رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثلاثون 30 بقلم رحاب ابراهيم حسن
أستفزه ردها وقال بعصبية خارج النطاق :
_ ما حتى لو كان في .. اكيد خلاص صرفتي نظر ، كل تصرفاتك وتلميحاتك بتقول ان كان في بينا حاجة .. واقصد بالحاجة هنا وجود حب ومشاعر بينا .. بس اكيد صرفتي نظر بعد اللي حصلي ، واستغليتي نسياني لكل شيء عشان ما احسسكيش بالذنب .. بس الغريب أنك لسه متمسكة تفضلي هنا جانبي رغم أني طلبت تغييرك.
وذهلت من جراءته وقوله هذا ، وهنا نهضت سمر وقالت شيء جمده وصدمه وجعل قلبه يكاد أن يتوقف من سرعة الخفق:
_ أنا .... أنا هستقيل من شغلي هنا .. وأظن القرار ده ممكن يهدي أعصابك شوية يا دكتور ..
تسمر أمجد للحظات ناظرًا لها بحدة، كأنه يحاول استعاب ما قالته، وعندما نطق أخيرًا قال بدهشة :
_ هتستقيلي !!
ابتلعت سمر ريقها بمرارة وقالت بإحباط واضح بشدة هذه المرة :
_ وجودي بينرفزك سواء عملت حاجة غلط أو لأ ... وصدقني أنا حريصة جدًا أنك تكون هادي بالذات في الفترة دي .. فلو وجودي بيستفزك كده فالأحسن أني أمشي خالص من هنا .. خصوصا أني لاحظت أنك بتتعامل عادي مع غيري .
وببساطة خرجت سمر من الغرفة وتركته على فراشه الطبي ورأسه ملفوف بالشاش الأبيض زائغ العينان شارد الذهن، و مشتت التركيز كليًا .. ولحظة شعر برعونة تصرفاته مع تلك الفتاة التي وأن كانت تستفزه ببعض الوقت ولكنها لا تستحق كل هذا التعنيف منه دون سبب واضح !
وشعر بغصة مريرة عالقة بحلقة وكآبة مخيفة تحاوطه واصبحت نظرات عينيه كالبريء الذي زج خلف القضبان ..
_______________________________
مسحت سمر عينيها من الدموع وكانت تستعد لتبديل ملابسها قبل أن ترحل، حيث انتبهت لصوت وجيه وهو يناديها لتقف للحظة .. وقفت سمر ومسحت عينيها الحمراوان مرةً أخرى وعندما وقف أمامها وجيه تسائل بتعجب :
_ كنت متخيل أنك هتفرحي برجوعك ممرضة لأمجد ، ايه سبب الدموع دي ؟!
نظرت سمر بيأس لوجيه وقالت :
_ من ساعة ما بدأ يفوق وحس باللي حواليه بعد العملية وهو مش طايق وجودي جانبه من غير سبب .. وده اكتر سبب خلاني مؤقتا اخبي عليه اني مراته .. رغم أني مش فاهمة هو بيتنرفز كل ما يشوفني أنا بالذات ليه ؟!
يا دكتور وجيه أنا قررت أمشي .. أو يعني ده اللي قولتهوله ، هستناه لما يرجع شقته وساعتها هكمل خطة العلاج بطريقتي .. لكن وجودي هنا مش بيعمل شيء غير انه بيخليه يتعصب طول الوقت وده مش في صالحه خالص الفترة دي .. مش القرار ده الصح ؟
تنهد وجيه للحظة ثم أجاب بصدق :
_ طالما أنتي وهو مرتاحين يبقى تمام .. هو كده كده بالكتير قدامه أسبوعين ويتكتبله خروج ..
قبلت سمر ما سمعته ووقتذاك أضاف وجيه وقال بلطف :
_ بس عايز الفت نظرك لحاجة يا سمر ، عصبيته دي كل ما يشوفك أنتي بالذات المفروض تفرحك .. ده معناه أن ذهنه لسه واعي لبعض الذكريات وبينفعل كل ما بيشوفك ... وده معناه كويس جدًا.
