رواية شهادة قيد الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم دودو محمد
"شهادة قيد"21
"الفصل الواحد وعشرون"
نهض شريف سريعًا، هاربًا من أسئلة مهران وماهر المتواصلة، قائلاً:
"ا ا أنا نازل تحت أشوف شغلي."
تحرك نحو الباب، ولكن سرعان ما توقفت خطواته، مصدومًا عندما سمع صوت مهران المتساءل بحدة:
"بتحبها!؟...الدقائق التي مرت كأنها ساعات، حيث كان التوتر يتسرب إلى أعماقه وكأن قنبلة زمنية على وشك الانفجار. التف له بتوتر وتكلم بصعوبة:
"ها...ق ق قصدك على مين؟"
نهض مهران من مقعده، ناديًا بصوت جدي، حيث كان صوته يعكس أهمية الموقف ووزن الكلمات التي كان سيقولها:
"أنت فاهم كويس اقصد مين."
تنهد شريف بعمق، ومشاعر مختلطة تتلاطم في داخله كالعواصف الهائجة وهو يعيد اكتشاف نفسه في تلك اللحظة. أدرك أنه لا مفر من الحديث عن مشاعره تجاه مهرة، تلك الفتاة التي احتلت قلبه منذ سنوات. لم تكن مجرد فتاة في حياته، بل كانت الشخص الذي أضاء له دروبه المظلمة:
"ايوه، بحب مهره يا مهران.. بس يشهد عليا ربنا، عمري ما فكرت اقرب منها ولا أبص ليها نظرة كده ولا كده. من أول مرة شوفتها وهي لسه صغيرة بضفاير، حسيت بشعور غريب ليها، شعور بالمسؤولية. ومع الوقت، وأنا بشوفها بتكبر قدام عيوني، كان حبها يكبر في قلبي زي شجرة تتجذر في الأرض. كنت مستني تخلص تعليمها و أتقدم ليها، بس والله محاولتش أقرب منها ولا مرة. لكن وجودها قصادي هنا على طول خلاني أتشد ليها أكتر، وكل يوم بلوم نفسي بسبب التقارب اللي حصل الفترة دي."
أخرج ما في جعبته من حديث، كمن يفرغ بحار من المشاعر إلى شاطئ دوار، وظل يتابع ردود أفعال مهران وماهر بتوتر شديد، كما لو كان ينتظر حكم الإعدام أو ربما الجائزة الكبرى.أخيرا، تكلم مهران بسعادة، وكأن ثقل العالم قد زال عن كاهله:
"واحنا مش هنلاقي لأختنا احسن منك.. أنا عارف إنك راجل وعمرك ما كنت هتقرب منها، وهتفكر في صداقتنا قبل أي حاجة. وأنا أوعدك أن أختي مش هتكون غير ليك، تخلص بس الجامعة بتاعتها."
تهللت ملامح شريف بسعادة، متحدثًا بعدم تصديق:
"قول والله أحلف كده!! أوعى تكون بتهزر.. رد يا مهران بتتكلم بجد؟"
ضحكات ماهر ومهران تعالت كأنها موسيقى تعزف في قلبه، ثم قال مهران بصعوبة وهو يشعر بالنشوة:
"الحمدلله، مبقاش عندك عقل خالص. قولتلك مهره هتكون ليك، بس حسك عينك توزك دماغك تسبل ليها كده ولا كده، صدقني هخزقهم ليك يا قلب أخوك."
احتضن شريف مهران بسعادة، معبرًا عن شكره وامتنانه لصدقته التي لا تقدر بثمن:
"بجد، والله العظيم أنت أطيب قلب عرفته، وأعظم أخ في الدنيا. بشكرك على كل حاجة حلوة عملتها ليا، وربنا يديم ما بينا الود والمحبة."
ربت مهران على ظهر شريف بابتسامة تحمل معاني الثقة والإخوة، وكأن الأخوة كانت جسرًا يربطهما في كل الظروف:
"وأنت راجل بجد وجدع. لو مكنتش واثق فيك وعارف إنك هتصون أختي، وهتشيلها في عيونك، ما كنتش هوافق عليك."
تحدث ماهر بمرح، وكأنه يحاول تخفيف التوتر الذي كان بينهما:
"أنت يا ابني، منك ليه مش ناسين حاجة؟ رأي مهرة نفسها!! إحنا مش عارفين هتوافق ولا لأ، خصوصًا فرق السن كبير ما بينكم. أنا لو عليا، موافق طبعًا.. ومش هلاقي لأختي أحسن منك. بس الرأي الأول والأخير لصاحبة الشأن نفسه."
شعر شريف بقلق يتغلب عليه، إذ أن مجرد التفكير في عدم موافقة مهرة عليه جعل خافقه يدق بشكل مستمر، مثل دقات قلب يخاف من المجهول. لاحظ مهران حالة صديقه، فتحدث سريعا لتهدئته مثل مؤيد حقيقي:
"مهره لسه صغيرة، وبعد التجربة اللي مرت بيها، هتخاف تختار حد وتنصدم فيه. وأكيد هتاخد رأينا في شريف وهتقتنع بي."
هدأ قلب شريف قليلاً، تنهد بارتياح وقال:
"هو أنا ممكن قبل ما انتوا تكلموها في موضوعي، أقعد معاها في مكان عام بره، واتكلم معاها الأول؟"
نظر ماهر إلى مهران كأنه يستمد منه الأمان، فكانت النظرات بينهما كفيلة بشرح ما يدور في خلايا عقولهم. فتحدث مهران بنبرة هادئة وشاعرية، كأنه ينظم قصيدة حب:
"طبعًا موافق، حقك.. بس مش دلوقتي خالص لما تخلص امتحاناتها الأول."
تراقصت دقات قلب شريف بسعادة، قائلاً بشكر وامتنان:
"مش عارف أقولكم إيه.. بجد ربنا يخليكم ليا ويسعدكم يارب. هنزل بقي عندي شوية ملفات مرضى في المصحة هشوفهم."
انهى كلامه وخرج سريعًا من عندهم، وهبط إلى الشقة، حيث كانت هناك روح جديدة تنتظره بشغف.نظر ماهر إلى أثر شريف ثم قال بتوضيح:
"أنت ناسي أبوك. مستحيل يوافق على شريف بسهولة كده، علشان فرق السن اللي بينه هو وأختك، وكمان فرق المستوى المادي اللي بينا."
نظر مهران له بضيق وحرص، وكأن مشاعره تحركت في داخله:
"والله هو حر يوافق ولا ميوافقش.. دي حاجة تخصه. أهم حاجة عندي مصلحة أختي. وأنا شايف إن شريف أنسب واحد ليها، وراجل بجد، وبيحبها وهيصونها كويس."
أومأ ماهر برأسه مؤكداً، بينما كان الشغف لا يزال يشتعل في عروقهم:
"أنا عارف كل ده وشايف إنه راجل وجدع.. أنا بكلمك على بابا. دي بنته، ورأيه هو اللي هيمشي في الآخر."
تحرك باتجاه الباب، وهو يردد كأغنية تعزف في عقله:
"وقتها يبقى يحلها ربنا، بلاش نسبق الأحداث. أنا هروح أتطمن على ذات."
