اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم عائشة حسين 



                                    

♡الثالث والثلاثون ♡


+



دق الباب ودخل مبتسمًا بوقار، وجد سماسم جالسة تطرز كعادتها وقت فراغها «ازيك يا أما» 

تركت ما بيدها وانتبهت باشة ترد سلامه بحنو «ازيك يا حبيبي» 

انتبهت نظراته لقطعة القماش البيضاء بين يديها والمنقوش فوقها اسمه، جذبت نظراته فاقترب يتأملها بإعجاب واضح، ابتسمت له سماسم بحنو وتابعت نظراته ثم همست حتى لا تسمعها والدتها التي تصلي «عجبتك؟» 

هز رأسه بتأكيد وهو يرفعها لعينيه مدققًا في الأحرف المطرزة بإتقان وألوان متناسقة جميلة، مرر أنامله فوق الحروف مُبديًا إعجابه «حلوة جوي يا أما تسلم يدك يا حبيبتي» 

ابتسمت سماسم موضحة وهي تثبت نظراتها فوق ملامحه «تسلم يد الحبيبة الي عملتها» 

رفع نظراته من على القماشة مستفسرًا ودقات قلبه تتقافز، أكملت سماسم بفخر «علمتها كيف تطرز وأول ما عملت كان اسمك أنت» 

أفلت ضحكة قصيرة ونظراته تعود لإسمه متوهجة بينما شفتيه تتمتمان بإسمها في هيام «غزل المغزولة من ضي القمر وخيوط الشمس» 

همست سماسم بما استحقت عليه أروع نظراته وتنهيدته المتيمة «غزل بتحبك جوي» تبدلت ملامحه لأخرى حزينة قلقة فربتت على كفه مطمئنة تمنحه قبس هداية من نور كلماتها «الي جابها لغاية هنا وجمّع جلوبكم من غير ميعاد جادر يغير الأحوال يا حبيبي» غمغم لسانه بالدعاء فهزت رأسها له «يلا شوف جدتك هروح أعملها حاجة تتعشى» 

سلمت جدته وتربعت مستريحة مسترخية فجلس بالقرب منها مبتسمًا، أمسك بكفها ولثمه كثيرًا وهو يبوح بصدقٍ«وحشتيني يا جدة متى ترضي وتريحي جلب حبيبك؟» 

لانت ملامحها الحزينة لكنها تمسكت بكبرياء النظرات وأشاحت حتى لا تضعف، عاتبها بحنو «موحشكيش رؤوف ولدك موحشكيش الكلام معاه زي كل عشية» 

رفعت طرحتها السوداء تمسح دموعها، ثم بكت بحرقة فاعتدل على ركبتيه ولثم رأسها مهدئًا بحنان وهو يضمها كابنة «أنتِ عارفة مبتحملش بكاكي يا جدة ولا بجدر عليه، عفش جوي رؤوف عشان  كده  بتوجعيه» 

أطالت السيدة البكاء برثاء خامد في النفس وحزن رابض في القلب، ظل يربت عليها هامسًا بالمودة حتى هدأت قائلة «خدتك مننا ومن كل حبايبك بت مرتضى» 

ابتسم مشاكسًا لها «محدش ياخدني منك ولا يجدر ولو هتاخدني منك يا حبيبتي معيزهاش واصل» 

عاتبته بدموع لا تتوقف «هان  عليك دم عمك حبيبك» مسح دموعها برقة وأجابها متفهمًا «لاه مهانش ولا حاجة يا جدة، ولا هان العمر بس غزل جات ترضية لجلبي من ربنا، هدية العمر كله اعتبريها ديّة لجلبي الي عاش محروم » 

صمتت بإطراق قبل أن تخبره بحرقة ووجع «مجدراش يا ولدي الضنا غالي، اتفجعت فحتة مني» 

لثم رأسها بتقدير مواسيًا لها «خلاص أُصبري عليا وهاخدها من هِنا خالص» 

ضربت فوق صدرها مصدومة بقوله «واه يا مري هتمشي وتسيبنا» 

قهقه بصوت عالٍ وهو يضمها قائلًا «بعدين عاد يا أرضينا إيه يريحك؟» 

ربتت على خده هامسة وهي تنظر لعينيه الدافئة كأشعة الشمس «تجعد جاري وتتعشى معاي وتقرألي قرآن زي زمان ولا خلاص» 

شاكسها بشقاوة «جولي كمان أبيت جارك» عبست قائلة «وماله ولا خايف ومش هتجدر؟» قال بغطرسة «لا أنا محدش يجدر عليا غير ربنا يا أرضينا ومبخافش غير منه » 

لثمت خده داعية بحنو «ربنا يديك ويرضيك يا ولدي وفي الدنيا ما يشقيك» 

ابتعد قائلًا ببهجة «طالما دعيتي افردي رجلك وخدي راسي عليها» 

فردت ساقيها فوضع رأسه مغمضًا العينين وهي تثرثر وتقصّ عليه من حكاياتها التي يحبها. 

بالخارج وقفت غزل مع سماسم في المطبخ قائلة «طنط هو رؤوف عند جدته؟» 

هزت رأسها مبتسمة فسألتها من جديد «طيب بتعملي إيه؟» 

أجابتها سماسم بصبرٍ «بعمل عشا لأمي» 

سألتها بدهشة وهي تراقب ما تفعله سماسم «هتتعشى لبن؟» 

أجابتها سماسم «أيوة هتفتت فيه عيش» 

سمعت صوته فانتفض قلبها في موضعه وقفزت مصفقة بحماس طفولي مُبهج «رؤوف بيقرأ قرآن الله» 

ابتسمت سماسم بصمت بينما تابعت غزل بعفوية «صوته يجنن ويخطف القلب» 

أخبرتها سماسم في نادرة من النوادر «أمي بتحب تسمعه جوي وكان لازم كل عشية يقرالها جبل ما تنام» 

أجابت بإنبهار وهي تتمايل متنهدة «ومين يسمعه ولا يشوفه وميحبوش المتر يجنن» 

انتبهت لقولها فحمحت طاردة خجلها وقالت بخدين متوردين «وليه كان؟» 

أجابتها سماسم بحزن «رؤوف انشغل عقلة المدة الي فاتت» 

نظرت إليها مبتسمة وتابعت «وشكلة المدة الي جاية كمان» 

اشتعل خداها من حرارة الخجل وطأطأت قائلة ببراءة «مش هخليه ينسى تاني هفكره كل يوم» 

ابتسمت سماسم وهي تحمل الصينية قائلة «هروح أدخلها العشا» 

سارت وخلفها غزل متحمسة لسماعه، دخلت سماسم وبقيت هي بالخارج واقفة تسترق السمع في لطفٍ وبراءة،شعر بها في محيطه فأدار رأسه والتفت ناحية الباب يؤكد ظن قلبه ونبوءة مشاعره برؤيتها. 

