رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم رحاب ابراهيم حسن
أجابت سمر بابتسامة واسعة وهي ترتشف كوب مشروبه باستفزاز وقالت:
_ هنا بقا مش هتقدر تطردني ولا تبدلني بممرضة تانية .. أنا هنا جارتك وأنت جاري .. وبالمناسبة.. الشاي بتاعك لذيذ أوي.
أطرف أمجد عينيه ولا زالت أمارات الصدمة مرتسمة على وجهه بقوة .. ولكن هناك قلب خلف الضلوع كان ينبض بجنون .. ينبض عاطفةً مجهولة لتلك الفتاة التي تستفزه بجنون ويشتاق لها بنفس درجة الجنون!!
تسمر أمجد للحظات وعينيه تحدقان فيها كأنه سأل نفسه عشرات المرات هل هي هنا أمامه أم هذا حلم يقظة يراود رغبته الخفية برؤيتها طوال الوقت !.
ارتشفت سمر من كوب مشروبه الدافئ باستمتاع شديد ولم تختفي بوادر الأبتسامة عن محياها، ثم نظرت له نظرة كأنها تتحداه بوجودها حتى قال مرةً أخرى بدهشة وقصد إبراز بعض الحدة بصوته :
_ أنتي هنا أزاي ؟! .. هو أحنا جيران ؟!
اتسعت ابتسامة سمر وهي تتمعن النظر بعينيه ببطء وجرأة، ثم قالت :
_ جيران من فترة .. ومرضيتش أقولك كده عشان ما تتعصبش وتكره ترجع بيتك كمان .. حمد الله على سلامتك يا أمجد.
ضيق أمجد عينيه بتعجب من إزالتها للرسميات بينها وبينه حتى ضحكت سمر بعفوية وقالت :
_ هنا أنت جاري وبس .. مافيش داعي للألقاب ، وعلى فكرة أنا سكنت هنا قبلك .. يعني ما جيتش وراك زي ما هتظن.
رفع أمجد أحد حاجبيه بحدة وشك بجملتها ثم قال بوجه مقطب :
_ تقصدي أني انا اللي جيت وراكي هنا ؟!
شردت سمر للحظة بابتسامة حالمة ارتسمت على وجهها وتذكرت بعض الذكريات القريبة حينما أتى بالفعل ليسكن هنا بجوارها .. هي الآن تفعل معه ما فعله معها سابقا .. وأخرجها صوته الحاد عندما قال بعصبية :
_ مش بكلمك ؟!
تنفست سمر بعمق ثم قالت بمراوغة واستمتاع بالحديث معه :
_ معرفش .. يمكن صدفة ويمكن قصد ، وهو أنا يعني كنت دخلت في نيتك ؟!
شعر بالغيظ والغضب من اجابتها ، رغم أنه أحس أكثر بالحيرة والرغبة الشديدة ليتذكر ماضيه وما الدور التي كانت تلعبه تلك الفتاة بحياته الفائتة ...
ونظرت له وسألته باهتمام شديد :
_ اتعشيت وخدت الدوا ولا لأ .. ؟
تنفس بنرفزة ثم أشار لها محذرا :
_ لأ .. وما تسألنيش تاني وتجاهليني خالص لو سمحتي .
ابتسمت له بنظرة محبة وقالت بصدق :
_ أتجاهلك ؟! .. يبقى بتطلب مني المستحيل !
اطرف أمجد عينيه بتسائل وحيرة وهو ناظرا لها ، يريد بجنون أن يعرف ما عطبيعة علاقته لتلك الفتاة التي احيانا تتحدث وكأنهما كان حبيبان منذ سنوات ... حرك أمجد مقعده المتحرك للداخل بعصبية واضحة .. وظلت سمر لدقائق مترددة في أخذ تلك الخطوة التي تفكر فيها ... والتي كانت من المفترض تنتظر لعدة أيام حتى تنفذها .. ولكن لم تستطع وهي تعرف أنه لم يأخذ دوائه حتى الآن والذي من ضمنه أبرةً طبية .
تنفست سمر بعمق وأخذت قرارها النهائي ويحدث ما يحدث .. وعندما دخلت لشقتها من جديد نظرت للمرآة تتفقد هندامها ووجدت أن ما ترتديه ليس أفضل شيء لديها .. وبشعورها الأنثوي انتقت من ملابسها رداء بيتي طويل ومريح أثناء الحركة كانت قد ابتاعته في ملابس زفافها الجديدة ..
ذهبت سريعا لتأخذ دشا دافئ وتستفيق أكثر لتتهيأ للزيارة التي حقا لا تعرف كيف ستنتهي !!
