اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم عائشة حسين 



                                    

♡الرابع والثلاثون♡

رفعت هاتفها وسألته بقلق «ها إيه يا علاء؟» 

أجابها بغيظ مكتوم وغضب وقف على حدود الانتقام «جوزك جه هِنا وضربني» أتبع علاء قوله ببصقة للدماء من فمه، كتمت آيات شهقة ذهولها بأناملها المرتجفة محملقة في الفراغ أمامها، لا تصدق تهور رؤوف وغضبه المستعر، قطع شرودها سباب علاء الجريء فسألت بغباء «مش طبيعي بجد ليه كل ده » 

صاح علاء بحنق شديد لاعنًا غباءها «أنتِ بتسألي بجد؟» 

مطت شفتيها تزامنًا مع حركة كتفها قبل أن تنهي اندهاشها بزفرة حارة وقول يؤكد جهلها «مش عارفة؟ بس هو مين أصلًا قاله؟» 

صاح علاء ساخرًا منها « رؤوف بيغير على غزل يا ماما فوقي عمل كل دا مش عشانك ولا علشان حاجة غير غزل ووقفتي معاها عالسلم» 

استفسرت برفعة حاجب «أنت وجفت معاها؟ أكيد هي الي قالتله؟» 

تخلل علاء خصلاته بأنامله قائلًا «مش عارف بس هي مش ضعيفة ولا غبية علشان تروح تشتكيله» 

سألته مرة أخرى وهي تراقب شاشة حاسوبها بإهتمام «أنت عرفت منين؟» 

تأفف منزعجًا من غبائها قبل أن يهتف «اخرسي يا آيات وركزي معايا» 

تركت نظراتها الحاسوب رغمًا عنها متجاهلة توبيخه وعصبيته «إيه خير؟» 

هتف ونظراته تُظلم حقدًا وغلًا «عايزك تجيني ضروي» سألته وهي تحاول السيطرة على أفكارها والإمساك بوعيها حتى لا يغيب وينشغل «ليه؟» 

زعق بنفاذ صبر «لما تيجي» 

كتمت تأففها الحانق من عصبيته وأجابت بهدوء ونظراتها تتوهج فوق المحادثة المفتوحة أمامها «مش هينفع كده علطول بعد الي حصل» 

صاح بغضب شديد «اتصرفي لازم تجيني ضروري» 

ابتسمت معانقة سطور الآخر المضيئة أمامها وهي تجاري علاء  في رغبته وتهادنه بصبر «تمام هشوف بالليل» 

أنهى الاتصال فورًا وتمدد لاعنًا متوعدًا له، يقسم على الإنتقام وأخذ حقه كاملًا من هذا المتعجرف البغيض. 

****

تمدد فوق الأريكة متذكرًا ما حدث بينهما، فرد كفه العليلة أمام نظراته متأملًا، من تلك البقعة المظلمة بالوجع في جسده تخرج شرارة العشق، تمتد الجذور منها للقلب العليل الآن بعشقها المنفرد، تنهد والاستسلام لا يعرف طريقه للقلب الراغب. 

تقلّب على جمر الفِراق بحسرة، قبل أن يعتدل جالسًا مستغفرًا، ارتدى خفه وركض للأعلى، لن يترك وطن أحضانه مهجورًا سيأخذ ساكنته عنوة ولو اضطر لحبسها في زنازين ذراعيه. 

اعتدلت سماسم باسمةً ليقينها بأنه قد عاد مجددًا في غير ملل وبإصرار، أذنت له بالدخول فأطلّ بخجل مستئذنًا العبور. 

اتسعت ابتسامة سماسم ورحبت به «تعالى يا حبيبي»

وقف أمامها كطفل مُعاقب يقايض عليها بأسفه وتذلله ، أخفض بصره مُطالبًا بحقه فيها «عايز غزل» 

نظرت إليها سماسم بنظرة عطوف، غير مفرّطة في ود، مترددة قليلًا لكنها تنهدت بإستسلام سامحةً له «خدها» 

ذاب عبوسه في ابتسامة حلوة وهو يحملها بين ذراعيه ويخرج بها متجهًا للأعلى، وضعها فوق فراشه برفق، نزع عنها حجابها محررًا خصلاتها ثم دثرها وتمدد جوارها يهمس «غزل» 

مرر أنامله على تجهم خدها ورقبتها الرشيقة الناعمة وهو يكرر الهمس «غزل اصحي» 

دفنت وجهها في الوسادة رافضة الاستيقاظ والنداء، فأمسك بكفها ولثمه هامسًا «عايز اتكلم معاكي» 

تململت مستنشقة عبقه ليمنحها الراحة ويتوسل خافقها السماح،ربما رائحته التي تفتقد تصالحها عليه بعد ما كان  فرقت بين جفنيها ناظرة إليه ببقايا نُعاس، عانقت ملامحه بنظرة خاطفة ثم أولته ظهرها هامسةً «نام» 

جذبها ناحيته من جديد قائلًا «مش هنام غير لما نتكلم» 

تثاءبت مستفسرة وهي تمسح جبهتها قائلة «هنتكلم فإيه؟  أنا أخدت حبوب وعايزة أنام»قبل أن ينطق  

رنّ هاتفه فسحبه قارئًا اسم المتصل بصوت مسموع «يونس وطاهر» 

اعتدل جالسًا ففعلت مثله متنهدة بإحباط وهي تنظر للحجرة التي دخلتها بالتأكيد محمولة على ذراعيه، لملمت خصلاتها وتنهيدتها المستاءة تمتد لتخليصه خصلاتها من الحجاب دون وعي منها.. «أيوة عايزين إيه؟» 

قاد يونس الحوار بتشدد 

«مزعل غزل ليه؟» 

قطب رؤوف باستيعاب قبل أن يطالعها باستنكار وهو يجيبه بغلظة «وأنت مال أمك» 

تدخل طاهر اللحظة بتحدي «يبجى مالي أنا، سبتهالك تدلع وتراضي ولا تزعل وتبكي؟» 

ابتسمت غزل بخجل ونظراته تعترض لملامحها بتوعّد، تحدث يونس مدافعًا «أنا مش عارف إيه لزمة آيات أصلًا ديكور مثلا؟» 

زفر رؤوف قائلًا من بين أسنانه «متدخّلش أنا حر» 

هتف طاهر بحماية «أختي ميتزعقلهاش عشان آيات وواد عمتها» 

صاح رؤوف بنفاذ صبر وغيظ شديد «أختك اتزعقلها عشان وجفت اتسايرت معاه وقالها الي خلاها وقعته من على الدرج وياريتها جات قالتلي لاه ولا كإنها متجوزة خالتها» 

صفّر يونس مُهللًا بإعجاب «أوبا يا غزولة يا جامد بت رؤوف الحفناوي على حق كده أنتِ» جفل رؤوف من مدحه وثناؤه ونسبها وأفعالها له، بينما أسبلت هي أهدابها بخجل..» 