وجدها جالسة فوق أريكة جدته أمام الحجرة تستمع إليه بإنصات فابتسم رغمًا عنه، توقف حين جاءت عمته واعتدل يساعد جدته في تناول الطعام. 

راقبته مبتسمة كيف يلاطف جدته وكيف يطعمها بحنو مشاكسًا، كيف يسرق من قلبها الفرح ويبدد الحزن بضحكاته وكلماته المرنة الشقية.. فتساءلت  هل تتقبلها الجدة يومًا ؟  هل ستمن عليها بالرضا ليرتاح قلبها وقلبه؟  رغم معاملتهم الطيبة لكنها تشعر أنها لن تتآلف معهم ولن تذوب بينهم، لا يطالبها بالكثير لكن  ستتحمل جدته أن يصبح حفيدها من رحم ابنة خائن؟ 

أكتب عليها أن تعيش الأحلام ولا تحققها؟

علاقتهما محسومة ومكتوبة نهايتها قبل أن تبدأ.  

عبست بخيبة قبل أن تنسحب عائدة لمنفاها بعيدًا عن وطن المقهورين من أبيها. 

عاد في منتصف الليل وجدها جالسة فوق كرسيه الهزاز مغمضة العينين في استرخاء 

«أنت جيت يا متر؟» 

ابتسم قائلًا وهو يقف أمامها متأملًا «لاه لسه» 

ابتسمت هامسةً بعينين مغلقتين على صورته «طيب تيجي بالسلامة» 

استند بكفيه على حافة الكرسي ومال للأمام لافحًا وجهها بحرارة أنفاسه، معبقًا رئتيها برائحته «صاحية ليه؟» 

همست برقة وابتسامة رائقة ترقد فوق ثغرها الفاتن  «طنط بتقول إنك بترجع من غير عشا وإني ميصحش أنام لازم استناك وأحضرلك العشا» 

ابتسم مشاكسًا لها «طنطك برضو الي بتجول كِده؟طيب وأنتِ رأيك إيه» 

ابتسمت لإدراكها بأنه كشف دواخلها كعادته وأردفت بمراوغة «أنا رأيي إنك روح وحرام تنام من غير عشا» 

مال حد الإلتصاق ولثم شفتيها برقة هامسًا بغرام أذابها «وحشتيني يا غزالي» 

فتحت عينيها على وجهه هامسةً «متشوفش وحِش يا متر» 

ابتعد قليلًا ومنحها حقيبة ورقية صغيرة قائلًا «هدية جيالك مخصوص» 

قطبت باستفسار وهي تتناولها منه «ليا أنا؟ من مين؟» 

إعتدل قائلًا «واحد صاحبي جايبها من العمرة ليكي مخصوص» 

جلس فوق الأريكة الجانبية فتحركت وجاورته تفضها أمامه مخرجة محتوياتها قارئة بصوت مسموع « مسك رمان، مخمرية شعر  ، صابونة مسك الحرير، مسك عروس» أعادتهم شاكرةً «شكرًا يا متر» 

سحب عبوة مسك الرمان من الحقيبة وفتحها بسلاسة تحت نظراتها،ثم اقترب منها فانكمشت مستفسرة «متر» 

تجاهل واقترب أكثر، مرر كرة العبوة الصغيرة جانب عنقها في خطين متوازيين ثم مال متنفسًا عبقًها المختلط برائحتها، دس أنفه في جلدها مستنشقًا ثم هتف لاعنًا «الله يرحم أبوك يا حمزة كنت ناجص مجايبك» 

همس بانبهار «مش عارف ريحتك الي حلوة ولا المسك» 

تصلّب جسدها وسكن حين ضم خصرها إلى صدره بذراعه، تتنفس بسرعة هائلة وقلبها على مسمعٍ منها اللحظة وهو بهذا القرب «رؤوف لو سمحت» 

تململت بخجل ورفضٍ فهتف بغيظ «حرقة أبو الي جابك ما تهمدي شوية خليني أركز» دفعته بعيدًا وانتفضت واقفة تُعلن ندمها صراحة «أنا غلطانة إني استنيتك» تأفف بإنزعاج شديد قبل أن يسحبها من ذراعها ويُسقطها على ساقيه، حاولت التملص وفك حصار ذراعيه عن خصرها ناعتة بخجل «رؤوف أنت اتجننت» زفر قائلًا باستياء «أنا كده عاقل ومحترم» 

ابتلعت ريقها في مجاهدة لتفك حصار ذراعه وحين فعلتها ونجحت في تخليص جسدها نهضت فورًا راكضةً لحجرتها. 

هرش فروة رأسه مغمغمًا «أبوك مات يا حمزة أحرقهولك يعني دلوك عشان تستريح!» 

نهض وتحرك ناحية الباب قائلًا «غزل افتحي عايز أنام» أجابته بنبرة مشحونة بالتوتر «نام فأوضتك خلاص» وضع الحقيبة أمام حجرتها وتحرك ناحية حجرته لاعنًا.

 بعد مرور ثلاث ساعات استيقظ في موعده المحدد أقام الليل وذهب للمسجد بصحبة أبيه بينما استيقظت هي على كابوس مروّع، لهثت بإنفعال ثم بكت من فرط خوفها وهشاشتها اللحظة، نفضت الغطاء وتحركت معصوبة المنطق، وقفت أمام حجرته مفتشة فلم تجده، فقررت أن  تكمل نومها في حجرته محاطة بعبقه، تمدد فوق فراشه البارد وتدثرت حتى رأسها ثم غطّت في نوم عميق.. 

جاء يذكر الله، دخل حجرته فرآها منكمشة ابتسم برقة وتسلل للفراش بخفة، اندس جوارها أسفل الغطاء وجذبها لأحضانه برفق هامسًا «غزالي» دفنت وجهها بصدره وأحاطته بذراعها هامسة «أمممم» 

همس وهو يمسح على رأسها مستفسرًا «حبيبتي راضية عني ليه؟» 

أخبرته ببراءة طفولية مستنجدة به«شوفت كابوس دورت عليك مكنتش موجود فجيت هنا» 

لثم رأسها بحنو هامسًا وهو يضمها في حماية«نورتي حضني» 

همست وهي تتشبث به أكثر «أنا زهقت من الكوابيس والخوف» 

مسح على رأسها هامسًا لها برقة «سلامتك صليتي الفجر؟» 

أجابته بتنهيدة «لا» شجعها بلطفٍ وهو يدفع الغطاء من على جسدها «يلا جومي» أجابته متوسلة«سيبني شوية لما أهدا » 

إعتدل مُحمسًا لها «لاه الصلاة هي الي هتهدِيكي» نهضت ممتثلة لطلبه زحفت حتى تركت الفِراش وغادرت.. 

