رواية عزف السواقي الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم عائشة حسين
♡الخامس والثلاثون♡
هتف رؤوف وعينيه تطاردها كفراشة هائمة «مزاجي رايق يا يونس لولا كده كنت خدت علو راسك»
قهقه يونس قائلًا «ربنا يروق مزاجك علطول كده ويخليلنا مرت أخوي»
ابتسم رؤوف محمحمًا بحرج ثم واصل بجديّة«هسكت برضك عشان عدت على خير بس إياك تكررها»
أجاب يونس بطاعة حامدًا الله على الستر «الحمدلله دا خير يا متر»
سخر منه رؤوف بفطنة«خير أيوة أنا مش مرتاحلك يا يونس»
ضحك يونس متهربًا منه متوعدًا صاحب الوشاية داخله «خليك مع غزلك ومتشغلش بالك بينا كفاية شغلته كتير»
نظر رؤوف لزوجته بعشق قائلًا «على العموم جدع ياض تربيتي»
استدار رؤوف فزعًا حين صافح خُفّ أبيه مؤخرة رأسه، صاح عدنان بغيظ مُعلنًا اعتراضه «تربيتك ليه ؟ يكونش كنت بسكر ليل نهار أنا ؟ ولا يكونش كنت مجضيها ورا الغوازي صرمحة وسايبهمم ليك توكلهم »
ضحك يونس باستمتاع بينما هتف رؤوف بعصبية وهو يفرك مؤخرة رأسه منزعجًا «يا أبوي هي رأسي ناجصة»
نهضت غزل وتوجهت نحو مستفسرة ونظراتها ترتفع لرأسه بقلق «رؤوف أنت كويس؟» هتف عدنان من خلفها بسخرية «مش هيجراله حاجة جليل الرباية الناجص »
أنهى رؤوف الاتصال واقترب منه مُبديًا آسفه «جلبك أُبيض يا أبوي»
تجاهله عدنان ببسمة تهكمية وأشار للأخرى «تعالي كملي قراية ومتهربيش»
جاورته حول الطاولة الصغيرة ممسكة بالكتاب تقرأ بصوت ناعم رقيق، فرد رؤوف ساقه أسفل الطاولة مداعبًا قدمها بقدمه منتظرًا أن ترفع نظراتها من على الكتاب، فهتف عدنان بإمتعاض «دي رجلي أنا يا واد أمك جوم وسيبها تقرأ وبطّل نحنحة»
انفلتت ضحكات غزل بينما حمحم رؤوف بحرج ونهض مستاءً يخبي خجله بغمغماته «غايراهو يكش ترتاح»
ودعه عدنان بتهكم «مع السلامة يا نحنوح »
***********
في شقة آيات
مسحت دموعها وأجابت، تناولت صوته المُهتم كحبوب مهدئة «أيوة إزي حضرتك»
تظاهر بالقلق وسألها «أنتِ كويسة يا مس آيات؟»
أجابته وهي تزفر آخر أنفاس الضيق وتطرد التجهم من ملامحها «الحمدلله»
اهتزت نبرته بحرج وهمي، وهو يبرر بآسف كاذب «بعتذر لإزعاجك بس لما رونا قالتلي إنك لغيتي الحصة قلقت خاصة إنها أول مرة»
استنشقت بقوة وهي تتحرك في الشقة مُفكرة ثم أجابته بهدوء وهي تبتسم برقة «شكرًا لذوقك أنا بس تعبانة شوية»
هتف بسرعة مقصودة ليوضح لهفته واهتمامه «ليه خير؟»
أجابت ببعض الحدّة المقصودة «عادي حضرتك»
اعتذر بأدب ولباقة «آسف لو بتطفل والله بس أنتِ بقيتي غالية عندنا أوي وكفاية حب رونا ليكي ومجهودك معاها»
رفرف قلبها وابتسمت شاكرة له بتقدير «شكرًا لحضرتك رونا بنت جميلة وأنا بحبها»
هتف بمرح مستغلًا تجاوبها معه «تسمحيلنا بقا نعبر عن حبنا ليكي ونقدرك على مجهودك» تهللت من إطرائه وابتسمت كاتمة تنهيدة شغف فتابع «رونا بعتتلك هدية بسيطة هنتعبك تنزلي قنا وتستلميها»
حمحت مُجلية صوتها من السعادة الواضحة وأجابت «مفيش داعي دا شغلي»
استنكر بمرح وبساطة «لا طبعًا أنتِ عارفة جربنا كام مدرسة قبلك؟! بجد إنتِ شاطرة جدًا أنا أي حد من زمايلي ولا أصحابي بيسأل بديلهم رقمك»
شكرته بأدب ماسكة على بهجتها حتى لا تطال نبرتها وتوشي بسعادتها «دا من ذوقك والله متشكرة»
اعتذر منها بأدب شاكرًا لها سعة صدرها وأنهى الاتصال فقفزت صارخة بفرحة ثم تمايلت بهيام مستعيدة كلماته على مسامعها.
******
حين يغيب تهبط مفتشة عن دفء جمعتهم، تشارك سماسم تطريزها أو نجاة صُنع الطعام
وأحيانًا تتطوع بنشاط لتنظيف المنزل وترتيبه أو صُنع الغداء وحدها وإراحة نجاة من الوقوف، لا يخلو يومها من غمغمات العجوز المؤذية لكنها تتجاهلها وتبتسم في وجهها بمودة استمدتها من عشقها له، تواصل نحوهم واضعةً أمامها هدفها هو وهو فقط من تريد وستبذل قصارى جهدها لتناله بإستحقاق ودون منغصات له ولها، شاركت نجاة اليوم استراحة الظهيرة، جلست معها في حجرتها مثرثرة تستدرجها بكل حب لمعرفة كل ما يخصه وما يختبيء عنها، تبتسم لها نجاة بمحبة وفهم وتمنحها ما تريد، تسهب في وصفة وما يحب ويكره وتدوّن هي داخل عقلها كل تفصيلة تقع من فم نجاة.
