسها قليلًا وتعيده مستمعة، متعزية بمحبته وعاطفته تستبدل بدفء ذراعيه دفء صوته وحنانه، حتى تحدثت أخيرًا بثبات «أنا كويسة الحمدلله وكلهم بخير أنا بس كنت بشتري علاج طنط نجاة» 

                    

تنهد وذبذبات الاهتزاز في صوتها الرقيق لا تريحه لكنه رجّح أنها لا تريد الاصطدام بالحديث معه وتفاجئت فقال «متطلعيش وتتعبي كل حاجة هتجيلك لغاية عندك» 

                    

هتفت بطاعة في محاولة للنجاة منه الآن وحتى ينتهي الأمر وتهرب بحاجتها بعيدًا قبل أن تُكشف «حاضر» تحرك بالهاتف بعيدًا عن أخيه يهمس بلوعةالشوق «وحشتيني يا غزل، جلبي بيسألني عنك كل دجيجة عشمان فكرم جلبك، مجادرش أنا على الجفا دِه والله ولا بعدك» 

                    

كتمت شهقة بكاؤها وحبستها داخل صدرها تنازع كاتمة شوقها وقبل أن تتهور هتفت منادية «طنط نجاة رؤوف بيسأل عليكي» 

                    

ضرب الحائط بقبضته مستسلمًا قبل أن يسترد عافية صوته المريض بالشوق، المحموم بعاطفته لها ويحدّث والدته بثبات. 

                    

******

                    

بعد مرور أيام 

                    

من النظرة الأولى فقدت الأمل، عانقت طاهر بقوة وتنفسته مفتشةً فيه عن رائحته وقلبها المشتاق لا يكف عن لوم الغائب وتقريعه في عقلها، سلّمت على يونس ببشاشة فقدت حيويتها وتفقدت إصابته بعين الاهتمام، ثم عادت متفحصة أخيها بحرص خاتمة بحثها بتنهيدة رضا، ثم جلست بينهم تستمع بإنصات دون المشاركة أو التدخل في الحديث، كلما ذُكر اسمه توهجت نظراتها وارتج قلبها بين الضلوع، يجذبها يونس للحديث باسئلته فترد باختصار وتبتسم باكتفاء، يهمس لها طاهر شاعرًا بمعاناتها فتترقرق الدموع في عينيها ألمًا وحزنًا وضيقًا ووحشة، وحشة لن يبددها سوى حضوره الآن بعافية.

                    

حبست دموعها واستأذنتهم لتحضير الغداء، مانعة كل من عرض عليها المساعدة وهما اكتفيا برفضها المقتضب والتصقتا بولديهما في شوق. 

                    

سمحت لدموعها بالتحرر وهي تقف وحيدة في المطبخ الواسع، تحركت بآلية وشفتيها تهمسان باللوم الذي تنبثق أحرفه من قلب هجره الأمان منذ رحيله. 

                    

منذ آخر حديث لهما توقف تدفق الرسائل بينهما ولم يتوقف الشوق،يزداد وينضح فتلملمه بالصبر  حتى استيقظت ذات ليلة على رسالة قصيرة منه فوق صفحة بيضاء كالتي بينهما 

                    

«مخنتكيش يا غزل، مش أنتِ الي تتخاني أبدًا » 

                    

ظلت طوال الليل ساهرة تقرأها كل مرة بإحساس جديد، كلما قرأتها تسرّب إليها شعور بالحب مختلف وفريد مرسيًا بقلبها قواعد العشق  جملة قصيرة لكنها حملت معاني كثيرة ووضعت نقطة  لإنهاء الحكاية وتتمة الحدث،كتبها بصدق روحه في لحظة غلبه فيها شوقه فنفذت كلماته لقلبها وتوتدت.

                    

بعدها صمت وصمتت هي، مقدسين تلك اللحظة لا يريدان تلويثها بأية كلمات تغبر قيمتها وتطغي على وقعها في النفس  ، ابتسمت من بين دموعها ومازال وقع الرسالة في نفسها طازجًا لم يصبه عطب التعود والإهمال، حيًا لم يمت، بل يُرزق من حبه الأنفاس. 

                    

حمحم يونس قبل أن يقتحم المكان، مُعلنًا عن وجوده فمسحت دموعها واستقبلته مُرحبة 

                    

«منور يا بشمهندس» 

                    

لاحظ إحمرار وجهها وأنفها مخمنًا السبب فالأمر لا يحتاج لذكاء منه ولا افتراض يحتمل الخطأ هي تشتاق زوجها ويحزنها عدم عودته اقترب قائلًا بمواساة وتفهم مطيبًا خاطرها بمودة  «رؤوف هيخلص الجضية ويرجع» 

                    

أومأت بتفهم حابسةً مشاعرها الضعيفة داخل قمقم الثبات، تغطي بالسؤال والثرثرة على شوقها وحاجتها للبكاء كلما ذكر اسمه أمامها من فرط شجنها وحاجتها لأحضانه. 