صاح طاهر بغضب «ابن ال.... عملها إيه وليه؟  ماشي والله  لانزله» 

هتف رؤوف بحنق شديد متهكمًا من قراره وهو يمسك بذراعها خوفًا من هروبها لمّا رأى استعداداً لذلك «وأنا هستناك ياك لما تيجي» 

فغرت غزل فمها مصدومة من قوله،

استغل يونس الفرصة قائلًا «آيات ترجع بيت أبوها وخلصنا يا رؤوف» 

أجابه رؤوف بفظاظة «أنت متحكمش عليّ» تدخل طاهر تلك المرة بشجاعة «جعادها شكله هيزعل أختي يبجى تمشي» 

بينما هتف يونس بجرأة «آيات وجع راس، عايز تعمل خير الجمعيات مالية مصر يا حبيبي، مش فاهم هي جاعدة ليه واكلة شاربة نايمة ببلاش ومن غير لزمة» 

أسكته رؤوف بحدة «مالكش صالح ويلا روح نام أنت وهو» 

أنهى الاتصال وأغلق الهاتف ثم رماه أرضًا بإهمال واستدار لها يستفسر «بتشتكيني لأخواتي؟» 

أجابت بصدق وهي تعقد ساعديها وترفع ذقنها بشموخ متحدية «مشتكتش ومعرفش اشتكي كلموني ولقيوني بعيط وأصرّوا يعرفوا» 

تهكم بغيظ  وغيرة نشبت في الأعماق «يا عيني متحملوش وأنتِ ما صدقتي» 

شهقت بدهشة من كلماته قبل أن تزفر هاتفةً «ما تتكلم كويس يا بني آدم أنت، أنا لا بحب أحكي ولا أشتكي لحد من الأساس وبعدين الي زيك ميشتكهوش غير لربنا » 

حررت ذراعها من قبضته ونهضت قافزة بسرعة خاطفة تاركةً تخته، هتف وهو يتركه مثلها متحفزًا «تصدجي إنك ناجصة رباية» 

تخصرت أمامه قائلة وهي تطلق ضحكتها الرقيقة ساخرةً  «طبيعي هو مرتضى هيربي يا متر » ركضت فتبعها متوعدًا «ادي غلطة يا هندسة كدة تلاتة » 

صاحت وهي تركض أمامه برشاقة وحيوية «ضربت علاء؟» لاحقها قائلًا «متجوليش اسمه» وقفت قائلة من بين لهاثها «يا ابني بطّل ضرب فخلق الله ارحم صحتك» 

إلتقط أنفاسه وأجابها «الضرب دِه زكاة عن صحتي» 

ثبتت نظراتها عليه واعترفت بصدق «أنا فعلًا غلطت يا متر مكانش ينفع أتصرف من غير تفكير، بعيدًا عن عوايدكم بس هو حرام أنا آسفة» 

رفع نظراته لها مبتسمًا يبدي إعجابه وانبهاره بها في غرام  «آه منك أنتِ يا غزالي وبتلوميني على ضربه» 

رفع ذقنه وقال بغطرسة «عفونا عنكِ فأول غلطة، التانية بقى بكيتي ليه وخليتي العيال حسوا بيكي» 

فكرت قليلًا ونظراتها تتجول فوقه ثم أجابت بحزن امتزج بعجزها « الأول كنت قوية وبتحمل دلوقت مش عارفة حصلي إيه قلبي  بقى بخف الريشة، ضعفتني يا متر» 

بدت ملامحه لها غامضة لا تُفسر،  نظراته متألقة بنظرة جديدة.. تخلى عن صمته وهتف بنبرة عميقة «التالتة أنتِ مش بت مرتضى أنتِ بتي أنا ومتجوليهاش تاني» 

سار بضع خطوات تجاهها قائلًا «أنتِ مضعفتيش بس جه الي يشيل عنك كل تعبك فشيليه، جلبك أصدق منك يا أم مخ تخين فهم إن جاله سند فرخى حباله» 

صمتت تمرر كلماته على عقلها غارقة في تفسيرها فاقترب أكثر مستغلًا تأثير كلماته وضمها لصدره موضحًا لها «مبكتيش وأنتِ طير شارد هتبكي دلوك وأنا جنبك يا غزالي يبجى إيه لزمتي !  أنا آسف» 

تجمعت الدموع في عينيها تأثرًا بقوله الذي  داعب نبضاتها وغمرها بالحنان فهمست وهي تلف ذراعيها حوله في تمسك «بالله عليك مش هقدر ولا هتحمل أصحى فيوم ملاقيش كل دا» 

ابتعد ناظرًا إليها يعاتبها «ليه بتجولي كده؟  اليوم الي تصحي فيه متلاجنيش جنبك يبجي مبجتش عالدنيا يا غزالي» 

سقطت دموعها فهمست «متوعدش يا رؤوف ومتمنيش، قصتنا غير وحكاياتنا غير» 

عاتبها بحاجبين ملتصقين «ليه اليأس دِه كله وليه مش واثقة فكلامي ووعدي» 

بنظرات حزينة ونبرة تقطر ألمًا همست «بالعكس أنا واثقة إنك هتنفذ وأد وعدك علشان كدا بقولك بلاش» 

ابتعدت عن أحضانه، أبعدت ذراعيها ورحلت أمام نظراته المستنكرة. 

في الصباح سبقته هاربة للأسفل، استيقظت مُبكرًا مقررة الانغماس مع سماسم وتركه، لم يكن بكاؤها وانهيارها أمس إلا بسبب رسالة مرتضى لها وتهديده بعدما ظنته يئس منها وسيتركها عاد مجددًا ساخرًا منها ومن مشاعرها، توعدها بالكثير القاتل لأعصابها، أقسم على استعادتها مهما كلفه الأمر، قال لها لن تهنأ  مع من خانته لأجله مجددًا، ولتستعد فعودتها أصبحت وشيكة... بكت بإنهيار خائفة من تنفيذه وعوده ورحيلها بعيدًا عن حبيبها، الشيء الوحيد الذي لن تتحمله هو أن تحرم منه. 

