اخر الروايات

رواية شهادة قيد الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم دودو محمد

رواية شهادة قيد الفصل الثالث والعشرين 23 بقلم دودو محمد 

"شهادة قيد"23

"الفصل الثالث والعشرون"

نظرت ذات إليه بخوف شديد، حيث كانت عينيها تملؤهما دموع غير معهود من رعب الأحداث المتلاحقة. كانت المشاعر تتأجج في قلبها، كأنها تتلمس خيوط الحرية التي تبدو بعيدة تعلوها سحب من القلق والألم. تأملها مهران نظرة مطولة، حيث كان في عينيه مزيج من الألم والحب، وكأنه يقرأ بين السطور ما يحدث في عقلها. ثم تحدث بصوت هادئ، لكنه يحمل قسوة غريبة:
"مش انتي عايزة تطلقي، أنا هنفذلك طلبك، بس مافيش رجوع لبيت عمك. هتعيشي في شقتك تحت، وهفضل برضه أحميكي."
تجمدت ذات مكانها، عينيها تتسعان بصدمة تتخللها مشاعر الارتباك، بينما تتعالى دقات قلبها، وكأن كل ضربة تشير إلى حقيقة لا مفر منها. عندما نطق مهران:
"انتي طالق يا ذات..."
انطلقت من شفتيها كلمتان خافتان:
"ا انت قولت اية؟"
ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة، بينما تحدث بتهكم:
"اية مصدومة كده لية؟ مش دي رغبتك وكان نفسك فيها؟"
ارتجفت ذات، وابتلعت غصة في حلقها، ثم أجابت بصعوبة:
"ايوة دي رغبتي مش مصدومة ولا حاجة، بس مستغربة من شروطك. يعني اية مرجعش أعيش عند عمي تاني؟ انت بصفتك ايه بتتحكم فيا؟ و عايزني تحت طوعك؟ فوق يا مهران، انت خلاص طلقتني، ملكش أي حاجة عندي. حتى متقدرش تردني غصب عني، لأن رجوعي ليك لازم يكون بعقد قران من أول وجديد."
ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة، لكنها كانت تحمل في طياتها بركان غضب مخفي، وكان كأنما يواجه تحديًا يشتعل بداخله. تكلم بعدم اهتمام:
"انتي مفكراني تلميذ ومش عارف كل ده؟ لا متقلقيش، مليش أنا في شغل الروايات ده..."
ثم اقترب منها بهدوء حذر، وتحدث بنبرة مخيفة جعلتها ترتعد في مكانها كأن كل كلمة تخرج من شفتيه كصاعقة كهربائية:
"بس عندي طرق كتير أوي أخليكي تنفذي اللي بطلبه منك بالحرف من غير ما ترفضي. فلو عايزة تجربي حاجة منها، فكري تعصي كلامي يا ذات. انتي هتنامي هنا في الاوضه دي النهاردة لحد ما شريف يفضي الشقة بتاعتك اللي تحت، واختي مهرة هتنزل تعيشي معاكي علشان شريف هيعيش معايا هنا، ومينفعش اختي تقعد معانا."
كانت كلماته تردد في أذنها كصرخة من جحيم، تعبر عن سيطرة لا تُحتمل، وكأنها في دوامة من مشاعر الفقد والخداع، حيث كانت تشعر أنها ليست مجرد امرأة، بل لعبة في يديه، تتنقل بين رغباته وجبروته.لم يكن أمامها إلا أن تسترجع جزءًا من شخصيتها القديمة المتمردة، فعقدت ذراعيها على صدرها بتحدي، وكأنها تتحدى كل الأوقات الصعبة التي مرت بها. تحدثت بنبرة قوية بعض الشيء، اختلطت فيها العزيمة بالحنين:
"أوك، وأنا معنديش اعتراض على كل اللي قولته، بس بأضافة شوية حاجات أنا كمان هقولها."
استجاب لها مهران، وعقد هو الآخر ذراعيه على صدره، وانقلبت الغرفة إلى ساحة حرب كلامية، وكأن الطلاق كان بداية لإطلاق روح التحدي بينهما، حيث أصبحت كلماتهم تتراقص في الهواء كأنها رصاصات تنطلق في حلبة مصارعة كلامية. تكلم بتهكم، قائلاً بنبرة ساخرة:
"وكمان الهانم بقى ليها شروط؟ والله عالى قولي يا قطه وأشجيني."
غضبت ذات، محذرة إياه بنفاذ صبر:
"لو سمحت متتريقش على كلامي. عموماً، أعمل حسابك أني من بكرة هرجع أنزل الشركة، وكمان ملكش دعوة بأي حاجة هعملها في حياتي، متنساش أنك مجرد حارس شخصي ليا."