أنهى كلامه وخرج من الغرفة، تاركًا ماهر في حالة من التفكير العميق.تنهد بقلق وخرج هو الآخر مغادرًا البيت، لكنه تقابل مع صديقة مهره. ابتسم لها باهتمام وكأنه يفتح لها باب الأمل وقال:
"آنسة سارة، عاملة إيه؟"
ابتسمت بخجل وصراع داخلي، حيث كانت الأحداث الأخيرة ستؤثر على لقاءاتهما القادمة، وردت:
"ا ا الحمدلله، كويسة. مهره عاملة إيه دلوقتي؟ أصل من يوم اللي حصل ده، معرفتش أجي أسأل عليها لأن حصل معايا مشاكل مع أهلي بسبب خطفي، وكانوا مانعين نزولي من البيت."
أومأ برأسه بتفهم، قائلاً بكل حرص:
"متقلقيش، مهره كويسة، بس محتاجالك جنبها الفترة دي."
ابتسمت له برقة، وأجابت بنبرة هادئة، وكأنها تسعى لإيجاد حل سحري لوضعها:
"حاضر، هكون جنبها الفترة الجاية.. بس طبعًا مش هقدر أتاخر هنا، لأن هما سمحوا ليا أنزل، بس بحدود ووقت معين أكون فيه في البيت."
نظر إليها نظرة مطولة، وكأن كل كلمات العزاء تتلاشى في عينيه قبل أن يردد بابتسامة تحاول أن تكون شجاعة:
"متقلقيش، أنا كل يوم هوصلك لحد البيت.. بس أهم حاجة خليكي الفترة دي جنب مهره."
شعرت بشعور غريب جعلها تتوتر وتزوغ بنظرها بعيدًا عن ماهر، واكتفت بأمأة خفيفة برأسها، وكأن شيئًا ما حرك فؤادها.
فهم ماهر ما يدور في رأسها، فتحدث بنبرة هادئة، وكأنه يفتح لها نافذة الأمل:
"اتفضلي يا آنسة سارة، اطلعي لصحبتك."
ركضت سارة سريعًا إلى الداخل، وهي تشعر بالتوتر وتبحث عن طريقة لتهدئة حالها من الشعور المفاجئ الذي اجتاح قلبها عندما رأت نظرته لها. أما هو، فأرتسمت ابتسامة على ثغره، إذ شعر بخجل سارة وتوترها وكأن ثمار الفرح تتجدد في داخله ثم تحرك باتجاه سيارته وصعدها، متوجهًا إلى عمله.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
خرجت ذات من المرحاض بعد أن أنهت شاورها، مقدمة لجسدها لحظات من الاسترخاء. كانت تنظر إلى نفسها في المرآة، تحمل في عينيها مزيجًا من الأمل والحزن، فكل بؤرة من الضوء المتناثر في الغرفة كانت تعكس التغير الذي تشهده. وقفت تمشط شعرها برفق، بينما كانت كل قطرة ماء تسقط منها تتبعها دمعة من عينيها، ذاكرةً حالها الذي عاشته بين الألم والانهيار. كانت تتخيل وجهها القديم، الذي مزقته المعاناة، من الصعب عليها تجاهل أثر الأيام القاسية، لكنها التزمت بالعمل على تحسين نفسها. تنهدت بوجع، محاوِلةً إزالة عبراتها، ثم ارتدت ملابسها الأنثوية، التي اختارتها بعناية لتعكس تحولًا داخليًا يحتاج لعالم جديد. فرشت سجادة الصلاة، التي أصبحت ملجأها في الآونة الأخيرة، ورأتها تلمع كنجمة في سماء مظلمة، وقفت بخشوع بين يدي الله، حيث وجدت فيه السكينة التي غابت عن حياتها. مع كل حرف كانت تنطقه، كانت دموعها تنهمر نادمة على ما فعلته من فحشاء وذنوب أغضبت بها الله، ومع ذلك، كانت تثق في رحمته الواسعة. ظلّت على هذا الوضع حتى أنهت صلاتها، ثم جلست على الأرض وبدأت تستغفر الله، قائلةً كلمات الشكر والتوبة، حتى سمعت صوت فتح باب غرفتها. لم تكن بحاجة لتلتفت لتعرف من هو، لأن قلبها تعالت دقاته، وشعرت به من قبل أن تراه بعينيها، كأنه يعرف كيف يدخل حياتها ويملأ فراغها. ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيها، والتفت له، لتجده ينظر إليها بعشق خالص، وكأن أمامه أجمل لوحة أبدعتها الحياة. نهضت من على الأرض وسألته بتساؤل:
"بتبصلي كده ليه؟"
اقترب منها وملس على وجهها برفق، كأنه يتلمس روحها قبل جسدها، وقال بسعادة:
"فرحان أوي وأنا شايف التغير ده فيكي. قلبي راهن عليكي وانتي مخذلتهوش يا ذات، انتي نعمة كبيرة أوي من ربنا أكرم بيها عليا. ربنا يخليكي ليا يا أجمل ما في حياتي."
ابتسمت له بخجل، وأحست بشعور جديد يملأ صدرها، وقالت بحب:
"البركة في مامتك، هي اللي ساعدتني أتغير. علمتني الصلاة والقرب من ربنا، لاقيت نفسي في صلاتي، وقرأت القرآن. الراحة اللي بحس بيها في الوقت ده عمري ما حسيتها في حياتي القديمة. بحس بأيد بطبطب عليا بحب وسكينة غريبة."
كانت تواصل حديثها بينما يستمع لها مهران بكلمات مفعمة بالسعادة، غير مصدق أنها ذات التي عرفها منذ وقت قصير. احتضنها بقوة، ليبث لها كم يكن لها من العشق، وأصبحت هي تمسك به كأنها تحاول الاندماج داخل صدره، تستمع لدقاته وكأنها سيمفونية تعزف على أوتار القلب، فكل نبضة كانت تخبرها بمدى حبّه الذي لا يعرف الحدود. ظلوا على هذا الحال لزمن لا يعلمانه، كأن الزمن توقف ليشهد هذه اللحظة الفريدة. أخيرًا، تكلم مهران بصوت عاشق قائلاً:
"أنا اتصلت بعمك وبلغته إنك عايزة تشوفيه، قال إنه هيخلص شغل في الشركة وهيجيلك آخر النهار."
اومأت برأسها وظلت ساكنة داخل أحضانه، حيث شعرت بالأمان الذي فقدته طيلة سنوات. أبعدها عن حضنه ونظر إليها بعينيها، ثم همس قائلاً:
"عايز أكملك الكلام اللي كنت هقوله ليكي قبل ما مهرة تخبط علينا الباب."
حركت رأسها بالرفض برفق، وقالت:
"مش دلوقتي، أرجوك يا مهران، أجل الكلام بعد مقابلة عمو سليم، ممكن؟"
نظر لها باستغراب، لكنه أومأ برأسه بالموافقة، وفي قلبه يعتمل شوق لمعرفة ما تخبئه. قال:
"أنا مش هسألك ليه، ولا إيه سر طلب مقابلتك لعمك. هسيبك براحتك، علشان لو انتي حابة تحكي، كنتي هتعملي كده من غير ما أطلب ده، بس كل اللي عايزك تعرفيه أني بعشقك، انتي المعنى الحقيقي للحياة."