                    

دخل طاهر وشاركهما الثرثرة بمرح، ضمها أكثر من مرة مُعلنًا شوقه مما جعل يونس يسخر منه «أيوة إلحق شوية جبل ما ياجي المالك الأصلي» 

                    

توردت خجلًا وضحك طاهر مؤكدًا قوله «لو جاعد دلوك مكنتش هشوفها أصلًا» 

                    

رن هاتف يونس فانتفضت منتظرة بعدما ارتجف قلبها بنبوءته، نظر إليها يونس تلقائيًا وهو يؤكد ما أحسّت به «ابعد يا طاهر أخوك باينله مركب رادار» 

                    

تحركت تغرف الطعام في الأطباق تاركةً يونس يُخلص في استفزازه «أيوة يا أخوي»  وصلتوا بخير ؟

                    

فتح يونس الكاميرا أمامه تثبيتًا لإجابته «من بدري وجاعدين مع وردة آل حفناوي» 

                    

جز على أسنانه بغيظ لاعنًا قبل أن يمنحه يونس صورتها كاملة وهو يتابع «وهنتغدى أحلى وكل من يدها كمان» 

                    

توقفت غمغمة رؤوف المستاءة حين رآها أمامه، صمت بهيام وقدسية منشغلًا بها عمن سواها حتى أفاق على هتاف طاهر «مش هتسلّم على غزالك يا متر» 

                    

سحبها طاهر عن عمد من أمام الكاميرا وأبعدها مردفًا «الي عايز أختي يجيلها» 

                    

تأفف الآخر لاعنًا له بحرقة «يسد بيت أبوك يا طاهر» 

                    

ضحك الاثنان بمتعة لشعورهما بصدق خيبة أخيهما وشوقه، بينما هتف رؤوف مستدرجًا لها «متخدّميش عليهم هما يوكلوا نفسهم» 

                    

أجابته بخجل رافضة قوله«هكون مبسوطة وأنا بعمل كدا» 

                    

حوّل يونس الصوت لسماعة بلوتوث وأشار لطاهر أن يضعها لغزل ففعل، تركت ما بيدها وتسللت للحظيرة تاركةً طاهر يقوم بمهمة سكب الطعام هتف بزفرة عالية «عادد الأيام أنا وكام مرة وجفتي وعملتي فيها أكل ليهم وبعددها ليكِ حب فوج الحب، بعددها تاكلي من يدي لآخر العمر» 

                    

صمتت لا تشاركه الحديث مستمعة لكلماته التي تدفقت كالنهر العذب « وحشتيني ووحشني صوتك» 

                    

أجابته بجفاء وهي تعود للمطبخ «تمام يونس اهو معاك» 

                    

منحت السماعات ليونس الذي وضعها واستمع لصراخ أخيه «حرقة أبو الي جابك» 

                    

قهقه يونس قائلا «شوف شغلك الله يعينك يا أخوي» 

                    

أنهى رؤوف الاتصال لاعنًا مقررًا العودة فلا طاقة له بكل ذلك الجفاء وهذا الشوق. 

                    

****

                    

قبل الشروق 

                    

دخلت الحظيرة بدلالها وخفتها تمزح بمرح حين رأته أمامها «جيتلك بدري قبل الكل وقبل ما أنشغل» 

                    

مسحت على رأسه ضاحكة برقة وهي تهمس له «النهاردة عندي شغل كتير والشباب بياخدوني منك فقولت أجيلك قبل الكل يا أحلى ونس ولإنك بتوحشني زيه» 

                    

ضمت رأسه بحنو هامسة وهي تلتقط نفس طويل «بحس بيه عندك هنا» 

                    

ثم تركت رأسه واتجهت لظهره مُحدثة إياه بمرحها وهي تمسح على سرجه الموضوع بإستعداد للإنطلاق«ونس كنت هتهرب وتسيبني ولا إيه؟» 

                    

دندن من بقعته بمزاج رائق وهو يتأملها بهيام من مكانه الخفي الذي يجلس فيه منذ صلاة الفجر منتظراً بعدما وضع دعوته بحضورها في السجود، ارتشف ملامحها على مهل ككوب شاي يحبه في هذا الصباح الباكر، يتابعها بإستمتاع ونشوة مذيبًا لها في قلبه كغيمة قطنية من الغزل ،وصلت لمسامعها الدندنة الخافتة الرائقة التي عبّقت الأجواء من حولها بالشجن فقالت ضاحكة بلطافة وهي تهمّ بنزع السرج عن ظهره «دا صوته ولا أنا اتجننت يا ونس؟»

                    

ضحكت برقة شديدة وهي تهمس مقترحة بشقاوة «فيها إيه لو كان لك جناحين وكنت طرت بيا دلوقت أشوفه واطمن عليه» 

                    

ختمت كلماتها بقبلة له وهي تدندن بمزاج رائق وجسدها يتمايل برشاقة مهلكة «تحت الرمش عتاب وحنين وعيون ما تنام دوقت معاك طعم الأيام والوقت يفوت يا سلام جوني سألوني جاوبتهم عني دموع عيني علشانك» 

                    

أحاطها بخفه غامرًا جسدها بكيانه وهو يمسك بكفها معترضًا بهمسه الدافيء المليء بالبهجة «لاه متشليش أنا مجهزه عشان نطير بيه دلوك يا غزالي» 

                    

طردت اسمه من بين شفتيها محاطًا بشهقه ناعمة «رؤوف» 

                    

ضمها بقوة هامسًا محيطًا جسدها بجناحي عباءته التي يطويها فوق كتفيه «جيت أنا لكل العتاب والحنين جيت أشوفك عشان عيني أنا تنام» 

                    

ارتجفت من هول المفاجآة فشدد من ضمها هامسًا وهو يسلب من رائحتها الأنفاس «طول الطريج بدوّر على بيت شعر يوصفك أو أغنية تشبهك لجيت إنك أحلى من كل الشعر ومفيش حاجة توصفك» 

                    

تحركت مستديرة وذراعيه تحاوطنها بإمتلاك كما أطراف عباءته، فتأملها هامسًا بغرام غارقًا في أنهار عينيها الصافية « بحبك يا أحلى من كل الكلام الحلو أنتِ» 

                    