كان صوتها مرتفعًا، مليئًا بالعزيمة والتحدي، وكأنها تتحدى العالم كله، ما جعل قلب مهران يشتعل بالأسئلة.
ضغط على أسنانه بغضب شديد، ونظر لها بنظرة حادة، صارخاً:
"نعممم يا أختي! يعني إيه كلامك ده، أنتي ناوية ترجعي للوساخة بتاعتك زي زمان؟"
كانت كلماته كالسهم الذي أصاب قلبها، تجمعت الدموع في عينيها، لقد جُرحت حقاً بكلامه. هو ما زال لا يثق بها، وماضيها يلاحقها، في حين أنها تحاول إثبات تغيرها، وتظهر أنه بالإرادة يمكن للإنسان أن يعيد تشكيل نفسه.شعر مهران بالندم على كل ما تفوه به، وقد أدرك أنه كان عنيفاً ولا يراعي مشاعرها. تنحنح برجولية، مغيرًا نبرته:
"أنا آسف، مقصدش أقولك كده."
أخذت نفساً عميقاً ثم أخرجته بهدوء، متحدثة بنبرة متعالية وبثقة ملحوظة:
"ولا تقصد، ميهمنيش أنا إيه في عيونك دلوقتي، المهم عندي حالياً رضا ربنا عليا وبس."
كانت كلماتها تُظهر قدرتها على النهوض من الرماد، كطائر الفينيق الذي ينهض من جديد. شعر براحة شديدة، واطمأن قلبه قليلاً أنها مستحيل أن تعود إلى ذلك الطريق مرة أخرى، فأومأ برأسه ثم تساءل برغبة في الحوار:
"تمام، فيه حاجة تاني؟"
أومأت برأسها بالتأكيد، وأكملت بنبرة حاسمة:
"ايوة، لحد ما شريف ينقل هنا، وأنا أنزل شقتي. تنام في أوضة تانية غير دي، وملكش دعوة بيا نهائي. كلامك معايا بحدود، لو فيه حاجة مهمة."
كان صوتها متردداً قليلاً رغم محاولتها الظهور قوية وصلبة. ضغط على أسنانه بغضب لأنه شعر بأن حديثها يحمل في طياته تعبيرات غير واضحة عن مشاعرها تجاهه، فقال بنفاذ صبر:
"مااااشي، حاجة تاني."
نظرت له بتحدٍ، وكأن نظرتها تلك تحمل رسالة ضمنية أنها لن تستسلم بسهولة، ثم قالت بلا تأكيد:
"أممم... حالياً ده اللي فكراه، لو أفتكرت حاجة تاني، أبقى أبلغك بيها وقتها."
انهت كلماتها، لكن قلبها انتفض عندما سمعت صراخ مهران بصوت عالى سمع أركان المكان:
"مهررررهه!"
في أقل من ثانية، وقفت مهرة أمامه بخوف شديد، تعكس عيناها مخاوف مختلطة بين الرهبة تجاه شقيقها وقلقها على ذات. نظر إلى ذات بغضب متزايد، ثم أمر مهرة بصوت مكفهر:
"أنا نازل أنام عند شريف تحت. لو فيه أي حاجة، اتصلي بيا. أياكي تفتحي الباب لأي حد، فاااهمه؟ وجهزي نفسك، لأن من بكره هتعيشي مع ذات في شقتها تحت."
كانت نظرتها مختلطة بين عدم الفهم والاستسلام، لكنها أومأت برأسها بالطاعة، وقالت بتلعثم يشوبه الخوف:
"ح ح حاضر."
نظر بتحذير إلى ذات، محذراً بوضوح:
"حسك عينك، دماغك، توزك، ورجلك تخطي بره باب الشقة، هكسرها ليكي يا ذات. وجربي تعصي أوامري، علشان هتندمي، صدقيني."
ابتلعت ذات ريقها بخوف شديد، وهي تشعر بجدية تهديد مهران لها، وكأن كلماته كانت تطعن في أعماق مشاعرها. ثم أخرجت صوتها بصعوبة، محاولاً الدفاع عن نفسها:
"أ أنا مش ب ب بتهدد على فكرة."
لكن انتفضت عندما هدر بها بتساؤل غاضب يصم الآذان:
"نعممم، بتقولي حااجه؟ سمعيني كده، بتقولي إيه."
تراجعت إلى الوراء من شدة الخوف، وتمسكت بذراع مهرة، التي كانت خائفة من هيئة أخيها الغاضبة، وهي بالكاد تستطيع استيعاب ما يحدث. هزت رأسها بخوف، ولم تجد أمامها سوى أن تقول:
"م م مش بقول حااجه، ع ع عايزة أنام لو سمحت."
