اخر الروايات

رواية عزف السواقي الفصل السادس والعشرين 26 بقلم عائشة حسين

رواية عزف السواقي الفصل السادس والعشرين 26 بقلم عائشة حسين 



                                    

♡السادس والعشرون ♡


1



ركضت مقررة مواجهته بعد فعلته الشنيعة بحقها... صعدت للأعلى محملة بغضبها الذي التهم الصبر حتى تفحم، وجدته واقفًا  بشموخ كالجبال حوله، كأنه في انتظارها متحديًا بنظراته يعقف كفيه خلف ظهره بثبات، يتأملها بنظرة محتقرة مستهينة قبل أن يغلبه الحب فيشيح برأسه، وقفت لاهثة قابضة على ورودها متحدية له بشراسة وعناد يبارزه دون جبن أو تراجع. 

«إيه ذنب وردي فكده يا أستاذ»

أجاب بفظاظة وهو ينظر إليها بثبات «مكانش عاجبني شكله وأحب مكاني يبجا على مزاجي» 

ضمت شفتيها مُلقيةً إليه بنظرة حسرة مختمرة في القلب، قبل أن تزفر قائلة بوجع وهي لا تحيد بنظراتها عنه «كدا ارتحت؟» 

هز رأسه قائلًا بغرور وبرود أصاب محبته النابتة في قلبها بالعطب «مش لازم تعرفي» 

زعقت والدموع تطفر من عينيها رغمًا عنها ودون إرادة

«بتنتقم من الشخص الغلط وبتضيع حقك بظلمك، مش كل مرة هسامح  وهديك ألف عذر» 

فكّ كفيه واندفع صارخًا فيها بغضب  أشعلت حرائقه بكلماتها «أنا مبظلمش  وحقي هاخده من أي حد ومتلتمسليش أعذار يا بت أبوكي» 

لفظ اللقب كالسبّة مناطحًا غضبها بغلّ، نادها بأكثرالألقاب كراهية لقلبها، مُذكرًا لها بانتمائها لهوية لطخها الدنس فتبرأت منها. ختم قوله بابتسامة ساخرة محتقرة نحرتها دون نقطة دماء فقط وجع يشتد، سيطرت على انفعالها، حافظت على ثباتها وانتظام أنفاسها قائلة «بت أبوها أخدت علقة موت عشان تنصرك عليه، سلمتك رقبته تدوس عليها برجلك وكان عندها استعداد تفني عمرها عشان تريحك أنت وأهلك، بت أبوها مرتضى دمرلها أحب حاجة عندها وكسر مكانها قدام عينيها عشان رفضت تسلمك ليه ورفضت تسرقله الوصولات.. بت أبوها الي طردتها من هِنا مرتضى ولعلها فحاجتها كلها وقالها يا رؤوف يا حاجتك قالت رؤوف» 

شخصت عيناه عليها مرتجفًا بصدمة فتابعت متشفية «عارفة إنك سمعتني والمرة التانية قصدت أسمعك بس الي متعرفوش مرتضى ساومني وخيرني وأنا اخترتك وأنت مخترتنيش يامتر خيبت ظني فيك » 

رمش يستوعب قولها وهو يدور حول نفسه مستوعبًا الحقائق وانهيارها بعد وصلة صراخ بينما تابعت هي بحسرة في القلب «قلبك ساع الدنيا إلا وردي يا متر وأنا مش مسمحاك» 

أفلتت بعدها شهقاتها مدثرة وجهها تعاتبه بهزيمة بعدما ألقت أسلحتها في إنهاكٍ وتسليم«بعت كل حاجة بحبها واشتريتكم وأنت... 

قطعت قولها وأظهرت وجهها قائلة وهي تشمله بنظرة مستهينة «اعمل الي يريحك أنت زي مرتضى»

التشبيه كافيًا ليعلن هزيمته أمامها ويصمت ممسكًا بالسور خلفه .

ختمت قولها باندفاعها ناحية المزروعات الموضوعة فوق السور دفعتها كلها؛ لتسقط  بينما ظل هو مكانه مبهوتًا لا يعي من صدمته ما يحدث منها،ولا يستوعب حديثها الذي انهال  كمطراق مسننة فوق رأسه وأفقده توازن أفكاره، ألقت كل ما زرعته وعادت إليه بشموخ ساخرة من فعله بقوة وهي تنفض كفيها من ذرات التراب «علشان متتعبش وترمي الباقي» 

غادرت بعدها بقوة وثبات كما جاءت وجلس هو منهكًا يعيد قولها على مسامعه مراتٍ عديدة.. 

بعد مرور ساعات تناول دوائه حتى لا تخونه ذراعه ويُطهى ثباته فوق موقد الغضب، استجمع شتاته ورتّب أفكاره ثم هبط في عزم.. اعترض  طاهر طريقه رافضًا دخوله لها لكنه حذره بنظرة خطرة وإشارة صارمة، قبل أن يزيحه جانبًا ويواصل. 