ابتسمت برقة ونظراتها تجوب ملامحه ببهجة وفرحة فهمس موجّهًا لها «يلا بينا يا غزالي مستنيكِ من بدري» 

                    

أدار جسدها لونس مُردفًا «هنهرب بعيد عن كل حاجة » 

                    

امتطى فرسه وسحبها أمامه فهمست بحيرة بعدما فكت عقدة لسانها واكتفت من تأمله وتلقيم شوقها الجائع ملامحه «هنروح فين دلوقت؟» 

                    

همس أمام أذنها برقة «لمكان بتاعنا لوحدنا أنا وأنتِ وصاحبنا» 

                    

استفسرت بإرتباك ومازالت لا تصدق عودته كأنها دخلت حلم من تأليف شوقها الكبير وحنينها له«هنعمل إيه وأهلك؟» 

                    

همس وهو يضمها بذراعيه «ششش جاي بدري مخصوص واستنيتك هنا عشان أشوفك الأول، هنحكي يا غزالي هتعاتبيني كيف ما تحبي وتجوليلي الي فجلبك» 

                    

أدارت رأسها هامسةًبذهول ثملة بسحره وجاذبيته وحنانه الطاغي«رؤوف أنت بجد؟» 

                    

لثم خدها بسرعة هامسًا بضحكة جذابة «ولو مش بجد انسي كل حاجة وخليكي معاي وبس» 

                    

همست وونس يتهادى بهما بين الحقول «رؤوف أنا... 

                    

همس لها بمحبة وتفهم محتويًا شتاتها بحكمته وحبه الكبير وصبره عليها«زعلانة عارف واخده على خاطرك وأنا مجدر هحكيلك كل حاجة وراضي بالي تحكمي بيه ويرضيكِ» 

                    

لفّ شاله حول رأسه كما نصحها بتغطية وجهها ثم انطلق بها وهما يتهامسان بالعشق. 

                    

**

                    

بعد قليل أوقف ونس هبط أولًا من على ظهره ثم أحاط خصرها وسحبها برفق، استندت على كتفيه بكفيها محاولة استعادة توازنها وهي تدور في المكان بنظراتها قائلة «المكان تحفة والوقت، أول مرة أطلع بدري كدا وقت الشروق» 

                    

ابتسم مقترحًا في دعوة دائمة فوق طاولة حسنها البهي«كل يوم لو تحبي» 

                    

صمتت بخجل وابتسامة مترددة فسحبها ناحية العشب، فرد عباءته وتسطح ثم فرد ذراعه اليمنى داعيًا بلهفة«تعالي» 

                    

طالعته بتردد قبل أن تمتثل لإرادة قلبها وتتوسد ذراعه في شوق، أغمضت عينيها متنهدة ما إن التقت رأسها بصدره فهمس «اتأخرت عليكي عارف بس مكنتش لاجي كلام، عارف إني غلطان وإنك زعلانة ومستنية بس والله يا غزالي غصب عني» 

                    

بصوت مبحوح منطفيء بالذكرى القاتمة همست «وغلطت ليه؟»

                    

نظر للسماء الواسعة وحكى لها ما كان والحديث الذي دار بينهم يوم هبوطه وكيف اكتشف الأمر وتعبه. 

                    

ثم ختم السرد بانتظار صامت منتظرًا قرارها ونطقها بالحكم في تقدير، محترمًا مشاعرها وصابرًا بوقار وتهذيب حتى نطقت «ثقتي فيك ميهزهاش موقف معرفش أبعاده، من يوم ما دخلت بيتكم وأنا واثقة فيك، سلمتك نفسي وأنا عارفة إني فأمان ، الراجل الي يربي طاهر ميغدرش ميخونش وميأذيش، وأنا عشت معاك وعرفتك فمكانش عندي شك في احترامك ليا بس كنت محتاجة توضيح وحضنك وإنك تطمني» 

                    

ضمها بذراعيه ملثمًا رأسها بعاطفة فأردفت «مقدرة انشغالك والمصيبة الي كنت فيها واستنيت فمعنديش عتاب على غيابك بالعكس » 

                    

همس متنهدًا بعشق «غيابك مكانش هيّن على جلبي بس جولت الكلام مش كفاية لازم أشوفك» 

                    

ختم قوله بعدة قبلات تقديرية فوق رأسها فتنهدت برضا.  

                    

تنفس بعمق مصارحًا «عارفة لأول مرة أسيب أهلي وأنا مطمن عليهم ومش خايف جلبي متمزعش، لاه نصي التاني معاهم» 

                    

ضحكت برقة سعيدة بإطرائه منتشية بقوله فتابع «حلمت بيكي زمان بتشربيني ميه وتجوليلي جيت عشانك وعرفت لما جيتي كيف يخلق ربنا مننا نص تاني أحن علينا مننا، ويكملنا،راضي أنا،  مش كلام لاه ده احساس في الجلب » 

                    

همست برقة وتنهيدة هائمة «كلامك حلو بشكل يا متر!» 