ظل منتظرًا لها حتى عادت بخجلها وانكمشت جواره ثانيةً متشبثة به فمازحها برقة «لو كنتي نومتيني جمبك من الأول مكنش جه الكابوس يا غزالي» 

صمتت فلثم جبينها ومسح على رأسها داعيًا لها ثم شرع في قراءة الأذكار والآيات القرآنية حتى عادت للنوم في أمان واستقرار. وقت الضحى استيقظت فوجدت جسدها مُحاطًا بذراعيه، خجلت من مجيئها له وطلبها أحضانه ببساطة، تأفف بندم فهمس بعدما قرأ حركاتها «لاه متندميش دِه أصلًا مكانك، هناك هو الي مش مكانك يا غزالي» 

تفاجئت بهمسه فسألته «أنت صاحي» 

أجابها بابتسامة لطيفة «من بدري ومجدرتش أجوم وأسيبك» 

تأملته مستفسرة «ليه؟» 

أجابها ببساطة «فرصة أضيعها؟  يمكن تهبّ جنونتك ومتكرريهاش» 

ضحكت برقة فهتف  وهو يفتح عينيه على وجهها «اللهم صل عالنبي هي دي صباح الورد الي على حق» ضحكت أكثر فقال «والله ضحكتك بتهز الجلب، صباحك رضا من الرحمن يا غزالي» 

أسبلت اهدابها هامسةً «شكرًا» 

مازحها بشقاوة قائلًا «شوفتي أهي جيبة السرير جات بفايدة، هتروحي هناك هنام جنبك هتاجي هنا هتنامي جنبي» 

رفعت نظراتها ممازحة له بإعجاب «ذكائك يدرس» 

قهقه مادحًا بغزل «وأنتِ جمال جلبك يدرس»

عضت شفتيها مفكرة بتردد قبل أن تسأل «متر هو أنت اتجوزت آيات إزاي وليه؟» 

تبدلت ملامحه وانتفض جالسًا يستعيذ بالله قائلًا «يسد بيت أبوكي على السيرة الزفت دي، مستكترة تبدئي الصباح بحاجة عدلة، جومي» 

سحب الغطاء من على جسدها فجلست متربعة رافضة المغادرة تقهقه برقة، تحرك ليغادر التخت فقالت بعفوية «لهجتك تجنن ولما بتتعصب بتبقى خطير، عاد وسحبها لأحضانه ملثمًا ملامحها برقة وهو يقول «ماشي يا آخر حتة في الكيمو كونو» 

ثم لثم رأسها ونهض ساحبًا لها خلفه وهو يخبرها «يلا ننزل تحت» 

نظرت لبيجامتها قائلة «استنى هلبس الهودي» 

تركها فدخلت حجرتها، سحبت سترة الهودي وارتدتها تحت نظراته فسألها «مبتلبسيش عبايات بيتي ليه من الي جبتهم؟» 

قطبت مستفسرة «فين؟  أنت جبتلي عبايات؟» 

هز رأسه قائلًا «أيوة الي في الشنطة» 

ضيقت عينيها على وجهه قائلة وهي تسير نحوه «يعني مش طنط الي اشترت الحاجات دي؟! كنت حاسة والله» 

ابتسم مُعترفًا لها وهو يُقربها منه جاذبًا جسدها لأحضانه «إيه معجبتكيش؟» 

فكرت قليلًا ثم أجابته بمكر «لا ذوقك مش حلو ، بس عرفت مقاسي منين» 

قيمها بنظرة جريئة ثم أجابها بغطرسة «بعيني كدا عادي؟» 

ابتعدت عنه في خجل شهي فضحك متابعًا الإعتراف «واتأكدت من سبت الغسيل» 

جزت على أسنانها في غيظ منه قبل أن تضرب بقدميها الأرض وتتركه واقفًا ثم ترحل وحدها، أوقفها قائلًا من بين ضحكاته «لسه نجاة هتجهزك بس مستنية إشارتي، هتنزلي معاها وهتجبلك كل الي تحبيه» 

وقفت مستديرة تصرخ فيه «كمان» 

وقف أمامها هازًا كتفه بغطرسة «أمال، وبعدين أنتِ مش أي عروسة أنتِ هتبجي مرت رؤوف الحفناوي» 

ضمت شفتيها مزمجرة قبل أن تسخر منه بحنق «مش عشان أنا غزل لا عشان هبقى مراتك، أنت مرضعينك غرور يا جدع أنت؟» 

قهقه بشدة وهو يقترب منها قائلًا «يا مسهل النباهة بدأت تطلع» 

ضمها لصدره ثم أبعدها عنه قائلًا وهو يزيح خصلاتها خلف أذنها متأملًا «لاه عشان أنتِ غزلي، وبعدين ما أنا هاجي أختار أنا كمان معاكي أنتِ مش هتلبسي حاجة تاني غير بشورتي وموافقتي» 

انسلّت من بين ذراعيه صارخة فيه«كمان» 

دس كفيه بجيبي بنطاله مؤكدًا بغطرسة وتملّك «أيوة أنتِ بتاعتي أنا مش بتاعة حد تاني وأنا الي أجول الناس تشوفك بإيه ومتشوفكيش بإيه» 

استنكرت قوله وحملقت فيه صارخة «يالهووووي منك، أطفش طيب» 

تخطاها وسار أمامها قائلًا «هجيبك برضك أنا قدرك خلاص يا أم الغايب» 

وقف مكانه هاتفًا حين لاحظ وقوفها «ما يلا عايز أفطر» 

زمجرت رافضة فعاد وحملها فوق كتفه كجوال البطاطا، شقهت متفاجئة بفعلته صارخة فيه وهي تضربه على ظهره «أنت شايلني إزاي كدا بجد نزلني» 

أخبرها بجدية وهو يهبط الدرج « يسد بيت أبوكي مش مبطلة رغي كلتي راسي وأنا جعان» 

قبل هبوطهما للأسفل أنزلها ثم أمسك بكفها مقررًا «أعملي حسابك خلاص خدتي حضانتي من أمي» 

قطبت مستفسرة باستنكار، فسحبها موضحًا بضحكة مستمتعة «مش هاكل غير من يدك خلاص» 