اقتحم حجرتها مُذبذبًا لا للحب ينتمي ولا يعتنق مذهب الغضب، تائه ومشرّد القلب... انتفضت تمسح دموعها المنهمرة ناظرةً إليه وكأس نظراتها يمتلىء بالحسرة التي ارتشفها فهام على وجهه «جومي فهميني؟» 

بهدوء قاتل وخدر أصاب مشاعرها فلم تعد تميز «أفهمك إيه يامتر؟» رمته بنظرة محتقرة لم يخب مسعاها بل نالت من قلبه كما أرادت، قلبه المرجوم بحجارة كلماتها، المرشوق بجمر ظنونها الصائبة فيه، أمسك بذراعها وسحبها لتقف أمامه «إيه الي حصل؟  » 

صمتت لا تتفاعل مع غضبه ولا تبدي تعاطفًا بل نحتت منها الشدائد تمثالًا من قسوة وجمود، صورة ورودها تشوش رؤيتها وتقف حائلًا بينهما، هزها بغضب «ما تتكلمي» 

انسحبت من مرمى غضبه  وتحركت قاصةً عليه ودموعها لا تتوقف عن وصف الألم داخلها ولا تحريك حجارة الوجع من على قلبها «مرتضى كلمني هددني بطاهر قالي هيشكك فنسبه وهيأذيه، صديته هددني بمشتلي فاضطريت أسايره لغاية ما أعرف الي فدماغه» 

سألها بحدة «عشان كده طلبتي تدخلي الأوضة؟» 

ابتسمت له ابتسامة ساخرة بنظرة ذبيحةٍ لسوء ظنه، وقالت بحسرة «لا يا متر بالعكس أنا خوفت أدخلها وفضّلت أكون بعيدة» 

سخر منها ينصر داخله ظنه فيها ليرتاح «بس دخلتيها» 

كفكفت دموعها بأناملها الرشيقة وقالت والمصيبة داخل قلبها تهون وتصغر فتفقدها اشتعال الجزع في نفسها، خاب توقعها وكفى على ماذا الجزع«هتلاقي كل حاجة فمكانها دخلت غصب عني ونمت من غير ما أحسّ» عضت شفتيها وصمتت بعجز تام عن الاعتراف بالدافع الحقيقي، خاب الظن وانفرط عقد مشاعرها التي كونتها له، بردت نار النفس بالاستغناء فصمتت، حثها بوجع استوطن نظراته «كملي»  «حكيت ليونس قالي أحكيلك» قالتها وهي تستدير ململمة دموعها فزعق بغضب وغيرة قاتلة «ومجولتيش ليه؟  ليه حكيتي ليونس وليه مسمعتيش كلامه» 

نفذ صبرها فاستدارت صارخة تواجهه بخيبتها فيه «استنيت أشوف رد فعلك قصدت أسمّعك عشان تاخد بالك من مرتضى وأشوف هتسألني ولا هتحكم عليا  من غير ما تسمع كنت عند ظنك فيا ومكنتش أنت عند ظني فيك يا متر» 

أمسك بذراعها وهزها قائلًا «أنتِ... 

تبخرت كلماته وتساقطت من فوق شفتيه صريعة الصدمة، نظرة واحدة لعينيها كانت كفيلة لأن يبتعد مبتلعًا الإهانة راضيًا بها عقابًا وجزاء،قالت بأسف «هفضل مهما عملت بنت مرتضى وخاينة زيه وماليش أمان، أنا غلطت إني استنيت أشوف رد فعلك ودفعت تمن دا» 

رمقها بنظرة منكسرة ضائعة لم تشفع له عندها وتابعت «مرتضى كسّر مشتلي ومش بس كدا دا رمى كل حاجتي وقالي مش هيسيبني وعادي يقتلني لإني خاينة وأستحق» 

فتح عينيه على همسها المُعلن لنهاية حفلة الوجع المقامة على شرف الظلم «فوقتني وتوهتني يا متر» 

جلست منهارة، غطت وجهها بكفيها وبكت ترميه بحجارةٍ من سخط «مش هسامحك يا متر كلكم استقويتوا عليا» 

جلس أمامها في رغبة عارمة لضمها ومواساتها والإعتذار منها، أمسك بكفيها فدفعته بعيدًا صارخة فيه «متلمسنيش امشي» 

حاول والأسف يتسرب من بين شفتيه دون قيود وبندم شديد «أنا آسف» مسح فوق رأسها بعطف مكررًا أسفه 

فزعقت بحقد تملّك منها اللحظة «مش مقبول وسيبني بقا» 

نهض فورًا منسحبًا من الحجرة، اصطدم بطاهر الذي أشاح بنظراته في عتاب قاسي ولوم عنيف وهو يتوسله «سيبها يا رؤوف كفاية عليها كده» 

طالعه مبهوتًا مستنكرًا رجائه قبل أن يتركه ويرحل من المنزل هاربًا من كل شيء.. 

لكن هيهات سكنت نظراتها الذبيحة العقل وسيطرت كلماتها على القلب. 

*****

دخلت منزل والدها متأففة منزعجة تحمل فوق رأسها الهم فتثقُل خطواتها،دعت الله ألا تتعثر به ولا تراه، نادت والدتها بخشية وقلق حتى إذا ما كان موجودًا لا ينتبه لمجيئها، فتشت بحذر ثم زفرت طاردة آخر ذرات القلق من صدرها وصعدت للأعلى 

وجدت والدتها نائمة فتركتها بإشفاقٍ وأغلقت عليها الباب حمايةً من ضوضاء العمل وما يخلفه من أصوات قد توقظها وتقلق راحتها. 

احتفظت فوق رأسها بخمارها خوفًا منه وطمعًا في الستر من عينيه وشرعت في العمل بجهدٍ وتفاني... 

انتفض منذ أن سمع صوتها تنادي، فطن لحيلتها البريئة من انخفاض صوتها، وابتسم لبراءة أفكارها، نفث دخان سيجاره متخيلًا لها منساقًا خلف شيطان يأخذ برأسه ولا يتركه، غابت عنه كثيرًا منعزلة في بيتها مما اضطره لأن يستخدم دهائه في عودتها من جديد. 