تأملت نجاة قائلة بعفوية وبراءة «طنط رؤوف بس الي شبهك »
ابتسمت لها نجاة قائلة «جلب أمه»
فاض عشقها فانساب بسلاسة من بين شفتيها باعتراف ذُيّل بتنهيدة هيام «وقلبي أنا كمان يا طنط والله» زحف ربيع الخجل لملامحها، لوُنها بجمال الوردي وهي تعض شفتيها نادمة على جرأتها، صمتت نجاة دون تعليق بتفهّم ومراعاة وحنو وسعادة شديدة... تحركت غزل في الحجرة تخفف من توترها واندفاعها ناحيته سواء بالحديث عنه أو بالفعل تجاهه.. استدارت قائلة بعفويتها الجميلة «طنط الكحل بتاعك جميل ينفع أجربه؟»
تركت نجاة الفِراش مبتسمة قائلة بمحبة «ينفع ونص بس مش دي»
تابعت غزل متسائلة وهي تراقب تحركها ناحية الخزانة «أمال إيه؟»
سحبت نجاة عبوة جديدة من خزانتها واتجهت ناحيتها قائلة «واحدة جديدة أهي ليكي لوحدك»
شكرتها غزل بود واعتذرت منها بأدب متأسفة نادمة على طلبها وإحراج السيدة «لا يا طنط شكرًا مش قصدي أنا هجربه مرة وخلاص»
فردت نجاة كف غزل ووضعت العبوة داخلها حاسمة الأمر «لاه خديها دا هيبجى يا محلى عينيكي فيه»
ترددت في خجل نادمة على طلبها «بس يا طنط !»
ضمتها نجاة قائلة بحنان محتوية شتاتها مُقدرة شعورها وعزة نفسها التي تشبها ما عند ولدها «مبسش خديها أبو رؤوف بيجبلي علطول»
ضمت غزل العبوة بأناملها شاكرة وهي تبادل نجاة عناقها بمودة وامتنان «شكرًا يا طنط»
دفعتها نجاة ناحية مرآة الزينة مشجعة لها بسعادة ومرح «يلا حطي ووريني كِده»
فتحتها متحمسة، وضعت منها بإتقان رافضة النظر في المرآة ثم استدارات مستفسرة تسألها راضية بما ستمنحه لها مرآة عين الأخرى «إيه رأيك يا طنطي»
تأملتها نجاة مهللة بإعجاب، منبهرة «الله أكبر صلاة النبي الله أكبر»
سألتها غزل مبتهجة وأطياف من حزن تمرّ داخل نظراتها «حلو يا طنط فيا؟»
أجابتها نجاة مستنكرة عدم ثقتها تمنحها ما تريد بودّ «بصي وشوفي جمر الله أكبر»
رفضت النظر في المرآة مكتفية بعينين نجاة دليلًا وفوتوغراف يمنحها الصورة التي ضحكت فيها لا تلك التي عبست فيها.
مسحت نجاة على رأسها بحنو متفهمة داعية لها قبل أن تلتفت على حمحمات ولدها المُعلن بها حضوره، مرّ من أمام الحجرة فنادته نجاة مستشيرة له بمكر «رؤوف»
ابتلعت غزل ريقها متوترة من منادته مضطربة في حجل زادها فتنة وبهاء، عاد ودخل الحجرة يستفسر «خير يا أما» اتسعت ابتسامته حين رآها وهتف «غزل هِنا»
نقل بصره للواقفة منكمشة في خجل تتمنى لو انشقت الأرض وابتلعتها، غمغم مأخوذًا بجمال عينيها المُلفت «ماشاء الله..» عضت غزل شفتيها بخجل من نظراته واختبأت خلف نجاة مما جعل والدته تهتف «مش حلوة عنيها في الكحل يا رؤوف! قال مش عجباها»
هرش مؤخرة رأسه يقاسمها التوتر وهو يهمس بغرام انبثق من نظراته اللحظة« حلو »
عاتبته والدته بضحكة «حلو بس يا متر ؟»
أخرجت غزل رأسها من خلف والدته فهمس ملتقًطا عينيها في شغف يراقص نظراتها في غزل «والله ما عارف مين حلى مين؟ الكحل حلاها ولا العين حلّت الكحل ولا هي على بعضها محلية الدنيا فعنيا » ضحكت نجاة قائلة وهي تتحرك من أمامها «وه اتعديت من أبوك» ثم التفتت لغزل قائلة «قال شعر اهو هنيالك»
عضت غزل شفتيها خجلًا من قوله وعادت مختبئة من جديد خلفها،مدّ كفه في دعوة قائلا «يلا بينا يا غزل»تقبلت الدعوة وركضت ناحيته بلهفة أمسكت بكفه كطفلة وخرجت، مال هامسًا «محدش بعدك يحط كحل والله سبحان من سواكِ يا غزالي كأن نعم الدنيا كلها اتجمعت فيكي»
ابتسمت شاكرًا له بخجل «شكرًا يا متر»
تنهد قائلًا «الشكر لله والصبر من عنده مخاخ مربربة»
عاتبته متصنعة الخشونة والجديّة«متر بطل عدّيد وقولي جيت بدري يعني؟»
صارحها بصدق وهو يدخل بها الشقة مُغلقًا الباب خلفهما «جولت أجي أقيّل معاكي يا غزالي ونتكلم وحشني كلامك»
اتجهت ناحية المطبخ قائلة «هتشرب شاي ولا عصير يا متر؟»
اتجه ناحية حجرته قائلًا «عصير»
أبدل ملابسه وخرج ليساعدها استغل انشغالها وسألها «غزل هي مرت أبوكي مبتكلمكيش؟»
أجابته ببساطة دون شعور تقف عليه عاطفتها «عادي بتكلمني كل مدة»