                    

تثاءبت الشمس في وجهيهما فهمست «حلمت بيك بتصحيني للقيام» 

                    

همس بابتسامة واسعة ونظراته تعانق السماء برضا «بعتلك السلام والمحبة مع أنفاس الفجر» 

                    

ضحكت قائلة «كنت بعمل زي ما بتعمل دايمًا وبقلدك»

                    

فقال بنفس الإنتشاء والسعادة «كنت بستنى جنبهم أسمع صوتك الي كان شربة ميه بترويني» 

                    

***

                    

بعد مرور وقت عاد بصحبتها، 

                    

 استقبلهما يونس بضحكة صاخبة «حمدالله على السلامة يا أخوي نورت، كنتوا فين من بدري؟» 

                    

رمقه رؤوف بتحذير مخرسًا إياه«أنت مالك؟» 

                    

أغاظه يونس في انتقام «أصل وردتنا متعودة تفطرنا كل يوم والنهاردة ملقنهاش» 

                    

جلس رؤوف قائلًا بحنق «أمك تعملك» 

                    

ابتسم يونس مُجيبًا إياه ببرود «لاه مستنين وردتنا» ثم غمز أخيه متلفًا أعصابه بتحديه «ميحلاش غير من يدها وفوجودها» 

                    

ابتسم رؤوف قائلًا «انسى غزل مش هتخدّم عليكم تاني» 

                    

رمش يونس مستفسرًا ببراءة كاذبة مستميلاً إياها بوداعته «صُح جال يا غزولة؟» 

                    

أجابت متحمسة وهي تنهض في استعداد وحماس «لا طبعًا يا صاحبي وأنا معرفش خلاص أفطر من غيركم» 

                    

أشار له يونس بضحكة ماكرة «شوفت» 

                    

سحبها رؤوف من ذراعها معلنًا بفعلته ملكيته الخاصة لها وأحقيته وحده بقربها ودلالها صائحًا فيها  «مفيش كده تاني وهتطلعي فوج معاي ومتنزليش غير لما أجول» 

                    

اعترضت على قوله بضيق «لأ أنا ما صدقت رجعوا مقدرش أبعد خالص عنهم يجوا معانا فوق» 

                    

سحب عباءته من على كتفيه ورماها بغضب فوق الأريكة والتفت لها هاتفًا « فوق فين يا أم مخ تخين أنتِ! يلا اطلعي فوق جدامي بدل ما أحرقلك الميتين والحيين دلوك» 

                    

دبدبت في اعتراض ورفض متشبثة بموقفها فقهقه يونس برضا مما جعل رؤوف يركض خلفه متوعدًا مهددًا بغلظة «تخفى من جدامي بدل ما أكسرلك دراعك التاني وترفعهم الاتنين» 

                    

صعد يونس للأعلى وهو يقول من بين ضحكاته «غزل مفيش حاجة هتفرجنا أبدًا يا عمري» 

                    

عاد بعدما اختفى يونس في الأعلى يشير لها بصرامة «يلا جدامي» 

                    

سمعت النداء فتسمرت جاحظة العينين «غزل فينك تعالي لافيني الدوا» 

                    

رمشت فوق ملامحه مستفسرة بذهول «رؤوف دي جدتك صح» 

                    

هز رأسه بإبتسامة لامعة فقفزت بطفولية متسائلة «دي بتنادي عليا أساعدها؟» 

                    

صمت يتأملها بعطف لا يصدق حجم فرحتها بالحدث ولا التغيرات التي طرأت على علاقتهما والتي لم يصدقها حين أخبره بها يونس ، تركته راكضة مُلبية في حماس طفولي بريء اتسعت له ابتسامته، 

                    

منحتها الدواء ومن بعده كوب الماء وهي تخبرها بفرحة «رؤوف جه بره» 

                    

هللت الجدة بفرحة غامرة وهي تترك فراشها في لهفة «واه حبيبي يا ولدي» 

                    

أمسكت غزل بذراعها معاونة لها ومؤازرة جسدها الضعيف فتقبلت السيدة واتكأت عليها بضعفها حتى تركت الحجرة، وقف مكانه منتظرًا مجيء أميرته بصحبة جدته، حدثًا فريدًا يستحق مشاهدته والاستمتاع به، لولا رغبته اللحظة برؤية ما يحدث لنهض هو مندفعًا بشوقه لكنه انتظر يتأمل الحدث بفرحة لا يسعها الكون الذي يتهيأ الآن لتغيير رتبة تلك الأميرة في هذا المنزل، عند الوصول تركت الجدة ذراع غزل وعانقته فمدّ كفه طالبًا عناق كف الأخرى وودها غير مُفرطٍ في قُرب فضحكت بجذل وسلمته كفها ببراءة، ضمه بين أنامله وبعدها استسلم لمحبة جدته.. 

                    

اكتفت جدته فجلست وجلس هو ممسكًا بكف الأخرى ملتصقًا بها يسأل جدته عن أحوالها فتُجيبه بأفعال غزل في غيابه غير قاصدة إعلامه ولكن لأن الإجابة رغمًا عنها كانت تحمل اسم تلك المتفانية الصادقة. 

                    

بعد تناولهما الفطور صعد ممسكًا بكفها قائلًا «هعدي على الزفتة دي» 

                    

وقفت أمامه قاطعة طريقه تهتف بغضب بعدما نفضت كفه «نعم مفيش» 

                    

سألها ومازالت أمامه متخصرة متوعدة النظرات بشراسة لطيفة «ليه خلينا نخلص» 

                    

هتفت وهي تضرب بقدمها الدرج «مش هتروحلها دلوقت ولا هتعدي عليها وتعكنن عليا» 

                    

خبأ ابتسامته وبرر بوداعة «هجفّل الموضوع وبعدها كلي ليكي» 

                    

صرخت فيه مستنكرة بسيطرة ناعمة «تقفل إيه يا متر دي هتمشي على بيت أبوها علطول ومش هتروحلها غير بمزاجي أنا ووقت ما أحب» 

                    

أفرج عن ابتسامته الواسعة متسائلًا وهو يداعب خدها بأنامله«ومزاجك هيسمح متى ويحب يا وردة الحفناوية؟» 

                    

توردت بخجل مما يجيش بصدرها واستدارت سابقة إياه بخطوة وهي تقول «لما أشبع من وجودك معايا وأرجع بيتي الي بنتهولي» 

                    

ضحك قائلًا وهو يفرد ذراعه حول كتفيها ضامًا لها «تحت الطلب يا هندسة بس أبجي أزرعي فيه كام وردة » 

                    

تهكمت من قوله بمرح «معنديش بذور يا متر» 

                    

أجاب بإستسلام وهو يدخل بها شقتهما «أمري لله أديكي أنا البذور» 

                    

ختم قوله ببذر الياسمين من قبلاته فوق وجهها ، ولم ينس خدها المتجهم غير باخسًا حقه بل كان معطاءً حد البذخ ربما يومًا يبتسم. 