تفائلت سمر وابتسمت بعيناها الحمراوان وقالت بلهفة :
_ بجد يا دكتور ! .. ربنا يطمن قلبك يارب.
ابتسم لها وجيه وقال بتأكيد :
_ متيأسيش أبدًا .. وأنا موافق على قرارك بالبعد المؤقت ، وشايف أن وجودك معاه برا جو المستشفى هيبقى أفضل واهدى .. ولو أحتجتي أي شيء رقمي معاكي وأرقام البيت كمان معاكي ، ده رقم أبويا كمان معاكي يا سمر
وضحك وجيه على كلمته الأخيرة ، وشاركته في ذلك سمر وقالت بمحبة :
_ جدو رشدي .. والله وحشني أوي ، السلام أمانة يا دكتور.
رد وجيه بلطف :
_ يوصل أن شاء الله ..
وأهداها ابتسامة لطيفة ثم انصرف من أمامها، وكانت كلماته أمنا وسلاما على قلبها المتأجج بلهيب الالم والخوف من الآت، وهنا دخلت سمر للغرفة تبدل ملابسها وقد نبت الأمل بقلبها من جديد بعدما أجتث من جذوره، وبعدها ذهبت لشقتها في انتظار شديد لعودة أمجد لشقته المجاورة لشقتها بالأيام القليلة المقبلة.
____________________________________
استعدت جيهان للعودة لمنزلها بالقاهرة وبداخل قلبها تحلق الفراشات ، بينما ولاول مرة ترى أكرم مبتسما طيلة الطريق ويأخذها من حديث لآخر بسلاسة .. بينما اكتشفت أيضا لباقته في التحدث عن بعض الأمور وقدرته المميزة في إدارة الحديث بلياقة ويسر ملحوظ.
وحينما وقف أكرم بسيارته بعد ساعات طويلة في السير أمام منزلها نظر لها مبتسما ابتسامة ساحرة وقال :
_ هسيبك يومين تكوني عزمتي كل اللي تحبيه .. بس هنتقابل بكرا في شيء ضروري .
تعجبت جيهان وابتسمت بحياء ثم سألته :
_ ايه الشيء الضروري ده ؟
نظر بعينيها أكرم بعمق ثم اجاب بنظرة عاشقة :
_ هتختاري شبكتك يا جيهان ..
التمعت عينان جيهان بدمعة سعيدة وقالت بارتباك وهي تجاهد لتخفي تلك الدمعة :
_ هنتقابل أمتى بكرا ؟
أجابها بتلك النظرة الساحرة التي تسلب قلبها :
_على الساعة ٧ .. تكوني جهزتي نفسك عشان هنقضي السهرة مع بعض بعد ما نجيب الشبكة ..
شعرت جيهان أنها يجب أن تخرج من السيارة ولكن الحقيقة أنها أرادت اطالة الحديث أكثر من ذلك ، ولكن يجب الا تفعل فحرجت من السيارة وودعته مؤقتا بأرق ابتسامة لديها ، ومن ثم دخلت منزلها مباشرةً.
___________________________________
بعدما قضيا زايد وفرحة اليوم مع شقيقها حسام ... قد عاد الأثنان أخيرًا لمنزل العائلة الكئيب المحفوف بالكراهية.
وبينما وهما يتوجهان للداخل حتى تفاجأ زايد بعودة والده للمنزل ، فقال بدهشة :
_ حمد الله على سلامتك ، بس الدكتور مقاليش أنك هتخرج النهاردة !
رد ممدوح وقال بابتسامة ووجه مرهق من المرض وهو جالسا على أحد الآرائك بالصالون :
_ أنا اللي صممت أخرج النهاردة .. أنت عارف أني مابحبش المستشفيات وبتخنق من وجودي فيها .. والحمد لله بقيت أحسن.
تنهد زايد بأرتياح وقال بصدق :
_ حمد الله على سلامتك.