ثم رفعت نظراتها له قائلة «على فكرة ست كويسة مش وحشة ولا حاجة»
برر لها وهو يضمها «أنتِ مش هتشوفي حد عفش من الأساس ، جلبك الحلو دِه هيشوف بعنيه كل الناس حلوة»
تنهد قائلًا «ضحّت بيكي»
بررت له بتفهم «حقها والله لو أمي عايشة وأنا مكان صفوة يمكن كانت عملت زيها»
ابتسم قائلًا «أحلى تضحية والله»
ابتعدت عنه متابعة ما تفعل قائلة «مش قولتلي كله خير يا متر يبقى كله خير بإذن الله»
ناولته كوب العصير فخرج به متجهًا لحجرته وضعه فوق المكتب وفتح أدراجه مفتشًا، وجد دوائه كاملًا فرفع نظراته مستفسرًا فبررت وهي ترتشف من كوبها «كنت بنضف أوضة جدتك لقيت علاجها خلاص فبعت جبته هو والعلاج بتاعك الي قرّب يخلص وحطيته عندك»
توقف عن البحث صامتًا مُطرقًا قبل أن يهتف بصدق وعاطفة «غزل أنا بموت فيكِ»
ابتسمت محيية له بكوبها واستدارت لتخرج فاقترب بخفة وحاوط خصرها بسرعة جاذبًا لها «ورحمة أمك ما أنتِ طالعة يا أم مخ تخين»
عاتبته برقة على فعلته «رؤوف العصيرهيتكب»
أخذه منها ووضعه جوار كوبه قائلًا «عادي»
سألته وهي ترفع ذراعيها محاوطةً عنقه بدلال «طيب أنت عايز إيه مش قولت هنتكلم»
أجابها وهو يضمها لصدره «ما هنتكلم بس وأنتِ فحضني»
****************
في المساء نبهته بتذمر «رؤوف مقرأتش لجدتك النهاردة»
ضرب جبهته متذكرًا «نسيت» أشارت له بتسلّط «انزل يلا»
جاورها مقترحًا عليها «ما تيجي معايا؟»
تركت مبرد الأظافر جانبًا وانتبهت له معتذرة «كنت اتمنى يا متر بس جدتك بتشوفني وتتنكد وهي يا حرام عندها السكر والضغط حتى كنت عايزة ارتبلها الأوضة وأنضفها معرفتش واتطردت شر طردة» قالتها ببساطة وبكلمات مغرورقة في الضحكات الشقية فلثم رأسها معتذرًا بحنوه واحتوائه ثم ضمها قائلًا «والي يحلهالك وتجعدي معايا عندها لغاية ما نخلّص ونطلع مع بعض»
وقفت متحمسة تخبره بنشاط «يا خبر يا متر دا أنا أبوسك والله»
نهض متنفسًا بعمق مستبشرًا ببهجة وعينيه تضمها في نظرة طويلة «تمام لو منفذتيش؟»
أجابته بخجل نادمة على اندفاعها وتهورها لكنها أرجأت الأمر لوقته «لا نخلص بس وربنا يسهل»
أمسكها من ذراعها وأوقفها أمامه ناظرًا لعينيها بقوة «لا يا توعدي بالتنفيذ وتختاري عقاب يا مش هننزل»
ترددت بخجل لذيذ شهي فاقترح بمكر «أخد بوستين لو منفذتيش»
هزت رأسها بالموافقة لشكها في نجاح الأمر ونجاحة في إقناع جدته لكنها تخشى ذكاؤه وتهاب تدبيره وتربكها لمعة عينيه الظافرة.
سحبها للأسفل بصمت ساحقًا ترددها
دخل حجرة جدته أولًا وتركها هي بالخارج تسمع منتظرة إشارته «ازيك يا جدة وحشتيني»
استقبلته جدته بترحاب شديد ومودة «تعالى يا حبيبي»
امتقع وجهه وكشّر بغير رضى وهو يلملم الحجرة وأركانها في نظرة منزعجة مستنكرة «الأوضة محتاجة نضافة وترتيب»
اقترح بتقطيب منزعج واستياء فأشارت له جدته وهي تسعل «تعالى لما تفيج سماسم تنضفها مفيهاش حاجة»
صاح بإعتراض وهو يقترح بخبث «وليه نستنى وغزل لزمتها إيه كنبه في البيت إحنا جيبينها تخدمنا» ثم صاح متفاديًا اعتراضها «غزل بت يا غزل»
قفزت راكضة بحماس امتثلت أمامه فغمزها خلسة وأشار بحدة«يلا نضفي الأوضة وبسرعة جوي»
التقطت المعنى الخفي من نظراته وطأطأت مبتسمة تُعلن قبولها «حاضر»
اتجه ناحية جدته قائلًا «نوكلها ونشربها ببلاش لاه تشتغل ولو معاكي أي حاجة يا جدة جوليلها وتعملها غصب عنها»
رفعت له نظراتها المعجبة بدهائه فغمزها بسرعة وحمحم منصرفًا لتدليل جدته وهو يتابع بنظراته التي تحلّق حولهما كالفراشة.
وحينما قاربت على الانتهاء خاف أن تهرب فطلب بمكر «اعمليلنا ينسون»
هزت رأسها بطاعة وانصرفت بحماس للمطبخ أوقفتها سماسم مستفسرة فأجابتها بفرحة كبيرة «نضفت الأوضة خلاص وهعملهم ينسون» ابتهجت سماسم لفرحتها وراقبتها وهي تتحرك بنشاط وهمة عالية.
عادت بالمشروب الدافيء فأشار لها وهو يتناوله منها «تجعدي جنبي يمكن نحتاج حاجة ولما نخلص تاخدي الكوبايات تغسليها»
هزت الجدة رأسها باستحسان مباركة أفعاله بنظرة رضا وابتسامة تمنحة دعوة توفيق.