كانت تشعر وكأن كل كلمة تخرج من شفتيها تحمل وعوداً بخراب القلائق المرصودة مجدداً.حاول مهران التحكم في ضحكاته على منظرها الطفولي، ثم توجه نحو الباب قائلاً بأمر:
"أنا مبحبش أقول كلامي مرتين، مفهووووم؟"
كانت نبرة صوته تحمل ثقلًا من السلطة والأمر، تعكس شخصيته القيادية التي لاحظها الجميع منذ الصغر. دفع الباب خلفه بقوة، وكأنما يحاول دفع كل العوائق التي وضعت أمامه، وتحدث لنفسه بصوت هامس:
"هربيكي من أول وجديد يا ذات. هعرفك قيمتي كويس أوي، وبعد كده هرجعك تاني لحضني، لمكانك الطبيعي يا ذاتي."
كان قلبه ينبض بشغف عنيد، توعد بحب وعاطفة لا يستطيع مقاومتها، عازمًا على أن يسحبها للعودة إلى ذراعيه مهما تطلب ذلك من جهد. أخرج تنهيدة حارة، كأنما كانت تحمل كل آلام الفراق والرغبة، وانطلق إلى الأسفل بخطوات حاسمة.ولحسن حظه، وسوء حظ يزيد انه أتى فى ذلك الوقت وقف أمامه ممثل الدهشة قائلا:
"أنت!! جاي هنا تعمل إيه؟"
كان السؤال مشوبًا بالخوف والريبة المزيفه، كأنما لا يعرف نواياه الحقيقية.
رسم يزيد على وجهه ندم مزيف، محاولة منه لإخفاء غاياته الحقيقية، وقال:
"أنا جاي أفتح معاكم صفحة جديدة، وأطلب منكم تسامحوني. ذات بنت عمي الوحيدة، ومليش غيرها، والمفروض أكون أنا فى ضهرها وقت ما تحتاجني."
بدا وكأن كلماته مجهزة بعناية، مختارة لتثير الشفقة والانتباه.
"وأنت دلوقتي جوزها يعني في مقام أخوية."
ختم عباراته بنبرة تعكس ما يشبه التحدي، وكأنه يدعو مهران لإظهار نواياه الحقيقية.أنهى كلامه وتابع ردود فعل مهران بترقب، وكأنما يراقب تطور الأحداث مثل مشهد في فيلم مثير. بينما كان مهران يسب بألعن الشتائم وأقذرها، وكأن الغضب قد طغى على تفكيره، وتمنى لو يستطيع قطع لسانه الذي نطق باسم محبوبته عليه، ولكنه فضّل الانتظار، متصرفًا بشكل استراتيجي. ثم سأل بصفة المستغرب:
"غريبة! أيه التغير المفاجئ ده؟"
كأنه يحاول كشف خبايا الأمور.
ارتسم الحزن المزيف على وجهه، وهو يعرف كيف يلعب على وتر العواطف، وقال بندم كاذب:
"ندمت يا مهران لما عرفت اللي حصلها، وأنها كانت مدمنة. حسيت بالذنب، وأن اللي حصلها ده ليا يد فيه."
كان صوته يحمل انكسارًا مصطنعًا، وكأنما يحاول إيقاظ مشاعر وأحاسيس دفينة في قلب مهران.
"علشان سيبتها تعيش حياتها براحتها، ومحمتهاش من الناس اللي معندهاش قلب."
كانت كلماته معزوفة حزينة، تهدف لإيقاع الفخ، مستغلاً كل نقطة ضعف.أغلق مهران عينيه، حتى لا يرى يزيد، سبابه بأشنع الألفاظ، محاولاً كبد غضبه الداخلي مستنداً إلى ثباته الانفعالي. كانت كل خلية في جسده تطالبه بقتله، لكن مهلا سأفعلها وقت ما تقع في مصيدي أيها الأبلة. وأخيرا، تكلم بصوت مندفع قليلاً، حتى لا يجعله يشك بالأمر:
"وأنت مفكرني هصدق كلامك بسهولة كده، أصل الحية مبتتغيرش في يوم من الأيام وتبقى فراشة."
كانت الكلمات تقطر حكمة، مشحونة ببعض الغضب، وهو ينتزع نفسه من مدارات الشك.
"أنطق عايز أيه من مراتي؟"
ابتلع يزيد ريقه بصعوبة، وكأن الكلمات التي ينوي قولها عالقة في حلقه، فقال بتلعثم:
"هعوز أيه بس من بنت عمي؟ صدقني، نيتي خير ليها."