لاحظت فرحة أن علاقة زايد بوالده عادت لفتورها مرة أخرى، ريثما بوجود تلك الحية نوران والتي تجلس بجوار زوجها ناظرة لزايد بحقد ظاهر للعيان .. حتى قالت :
_ انا عملة حفلة كده صغيرة بمناسبة خروجك بالسلامة يا روحي ، عزمت بس المقربين مننا .. كلها ساعة بالكتير وكل شيء يكون جاهز والمعازيم هيكونوا كمان وصلوا.
نظر لها ممدوح بتعجب ودهشة :
_ عملتيها امتى دي ؟! .. ده أنا لسه خارج من ساعتين !
ضحكت نوران بفظاظة وقالت :
_ وهما الساعتين دول شوية ! .. ده انا في ربع ساعة كنت بعت مسدج لكل حبايبنا وعزمتهم .. واتصلت بالحلواني اللي بنتعامل معاه يبعتلنا المطلوب .. وامرت الخدم بتجهيز العشا للعدد اللي هيجي ، الحكاية مش محتاجة يعني وقت ومجهود للدرجة.
وكان رد ممدوح غير مكترثا حيث قال :
_ زي ما تحبي ، بس أنا هسلم عليهم واطلع اوضتي ارتاح ...
نظرت نوران لزايد بنظرة قوية لم تفهمها فرحة وقالت :
_ براحتك يا حبيبي .. المهم نحتفل بخروجك بالسلامة ، وبالمرة نعرف كل المعازيم على الفرد الجديد اللي دخل عيلتنا .. فرحة مرات زايد ، الحفلة اللي فاتت مكنتش كفاية.
رفعت فرحة احد حاجبيها تعجبا وأستنكارا لما تسمعه ، ثم ابتسمت بسخرية وقالت :
_ كلك واجب يا مرات حمايا ..
وهنا احتدت نظرة نوران لقصد فرحة بتذكيرها بمكانتها الهامشية بهذا المنزل وبعمرها ايضا .. فقالت بعصبية :
_ مش عارفة تبقي واحدة مننا أنتي حرة .. بس أسلوب الحارة بتاعك ده يتحسن عن كده يا حبيبتي .. ايه يا مرات حمايا دي !
ضحك ممدوح بقوة وقال لفرحة :
_ ضحكتيني يا فرحة ، ربنا يسعدك يابنتي .
وهنا أتى هيثم وجلس بجانب والدته .. وقصدت نوران تدليله أمام زايد وقالت وهي تربت على كتف ولدها بحنان مبالغ فيه :
_ ارتاح شوية يا قلب ماما .. من شغل لشغل يا عيوني ! ..
لم يروق لممدوح ما تفعله نوران وقال بنفور :
_ ماهو دلعك الماسخ ده اللي وصله للي هو فيه .. خليه ينشف شوية.
قالت نوران بحدة واستفزاز :
_ أبني وهدلعه ،وربنا يطول في عمري ويخليني ليه وأفضل أدلعه .. أومال أحرمه من حناني وأنا عايشة على وش الدنيا ويبقى محروم زي الأيتام ويطلع معقد ومريض نفسي ويقرفنا في عيشتنا! ..
فهم زايد ما ترمي اليه نوران خصيصا بعد النظرة النارية الذي صوبها لها ممدوح بعدما قالته ، وانتبه زايد أيضا لفرحة التي تمتمت بخفوت وهي تلعن وتسب نوران بألفاظ شديدة، ورغما ابتسم للحظة ثم تهكم وجهه مرة أخرى وقال لوالده :
_ أنا طالع أوضتي ..
وأخذ فرحة معه وصعد لغرفته. .
وبجناحهما الخاص بالقصر .
دخل زايد مقطب الجبين وبعينيه أسى وحزن عميق .. وفهمت فرحة أن تلك اللعينة نوران قد نجحت في إيذائه نفسيًا ، فقالت بغيظ :
_ أما الولية اللي شبه الكاتل دي يا ما نفسي أجيبها من شعرها ..