فاقت من شرودها على همسه المعاتب جوار أُذنها « بيّتي بعيد وجولت ماشي، مطلعتيش صليتي وعديتها لكن تنزلي وتسبيني معديهاش» 

رفعت نظراتها هامسةً حروف اسمه بشغف «رؤوف» 

مال ثغره بابتسامة مُحطمة وهو يسأل «هتفطريني ولا زي آيات يا هندسة؟» 

عتابه فتت كبدها، ملأ روحها باللوم،مرر لها اللحظة بؤسًا راكدًا في الأعماق،أطلعها على خفايا نفسه وبصمات آيات التي لا تحتاج خبيرًا لاكتشافها، نهضت فورًا قائلة بإستعداد «لا طبعًا عينيا هعملك الي تحبه» 

غادر المطبخ للحظيرة، وقف جوار صديقه بصمتٍ حزين، مسح على رأسه مغمغمًا بما لم تسمعه لكن يكفي ما تراه بنظراته وتشعر به منه. 

امتطى فرسه وركض به فجلست منتظرة له، دخلت آيات المطبخ كعاصفة هوجاء، عاثت في محتوياته فسادًا فتركتها منشغلة به، وقفت آيات أمامها مهاجمة «ارتحتي لما جولتي لرؤوف؟  اتبسطتي بالي عمله؟» 

تأففت غزل موضحة بضيق «أنا لا قولت ولا عملت» 

نعتتها آيات بحقد «كدابة» 

رمقتها غزل بنظرة مستهينة محتقرة وأجابتها «مش محتاجة أكدب فستين داهية أنتِ وظنك» 

انحنت آيات وهمست ببشاعة أرجفت قلبها «بيغير عليكي ليه مش فاهمة؟  فيكِ إيه؟ دا أنتِ تجرفي بتشوهاتك دي بس هجول إيه ذوقه معفن» 

ارتجفت نظرات الأخرى مصدومة من قولها لكنها تماسكت ونظرت إليها متحدية بسخرية «تشوهات الوش أحسن من القلب يا آيات أنا الي نفسي أفهم إزاي واحد زي رؤوف يتجوزك أنتِ بكل بشاعتك دي» رفعت كفها لصفعها فأمسكت غزل برسغها وهتفت من بين أسنانها بشراسة  «أوعي بس تفكري تاني تعمليها وقتها همسح بيكي بيت الحفناوي كله» 

تملصت آيات من قبضتها غاضبة لاعنة، فدفعتها غزل ونهضت مستقيمة بثباتٍ وقوة قائلة وهي تلملمها في نظرة محتقرة «مش محتاجة أبلغ رؤوف بحاجة أنا أقدر أخد حقي من أي حد يا آيات حتى مبأجلوش واسألي ابن عمتك » 

هتفت آيات بغضب «متفرعنة على إيه وشايفة نفسك؟» 

ابتسمت غزل قائلة وهي تصنع بسبابتها وإبهامها نصف مستطيل قائلة «أنتِ الي قليلة يا يويا» أرفقت حركة أناملها بضحكة رقيقة مستفزة فزمجرت آيات قائلة «مسيره يزهق منك الي مقويكي وأبقي داري وشك علشان بشوفك واتلبش» 

رمت كلماتها وهربت خوفًا، لا تمتلك القدرة على مواجهة غزل ولا تحديها، ولا قهرها بالكلمات فتلك الغزل دائمًا ما تنتصر وتجد طريقًا للنجاة. 

جلست متنهدة تحبس دموعها قسرًا، ابتلعتها مع غصتها ومرارة جوفها،بينما بالخارج أعاد هو  التي خرجت مجددًا «آيات تعالي» 

عادت إليه متذللة تخفض نظراتها بأدب كاذب «أيوة يا رؤوف» 

حك ذقنه قائلًا بنظرة غامضة «جهزيلي الفطور مع غزل» 

تعجبت من طلبه واندهشت لكنها قابلته بابتسامة مُرحبة «حاضر» 

عادت للمطبخ وهو خلفها، استنكرت غزل لكنها تجاهلت واحتمت الأخرى بطلبه متفاخرة، وقفت آيات تقطّع حبات الخيار مبتسمة لغزل بغل بينما تراجعت غزل بعدم فهم، تحرك أخيرًا تجاه الموقد نظراته تقدح شررًا، أطفأه وأمسك بإبريق الشاي، اتجه به ناحية الرخامة العريضة ووقف به جوار آيات صامتًا فسألته آيات «أحليه بالسكر؟» 

لكنه أمسك بكفها وسحبه ناحية الحوض وهو يمسك بالكف الأخرى الإبريق، تابعتهما غزل بذهول وجسدها كله يرتجف لإدراكها بسرعة نواياه الخطيرة بينما هتفت آيات بغباء «في إيه» 

سحب كفها ناحية حوض المياه ورفع الإبريق للأعلى قائلًا «الي بتخافي من وشها دي حمت عيالي، دفعت جمالها تمن من غير ما تفكر لحظة واحدة، اتحملت الي مش هتتحمليه أنتِ دلوك » 

صب الماء الفائر بالقرب من أناملها فصرخت مستغيثة تتوسله وهي تحاول نزع كفها من قبضته الفولاذية بفشل «لا يا رؤوف هتعمل إيه مجصدش» 

نظر إليها بشراسة قائلًا من بين أسنانه بحقد «هخليكي تجربي يمكن تحسي... جولتلك ميت مرة بصبر بس مش غبي ولا متهاون» 

فاقت غزل من ذهولها واندفعت ناحيته متوسلة «رؤوف متعملش كدا لو سمحت» 

تجاهلها رؤوف وسكب القليل في تهديد وهو يقول بهدوء «متجيش جنبها ولا تجوليلها مشوهة وإلا قسمًا بالله أرجعك لأبوكي ميعرفش وشك من جفاكي» 

بكت راجية في انكسارٍ وذل وهو يقرّب منها المياه شيئًا فشيئا « خلاص بس سيبني» ثم وجّهت نظراتها لغزل متذللة «أنا آسفة جوليله يسيبني» 

كلما تملصت سحبها بقبضة من حديد وثبتها بقوة وهو يضغط على كفها، هتفت غزل متوسلة «خلاص علشان خاطري» 

ترك الإبريق ونظر لعينيها الدامعة قائلًا «ما عاش الي يزعلك وأنا على وش الدنيا» 

أفلت كف آيات التي سحبتها ناظرة إليه تطمئن على سلامتها حامدة الله قبل أن تطالعهما بنظرة مصدومة تنعتهم من خلالها بالجنون، وركضت بعدها للأعلى، بينما اندفعت الأخرى لأحضانه رامية بجسدها المرتجف بين ذراعيه، فتقبلها بقبولٍ حسن وضمها إليه بصمت. 