كانت نبرته مفعمة بالتوتر، وكأنه يحاول أن يقنع نفسه قبل أن يقنع مهران.
"أنا لو كنت عايز أذيها، ما كان عندي مليون طريقة، من بعيد، مش هاجي برجلي لحد عندكم علشان أذيها."
كاد أن يشعر بالراحة عندما لمح على وجه مهران بعض علامات الاقتناع، لكن عذابه لم ينتهي بعد. أكد مهران وهو يرسم ابتسامة ساخرة على شفتيه:
"تصدق عندك حق. أصل انت مش غبي علشان تيجي عرين الأسد برجلك، و تاخد لبوته منه، ولا تأذيها، ولا أيه؟"
أنهى كلامه بغمزة من عينه، وهي إشارة تحذيرية ضمن إطار من الفكاهة، لكنه شعر بأطرافه تتدفق بالخوف. ثم ابتسم له بإستهزاء، قائلاً:
"نورت يا ابن عم الغالية، أتفضل معايا."
وأشار بيده على الشقة التي يقيم بها شريف، مما جعله يشعر بشيء من القلق. نظر له باستغراب، مستفسراً:
"أتفضل فين؟ هو إحنا مش المفروض نطلع عند ذات فوق؟"
زوي بين حاجبيه بتعجب، ثم تساءل بلهجة مشوبة بالشك:
"وأنت عرفت أزاي أن دي مش شقتنا؟"
لحظات من الصمت تخللها ضجيج أفكاره المتعثرة، مما جعل الجو متوتراً.أجابه يزيد بسرعة، وهو يشعر بأنه على وشك فقدان السيطرة:
"بابا اللي قالي على الدور اللي انتو عايشين فيه."
أومأ مهران برأسه بتفهم، لكن الابتسامة المزيفة التي ارتسمت على وجهه كانت أشبه بالتماسيح، مما أدى لزيادة توتر المحادثة. "تمام، بس أنا مش بقابل رجالة غريبة عند المدام. أتفضل معايا."
ضغط يزيد على أسنانه بغضب، مشاعره متقلبة كالأمواج المتلاطمة، فهو على وشك فشل مخططهم. تكلم بنبرة متوترة، كما لو أن كل حرف يخرج من فمه هو بمثابة رصاصة طائشة:
"بس أنا مش غريب، أنا ابن عم ذات."
نظر له مهران بغضب، محذراً بحدة:
"لو عايز لسانك يتقطع، هات اسم مراتي عليه تاني."
حل الصمت بينهما كالعاصفة التي تسبق هطول المطر، في تلك اللحظة ، ابتلع يزيد ريقه بصعوبة، وتلعثم كمن يختنق بكلمات غير محسوبة:
"ها...ب ب بس ذا...أقصد مراتك زي أختي."
ربت مهران بقوة على كتفه، كاد أن يخلعه من مكانه، والشرارة الغاضبة في عينيه تلمع:
"مدام مرضعتوش من بقرة واحدة، تبقوا مش أخوات. أتفضل معايا."
افتعل ابتسامة توتر، وهو يحاول تبرير نفسه:
"ها...مرة تانيه، إن شاء الله بالإذن. دلوقتي أفتكرت مشوار مهم."
ثم، كأنه في سباق مع الزمن، أنهى كلامه وركض سريعاً من أمامه، هارباً إلى الأسفل كغزال خائف، مغادراً المكان بسرعة جنونية، بينما ترك وراءه أجواء من الشك والتوتر تغمر المكان، فتح شريف الباب وهو يرقد على الأرض، حيث فقد السيطرة على ضحكاته، وكأن الضحك كان وسيلة للتخلص من الضغوط التي تثقل كاهله. تكلم بصعوبة، وهو يمسح دمعة من زاوية عينه:
"مش قادر، هموت من الضحك! من ساعة ما قولتله: مدام مرضعتوش من بقرة واحدة، تبقوا مش أخوات، قصف جبهه في قلب الهدف! أستاذ ورئيس قسم يا جدع، قدرت ترفع ضغطه بكلمة واحدة."