رمى ما تبقى من لفافة تبغه واعتدل مستعدًا لحربه يرتدي أسلحته من الجدية والصدق ويحصن نفسه بالبرود من هجمات الخصم، بدّل ملابسه وزيّف فوق شفتيه ابتسامة بختم الصدق والبراءة وغادر المندرة، استنشق الهواء المعبق برائحتها وتحرّك في المنزل بهدوء... صنع لنفسه كوبًا من الشاي وجلس منتظرًا لها. 

لن يظهر أمامها ولن يستهلك حِيَله أكثر، سيترك الأمر دون تخطيط تقوده الصدف. 

أنهت عملها وهبطت، انقبض قلبها حين رأته جالسًا، غمغمت في استياء وهي تمرّ من أمامه 

ككلب تهابه وأرادت أن تأمن شره ألقت عليه سلامًا عفنًا بالإجبار، فابتسم وأجابها بلطف ونبرة غريبة «وعليكِ السلام يا أم عبدالله ازيك» 

أجابته بحنق شديد الوفرة في نبرتها «الحمدلله ازيك أنت يا علاء» 

ابتسم قائلًا وهو يحجز نظراته خلف قضبان الثبات بعيدًا عنها «الحمدلله» 

تحركت للعمل في ضيق تجاهله كما تجاهل وجودها بل تظاهر بالانشغال مما جعلها تتعجب من رزانته غير المعهودة وحجزه كلاب نظراته التي كانت تنهشها. 

بعد قليل هتف وهو ينقر فوق هاتفه غير مبالي بوجودها «هدي أنا عارف إنك زعلانة مني ومتضايقة» 

توقفت عن العمل قاطبة بدهشة قبل أن تحبطه بلامبالاتها «مش زعلانة ولا متضايقة مكبر الموضوع يا علاء» 

رفع نظراته فجأة وقال بابتسامة هادئة «أنا أعرفك كويس» 

مال فمها بسخرية وهي تجيبه بنبرة تهكمية «دا كان زمان» 

ابتسم موضحًا بمكر«بالظبط  كنت فاكرك زي زمان فاتعاملت عادي وعلشان كده بعتذرلك» 

ابتلعت ريقها مندهشة ومتوترة فتابع بلطف زائد «متزعليش مش هضايقك تاني» 

أومأت بصمت وعادت لعملها فقال متظاهرًا بالحزن الممزوج بالشجن «مفكرتش كل حاجة اتغيرت كان فبالي لسه هدى الصغيرة صاحبتي وكاتمة أسراري» 

ابتسمت للذكرى بحنين قبل أن تعود لصلابتها متشبثة بصخور قوتها لا تنجرف مع أمواجه المهلكة « كان، انسى» 

ضم شفتيه وهز رأسه بأسى قائلًا «فعلا» 

ثم تابع بجدية «مبسوط إنك سعيدة فحياتك يا هدى بجد مؤمن شخص كويس ومحترم وواضح إنه بيحبك جدًا» 

صمتت تستمع بدهشة لا تفارق نظراتها فنهض قائلًا «ربنا يخليكم لبعض ولو احتجتي حاجة أنا زي أخوكي» 


4


          


                

قال كلماته  وغادر للمندرة مُغلقًا خلفه

ابتسم حين لمح الشتات في نظراتها وهي تشيّع ذهابه فاستبشر بنصرٍ قريب. 

******

نقرت فيروز فوق هاتفها مترددة، قبل أن تحسم الأمر وتراسله «ازيك يا بشمهندس؟» 

طال انتظارها فتأففت في حيرة  ومسحتها في ندم ثم أعادت الهاتف لمكانه جوارها ونظرت للتلفاز بملل وهي تحرّك ساقها بتوتر، رنّ هاتفها برسالة فسارعت بقراءتها، ابتسمت حين أجاب مُغيظًا لها «لحقت أقرأها عادي وعليكم السلام» 

كتبت قائلة«ازيك يا بشمهندس» 

أجابها فورًا «الحمدلله أنتِ بخير؟» 

كتبت بسرعة مستغلة تفرغه وانتباهه لها «بشمهندس أنا بخير بس محتاجة أطمن على ماما وأشوفها» 

كتب بقلق «دي هتعمليها ازاي؟  رؤوف مشدد متطلعيش ولا تقابلي حد ودا أفضل لك وأمان» 

كتبت مؤكدة قوله بتفهم «عارفة بس دي ماما يا بشمهندس مقدرش أغيب عنها كل دا وكمان هي مريضة ومعرفش عمي عمل إيه معاها؟» 

سألها بقلق «شاكة ممكن يأذيها» 

شاركته قدح حيرتها «مش عارفة حقيقي وخايفة تتأذي بسببي» 

صارحها بقلقه وتنبؤاته«كدا مش هيعمل حاجة لإنه مش طايلك يهددك بيها لو عرف مكانك هيستغل دا ويضغط عليكي» 

كتبت بعذاب «طيب أعمل إيه ماما ست مريضة يا بشمهندس» 

قال بحدة محذرًا لها  «تمام مقدر شعورك بس متضيعيش كل الي بيعمله رؤوف فلحظة تهور وتعرّضيه للأذى»

أجابته باستسلام «تمام معاك حق شكرًا يا بشمهندس» 

أنهت المحادثة وأعادت الهاتف جوارها، أما هو فتنهد بضيق ونهض يدور في الشقة بغير هدى مُفكرًا فيما قالت. 