نامت جدته فسحبها بهدوء مخدرة الحواس لاستماعها صوته وقراءته، أحاط كتفيها وصعد قائلًا«شوفتي»
تنهدت قائلة بهيام «شوفت يا سيدي»
دخل الشقة وأغلق خلفه قائلًا باستعداد «يلا بجى نصفي حسابنا»
تعللت بخبث وهي تتمايل بإرهاقٍ وتعب زائف «عايزة أنام ومصدعة يا متر ممكن نأجل»
لوى فمه بتهكم وهو يقترب قائلًا «هتنفذي الشروط الجزائية»
تأففت منزعجة من محاصرته لها واستدارت حانقة قبل أن تعود إليه مرغمة،لثمت خده ببطء وقبل أن يرفع رأسه مُلقيًا اعتراضه كانت تدخل حجرتها و تغلق باب حجرتها عليها قائلة من بين ضحكاتها «كدا تمام يا متر»
طرق الباب متوعدًا لها بغيظ «ماشي مش ده اتفاجنا »
أوضحت بكلمات رقيقة تحلق حولها ضحكاتها كالفراشات «لا يا أوفة الاتفاق تمام ونفّذت بس الكيفية متفقناش عليها بالتالي أنا كدا تمام»
هز رأسه لاعنًا يغمغم موبخًا بغيظ «لاه بتفهمي يا أم مخ تخين»
استفسرت مقلدة لهجته وهي تكتم ضحكاتها «بتجول حاجة يا متر»
ابتسم رغمًا عنه قائلًا «لاه حرقة أبو الي جابك بس»
عادت لفراشها هالكة بالحب والتعب وعاد هو لحجرته مغتاظًا.
في اليوم التالي
أثناء جلستهم العائلية اقترحت نجاة «ما تاخد غزل معاك فرح واد عم أبوك يا رؤوف»
فكّرقليلًا ثم هز رأسه باستحسان وقد أعجبته الفكرة ولاقت بداخله قبولًا واستحسانًا «زين ياأما» ثم وجّه نظراته لغزل مستفسرًا عن رأيها «إيه رأيك يا هندسة»
ظهر القلق على محياها جليًا وتوترت بخوف «لازم يعني؟»
أجابها بتأكيد محتويًا خوفها متفهمًا له «أيوة مش مرتي! أحبّ إنك تطلعي معاي وتعرفي ناسي ويعرفوكي»
كان قوله إقرارًا منه بمنحها لقب زوجة شرعية ظاهرة وبمثابة إعلان للجميع منه بزواجهما وقبولها بينهم.
ابتسمت بتردد فشجعها «ناخد هدى معانا تونسك وتبجي معاها هتعرفك عالناس وتكون معاكي»
تهللت مستبشرة مُعلنة له موافقتها «لو كدا ماشي شكرًا يا متر»
لوى فمه وأشاح مغمغمًا «الشكر لله يا أم مخ تخين»
********
في اليوم التالي مساءً داخل سيارته
أوقفته قائلة وهي تنظر للبائع من نافذة السيارة «رؤوف عايزة غزل بنات»
هتف باستنكار وهو يهدئ من سرعة السيارة «هنزل أجبلك كيف يعني؟»
توسلته بدلال وهي تميل سارقة من خده قبلة ترضية «علشان خاطري بليز»
أوقف السيارة لاعنًا بغيظ من تأثيرها عليه «يسد بيت أبوكي»
ضحكت برقة وصفقت بحماس مشجعة له وهو يسحب محفظة نقوده «يلا يا متر وهات معاك لعبدالله»
ترجل من السيارة تحت نظرات آيات المندهشة بالأعلى، وقف أمام البائع نقده مبلغًا كبيرًا واشترى كل ما يحمله
عاد به فاستقبلته بضحكاتها الرقيقة «يالهوي كنت عايزة اتنين مش كل الي معاه»
وضع الأكياس في المقعد الخلفي وصعد جوارها قائلًا «أنتِ تؤمري يا غزل الجلب، شاوري بس وما عليكِ»
توردت بخجل قائلة «شكرًا كتير يا متر»
سخر متهكمًا من رسمية قولها وهو يقود من جديد «شكرًا يا متر على أساس أمي الي باستني أول امبارح»
جحظت عيناها بصدمة من جرأته فالتفتت مستنكرة «إيه الي بتقوله دا»
لوى فمه مستفسرًا بغيظ «إيه كدبت؟ أجولك بالتفصيل عملتي إيه؟»
ضربت خديها بخجل وحرج من كلماته فهتف بغيظ «أيوة ابكي كمان وهرميكي فالترعة الي على يمينك»
زمجرت بحنق واستدارت له بنصف جسدها في شجاعة ضربته بعلبة المناديل الورقية فوق رأسه عاتبةً «يا أخي بقا ارحمني في كدا» قهقه قائلًا «جولتلك أنا ناجص رباية يلا كلي غزل البنات الي غرمتيني تمنه»
عقدت ساعديها وابتسمت قائلة وهي تحرك حاجبها له بتسلية لكشفها دواخله «غرمتك تمنه إيه؟ أنت نازل من العربية وأنت فبالك هتشتريه وتديله أكتر بنية صدقة مخفية»
اهتزت جدران قلبه وضحك نصف ضحكة متعجبًا من قولها الحقيقة،وكشفها دواخلة بتلك البساطة والسهولة لكنه راوغ كعادته «لاه مجاش فبالي» عاتبته برقة وهي تدس الحلوى داخل فمها بعفوية وبراءة «يا متر متشتغلنيش مستعدة أحلف إن دا الي كان فدماغك وقتها»التفت لها متأملًا بنظرة عاشقة وهو يهتف بنبرة عميقة «وأنا مستعد أحلف إنك أحلى من غزل البنات الي بتاكليه دِه»