وعلى غير العادة لم يبد ظايد أي رد فعل .. بل ظل صامتا بوجوم وتوجه للفراش وتمدد على ظهره بهدوء وعيناه سابحة بالتيهة للأعلى .. زفرت فرحة وامتلأت كراهية لتلك اللعينة ، ثم ذهبت وتمددت بجانبه وظلت ناظرة له بهدوء ولم تتفوه بحرف .. وبلحظات قليلة كان زايد زضع رأسه بقرب قلبها وحاوطها بذراعيه كالطفل الصغير الذي يستجير بأحضان امه وعيناه لا زالت غارقة بالألم .. ربتت فرحة على رأسه بلطف شديد والتزمت الصمت حينما وجدت أن لا فائدة من الحديث ولا طائل ..
وظلت فرحة هكذا حتى مر أكثر من ساعة وزايد لا زال غارقا في الصمت والألم ورافضا أي حديث .. فقالت بصوت خافت :
_ مش هتحضر الحفلة ؟
رد زايد ببطء وقال :
_ مش عايز أشوفها لا هي ولا أبنها ..
تنفست فرحة بعمق وقالت بعدما اعتدلت وجلست وجعلت يجلس هو الآخر مواجها لها وقالت بتحدِ :
_ لو اديتلها الفرصة دي مش هتحلك وكل شوية هتفضل تسمم بدنك بكلمتين .. ده أنت تلبس وتتشيك على سنجة عشرة وتنزل وتفقع مرارتها الحرباية دي .. وأنا كمان هلبس وانزل معاك وهعمل معاها الجلاشة على الرايق كده .
ابتسم لها ثم عاد لتكشيرته مرة أخرى ، فرفعت فرحة وجهها لينظر لها فدافع عن نفسه بعذاب :
_ أنا مش معقد يا فرحة ولا مريض نفسي ... أنا يمكن اتحرمت من أمي بس مش معقد .
نظرت اليه فرحة ولعيناه المتألمة وأخذت بضمة شديدة الدفء وقالت :
_ دي حقودة وبغل .. وبعدين يا سيدي أنا بحبك وراضية بيك وشيفاك أجدع راجل في الكوكب حتى لو كنت مستر اكس .. أخطر رجل في العالم ..
وهنا ضحك زايد من قلبه لتغيرها دفة الحديث بهذا الشكل ، ثم نظر لها بمحبة شديدة وقال بحماس وكأنه تبدل :
_ عايزك تبقي أشيك واحدة في الحفلة النهاردة .. عشان هاخدك ونكمل السهرة برا ..
سألته فرحة بحماس :
_ حصل وهيحصل .. اديني نص ساعة.
ونهصت فرحة وركضت من أمامه بجميع الاتجاهات تجمع أغراضها وتختار الرداء المناسب .. كانت تركض بالفعل وراقبها بابتسامة ونظرة غارقة بالعشق .
_________________________________
وبداخل مكتب وجيه بالمشفى ..
دخلت جيهان للمكتب بكامل أناقتها وبوجه مشرق من السعادة، وحينما انتبه لها وجيه ظل صامتا للحظات ثم قال بهدوء :
_ كويس انك وصلتي .. ممكن بقا أفهم سبب زيارتك للقصر المهجور تاني رغم اللي حصل ؟! .. مكالمتك ليا مافهمتش منها حاجة ، بس احساسي بالمسؤولية مخليني عايز أعرف في ايه بينك وبين اكرم حجازي يا جيهان ؟
جلست جيهان أمامه واجابت بابتسامة راضية :
_ هتجوزه يا وجيه .. وكتب كتابنا الأسبوع الجاي.
دهش وجيه وقال :
_ تاني يا جيهان ؟! .. قرارات مش مسؤولة ومتهورة تاني ! ...طب الأول كانت خطوبات وتقدري تخلصي منها بسهولة ومن غير خساير ، لكن انتي فاهمة يعني ايه جواز من شخص زي ده ؟! .. أنا مش موافقك على القرار ده !.