نظرت فيروز بتعاطف للسيدة التي نامت وهي جالسة تشاهد التلفاز، تحركت قليلًا وأيقظتها بلطف «ست انتصار» 

فتحت السيدة عينيها وأجابتها بوعي غائم «إيه حد جه؟  الباب بيخبط؟» 

أجابتها فيروز بحنو وهي تربت على كتفها بعطف «لا يا طنط بس أنتِ نمتي» 

ابتسمت السيدة قائلة بلامبالاة «عادي وإيه يعني» 

قطبت فيروز مندهشة موضحة لها «نامي في الأوضة يا طنط» 

فتحت السيدة عينيها وأجابتها «بحب أنام قدام التلفزيون عشان أحس بالونس والأمان» 

ضمت فيروز شفتيها بتعجب ونهضت مستأذنة لها «طيب أنا هروح شقتي يا طنط» 

حثتها انتصار برجاء «ما تباتي معايا يا بنتي بدل ما أنا لوحدي وأنتِ لوحدك» 

اعتذرت فيروز قائلة «معلش يا طنط مش هينفع» 

أعطتها السيدة ظهرها ملوّحة باستهانة وزهد فغادرت فيروز مُغلقة خلفها. 

عادت لشقتها وأغلقت خلفها جيدًا، تمددت فوق الفِراش استعدادًا للنوم مُفكرة في أمرها مقررة مراسلة رؤوف صباحًا وطرح الأمر عليه واستشارته. 

فكانت رسالة الآخر أسرع من توقعاتها وسؤالها «أنا هساعدك تكلميها من غير أي ضرر ليكِ أو لرؤوف نتكلم الصبح» ضحكت مستبشرة حامدة الله ممتنة لهذا الغليظ الفظ في قرارة نفسها. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختلى علاء بخاله في بقعة لا تتوجه إليها الأنظار ولا تقترب منها الآذان ، منحه كوب الشاي وسيجارًا فاخرًا ثم سأله «ليه جوزت هدى لمؤمن يا خال؟» 

شزره الرجل بنظراته قبل أن يلوي فمه مجيبًا باستياء «نصيبها» 

جلس علاء بهدوء مستفسرًا بصبر «مؤمن مش أد كده وظروفه وحاله مش تمام» 

أجابه الرجل بضجر «مؤمن كان كويس وبتاع شغل بس لولا الحادثة» 

قال علاء بضيق «هدى لسه صغيرة كان ممكن يجيلها أحسن» 

ارتشف خاله من الكوب قائلًا «الجواز سترة للبنته والواد جنبنا وعارفينه جولت أهي تروح وتاجي على أمها تخدمها» 

ضم علاء شفتيه بغيظ من أنانيته ثم قال «بس الحال اتدهور وهدى متبهدلة وشايلة الشيلة» 

أجاب الرجل بامتعاض «جوزها وأصول تشيله فمحنته» 

ابتسم علاء بتهكم أي محنة وأي أصول يتكلم عنها هذا الرجل الأناني، مسح علاء ابتسامته وتابع كالسوس ينخر في عقله «بس الوضع طوّل هتفضل لامتى تشتغل وتبيع» 

شزره خاله بنظرة قبل أن يشيح مبررًا لا يروقه الحديث «هي يعني بتشتغل في الشارع ما من بيتها وزباينها كلهم حريم من ناسنا» 

تأفف علاء قبل أن يلقيها صريحة «طلقها منه يا خال ومتسبهاش تتبهدل خليها تتعزز زي آيات»

وضع الرجل كوب الشاي بقوة على المنضدة وتهكم من عرضه «اطلجها كيف يعني؟  وتجعد فرجبتي بولدها أوكل وأشرب» 

نظر إليه علاء بنظرة ثاقبة ثم أجابه دون مراوغة «جوزها للي يستاهلها ويعززها» 

تهكم الرجل بغلظة وفظاظة «وده مين الي هياخدها بعيل وهياخدها على إيه؟  جمال أمها؟» 

جز علاء على أسنانه بغيظ من حماقات خاله وجهله ثم أعلن ببجاحة أمنيته وألقى بها رهانًا في لعبة ميسر « أنا موافق أتجوزها يا خال وأخدها وأمشي من غير ولدها وهكتبلك كل الأرض باسمك وهديك بيت أمي» اعتدل الرجل متحفزًا ممسكًا بالأمل مستفسرًا «بتتكلم صُح يا واد أختي» 

ابتسم علاء بتهكم وأردف «صح يا خالي» 

انتبه الرجل ومنحه كامل وعيه متلهفًا «ودي هعملها كيف؟» 

أجابه علاء وهو يتكيء باسترخاء «بسيطة يا خالي وسهلة بس اسمعني» 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جلست هدى في شقة آيات  شاردة الذهن منشغلة الفكر بما يحدث حولها وتغيّرعلاء المفاجيء وابتعاده عنها وصمت مؤمن، كل شيء حولها يثير القلق وينهل من راحتها، عادت من واديها المقفهر مستفسرة «رؤوف عامل إيه معاكي يا آيات؟» 

أجابت آيات بإنزعاج شديد متذكرة التنازلات التي تقدمها له وصموده أمامها وإعراضه عنها في نفور «زفت» 

انتبهت لها هدى مستفسرة بقلق «ليه خير؟» 

تجاهلت آيات استفسارها منعطفة لموضوع آخر مهم «بجولك إيه يا هدى خالتك عاملة إيه؟» 

أجابتها هدى بضيق «كويسة» 

شزرتها آيات بنظراتها قبل أن تُعنفها بضجر «مالك ما تتكلمي عدل» 