___________________________________
وقفت جيهان خلف أحدى الستائر الحريرية بانفاس متسارعة من التوتر وهي تراقب أكرم الذي يضغط بقوة على جرس باب منزلها ثم يلاحقه طرقات بقبضته متتالية ..
ولكن ما من مُجيب !! .. تمنت أن يذهب سريعا ، لأنها ليست بمحل مواجهة الآن وجدال لن تستطيع فيه الرد على أسئلته ..
وحدث ما تمنت ويأس أكرم وذهب بسيارته من أمام منزلها بملامح وجه تظهر عصبية مكبوتة ..
بعدها تنفست جيهان الصعداء ، ثم عادت وجلست على فراشها بتنهيدة ثقيلة وبعد لحظات أجرت اتصال هاتفي على رقم وجيه ، وأجاب الآخر بالمحاولة الثانية للأتصال :
_ ايوة يا جيهان معاكي .
ترددت جيهان قبل أن تقول ذلك ، ولكنها حسمت أمرها وقالت :
_ وجيه لو سمحت.. بلغ كل اللي عندك في المستشفى أن لو حد سأل عليا يقولوا أني سافرت لخالي ضروري ..
شك وجيه بالأمر وسأل :
_ هو جالك البيت ؟
وكرهت جيهان كم هي كالكتاب المفتوح أمامه دائمًا ، ولم تجد مفر من الاعتراف وقالت :
_ ايوة ، لسه ماشي ، فضلت يخبط على الباب بس مطلعتلهوش ..
شعر وجيه بالرضا عن ما فعلته وقال :
_ كده أفضل لحد ما نعرف اللي فيها .. وصدقيني أنا لو اتأكدت أنه فعلا شاريكي هجوزهولك بنفسي.
ابتسمت جيهان بمرارة وقالت :
_ أنا اصلا كنت جيالك عشان أعزمك أنت وليلى والعيلة كلها على فرحي .. انت عارف أني ماليش غيركم ، وكمان ريميه وحشتني أوي ونفسي أشوفها ، لكن كالعادة كل ما أجي أفرح فرحتي ما تكملش.
اعترض وجيه عن نبرة اليأس بصوتها وقال :
_ مش عايزك تفكري بالشكل ده ، أنتي تستحقي كل خير ، وأنا متأكد أن في فرحة كبيرة أوي مستنياكي .. ولكن الصبر.
انسحبت دمعة من عينان جيهان وهي تقول بألم :
_ أنا بتمنى يطلع صادق فعلا يا وجيه ، أنا حبيته ، حبيته بجد ، وصدقني مش هعرف احب حد كده تاني ، كنت راضية أعيش معاه في القصر المهجور مع الولاد اللي أنقذهم من الشارع .. كنت شايفة حياتي كده في منتهى السعادة والحب والونس اللي طول عمري بتمناهم .. كنت مستعدة أسيب كل شيء عشانه .. ومش متخيلة أنه بعد ده كله يكون بيتسلى بيا وبالنسباله مجرد نزوة ..
سأل وجيه بدهشة عن شيء بحديثها لفت نظره :
_ تعيشي في القصر المهجور مع ولاد أنقذهم من الشارع !! ... أنتي واعية للي بتقوليه ؟! .. هتقدري تتحملي العيشة دي!
أجابت جيهان بصدق :
_ عيشت معاهم فترة صغيرة من عمري كانت أحلى وأجمل فترة في حياتي .. ما أنا عندي فلل وشقق مقفولة يا وجيه عملت بيهم ايه ؟! .. لكن هناك حسيت لأول مرة في حياتي أني قادرة أتنفس ، لأول مرة أحس بقلبي وأنه لسه فيه الروح .. هناك حسيت أني جميلة أوي وانسانة تستحق تتحب ، محستش لحظة بالخوف والوحدة اللي عانيت منهم سنين طويلة .. أنا هنا حاسة أن ناقصني روحي .. حاسة اني مش أنا وتايهة وقلبي مكسور.
رد وجيه بإجابة نهائية وقال :
_ أتجوزيه يا جيهان ..كلامك ده بيفكرني بنفسي مع ليلى ، عمرك ما هتقتنعي أنه كداب حتى لو جبتلك مليون دليل ، هتفضلي من جواكي شايفة ومتأكدة أنه حبك .. يبقى أتجوزيه ومافيش داعي لكتر الجدال .. وأتمنى أنه يخلف ظني.
قالت جيهان بتوتر ورجاء:
_ قولي اعمل ايه انا محتارة وخايفة !