استفسرت منه بسخرية«ليه مكنتش بتاكل من ايد آيات؟» 

وقف قائلًا وهو ينظر لعينيها « شوفي أنا عمري ما طلبت من آيات حاجة كانت بتعمل ولو معملتش مبيفرجش  معاي، أنا فحياتي مطلبتش غير من أمي وأدي أنتِ بعديها» 

تلعثمت متسائلة من تصريحه «أشمعنا أنا» 

ضحك قائلًا وهو يواصل الهبوط «عشان أنتِ حبيبة الجلب وحتة مني  يا أم مخ تخين» 

بالأسفل استقبلهما عدنان بمرحه المعتاد «صباح النور على البنور» 

جلس جوار أبيه مستفسرًا «جاعد لوحدك ليه يا ناظر؟» 

أجابه عدنان وهو ينظر لغزل بتمعن «بفكر مفكرش؟» 

سخر رؤوف «سايب نجاة يعني» 

مازحه عدنان «بقوا فاضينلي خلاص أنت خدت الكوم الكبير واتلهيت وسبتهملي» 

صرف رؤوف غزل «حضريلي يلا فطور» 

نهضت مستفسرة بخجل «هتفطر إيه؟» 

أجابها بجدية «أي حاجة على ذوقك يلا» 

نظر إليها عدنان قائلًا «ازيك يابت يا بشمهندسة وأخدك واد أمه منينا» 

ابتسمت مُرحبة به «ازيك يا عمو» 

ضحك قائلًا «أهو كده اليوم يبتدي» 

رحلت وبقيّ هو وأبيه وحدهما يثرثران في كل الأمور. 

*****

سأل والده وهو ينظر من نافذة حجرته «ملقتهاش برضو» تكسرت نظرة والده على جسده الهزيل بتردد قبل أن يخفض بصره لنهاية عصاه الأبنوسية طارقًا بها فوق الأرضية الرخامية الشاحبة «لا» ٠

سأله وهو يهرش منابت ذقنه «مدورتش ورا يونس؟» 

نظر إليه أبيه نظرة ضيقة ومظلمة كبئر مهجور ثم أجابه «لا  وشيل موضوعه من دماغك لإني معتقدش دا، الناس دول محترمين» 

لوى فهد فمه بنظرة غامضة وأجابه بسخرية «أيوة محترمين» 

عادت نظراته للفضاء الواسع فقال والده بحزم رفيق «هي خلاص مبقتش تنفعك» 

أجاب فهد ببساطة قاتمة «مش هسيبها» 

أجاب والده بمكر خبيث«مين قال هتسيبها هتقعد معلقة ميلمسهاش غيرك، أنت بس خف وكمل علاجك وهجوزك أحسن منها  » 

أجابه فهد بنفس الهدوء المميت «مش عايز أتجوز غير فيروز» 

تهكم والده بفظاظة وطرقاته الرتيبة بعصاه تزداد سرعة «دلوقت مش عايز أتجوز غيرها؟  كان فين دا وأنا ماشي ألمّ وراك  وأداري فجوازاتك العرفي ونزواتك» 

ثم عاتبه بتأفف حارق «عمايلك دي هي الي عصتها عليك» 

أجاب بثقة مفرطة جلبت سخرية أبيه «فيروز بتحبني وهتسامح» 

زعق والده بغضب «معادتش بتحبك ولا عيزاك  شيلها من دماغك وشوف حياتك مع غيرها» 

انتفض فهد من مكانه هاتفًا «يبقى تعرف حاجة أنا معرفهاش، يبقى ظني فمحله وماشية مع أخو المحامي» 

نهض والده قائلًا بحنق «أنا مقولتش بس هي معادتش تنفعك ولا أنت تنفعها». 

صرخ وهو يضغط رأسه«مش هطلقها» 

طمأنه والده محتويًا شتاته ونظراته تلمع بشر «طلاقها فضيحة وإثبات هي تقعد كدا متطولش سما ولا أرض وأنت خف وأتجوز وعيش حياتك» 

بدا غائبًا في عالم آخر يهذي بصدمة «مش هسيبها هقتله وأقتلها» 

كمم والده فمه بكفه مانعًا تسرّب تهديده من خلف الجدران «اسكت يا ابني» 

خارت قواه فجلس في إرهاقٍ وتعب جاوره أباه رابتًا بمؤازرة  فوق كتفه بعدما سحب كفه المتغضن من على فمه «استمر في العلاج ومتشلش هم حاجة أبوك لسه عايش وفضهرك ولو خانت فعلا هقتلها أنا بإيدي» 

تمدد فوق الأريكة منكمشًا يضم جسده بذراعين مرتعشتين ووالده يمسح على رأسه مهدئًا له بكلماته مطمئنًا له بقراراته الصارمة. 

***

جالس على كرسيه الهزاز يتحرك ببطء ممسكًا بأحد كتب القانون خاصته، تتحرك حوله بعصبية مرة وبهدوء مرة لا تسع الصالة الفسيحة أنفاسها التي تتسابق في الخروج، المكان مشحون حوله بتوترها دون سبب، أزاح كتابه بعيدًا ليرى في حذر، انتبه لقميصها الحريري الطويل الذي يلفّ جسدها الفاتن بنعومة ، فقطب متشككًا في أمرها، عادت نظراته للكتاب وشيء داخله يشعر بالسوء من فعلتها، جلست بالقرب منه تنقر فوق هاتفها ومن وقت لآخر تحرّك كفها على آثار الحروق كأنها تريده أن ينتبه، حين إلتقط المعنى تنهد بغيظ، عض القلم بين أسنانه متوعدًا لها، تريد لفت انتباهه لتشوهها حتى ينفر منها ويبتعد، يهرب برغبته وبما يريده وطلبه بتفعيل الزواج . 

مسكينة لا تفهم لكنه يفهم ويعي ما يريد ولن يمرره. 

سألته ونظراتها تدور بقلق « أعملك شاي بالنعناع؟» 

سألها وهو ينظر لصفحات كتابه بعدما أخفضه قليلًا لتتبين ملامحه 

«طب إيه رأيك نعمله عالفحم» 

ابتسمت بتردد وهي تومئ برأسها موافقة على اقتراحه 

نهض  تاركًا الكتاب،قائلًا «هجهز الجعدة بره هاتي الكوبايات» 

نهضت للمطبخ الصغير وداخلها يرتجف، الحيرة تلف عقلها، لم يرسل لها نظرة واحدة توضح أنه رأى ما فعلته بنفسها، بل لم ينتبه أو يعلق كعادته مؤخرًا، سيظل غامضًا وهذا يغيظها جدًا ويربكها. 