ابتسمت له وارتمت مرة أخرى داخل أحضانه. أرادت فقط السكون والاستمتاع بدقات قلبه العاشقة لها ورائحته المنعشة، التي كانت تشبه عطر الربيع، وتجعلها تنسى كل همومها. وما عليه إلا أن ينفذ رغبتها دون أي اعتراض، فتحت ضمته لها وانجرفت في عالم آخر. حملها من على الأرض وتحرك بها إلى السرير، محتفظاً بها داخل حضنه كأنه يحمي كنزه الثمين. جلس ووضعها على قدمه، وظل يحرك يده على شعرها بحنان، وكأن كل حركة تعكس كل حبّ يكنّه لها، تاركًا إياها تستمتع بالسكون الذي تريده وبلسم الأحلام في قلبها. أخيرًا، تكلمت بتساؤل، قائلة:
"مهران، هو انت حبتني شفقة لما شفت الحالة اللي كنت فيها، ولا حبتني علشان شخصيتي أنا كذات، أقصد القديمة مش الجديدة؟"
رد عليها بهدوء ليبث لها صدق كلامه قائلاً:
"أنا حبيت ذات، بس ذات اللي من أول لحظة قابلتها. شفت جمال قلبها رغم روحها الهشة، وقدرتها على الخروج من الأزمات. حبيت خفة دمك وضحكتك، كل كلمة منك مليانة براءة. حبيت طفولتك، وحبيت الأنثى اللي بتطلع معايا، حبيت البنت اللي رغم ظروف حياتها بتحافظ على نفسها كويس أوي. حبيت شخصية ذات الجادة وقت الشغل، وتوقف قصاد الكل بمليون راجل، وآخيرًا عشقت ذات المتدينة الجميلة الرقيقة، حبيبتي."
ابتعدت عن حضنه ونظرت له، لتركيز عينيها على عينيه حتى ترى صدق كلامه، بينما تبحر في عمق عواطفه. وبالفعل، رأت هذا بوضوح، كانت بداية صفحة جديدة لكل منهما. للمرة الأولى، أخذت هي خطوة التقرب منه، اقتربت من شفتيه وقبلته، رغم جهلها في هذه الأمور، إلا أنها شعرت بحاجة ماسة لذلك، كأنها تجد مرساها في وسط بحر عاصف. رقص قلب مهران بسعادة، فهي تقترب منه وترغب في ذلك، وكأنها تعبر له عن كل ما في قلبها، حتى تخرج ما يكمن في أعماق روحها. أحاطها بذراعيه بقوة، حتى عمق تلك القبلة، وكأنها تعبر عن شوق المضطرب، وظلوا على هذا الوضع حتى شعروا بحاجتهم للتنفس. ابتعدوا بأنفاس لاهثة، وأسند رأسه على مقدمة رأسها، وتكلم بصوت متهدج، فالحب ملأ صوته الدافئ:
"أنا فرحان أوي يا ذات، علشان انتي اللي أخدتي الخطوة دي. حبيتها أوي منك، متحرمنيش منها أبدًا، ممكن؟"
أغلقت عينيها بخجل، وتكلمت بصعوبة، كأن الكلمات تصغر في ظل مشاعرها الجارفة:
"ملاقتش طريقة أوصل بيها عشقي ليك إلا الطريقة دي. الكلام كله مفيش كلمة واحدة توصف اللي جوايا ليك، يا حبيبي."
طبول تعلن عن حرب داخلية بقلب هذا العاشق، نطقها بهذا اللقب جعل منه شابًا مراهقًا، وحلمًا يسعى إلى تحقيقه. رسمت داخل مخيلته أشياء، لو فعلها لجعلتها ترتعد منه، ولكن تمهل قليلاً، فهذه الخطوة لم تأتي بعد. لن ينجرف إلى هذا التفكير إلا عندما ينفذ ما تم تخطيطه، فكر في الأيام المقبلة التي ستجمعهما معًا. ضمها بقوة، كاد أن يكسر عظامها من شدة الضمة، لكنه سرعان ما انتبه إلى أنين ضعيف منها من الألم، فأرخى ذراعه عنها قليلاً، مقبلًا رأسها قائلاً:
"وأنا بعشقك يا روح وقلب حبيبك."
عاد الصمت إليهما، لكن قلوبهما كانت تعج بالمشاعر الجميلة التي تعزف أصواتًا تنسج لحن الخلود بينهما، كأن الزمان قد تجمد لحظة وهما في أحضان بعضهما، ينظران إلى العالم من خلال عيون حبيبة وحبيب هما الأمل الحقيقي لكل منهما.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
دوى جرس الباب الخاص بشقة مهران، كان صوت الجرس كأنه صدى آلامها، مما جعل مهره تتحرك بحزن عميق. عندما قامت بفتح الباب ورأت صديقتها ساره أمامها، شعرت وكأنها رأت المنقذ في عز حزنها. دون تردد، ارتمت مهره داخل أحضان ساره، بينما سمحت لدموعها بالانهمار. فقد كانت ساره دائمًا وأبدًا بجانب مهره في أصعب أوقاتها، تجسد لها الصديقة الحقيقية التي لا تتخلى عنها في أوج الأزمات.
ربتت ساره على ظهر مهره بحنو ورقة، وتركتها تبكي حتى تستريح، رافضة أن تُشعرها بأن مشاعرها ليست مهمة. وبعد لحظات من البكاء، ابتعدت مهره وحاولت استجماع شتات نفسها وسمحت لها بالدخول.
فاجأت ساره الأجواء بمزاحها البسيط، وقالت بنبرة مرحة:
"أخيرا هتدخليني! أنا قولت هتخدي غرضك مني وبعدين هتقفلي الباب في وشي."
ابتسمت لها مهره بضيق، فالسخرية كانت محاولة للتنفيس عن عواطف مختلطة، وقالت:
"على فكرة، أنا زعلانة منك، كل ده متسأليش عليا، حتى مكنتيش بتردي على تليفونك."
تنهدت ساره بعمق، كانت تشعر بضغط مهره، فقالت بصوت مختنق:
"تعالي بس اوضك وجوه هحكيلك كل حاجة حصلت معايا."
وبالفعل، تحركتا الاثنتان إلى الغرفة، وأغلقت مهره الباب خلفها، ونظرت إلى ساره بعيون ملؤها الحزن، وقالت:
"ها، بسمعك، اتفضلي."
جلست ساره على الأريكة، وبدأت تقص لها ما حدث، ومنذ تلك اللحظة، تحولت الكلمات البسيطة إلى سيلٍ من الأحداث والتجارب المؤلمة.
"بعد ما أخوكي روحني من عندك يوم الحادثة، لاقيت ماما وبابا وأخويا قاعدين كانوا هيموتوا من القلق عليا. لان باقي أصحابنا حسوا بغيابنا واتصلوا عليهم يسألو علينا، وقالوا ليهم إننا مختفين من بدري. ولما حكيت ليهم كل اللي حصل، حلفوا عليا إني منزلش من البيت تاني، واخدوا مني التليفون واللاب وكل حاجة، سيبتهم يفرغوا غضبهم كله فيّا، وبعدها قعد اتحايل على ماما علشان تخليني أكلم خالو محمد لأنه الوحيد اللي بابا وأخويا بيسمعوا كلامه، وهو الوحيد اللي بيفهمني اصلا. بصعوبة، وافقت ماما، وكلمته وجالي. وبالعافية، قدر يخلي بابا وأخويا يوافقوا إني أرجع أنزل الجامعة ويرجعوا ليا كل حاجة من تاني، لكن طبعا بشروط: متأخرش بره البيت، مفيش أي رحلات تاني، أحم يعني اقطع علاقتي بيكي، بس انا موافقتش، واعترض وقولتلهم انك صاحبة عمري، مقدرش ابعد عنك وافقوا أننا نفضل اصدقاء بس مافيش اي خروج مع بعض فى أي مكان، حتى وجودي هنا اضريت اكذب عليهم وأقولهم أن رايحه ازور واحده تانيه علشان مريضه."
