رواية شهادة قيد الفصل العشرين 20 بقلم دودو محمد
"شهادة قيد"20
"الفصل العشرون"
ابتسموا مع كل كلمة خرجت من شريف، لكن فجأة، انطلقت صرخات ذات لتتغلب على الأجواء، مما جعلهم ينتفضون وكأنهم تعرضوا لصاعقة. ركضوا جميعاً في اتجاه الصوت، قلوبهم تتسارع ووجوههم تكتسي بالقلق، ليجدوا ذات في حالة من جنون الهستيريا، تحطم كل شيء حولها، كأن العالم من حولها يتفكك بلا هوادة. اقترب مهران منها ببطء، وعينيه المتسعة بالقلق، وكأن كل خطوة يخطوها نحوها كانت تحتاج إلى شجاعته. نطق بنبرة مفعمة بالشفقة، محاولاً أن يهدئ من روعها:
"ذات، أهدي، علشان خاطري، أنا جنبك أهو."
حركت رأسها، ودموعها تسيل كأنها نهر لا ينتهي، وهي تصرخ بأقصى صوتها:
"عاااايزه الجرعه حرام عليكم، بمووووت، لو بتحبني بجد يا مهران، هاتلي الجرعه، أنقذني من الوجع اللي حاسه بي..."
وانهارت على الأرض، وكأن الروح تنسحب منها ببطء، مضيفة بدموع:
"أبوس ايديكم، ارحموني من العذاب ده، روحي بتنسحب مني بالبطئ."
كانت بارعة في تصوير آلامها، وكأنها تضع كل معاناتها بين يدي من حولها، عازفة على أوتار الرحمة والعطف.
كاد مهران أن يندفع نحوها، لكن تردد عندما منعته مديحه، رغم تساؤلاتها الحائرة عن سبب وجود هذه الفتاة في منزل ابنها، إلا أن غريزة الأمومة داخلها غلبت على كافة الأفكار السلبية. اقتربت من ذات وجثت بجوارها، تراقب حالتها بعينين مليئتين بالشفقة، وحين أخذتها في حضنها برفق، شعرت وكأنها تحتضن كل آلام العالم. تربت على ظهرها بحنان، متحدثة بلكنة ساحرة، وتلقي عليها بعض الآيات القرآنية التي فارقت جدران الغرفة، لتمنح ذات شيئاً من السكينة. وبالفعل، بدأت ذات تهدأ داخل أحضان مديحه، مما أثار استغراب الجميع، فبدت وكأن السكون عاد ليخيم على المكان بعد عاصفة من الفوضى. تحدثت مديحه بنبرة هادئة وحنونة، قائلة:
"أنا مش عارفه أيه وصلك للحالة اللي أنتي فيها دي، بس مدام أنتي موجودة هنا في شقة ابني، يبقى أنتي إنسانة كويسة ومهمة اوي عنده. وتستحقي الفرصة، علشان كده عايزاكي تقوي، أنتي في اختبار من ربنا هو صعب شوية، لكن نتيجة صبرك على الابتلاء ده جميلة اوي، أقوي يا بنتي وخليكي خصم قوي لتعاطي، حربية بكل عزيمة وإراده، كل ما تحسي أنك عايزة تخدي الجرعة، رددي الاذكار على لسانك، حفظاها؟"
كانت كلماتها كبلسم للجروح، تعمل على التخفيف من ثقل الألم الذي كانت تحياه. نظرت لها ذات بتيه، وحركت رأسها بالنفي. لكن في عينيها كان هناك بريق من الأمل، يلوح في الأفق كأنما يضيء طريق مستقل نحو الشفاء. كانت تشعر بأن هناك من يفهمها، من يمد لها يد العون في أحلك الأوقات، رغم الفوضى التي تعيشها.
ابتسمت لها مديحه بابتسامة عطوفة، تحمل في طياتها كل الأمل والدعم، وتحدثت بصوت رقيق وحميم:
"أنا هحفظهم ليكي، وهحفظك القرأن، وهعلمك الصلاة، وإن شاءالله هتعدي المحنه دي بأمر الله."