تفهمت جيهان حديثه النابع عن شهامة وحس المسؤولية التي عهدتها فيه دائما لجميع من حوله .. وأوضحت قائلة :
_ أنا فاهمة أنك خايف عليا وقلقان ليكون أكرم زي اللي اتخطبتلهم قبل كده وكانوا طمعانين فيا .. لكن اكرم مش كده صدقني ، أكرم مش محتاج يطمع فيا أو في أي حد .. أكرم حبني وأنا حبيته .. حصل سوء فهم ما بينا الفترة اللي فاتت بس الحمد لله كل حاجة وضحت ليا .. وده إجابة سؤالك... عن علاقتي بيه.
صمت وجيه لبرهة ثم قال :
_ على فكرة أنا هكون مبسوط جدا يوم ما تستقري مع انسان بيحبك بجد وأنتي بتحبيه .. لاني دايما حاسس بالذنب من ناحيتك وحاسس كمان بمسؤولية ، لكن أنا مش شايف أن اكرم حجازي بكل تفاصيل حياته المريبة والغامضة دي مناسب ليكي .. وواجبي أني أقولك أن اختيارك ليه للأسف غلط .. وهتدخلي متاهة يا عالم هتعرفي تخرجي منها ولا لأ .
سألته جيهان بشك :
_ وجيه .. أنت تعرف حاجة عن أكرم ؟
أجاب وجيه بوضوح :
_ اللي عرفته عنه كان من المحامي .. شيء عرفته بالصدفة ، مكنتش شايف أنه مهم لدرجة أني أقولهولك .. لكن لازم أقوله دلوقتي ، أكرم حجازي ليه نزوات كتير أوي ومنهم ست كانت متجوزة واتطلقت مخصوص عشانه وبسببه ، وده المحامي اللي قالهولي وأكدلي المعلومة دي لما عرف انك كنتي قاعدة في قصره .. وخاف الصحافة تشهر بيكي من ضمن نزواته المشبوهة دي .. وده اللي خلاني روحتله لحد عنده وهددته عشان يبعد عنك .. واللي للأسف برضه الصحافة قالت ده حتى لو بشكل غير مباشر .. أنا اسف يا جيهان لكن ده اللي قالهولي المحامي.
تسمرت جيهان وتجمدت للحظات ، ثم قالت :
_ مش يمكن المحامي فاهم غلط او الخبر ده اشاعة ! ..
رد وجيه بعقلانية وقال :
_ يمكن فعلًا يكون إشاعة ... بس اللي أنا متأكد منه أنه مش مناسب ليكي انتي بالذات .. أنا نصحتك ، ولكن القرار الأول والأخير ليكي طبعا .
قالت جيهان بعذاب وحيرة هائلة :
_ أنا بحبه يا وجيه .. بحبه بجد مش مجرد خوف من فكرة الوحدة زي ما كنت بفكر .. قولي اعمل ايه ؟
تنهد وجيه بلحظات صمت طويلة ثم قال بلطف :
_ طب ممكن تأجلي كتب الكتاب شوية .. خليه بدل اسبوع يبقى حتى بعد أسبوعين .. هعرف كل حاجة عنه بالتفاصيل وصحة الإشاعة وهرد عليكي ..
شعرت جيهان بالأختناق وهي تخبره :
_ أكرم مصمم أن الجواز يبقى بعد أسبوع بالكتير .. مش عارفة ممكن يوافق على الاقتراح ده ولا لأ ؟!.
رد عليها وجيه قائلا :
_ الأختيار ليكي يا جيهان .. أنا عملت اللي واجب عليا معاكي ، عشان محسش أني قصرت من ناحيتك في شيء أو خبيت عليكي شيء وارد جدًا يطلع حقيقة ومش إشاعة ولا حاجة ..
قررت جيهان ببعض القلق وقالت :
_ أنا هتصل بيه وأقوله أننا نأجل .. وهتحجج أن خالي مش هيعرف يحضر كتب الكتاب غير بعد أسبوعين .. وأظن مش هيعترض.
لفت انتباهاا وجيه وقال مؤكدًا :
_ أوعي تشكي للحظة أني مش عايزك تفرحي ، بالعكس .. بس أنتي اتعذبتي بما في الكفاية يا جيهان ، وأظن مافيش أي داعي لتجربة تانية غلط مش هتقدري تتحملي نتايجها ..