تنهدت هدى وأجابتها برزانة ناصحة لها «آيات شيلي موضوع خالتك من دماغك وانسي عشان حياتك تتصلح مع رؤوف» 

لوّحت بذراعها قائلة بقرف «عنها ما اتصلحت بلا قرف» 

تعجبت هدى من قولها وانزعجت بشدة من عدم استقامة تفكيرها وعودتها للحماقات بعد ما كان، شردت آيات في المجهول متمنية «ياااه لو لسه عايش كنت سبت كل حاجة ورجعتله وعيشت بدل ما أنا ميتة » 

استنكرت هدى قولها وواجهتها بثورة «لو عايش كان هيرجعلك ليه يا آيات؟  إيه كان هيشفعلك عنده؟  عايزة تتجوزي وتتعلمي بعدين ترجعيله ؟» 

عادت من رحلة الأحلام ساخطة مؤنبة أختها على مواجهتها «اكتمي أنتِ معايا ولا ضدي» 

أجابتها هدى بحكمة «أنا مع الحق يا آيات وبفوقك من أحلامك الي هتضيعك دي» 

ابتسمت قائلة بتأثر شديد «لولا الأحلام والخيال كنت اتجنيت هي الي بتصبرني على فراقه وغيبته مفيش أجمل من إنك تحب وتتحب وتعيش» 

كظمت هدى غيظها قائلة بهدوء غير مراعية ولا متحسسة كلماتها بل تضرب بقوة على حديد أفكارها ليعتدل «الي بتعمليه دِه خيانة للراجل الي أنتِ على ذمته ورؤوف ميستاهلش كان شهم معاكي ومحترم ولو كنتي سلمتيه قلبك ورضيتي كان حاجات كتير هتتغير» 

نفخت آيات قائلة بحنق «هنبتدي في الكلام الماسخ.. رؤوف رؤوف نفسي أعرف شايفين  فيه إيه أنا مش شيفاه» 

ابتسمت هدى ساخرة منها «المشكلة إنك أنتِ الي عامية والله ومش مقدرة النعمة» 

تهكمت آيات وهي تمسك بريموت التحكم الخاص بالتلفاز قائلة «طيب يا أختي خليكي ارضي بقليلك وأي حاجة » 

سرى بينهما صمت طويل قطعته آيات بسؤالها الخبيث «أخبار علاء إيه؟» 

أجابتها هدى بلا مبالاة «معرفش» 

استفسرت آيات بضحكة خبيثة «مش عارفة مش طيقاه ليه؟  تكونيش لسه بتحبيه يا بت؟» 

انتفضت هدى من جلستها غاضبة من قولها رافضة له «اتجنيتي ولا إيه؟» 

ضحكت آيات مستميلة لها بمكر « لاه متجنيتش بس أنتِ كنتي بتموتي فيه وتجولي مش هتجوز غيره أنا لو منك والله اتطلق وأتجوزه» 

ارتجفت هدى رهبةً وخوف مما تتفوه به أختها من  حماقات مُضللة تفتح بها أبواب الجحيم والشياطين «اكتمي خالص ومسمعكيش تجولي كده تاني، أنا جوزي ضفره بعشرة زي علاء دِه» 

مصمصت آيات متعجبة منها «أمال لو سليم ومهنيكي يا بت؟  افهمي ودوري على حالك» 

ارتعشت شفتي هدى لا تجد ما تلقيه عليها، مقشعرة البدن من كلماتها المسمومة، ارتدت خمارها قائلة بصدق «مؤمن عندي بالدنيا ومافيها مشوفتش منه حاجة بالعكس أب وأخ وصاحب لا ليا غيره ولا هو ليه غيري يتيم مالوش حد عيزاني أسيبه عشان حاجة مالوش ذنب فيها، لو أنا كان سابني» 

رمقتها آيات بنظرة متشفية حاقدة وأجابتها بهدوء «أيوة كان سابك أنتِ بس الي حمارة» 

حملقت هدى فيها بذهول ومازال قلبها يرتجف ككل جسدها، انسحبت للخارج تاركةً أختها في ضلالها، أمسكت بكف صغيرها الذي كان يلعب بالكرة أمام الشقة وغادرت بسرعة هاربة من شياطين أختها. 

ــــــــــــــــــــــــ 

في منزلها جلست جوار صغيرها طاردة خفافيش القلق عن ذهنها، تتشبث بمحبة صغيرها حتى لا تبتلعها دوامة الأفكار وتفتك بها، كلما هاجمتها الكلمات ضمت صغيرها محتمية به كتميمة تحصنها وتطرد شياطين أُطلقت حولها.. ثم تنظر لزوجها تالية على قلبها صلوات العشق وتراتيل المحبة الصادقة؛ ليذهب الكدر وتطهُر النفس،سألت وهي تتلاعب بخصلاته «مين جابلك الحاجات الحلوة دي يا عبدالله؟» 

فمه امتلأ بالأسم محبةً وتقدير «عمي رؤوف يا أما» 

ابتسمت داعية له بتضرع «ربنا يرضيه زي ما بيرضيك يا عبدالله» 

وجّهته بصبر وتأني وهي تمسك بالقلم عنه «اكتب حلو يا عبدالله زيي كدا» 

ثم تركت القلم ورفعت نظراتها لزوجها المنشغل بهاتفه مناديةً «مؤمن، مؤمن» 

انتبه لها تاركًا الهاتف فسألته وهي تنهض من مكانها «مشغول فايه كده؟»

ابتسامة مهزوزة منحها لها وهو يجيبها بإرتباك واضح «لاه مفيش بكلم واحد صاحبي» 