تمسكت ذات بها بقوة، وكأن مديحه هي طوق نجاة أرسل إليها من السماء، مما خفف من وطأة الآلام التي كانت تعانيها. تحت جناح مديحه، شعرت بالراحة والسكينة تتسلل إلى قلبها، وبدون أن تدري، غفلت عيناها وسقطت في نوم عميق كما لو كانت تبحر في عالم من الأحلام البعيدة حيث كل شيء يبدو أكثر إشراقاً وأمنًا.بينما كان مهران يتابع المشهد بسعادة غامرة تعكس مشاعره العميقة تجاههما، رآى والدته تحمل من الحنان والعطف ما يعوض محبوبته عن كل ما فقدته. انزاح قلبه بارتياح عندما رأى ذات غافية داخل حضن والدته، فاقترب منهم بهدوء، وقبّل رأس والدته كعلامة شكر وامتنان على ما قدمته من دعم واحتواء. ثم انحنى ليحمل ذات بلطف حذر ووديع، وضَعَها برقة على السرير، وقبل جبهتها بحب وحنان قبل أن يخرجوا جميعاً من الغرفة ويغلق الباب خلفهم، تاركين خلفهم لحظة ساحرة من الأمان والسكينة.نظر إلى والدته باحترام عميق، وقبل أن يتمكن من توضيح طبيعة علاقته مع ذات، تحدثت سريعاً، قائلة:
"مش محتاج توضح حاجه يا ابني، عيونك قالت كل حاجه خوفك عليها وضحلي هي أيه بالنسبالك، ومتأكده من تربيتي ليك، وواثقه مش مهران مراد، اللى يعمل حاجه تغضب ربنا، ربنا يشفيها يا حبيبي ويجمع ما بينكم في خير."
ابتسم لها مهران بامتنان، شاكراً إياها على فهمها ودعمها، قائلاً:
"ربنا يخليكي لي يا ست الكل، ومتقلقيش، ذات مراتي. مستحيل كنت هسيبها تعيش معايا في اوضي، ألا وكان بينا حاجه رسميه انا تربيتك انتي."
ربتت على ظهره بحنان، وكلماتها المحلية كانت تنم عن دفء العلاقات الأسرية:
"ربنا يسعدكم يا حبيبي، ويرزقكم الذرية الصالحة."
احتضنها مهران بسعادة غامرة، وكأن العالم بأسره قد أصبح أكثر إشراقاً، وعادوا مرة أخرى للجلوس على مقاعدهم، يتبادلون الأحاديث حول شتى الأمور بسلاسة، مما أضفى روح التفاؤل والأمل على الغرفة بأسرها.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
بمديرية الأمن
وصل عاصم إلى مكتب التحقيق، وجلس على المقعد بتلك الهيبة والثبات التي يميزانه، وكأنه يجلس على عرش من الكرامة، وتضفي عليه مظهرًا من القوة والسيادة. ابتسم بتكبر إلى ماهر، الذي كان يجلس على بعد عدة خطوات، وعيناه تلقيان نظرات مشتعلة، ونطق بنبرة ساخرة:
"أتمنى أن وجودي هنا ده علشان واحشتك مش أكتر."
لكن هذه الكلمات لم تكن أكثر من قنابل دخانية تهدف لإخفاء التوتر الحقيقي الذي يسود المكان. تلاها ابتسامة تهكمية من ماهر، الذي أجاب بنبرة جادة:
"الحكومة ملهاش في شغل الضيافة يا عاصم يا دويري، أعتقد يعني أنت عارف موجود هنا ليه."
على وجه عاصم ارتسم تعبير عدم المعرفة الذي يدل على استهزائه، وسأل بتساؤل كاذب:
"لا معرفش أنا هنا ليه، أنا واحد لسه راجع من السفر الصبح، وانتوا جيتوا أخدوا من بيته بدون أي سبب."
كانت هذه الجملة تعكس طبيعة عاصم المتلاعبة، التي تجيد قلب الحقائق لصالحه.