                    

***

                    

بعد مرور وقتٍ

                    

عاد إليها يجفف خصلاته بالمنشفة، وقف أمامها مبتسمًا فتحركت قليلًا مانحةً إياه نصيبه من الفِراش بعدما قررا بدون كلام أو ترتيب اقتسامه، وضع المنشفة واقترب منها مضيّقًا عينيه بتركيز على بقعةٍ ما في وجهها لفتت انتباهه، ضمت شفتيها بقلق بعدما أدركت وجّهة نظراته، رطّب أنامله بالحنو والرقة قبل أن يتحسسه مستكشفًا بنظراته متسائلًا بتقطيبة مُربكة «إيه دِه يا غزل؟  إيه الجَرح دِه؟»

                    

صمتت بتفكير قبل أن تبتسم مشجعة إياه صارفة تفكيره «تعالى ارتاح دا حاجة بسيطة» 

                    

جلس جوارها فمنحته نصف الدثار، لكنه التفت يعاود السؤال باهتمام مُعددًا أسباب وقوفه عليه وانشغاله به«بسيطة كيف ده جرح فوشك وأنتِ فبيتي وأنا غايب مفيش بسيطة» 

                    

نظرت إليه بقلق مترددةٍ في إخباره فقطب متسائلًا بقلق «اهو سكوتك دِه يقلق أكتر حد ضربك هِنا ولا أذاكي هنا؟» 

                    

رفضت اتهامه للموجودين بنظرة استنكار قائلة «لا طبعًا ومتشكش فكدا خالص» 

                    

حثها بعجالة وعدم صبر ونظراته تعرج للجرح بضيق «ما تجولي طيب» 

                    

تنفست بهدوء مشجعة نفسها على الإعتراف قبل أن تصارحه بوجل «بص أنا ممكن أقولك وقعت، اتخبطت وهتصدقني بس مش هكدب وهحكيلك» 

                    

نبض قلبه بترقب في عُرفه لعنة وهو يحثها «جولي الحقيقة» 

                    

هتفت بحدة «بس توعدني» 

                    

استفسر بحاجبين منعقدين شكًا وترقبًا «بإيه؟» 

                    

عددت بجدية على أناملها الرشيقة «تسمع للأخر وتفهم، ومتتعصبش، متزعقش، متتنكدش ولا تنكد عليا وتضيع فرحتي برجوعك ومتضربش ولا ترد تقول ببساطة منه لله والله يسامحه» 

                    

كظم ابتسامته بالترقب والقلق وحثها ببراءة كاذبة مستدرجًا إياها بمرح «ماشي يا ماما مش هعمل كِده» 

                    

ابتسمت قائلة بصرامة «لا توعدني» 

                    

منحها ابتسامته قبل وعده «أوعدك» 

                    

تنهدت برضا قبل أن تبدأ بسرد الحكاية على مسامعه وهي تراقب ملامحه القاتمة ونظراته التي تشتعل وتنطفيء في ذات اللحظة صمتت منتظرة كلماته ورد فعله الذي خبأه عنها ببراعة إرضاءً لها وأشاد ببسالتها وشجاعتها بلطفٍ ومحبة لتطمئن وليعزز ثقتها بنفسها وقوتها ومدى وثوقه بها«واه طلعت سايب وراي رجالة اهو، والله وخليتي عمتي تتكلم » 

                    

صارحته بإنتشاء «فرحت علشانها أووي ومتوقعتش الي عملته بس دا كان أفضل شيء ليها بجد علشان تخفّ منه» 

                    

رفع كفها ملثمًا إياه بتقدير وهو يقول «أكيد يا وش الخير» 

                    

ابتسمت بخجل قبل أن تحذره «هتسيبه هو كدا كدا مش هيرجع تاني ولا هيعمل حاجة» 

                    

هتف برفض «أسيب مين؟  دِه جالك وضربك ليه فكراني سوسن» 

                    

انتفضت غاضبة لخرقه قواعدها ومخالفته الوعد بنيته الظاهرة «أنت وعدتني تقول الله يسامحه» 

                    

ابتسم بمكر وهو يسحبها لأحضانه محاوطًا لها يهمس بأدب كاذب وطاعة خادعة وسخرية متخفية « حاضر الله يسامحه يا ماما والله » 

                    

ضحكت برقة قائلة وهي تعانقه بتمسّك «بطل حبيبي ومؤدب»

                    

اقترح عليها وهو يقرص خدها «إيه رأيك نروح عند خالتي نجعد يومين» 

                    

صفقت بحماس شديد «بجد ياريت ونقعد مع قاسم» 

                    

هز رأسه عابسًا يخبرها «لاه قاسم مش جاعد هنروح ونجعد وحدنا» 

                    

انحسرت ابتسامتها وفتر حماسها مُعلنة خيبة أحلامها «خسارة كان نفسي نتجمع» 

                    

اعتذر منها بلطف «معلهش المرة الجاية وبعدين هنجعد مع خالتي وعبود وأم جمال مش كفاية» 

                    

ضحكت برقة قائلة مستعيدة حماسها من جديد «لا طبعا تمام أووي» 

                    

أغمض عينيه قائلًا «خلاص لما نصحى نمشي علطول» 

                    

فردت ذراعها حول عنقه معانقةً إياه مغمضة عينيها مثله في استسلام للنوم. 