بعد قليل ابتعدت معاتبة بعدما عاد إليها وعيها «أنت إيه الي كنت هتعمله دا؟  » 

حاوطها بنظرة فولاذية لا تستطيع الفكاك منها وأجاب ببرود «عادي وأعمل أكتر» 

صاحت وهي تدور حول نفسها «ليه عايز تأذي، قلبك مينفعش يأذي » 

اقترب منها وزعق بنفاذ صبر منفعلًا يخرج ما يكتمه «جولتلك أنتِ تخصيني و أنا مبسميش على حد  بياجي على الي يخصني» 

رمشت مبهوتة من قوله وصياحه فيها بهذا الغضب المتراكم، اقتربت مهدئة لإدراكها أن الأمر لا يقتصر على فعلة آيات بل غضبه ممتد نتيجة أفعالها وعدم قبولها حبه «خلاص طيب اهدا » 

نفض كفها عنه وزعق مجددًا بخيبة وألم وتيه «خايفة من إيه أنتِ وبتبعدي ؟ من بكره؟  من حاجة مش عرفاها؟ هو أنتِ حسبتي لجيتك هنا؟ لجوازنا؟ ما تسيبي كل حاجة لوقتها ، أنا واثق فربنا وعارف مش هيخذلني» 

أمسكت بكفه العليل وضمتها مؤازرة لها تمنحها الأمان مهدئة له «خلاص اهدأ ويلا نفطر ونتكلم» 

سحب كفه نافضًا كفها وابتعد زاعقًا بغضب «مش عايز حاجة وماشي» 

ترك المطبخ مهرولًا للحظيرة الخلفية امتطى ونسًا وركض به مقررًا الرحيل.

************* 

هتفت انتصار وهي ترمق الجالسة جوارها بنصف نظرة ماكرة «رنيلي على الواد يونس» ارتبكت فيروز واستفسرت باهتزاز واضح وفرحة مخبأة في دكنتي نظراتها «إيه؟  ليه؟» 

نظرت انتصار لساق الأخرى الذي يهتز قائلة «وحشني المضروب وبقاله مدة قاطع» 

أجابتها فيروز بتنهيدة يأس وهي تلملم خصلاتها وترفعهم للأعلى في ذيل حصان «خلاص هيجي ليه؟ عرفتي إنه مش خطيبي» 

تأملتها انتصار بنظرة ثاقبة ثم قالت بابتسامة مراعية ومتفهمة «رنيلي بس عليه وملكيش دعوة وبطلي هز فرجلك خيلتيتي» 

ابتلعت فيروز ريقها متوقفة عن أخذ رد فعل واستجابة سريعة لطلبها، ظهوره أمامها ثانية سيجرف مشاعرها ناحية هذا النهر الذي تغرق فيه، سخرت انتصار بمصمصة شفاه «عيني فيه وأقول إخيه» 

رفعت هاتفها مستسلمة نقرت فوق اسمه وانتظرت إجابته التي تأخرت على غير العادة فقالت مستغلة ذلك «مبيردش» 

لكنه فاجأها بإجابته ولجّم تسرعها، ارتبكت أكثر وأجابت بتلعثم «ازيك يا بشمهندس» 

سحبت منها انتصار الهاتف وأجابته «ازيك يا واد يا بشمهندس أنت» 

دار في الشقة بقلبٍ  خافق «ازيك يا حجة  أخباركم» 

سألته انتصار «فينك مش باين؟» 

أجابها و طاهر يتابعه باهتمام وهو يضع أطباق الطعام فوق الأرض المفروشة «بخير مشغول شوية» 

أجابته انتصار وهي تراقب لهفة الأخرى والتي تتحكم فيها بصعوبة «بقولك الست أم سمير جارتنا معاها دولاب عايزة تنقله ما تيجي اعمل خير» 

استنكر بفظاظة راكلًا الأدب«نعم ليه جالولك عني إيه» 

حاولت إقناعه بصبر «يا واد اسمع دا خير» 

هتف بغيظ منها «مش عايز أعمله الخير أنا راجل لعين» 

استنكرت السيدة في عتاب «شوف يا أخويا الواد طيب تعالى طلعني على الكورنيش» 

هتف يونس بغلظة «أنا مالي» 

أوضحت بمكر «أهو راجل يبقى معانا بدل ما الواد زلطة مطلع عينا في الدخلة والطلعة» 

سألها باهتمام «زلطة مين؟» 

ابتسمت لانتباهه وأجابت بظفر «الواد بتاع محل التليفونات بيضايق فيروز في الطلعة والنازلة» 

هتف بعصبية تسللت لنبرته «تديله فوق دماغه هي صغيرة!» 

أوضحت السيدة وهي تتأمل انكماشها وأحمرار وجهها «بتديله بس لما يشوفك داخل علينا ولينا حد هيحترم نفسه شوية» 

فاجأها بقوله الساخر «والله يا حجة أنتِ وهي محدش يقدر عليكم أقولك هو جابه لنفسه أصلا» 

عاتبته انتصار بحنق «طيب بس بعدين متفردش عضلاتك وتقول أنا ابنك أنا ابنك جتك خيبة» 

أنهى الاتصال متأففًا «اجفلي يا حاجة عايز أطفح اللقمة» 

رمى هاتفه يمسح وجهه بتنهيدته قبل أن يخطو ناحية طاهر ويجلس معه حول الطعام، ساله طاهر بابتسامة حنون «دي الست انتصار» 

أجابه يونس منشغلًا بتناول الطعام رغم انغلاق شهيته «أيوة» 

راقبه طاهر بحنو ثم هتف برفق «متضايق ليه ما تروحلهم» 

أجابه يونس بجدية عكست حزنه وتردده «مش عايز مالوش لزمة» 