"وعلى حسب خبرتي في شغلكم ده، تعدي على خصوصية شخصية عامة، وده غلط عليكم، وانت أولهم. شوف شغلك كويس ليكون مصيرك نفس مصير أخوك."
لكن ماهر لم يكن ليقف عند هذا الحد. ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه، وتحدث بثقة لا متناهية:
"لا اهدا كده وخلينا في موضوعنا. أما موضوع القناص ده، فأنا هسيبه يشوف شغله معاك بطريقته الخاصة."
وضع عاصم قدمًا فوق الأخرى بنية خفية، وابتسم قائلاً:
"أتمنى وقتها يكون لسه عنده طاقة يكمل معايا فيها، أحسن أخوك نفسه قصير أوي واسم على الفاضي."
ارتكز ماهر بظهريه على المقعد، وواصل حديثه بثقة، كما لو كان يتحدث عن حقيقة مفروغ منها:
"اممم... هسيبك تتفاجئ وقتها. لأن القناص صقر شامخ، لا بيوقع ولا بينهزم، وبيفاجئ دايمًا أعداءه بشيء غير متوقع. المهم، خلينا دلوقتي في سبب وجودك هنا. كنت فين إمبارح الساعة عشرة وتلت مساءً؟"
نظر له بابتسامة ساخرة، ولم يتردد في الرد بوقاحة استفزت ماهر:
"كنت في الفندق بتاعي، وفي حضني حتة بنت طلقة، وأول حرف من اسمها مهرة."
نهض ماهر من مقعده بغضب، والنار تتأجج في عينيه، مما جعله يبدو كالنمر الجائع. اقترب منه ولكمه بقوة في وجهه، وصاح به بتحذير صارم:
"حسك عينك تجيب اسم أختي على لسانك الوسخ ده فاااااهم."
كان وقع كلمات ماهر كالرعد في جو الغرفة المشحون بالتوتر. بينما كان عاصم يمسح الدماء التي سالت من أنفه، ازداد ابتسامته استفزازًا وكأن كل ضربة كانت تغذي شغفه للمزيد من الفوضى. قال بثقة:
"لو زعلان أني جيبت اسمها على لساني، أنا ممكن أفرجك على أجمد فيلم مثير ممكن تشوفه في حياتك، وهي في حضني."
ظل ماهر يلكمه بغضب، وكأن كل لكمة كانت نتيجة لتراكمات التي شهدها في حياته، غير مدرك للخطورة التي يسببها لنفسه داخل عمله. الأصدقاء الذين تجمعوا حولهم أخذوا يراقبون المشهد بتوتر، محاولين استيعاب ما يجري، وأخيراً تمكنوا بصعوبة من إبعاده عن عاصم. ابتسم عاصم إذ تحقق هدفه، كأنه حقق انتصارًا صغيرًا في لعبة خطرة. وقف بصعوبة من على مقعده، وتوجه بكلمات مليئة بالتحدي نحو ماهر:
"مش هعدي اللي عملته ده بالساهل، ومصيرك هيكون نفس مصير أخوك."
في تلك الأثناء، تدخل مراد والد ماهر، وجلس على المقعد بكل هيبة ووقار، كان صوته عميقًا كأصوات الرجالات الذين اعتادوا مواجهة الأزمات. نظر إلى ابنه بعينين تنم عن دعوة لتهدئة الأمور وأمره بحزم:
"اطلع بره يا ماهر دلوقتي، وسيبني أنا هكمل معاه."
ضغط ماهر على أسنانه بغضب ووجهه مشحون بالتصميم، وقال بتوعد مليء بالتهديد:
"هقتلك يا عاصم. مبقاش أنا لو مقطعتش لسانك اللي نطقت بي اسم أختي، وبعد كده هقتلك وارميك لكلاب السكك تنهش لحمك."
جلس عاصم على المقعد مرة أخرى، وضع قدمًا فوق الأخرى، محاولًا أن يرسم لنفسه صورة اللامبالاة. وعلق بخبث:
"اممم، وده بلاغ تاني تهديد بالقتل."