أحضرت الصينية وخرجت لتجده يجلس على وسادة عريضة، يشعل النيران في الفحم، جاورته تنتظر مثله بنظرات مثبتة على الفحم، حين اشتعل فجأة وومضت النيران شهقت مرتجفة تتشبث به بفعل تلقائي ورعب يتملكها حين ترى أي نيران متوهجة، هذا التوهج أضاء جزء الذكرى المظلم في عقلها فعاد تأثيره لنفسها. 

ترك رؤوف ما بيده وضمها محتويًا لها بين ذراعيه متفهمًا ما حدث لها بصمت، منحها ما تريد فابتعدت منسلّة من بين ذراعيه محمرة بخجل. 

وعاد هو لما يفعل بثبات، يريد هو تلك المنحة منها، يتوق لعطاياها لكنه يتحكم في نفسه لأجلها، سيرد على فعلتها تلك بما يليق، نهضت ووقفت أمام السور تنظر لبيوت القرية والحقول الممتدة تلتقط أنفاس عميقة، أجفلت على صوت أنفاسه العالية  خلفها، وضع الأكواب أمامهما بصمت فسألته 

«ايه الحتة الي منورة بعيد دي يا متر»

أجابها وتنهيدة حنين تخرج من حنايا الضلوع «جبّانة» 

أدارت رأسها تتأمله لشعورها بأن سؤالها آثار في نفسه الكثير

«يعني إيه جبانة» 

أجاب بثبات ملامح ونظراته ترصد البقعة بشجن «التُرب، أو المدافن» 

ارتجف جسدها لوهلة في رهبة ونظراتها تحوّلت تلقائيًا للمكان وهي تخبره «مخيف إنها تبقى جنب البيوت» 

همس بشجن «الي فيها كانوا وسطنا ومننا  مفيش حاجة تخوّف» أغمضت عينيها ومدت كفها؛ لتلتقط كوب الشاي فاهتزت كفها حين سقطت القطرات الساخنة عليها ،  مما دفعها لأن تُلقي بالكوب أرضًا مُبعدة كفيها. 

اقترب يُهدؤها، يمسح عن قلبها الخوف والأسى بضمة قوية حنون، تقبلتها تختبيء من مشاعرها وحرجها، ظلت فترة هكذا حتى أبعدها عنه ومشاعر عديدة تموج في صدره، حان وقت الرد... مال يلثم خدها المحروق، عنقها وكتفها،وهي مغمضة العينين مستسلمة، لكنه لم يختر من جسدها كله إلا تلك البقع والعلامات المشوهة ففتحت عينيها وأطلت الأسئلة منها، قبّل خدها قبلة طويلة ناعمة وهو يهمس «أنا فاهمك،خاب ظنك الي بتوريهوني ميهمنيش،جلبك هو الي بيغريني بالعشق وروحك هي الي تستحق، الجسم امتداد للروح وجزء منها مش كلها » 

ابتعدت تنظر لعينيه بتوهة، الآف الأسئلة تتقافز، ابتسم وابتعد تاركًا لها يخبرها «اشربي شايي هيعجبك»

دخل حجرته متنهدًا يدور فيها بغير هدى ولا راحة، عذابها له الليلة كان منفردًا ومميزاً . ألقى بجسده فوق التخت ثم سحب الوسادة فوق رأسه لاعنًا غباءها.     

*****

في اليوم التالي

لا يعرف كيف يمرر لها الأمر ولا بأي صورة، حائر متخبط بقلبٍ يرغب وروح تتمنى، يدور حولها فتتابعه مبتسمة متظاهرة بالانشغال، يقطف الريحان ويفركه بين كفيه، ثم يقطف النعناع ويتنفس رائحته، ثم يجلس جوارها في صمت…

 زفر بضيق قبل أن يتجه ناحية ورودها الحمراء وحين أمسك بها ليقطف صرخت محذرة ومنبهة له «رؤوف إياك » 

أبعد أنامله وأدار رأسه يستفسر، فوقفت قائلة «كفاية النعناع والريحان» 

رمى قوله دفعة واحدة متفاديًا اعتراضها ومتجاهلًا أفعاله «تيجي معايا البحر» 

اتسعت عيناها واقتربت تسأل بفرحة تقف على حدود السؤال «بحر؟» 

أدار رأسه لورودها قائلًا «رايح الجزيرة عند البحر تيجي معايا» 

استنكرت مُخبئة مشاعرها خلف قناع الجدية «هو أنتوا عندكم بحر هنا؟» 

أوضح لها بزفرة ملل«نيل يا غزل بس بنقول بحر» 

حررت فرحتها وقالت «موافقة جدًا يلا» 

قال براحة «جهزي نفسك يلا» 

سألته متحيرة «ألبس إيه يا رؤوف؟» 

سألها بحمحمة خجل «ينفع اختارلك؟» 

ابتسمت مُرحبة رغم خجلها «مفيش مانع» 

دخل الحجرة وفتح الخزانة، انتقى لها بنطال أسود واسع وقميص أبيض أخذتهم منه وهي تسأل بقلق «عادي ألبسهم؟» 

أومأ قائلا «أيوه أنتِ معايا، وهنروح مكان بعيد شوية» 

رفعت حاجبها علامة الشك والقلق فابتسم وتركها منتظرًا وهو ينفي بضحكة متسلية «مش هخطفك  لا» 

بعد قليل خرجت مستعدة، أمسك بكفها وتسللا للخارج في فسحة صغيرة وهروب من كل شيء.. سار بها وسط الحقول تثرثر ويسمعها، تقفز أمامه كالأطفال فيبتسم محيطًا لها بحنانه. 