خاف يونس من أسئلة طاهر فسارع بتغيير مجرى الحديث قائلًا «مكلمتش غزل بفكر أحجز وأنزل قنا» 

ابتسم طاهر قائلًا «استنى آخر الشهر أنزل معاك نبجا نجعد هناك ورؤوف ياجي هو وغزل يجعدوا كام يوم» 

شجع يونس الفكرة مثنيًا على تغيره واهتمامه «بجيت تشغل مخك يا واد يا طاهر السر باينله فغزل» 

ضحك طاهر قائلًا «أخوك بيغير عليها هو أصلا لو نزلنا مع بعض وانشغلت عنه هيولع فينا وممكن  ياخدها ويمشي» 

أكدّ يونس على قوله بهزة رأسه موافقة وكلمات صائبة «شوف كده رؤوف دلوك وقبلها وقارن يا طاهر، كان مش عاجبك كلامي على آيات وحالته ووحدته وكآبته أخوك بيتنفس بيعيش» 

تنهد طاهر موافقًا على رأيه «صُح والله ربنا يهنيهم» 

******

بعد مرور يومين عاد لا تعلم أين ذهب ولا لماذا تأخر، انزوت بالأعلى رافضة الهبوط مكتفية بوحدتها رفيقًا وذكرياته ونسًا، جابت الحجرة ذهابًا وإيابًا منتظرة قدومه بفارغ صبرٍ، لو أفلتت شوقها لركضت للأسفل بسرعة لكنها تماسكت وظلت منتظرة صعوده. 

وصل لمنفاه ووقف يتطلع للأفق بصمت، ظلامه يثير في نفسه الكآبه وفي أعماقه العجز، يهمس للنجمات باسمها محاطًا بأمنية، يتنهد كمن شقت عليه الأمور وضاقت به السبل، لا يستطيع مجاراتها ولا يعرف... يحبها ولا يعرف هل ما يمنحه كافيًا لها؟ هل ما يقدمه يليق بها؟  لا يعرف بأمور العشق كثيرًا ولم يختبره من قبل، مسح وجهه والعجز يسيطر فيختل ميزان المشاعر في قلبه..حتى فترة مراهقته مختبر التجارب قضاها مابين المشفى ومنزل خالته، مريض فوق فراش باهت نظراته تتوشح بالسواد وتعانق الكآبة المظلمة، مخيلته لا تقبض سوى على صورة بشعة للغدر وحدقتيه تحتجزان صورة ظالم لئلأ ينسى. 

شفيّ الجسد وبقيت الروح هائمة في ملكوتٍ مجهول محاط بسياج من ضياع، فضاء واسع من العذاب الليلي على هيئة كوابيس أو_ وحوش الصور _تلاحقه لتقتص من راحته.. فقد والده الأمل في شفائه، وعجز الجد عن إعادته لواقعهم بعدما تخضب خياله بدماء الأبرياء وباتت صرخاتهم ناقوس الجحيم، قررت والدته  أن تتركه لدى خالته بعيدًا، لإدراكها أن ما يعانيه يحتاج لمن مثلها. 

وهبته لها أنيسًا وجليسًا ومتعلمًا وكلها أمل في استعادته، توقفت أفكاره عند هذا الحد فالحبيبة تطرق أبواب الواقع ليعود من خياله. 

خرجت من مخبئها أخيرًا تغازل واقعه وتنشر عبقها في الهواء ليستنشقه، تهادت في خطواتها حتى وقفت فوق عتبة الشقة. 

سحب أكبر قدر من الهواء وصمت بصبرٍ.. 

استدار في حالة هيام أشبه بالسكر، مرر لها العشق في نظرة طويلة أهدت تيهها نهاية المتاهة ، ثم فتح جاكت بدلته الرسمية الذي جاء بها للتو كجناحين في دعوة انحنى كبرياؤه متوسلًا لتقبلها. 

ترددت كعادتها، فركت أناملها الرشيقة بتوتر، ونظراتها تمرر له انفعال خاص متوج بنظرة مبهرة وفريدة، ظلت دعوته قيد التنفيذ حتى تقبلتها وركضت ناحيته، فأغلق على جسدها الصغير جناحي سترته  وضمها بسكون، تشبع برائحتها وتغذى عشقه بقربها فعادت إليه قوته، ابتلت عروقه بنداها فهمس «وحشتيني يا غزالي»همست حروفها على صدره بخجل «وأنت كمان»  

تبخر العتاب وحلّ محله الشوق الذي لا ينضب. 

*******

في المساء أخبرها بأن ضيوفًا آتوا خصيصًا لرؤيتها ومقابلتها شخصيًا فاستعدت بخوفٍ وقلق لكن ما إن رأت ضيوفها حتى ابتهجت وضحكت بسعادة 

انحنت على ركبتيها أمام الصغيرة مُرحبة ببهجة «ورد» 

عانقتها ورد فورًا، تعلقت برقبتها هامسةً برقة «وحشتيني يا غزولة أوي» 

مسدت غزل ظهر الصغيرة مؤكدة على مودتها خاتمة لها بختم المصداقية «وأنتِ كمان أووي» 

ابتعدت الصغير قائلة وهي تزيح خصلاتها الناعمة من على وجهها «فرحت أوي إنك اتجوزتي عمو رؤوف علشان أنا بحبه زيك بالظبط» اشتعل محياها بالخجل من كلمات الصغيرة وابتعدت ترحبُ بالمهيبة صاحبة الطلّة الملائكية والوقار الملكي، وقفت أمامها تصافح بابتسامتها قبل كفها، لكن ورد اقتربت وعانقتها قويًا ببساطة وهي تهمس «ازيك يا بتي عاملة إيه» ضمتها غزل بقوة مستسلمة لهذا العناق المُشبع بالعاطفة مسترخية بفعل الدفء المنبعث مع رائحة السيدة الذكية 

ابتعدت ورد متألقة النظرات، جلست ساحبة غزل لتجاورها، جاءت نجاة ورحبت بها بمودة خالصة ثم جلست تتبادل معها أطراف الحديث «السلام أمانة لخيتك تماضر» ابتسمت نجاة قائلة «الله يسلمك يا حبيبتي» 

تابعت ورد بنظراتها-المنشغلة- باللعب مع الصغيرة حتى رحلت نجاة، هتفت الصغيرة وهي تمرر كفها الصغير فوق خد غزل المختبيء «أنا بحبك أووي يا غزل» سحبت غزل كف الصغيرة ولثمته شاكرةً بحنو فأشارت لها ورد «تعالي يا غزل يا بتي جاري» 