هدر مراد بغضب تجاه ابنه:
"ماااااهر! اطلع بره، قولتلك!"
كانت صرخته كالفوهة المنفجرة، تعبر عن استيائه الشديد مما حدث.نظر ماهر إلى عاصم بغضب شديد، ثم غادر المكتب، دافعًا الباب بقوة خلفه كأنه يغلق خلفه صفحة من حياة ملطخة بالمشاكل. وعندما استقر مراد على المقعد، نظر بهدوء إلى عاصم، كانت تلك النظرة تجسيدًا للفرضية التي تمكنت من التأثير في الأمور. قال بصوت هادئ لكنه مليء بالثقل:
"أولاً، احنا بنعتذر ليك عن اللي حصل من الرائد ماهر، وهنتخذ ضده الإجراءات اللازمة."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي عاصم، والتي كانت تعكس البرودة القاسية التي تميز شخصيته الغامضة. بدا كأنه يجد متعة في التأزيم، إذ رد بكل برود:
"بس أنا الاعتذار ده ميلزمنيش بحاجه. من بكرة المحامي هيقدم شكوى ضد الرائد ماهر بالتعدي بالضرب عليا أثناء التحقيق اللي أنا أصلاً معرفش أيه سببه."
اعتمد مراد على الثبات الانفعالي لديه، متمسكًا بهدوءه ولو ظاهريًا، وتحدث بنبرة هادئة ذات قسوة متكبرة:
"طبعًا ده حقك. زي ما حقنا برضه نتخذ كل الإجراءات ضدك بخطف الانسة مهرة مراد الشرنوبي، والخطف والاعتداء على مهران مراد الشرنوبي وزوجته ذات الزويدي. كلامي ده مش مجرد تهديدات، وأنت بتلعب بالنار اللي هتحرقك."
كانت الكلمات تتدفق من فمه ببرود وكأنها تهديدٌ غير مباشر، مما زاد من حدة التوتر بينهما.أجاب عاصم بكل ثقة، رافعًا حاجبيه باندهاش مصطنع:
"وأنا برضه من حقي أنكر أن ده حصل مني، لإن عندي شهود على أن أنا كنت موجود معاهم طول الليل بقضي ليلة حميمة وبمتع نفسي، ومافيش أي دليل يثبت أن أنا خطفت الناس اللي قولت عليهم دلوقتي."
لم يكن مراد ليغفل عن ألاعيب عاصم القذرة، وعرف أنه لن يعترف بهذه السهولة. نهض من مقعده بنية استعادة السيطرة، نظر لعاصم بتحدٍ بعدما جمع كل الحذر داخله، وسأله:
"إيه المقابل علشان تبعد عن ابني مهران؟"
نظر عاصم له بابتسامة هادئة لكنها متكلفة، رافضًا أفلات زمام الأمور، قال بتأكيد وقد ارتسمت على وجهه معالم الثقة:
"بس أنا مليش علاقة بأبنك، ولا أذيته هستفاد منها بحاجة. لو التحقيق معايا خلص، ممكن أمشي؟"
نظر مراد له نظرة طويلة ومع قلة صبر، وعيونه تتفحص تفاصيل وجهه، جلس مرة أخرى على مقعده بشيء من الاستسلام المؤقت، وأشار له بيده:
"تمام، تقدر تمشي. ولينا لقاء تاني مع بعض، بس بصفة غير رسمية."
استقام عاصم بجسده، وسخر قائلاً وكأنه يتنازل عن شيء ما:
"بس أنا معنديش وقت ليكم. أنا رجل أعمال، ووقتي كله يدوب لشغلي، بالإذن."
تحرك باتجاه الباب، لكنه قبل مغادرة المكتب، سمع صوت مراد يحذره بتحذير صارم:
"أعمل حسابك، أنا ولادي عندي بالدنيا، واللي يفكر يمس شعره منهم، أقطع ليه إيده قبل ما توصل ليهم. وفكر تلعب معايا، وهتندم."