رمشت في خجل وهي تدس الكثير بفمها «شكرًا يا متر»
سبّ والدها بحنق ثم أعلن إنزعاجه«برضو» ضحكت برقة قائلة«رؤوف العباية دي حلوة أووي ذوقك يجنن»
رمقها بنظرة جريئة سريعة وهتف بنصف ابتسامة «القالب غالب يا غزالي الي عملها محظوظ إنك لبستيها لولا مُجبر مكنتيش طلعتي بيها»
ضحكت متخطية حديثه دون تعليق «رؤوف هترقص في الفرح وتحطب بالعصا»
ابتسم مستفسرًا وهو يلثم رأسها التي وضعتها على كتفه «مش عارف»
هتفت بدلال وهي ترفع نظراتها إليه «طيب بليز خليني أشوفك»
بتر الترحاب الكثير من حوله ما إن وصل حديثه معها وعناق نظراته لها
هتفت غزل مُعجبة بما ترى وتسمع «ماشاء الله كل الناس بتحبك وتقدرك»
ابتسم حامدًا برزانة «الحمدلله هذا من فضل ربي»
أوقف السيارة أمام منزل هدى وهبط أولًا ثم وقف منتظرًا ترجلها، لفّ جسده في نصف دوره ليرى مَن حوله، فرى الكثير ممن توقف ليرى الحدث بفضول فسحبها بسرعة «يلا الناس» ضغط فوق زر جرس المنزل بسرعة ففتحت لهما هدى واستقبلتهما مُرحبة، حمل رؤوف الصغير بينما أمسكت غزل بذراع هدى ولفته حول ذراعها قائلة بمودة وبساطة«ازيك يا هدهد وحشتيني»
ابتسمت هدى وابتسم هو دون تعليق، جلسوا في حجرة الاستقبال يستفسرون عن أحوالها وأحوال زوجها قبل أن تغادر وتأتي بضيافتها لهما، اتسعت عينا غزل على الأكواب متذكرة حديث نجاة عن معاناة رؤوف وتحسسه من الفراولة، نظرت إليه وهو يداعب الصغير ويضاحكه فابتسمت مقررة التصرف بسرعة، لو قدمتها له هدى لن يرفض وسيقبلها، بالطبع سيستحي أن يطلب مشروب آخر لكن هي يمكنها أن تفعل الكثير وتقيه التعب.
انتبه الصغير لما وضعته والدته وهلل فمالت غزل وهمست بأذن هدي التي ابتسمت ونهضت فورًا، تعجب رؤوف ونظر لزوجته باستفسار غير منطوق أجابته عليه بضحكة رقيقة، عادت هدى بعد قليل حاملة كوب من عصير الليمون منحته لرؤوف دون توضيح فأخذه شاكرًا والتفت لزوجته التي تجاهلته .
«يلا هدهد اجهزي مستنينك مش عايزين نفوت الفرح»
ابتسمت هدى لحماسها وسحبت الصغير مغادرة، تحرّك رؤوف وجاورها بعدما اطمئن لرحيل هدى وسألها «جولتيلها إيه»
أسندت ذراعها على كتفه وهمست «ولا حاجة واطمن مكلفتهاش» اتسعت ابتسامته وهمس وهو يرفع رأسه بعينين لامعتين إعجابًا «يالله منك»
ضحكت برقة وعادت لتهمس جوار أُذنه «رؤوف عندك حساسية من الفراولة لو كانت هدى قدمتهالك كنت هتاخدها مش هتكسفها وهتشرب ومش هتطلب تبديله بس أنا معنديش مانع أطلب حاجة بأقل تكلفة ليها ومتضركش»
نظر لعينيها بذهول وهو يسألها «عرفتي كيف»
ابتعدت موضحة ببساطة «طنط نجاة كانت قالت قدامي مرة»
قطب مستفسرًا والذهول لا يتركه «ولسه فاكرة؟»
أوضحت بعفوية وبساطة شديدة«أيوة عادي»
مسح رأسه بكفه مرتين قبل أن يترك جوارها ويعود لمكانه بصمت، اندهشت من فعلته السريعة واستفسرت «في إيه؟»
أجابها بجدية مُقلقة «مفيش اسكتي»
تأففت بإنزعاج وصمتت مُراقبة له كيف يضع كفه على صدره محركًا شفتيه بما لا يصلها.
استمر الصمت سيدًا حتى وصلولهم الفرح، تفاجئت غزل من وجود آيات في استقبالهما مُرحبة بكياسة.. امتقع وجهها لكن سرعان ما رسمت على ثغرها ابتسامة لطيفة و ظللتها بالسعادة.
دارت الرؤوس بإعجاب ناحية نجمة الحفل وزوجة الأستاذ الجميلة الرقيقة صاحبة أجمل عيون وأروع طلّة، خطفت الأنظار عندها واستحوذ جمالها على همهمات الجميع، عانقت أحرفهم، فتناثرت الأسئلة بإعجاب وانبهار، بينما جلست آيات متيبسة الجسد بالحقد، مشتعلة النظرات بالغيرة والكراهية تتابع ما يحدث وشماتة البعض بغضب شديد.
بعد قليل رنّ هاتفها فوجدت رسالة منه تنبهها لما تتمنى رؤيته، مالت وهمست على أذن هدى بشيء فنهضت هدى ساحبة لها ناحية نافذة منعزلة تطلّ على تجمّع الرجال، تابعت النساء ما يحدث بإعجاب، تأملن ما يفعله بانبهار ومصمصات حسدٍ وغيرة ، ابتسمت غزل له وهي تتأمل نظرات النساء حولها المتجهة له، شعرت بالغيرة الشديدة عليه وهي ترى اهتمام الجميع برؤيته ونظراتهن المتألقة بإعجاب وحسد.