أجابها وجيه بلطف :
_ اتصلي بيه وخلي كتب الكتاب زي ما هو الأسبوع الجاي ، واتصلي بخالك يجي وهو أول ما هيعرف هتلاقيه في اقل من ٤٨ ساعة عندك .. واكيد أنا والعيلة كلها هنكون معاكي اليوم ده .. أنا كل اللي يهمني سعادتك ..
مسحت جيهان دموعها بابتسامة وقالت :
_ أنا بشكرك اوي يا وجيه .. هفضل اتطمن بوجودك في حياتي حتى لو بنعتبر بعض زي الأخوات ..
ابتسم وجيه وقال بصدق :
_ أنا موجود في أي وقت تحتاجيني فيه .
انتهت المكالمة وجيهان تشعر بفراشات السعادة ، كأن بقوله هذا سمح لها بالحرية والعتق من القلق والشكوك والفراق .. وهنا أجرت مكالمة على هاتف أكرم ولكن هاتفه غير متاح !!
تعجبت جيهان وحاولت الأتصال مرارا ولم تفلح .. فأرسلت له رسالة على تطبيق الواتساب تخبره فيها بآخر المستجدات وأن عقد قرانهما على موعده المتفق عليه بينهما ..
وبعد مرور ساعة تقريبا وجدت جيهان أتصال من رقم أكرم ... فأجابت بتوتر وهي تنتظر تعنيفا شديد :
_ قلبت عليكي الدنيا أختفيتي فين !!
ارتبكت جيهان للحظة ثم قالت :
_ معلش يا أكرم كان في واحدة صاحبتي في مشكلة كبيرة واضطريت أفضل معاها وتليفون كان مقفول.
اغمضت عينيها بضيق من نفسها لأنها لجأت للكذب لكي بهدأ وتخرج من ذلك المأزق ... فتنفس أكرم بحدة ثم قال :
_ أنا للأسف اشتريت الشبكة على ذوقي زي ما طلبتي ، كان نفسي تنقيها بنفسك ... عموما بلاش عتاب دلوقتي ، كلها كام يوم وهتبقي معايا على طول وساعتها هعاتبك براحتي .
ابتسمت جيهان بحياء ريثما بشعورها بنغمة المكر بصوته، ثم قالت متظاهرة بالجدية :
_ أنا حضرت كل حاجة وخالي بعتله يحضر ضروري ..
ابتسم أكرم بمحبة عميقة وقال :
_ عملتي فيا معروف .. انا كنت هتجنن لما جيتلك وما لقيتكيش ..
ضحكت جيهان وقالت لتستفزه :
_ كنت موجودة وشوفتك .. بس خوفت أفتحلك ، أنا بخاف منك لما بتبقى عصبي .
دهش أكرم وتسمر للحظة .. وقال بتعجب وشك:
_ كنتي موجودة ! .. وخوفتي تفتحيلي ليه ؟ اكيد ما كنتش أخوف للدرجة ! .. على الأقل كنتي عرفيني أنك بخير !
توترت جيهان وشعرت بالندم من أخباره بهذا الامر ، فقالت باعتذار وقلق :
_ أنا أسفة مكنتش أقصد اكيد ...
لم يرغب أكرم في تضخيم الأمر فقال بتقبل أسفها :
_ حصل خير ... المهم أنك بخير .. بس حسابك بيتقل معايا .
قال ذلك وابتسم بمكر ، فهتفت جيهان بغيظ :
_شوفت ؟! ... حتى كلامك بيخوفني .!
ضحك أكرم من قلبه على ردها العفوي ... وقال برقة وحنان :
_ لو بتخافي مني يبقى انتي لسه ما تعرفنيش .. بس هتعرفيني وساعتها مش هتحسي بالأمان غير معايا ..
ارتبكت جيهان وقالت بتوتر :
_ طب .. طب هقفل دلوقتي ، وما تكلمنيش خالص ماشي ؟ .. أشوفك بقا يوم الجمعة.
ضحك وهو يسألها :
_ وما اكلمكيش ليه ؟
قالت بابتسامة قبل أن تغلق الأتصال عمدًا :
_ عشان اوحشك يا زعامة .
قفلت الهاتف وهي تضحك متخيلة رد فعله المغتاظ الآن ..
_______________________________
وقفت سمر أمام المرآة مرةً أخرى بعدما اخذت دشا دافئ وارتدت ذلك الرداء المنزلي المريح .. ونظرت لوجهها ولم يروق لها مظهرها هكذا .. فشرعت تضع بعض مساحيق التجميل دون مبالغة .. حتى ابتسمت لنفسها برضا ووضعت حجاب على رأسها ونسخة المفتاح التي ظلت بحوزتها للشقة المجاورة،وأخذت أيضا كوب المشروب التي نظفته .. وتوجهت لخارج شقتها قبل أن تتراجع ..