جلست فوق الفِراش أمامه مستفسرة وهي تزيح خصلاتها الطويلة للخلف «بيكلمك فايه مخليك مركز جوي كده؟» 

أجابها بعصبية كارهًا محاصرتها له ضائقًا بكتمانه وما يخفيه عنها «مفيش يا هدى مالك بتسألي كتير ليه؟» 

حركت رأسها بصمت متعجبة من حدته معها وعصبيته الغريبة عديمة السبب، شعر بما اعتراها وخطأه الفادح فنهض وتحرك ليجاورها ممازحًا لها «المفروض أنا أسألك مالك الأيام دي دايما مشغولة وسرحانة» سيطرت على ارتباكها وأجابته بثبات «أنا لاه عادي مفيش» 

تجاهل مقتنعًا مثلما فعلت هي، منشغلًا بما هو مُقدِم عليه بتكتم حتى يتم الأمر. 

طُرِق الباب فنهضت من جواره ساحبةً خمارها المُعلّق، ارتدته وخرجت؛ لتعرف هوية الزائر والتي كانت إحدى زبائنها ومعها زوجها.. منحتهم هدى ما طلباه بصبر منتظرة أن ينقدوها الأموال. 

تذوق الراجل أولًا قائلًا بعدم استحسان ومشاعر محايدة «مش بطال» 

استنكرت هدى قوله وسلمت دفة نظراتها لزوجته التي أيدته بمكر حتى تبخسها حقها «حلو بس مش جوي» 

انتقلت القيادة للزوج الماكر يطعن في عملها ويقتطع من أجرها عقوبةً على ذنب قلة جودة ما صنعته «السعر الي اتفقنا عليه مش هينفع وأنتِ عملاه بسمن صناعي مش بلدي زي ما اتفجنا» 

أجابته هدى بصبر «لاه بلدي أنا مغشش زبون ومش أول مرة تطلبوا حاجة» 

كرمشت السيدة صفحة وجهها بانفعال غير مقبول ويوشي بعدم استحسانها، فقال الرجل وهو يهرش ذقنه النابتة «لاه يا أم عبدالله المرة دي مش زي كل مرة» 

سحبت المخبوزات من أمامه بعصبية وهي تقول بعدم اكتراث لمفاوضاته العقيمة «خلاص خلهملي وخلي حد يعملكم الي عايزينه» 

نظرت الزوجة لزوجها بقلق ولوم فتابعت هدى «السعر مش هينزل عن ما اتفجنا عاجبكم آمين مش عاجبكم مش خسرانة، كتيرالي يشتري ولو متباعوش مش مشكلة برضك» 

تراجعت السيدة مبادرة بالقبول «خلاص يا أم عبدالله هناخدهم» 

ازدجرها الرجل بنظرة حانقة رافضة ركلتها حرجًا فابتسمت هدى قائلة «الفلوس؟» 

أخرجت السيدة الأموال من حقيبتها ومنحتها لها فأخذتهم هدى وعدّتهم ثم أطلقت سراح المخبوزات قائلة «بالهنا والشفا» 

حملهم الرجل بغيظ واختناق، فودعتهم هدى بابتسامة كاذبة الترحاب متصنعة  الود وأغلقت الباب ثم جلست منهكة متعبة الجسد ومستنزفة المشاعر، نظرت للأموال القليلة بيدها مبتئسة حزينة قبل أن تغطي عينيها بكفها وتبدأ في البكاء بقهرٍ وضياع. 

****

جلس يونس أمام الطبلية متربعًا باستسلام وضجر مكتوم وهو يستفسر «أيوة أعمل إيه؟» 

جلست جواره السيدة آمرة له بحدة «اعمل بأكلك» ثم ابتسمت واعدة له ممنية «هعشيك النهاردة معانا» 

لوى فمه باستنكار ثم أجابها بغطرسة «مش عايز أنا جاي فحاجة وماشي» 

ضربته بقبضتها المضمومة مستفسرة من بين أسنانها المطبقة «جاي في إيه قول واعترف» 

تأفف يونس بصوت مسموع فأشهرت السيدة المضرب مهددة له «خلّص خرّط الملوخية؟» 

سخر منها يونس وهو يمسك بالمخرطة «كل ما أجي ألاقي ملوخية بتتخرط في إيه بالضبط؟  مبتاكليش غيرها» 

ضحكت السيدة قائلة «أصلي بحب الأخضر» 

حرّك يونس المخرطة فوق الأوراق قائلًا باستياء«ماشي يا حجة حبيه» 

خرجت فيروز حاملة كوبين من العصير وضعتهما جواره وجلست أرضًا جوار السيدة منتظرة بلهفة خطته التي جاء ليخبرها بها، كتمت ضحكاتها على هيئته فقال بغيظ وهو يُلقي بالمخرطة «شايفة بتضحك أهي» 

لكزتها السيدة بمرفقها في خصرها مؤنبة «ما بس يا مسهوكة أنتِ كمان عايزين نتعشى» 

أشارت لها فيروز علامة الصمت فأخذ يونس المخرطة قائلًا «هاتيلي منديل ألفّ راسي يا حجة الله يكرمك الصداع هيفرتك دماغي» 

ازدجرته السيدة بنظراتها فزفر بحرقة وواصل ما يفعل لاعنًا، سألته فيروز باهتمام «ها يا بشمهندس هنعمل إيه؟» 

رمقها بنظرة جانبية قائلًا«لما اتعشى جومي خلصي الباقي» 

أمسكت بها السيدة قائلة بتصميم «احكيلي بقا هتعملي إيه فإيه؟» 