تعلقت نظرات غزل بنظرات ورد الساحرة وهي تترك مكانها وتتجه ناحيتهامسحورة، جلست جوارها فوقفت الصغيرة أمامها قائلة «أنتِ اتجوزتي عمو رؤوف علشان شالك يوم الحريقة وأنقذك زي خالتو مودة؟» 

قطبت غزل بعدم فهم وهي تستفسر «مين الي شالني وطلعني؟» 

ضحكت الصغيرة بمرح وحكت لها بسعادة ما حدث وهي تمثله أمام نظراتها كما تلاه والدها على مسامعهم «عمو رؤوف دخل النار وطلعني وبعدين قالوله ميدخلش هو صمم يدخل ويطلعك وقال مش هسيبها ودخل زي سوبر مان وشالك ولما طلعك قالهم غطوها مش عايز حد يشوفها عايزها مستورة  محدش يشوفها غيري» 

نظرت غزل للصغيرة ببلاهة ودموعها تنساب تأثرًا بما تحكي وما عرفته للتو من أسرار.. أخرجتها ورد من شرودها بربتة حانية لكتفها فالتفتت لها غزل مستفسرة بصدمة «رؤوف عمل كده فعلا؟» 

دثرتها نظرات ورد بالطمأنينة والحنان قبل أن تجيبها «ليه متعرفيش؟» 

هزت غزل رأسها ودموعها تتساقط بغزارة، فهمت ورد ما يدور بخلدها اللحظة، فهمست وهي تمسح على رأسها موصية «خدي وجتك في الحزن بس متديلوش أكتر من حقه، خلي دموعك ضيف عزيز ياجي ويروح ومعاه هم القلب، بس اطمعي في الفرح وخديه، اديله حقه وابنيله قصر» 

صمتت الصغيرة مستمعة برزانة بينما مسحت غزل دموعها وأنصتت باهتمام ونبرة ورد تجذبها كمغناطيس. 

تابعت ورد وهي تنظر لخدها المختبيء بتعاسته وعبوسه «أقدار يابتي سبحانه وترتيبات ربانية بحساب، متفكريش كتير سبيها لصاحب الأمر» 

هزت غزل رأسها بطاعة فابتسمت ورد ورفعت لها وجهها ناظرة لعينيها تسأل «بتسألي على أمك؟» رمشت غزل فاغرة الفم  بذهول فتابعت ورد «ورد أمك جاتني عشية وقالتلي روحي لغزل أكرمي قلبها بالرضا وريحيها بالقبول سلمي عليها وابعتيلها فرحتي» 

همست غزل وذهولها لا يفك وثاقه «ماما» 

قالت ورد «وبعتالك هدية» 

بلهفة سألتها «إيه؟» 

طردت ورد من حلقها زغروته بصوت ضعيف أدى الغرض ثم همست «قالتلي زغرتيلها يا أم حمزة» 

رمشت غزل ببلاهة واستفسرت «يعني إيه؟» 

تدخلت الصغيرة ضاحكة بعدما استمعت «بتزغرد يا غزل يعني فرحانة بجوازك زيي وبتقولك مبروك» 

حمحم رؤوف مستئذنًا الدخول «السلام عليكم» 

أذنت له ورد وهي تنهض واقفة «اتفضل يا ولدي» 

دخل بهيبة ، وقف أمامهم على بعد مسافة وهتف وهو يخفض بصره تأدبًا واحترامًا «ازيك يا خالة نورتي والله» 

أجابته ورد بحنان وهي تنظر إليه بإمعان «دا نورك يا ولدي لما حمزة حكالي جولت لازم أجي وأبارك الجوازة بنفسي» 

ابتسم قائلًا وهو يفرد كفه بتلقائية مشيرًا للصغيرة التي تقبلت دعوته وركضت متمسكة به «الله يبارك فعمرك يا خالة» 

أوصته ورد بمحبة وهي تنظر لغزل الشاردة «مش هوصيك غزل بتي تشيلها فعنيك» 

رفع كفه فوق رأسه وربت عليها مُرحبًا بابتسامته الجذابة «على راسي يا خالة» ثم مازحها بلطف «ما توصوها هي عليّ شوية» 

أجابته ورد وهي تنظر لعيني غزل تائهة النظرات «الجلب مش محتاج وصاية ولو عالعقل أنت عارفه، نضّف بيتك وحواليه وأجفل بيبان الشر ترتاح الجلوب» 

رفع نظراته قائلًا بجدية «وصلت يا خالة» 

حمدت ورد الله وتحركت قائلة «جول لحمزة يلا» 

هتف رؤوف بسرعة «لسه بدري» 

أجابته بجدية «بدري من عمرك» 

تحرّك بالصغيرة متعجبًا من صمت زوجته وشرودها الغريب ودعتها ورد فركضت للأعلى هاربة، أغلقت على نفسها وجلست مفكرة تجمع خيوط الحقائق في ذهنها. 

*******

خرجت تستنشق الهواء النقي بعدما تكدست رئتيها بالهم، متسللة على أطراف أناملها خوفًا من سؤاله الذي لن تجد له إجابه كما أنها لن تخبره بما عرفته من حقائق، لكنها وجدته فوق كرسيه الهزاز بين الحجرتين بموقعه المميز «أنت صاحي ليه؟» 

أجابها ببساطة ونبرته تعانق الهم «مستنيكي» 

ابتلعت ريقها واستفسرت بنبرة ثقيلة «ليه في حاجة؟» 

أجابها بحنو وهو يفتح نظراته على كلها «جوليلي أنتِ» 

أشاحت مرتبكة قبل أن تبتسم بإجبار وتجيبه بنبرة حيادية «لا مفيش حاجة» 

تغاضى وسألها بقلق ونظراته تنتزع الخوف والتردد من حدقتيها «جالتلك إيه أم حمزة؟» 

تظاهرت بالغباء، أفسدت ترقبه بالتجاهل «ولا حاجة مفيش» 

سألها بقلق «أمال مالك من ساعة ما جات ومشيت وأنتِ فدنيا تانية» 

ابتسامة باهتة رسمتها قبل أن تستدير منهية الحديث «مفيش أنا تمام» 

أعاق سيرها بكلماته المغمورة بصبره وحلمه «مش تمام وأنا مستنيكي تحكي» 

تنهدت قائلة «مفيش حاجة تتحكي نام وإرتاح» 

أعاد رأسه لظهر كرسيه مسترخيًا وهو يهمس «هستناكي لو مش النهاردة يبجى بكره أو بعده» 

استدارت منفعلة تهتف بغيظ من إصراره «متستناش» 

أجابها ببساطة مُهلكة «معرفش » 

استدارت متأففة حانقة تهتف «متعودتش أحكي» 

ابتسم قائلًا برقة دغدغت قلبها «وأنا فاتحلك البيبان ومستني، مش هنام، مش هملّ ومش هيأس إنك تيجي، معملتهاش وارتحت وحد من عيالي تعبان وأنتِ زيهم» 

أغمضت عينيها على وهج نظراتها وتنهدت، ثم غادرت لحجرتها مغلقة خلفها وظل هو مكانه حتى حان موعد الصلاة. 