خرجت سمر من شقتها بهدوء وتسحبت للشقة المقابلة وفتحت بابها بمفتاحها الخاص ببطء وهدوء شديد .
بينما كان أمجد بالداخل جالسا مسترخيا على مقعده وابتسامة مرتسمة على شفتيه بعينان سارحة للبعيد .. ليتفاجأ أمجد بخطوات تقترب اليه ووجدها فجأة أمامه برداء منزلي مريح وابتسامة واسعة متوجة على محياها !!
تسمر أمجد للحظة واضيقت عينيه من المفاجأة ثم قال بذهول :
_ انتي دخلتي هنا أزاي ؟!
ابتسمت سمر وقالت بلا اكتراث وهي تضع كوب المشروب على منضدة قريبة :
_ لقيت الباب مفتوح .. كنت عايزة ارجعلك الكوباية فدخلت ببساطة .
ردد بدهشة :
_ ببساطة ؟! .. دخولك بيت واحد غريب بقا بسيط وعادي ؟! وفي وقت زي ده كمان !!
أخذت سمر نفسا عميق وجرت مقعد وجلست أمامه ثم قالت بهدوء :
_ وهقعد كمان .. هو انا يعني جاية أعمل حاجة غلط ! .
قال أمجد بحدة :
_ اكيد مش جاية ترجعيلي الكوباية !!
أجابت سمر بابتسامة واعترفت :
_ الصراحة لأ .. أنا جاية احضرلك العشا واديلك الدوا .. الصراحة ما هنتش عليا اسيبك كده !
ارتبك أمجد وابتلع ريقه بتوتر ثم قال :
_ اعتبري نفسك عملتي كده ... لو سمحتي ارجعي شقتك حالًا.
اومأت سمر رأسها بالرفض والابتسامة لا زالت على وجهها باستفزاز ، فأنفعل أمجد وقال :
_ مايصحش تفضلي مع واحد غريب في مكان ولوحدك .. الوضع ده مش مريح ! .. حتى يعني لو مكنتش قلقانة مني بسبب حالتي.
ونظر أمجد بألم لمقعده المتحرك .. فقالت سمر برقة متناهية :
_ أنا عمري ما قلقت منك حتى قبل الحادثة ... ومش هسيبك غير لما تتعشا وتاخد دواك .. وعلى فكرة انا برضه جعانة وناوية اتعشى معاك ..
ونهضت سمر من مكانها وتوجهت للمطبخ مباشرةً قبل أن يتفوه بشيء ويحاول الأعتراض... وتعجب أمجد منها ، وتعجب أكثر أنها تعرف وجهة المطبخ دون أن تسأله ! .. وكأنها ليست المرة الأولى التي تدخل فيها هنا !!
تنفس أمجد بعمق وتوتر شديد وحاول تحرير فكره من ذلك المنحنى الخطير ..
وبعد دقائق كانت سمر قد رتبت الطعام المُعد مسبقا وأتت به على صينية فضية ووضعته على المنضدة التي أمامه .. ثم جرت مقعد وجلست بالقرب منه ، فسألها بعينان قد اتسعت بدهشة وارتباك :
_ انتي هتعملي ايه ؟!
قالت سمر بابتسامة :
_ هأكلك بإيدي ..
قطب أمجد جبينه وظهر وجهه حاد ونظراته ثاقبة بتحذير وقال :
_ لأ .. هاكل لوحدي .
تركته سمر يأكل وراقبته بنظرة حنونة .. حتى توقف ونظر لها قائلًا :
_ مش قولتي جعانة ؟! ..
قالت بقبول :
_ حاضر هاكل .
وبدأت سمر تأكل على مهل وهي لم تشعر بأي شهية للطعام مطلقا .. وبعد دقائق قد أنتهى أمجد من طعامه ، فحملت سمر الصينية وادخلتها للمطبخ وأعدت مشروب طازج وبعض الأدوية المحفوظة بالثلاجة ..
وقالت بأمر :
_ أشرب العصير بتاعك الأول وبعدين هديلك الدوا ..
سألها أمجد على حين غرة والشك يملأ عيناه :
_ انتي ليه ما قولتليش في المستشفى ولا مرة أننا جيران ؟!
حملت سمر كوب المشروب ووضعته بيده ثم قالت بابتسامته :
_ كنت هتتنرفز أكتر .. وبعدين في حاجات كتير لسه ما قولتهاش.