تابعت بنصف وعي ثم غرقت بكلها معه، نظر للنافذة أكثر من مرة يتأكد من وجودها فكشفت النظرات المتصيدة الأمر وهمهمن بحسد. انفك حجابها فجأة فابتعدت وجلست من جديد وهدى جوارها لا تتركها، عادت النساء ممتلئة النظرات للجلسة بصورته، بعدما أغلقن النوافذ وعقولهن على ما رأين، حاولت غزل إعادة ترتيب حجابها لكنها فشلت، فهمست لهدى أنها تريد ضبطه، التهمها القلق والعجز واغرورقت عيناها بالدموع خوفًا من أن يرى أحد حروقها فتتبدل نظرات الإعجاب لشفقة وإحراج له.
جاورتهما آيات بغلّ انطفئت شمعتها على يد تلك المشوهة، ونالت من الشماتة أطنانًا، قبضت غزل على حاجبها وحاولت النهوض والابتعاد عن حلقة النساء، أفلتته قليلًا؛ لتمسك بالهاتف وحقيبتها فاستغلت آيات الأمر وسحبت الحجاب من على رأسها بسهولة، تعرت رأسها وامتلأت أذنها بالشهقات المصدومة والصمت المترقب، انتصبت غزل بشموخ ابتسمت بكبرياء وقوة وهي تسحب الحجاب وتعيده بسلاسة وبساطة كأن شيئًا ما لم يحدث.
هززن رؤوسهن بإعجاب وغبطة وتساءلن كيف ولما تزوجها الأستاذ.
رفعت آيات ذقنها بشموخ وقد نجحت فيما تريده، فليرى الجميع المشوهة التي تزوجها زوجها، ليست بأجمل منها بل أقل كثيرًا وستظل هي الأجمل على الإطلاق، هو لم يأت بأجمل منها بل آتى بالأبشع.
غادرت غزل بصحبة هدى لمكان بعيد عن الأعين المتلصصة، عدلت حجابها بصمت وجسدها يرتعش من قوة الإعصار الداخلي وشدة تحكمها في غضبها ودموعها، شعرت أنّ الأمر سخيف إن أخفت تشوهاتها من جديد، فنزعت الحجاب زافرة بيأس ف، ربتت هدى على كتفها مواسية ومعتذرة فهي رأت صنيع أختها، ضمتها مهونة عليها لشعورها بما تعانيه ومدى قوتها..
ابتعدت غزل ملتقطة أنفاسها رتبت خصلاتها الناعمة وخرجت عليهن بها، تطلعت النساء إليها بذهولٍ وإعجاب، بينما غزل بينهن بكبرياء وشموخ، متجاهلة تصفق للراقصات بحماس وتشاركهن الأغاني والتمايل حتى أوقفتهن آيات مقترحة «غزل ما تجومي ترجصي»
ابتسمت غزل بصمت ونظراتها تنهش آيات في حربٍ خاصة شرسة،سخرت آيات «المصراوية متعرفش ترقص؟»
سحبت غزل حجابها من فوق كتفها وتحركت تجاه الدائرة بصمت وتحدي مقسمة بإبهارهن الليلة.
همست هدى لآيات معاتبة بعدما اقتربت منها «حرام عليكي يا آيات»
أشاحت آيات بغرور واستهانة من قولها تتابع تلك التي بدأت في التمايل بحرفية عالية والجميع يفتحن أعينهن عليها بإنبهار، ويتابعن بحماس شديد.
أنهت غزل الرقصة لاهثة فصفقن لها السيدات مثنين عليها فعادت متوسطة الجلسة بين هدى وآيات.
مالت وهمست مستفزة لها «تفتكري يا يويا هيعجب أوفة؟»
امتقع وجه آيات فضحكت غزل وغمزتها قائلة «شكلك مبتعرفيش ترقصي بوق عالفاضي»
انتهت السهرة صعدت غزل جوار رؤوف عمدًا وتنحت آيات مستسلمة لمجاورة هدى في المقعد الخلفي، أوصل هدى لمنزلها واطمئن لدخولها ثم عاد للمنزل..
ترجل أولًا للسلام على أحد المارة وتركهما.
هتفت غزل ساخرة منها بثبات «معلش يا يويا هاخد منك أوفة الليلة»
أشاحت آيات بإمتعاض فضحكت غزل، أشار لهما بالترجل بعد رحيل الرجل فترجلت آيات وتحركت بسرعة تجاه المنزل بينما أغلق رؤوف باب السيارة على غزل من جديد ومال يستفسر بحاجبين منعقدين «مالك؟ وليه حجابك مبهدل كده»
أجابت بهدوء وبساطة «مفيش عادي»
دفعت باب السيارة وترجلت، طالعها بشك فهتفت «هتيجي ولا رايح المشوار الي قولت عليه؟»
رمقها بنظرة غامضة ثم أجابها «لاه رايح ومتناميش جبل ما أجي»
أجابته وهي تركض ناحية المنزل بسرعة كما الهاربة «ماشي متتأخرش»
صعد سيارته مقررًا البحث خلف الأمر بدأ بمهاتفة هدى التي أخبرته بما حدث تغصلًا، وبعدها رأى رسالة والده «حريمك بيتعاركوا يا واد أمك»
استدار عائدًا بسرعة، ركض للأعلى لكن الأمر بينهما كان قد انتهى بوعد غزل المرفق بضحكة رقيقة ساخرة «متعرفيش أغنية حلوة يا يويا أصل أنا ناوية أرقص لأوفة، ميصحش الناس تشوفني وهو لا»
لوت آيات فمها لاعنة فضحكت غزل مقسمة «والله لأسمعك الأغنية يا يويا الي هرقص عليها»
رحلت لحجرة سماسم وانسحب هو ليهاتف المنتظر له، معتذرًا عن الحضور، يطلب موعدًا أخر، صعد للأعلى بعدها وانتظرها.. حتى جاءت بعد مدة قصيرة محمرة الوجه والعينين بما يوشي بالبكاء والألم.