زفر مهران بضيق، ونظر إلى الأرض كما لو أن كل همومه تتجسد في الفضاء الذي يحيط به. ثم تحرك إلى الداخل، جلس على أول مقعد قابله، ضاغطًا على جبينه، وكأن الأفكار السلبية تتجمهر حوله. تحدث بصوت مختنق:
"مش عارف ألاقيها منين ولا منين، عقلي مش مستوعب اللي بيجرا. حاسس بحاجة طابقة على صدري. طلاقي لذات، وأبن عمها اللي متفق مع عاصم علينا، و عايز يأذيها ويحرق الدنيا، ولا ماهر اللي بيحاول يفهم أنا بعمل أيه من وراه، وأزاي. لحد دلوقتي أتسلم ليهم تلت شحنات متهربة من شغل عاصم المشبوه، ولا بابا اللي بيحاول يستخدم ماما طعم ليا علشان يشدني فى شباااكة، ولا أختي اللي كل يوم بشوفها بتطفي قدامي، وللأسف مش قادر أسامحها على اللي عملته، ولا قادر أتحمل وجعها وحزنها ده. قووولي أعمل أيه، يا شريف، العيب في مين؟ فيااا، ولا في قسوة الزمن؟"
شعر بالاشفاق على صديقه فهو يحمل كل شئ على كاهله يحاول يحمى الجميع ولكن الجميع يضعه فى وضع الجاني دائمًا، يود الصراخ بوجههم جميعًا، قائلًا الرأفة به قليلًا ولكن ما باليد حيله غير مواساته وأطلاق بعض الكلمات المسكنه لجروحة ربت على كتفه وقال بنبرة هادئه:
"أنت قدها يا مهران وربنا اداك قوة من عنده علشان تقدر تكمل وتكون جبل صامد ضد الزَلازِلُ والبراكين أنت لو وقعت كلنا هنقع علشان كلنا ساندين عليك أجمد يا بطل وسيبها على ربنا هو هيحلها من عنده، قوم يلا خد دش سخن فك بي جسمك وتعالى ناكل لقمة."

تنهد مهران بعمق، وكأنه كان يحمل أعباء العالم على كتفيه، ثم أومأ برأسه بالموافقة، عاقدًا العزم على المضي قدمًا رغم المصاعب. استقام بجسده وزفر بتوتر، وقال بصوت خافت لكنه مليء بالثقة:
"أعمل حسابك أنك من بكرة هتطلع تعيش معايا في الشقة فوق، علشان ذات ومهرة هينزلوا يعيشوا هنا."
نظر له شريف باستغراب، مظهرًا ارتباكًا في تعابير وجهه، ثم تساءل بحذر:
"طيب، ما تخليهم هما فوق زي ما هما، وأحنا هنا؟ لسة هينقلوا هدومهم وحاجاتهم، مش هتفرق كتير مدام انتوا الاتنين مش هتعيشوا في نفس المكان."
حرك مهران يده بعدم اهتمام، وكأن الهموم التي تتربص به لم تعد تعنيه أو تؤثر فيه. قال بنبرة مختنقة، تحمل الكثير من الألم والخيبة:
"مش فارقة معايا أي مكان هتخمد فيه. كده كده النوم متحرم عن عيني، مدام ذات مش معايا في الأوضة. بكرة أبقى أبلغها أنها تفضل زي ما هي، وأننا هنعيش أنا وأنت هنا."
كانت كلماته بمثابة اعتراف بالواقع المؤلم الذي يعيشه، حيث أصبح المكان الذي يجمعهم ليس منزلاً, بل مساحة تحمل الذكريات والأوجاع التي لا يمكن الهروب منها. أنهى مهران كلامه، وعبر إلى الغرفة وكأن خطوته كانت تمثل عملية التخلص من عبء ثقيل، أغلق الباب خلفه بقوة. تابعه شريف بحزن، فقد كان لديه رغبة قوية في أن يكون الدعم الذي يحتاجه صديقه في هذا الوقت العصيب. انتظر حتى اختفى مهران من أمام عينيه، ثم اتجه إلى المطبخ ليعد لهما وجبة طعام.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
بالفيلا الخاصه بعاصم الدويري

عندما استمعت نور إلى خطوات عاصم تقترب من الغرفة، أغلقت عينيها بتوتر، محاولة إبعاد نفسها عنه. كانت تدرك أن مشاعرها تتصارع، لكنها كانت تخشى أن تفقد السيطرة. لكن المفاجأة كانت عندما شعرت بيد عاصم تلتف حول خصرها بحنان، يوزع القبلات على عنقها برقة، كما لو كان يحاول أن يوقظ شيئًا مدفونًا داخلها. انتفضت في مكانها، إذ تملكها شعور متناقض بين الشغف والخوف، وتحدثت بصوت مختنق، قائلة:
"مش هينفع اللي أنت عايزه ده عندي ظروف."
توقف عما كان يفعله، لكنه أبقاها داخل أحضانه كما لو كانت آخر شيء يربطه بالعالم. ثم همس بصوت مشبع بالخصوصية، مثيرًا مشاعر القلق في قلبها:
"ولا يهمك يا نوري، الأيام الجايه كتير."