                    

**

                    

بعد أذان العصر هتفت وهي تجلس مسترخية تبرد أظافرها بمزاج رائق «رؤوف» 

                    

استدار بابتسامة تزين تلبيته ونظرة تكلل قربهما بالعشق «إيه؟» 

                    

رفعت نظراتها من على أظافرها قائلة بجدية«انزل لآيات» 

                    

أخفضت بصرها لأظافرها متأملة برضا قبل أن تنفخهما تحت نظراته ثم رفعت عينيها مُحذرة إياه «من غير كلام ومن على الباب تمشيها وترجع » سخر من قولها بمرح «طيب مفيش تايمر؟» 

                    

زجرته بنظراتها الحانقة فالتزم الصمت وتحرّك في استعداد، لكنها استوقفته محذرة إياه من جديد «لا تاكل ولا تشرب يا رؤوف » 

                    

استدار ضاحكًا يتهكم من قولها بإستفزاز أغاظها «حاضر يا ماما مش هاخد حاجة من حد» 

                    

انتفضت واقفة مغتاظة من سخافة إجابته وتهكمه ترد له الصاع صاعين بابتسامة باردة «أيوة يا روحي أوعى حد يخطفك المرة دي ويسرق أعضاءك ويبيعها» 

                    

أرفقت مع قولها ضحكة عالية فهتف بغيظ «تصدجي إنك مش متربية » 

                    

قالت من بين ضحكاتها «أعملك إيه ياروحي بس؟! ما أنت الي مغلبني،  بفضل أقول كخ كخ مفيش، دماغك جزمة وشكلي هحبسك في البيت حتى المدرسة مش هتروحلها» 

                    

ركض ناحيتها فركضت ضاحكة هاربة منه مستمرة في استفزازه «بس استنى ألبسك التيشرت مقلوب علشان لما ترجع اتأكد إنه متقلعش غصب عنك يا روح مامي» 

                    

توعدها مطاردًا لها «والله لتتربي يا غزل على الكلمتين دول» 

                    

من بين ضحكاتها الرقيقة الناعمة هتفت «أنا مالي مش أنت الي بيشربوك حاجة أصفره» 

                    

استغل وقوفها لإلتقاط أنفاسها فهجم عليها مقيدًا خصرها جاذبًا لها ناحيته «خلاص هنزل وأشربها بمزاجي» 

                    

رفعت رأسها مُردفة مهددة إيه ونظراتها تقبل ملامحه بإمتلاك «وماله علشان أوريك الأسوده تبقى إزاي» 

                    

مرر نظراته فوق ملامحها المتشرسة يستفسر «غيرة دي؟»

                    

أكدت بتحدي دون خجل أو حرج من إعلانها صريحة ودون قيود تمنع من الإعتراف «أيوة يا رؤوف ويلا أنزل وتعالى» 

                    

مدحها بهيام «جمر وأنتِ غيرانة يا غزالي» 

                    

ضربته على كتفه مشجعة إياه بحدة «يلا على ما أكون جهّزت الحاجة وهدومنا الي هناخدها لبيت خالتك تكون جيت» 

                    

حرر خصرها بعدما قبلها بسرعة قائلًا «حاضر يلا اجهزي»  

                    

تركها بعدما منحها عبق أنفاسه وهبط مسرعًا تتملكه رغبة في الخلاص والإنتهاء من كابوسه ولعنة سنينه. 

                    

أمام شقتها تنفس بقوة داعيًا الله طالبًا عونه وفتحه قبل أن يفتح باب الشقة ويخطو بهدوء يناقض ثورته المشتعلة وغضبه الحارق منها، حين رأته أمامها بهيبته وشموخه عبست بإمتعاض ونفور وارتجف جسدها برهبة مكبوتة صنعتها مكيدتها له وغدرها به، سيطرت على اهتزاز نظراتها ورجفة جسدها قائلة ببسمة بالية كشفت نفورها اللحظة منه، ابتلع غصته ووقف متنهدًا يطالعها بوجع فاض وطفح من نظراته «ازيك يا رؤوف جيت متى حمدالله على السلامة؟» 

                    

ربط كفيه خلف ظهره قائلًا وهو يختص الشقة الواسعة شديدة الترف بنظراته المتلوية وجعًا «فينك يعني مسألتيش دا أنا حتى آخر يوم طالع من عندك؟» 

                    

تحركت في الشقة بتوتر ملحوظ  وهي تهرب بنظراتها منه قائلة « أصل أصل مكنتش قادرة والله ومشغولة بيهم هنا» 

                    

هز رأسه بشفتين متحجرتين ونظرة مخذولة ثم قال بنبرة تقطر ألمًا «ليه يا آيات؟  حرمتيني من الخلفة وكنت كريم ورجعتك لجل العيش والملح والعشرة» 

                    

هتفت بعصبية وهي تدور حول نفسها «إيه الي بتجوله ده وعايز توصل لإيه منه ؟» 

                    

تغاضى عن وقاحتها وتابع موضحًا «هو مش عتاب يا آيات الي زيك ميستاهلش يتعاتب من الأساس» 

                    

تأففت بضجر وسخط قبل أن تزعق بجرأة «هي الهانم ملت ودنك فجاي تسمعني» 

                    

مال فمه ببسمة محتقرة ونظرة كارهة وهو يخبرها بملل «بجحة أنتِ يا آيات والله» 

                    

صمتت غاضبة حانقة تشمله بين الحين والآخر بنظرة مشمئزة فقال بنفس ثباته «حطتيلي المخدرات ليه؟» 

                    

فغرت فمها بصدمة جلية وخوف قبل أن تدرك خطأها وتسحب انفعالها وتصمت بإستهانة تحت مجهر نظراته المظلمة، صاحت برعونة متفادية سهامه بتبجحها «هي حصّلت كمان» شعرت بالعجز والتعري وهو بكل هذا الثبات والصمود مما زادها تخبطًا وعرّى انفعالاتها له وكشفها. 