نظرت مهرة مباشرة إلى وجه ساره، وكانت تنضح بالحنق، قالت:
"ليه يا أختي، أنا كنت بسرحك في الشقق مع الرجالة؟ تصدقي بقى، أهلك دول ولاد كلب."
تعالت ضحكات ساره، بينما حاولت تجاوز الغضب بالمزاح، وقالت بحبكة:
"نفسي أفهم لسانك الزفر ده طالع لمين. واللي يشوفك قدام إخواتك، كيوت وهاديه، ميشوفش شخصيتك التانية معايا، شخصية زباله يا حبيبتي ما شاء الله."
ابتسمت مهره واحتضنت ساره بسعادة، وعبّرت عن شوقها:
"واحشتيني أوي والله يا سرسور! بقالى كتير مخرجتش الشخصيه التانية دي."
لكن ساره لم تستطع مقاومة الشك، فنظرت لمهره بتوجس، وقالت:
"ميهو، يا مهاميهو، أنا ليه شايفه لمعة غريبة في عيونك، اعترفي، اللمعة دي لمين؟"
عادة مهره إلى العبوس، وجعل الحزن يرتسم على وجهها، فقالت بصوت مختنق:
"مش عارفة أقولك إيه يا ساره، بس في الأواخر كده بتحصلي حاجات غريبة، مش حابه اللى بحس بيه ده، لأن مينفعش ده يحصل."
ظلت ساره تتابعها بعدم فهم، وحركت رأسها بتيه، وقالت:
"انتي بتقولي إيه يا بنتي بالظبط؟ أنا مش فاهمة حاجة."
تنهدت مهره بوجع وقالت بحزن:
"ولا أنا فاهمة نفسي والله يا ساره."
نهضت ساره من على الأريكة، وجلست بجوار مهره، قائلة بنبرة هادئة:
"احكيلي يا مهره عن اللي حاسه بيه، وأنا هقولك انتي صح ولا غلط زي ما متعودين."
أخذت مهره تنفسًا عميقًا، وأخرجته بهدوء وقالت:
"أناااا اا أنا شكلي كده حبيت شريف، صاحب إبيه مهران."
أنهت كلامها وظلت تراقب ردت فعل ساره على ما قالته، تبحث عن دعم الصديقة التي تحمل عبء مشاعرها.
سكتت ساره لبضع ثوانٍ، وأخيرًا تكلمت بنبرة هادئة:
"طيب قبل ما أقولك رأيي، عايزة أسألك سؤال: أنتي اللى حاسه بيه ده حب ولا انجذاب ولا احتياج لشخص زيه في حياتك؟"
نظرت لها مهره بعدم فهم، وقالت بتساءل:
"يعني أيه؟ مش فاهمة؟"
تنهدت ساره بنفاذ صبر، ثم وضحت:
"يعني أشك أنه ده حب، لأنك لسه خارجة من تجربة مش سهلة، ومش بسهولة كده قلبك هينفتح لحد تاني. أما لو انجذاب، ده هياخد وقته ويروح، يعني شئ مؤقت ومافيش منه خوف، الخوف الحقيقي كله ليكون ده احتياج، يعني أنك عايزة حد يعوض نقص عندك، وده مش هيكون عند صاحب أخوكي بس، لا هيكون مع أي راجل تقابليه، وممكن حد مش كويس يستغل ده بشكل مش لطيف.مع ان، أنا شايفة إخواتك ما شاء الله عليهم، مش مخلينك محتاجة حاجة زي كده، بالعكس هم جدعان بيعوضوا جفاف أبوكي معاكي في المعاملة بالاحتواء والمحبة. كده يبقى عندك أنتي المشكلة يا مهره، ولازم تعالجي الأسباب بسرعة. ولعلمك، أنا مش معترضة أبدًا لو حصل حب بينك وبين صاحب أخوكي حتى لو كان أكبر منك في السن، مدام هو راجل وهيصونك، وأكيد هيعمل كده بعلم أخوكي. بس الأول، أنا عايزاكي تتأكدي من مشاعرك دي، ليه؟ زي ما قولتلك."
نظرت مهره إلى صديقتها بتيه، ولم تستطع فهم مشاعرها كما حاولت ساره أن توضح. فتنهّدت بقلة حيلة وقالت:
"ايا كان الأسباب أيه، انا قررت أبعد الفكره أصلاً من دماغي، لأني مش صح اللي بتحصل ده، شريف صاحب أبيه مهران صاحب عمره، يعني أخاف يخسروا بعض بسببي."
ابتسمت ساره وقالت بصوت هامس:
"بتحلمي وجوده قصادك طول الوقت، مش هيديكي فرصة تشيلي ده من تفكيرك، بس حاولي تعملي زي ما قولتلك، وفكري احساسك ده أخد أي اتجاه علشان تقدري تعالجي الأسباب في أسرع وقت."
ثم نظرت إلى ساعة يدها، وأصبح وجهها عابسًا، قائلة:
"أخوكي شكله هيتأخر، وهتحصلي مشكلة في البيت."
نظرت مهره لها بعدم فهم، وقالت:
"أخويا!! قصدك على مين فيهم، وتستنى ليه، مش فاهمة؟"
ابتلعت ساره ريقها بتوتر، وتكلمت بتلعثم:
"ق ق قصدي على أخوكي م م ماهر، قابلته وأنا طالعه عندك هنا، وقالي إنه هيوصلني لحد البيت."
رفعت مهره إحدى حاجبيها إلى الأعلى، وأعربت عن شكها، قائلة:
"هو أيه الموضوع؟ حاسّة كده في ريحة مش تمام، وحاجات بتحصل من ورايا. بس يارب يطلع تفكيري صح، وتحبوا بعض، وأقوم معاكي بدور العمة الشريرة، وأبقى عمتوا العسل القمر، مش الحرباية."
جحظت عينا ساره بصدمة، وقالت:
"ااااايه بسرعه كده، جوزتينا وخلفنا كمان؟! يا بنتي، مافيش حاجة، ه ه هو بس أخوكي جدع وجنتل مان خالص، وبيعمل معايا كده جدعنه، مش أكتر."
نظرت مهره إليها بعدم تصديق، وقالت بتهكم:
"والله يا أختي، جنتل مان خالص؟! حمرا، تعرفي هي أيه."
ابتسمت ساره على وقاحة كلماتها، وقالت ببراءة مصطنعة:
"طبعا يا ميهو، عارفة هي أيه، أكيد تقصدي البطيخة!"
ردت مهره عليها بتهكم قائلة:
"لا يا روحي، اقصد طييييبة قلبك."
ظلوا يضحكون من قلوبهم، وستظل علاقتهن تمتاز بالحب والعطاء والحنان، مهما حاولت الظروف أن تفرق بينهما. فالصداقة الحقيقية ليست مجرد كلمة، بل هي شعور يتجاوز كل الصعوبات، ويمنح الحياة ألوانًا جديدة تضاف إلى لوحتهما المشتركة دولياً وداخلياً.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
"الفصل الواحد وعشرون"
نهض شريف سريعًا، هاربًا من أسئلة مهران وماهر المتواصلة، قائلاً:
"ا ا أنا نازل تحت أشوف شغلي."