لم تتفوه بكلمة، لكن صمتها كان أقوى من أي كلام، مما جعل عاصم يشعر بتغير مفاجئ في وضعها. أجبرها برقة أن تلتفت إليه، وسأل بقلق، عينيه تحملان عبء شوقه:
"مالك يا عمري، إيه مضايقك؟"
أغلقت عينيها بضيق، وكأنها تحاول إغلاق أبواب عقلها أمام أفكارها المرهقة، وردت بصوت مفعم بالإحباط:
"مافيش، تعبانه شويه وعايزه انام."
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، معتقداً أن هذا هو تأثير هرمونات الدورة الشهرية، وقد أخطأ في تقدير الأمور. مرر أصابع يده بحنان على شعرها، شاعراً أنه يمكنه معالجتها بلطف، قائلاً:
"سلامتك يا حبيبي، تحبي تخرجي شويه؟"
هزت رأسها بالرفض، وأجابت بنبرة مختنقة، تتشبث بالأمل في الفرار من هذه اللحظة:
"لا، مش عايزه، قولتلك عايزه انام."
أومأ برأسه بتفهم، وقبل رأسها بحب كأنه يعدها بأنه سيكون دائمًا بجوارها. ثم قال:
"ماشي يا قلبي، نامي، تصبحي على خير."
أنهى حديثه، ونهض عن السرير، وتوجه إلى خزانته ليغير ملابسه، بينما كانت هي تغوّر في أفكارها المظلمة. زفرت بضيق، ونظرت إلى أثره بعينين غاضبتين، وكأنها تبحث عن سبب يزيد من حدة مشاعرها المتصاعدة. لم تتخيل أبداً أن هذا الوجه الملائكي ما هو إلا قناع كاذب، يخفي خلفه وجهه الشيطاني الذي كان يحاكي الأبعاد المعقدة لعلاقتها بعاصم. دعت الله أن يخلصها من هذا الجحيم الذي دخلت فيه بكامل إرادتها، والذي كان يجذبها نحو أعمق وأغمق على نحو متزايد.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»»
في صباح يوم جديد، استيقظ مهران على صوت رنين هاتفه، الذي كان يصرخ في صمت الغرفة كخنجر يخترق سكون الليل. تثاءب بتكاسل، فقد كانت عينيه لم تغمض إلا لدقائق معدودة، وكأنما كان الليل قد أصر على أن يكون طويلاً كعذابه. نظر إلى الهاتف فوجدها أخته مهرة، فأجاب عليها بنبرة جادة وغاضبة:
"أفندم، عايزة أيه؟".
وقبل أن تستجمع أفكارها، بدأت تتحدث بصوت ناعس، قائلة:
"أبيه، بتقولك ذات أنها جاهزة علشان تروح الشركة."
كانت هذه العبارة كفيلة بأن تزيد من استيائه. مسح مهران بيده على وجهه بغضب، مشتاقة نفسه للاسترخاء بدلاً من هذا الشجار الذي يرافقه. تحدث بصوت مختنق، عبّر فيه عن إحباطه:
"قوليلها نص ساعة بالكتير وهكون جاهز."
أنهى حديثه وأغلق الخط قبل أن يستمع لردها، ثم ألقى الهاتف بغضب على السرير، كما لو كان عنصراً من عناصر فوضى شغله الذهني. تكلم بنبرة غاضبة مع نفسه:
"شكلك ناوية تختمي على جناني يا ذات، ما انا كنت قافل على قلبي ومستريح من الغلب ده كله. الصبر من عندك، يا رب."