وصلا لتعريشة منعزلة استأذنها يبدل ملابسه فصرخت معترضة «لا» 

استنكر بتهكم «هنزل المية بهدومي» 

جلست فوق صخرة قائلة بخجل «لا خليك جنبي ومتنزلش» 

قال باعتراض «بس أنا مش جاي أجعد أنا كنت جاي استحمى وجولت أجيبك معاي» 

تأففت بضيق وإنزعاج رافضة الفكرة، فخلع التيشرت وقفز في البحر أمامها ضاربًا بإعتراضها عرض الحائط، تناثرت المياه حولها وأغرقتها فشهقت غاضبة «أوووف منك» 

سبح أمامها مبتسمًا تاركًا لها، بعد مدة سألته وهي تتأمل المكان وروعته «رؤوف بتيجي هنا دايما؟» 

أجابها «أيوة » 

سألته بتوتر وهي تتابعه بنظراتها «جبت آيات قبل كده هنا؟» 

قبل أن يغطس قال بصدق مقدرًا مشاعرها ومتفهمًا لما تعانيه فتخلى عن تذمره بذكرها آيات وأجابها «المكان بتاعي وخاص بيا أنا وطاهر ويونس» 

خرج من المياه يقول «انزلي يا غزل» 

قالت برفض قاطع «لا طبعا أنزل معاك وهنا؟» 

ضحك بتهكم «زي جوزك يا غزل معلش» 

فكرت قليلًا وجمال المياه يغريها بعد قليل فردت ذراعيها وقفزت للمياه، ساعدها رؤوف حتى ظهرت أمامه تلتقط أنفاسها «الميه حلوة أووي» 

أجاب بابتسامة رقيقة «عارف» 

تطلعت حولها قائلة بإنبهار «والمكان تحفة ويجنن» 

اقترب يخلصها من حجابها فابتعدت معترضة، فطمأنها «متخافيش دي كلها أرضنا ومكانا، لو تحبي تجلعي الجميص مفيش مشكلة» 

ابتعدت عنه تتخلص من حجابها فقط بنفسها وهي تقول «اها لا برضو» 

سبح بعيدًا عنها متجاهلًا في برود «ماشي براحتك» 

بعد قليل أعاقها القميص فتخلصت منه وبقيت بتيشرت خفيف بنصف كم وضعته فوق صخرة قريبة وسبحت ناحيته، رمقها بعدم اهتمام وتجاهل فقالت «عايزة أجي هنا دايما» 

قال بتعالي وهو يبتعد عنها «هفكر» 

بعد قليل تصنعت الغرق مما دفعه؛ لأن يسبح ناحيتها بقلق وخوف، وضم خصرها ساحبًا لسطح المياه  وهو يناديها«غزل حصل إيه؟» 

حين تفاقم قلقه و سحبها للشاطيء شعرت بخوفه الحقيقي وفزعه، فتحت عينيها مبتسمة ومن بعدها ضحكت على هيئته، جلس جوارها منزعجًا 

قبل أن يعود للمياه بصمت عادت خلفه  مناديةً  «رؤوف» 

قبل أن تتم كلماتها تفاجئت به يحيط خصرها، يجذبها لصدره ويضمها  بشغف وتستسلم هي في رضا، حاولت الإبتعاد والحديث فهتف بغيظ «اثبتي» 

سألها وهو يضع جبهته فوق جبهتها «متختبريش غلاوتك عندي فأي حاجة ، أنا عشانك أهدّ الدنيا يا غزالي» 

همست بابتسامة رقيقة «شكرًا يا متر» 

عاتبها برقة وهو يلثم شفتيها «هو دِه مكان يتجال فيه متر برضك يا هندسة ما تفتحي مخك»  

صمتت فابتعد ناظرًا لعينيها يسأل «من يوم ما جابلتك وإنتِ صريحة يا غزالي ليه المرة دي لاه؟  ليه الي فعنيكِ مبتطلعهوش وخايفه منه؟» 

استفسرت بإرتباك وهو منها بهذا القرب «إيه الي أنت شايفه وأنا مخبياه؟» 

«بتحبيني» همسها برقة وشفتيه ترفرفان كالفراشات فوق خدها التعيس ، المتجهم وحده في ملامحها، المحظوظ الآن بحضوره الطاغي ولمساته السحرية، رفعت ذراعيها تلقائيًا وأحاطت عنقه مدللة له بعناق وألف نظرة منها مُقرّة بالعشق.. ضمها بقوة هامسًا جوار أذنها «هستنى جلبك يجيني، هستنى لسانك يجولها ألف مرة» 

ابتعدت عنه ناعتة بضحكة قصيرة «مغرور» 

سبحت بعيدًا فتحرّك ضاحكًا بصمت بعد قليل همست«رؤوف» 

همستها بلمعة عين زاهية وهي ترتشف ملامحه ببطء متلذذ، ابتسم مُجيبًا بلهفة «نعمين؟» 

ضحكت برقة وخجل قبل أن تسأله «إيه أكتر حاجة بتتمناها؟» 

سحبها للشاطئ قائلًا «تعالي نطلع من الميه كفاية» 

استقر بها فوق صخرة كبيرة جفف لها خصلاتها بمنشفة ثم أحاط كتفيها بها قائلًا في استعداد «ها قولي» 

قالت بخجل «ممكن تلبس التيشرت؟» 

سحبه في طاعة وارتداه بصمت فسألته مكررة السؤال«إيه أكترحاجة كنت بتتمناها ليك ومتحققتش» 

فكر قليلًا ثم أجابها بصدق «مش عارف يا غزل متمنتش حاجة ليا قبل كده» 

عبست قائلة بشفقة «ليه وإزاي يعني؟ هو في حد مبيتمناش» 

أجابها وهو ينظر للمياه الممتدة أمامه بتنهيدة«مش عارف يا هندسة مفيش مرة سألت نفسي ولا فكرت نفسي فإيه وإيه ناجصني ولا بتمنى إيه» 

سألته برقة وهي تركز نظراتها المتوهجة على ملامحه « دا رضا ولا قناعة ولا زهد ولا إيه؟» 

ابتسم متابعًا يحيرها «لاه مش عارف بس الي أعرفه بتمنى يونس يتجوز ويخلف وطاهر يلاجي نفسه وعمتي تنسى وجدتي يطول عمرها وأمي تفضل بصحة كويسة وأبوي يطمن علينا و…» قطع كلماته وصمت مطبق الشفتين فاقتربت بوجهها منه هامسةً بإعجاب «كلهم للغير يا متر؟» 

أجابها بصدق «الغير دول أنا وأنا هما، الغير دول متكملش حاجة فحياتي بلاهم» 

نظرت إليه بلمعة خوف وقلق فسألها بثقة واستعداد «وأنتِ يا هندسة بتتمني إيه وأحججهولك» 

نهضت متجهة للتعريشة قائلة«متمنتش  حاجة ليا غير المشتل ولما عملته رضيت وتوقفت أحلامي لغاي...» توقفت عن المتابعة فترك ما بيده ونظر إليها منتظرًا فابتسمت متهربة «وبس شكلي أشبهك أو أنت شبهي» 

وقف أمامها مضيقًا عينيه على ملامحها يستفسر «في كلام متاكل كملي» 

تركته ودخلت قائلة «مفيش بيتهيألك» 

جلست فجاورها بصمت ضامًا لها يسألها «أنتِ كنتي مخطوبة؟» 

رفعت رأسها ونظرت إليه مستفسرة بحاجبين ملتصقين «مين قالك؟  طاهر؟» 