                    

«حرّمتك عليّ وهجرتك بخاطري وأنا الي أرميه مرجعش وأخده يبجا كيف نمت عندك؟» 

                    

لوت فمها بسخرية وتهكم قبل أن تهتف متهمة له «أسأل نفسك ولا عايز تلبسهاني عشان منظرك جدام حبيبة الجلب» 

                    

أغمض عينيه بقوة لا يصدق وقاحتها ثم فتحهما قائلًا «عارفك معيزانيش ومعملتهاش حب فيا، ما أنا كنت جدامك سنين يا آيات» 

                    

ثم تحولت نظراته لجمرتين متقدتين وهو يفك كفه ويشير للأريكة بعصبية «مفكراني مبحسش، مدريانش؟دا الكنب يشهد لو بيتكلم، الأرض الي  نومتيني عليها تنطج، رضيت وجولت صغيرة ومعلش ولما عدت السنين زهدتك وجولت  جوازة تعفني وأهي أيام تنقضي » 

                    

عاد لتشبيك كفيه وطأطأ رأسه مفترضًا «بتكيدي غزل؟ طب ليه؟ وأنتِ كارهه؟ موتيني بالحيا ومهانش عليكي أرجع أعيش ليه؟» 

                    

رمشت تستوعب اعترافاته اللحظة ومواجهته لها، حارت ودارت متخبطة بينما واصل هو تعرية جروحه، والتنقيب عن قنابلها الموقوتة التي زرعتها داخله لتطهير أرضه «طول الطريق أفكر وأراجع نفسي وأجول عملت إيه أنا وكيف معروفي يترد أذى» 

                    

ضمت جسدها بذراعها في حالة تأهب وحماية إن هجم فسخر وهو يدور حولها ناظرًا لأسفل «واحدة معروفي معاها ردتهولي أذى أمال لو ضربتها هتعمل إيه؟ فكرت أشربك الي شربتهوني،أو أخنقك بيدي، أرميكي من فوق مثلا» ثم وقف مكانه متنهدًا بهزيمة يُعلن حسرته « بس جلبي هيتأذي يا بت الناس» 

                    

انكمشت مرتجفة وعينيها تدور في محجريها فاقترب وهزها بغضب صارخًا فيها بنفاذ صبر «معمولة من إيه أنتِ؟ مفكرتيش لو الست الكبيرة المريضة خدته كان حصلها إيه؟ مفكرتيش مرة فيا أنا وجولتي علمني ووكلني وشربني فتتجى ربنا  فيا وفأهلي » 

                    

نفضت ذراعها من قبضته وتراجعت صارخة فيه بقوة «بتغني وتلحن ليه يا متر وتكيدلي؟ كله عشان أمشي ويخلالك الجو مع المشوهة خلاص هسيبهالك مخضرة» صفعها بقوة هزتها وأفقدتها توازنها محذرًا إياها «متجبيش سيرتها على لسانك ربنا كشف ستره من عليكي وحللت وعرفت» 

                    

بالخارج جلست غزل منهكة القوى دموعها تنساب بغزارة من هول ما سمعته وتفوّه به حبيبها ويحمله وحده داخل قلبه الجميل الذي شوهته تلك الملعونة بالألم والخذلان، خرج يونس من شقته مندفعًا بعزم لا يستمع لكلمات طاهر ولا توسلاته، دخل الشقة بثورة كبيرة مقررًا بعد ما سمعه فضحها أمامه وطردها شر طرده. 

                    

جاور طاهر أخته وتركه مستسلمًا بينما كان رؤوف يدفعها بإشمئزاز مهددًا «لمي حاجتك وأمشي والطريق الي أمشي فيه متخطيش فيه وإلا هدفنك فيه لو لمحتك يا آيات»

                    

اقتحم يونس الشقة هاتفًا «ارمي عليها اليمين وتطلع بجلبيتها ملهاش حقوق ولا حاجة» 

                    

وقف رؤوف مبهوتًا قبل أن يقاطعه «لاه تاخد حاجاتها وتغور» 

                    

شملها يونس بنظرة محتقرة قبل أن يعترض «لاه ملهاش حاجة الخاينة دي جات حافية وترجع حافية لأبوها الي هي فيه من خيرك» 

                    

خرجت آيات عن طورها وبصقت على يونس لاعنة موبخة «اكتم يا كلب» 

                    

مدّ رؤوف كفه وضغط فكها بقوة مُحذرًا إياها بلهجة شديدة «أنا مربتش كلاب ولا أبوي خلف كلاب يابت» 

                    

دفعته بكل قوتها فصاح يونس به «طلقها وارميها بره البيت هي مش بس كانت هتجتلك لاه دي ماشية مع واحد عالنت ومكالمات وهدايا» 

                    

بالخارج ضربت غزل خديها مصدومة مما سمعت تنظر لطاهر طالبة تأكيدًا على ما نطق به يونس لكنه أشاح بهزيمة واستسلام وتنهيدة أكدت صدق قول أخيه. 