نهض من فراشه متجهاً إلى المرحاض، حيث كان الماء ينساب ساخناً على وجهه في محاولة لاستعادة وعيه. وبعد دقائق قليلة خرج، ارتدى ملابسه ومشط شعره بطريقة تعكس تلك الجدية التي يشعر بها، وأدى فرضه قبل أن يخرج من الغرفة. وجد شريف ما زال نائماً، ففتح باب الشقة وأغلقه خلفه بحذر، ليصعد إلى الأعلى. طرق على الباب وانتظر أن تفتح له، وكأن تلك اللحظة كانت قاسية كبرودة الجو في الخارج. وبعد ثوانٍ معدودة، ظهرت أمامه بكامل أناقتها، مما جعل قلبه ينبض بسرعة غير معتادة. نظر إليها بإعجاب شديد، ولكنه أغلق عينيه بغضب عندما دفعتْه بقوة من ذراعه وابتعدت عنه، هابطة على الدرج. أخذ نفساً عميقاً ليهدأ، متجاهلاً خفقات قلبه، وتبعها نزولاً. عند وصولهما إلى السيارة، فتح لها بابها الأمامي، لكن تجاهلها لذلك جعل الدماء تتدفق إلى وجهه من شدة الغضب. فتحت الباب الخلفي لتصعد إلى المقعد وتغلقه من خلفها. ضغط على أسنانه بنفاذ صبر، كان وجهه يعكس صراع بين مشاعر الغضب والقلق. دفع الباب بقوة، وانتقل إلى الجانب الآخر ثم صعد أمام المقود. أدار المحرك وانطلق بها بسرعة جنونية، مما جعلها تنتفض بفزع من شدة سرعة السيارة، لكنها احتفظت بالصمت، وعبرت عن تشتت أفكارها بالتركيز على المدينة التي تمر بها، كأن الشوارع تسرد لها حكايات الهدوء الذي تتوق له. بعد عدة دقائق، وصلا أسفل الشركة، وكادت أن تهبط من السيارة. لكن صوت مهران الغاضب أوقفها، حيث قال: "حسك عينك أشوفك واقفة مع أي راجل. شغلك جوه مكتبك، مش عايز حركات جنان. وابن عمك اللي اسمه يزيد ده لو حاول يتكلم معاكي ارفضي بأي طريقة. وأياكي تحاولي تستفزيني، علشان وقتها انتي اللي هتندمي. مفهووووم؟"
كان صوته كالرعد، مما جعلها تشعر بالتوتر، لكنها نظرت له بضيق ولم تجبه، كما لو كانت تتحدى سلطته. وكادت أن تنزل من السيارة عندما سمعت صوته الصارخ الحاد: "مفهوووووم؟ لما أكلمك تردي عليا."
ابتلعت ريقها بصعوبة، وبصوت متحشرج قالت بتلعثم:
"أنا مش عيلة صغيرة، وعارفة بعمل أيه كويس أوي. مش هستنى أوامر منك."
كان تحديها له بمثابة شرارة لألسنة الغضب المتوقدة في داخله، مما زاد من حدة التوتر بينهما. ضغط على أسنانه، وقبل أن يتكلم، ترجلت ذات من السيارة راكضة بخوف شديد من هيئته الغاضبة إلى داخل الشركة، وكأنما كانت تنفصل عن عالمه المفعم بالقلق والصراعات. نظر إلى الأعلى، طالباً من الله عز وجل أن يصبره على هذا الابتلاء ويعطيه القوة حتى لا يتهور ويرتكب مصيبة من وراء هذه البلوة. ولكن عندئذٍ لم يكمل دعاءه، بل وجدها تقف مع جميع الموظفين، الرجال منهم والنساء، يرحبون بعودتها إلى الشركة مرة أخرى، وكان مشهدهم كوجبة دسمة لمشاعر الغيرة والغضب التي تتلاطم داخله. تكلم بنفاذ الصبر:
"هتشل كأني بقول الكلام ده لأمي، مش ليها. هموتك يا ذات."
ترجل مهران من سيارته سريعاً وتحرك باتجاه ذات، وهي عندما رأته يقترب تركت الموظفين وركضت مسرعة إلى مكتبها، وجعله هذا يشعر بأن كل تلك الهالة التي أحاطت بها أثناء وجودها مع الآخرين كانت مجرد تمويه لحماية نفسها من غضبه. تحرك بخطوات سريعة لكي يلحق بها، لكنها كانت الأسرع. دلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها بإحكام، وكأنما كانت تحصن نفسها من عواصف مشاعره. طرق على الباب بغضب وتكلم بنفاذ صبر:
"افتحي الباب يا ذات، افتحي الباب لآكسره فوق دماغك."
كانت الكلمات تتدفق من بين شفتيه كزخات المطر الغزير. تكلمت من خلف الباب بتحدٍ قائلة:
"ما تقدرش تعمل كده، على فكرة. وبعدين أنا قولتلك ملكش عندي حاجة. انت مش أكتر من حارس شخصي ليا وبس. ولو عليا مش عايزة أشوف وشك خالص. ملكش دعوة باللي بعمله يا مهران."
أعاد ترتيب أفكاره، بينما اكتشف أن دعوته للهدوء تلاشت تحت ثقل كلامها. طرق على الباب بغضب:
"افتحي الباب أحسنلك، ما أنا هطولك يعني هطولك."
تكلمت بعناد، ورغم كل شيء، لم تستطع مقاومة روح التحدي التي اجتاحت قلبها. أجابته بابتسامة شامتة:
"مش فاتحة ووريني هتعمل أيه."
لم تستمع لإجابته، وخيم الهدوء على المكان مما أثار الريبة عند ذات. ابتلعت ريقها بتوتر وقالت:
"د د ده راح فين ده؟"
لكنها تفاجأت بصوت تكات المفتاح من الخارج، وفتح الباب. انتفضت بخوف وكادت أن تركض، لكنه كان الأسرع. أغلق الباب بقوة وأسند ظهرها عليه، ونظر إليها بغضب شديد قائلاً:
"قولتلك بلاش تتحديني علشان هتخسري. انتي مش قدي، حذرتك من غضبي، وأنتي آخدي كلامي باستهتار."