اومأت جيهان رأسها بموافقة على حديقه، بينما عقلها قد تشتت والشك والقلق ملأ عقلها من جديد .. وحذرها وجيه قائلًا :
_ ولحد ما أعرف عنه كل شيء لو سمحتي بلاش تظهري معاه في أي مكان ، الصحافة المرة اللي فاتت لمحت .. المرادي هتنضمي بشكل مباشر لقائمة نزواته وعلني .. وأنا ما أحبش أنك تتحطي في الوضع ده !
تذكرت جيهان موعد الغد وكيف ستتراجع وتلغي المقابلة ، ابتلعت ريقها بارتباك واسئذنت من وجيه وانصرفت .
وخرجت جيهان من المشفى وعلى وجهها معالم الشرود والتيهة .... وعندما جلست بسيارتها ظلت شاردة للبعيد للحظات طويلة ثم فتحت هاتفها المحمول وأرسلت رسالة نصية سريعة تعوض مكالمة طويلة من النقاش وكتبت :
_ مضطرة ااجل كتب الكتاب يا أكرم لحد ما خالي يوصل من السفر بعد أسبوعين بالضبط .. وبكرة أنا أسفة مش هينفع أقابلك خالص ، ويوم كتب الكتاب هفهمك كل حاجة .. وبالنسبة للشبكة أنا عايزاها مفاجأة على ذوقك.
انتهت من كتابة تلك الرسالة السذاجة وترددت في إرسالها، والذي حتما سيتصل مرارا بعدها .. ولكنها ضغطت زر الأرسال ثم اغلقت هاتفها تماماًا .. وقالت لنفسها :
_ وجيه عنده حق يا جيهان .. انتي بنفسك عارفة نبذة بسيطة عن علاقاته مع الستات واللي أبرزهم أكيد راندا .. بس اكيد كان في قبلها كتير ، واكيد مش مجرد علاقات عابرة وبسيطة .. والأكتر تأكيد من ده كله أن أكرم ممكن يرجع لحياته وشغله في يوم من الأيام ، وساعتها هيرجع لكل شيء غلط كان بيعمله زمان .. هو مقاليش خالص أنه هيعتزل شغله .. وده معناه أنه عارف انه هيرجع في أي وقت .. وساعتها فعلّا هكون دخلت دوامة مش هعرف أخرج من توهتها بسهولة ... وجيه عنده حق ولازم اسمع كلامه واركن قلبي مؤقتا وافكر بعقلي .
حسمت جيهان أمرها وحركت سيارتها متوجهة للمنزل ...
________________________________
وقبل أن يخرج وجيه من مكتبه أتت اليه الممرضة منى وأخبرته قائلة :
_ يا دكتور .. دكتور أمجد مصمم يمشي من المستشفى وحالته النفسية صعبة أوي .. ارجوك تعالى شوفه بنفسك.
لم يتفاجأ وجيه بل ذهب مع منى لغرفة أمجد الطبية حيث وجده يصب جام غضبه على أحدى الممرضات .. وحينما دخل وجيه قال له أمجد برجاء :
_ ارجوك يا دكتور رجعني لبيتي .. أنا لو فاكر عنواني كنت مشيت من نفسي .. انا مخنوق ومش طايق أفضل هنا أكتر من كده .
نظر له وجيه جليًا ثم قال بقرار نهائي :
_ هتخرج بكرا الصبح يا أمجد أهدى .. هبعت حد للبيت عندك عشان يرتب المكان لأستقبالك لأنك هتكون محتاج رعاية خاصة بديلة للمستشفى ..
وبدأ يهدأ امجد بالفعل ... وأشار وجيه لمنى وقال حينما خرج من غرفة أمجد :
_ أتصلي بسمر وقوليلها أن أمجد هيرجع شقته .. لازم تقوليلها ضروري .
وافقت منى وقالت :
_ حاضر يا دكتور ، أنا هخلص نبطشيتي بعد شوية ،وانا راجعة البيت هعدي عليها وأقولها وبالمرة أطمن عليها .