تشابكت نظراتها مع هذا الجالس أمامها الذي ابتسم بمرح قائلًا «أنا الي هحكيلك يا حجة» 

بعد مرور مدة كان يجلس في مقابل فيروز لاعنًا، بينما السيدة تزرع الأرض ذهابًا وإيابًا بتفكيرعميق استفسر يونس «هنعمل إيه يا حجة؟» 

صاحت فيه بغضب «أششش اخرس وسيبني أفكر» 

غمغم باستياء «حسبي الله ونعم الوكيل فيا» 

همست فيروز هاربةً من حصار السيدة القوي مستغلة انشغالها واهتمامها بالأمر «بشمهندس» 

قطب مُجيبًا «إيه؟» 

ابتسمت مُثنية عليه بإعجاب تألق بنظراتها «الفيديو الي نزلته امبارح كان لطيف جدًا» 

فك عقدة حاجبيه وابتسم قائلًا «بجد؟» 

ثم عدّل كلماته مضيفًا غطرسته«أقصد كويس دا الطبيعي وأقل حاجة عندي» 

تجاهلته مردفةً باهتمام «بس ليه بتصور بلبسك الصعيدي؟» 

استفسر بكبرياء «وليه مصورش بيه صعيدي وافتخر» 

ابتسمت لفخره بأصوله وانتمائه لجذوره وأثنت عليه برقة «على العموم هو حلو جدًا وأحلى فيك من اللبس العادي» 

سعل بحرج مخبئًا ابتسامته بينما عضت هي شفتيها نادمة على تسرعها وتهورها، التقت نظراتهما فأشاح كل منهما بخجل قطعه هو طاردًا التوتر من محيطهما «عارف بيجولولي كده كتير» 

وقفت السيدة أخيرًا ناظرةً إليهما بصرخة مُعنّفة «بس بس ما بتصدقوا» 

نهض يونس نافضًا ملابسه واندفع ناحية الباب قائلًا «أنا ماشي والله ما أنا عامل خير» 

تحركت السيدة البدينة تجاهه موقفةً إياه «خد يلا هنا» 

فتح يونس الباب وهرب قائلًا «لا أنا مش هساعدها» 

أغلقت السيدة الباب خلفه وعادت لتجاور تلك الصامتة بحزن، مسحت على رأسها بحنان قائلة «احكيلي يا بنتي حكايتك إيه؟» 

ترقرقت  الدموع بعينيها وهي تنظر للسيدة بامتنان ومحبة بدأت في عقد أواصرها في القلب.. 

**

ضربته تماضر بعصاها عاتبةٍ عليه في استياء «راسك مندارة وتايه جوم من جاري» نهض حامد ضاحكًا يبرر قائلًا «مشغول يا خالة سامحيني» 

قالت بضجر شديد « إلا كلام ربنا متوهش عنه ولا يشغلك عنه شاغل يا واد نجاة» 

هتف بندم وهو يرتب المكان من حولهما «غصب عني يا خالة» 

سخرت من قوله في انزعاج شديد وعدم تفويت وتهاون «فاكر لما تتشغل عنه هترتاح؟! اتشغل بيه ينورلك الطريج ويدلك وتلاجي حاجتك مستنياك وأمورك متيسرة ده كل كلمة فيه دليل يا ضنايا» 

ابتسم واعدًا لها ممتنًا لنصائحها «حاضر يا خالة ادعيلي يهدي جلبي ويريح بالي» 

أجابت بتضرع «دعيتلك يا ولدي وحق المغاربة» 

أفرغ حامد زير المياه وغسله جيدًا ثم أعاد ملأه بنشاطٍ وحماس قطعه دخول قاسم متذمرًا يمد شفتيه بضيق، توقف حامد عن العمل مستفسرًا «مادد بوزك ليه بس؟» 

عقد قاسم ذراعيه أمام صدره شاكيًا بصوت متهدج «ورد غزل يا أبوي بيدبل» 

انقبض قلبه وضاق صدره من القول فسأله باهتمام «أنت مش بتراعيلهم؟» 

أكد قاسم عنايته بهم واهتمامه منذ أوصته «أيوة يا أبوي أنا جاعد جارهم طول اليوم» صمت حامد مكدر المشاعر مهموم القلب بعدما ألقى عليه قاسم قولًا ثقيلًا لم يتحمله خاصة بعد جريرته في حقها وما فعله بمزروعاتها، تنهد وجلس في صمت فقالت تماضر «الورد عمره جصير يا قاسم بس الحب في الجلب عمره أطول، الورد هيدبل وورقه هينشف ويقع بس الحب لاه هيفضل يا ضنايا، لما تشوف غزل اديها من حبك الي مفتح فجلبك هتفرح» 

جلس قاسم مستفسرًا وهو يسند خده بقبضته المضمومة «يعني أعمل إيه؟» 

ابتسم حامد شارحًا له «يعني الورد راح بس الحب جاعد في الجلب زي ألف وردة كل ما تشوفها اديها منهم» 

ضرب قاسم  جبهته بإحباط وهو يحرّك رأسه بخيبة «وهشوفها فين» 

شجعته تماضر «لو صليت عالنبي ليلة الجمعة ١٠٠٠مرة ودعيت تشوفها هتشوفها» انتفض قاسم من مكانه مستفسرًا ببهجة «صُح يا جدة؟» 

أكدت تماضر قولها «أيوة جرّب كده وهتشوف» 

قطب حامد بتفكير سرعان ما تفتحت أبواب فهمه، انقشع ظلام الجهل عن عقله وابتسم بإدراك لنوايا خالته التي سألته بمكر لتفهم وصلته رسالتها أم لا «مش صُح يا حامد؟» 