ضيق أمجد عيناه عليها بشك وسأل :
_ حسيت بكده .. والأفضل أنك تقولي كل اللي عندك مرة واحدة ..
تلاعبت سمر بفكره وذاكرته المفقودة وقالت باستفزاز :
_ كل شيء وله آوان ، ما تستعجلش ..
استفزه ردها ووضع كوب العصير على المنضدة بعصبية وقال :
_ مش عايز العصير ده ..
أخذته سمر بهدوء وقالت وهي لا زالت تتلاعب بالحديث :
_ خلاص هعملك قهوة .. أنا عارفة أنت بتحب تشربها إيه ..
لم يعد يتفاجأ من مكر حديثها ، فأشاح وجهه لناحية أخرى بعصبية فاتسعت ابتسامتها وذهبت مرة أخرى للمطبخ .. ولحظات وكانت سمر قد أعدت فنجان من القهوة ووضعته أمامه وبجانبه كوب ماء.
فنظر لها بتعجب وقال:
_ القهوة دي هتسهرني والمفروض اني محتاج أنام وارتاح ..
تغاضت سمر عن لمحة الطرد في حديثه وقالت بابتسامة واسعة :
_ لا متخافش ، مش عادتك أنك تشرب القهوة وتسهر ، أنت الوحيد اللي بتشرب القهوة بتنيمك !! .. أنا عارفة عنك كل شيء.
وضحكت سمر بتلقائية جعلت أمجد يحدق فيها للحظات لأعجاب خفي .. ثم تظاهرية بالجدية مرة أخرى ، وقال وهو يرتشف من الفنجان القليل :
_ يمكن ..
وجلست سمر قبالته مرة أخرى حتى قال لها بصدق :
_ لو سمحتي يا سمر انا عايز ابقى لوحدي ، انتي كمان ما ينفعش تفضلي هنا معايا ونفضل كده لوحدنا .. أنتي مش خايفة على نفسك ؟ .. مش خايفة لحد يشوفك هنا ؟ . ساعتها الناس هتقول عنك ايه ؟
قالت سمر بقوة وولحظة كانت ستعترف بالحقيقة:
_ ما بعملش حاجة غلط ...
وهنا هتف بغضب وقال بأمر :
_ طالما كده مش نافع يبقى لو سمحتي ارجعي لشقتك عايز ابقى لوحدي .. وما تجيش هنا تاني غير وحد معاكي.
وجدت سمر أنه سينفعل ويغضب ، فقالت له بثبات استفزه :
_ همشي واسيبك ترتاح ، بس خد الدوا الأول.
سحب أمجد أقراص الدواء وكوب الماء وابتلع قرصا تلو الآخر بالماء النقي ، وبعدما أنتهى أشار لها نحو الباب بعصبية لتنصرف :
_ أتفضلي بقا ..
رغم فظاظته ولكنها لم تتأثر ... عادت لشقتها وظلت تجوب غرفتها ذهابا وايابا لنصف ساعة ، ثم قررت العودة اليه ...
تسحبت مثل المرة السابقة ودخلت شقته ، ولكن عندما خطت ببطء شديد لغرفة نومه وجدته قد تمدد على فراشه وغارقا بالنوم ... ابتسمت عندما تذكرت أمر القهوة ... ولكنها تذكرت أيضا أن هناك إبرةً طبية لابد أن يحقن بها خلال ثلاث ساعات من الآن مثلما كانت تفعل بالمشفى .
وحسمت امرها عندما جلست على مقعد بجانب فراشه تحت إضاءة الغرفة الخافتة جدًا ... وتم ضبط المنبه الخاص به على الساعة التي ستوقظه فيها لأخذ الدواء.
وظلت عيناها عليه بشرود حتى لاحظت تمتمة المعتادة وارتجافته أثناء غفوته .. نهضت سمر سريعا ودثرته جيدًا بالغطاء ثم جلست بجانبه ورتلت آيات الذكر الحكيم بصوت خافت جدًا ويدها على رأسه .. ولم تشعر عندما استسلمت للنوم وتمددت بجانبه تلقائيًا ..
وبعد مرور ثلاث ساعات ..
ارتفع صوت المنبه المزعج جدًا ليوقظه أولًا .. وعندما فتح عيناه ببطء تثاءب بكسل، ولحظة وكانت اتسعت عيناه بذهول حينما انتبه للنائمة بجانبه بارياحية وشعرها الأسود الغجري مفرودا حول وجهها بجاذبية نارية ورأسها على صدره بذلك القرب المخيف.. !!!