اخر الروايات

رواية ظلال الشك الفصل الثاني 2 بقلم مصطفي عبدالحميد

رواية ظلال الشك الفصل الثاني 2 بقلم مصطفي عبدالحميد 


بداية التحقيق
قرب منتصف الليل من يوم الجمعة 16 ديسمبر 1999، مكتب رئيس النيابة أكرم عبد الله في مقر النيابة العامة.
المكتب واسع ومهيب بأثاثه الخشبي الداكن وطاولة الاجتماعات الكبيرة.
تتصاعد أعمدة رفيعة من الدخان من سيجارة موضوعة في منفضة على المكتب.
رائحة القهوة والتبغ تملأ الجو، مما يضيف إحساسًا بالضغط والتركيز.
يجلس أكرم عبد الله، رئيس النيابة، وهو رجل في أواسط الأربعينات يتسم بالهدوء والنظرة المعمقة للأمور.
على يمينه مساعده وكيل النيابة أحمد سليمان، شاب طموح يحمل مزيجًا من الذكاء والحدة في أفكاره.
أما رئيس المباحث محمد عوض، فقد جلس على المقعد المقابل لهما يلتقط أنفاسه، فقد كان عائدًا لتوه من المستشفى.
كان محمد ضابطًا ذا خبرة لا يستهان بها في القضايا الجنائية، ودائمًا ما يحمل نظرة متشككة للأمور.
أكرم (يطفئ سيجارته ببطء):
تفضل يا محمد، أخبرنا بما لديك.
ينظر محمد إلى ملف مفتوح أمامه، يسحب ورقة مكتوبة بخط يده ويبدأ سرد تقريره الأولي.
محمد:
عدت للتو من المستشفى، انتزعت دقائق قليلة من الأطباء، تمكنت فيها من الحديث إلى المجني عليه رغم حالته الصحية المتدهورة، وهذه شهادته كما ذكرها.
يتوقف محمد للحظة، يأخذ رشفة من القهوة، ويواصل.
محمد:
يقول هشام إنه وزوجته كانا في طريق عودتهما من مستشفى الشروق، حيث أجرت ليلى فحصًا روتينيًا مرتبطًا بحملها، كما هي العادة.
الساعة كانت تقترب من منتصف الليل عند توقفهما عند إشارة مرورية، انفتح باب السيارة الخلفي فجأة، ودخل شخص يحمل مسدسًا.
يتبادل أكرم وأحمد النظرات بينما يواصل محمد.
محمد (يكمل):
هددهما المجرم، وطلب من هشام أن يتحرك بالسيارة إلى المكان الذي عثرنا فيه عليها لاحقًا.
هناك أخذ منهما كل ما يحملانه من أموال، بالإضافة إلى المشغولات الذهبية التي ترتديها ليلى. ثم طلب من هشام حافظة نقوده، لكنه لم يكن يحملها.
المجرم لم يصدق، ونشبت مشادة كلامية بينهما انتهت بإطلاق المجرم النار على رأس ليلى مباشرةً، مما أدى إلى وفاتها في الحال.
يتنهد محمد، ثم يكمل:
محمد:
بعد ذلك، وجه المجرم المسدس نحو هشام.
قال هشام إنه انحنى في اللحظة الأخيرة، فأصابت الرصاصة بطنه، وغادر المجرم السيارة بعدها واختفى في الظلام.
أحمد ينظر إلى السقف متأملاً.
أحمد:
للوهلة الأولى، القصة تبدو منطقية، لكنها مليئة بالثغرات.
يشعل أكرم سيجارة جديدة.
أكرم:
ما هي ملاحظاتك؟
أحمد:
أولاً، لماذا يأخذ المجرم الزوجين إلى مكان آخر بدلًا من سرقتهما فورًا عند الإشارة المرورية؟
يرد أكرم بتأمل:
أكرم:
ربما خشي من تواجد بعض الشهود.
يهز أحمد رأسه بانفعال:
أحمد:
عن أي شهود نتحدث في هذا الوقت المتأخر؟ الجريمة ارتكبت في مثل هذه الساعة ليلة الأمس، هل هذا وقت يخشى فيه من وجود شهود؟
يتدخل محمد بطريقة آلية:
محمد:
أن يطلب المجرم من هشام قيادة السيارة لـ 15 دقيقة تقريبًا يجعله عرضة لخطر الشهود أكثر من لو نفذ سرقته فورًا، وكذلك يعرضه لاحتمال مواجهة الشرطة في أي لحظة.
يتابع أحمد ملاحظاته:
أحمد:
ثم لماذا يطلق المجرم النار على ليلى، بينما المشادة كانت مع هشام؟ فلماذا يطلق النار عليها أولًا؟
يرد محمد بنفس الأسلوب التقريري:
محمد:
من المفترض أن يسعى المجرم للتخلص من هشام أولًا، فهو مصدر الخطر المحتمل عليه، ماذا تستطيع أن تشكل امرأة حامل من خطر على مجرم مسلح في وقت متأخر من الليل، وفي هذا الطريق المهجور؟
يعلق أكرم:
أكرم:
ربما كان يريد أن يجعل هشام يذعن من خلال تهديد زوجته، أو أن يخضعه للخوف ليقدم محفظته التي رفض تقديمها في البداية.