أجاب بحماس شديد مؤكدًا على قولها «أيوة يا خالة» 

قفز قاسم مُهللًا بفرحة «هشوف غزل هشوف غزل» 

رحل للحجرة راقصًا بسعادة بينما عاد والده للعمل في تفكير، يدبر أمر اللقاء ويرتبه قبل أن يستشير معاونيه في الأمر

***

طرق  عدنان مستأذنًا وهو يمسك صينية متوسطة مرصوص فوقها عدة أطباق محتوية على أصناف كثيرة من الطعام «بت يا بشمهندسة» 

نهضت من جلستها مندهشةً تستفسر من خلف الباب المغلق «مين عمو؟» 

أجابها ضاحكًا بمرح «أهو أنا جاي عشان أسمع عمو دي والله» 

مسحت دموعها التي لم تتوقف منذ ما حدث وفتحت الباب مُرحبة به ، دخل الحجرة قائلًا بمرحه وتباسطه المعهود «جالولي البشمهندسة مرضياش تاكل وحابسة نفسها» 

وضعها أرضًا وجلس ضاربًا فوق الأرض جواره في طلب لتجلس، جففت عينيها جيدًا وجلست بصمت بينما تابع هو «وبيني وبينك أنا متضايق، حماتك مش عاجبها الأشعار الي بجولها  ومبتفهمهاش » قالها بتهكم أضحكها وهو يتناول الخبز ويمنحه لها مشجعًا ثم استطرد موضحًا «فجولت أجي أتعشى مع البشمهندسة واهو تحفظني كلمتين حلوين أجولهملها يمكن ترضى» 

تناولت الخبز دون اعتراض وشرعت في التناول وعدنان يطعمها من وقتٍ لآخر  ساحبًا لها من أحزانها بطريقته، يثرثر ويسأل شاغلًا تفكيرها حتى هتف بنظرة حنون «احكيلي حصل إيه؟» 

ثم تأفف متهكمًا بإمتعاض «كل ما يعمل حاچة عفشة شوف ولدك، إلحق ولدك، ولما يعمل حاجة مليحة الأستاذ رؤوف عمل..» 

دس بفمها الطعام مستشيرًا «بذمتك مش دِه ظُلم» 

هزت رأسها بصمت فدس قطعة جزر بفمها مشجعًا بلطف «احكيلي يلا أنا عارف دِه مورهوش غير الهم مش عارف مش طالعلي ليه» 

ابتسمت براحة وقصت عليه ما حدث تفصيلًا، ربت بنظراته على قلبها شاكرًا بامتنان ومودة «كتر خيرك يا بتي.. ولدي لو بص فوشك زين كان فهم» 

ثم مازحها بمكر؛ لتخبره بما في نفسها تجاه ولده«لو منك أدي لمرتضى الوصولات عشان عملته العفشة دي» 

طأطأت رأسها بصمت ورفض فقال ممازحًا لها من جديد «الفقري هجيب ورد لأمه منين دلوك» 

ابتسمت غزل بإطراقٍ وحزن فقال عدنان «والله لأجيبه على ملا وشه دلوك واد أمه» 

رفضت معترضة بحزنٍ وانكسار «بلاش ياعمو الله يخليك» 

مسح كفيه وأخرج هاتفه من جيبه قائلًا «اسكتي أنتِ والي هحكم بيه تنفذيه» 

انتفضت معترضة خائفة من توابع قبولها «لا يا عمو» 

رفض بحزم و إصرار «اسكتي هو يعني عشان طول بعرض وبيضرب فخلق الله مش هجدر عليه دا ياجي ويبوس راسك  ويبدي الندم على غلطته فحق الغنم» 

رفع الهاتف لأذنه وانتظر مصححًا«قصدي الورد» ضحكت برقة على قوله فغمغم بإنزعاج «فقري زي الي خلفوه» 

أجابه رؤوف بحزن ونبرة فقدت مرحها وحيويتها «أيوة يا أبوي؟» 

«فينك يا واكل أبوك وأمك» قالها عدنان بغيظ فأجابه رؤوف بصبر «عند الخالة» 

أمره عدنان بصرامة «تجيني دلوك يا واد أمك» 

استفسر رؤوف بقلق «في حاجة؟» 

أجابه والده بسخرية «في حقوق لازم تردها لأصحابها أمال تحكم عالناس وميتحكمش عليك» 

زفر رؤوف مستفسرًا بإنشغال «حصل حاجة؟» 

أمره عدنان بغلظة وقلة صبر «متحَكِيش كتير تركب وتاجي» 

أنهى عدنان الاتصال ونظر للصامتة بقلقٍ وارتجاف مُطمئنًا لها بمزاحه المعتاد «متجلجيش هياخدله قلمين ويتعدل، بس أكتر من كده موعدكيش يا بتي الصحة متساعدش ودِه يده طرشه» 

ضمته غزل شاكرة  له بصوت متهدج «شكرًا يا عمو» 

ربت عدنان على ظهرها مشجعًا «يلا كولي متظنظغيش زي نجاة عاد، اتقوي علشان لما أجولك اضربيه تضربيه»

#انتهى


5



مراجعة: منة أحمد 

"إن الحوائج لتُقضَى

‏بكثرة الصلاة على النبي ﷺ "

وإنَّ القلبَ لَيَطِيب بڪثرةِ الصلاةِ على الحَبيبِ

المُصطفَىٰ مُحمَّد ﷺ🥀


1



السابع والعشرين من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close