سألته وهي تشيح بنظراتها خوفًا أن يرى فرحتها بمجيئه «أنت هنا»
أكدّ وهو يضمها بنظرة طويلة شغوفة «لازم أكون هنا» انفعلت بعصبية ممررة له غضبها الكاذب لتنجو من نظراته التي ترضخها «يبقى سمعت كلام مراتك؟»
وقف فابتعدت مرتجفة، اقترب فثارت أنفاسها، مال يهمس جوار أذنها فاختل توازن أفكارها «ماليش مرة غيرك»
استجمعت شجاعتها وطالعته بتحفز، رمشت تستوعب كم المشاعر المنبثق من نظراته والشوق الكثير، ألجمتها الصدمة فتعثرت أحرفها في نظراته «أنت...»
ابتسم بخبث فابتلعت ريقها وصاحت بتمرد «سمعت كلامنا؟»
فرد كفه فوق صدره وتنهد بهيام وهو يرتشف ملامحها كخمرٍ معتق ثم ابتسم بمكر أرعبها «مسمعتش غير جملة واحدة وحواسي كلها اتعطلت بعدها والله لا شوفت غيرك ولا سمعت غيرك بعدها»
رمشت بإرتباك وهي تستعيد الحديث في ذهنها «أي جملة؟»
أكدّ بمكر شديد حتى لا تهرب وتتملص كعادتها «مش جملة دِه حلفان خدي بالك»
تفجر الخجل في محياها الجميل لإدراكها مقصده فتابع وهو يقترب حد الإلتصاق « حلفتي هترجصيلي.. و أنا هِنا دلوك عشان موقعش حلفانك يا غزالي»
ابتعدت عنه لاهثة تخبره بإرتباك «مش تعرف الي حصل الأول؟»
أجابها بثبات ونظراته تغزوها «مستنتش دقيقة بعد ما شوفتك حزينة كلمت هدى وفهمت ورجعت علطول»
استفسرت منه «وميعادك»
أخبرها بإستهانة «يتأجل بس زعلك ورضاكي ميتأجلوش»
أغرورقت عيناها بالدموع وهي تسأل بأسف «الي عملته غلط؟»
ابتسم قائلًا بحكمة «غلط كبير عندي لو تعرفي بس فداكي»
أشاحت باكية فاقترب وضمها لصدره هامسًا «عاذرك ومش هلومك ولا هعاتبك الي عملتيه طالما رضاكي وريحك خلاص فداهية أي حاجة تانية»
تشبثت بملابسه معترفة من بين شهقاتها «اتكسفت أووي وكنت خايفة»
مسح على رأسها مهونًا «ليكي أنا ولا الناس؟»
رفعت نظراتها المهزوزة هامسةً بعدم فهم من مقصد سؤاله «أنت»
أجابها وهو ينزع عنها حجابها ملثمًا حروقها ببطء «وأنا مش شايف فيكي حاجة، دا أنتِ ولا غلطة يا غزالي والله، طلعتي كده من خيالي للواقع»
مسحت دموعها وملامحها تتوهج بالرضا والقبول، عاتبته وهي تلكمه على صدره «مش هتبطل أوفر»
لثمها بسرعة معاتبًا «مش هتبطلي تقل عندي جفاف الله يكرمك وبعدين شكلك بتوهيني عشان أنسى وأنا جتيل الوعد »
ضحكت برقة قائلة «كنت بغيظها بس، مجرد كلام»
خرج من طور هدؤه هاتفًا «نعم يا أختي ماليش دعوة بكل دِه عايز أشوف ولا حلال ليهم وحرام ليا»
توردت بخجل شهي وهي تهمس بتردد «لو غنتلي هفكر، أنت بقالك كتير مغنتليش»
لثم خدها هامسًا «يا سلام عُلم وينفذ أنزل بس لبت المحروق دي وأرجعلك»
رفضت وهي تبتعد عنه «لا سيبها»
تحرك بتصميم وعزم «لاه مينفعش هي بجت بتتغذى على الضرب بيستهويها»
أتبعت كلماته بضحكة رقيقة فتنهد هاتفًا «جوينا يارب»
مرّت ساعة وأخرى وهي تنتظر حتى غلبها اليأس حتى وصلتها رسالة آيات«رؤوف هيبات عندي ارقصي لنفسك يا غزولة أصلها مش بالرقص يا حبيبتي بحاجات تانية أنتِ محرومة منها يا عيني»
مرّت الليلة على قلبها بثقل جبلٍ تصرخ فلا تجد إلا أناملها طعمًا لأسنان غضبها وحدتها الليلة وهجره كان حطبًا لنار لن تنطفيء ولو مرّ عليها ألف عامٍ من الحب،ستلقيه فيها غير متمنية أن تكون بردًا وسلامًا عليه، دارت في المكان لا تحطم ما حولها بل ما داخلها بصبرها وكتمانها الألم ، حتى جلست وبكت بغير توقف، وكأن التوقف في حالتها جريمة يُعاقب عليها من يتخذه سبيلًا للهرب.
هي التي تمنت أن يفقد الحزن ذاكرته أن ينسى بابها، أن يصاب بالزهايمر فلا يفرق بين زائريه فتهرب وتذوب بينهم لكن في كل مرة كان يعرف بابها ويختاره. تساءلت متى يفقد الحزن بصره ؟ من يفقأ عينيه لأجلها؟
************
في الصباح هبطت مفتشة عنه بكربٍ وكآبة واضحة بعد ليلة طويلة ثقيلة، حملت في ملامحها الجميلة أعوامًا من الشقاء المحير لكل من رآها.