أدّاها وجلس يدعو لها ولقلبها.. 

خرجت على صوته، جلست جواره هامسةً «رؤوف» 

التفت مُلبيًا بلهفة «أأمري وأمرك مطاع يا بكرية الجلب» 

بدموع حبيسة رفعت نظراتها تتأكد مما سمعت «كنت بتدعيلي» 

ابتسم مداعبًا ذقنها بأنامله وهو يخبرها بحنان «أيوة أنا يمكن مجدرش ولا عارف أريحك وأرضيكي ولا حتى عارف أحبك حب يليق بجلبك، فدعيتلك هو يجدر وهو يعرف» 

تساقطت دموعها بغزارة ،  انحبست كلماتها في جوفها، نظراتها تطوف على سكينة ملامحه مغتنمة، رقت عيناه  حنانًا فقربها لأحضانه ماسحًا على رأسها يتلو ما يحفظه، بعد قليل همس لها «هوني على جلبك يا غزالي» 

صارحته بلطف وانكماشها بأحضانه يزداد كأنها تريد أن تذوب داخله، أن تتلاشى في أضلعه وتمتزج بعظامه «بره مصر كانوا مشغولين وسايبنلي صفوة، ماما لما كانت تفضى كانت بتاخد بالها من صفوة وتعوضها وأنا بفضل فأوضتي ألعب وأعمل عيلة بلعبي وعرايسي لا بتكلم ولا بشارك لغاية ما جات الفرصة إني أكمل فمصر مترددتش ونزلت، سنين الجامعة وبعدها شغل رفضت أرجع فرجعوا هما. 

سامحني متعودتش أحكي، بكيت كتير، وخوفت أكتر،توهت لغاية ما تقبلت وحدتي وصاحبتها، اتعلمت متكلمش محكيش وأسكت» 

همس بتأثر شديد «وأنا عايز أعوضك وربنا يلهمني كيف أحبك ، وعايزك تحكيلي ، تتكلمي عن غزل الي معرفهاش  ،تجوليلي مالك» 

تنهدت بصمت ثم تابعت «طنط ورد قالتلي ماما بعتالي السلام  وبتباركلي  وزغروتة كمان » 

ابتسم وحمدالله مستبشرًا ثم سألها بمزاح «وفهمتي على كده؟» 

فار الغيظ في صدرها فرفعت رأسها ونظرت إليه متصنعة الغباء استفزازًا له«لا أنت فهمني» 

هتف وهو يعيدها لأحضانه «إنا لله وإنا إليه راجعون الدايم الله يا عمي» 

استنكرت قوله «أنا ليه حساك بتعدد» 

من بين أسنانه أجابها «حاسة مش متأكده؟ الحزن الي أنا فيه عايز عدّيد وولولة» 

ضربته على صدره بقبضتها لائمة عاتبة عليه «رؤوف خلاص » 

اقترحت بتعب «عايزة أنام هنا» 

تربع ثم أشار لفخذه اليمنى «تعالى نامي لغاية ما أخلّص الجزء» 

وضعت رأسها حيث أشار منكمشة فمسح على رأسها بكفه وهو يتلو ما توقف عنده من آيات. 

نقلها فوق تخته ودثرها ثم جلس خلف مكتبه يعمل قليلًا فاستيقظت مبتسمة «صباح الخير يا متر» 

أجابها بابتسامة واسعة جذابة «صباحك رضا من الرحمن يا غزل» 

نهضت متجهة إليه تسأل «منمتش ليه؟» 

أجابها وهو ينزع نظارته الطبيه ويسترخي في مقعده «معايا شغل متأخر» 

وقفت جواره مبتسمة، سحبت ورقة بيضاء ووضعتها أمامه وأتبعتها بقلم ووضعته فوق الورقة قائلة بدلال «ممكن يا أوفة تكتب الي هقولك عليه بليز» 

ابتسم وهو يميل مستعدًا يخبرها «الجملة فيها فخ لذيذ» 

سألته بمطة شفاة «يعني إيه؟» 

أجابها وهو يمسك بالقلم «دِه مش رضا منك خالص دِي حفرة بتحفريهالي يا غزالي وأنا موافق» 

تأففت مستغيثة بغيظ «يالهوي منك» 

ضحك فقالت بدلال «اكتب يلا» 

أبدى استعداده فقالت وهي تميل ناظرةً إليه بابتسامة وهي تسند خدها بقبضتها المضمومة تتصيد رد فعله،أملت عليه رسائله التي أرسلها لها يومًا، كشف خدعتها، خبأ ابتسامته وكتب بجدية شديدة وخط مهزوز، ضمت شفتيها بغيظ لإدراكها خدعته وكشفها نواياه، صاحت رادعة له «ما أنا مش هقدر عليك عارفة اظبط إيدك» 

تظاهر بالبراءة قائلًا «معارفش مالي يدي بتترعش جلة نوم ولا جلة أكل » 

ضربت الأرض بقدميها لاعنة زافرة بقنوط وهي تهتف «يا ربي منك» 

قهقه وهو يحيط خصرها بذراعه ويجذبها لتجلس فوق فخذيه «مش تجولي إيه زعلّك ما أنا كتبت » 

وجهت سؤالها مباشرًا صريحًا كما تحب«رؤوف أنت الي بعتلي الرسايل والهدية؟» 

قطب بتفكير وهو يستفسر بمكر «أي رسايل دي» 

قالت بنفاذ صبر من بين أسنانها المطبقة «بعد الحادثة حد جابلي هدية وكان بيوصلي رسايل» 