وافق وجيه ثم ذهب نحو القسم الأداري ليخبرهم بإعداد ملف خروج أمجد من المشفى ..
_____________________________
ظلت سمر بشقتها تبك لفترات طويلة .. باتت لا تعرف ولا تتوقع أي شيء .. وفجأة انتبهت لجرس الباب ، فشعرت بالقلق لأن ما من أحد يزورها فمن الطارق إذن؟!
نظرت من العين السحرية ووجدت زميلتها منى من تنتظر بالخارج ، ففتحت سمر الباب سريعا ورحبت بمنى .. حتى قالت الأخيرة بعجالة :
_ معلش مش هينفع أدخل يا سمر عمالين يتصلوا بيا في البيت ومستعجلة .. بصي الدكتور وجيه كتب خروج لدكتور أمجد بكرا الصبح لما لقاه منهار وحالته النفسية وحشة أوي .. يعني على الساعة ١١ صباحا بالكتير هيكون هنا ..
ذهلت سمر وقالت :
_ بكرا ؟! .. مكنتش مستعدة للخبر ده خالص دلوقتي ..
قالت منى بتوضيح :
_ دكتور أمجد بهدل الدنيا بعد ما مشيتي وصمم يمشي هو كمان .. أنا مش عارفة انتي ناوية على ايه ، بس هتصل بيكي بكرا بأذن الله واعرف عملتي ايه ، باي بقا عشان متأخرة .
ودعتها سمر بتيهة وعدم تركيز وهي تغلق باب شقتها .. ودقات قلبها المتسارعة بجنون كادت أن تسمع صوتها ... فقالت نفسها بتوتر وقلق :
_ لازم أهدى واستعد للي جاي .. كده كده الخطوة دي كانت قريبة .. بس كل اللي خايفة منه رد فعله لما يعرف أننا جيران كمان في السكن !!
________________________________
استعدت فرحة وارتدت أفضل رداء بخزانتها ، وحينما انتهى زايد من ارتداء ملابسه أتى لعندها واطلق صفيرا عاليا معجبا بشدة بمظهرها .. ولكنها أيضا اطلقت صفيرا وقالت وهي تنظر له بتمعن :
_ خلاثي على القمر ... قموري.
ضحك زايد بعفوية حتى اقتربت له فرحة بنظرة خبيثة وهمست :
_ بقولك ايه يا بطل .. ما تسيبك من الحفلة العرة بتاعة مرات أبوك دي وتيجي نسهر لوحدينا برا .. أكاد أجزم أننا هننبسط أكتر.
غمز زايد لها بمكر وقال بابتسامة :
_ موافق جدًا ..
ضحكت فرحة وقالت له بتسلية :
_ تعالى ننزل قدامها ونسلم على الناس وبعدين نسيبهم ونمشي ..
ضحك زايد على طريقتها المضحكة وهي تتوعد لزوجة أبيه اللعينة .. وفي خلال دقائق من ظهورهما بالحفل كان زايد سرقها من الحضور وغادرا الحفل لحفل خاص ينتظرهما ....
_________________________________
وباليوم التالي ...
ظلت سمر طوال الليل تتقلب في فراشها وهي تفكر بالغد القريب .. وحينما أتت الساعة التاسعة صباحا لم تشعر كيف تاهت بغفزة لم تستيقظ منها حتى الساعة الرابعة عصرًا !!!نهضت من الفراش بحالة ذهول وهي تتذكر أن زايد هنا منذ الساعة الحادية عشر صباحاً..
انتفضت من الفراش وظلت تجيء ذهابا وايابا دون هدف حتى تذكرت أنها لابد أن تغسل وجهها قبل أي شيء لتستفيق ..
ولكنها عوضا عن ذلك أخذت دشا سريع دافء لتهدى أعصابها المتوترة قبل أي مواجهة ..
وحينما انتهت فرحة وبدلت ملابسها فكرت بحيرة وقالت محدثة نفسها :
_ هو أنا خايفة كده ليه ؟! .. ما هو أنا اصلا في كل الأحوال مكنش هينفع أواجهه دلوقتي ! ..