تكلمت بصعوبة، وقلبها يرتعد من شدة الخوف:
"ا ا ابعد عني يا مهران، بقولك سيبني أحسنلك."
ضغط بقوة على ذراعيها وأقسم بتحذير:
"لو أتكرر اللي انتي عملتيه ده تاني، أقسم بالله لأكسر إيدك اللي بتسلمي بيها على الرجالة، يا ذات. آخر مرة هحذرك."
نظرت له بتحدٍ، وحاولت أن تسترجع جزءاً من شخصيتها الشقية قديماً، حيث كانت تحن لتلك الأيام التي كانت فيها سيدة قرارها. حركت يدها على صدره بإغواء، وقالت:
"ما تيجي نعمل معاهدة سلام يا مهورتي ونبقى لطاف مع بعض زي أول ما اتقابلنا."
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، واقترب أكثر منها، هامساً بلهجة مثيرة:
"بلاش تلعبي بالنار يا قطة، علشان أنا هموت عليهم وماسك نفسي عنك بالعافية."
أعقب كلامه بغمزة وقحة وهو ينظر إلى شفتيها، مما جعل قلبها ينبض بشدة، وداخلها مشاعر مختلطة من الغضب والافتتان. اعتدلت سريعاً، ونظرت إلى الاتجاه الآخر بخجل، وهي تشعر بأن موقفهما يزيد الأمور تعقيداً. قائلة بتوتر:
"ا ا انت قليل الأدب."
تعالت ضحكاته الرجولية، وقال بمزاح:
"يا سلام عليكي انتي يا ترعة الأدب والاحترام. الله يرحم، فاكرة إيدك كانت بتعمل أيه، ولا أفكرك بطريقتي؟"
تكلمت بغضب شديد وهي تحاول إبعاده عنها:
"مهران احترم نفسك، ومتنساش انك دلوقتي طليقي. واللي بتعمله ده حرام، وميصحش. وياريت مش كل شوية تفكرني أنا كنت إيه، علشان أنا بحاول أنسى وأبقى شخصية تانية وجديدة."
ابتعد عنها، ولانت نبرته قائلاً:
"أنا مقصودش، على فكرة. أنا بحاول أستخدم أسلوبك في الاستفزاز مش أكتر. وياريت انتي كمان تسمعي الكلام، وبلاش تستفزيني."
أنهى كلامه وخرج من عندها بغضب، تاركاً خلفه عمق المشاعر والصراعات التي لا زالت تتفاعل بينهما. نظرت إلى أثره بدموع، وتنهدت بوجع، عائدة بخيالها إلى تلك اللحظات الجميلة التي قضتها معه. ثم التفت ونظرت إلى مكتبها بشوق، مسترجعة ذكرياتها به منذ أول مرة استلمت فيها العمل بشركة عائلتها، تلك الشركة التي كانت تأمل أن تكون رمز استقرارها. تحركت ببطء شديد إلى مكتبها وجلست على مقعدها، وحركت يدها عليه كأنها تتأكد أن هذا حقيقي، وليس مجرد حلم. ازدادت دموعها عندما تذكرت حياتها السابقة وما عانته من الإدمان، وحياة أغضبت بها ربها كثيراً، في وقت كانت تشعر فيه بأنها تائهة. وفى ذلك الوقت، سمعت صوت طرقات على الباب. أمرت بالدخول، فوجدتها السكرتيرة الخاصة بها، قائلة بترحاب:
"حمد الله على السلامة يا فندم. الشركة نورت برجوع حضرتك."
ابتسمت لها، وقالت بود:
"الله يسلمك. ممكن تجيبي ليا كل الملفات الخاصة بالشركة، وكل الصفقات اللي تمت في غيابي."
أومأت رأسها بالطاعة، وقالت:
"حاضر يا فندم. ثواني ويكون عند حضرتك كل حاجة، تأمري بأي حاجة تاني؟"
أومأت رأسها بالتأكيد، وقالت:
"ايوه ياريت تجيبي ليا واحد قهوة مظبوط."
أومأت رأسها بالطاعة، وخرجت من عندها بعد عدة دقائق، أحضرت لها ما تريد وبدأت ذات تتابع العمل الخاص بها، بينما كانت كل مشاعرها تتضارب داخلها، بين الشوق للماضي وبين الرغبة في الخروج من تلك الدائرة المغلقة التي رسمها مهران لها.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close