لم يمنحها أحد إجابة مُرضية فسألت آيات بعجالة «آيات فين رؤوف؟»
أجابتها الأخرى وهي تتمايل أمامها بدلال «نايم أصل سهرنا امبارح»
تركت غزل كلماتها وصعدت راكضة، اقتحمت الشقة باحثة عنه حتى وجدته فوق التخت نائمًا عاري الصدر تمالكت واتجهت ناحيته موقظةً إياه «رؤوف»
تململ في رقدته مغمغمًا بالرفض مما جعلها تهزه بقوة «رؤوف قوم لو سمحت»
اعتدل بكسل يفرك منابت شعره بقوة وهو يتأوه تعبًا، ربتت على خده «فوق لو سمحت»
تأفف نافضًا كفها بضيق«في إيه؟»
استدارت باحثة بعينيها حتى وجدت دورقًا للمياه فوق الكومود، تناولته وسكبته فوق رأسه فشهق مفزوعًا صارخًا بغضب «حد يعمل كده يا بجرة أنتِ؟»
وقفت أمامه قائلة بنبرة مهزوزة ودموع تتراقص في عينيها «فوق لو سمحت عيزاك ضروري فحاجة مهمة»
رمت كلماتها وغادرت متجاهلة صراخ آيات دافعة جسدها الواقف أمامها بعنف أربك ثباتها، اعتدل رؤوف ينظر حوله بتدقيق مندهشًا من وجوده هنا، استوعب ما هو فيه فنفض الدثار ونهض جاحظ العينين يستفسر «إيه جابني هِنا» ارتدي تيشرت له مُلقى أرضًا بإهمال ودار حول نفسه غارسًا أنامله في خصلاته مُفكرًا
«غزل»
قالها مستوعبًا مجيئها فانتفض مهرولًا، قابلته آيات بتحية الصباح وابتسامة مزيفة «صباح الخير يا أوفة»
رمقها بنظرة مستهجنة قبل أن يستفسر «أنا بيّت هنا»
جلست باسترخاء وهي تحمل كوب النسكافية قائلة بدلال «أيوة»
ثم تظاهرت بالخجل قائلة بعتاب «متكسفنيش بقا»
لوى فمه باستنكار ونظراته تمرر لها نفورًا لا ينتهي قبل أن يترك الشقة ويصعد للأعلى بسرعة، وجدها جالسة ببؤس شديد، تنهد بحزن قبل أن يجلس أمامها محاولًا الحديث ومفتشًا عن مبرر لا يصل إليه ولا يعرفه، أشاحت بوجها قائلة بحدة وهي تُبعد كفه من على ركبتها «لو سمحت خد دوش علشان تفوق وتعالى عيزاك ضروري»
حاول الحديث فتيبست حنجرته، أفكاره مبعثرة والصداع يضغط رأسه، ابتعد متجهًا للمرحاض بصمت.
بعد قليل خرج لها واعيًا بثلثي انتباه والثلث الأخير مشتت وتائه، هتف معتذرًا لها «مش عارف دِه حصل كيف»
استفسرت بثبات ونظراتها تتهرب منه «إيه هو؟»
أجاب شاعرًا بالذنب والندم «معرفش كيف نمت عندها»
ابتسمت ساخرة تخبره بإستهجان ونظرة مستهينة «عادي دي مراتك مفيش مشكلة»
هتف بحدة يكفيه ما هو فيه«غزل»
تنهدت قائلة بقوة «ماليش الحق أعاتبك ولا ألومك هي برضو مراتك وحقك ترجعلها فأي وقت» أحاط كتفيها بقبضتيه وهزها قائلًا «مش مرتي ورجعتها بشرط ملهاش حقوق عندي ولا أنا عايزها، ليكِ كل الحقوق واطمعي كمان فأكتر»
استنشقت بقوة مسيطرة على دموعها وهي تهرب بنظراتها من أسره قائلة «خلينا في الأهم منك ومن الحقوق والي صحيتك عشانه»
قطب ضائقًا ببرودها وإهمالها مشاعرها باستهانتها «إيه مهم عندك غيري؟»
شرحت له بصوت متهدج وهي تبتعد عنه مرتعشة الجسد «كنت بكلم طاهر ويونس وفجأة سمعت صوت ضرب نار وتكسير وطاهر كان مفزوع وبعدها الخط قفل وحاولت اتصل بيهم محدش بيرد»
انتفض متسع العينين يزعق بخوف«بتجولي إيه؟»
قبل أن ينهي استفساراته انتزعه رنين رنين هاتفه الذي نسيه بالأمس هنا، فاندفع يجيب على رجب «أيوة يا رجب في إيه؟»
من بين بكاؤه وولولته تلقى الصدمة «البشمهندس اتضرب هو والأستاذ طاهر ودلوك في المستشفى يا أستاذ رؤوف»
جحظت عيناه بصدمة جلية قبل أن يُلقي الهاتف ويندفع للحجرة مبدلًا ملابسه بسرعة، تناولت الهاتف واستمعت لكلمات الرجل الممتلئة بالشهقات العاجزة والبكاء «هما كويسين»
أجابها رجب بتوهة «مخابرش الإسعاف خدتهم»
خرج من الحجرة مندفعًا يرتب ملابسه بعدم صبر وخوف هزمه واستولى على أفكاره، سحب الهاتف من بين أناملها بسرعة ودون تفكير ركضت لغرفته بسرعة أحضرت دوائه وركضت خلفه مناديةً «رؤوف»
توقف تائه النظرات غائب الوعي،فدست بين شفتيه حبة دواء هامسة من بين دموعها «علشان متتعبش في الطريق»ثم وضعت باقيه في جيب بنطاله موصيةً إياه «خد بالك من نفسك وابقى طمني عليهم»
«خدي بالك من الجماعة هِنا مش هوصيكي عليهم أنتِ مكاني دلوك، ولو ربنا أراد ورجعت بخير وأخواتي بخير الي بينا هيتغير يا غزل» رمى كلماته بنصف وعي وشتات واضح ثم هبط وتركها لا يرى ولا يسمع سوى صوت كلمات رجب.
#عزف_السواقي
#عائشة_حسين
#كاتبة_صعيدية
+