أجابها بجدية وهو يترك نظراتها ويحيد كاتمًا غيرته  «لاه، أهو عرفت وخلاص سبتوا بعض ليه؟» 

ابتعدت عن أحضانه فأعادها إليه عنوة بتملك رافضًا هروبها، فتنهدت باستسلام وأجابته «كان هيسيبني فأي وقت فقررت أرحم قلبي من العذاب دا آخد  أنا القرار، ضغطني، مفهمنيش، حسسني بالذنب ومقدرش الي أنا فيه كنت محتاجة يحس بيا، لكن  كل الي كان هامه أعمل عملية وبس» 

ثارت أنفاسه صمت بغير رضا وضيق فرفعت رأسها ناظرة إليه تستطلع خبر قلبه من ملامحه ففاجأها بإعصار من غضب لا حدود له وهتف «فستين داهية» رمقته بنصف نظرة متفجرة الملامح بالخجل والتردد وهي تسأل «اتجوزت أنت وآيات حب ولا صالونات» 

تبدلت ملامحه، ابتسم بحنو كعادته قبل أن يسترسل متفهمًا فضولها تجاهه وخطواتها الحثيثة إليه وإزالة العوائق «صالونات، جدي اختارها وحكم وأنا نفذت» 

نظرت لملامحه الحزينة مستفسرة بشفقة «ليه؟» 

نظر أمامه قائلًا بسخرية «كان شايفها حلوة» 

رفعت رأسها إليه متسائلة «ليه هو أنت مش شايفها حلوة؟» 

أخبرها باستهجان «لاه مش حلوة» 

قطبت بغير رضا ثم واجهته «بس هي حلوة» ابتعدت عن أحضانه ووقفت، تركت التعريشة وتجولت وهو خلفها وقف جوارها ثم أجابها برزانة «مقاييس الجمال بتختلف من شخص للتاني أنتِ شيفاها حلوة وأنا لاه» 

ابتهجت رغمًا عنها، داعبت الابتسامة المبتورة ثغرها فتنهدت ثم سألته بخدين توردا بفتنة شهية «وإيه مقاييس الجمال عندك يا متر؟» 

مال متعطشًا لقربها، أزاح خصلاتها التي وقفت ساترًا بينهما وهمس بعشق «أنتِ» 

لهثت بانفعال خطير واعترافه يلثم ملامحها، مشت  بسرعة تناوره بهروب مرن «يا متر متلفش عليا» 

تنهد قبل أن يتبعها قائلًا «أحلى ما شافت العين أنتِ يا غزل» 

وقفت أمامه قائلة بحسرة «زمان كنت أصدق دلوقت لا» 

رده كان قبلة جامحة كما شعوره اللحظة، قُبلة سيطر بها على حواسها واختطفها بها،ثم ابتعد هامسًا أمام نظراتها «صدقي يا غزالي إن عيني مشيفاش بعدك جمال »

أرخت حبال صمودها وهمست « مستنيه عينك تصالحني عليا يا متر» 

مرر أنامله  فوق ملامحها كما يحب دائمًا مغازلًا قسماتها «وإن صالحتك عليها تكوني ليا؟!» 

فكرت قليلًا بخجل بهيّ ثم همست برضا «مش هبقى وقتها غير ليك»

***

فتح تسجيل الكاميرات صدفة فرأى ما لم يتوقع، نهض منتفضًا ملدوغًا بالمفاجأة القاسية، ترك كل شيء وهبط سريعًا تخطاها متجاهلًا سؤالها «رؤوف مالك؟» 

عبست واستدارت متابعة له بنظراتها في قلق، بينما دخل هو شقة آيات وأغلق خلفه، طأطأت هي رأسها بحرج قبل أن تتنهد بحسرة وتصعد للأعلى بإنكسار 

وقف هاتفًا بغضب «علاء جه هنا يا آيات؟» 

تأملت وقفته المتحفزة بإستهانة ثم أجابت ببرود ومازالت مسترخية الجسد فوق الأريكة «أيوة» 

سألها بغضب أعمى وصورة وقوفه أمام غزل تزيده قسوة وغيرة «وجيه ليه؟ وكان عايز إيه؟» 

تابعت ببرود مستهجنة غضبة «أنت عارف علاء ابن عمتي ومتربي معاي» 

تهكم قائلًا بقسوة «أنا مالي متربي معاكي ولازفت أنا بسألك جاي ليه وكيف يطلع هنا؟» 

تابعت بذات البرود المغيظ له «بيطمن علي يا رؤوف في إيه؟» 

ختمت قولها بتأفف عالي وهي تنهض متحدية له، قيد مرفقها وهزها صارخًا «في إنك مش متربية يا آيات، إنتِ عارفة إنه مينفعش يطلع هنا والي يجيلك يجابلك في المندرة، بيتي أنا ليه حرمة» 

خلّصت مرفقها وصرخت فيه بغضب أهوج «حبيبتك هي الي مش متربية» 

دفعها زاعقًا فيها «متجبيش سيرتها على لسانك» 

صاحت دون حذر أو مراعاة «ما تروحلها هي وتعمل عليها الشويتين دول ولا خايف؟» 

صفعها بقوة أسقطتها أرضًا فصرخت بحقد «ما تحاسبها هي، هي الي فتحتله ودخلته وجالتله يجيني فوج.. ولما فتحت ولجيته دخلته من الإحراج» 

صاح بغضب«غزل متعرفش عوايدنا بس أنتِ عرفاها، هي غلطت بجهل بس أنتِ كملتي يا آيات» 

نهضت قائلة «مهما عملت هي مش غلطانة عشان على هواك، بس أنا لاه» 

سخر منها بإشمئزاز «بس الشويتين دول معادوش بيخيلوا عليَّ» 

صمتت بقهر فأقسم بقسوة «قسمابالله يا آيات واد عمتك لو عتّب تاني هنا لأكسرله رجله واطلعه بجضية سرجة ولا حد من أهلك يعتب بيتي تاني عايزة تشوفيهم روحيلهم» 

شهقت بنظرات مستنكرة رافضة «يعني إيه؟» 

قال بشماتة وتحدي «الي سمعتيه  » 

تركها وصعد للأعلى للأخرى الجالسة ببؤس نفذ من نظراتها إليه، تجاهله فما بداخله أقوى «أنتِ فتحتي الباب لعلاء؟» 

نظرت إليه بإمعان ثم أجابت بهدوء «أيوة» 

سألها بغضب متأجج «ليه تفتحي؟» 

بنفس الهدوء والنظرة المشتتة أجابته «الجرس رن ففتحت قالي إنه ابن عمتها وعايز يشوفها» 