يسترسل أكرم وهو يفكر بصوت عالٍ:
أكرم:
أعلم أن التفسير لا يبدو منطقيًا بما يكفي، لكن لا تنسيا أننا في بدايات التحقيق، ويجب علينا أن نأخذ جميع الاحتمالات بعين الاعتبار. ثم بعد ذلك نبدأ في استبعاد الاحتمالات تباعًا حسب ما يتكشف لنا من سير القضية.
يمد أكرم يده للورقة التي دون فيها محمد شهادة هشام، يقرأ بتمعن، ثم يغمض عينيه كأنه يتخيل شيئًا.
أكرم (يكمل ملاحظته):
حسب ما ذكر في أقوال هشام هنا، يمكننا تصور المشهد على النحو التالي: بعد المشادة الكلامية التي دارت حول المحفظة، قرر المجرم، لسبب لا نعلمه، قتل الاثنين، كان جالسًا في المقعد الخلفي، أطلق النار على ليلى فأصاب رأسها ففارقت الحياة على الفور، ثم أطلق النار على رأس هشام هو الآخر، ولكنه انحنى في اللحظة الأخيرة، فأصابت الرصاصة بطنه.
وهذا أمر غير منطقي، فكيف يوجه المجرم المسدس لرأس هشام فينحني فتصيبه الرصاصة في بطنه؟ إذا انحنى هشام فعلًا، يفترض ألا تصيبه الرصاصة إطلاقًا، أليس كذلك؟
يتنهد محمد:
محمد:
ربما كان الوضع معقدًا، أو أن المجرم أطلق النار بعشوائية.
هذا يتوقف على المكان الذي أصيب فيه هشام في بطنه تحديدًا، وكذلك على مكان إصابة ليلى وفتحتي خروج ودخول الرصاصة في رأسها، وهذا لن يتبين إلا من خلال تقرير الطب الشرعي.
يومئ أكرم وأحمد موافقين.
أحمد:
وبعد كل هذا، لا يزال عندي سؤال: لماذا لم يتأكد المجرم من قتل هشام؟ لماذا يتركه حيًا؟ لماذا يترك المجرم طرف خيط خلفه قد يؤدي للإيقاع به في النهاية؟
وختامًا، فأيًا كان ما حدث بين المجرم والمجني عليهما، فلو تكلف المجرم إطلاق رصاصة ثانية تجاه هشام، لما كان لدينا قضية لنحقق فيها، مجرد قتيلين في طريق مهجور وستقيد الحادثة ضد مجهول.
تعم الغرفة لحظة صمت ثقيلة، ينفث أكرم دخان سيجارته ببطء وكأن الأسئلة تدور في ذهنه.
ثم تحدث محمد مغيرًا الموضوع:
محمد:
يتبقى لدي شيء أخير، وهو ما توفر لدي من معلومات عن الزوجين حتى الآن.
يسحب ورقة من الملف المفتوح أمامه، ويناولها لأكرم الذي يشرع في قراءتها بصوت مسموع.
كانت الورقة معنونة بـ "البيانات الشخصية للمجني عليهما":
البيانات الشخصية للمجني عليهما:
• المجني عليها الأولى: ليلى إسماعيل أحمد المهدي، 30 عامًا، تعمل محاسبة في شركة النيل للمقاولات، التحقت بالعمل في الشركة منذ 7 سنوات.
• المجني عليه الثاني: هشام محمود هشام النجار، 35 عامًا، يعمل مهندسًا مدنيًا في شركة النيل للمقاولات، التحق بالعمل في الشركة منذ 5 سنوات.
• المجني عليهما متزوجان منذ 3 سنوات.
• كليهما درسا في جامعة القاهرة.
• علاقتهما بالأقارب والأصدقاء وزملاء العمل مستقرة وروتينية، وليس لديهما عداوات.
• الحالة المادية جيدة جدًا.
أنهى أكرم قراءة الورقة بينما كانت الساعة تقترب من الثانية صباحًا، وقد بدأ الاجتماع ينفض.
لكن التساؤلات لم تنتهِ.
ترك أكرم مكتبه ونظر من نافذته إلى المدينة الغارقة في الظلام، مستشعرًا أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من المفاجآت في هذه القضية الغامضة.
في ليلة يغلفها الغموض، كانت الخيوط المتناثرة للقضية تُجمع ببطء، لكن كل خيط كان يقود إلى تساؤلات أعمق لا إلى إجابات.
ورغم ما بدا من بساطة المشهد، أدرك المحققون أن خلف الدماء المسفوكة على الطريق، تقبع أسرار لم تُكشف بعد.
من كان المجرم حقًا؟ وهل كانت الجريمة وليدة الصدفة، أم مخططًا دقيقًا أخفيت تفاصيله بعناية؟
ومع بزوغ فجر جديد، كانت التحقيقات على وشك أن تتخذ منعطفًا غير متوقع،
حين يظهر أول شاهد...
شاهد يحمل في جعبته ما قد يقلب موازين القضية تمامًا.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close