                    

زعق رؤوف زعقة هزت الجدران وأخرجت الجميع من حجراتهم «بتجول إيه؟» 

                    

سحب يونس هاتفها متحدياً  ومنحه له ليتأكد لكنه كان في حالة صدمة أوقفت وعيه وإدراكه واثقًا في قول أخيه، هجم عليها قائلًا «واه يا حزينة قتل وعفيت طيب والخيانة ليه؟» 

                    

خلّصت جسدها منه صارخة فيه بهذيان «عشان مشيفكاش راجل وممليش عيني» 

                    

ارتد جسده في صدمة مروّعة ونظراته تتسع على ملامحها المتشفية بتوهة وضياع وهي تكمل بحقد ونظرة ظافرة نازعةً الآن بأنياب خستها كبده، تلوكه بإستحسان لمذاقه «أيوة حطتلك المخدرات عشان تسيبها، لما جربتلي فاكرني هي زودتلك الجرعة عشان تنام وعشان مش طيقاك تلمسني من الأساس، أنا بكرهك» 

                    

اقتحمت غزل المكان رغم محاولات طاهر لمنعها وإيقافها صارخة بنفس النبرة ماحية اعترافها بآخر أكثر صدقًا وعاطفة «وأنا بحبه» 

                    

أمسك بحافة الكرسي مترنحًا فاقتربت غزل منه ومنحته دوائه بتلقائية ودون أن ينتبه لفعلتها أحد فتناوله سريعًا وبعدها وقفت أمام الأخرى بشموخ رأسًا برأس وعينًا بعين.. صاحت آيات فيها بإحتقار «متفرحيش جوي وتتباهي هو لا يتحب ولا يتطاق من الأساس ولولا فلوسه مكنتش جعدت» 

                    

اندفعت غزل ناحيتها بشراسة بينما دعم يونس أخيه المترنح المهزوم بطعنة الغدر، ضربتها عدة ضربات حادة وقوية قائلة «دا محدش يتحب غيره يا آيات بس أنتِ متستاهليش الخير»دافعت آيات عن نفسها ضد هجوم غزل الجسدي 

                    

فصلب هو عوده متماسكًا بقوة، تحرك ناحيتها ممسكًا بها يستفسر بقهر «واتجوزتيني ليه؟» 

                    

بصقت كلماتها الانتقامية بوجهه متشفية «مكانش عندي حل تاني أبوي خيرني وعشان اتعلم» 

                    

سألها وهو يهزها بذهول «وصبرتي ليه كل السنين دي وكان ذنبي أنا إيه تعملي معاي كده ؟» 

                    

صاحت معترفة بذنوبها دون ندم أو شعور بالخطأ «عشان ده حقي أنا ضحيت بحبيبي واتجوزتك مش بعدها أسيب كل حاجة وأطلع خسرانة لاه تخسر زيي» وهن جسده وخارت قواه فاستغلت ما أصابه وبصقت بذاءتها « مكرهتش عمري وحياتي غير بسببك وكرهتك كد حبي لواد خالتي الي مات بقهرته منك بعد ماخدت كل حاجة عالجاهز» 

                    

تحرك كفيه لعنقها ضغط بأنامله فوقه بقوة فاندفعت غزل متوسلة إياه «طلقها وسيبها تمشي» 

                    

تجاهلها وتابع محملقًا في تلك الخائنة يهتف بصدمة «خدت إيه أنا غير الشندلة وحرماني من الخلف وعمر محسوب عليا هدرتيه» 

                    

مسحت غزل دموعها المسترسلة وهي تطالعه بوجع بينما سئم يونس الحوار واندفع ممسكًا بها من خصلاتها ساحبًا لها خلفه واضعًا النهاية التي تليق بها ، سقط رؤوف جالسًا بعدما تركها لا يصدق ما سمع بينما تابعت آيات من بين صرخاتها «ربنا ياخدك يا رؤوف ربنا ينتقم منك» ثم وجّهت إليه حقدها المسموم نازعة ما تبقى من قلبه ملتهمةً له «مش هترتاح برضك لإنك متستاهلش» 

                    

سحبها يونس فوق الدرج بعنف وطاهر خلفه، جلست نجاة مكانها بوهن شديد بعدما سمعت ما دار بينهم والذي وصلها، بينما تنحّت سماسم جانبًا تبكي بحسرة. 

                    

جلست غزل أسفل منه على ركبتيها تناولت كفيه تفركهما؛ ليفيق هامسةً «رؤوف» 

                    

احتفظت بدموعها داخل عينيها لطفًا ورحمة به وحتى لا يريق بكاؤها عليه دم كبريائه، ويتبعثر ماء وجهه،  سعل بقوة وهو يضع كفه على صدره محاولًا سلب الهواء ففركت صدره بكفها هامسةً بتوسل «اهدأ علشان خاطري دي حقودة وقليلة أصل» 

                    

دارت رأسه بحثًا عن الهواء من حوله مما جعلها تكرس نظراتها المّحبة اللحظة لطمأنته وتهدئة خافقه كما تطوّع لسانها بنطق ما خبأته له كمكافأة « أنا محبتش غيرك والله ومش عايزة غيرك بدعي كل لحظة تفضلي» بدا لها غائبًا في ملكوته الخاص يعارك أفكارًا شرسة فتوسلته الإفاقة والعودة «رؤوف» 

                    

انتفض واقفًا فجأة كأنه لا يراها ولا يسمعها غادر بسرعة وتركها تغطي وجهها بكفيها منتحبةً. 

                    

#انتهى


1




الثامن والثلاثون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close