سألها المتابعة «وبعدين» 

أجابت بصدق «عادي قولتله إنها فوق» 

زعق فانتفضت  مرتعبة «مين جالك تفتحي يا بني آدمة، وفوق كل دِه وجفتي واتسايرتي معاه وخدتي واديتي» 

رمشت هامسة بذهول مما نطق به من حماقات «قصدك إيه؟» 

صاح والشرر يتطاير من عينيه «مين سمحلك تطلعيه فوق؟  طالما متفهميش في عوايدنا بتتصرفي من دماغك ليه؟  ليه مندهتيش أمي ولا عمتي؟» 

لجمتها الصدمة دقائق قبل أن تهدر فيه «طيب أنا مبفهمش وهي؟» 

سخر متهكمًا من قولها «أيوة كل الي أكلمها تجول شوف التانية» 

تجمعت الدموع بعينيها من طريقته، تراجعت خطوة مبهوتة من غضبه الشديد بينما كانت هو رأسه تغلي، معميًا بغيرته عليها، كلما تذكر الحقير الذي نهشها بنظراته احترق صبره «تاني مرة متكرريهاش لا تنزلي تحت ولا تفتحي ولا تجابلي حد من الأساس» ظهر على وجهه التعب، انقبضت ملامحه وتشنج ذراعه، تابعته بنظراتها الدامعة وقالت بحدة «تمام مش هكررها ومش هنزل» غادرت لحجرتها تحت نظراته المتألمة، تمنى إيقافها لكنه تلعثم بالوجع وثقل لسانه بالعجز، فاجأته بظهورها من جديد أمامه وبسرعة شديدة كانت تقف أمامه واضعة حبة الدواء بين شفتيه بآلية شديدة لا تمنحه نظراتها ولا عاطفتها تحجبهما بالحزن واللوم الذي لم يؤثر على مشاعرها واهتمامها به، بل انشطرت اللحظة لاثنتين واحدة تراقب وتهتم وواحدة متباعدة غاضبة ولائمة. 

لانت نظراته بالأسف الذي قابلته بنظرة ساخرة وهي تمنحه كوب الماء المجاور، وحين اطمأن قلبها عليه رحلت صافعة الباب خلفها بقوة كنذير شؤم. 

**

غضبه كان أكبر من أن يخمد بل زاده حزنها وما تركه الموقف كله بنظراتها وغضبه عليها وغيرته، رحل لمنزل والد آيات يحمل الجحيم في نظراته، مشتعلًا بكراهية لا نهاية لها، طرق الباب بعنف ووقف مزمجرًا في تحفز واضح.. فتح علاء الباب فابتسم رؤوف بظفر وعاجله بلكمة قوية أرجحت جسده وأفقدته توازنه، وقف يمسح الدم عن أنفه مستفسرًا بتشتت «في إيه؟» 

بصق رؤوف أحرفه في وجهه وهو يقبض على ياقة قميصه ويهزه بتحقير «بجا أنت تيجي وتتعدى على حرمة بيتي وترفع عينك فمرتي يا واكل ناسك» غلت الدماء في رأسه حين تذكر وقوفه أمام غزل وتأمله لها بوقاحة فلكمه مرة أخرى بغيظٍ وغضب، وقع علاء أرضًا يستوعب ما يحدث وهياج الآخر وغضبه. 

نهض علاء بسرعه، ردّ اللكمة بغيظ فالتقط رؤوف أنفاسه مزمجرًا وبعدها هجم بشراسة، بدأ بضربه حتى أفقده قوته.. 

جاء خاله راكضًا يستفسر وهو يقف بينهما «واه خبر إيه؟ إيه الي بتعمله دِه يا رؤوف؟» 

حاول تخليص علاء من قبضة رؤوف الفولاذية لكنه لم يتركها إلا بإرادته متجاهلًا استفساره «واد أختك لو رجله خطت عتبة بيتي هكسرهاله وهطلعه من عندي حرامي وأحبسه» 

لمح رؤوف بطرف عينيه هدى تهبط من على الدرج راكضة، وقفت مستفسرة بقلق «خير يا أستاذ» 

رمى رؤوف علاء الجالس يبصق الدماء من فمه بنظرة مُحتقرة قائلًا «خدي ولدك ومتجيش هِنا، خليكي فبيتك والي تعوزيه هيوصلك لغاية ما جوزك يرجع» 

هتف والدها مستنكرًا «به به هتحكم على بتي يا واد الحفناوي مش كفاية جاي بيتي تُضرب وتكسر » 

رماه رؤوف بنظرة محتقرة ساخرًا من قوله «متبهبهش بطل جنعرة كدابة، وأيوة أحكم عليها طالما أنت راجل ناجص وسايب واد أختك التلفان وسط بنتتك» 

نظرت هدى لعلاء متشفية ببهجة خاصة وانتشاء، رفع علاء لرؤوف نظرات حاقدة كارهة وملعونة بالعداء فمال فم رؤوف متهكمًا «بلاش عشان مفقعهملكش عينيك الحلوين دول يا أبو نسب» 

نهض علاء قافزًا ممتلئًا بالغل والحقد، لكمه بكل قوته فقيده رؤوف من ياقته وسحبه بإستهانة واحتقار ثم دفع رأسه ضاربًا لها في الحائط وهو يقول «ربنا يكفيك شري» ثم ترك جسده دافعًا له بعيدًا ليسقط بينهما ثم وجّه حديثه لهدى «يلا امشي لما يغور من هِنا اجعدي براحتك» بعدها رحل عائدا ً للمنزل ، فتش منفاه ولم يجدها فهبط يبحث عنها بقلق، سأل عنها حتى توصل لمكانها بحجرة عمته، دخل فوجدها منكمشة فوق الفِراش نائمة ممسكةً بهاتفها، حاول إيقاظها فرفضت عمته قائلة «مبطلتش بكا ونامت بالعافية، طاهر كلمها لغاية ما هديت فسيبها» 

مسح جسدها بنظرة حنون دافئة متقدة باللهفة واقترب قائلًا «هشيلها وأخدها» 

رفضت عمته «سيبها بايته هنا الليل خلاص» 

توقفت نظراته عليها برجاء ونداء صامت وأسف، لا يقدر على تركها والعودة دونها، يريد ضمها معتذرًا عن عصبيته ومبررًا بصدق سبب سخافته وإخبارها دون حرج بغيرته. 

نزع نظراته أخيرًا متنهدًا باستسلام ثم رحل وتركها مقررًا المبيت مثلها بعيدًا.   

***

#انتهى



6



+




الرابع والثلاثون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close