تحرك نحو الباب، ولكن سرعان ما توقفت خطواته، مصدومًا عندما سمع صوت مهران المتساءل بحدة:
"بتحبها!؟...الدقائق التي مرت كأنها ساعات، حيث كان التوتر يتسرب إلى أعماقه وكأن قنبلة زمنية على وشك الانفجار. التف له بتوتر وتكلم بصعوبة:
"ها...ق ق قصدك على مين؟"
نهض مهران من مقعده، ناديًا بصوت جدي، حيث كان صوته يعكس أهمية الموقف ووزن الكلمات التي كان سيقولها:
"أنت فاهم كويس اقصد مين."
تنهد شريف بعمق، ومشاعر مختلطة تتلاطم في داخله كالعواصف الهائجة وهو يعيد اكتشاف نفسه في تلك اللحظة. أدرك أنه لا مفر من الحديث عن مشاعره تجاه مهرة، تلك الفتاة التي احتلت قلبه منذ سنوات. لم تكن مجرد فتاة في حياته، بل كانت الشخص الذي أضاء له دروبه المظلمة:
"ايوه، بحب مهره يا مهران.. بس يشهد عليا ربنا، عمري ما فكرت اقرب منها ولا أبص ليها نظرة كده ولا كده. من أول مرة شوفتها وهي لسه صغيرة بضفاير، حسيت بشعور غريب ليها، شعور بالمسؤولية. ومع الوقت، وأنا بشوفها بتكبر قدام عيوني، كان حبها يكبر في قلبي زي شجرة تتجذر في الأرض. كنت مستني تخلص تعليمها و أتقدم ليها، بس والله محاولتش أقرب منها ولا مرة. لكن وجودها قصادي هنا على طول خلاني أتشد ليها أكتر، وكل يوم بلوم نفسي بسبب التقارب اللي حصل الفترة دي."
أخرج ما في جعبته من حديث، كمن يفرغ بحار من المشاعر إلى شاطئ دوار، وظل يتابع ردود أفعال مهران وماهر بتوتر شديد، كما لو كان ينتظر حكم الإعدام أو ربما الجائزة الكبرى.أخيرا، تكلم مهران بسعادة، وكأن ثقل العالم قد زال عن كاهله:
"واحنا مش هنلاقي لأختنا احسن منك.. أنا عارف إنك راجل وعمرك ما كنت هتقرب منها، وهتفكر في صداقتنا قبل أي حاجة. وأنا أوعدك أن أختي مش هتكون غير ليك، تخلص بس الجامعة بتاعتها."
تهللت ملامح شريف بسعادة، متحدثًا بعدم تصديق:
"قول والله أحلف كده!! أوعى تكون بتهزر.. رد يا مهران بتتكلم بجد؟"
ضحكات ماهر ومهران تعالت كأنها موسيقى تعزف في قلبه، ثم قال مهران بصعوبة وهو يشعر بالنشوة:
"الحمدلله، مبقاش عندك عقل خالص. قولتلك مهره هتكون ليك، بس حسك عينك توزك دماغك تسبل ليها كده ولا كده، صدقني هخزقهم ليك يا قلب أخوك."
احتضن شريف مهران بسعادة، معبرًا عن شكره وامتنانه لصدقته التي لا تقدر بثمن:
"بجد، والله العظيم أنت أطيب قلب عرفته، وأعظم أخ في الدنيا. بشكرك على كل حاجة حلوة عملتها ليا، وربنا يديم ما بينا الود والمحبة."
ربت مهران على ظهر شريف بابتسامة تحمل معاني الثقة والإخوة، وكأن الأخوة كانت جسرًا يربطهما في كل الظروف:
"وأنت راجل بجد وجدع. لو مكنتش واثق فيك وعارف إنك هتصون أختي، وهتشيلها في عيونك، ما كنتش هوافق عليك."
تحدث ماهر بمرح، وكأنه يحاول تخفيف التوتر الذي كان بينهما:
"أنت يا ابني، منك ليه مش ناسين حاجة؟ رأي مهرة نفسها!! إحنا مش عارفين هتوافق ولا لأ، خصوصًا فرق السن كبير ما بينكم. أنا لو عليا، موافق طبعًا.. ومش هلاقي لأختي أحسن منك. بس الرأي الأول والأخير لصاحبة الشأن نفسه."
شعر شريف بقلق يتغلب عليه، إذ أن مجرد التفكير في عدم موافقة مهرة عليه جعل خافقه يدق بشكل مستمر، مثل دقات قلب يخاف من المجهول. لاحظ مهران حالة صديقه، فتحدث سريعا لتهدئته مثل مؤيد حقيقي:
"مهره لسه صغيرة، وبعد التجربة اللي مرت بيها، هتخاف تختار حد وتنصدم فيه. وأكيد هتاخد رأينا في شريف وهتقتنع بي."
هدأ قلب شريف قليلاً، تنهد بارتياح وقال:
"هو أنا ممكن قبل ما انتوا تكلموها في موضوعي، أقعد معاها في مكان عام بره، واتكلم معاها الأول؟"
نظر ماهر إلى مهران كأنه يستمد منه الأمان، فكانت النظرات بينهما كفيلة بشرح ما يدور في خلايا عقولهم. فتحدث مهران بنبرة هادئة وشاعرية، كأنه ينظم قصيدة حب:
"طبعًا موافق، حقك.. بس مش دلوقتي خالص لما تخلص امتحاناتها الأول."
تراقصت دقات قلب شريف بسعادة، قائلاً بشكر وامتنان:
"مش عارف أقولكم إيه.. بجد ربنا يخليكم ليا ويسعدكم يارب. هنزل بقي عندي شوية ملفات مرضى في المصحة هشوفهم."
انهى كلامه وخرج سريعًا من عندهم، وهبط إلى الشقة، حيث كانت هناك روح جديدة تنتظره بشغف.نظر ماهر إلى أثر شريف ثم قال بتوضيح:
"أنت ناسي أبوك. مستحيل يوافق على شريف بسهولة كده، علشان فرق السن اللي بينه هو وأختك، وكمان فرق المستوى المادي اللي بينا."
نظر مهران له بضيق وحرص، وكأن مشاعره تحركت في داخله:
"والله هو حر يوافق ولا ميوافقش.. دي حاجة تخصه. أهم حاجة عندي مصلحة أختي. وأنا شايف إن شريف أنسب واحد ليها، وراجل بجد، وبيحبها وهيصونها كويس."
أومأ ماهر برأسه مؤكداً، بينما كان الشغف لا يزال يشتعل في عروقهم:
"أنا عارف كل ده وشايف إنه راجل وجدع.. أنا بكلمك على بابا. دي بنته، ورأيه هو اللي هيمشي في الآخر."
تحرك باتجاه الباب، وهو يردد كأغنية تعزف في عقله:
"وقتها يبقى يحلها ربنا، بلاش نسبق الأحداث. أنا هروح أتطمن على ذات."