تظاهر بالدهشة والاهتمام قائلًا«لاه بس كتر خيره الي بعت والله» 

نهضت قائلة بغيظ «نفسي مرة واحدة تبقى صريح واسألك تجاوب» 

اعتدل  محمحمًا وهو يقول بجدية وبمزاجية طفولية «خلاص اهو اسألي وهجاوب بصراحة» 

ضيقت عينيها على وجهه بشك في نواياه وصدقه لكنها منحته فرصة أخرى وسألته «أنت الي جبتلي الهدية؟» 

ابتسم مُجيبًا بصدق «أيوة» 

صفقت بفرحة ثم استغلته متابعة السؤال «وكنت بتكتبلي الرسايل؟» 

هز رأسه مؤكدًا بسلاسة وبساطة «أيوة» 

عادت لتجلس فوق فخذيه معترفة بمشاعرها «تعرف إني دي أحلى رسايل وصلتني فحياتي كلها وإني بحبهم جدًا ومحتفظة بيهم» 

داعب أطراف خصلاتها هامسًا بعاطفة «لاه بس أديني عرفت» 

سألته وهي تمرر أناملها فوق ذقنه النابتة «عملت كده ليه؟  وليه مظهرتش وكلمتني» 

سحب كفها ولثمه بحرارة قائلًا «كنت عايز أكون جزء من حزنك، ضيف خفيف في أيامك يشاركك الوجع بحروفه» 

ضحكت ودموع السعادة تترقرق في عينيها، عانقته بقوة شاكرةً صنيعه «شكرًا كتير يا رؤوف كنت أحلى جزء وأكرم ضيف وأحن شريك» 

ما تلى تلك اللحظة استسلامًا فريدًا منها بمذاق القبول، منحته عاطفة غير منقوصة بخوف ومنحها هو من الحب والشوق ما غيبهما سويًا  لولا رنين هاتفه المزعج وطرقات والده لأكمل ما بدأته هي. 

*********

هتف مرتضى وهو يقلّب صفحات الجريدة التي يمسك بها «خلي صفوة معايا» 

انتبهت له زوجته متسائلة بإرتباك «ليه؟  مش قولت هتصفي كل حاجة وتقفل المواضيع وهتيجي ورانا؟» 

أجابها وهو يترك الجريدة وينظر لساقة المضمدة «عشان تساعدني» 

استفسرت بقلق امتزج بغبائها «مش هتقدر تمشي أمورك الفترة دي لوحدك؟» 

نظر إليها بحدة ألجمتها ثم قال من بين أسنانه بغيظ «لا وبعدين مفيهاش حاجة سافري أنتِ الأول واحجزيلها تسافر بعدك» 

صمتت مرتبكة مبعثرة الأفكار والأهواء، خافت الرفض فتتضح نواياها  وتكشف ترتيباتها، أما هو فابتسم لبلعها طعم حجز التذكرة، سيطمئنها ويسكن قلقها وخوفها من ناحيته... هزت رأسها راضخة «ماشي بس متأخرهاش» 

أجاب بجدية قاتمة وهو يحرك ساقه العليلة خفية «لا اطمني أنا عايز أمشي فأقرب وقت» ثم سألها فجأة مستغلًا بعثرة أفكارها «بتكلمي غزل؟» 

أجابت بتشتت «لا.. أيوة بكلمها طبعًا» 

مال جانب ثغرة بابتسامة متسلية وهو يثني على فعلها كذبًا «كتر خيرك هي محتاجة برضو حد يكون معاها مننا» 

تنهدت قائلة والشعور بالذنب تجاه تلك الفتاة يؤرقها «أيوة طبعا دا أنا مربياها» 

هادنت خبثه تؤكد على كذبها بخدعة أخذت أفكارها من فم صفوة «هي مبسوطة هناك كلهم كويسين معاها ورؤوف بيحبها سيبها» 

احتد بغضب شرس قبل أن يرتدي قناع البرود ويجيبها باستسلام كاذب «خلاص ربنا يهنيها وأنا يهمني إيه غير راحتها» 

ربتت على كتفه قائلة«صح كدا البنت مش ناقصة تتشتت بينكم» 


3



نهض متعكزًا وخرج من الحجرة لاعنًا لها، اصطدم بصفوة أمامه تخرج من حجرتها بصحبة أخرى، رحب بها «ازيك يا لمياء يا بنتي أخبارك» 

أجابته بابتسامة واسعة «ازيك أنت يا عمو خير مالك ألف سلامة» 

أجابها وهو يجلس واضعًا العكاز جواره «حادثة بسيطة» 

هتفت بإشفاق «سلامتك يا عمو» 

استفسر مرتضى باهتمام «غايبة يعني بقالك فترة ومحدش بيشوفك» 

أجابته مخبئة السبب الحقيقي خلف انقطاعها والذي لولا فضولها لمعرفة أخبار غزل لواصلت الهجر «الشغل وضغطه» 

سألها مرتضى باهتمام «أنتِ شغالة فين دلوقت؟» 

ابتسمت قائلة وفمها يميل تهكمًا «عند الاستاذ رؤوف الحفناوي جوز غزل» 

انتفض واقفًا على قدمه المصابة غير مهتم ولا يبالي فوقع المفاجأة شديد «معقول» اندفعت صفوة مساندة له تعاتبه على نفضته وعدم مراعاته إصابته «خد بالك يا بابا» 

أدرك فداحة تهوره وتأوه مستندًا على ذراعها وعاود الجلوس مجددًا

فضحكت لمياء قائلة بحسرة لاكتها نظراتها بين أنياب حقدها «شوفت الصدف يا عمو» 

أجابها بفرحة أنارت وجهه «شوفت يا بنتي»  

استأذنت لمياء قائلة «بعد إذنك يا عمو مضطرة أمشي الاستاذ رؤوف مخلي أخوه طاهر مكانه ودا متشدد جدًا وبيهتم زيادة بكل تفصيله» 

غمغم مرتضى بحاجبين ملتصقين دهشةً «طاهر» 

فتحت لمياء الشقة قائلة «مع السلامة» أغلقت صفوة خلفها مودعة وعادت لتجاور والدها الذي استفسر باهتمام عن كل ما يخص لمياء.

#عائشة_حسين

#كاتبة_صعيدية

#عزف_السواقي

#انتهى


1



الخامس والثلاثون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close