نظرت نحو الشرفة بتردد وحيرة ، وقررت أن تخطو لها وتراقب وجوده ، ريثما كان يجلس بالشرفة الآن .. ولكنها حينما استطلعت الأمر وجدت الشرفة الأخرى لا زالت مغلقة !!.
والرسائل الوارده من منى لتعرف آخر التطورات تخبرها أن أمجد هنا بالفعل ... وهنا شهقت سمر وتذكرت شيء :
_ هدومي !! .. ده نص هدومي عنده في الدولاب ما شيلتهمش !! .. أزاي نسيت حاجة زي دي !!
شعرت بالضيق الشديد من نفسها ، ولكنها عادت قائلة بسخط :
_ وايه يعني ، يعني هو هيعرف منين انها هدومي أنا بالذات !! .. عادي عادي .. أهدي يا سمر .. أهدي.
وحاولت سمر تهدأ نفسها بنفسها .. ومنعت نفسها بصعوبة من أن تدق باب شقته وتطمئن عليه ، سيبدو الأمر سخيفا أن فعلت ذلك ..
تنهدت بعمق وظلت تراقب الشرفة في انتظار شروق ظهوره وغروب اليأس ...
______________________________
ظل أمجد ناظر أمامه بشرود وهو جالسا على ذلك المقعد المتحرك والخادم العجوز الذي أرسله الدكتور وجيه معه يأت من حين لآخر ليطمئن أن الأمور على ما يرام .
ومرت الساعات وأمجد ينظر لشقته بشعور المغترب الخائف من شيء لا يدركه ..
لا تبدو تلك الحوائط والزوايا والأثاث مألوفة لديه تمامًا .. لا يبدو أي شيء بهذا المكان قريبًا منه .. وأتى الخادم وفتح النافذة مستنتجا أنه يريد ذلك من نظرته للشرفة .. وبعد لحظات أتى ذاك الخادم ووضع كوب المشروب على منضدة دائرية.
اقترب أمجد بمقعده المتحرك نحو الشرفة مكتئبًا وبداخله شعور قاتل بالوحدة والكآبة.. حتى انتبه لوجود كوب المشروب الدافئ على منضدة بالشرفة قد أعده الخادم العجوز قبل رحيله بدقائق .. تنهد بثقل شديد على صدره وأخذ كوب المشروب واقترب اكثر لسور الشرفة الذي خلفه يظهر شارع مكتظ بالسيارات المارة..
ارتشف من المشروب القليل، ثم وضع الكوب على سور الشرفة الرخامي وشرد بعض الشيء .. وبتلك اللحظة امتدت يد أنثوية ناعمة من خلف الحاجز الخشبي المزين بورق شجر صناعي أخضر كثيف و الذي يفصل الشرفة الخاصة بالشقة المجاورة عنه .. واستطاعت تلك اليد الانثوية أخذ الكوب الدافئ..
انكمش حاجبيه بدهشة وتعجب .. حتى ظهرت صاحبة اليد وهي تبتسم بمشاكسة مثل عادتها وقالت له:
_ حمد الله على سلامتك يا دكتور أمجد
اتسعت عينان أمجد بصدمة، وللحظة لم يصدق أنها خرجت من تفكيره واصبحت روح حية أمامه وردد بذهول:
_ سمر..!!
أجابت سمر بابتسامة واسعة وهي ترتشف كوب مشروبه باستفزاز وقالت:
_ هنا بقا مش هتقدر تطردني ولا تبدلني بممرضة تانية .. أنا هنا جارتك وأنت جاري .. وبالمناسبة.. الشاي بتاعك لذيذ أوي.
أطرف امجد عينيه ولا زالت أمارات الصدمة مرتسمة على وجهه بقوة .. ولكن هناك قلب خلف الضلوع كان ينبض بجنون .. ينبض عاطفةً مجهولة لتلك الفتاة التي تستفزه بجنون ويشتاق لها بنفس درجة الجنون!!