أنهى كلامه وخرج من الغرفة، تاركًا ماهر في حالة من التفكير العميق.تنهد بقلق وخرج هو الآخر مغادرًا البيت، لكنه تقابل مع صديقة مهره. ابتسم لها باهتمام وكأنه يفتح لها باب الأمل وقال:
"آنسة سارة، عاملة إيه؟"
ابتسمت بخجل وصراع داخلي، حيث كانت الأحداث الأخيرة ستؤثر على لقاءاتهما القادمة، وردت:
"ا ا الحمدلله، كويسة. مهره عاملة إيه دلوقتي؟ أصل من يوم اللي حصل ده، معرفتش أجي أسأل عليها لأن حصل معايا مشاكل مع أهلي بسبب خطفي، وكانوا مانعين نزولي من البيت."
أومأ برأسه بتفهم، قائلاً بكل حرص:
"متقلقيش، مهره كويسة، بس محتاجالك جنبها الفترة دي."
ابتسمت له برقة، وأجابت بنبرة هادئة، وكأنها تسعى لإيجاد حل سحري لوضعها:
"حاضر، هكون جنبها الفترة الجاية.. بس طبعًا مش هقدر أتاخر هنا، لأن هما سمحوا ليا أنزل، بس بحدود ووقت معين أكون فيه في البيت."
نظر إليها نظرة مطولة، وكأن كل كلمات العزاء تتلاشى في عينيه قبل أن يردد بابتسامة تحاول أن تكون شجاعة:
"متقلقيش، أنا كل يوم هوصلك لحد البيت.. بس أهم حاجة خليكي الفترة دي جنب مهره."
شعرت بشعور غريب جعلها تتوتر وتزوغ بنظرها بعيدًا عن ماهر، واكتفت بأمأة خفيفة برأسها، وكأن شيئًا ما حرك فؤادها.
فهم ماهر ما يدور في رأسها، فتحدث بنبرة هادئة، وكأنه يفتح لها نافذة الأمل:
"اتفضلي يا آنسة سارة، اطلعي لصحبتك."
ركضت سارة سريعًا إلى الداخل، وهي تشعر بالتوتر وتبحث عن طريقة لتهدئة حالها من الشعور المفاجئ الذي اجتاح قلبها عندما رأت نظرته لها. أما هو، فأرتسمت ابتسامة على ثغره، إذ شعر بخجل سارة وتوترها وكأن ثمار الفرح تتجدد في داخله ثم تحرك باتجاه سيارته وصعدها، متوجهًا إلى عمله.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
خرجت ذات من المرحاض بعد أن أنهت شاورها، مقدمة لجسدها لحظات من الاسترخاء. كانت تنظر إلى نفسها في المرآة، تحمل في عينيها مزيجًا من الأمل والحزن، فكل بؤرة من الضوء المتناثر في الغرفة كانت تعكس التغير الذي تشهده. وقفت تمشط شعرها برفق، بينما كانت كل قطرة ماء تسقط منها تتبعها دمعة من عينيها، ذاكرةً حالها الذي عاشته بين الألم والانهيار. كانت تتخيل وجهها القديم، الذي مزقته المعاناة، من الصعب عليها تجاهل أثر الأيام القاسية، لكنها التزمت بالعمل على تحسين نفسها. تنهدت بوجع، محاوِلةً إزالة عبراتها، ثم ارتدت ملابسها الأنثوية، التي اختارتها بعناية لتعكس تحولًا داخليًا يحتاج لعالم جديد. فرشت سجادة الصلاة، التي أصبحت ملجأها في الآونة الأخيرة، ورأتها تلمع كنجمة في سماء مظلمة، وقفت بخشوع بين يدي الله، حيث وجدت فيه السكينة التي غابت عن حياتها. مع كل حرف كانت تنطقه، كانت دموعها تنهمر نادمة على ما فعلته من فحشاء وذنوب أغضبت بها الله، ومع ذلك، كانت تثق في رحمته الواسعة. ظلّت على هذا الوضع حتى أنهت صلاتها، ثم جلست على الأرض وبدأت تستغفر الله، قائلةً كلمات الشكر والتوبة، حتى سمعت صوت فتح باب غرفتها. لم تكن بحاجة لتلتفت لتعرف من هو، لأن قلبها تعالت دقاته، وشعرت به من قبل أن تراه بعينيها، كأنه يعرف كيف يدخل حياتها ويملأ فراغها. ارتسمت ابتسامة عذبة على شفتيها، والتفت له، لتجده ينظر إليها بعشق خالص، وكأن أمامه أجمل لوحة أبدعتها الحياة. نهضت من على الأرض وسألته بتساؤل:
"بتبصلي كده ليه؟"
اقترب منها وملس على وجهها برفق، كأنه يتلمس روحها قبل جسدها، وقال بسعادة:
"فرحان أوي وأنا شايف التغير ده فيكي. قلبي راهن عليكي وانتي مخذلتهوش يا ذات، انتي نعمة كبيرة أوي من ربنا أكرم بيها عليا. ربنا يخليكي ليا يا أجمل ما في حياتي."
ابتسمت له بخجل، وأحست بشعور جديد يملأ صدرها، وقالت بحب:
"البركة في مامتك، هي اللي ساعدتني أتغير. علمتني الصلاة والقرب من ربنا، لاقيت نفسي في صلاتي، وقرأت القرآن. الراحة اللي بحس بيها في الوقت ده عمري ما حسيتها في حياتي القديمة. بحس بأيد بطبطب عليا بحب وسكينة غريبة."
كانت تواصل حديثها بينما يستمع لها مهران بكلمات مفعمة بالسعادة، غير مصدق أنها ذات التي عرفها منذ وقت قصير. احتضنها بقوة، ليبث لها كم يكن لها من العشق، وأصبحت هي تمسك به كأنها تحاول الاندماج داخل صدره، تستمع لدقاته وكأنها سيمفونية تعزف على أوتار القلب، فكل نبضة كانت تخبرها بمدى حبّه الذي لا يعرف الحدود. ظلوا على هذا الحال لزمن لا يعلمانه، كأن الزمن توقف ليشهد هذه اللحظة الفريدة. أخيرًا، تكلم مهران بصوت عاشق قائلاً:
"أنا اتصلت بعمك وبلغته إنك عايزة تشوفيه، قال إنه هيخلص شغل في الشركة وهيجيلك آخر النهار."
اومأت برأسها وظلت ساكنة داخل أحضانه، حيث شعرت بالأمان الذي فقدته طيلة سنوات. أبعدها عن حضنه ونظر إليها بعينيها، ثم همس قائلاً:
"عايز أكملك الكلام اللي كنت هقوله ليكي قبل ما مهرة تخبط علينا الباب."
حركت رأسها بالرفض برفق، وقالت:
"مش دلوقتي، أرجوك يا مهران، أجل الكلام بعد مقابلة عمو سليم، ممكن؟"
نظر لها باستغراب، لكنه أومأ برأسه بالموافقة، وفي قلبه يعتمل شوق لمعرفة ما تخبئه. قال:
"أنا مش هسألك ليه، ولا إيه سر طلب مقابلتك لعمك. هسيبك براحتك، علشان لو انتي حابة تحكي، كنتي هتعملي كده من غير ما أطلب ده، بس كل اللي عايزك تعرفيه أني بعشقك، انتي المعنى الحقيقي للحياة."
ابتسمت له وارتمت مرة أخرى داخل أحضانه. أرادت فقط السكون والاستمتاع بدقات قلبه العاشقة لها ورائحته المنعشة، التي كانت تشبه عطر الربيع، وتجعلها تنسى كل همومها. وما عليه إلا أن ينفذ رغبتها دون أي اعتراض، فتحت ضمته لها وانجرفت في عالم آخر. حملها من على الأرض وتحرك بها إلى السرير، محتفظاً بها داخل حضنه كأنه يحمي كنزه الثمين. جلس ووضعها على قدمه، وظل يحرك يده على شعرها بحنان، وكأن كل حركة تعكس كل حبّ يكنّه لها، تاركًا إياها تستمتع بالسكون الذي تريده وبلسم الأحلام في قلبها. أخيرًا، تكلمت بتساؤل، قائلة:
"مهران، هو انت حبتني شفقة لما شفت الحالة اللي كنت فيها، ولا حبتني علشان شخصيتي أنا كذات، أقصد القديمة مش الجديدة؟"
رد عليها بهدوء ليبث لها صدق كلامه قائلاً:
"أنا حبيت ذات، بس ذات اللي من أول لحظة قابلتها. شفت جمال قلبها رغم روحها الهشة، وقدرتها على الخروج من الأزمات. حبيت خفة دمك وضحكتك، كل كلمة منك مليانة براءة. حبيت طفولتك، وحبيت الأنثى اللي بتطلع معايا، حبيت البنت اللي رغم ظروف حياتها بتحافظ على نفسها كويس أوي. حبيت شخصية ذات الجادة وقت الشغل، وتوقف قصاد الكل بمليون راجل، وآخيرًا عشقت ذات المتدينة الجميلة الرقيقة، حبيبتي."
ابتعدت عن حضنه ونظرت له، لتركيز عينيها على عينيه حتى ترى صدق كلامه، بينما تبحر في عمق عواطفه. وبالفعل، رأت هذا بوضوح، كانت بداية صفحة جديدة لكل منهما. للمرة الأولى، أخذت هي خطوة التقرب منه، اقتربت من شفتيه وقبلته، رغم جهلها في هذه الأمور، إلا أنها شعرت بحاجة ماسة لذلك، كأنها تجد مرساها في وسط بحر عاصف. رقص قلب مهران بسعادة، فهي تقترب منه وترغب في ذلك، وكأنها تعبر له عن كل ما في قلبها، حتى تخرج ما يكمن في أعماق روحها. أحاطها بذراعيه بقوة، حتى عمق تلك القبلة، وكأنها تعبر عن شوق المضطرب، وظلوا على هذا الوضع حتى شعروا بحاجتهم للتنفس. ابتعدوا بأنفاس لاهثة، وأسند رأسه على مقدمة رأسها، وتكلم بصوت متهدج، فالحب ملأ صوته الدافئ:
"أنا فرحان أوي يا ذات، علشان انتي اللي أخدتي الخطوة دي. حبيتها أوي منك، متحرمنيش منها أبدًا، ممكن؟"
أغلقت عينيها بخجل، وتكلمت بصعوبة، كأن الكلمات تصغر في ظل مشاعرها الجارفة:
"ملاقتش طريقة أوصل بيها عشقي ليك إلا الطريقة دي. الكلام كله مفيش كلمة واحدة توصف اللي جوايا ليك، يا حبيبي."
طبول تعلن عن حرب داخلية بقلب هذا العاشق، نطقها بهذا اللقب جعل منه شابًا مراهقًا، وحلمًا يسعى إلى تحقيقه. رسمت داخل مخيلته أشياء، لو فعلها لجعلتها ترتعد منه، ولكن تمهل قليلاً، فهذه الخطوة لم تأتي بعد. لن ينجرف إلى هذا التفكير إلا عندما ينفذ ما تم تخطيطه، فكر في الأيام المقبلة التي ستجمعهما معًا. ضمها بقوة، كاد أن يكسر عظامها من شدة الضمة، لكنه سرعان ما انتبه إلى أنين ضعيف منها من الألم، فأرخى ذراعه عنها قليلاً، مقبلًا رأسها قائلاً:
"وأنا بعشقك يا روح وقلب حبيبك."
عاد الصمت إليهما، لكن قلوبهما كانت تعج بالمشاعر الجميلة التي تعزف أصواتًا تنسج لحن الخلود بينهما، كأن الزمان قد تجمد لحظة وهما في أحضان بعضهما، ينظران إلى العالم من خلال عيون حبيبة وحبيب هما الأمل الحقيقي لكل منهما.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
دوى جرس الباب الخاص بشقة مهران، كان صوت الجرس كأنه صدى آلامها، مما جعل مهره تتحرك بحزن عميق. عندما قامت بفتح الباب ورأت صديقتها ساره أمامها، شعرت وكأنها رأت المنقذ في عز حزنها. دون تردد، ارتمت مهره داخل أحضان ساره، بينما سمحت لدموعها بالانهمار. فقد كانت ساره دائمًا وأبدًا بجانب مهره في أصعب أوقاتها، تجسد لها الصديقة الحقيقية التي لا تتخلى عنها في أوج الأزمات.
ربتت ساره على ظهر مهره بحنو ورقة، وتركتها تبكي حتى تستريح، رافضة أن تُشعرها بأن مشاعرها ليست مهمة. وبعد لحظات من البكاء، ابتعدت مهره وحاولت استجماع شتات نفسها وسمحت لها بالدخول.
فاجأت ساره الأجواء بمزاحها البسيط، وقالت بنبرة مرحة:
"أخيرا هتدخليني! أنا قولت هتخدي غرضك مني وبعدين هتقفلي الباب في وشي."
ابتسمت لها مهره بضيق، فالسخرية كانت محاولة للتنفيس عن عواطف مختلطة، وقالت:
"على فكرة، أنا زعلانة منك، كل ده متسأليش عليا، حتى مكنتيش بتردي على تليفونك."
تنهدت ساره بعمق، كانت تشعر بضغط مهره، فقالت بصوت مختنق:
"تعالي بس اوضك وجوه هحكيلك كل حاجة حصلت معايا."
وبالفعل، تحركتا الاثنتان إلى الغرفة، وأغلقت مهره الباب خلفها، ونظرت إلى ساره بعيون ملؤها الحزن، وقالت:
"ها، بسمعك، اتفضلي."
جلست ساره على الأريكة، وبدأت تقص لها ما حدث، ومنذ تلك اللحظة، تحولت الكلمات البسيطة إلى سيلٍ من الأحداث والتجارب المؤلمة.
"بعد ما أخوكي روحني من عندك يوم الحادثة، لاقيت ماما وبابا وأخويا قاعدين كانوا هيموتوا من القلق عليا. لان باقي أصحابنا حسوا بغيابنا واتصلوا عليهم يسألو علينا، وقالوا ليهم إننا مختفين من بدري. ولما حكيت ليهم كل اللي حصل، حلفوا عليا إني منزلش من البيت تاني، واخدوا مني التليفون واللاب وكل حاجة، سيبتهم يفرغوا غضبهم كله فيّا، وبعدها قعد اتحايل على ماما علشان تخليني أكلم خالو محمد لأنه الوحيد اللي بابا وأخويا بيسمعوا كلامه، وهو الوحيد اللي بيفهمني اصلا. بصعوبة، وافقت ماما، وكلمته وجالي. وبالعافية، قدر يخلي بابا وأخويا يوافقوا إني أرجع أنزل الجامعة ويرجعوا ليا كل حاجة من تاني، لكن طبعا بشروط: متأخرش بره البيت، مفيش أي رحلات تاني، أحم يعني اقطع علاقتي بيكي، بس انا موافقتش، واعترض وقولتلهم انك صاحبة عمري، مقدرش ابعد عنك وافقوا أننا نفضل اصدقاء بس مافيش اي خروج مع بعض فى أي مكان، حتى وجودي هنا اضريت اكذب عليهم وأقولهم أن رايحه ازور واحده تانيه علشان مريضه."
نظرت مهرة مباشرة إلى وجه ساره، وكانت تنضح بالحنق، قالت:
"ليه يا أختي، أنا كنت بسرحك في الشقق مع الرجالة؟ تصدقي بقى، أهلك دول ولاد كلب."
تعالت ضحكات ساره، بينما حاولت تجاوز الغضب بالمزاح، وقالت بحبكة:
"نفسي أفهم لسانك الزفر ده طالع لمين. واللي يشوفك قدام إخواتك، كيوت وهاديه، ميشوفش شخصيتك التانية معايا، شخصية زباله يا حبيبتي ما شاء الله."
ابتسمت مهره واحتضنت ساره بسعادة، وعبّرت عن شوقها:
"واحشتيني أوي والله يا سرسور! بقالى كتير مخرجتش الشخصيه التانية دي."
لكن ساره لم تستطع مقاومة الشك، فنظرت لمهره بتوجس، وقالت:
"ميهو، يا مهاميهو، أنا ليه شايفه لمعة غريبة في عيونك، اعترفي، اللمعة دي لمين؟"
عادة مهره إلى العبوس، وجعل الحزن يرتسم على وجهها، فقالت بصوت مختنق:
"مش عارفة أقولك إيه يا ساره، بس في الأواخر كده بتحصلي حاجات غريبة، مش حابه اللى بحس بيه ده، لأن مينفعش ده يحصل."
ظلت ساره تتابعها بعدم فهم، وحركت رأسها بتيه، وقالت:
"انتي بتقولي إيه يا بنتي بالظبط؟ أنا مش فاهمة حاجة."
تنهدت مهره بوجع وقالت بحزن:
"ولا أنا فاهمة نفسي والله يا ساره."
نهضت ساره من على الأريكة، وجلست بجوار مهره، قائلة بنبرة هادئة:
"احكيلي يا مهره عن اللي حاسه بيه، وأنا هقولك انتي صح ولا غلط زي ما متعودين."
أخذت مهره تنفسًا عميقًا، وأخرجته بهدوء وقالت:
"أناااا اا أنا شكلي كده حبيت شريف، صاحب إبيه مهران."
أنهت كلامها وظلت تراقب ردت فعل ساره على ما قالته، تبحث عن دعم الصديقة التي تحمل عبء مشاعرها.
سكتت ساره لبضع ثوانٍ، وأخيرًا تكلمت بنبرة هادئة:
"طيب قبل ما أقولك رأيي، عايزة أسألك سؤال: أنتي اللى حاسه بيه ده حب ولا انجذاب ولا احتياج لشخص زيه في حياتك؟"
نظرت لها مهره بعدم فهم، وقالت بتساءل:
"يعني أيه؟ مش فاهمة؟"
تنهدت ساره بنفاذ صبر، ثم وضحت:
"يعني أشك أنه ده حب، لأنك لسه خارجة من تجربة مش سهلة، ومش بسهولة كده قلبك هينفتح لحد تاني. أما لو انجذاب، ده هياخد وقته ويروح، يعني شئ مؤقت ومافيش منه خوف، الخوف الحقيقي كله ليكون ده احتياج، يعني أنك عايزة حد يعوض نقص عندك، وده مش هيكون عند صاحب أخوكي بس، لا هيكون مع أي راجل تقابليه، وممكن حد مش كويس يستغل ده بشكل مش لطيف.مع ان، أنا شايفة إخواتك ما شاء الله عليهم، مش مخلينك محتاجة حاجة زي كده، بالعكس هم جدعان بيعوضوا جفاف أبوكي معاكي في المعاملة بالاحتواء والمحبة. كده يبقى عندك أنتي المشكلة يا مهره، ولازم تعالجي الأسباب بسرعة. ولعلمك، أنا مش معترضة أبدًا لو حصل حب بينك وبين صاحب أخوكي حتى لو كان أكبر منك في السن، مدام هو راجل وهيصونك، وأكيد هيعمل كده بعلم أخوكي. بس الأول، أنا عايزاكي تتأكدي من مشاعرك دي، ليه؟ زي ما قولتلك."
نظرت مهره إلى صديقتها بتيه، ولم تستطع فهم مشاعرها كما حاولت ساره أن توضح. فتنهّدت بقلة حيلة وقالت:
"ايا كان الأسباب أيه، انا قررت أبعد الفكره أصلاً من دماغي، لأني مش صح اللي بتحصل ده، شريف صاحب أبيه مهران صاحب عمره، يعني أخاف يخسروا بعض بسببي."
ابتسمت ساره وقالت بصوت هامس:
"بتحلمي وجوده قصادك طول الوقت، مش هيديكي فرصة تشيلي ده من تفكيرك، بس حاولي تعملي زي ما قولتلك، وفكري احساسك ده أخد أي اتجاه علشان تقدري تعالجي الأسباب في أسرع وقت."
ثم نظرت إلى ساعة يدها، وأصبح وجهها عابسًا، قائلة:
"أخوكي شكله هيتأخر، وهتحصلي مشكلة في البيت."
نظرت مهره لها بعدم فهم، وقالت:
"أخويا!! قصدك على مين فيهم، وتستنى ليه، مش فاهمة؟"
ابتلعت ساره ريقها بتوتر، وتكلمت بتلعثم:
"ق ق قصدي على أخوكي م م ماهر، قابلته وأنا طالعه عندك هنا، وقالي إنه هيوصلني لحد البيت."
رفعت مهره إحدى حاجبيها إلى الأعلى، وأعربت عن شكها، قائلة:
"هو أيه الموضوع؟ حاسّة كده في ريحة مش تمام، وحاجات بتحصل من ورايا. بس يارب يطلع تفكيري صح، وتحبوا بعض، وأقوم معاكي بدور العمة الشريرة، وأبقى عمتوا العسل القمر، مش الحرباية."
جحظت عينا ساره بصدمة، وقالت:
"ااااايه بسرعه كده، جوزتينا وخلفنا كمان؟! يا بنتي، مافيش حاجة، ه ه هو بس أخوكي جدع وجنتل مان خالص، وبيعمل معايا كده جدعنه، مش أكتر."
نظرت مهره إليها بعدم تصديق، وقالت بتهكم:
"والله يا أختي، جنتل مان خالص؟! حمرا، تعرفي هي أيه."
ابتسمت ساره على وقاحة كلماتها، وقالت ببراءة مصطنعة:
"طبعا يا ميهو، عارفة هي أيه، أكيد تقصدي البطيخة!"
ردت مهره عليها بتهكم قائلة:
"لا يا روحي، اقصد طييييبة قلبك."
ظلوا يضحكون من قلوبهم، وستظل علاقتهن تمتاز بالحب والعطاء والحنان، مهما حاولت الظروف أن تفرق بينهما. فالصداقة الحقيقية ليست مجرد كلمة، بل هي شعور يتجاوز كل الصعوبات، ويمنح الحياة ألوانًا جديدة تضاف إلى لوحتهما المشتركة دولياً وداخلياً.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