انتهى مراد من حديثه، وأشار له بيده ليغادر. التف عاصم له، وابتسم بسخرية. كانت تلك الابتسامة تحمل في طياتها تحدياً واستفزازاً، ناظرًا إلى مراد بنظرة تشي بالتجاهل المتعمد قبل أن يغادر المكان، من ثم نظر إلى ماهر الجالس بالخارج وكأنه يستفزه ليظهر ردة فعله. الأجواء كانت مشحونة، وكأن التوتر الفريد الذي تمخض عن هذه المناقشة أصبح ملموسًا في الهواء. كاد ماهر أن يفتك به من شدة الغضب الذي يغلي في عروقه، لكن أصدقاؤه أمسكوه بقوة، مانعينه من الاقتراب منه. كانت صدورهم تتنفس بعمق، وهم يتفهمون طبيعة الوضع المحفوف بالمخاطر. دفع أصدقاؤه بقوة، ودخل مكتبه عند والده متكلمًا بغضب عارم، ووجهه مشحون بالتوتر:
"ازاي حضرتك تسيبه يمشي بسهولة كده؟ مش شايف اللي عمله فينا؟"
ضغط مراد على أسنانه بغضب، ونظر له بنفاذ صبر، وكأنما يحاول التماسك أمام الغضب الذي يخنقه:
"أنت ازاي تجيبه هنا من غير أي صفه رسمية، انت اتجننت من إمتى وأنت متهور في شغلك كده؟ وكمان تمد إيدك عليه، انت بتودي نفسك في داهية بسبب استهتارك ده."
صوته كان متأرجحاً بين اللوم والتحذير، فهو يعرف جيدًا عواقب التسرع في عالم مليء بالمخاطر مثل هذا.عندما تذكر كلام عاصم الفاحش عن شقيقته، غلي الدم في عروقة بغضب متقد، وبدأ بالكلام بصوت مختنق ومليء بالتوتر:
"ده واحد مجرم يا بابا، خطف أخواتي وكان هيعتدي على مهرة، وبسببه مرات مهران مرمية بين الحياة والموت في بيتها، وضرب أخويا في رجله بالرصاص. هستنى إيه تاني لما يخلص عليهم كلهم؟"
تشبثت الكلمات بلسانه وكأنها صرخات استغاثة من قلبه، في حين كانت أصابعه تشتبك بعصبية على حافة المكتب، كأنه يسعى لخلق فوضى تنعكس على حالته النفسية.حرك مراد رأسه بعدم رضا، ثم قال بنبرة جادة:
"فين ثباتك الانفعالي يا حضرة الرائد؟ من إمتى واحنا بنفقد أعصابنا في شغلنا بالشكل ده؟ ده كان أسهل درس أخدته في أول سنة اكاديمية، هو ثباتك الانفعالي."
حرك يده على وجهه بغضب شديد، وأردف:
"يا بابا، ثبات انفعالي إيه حضرتك بعد اللي قولته ليك؟ ده واحد مجرم وأذى أقرب ما ليا."
نهض مراد من على مقعده بنفاذ صبر، وتحدث بتحذير مؤكد:
"حسك عينك تتصرف بطيش زي ما عملت النهاردة. أنا هحاول أوقف الشكوى اللي هيقدمها محامي عاصم فيك. أتمنى أنك تتصرف بعقلانية أكتر من كده يا حضرة الرائد."
كان صوت مراد مملوءًا بالقلق والشعور بالمسؤولية، فهو يريد الأفضل لمهنته ولعائلته، رغم أن ضغوط العمل وسلوكيات عاصم جعلت الأمور تتعقد أكثر.انتهى مراد من كلامه، وغادر المكتب دون أن يلتفت، تاركًا ماهر وحده مع أفكاره الجريحة. نظر ماهر إلى أثر والده بغضب شديد، ومع كل حماسة في قلبه، خرجت منه صرخة صاخبة يتوعد بها لعاصم عما فعله لأخيه وأخته، وكأن تلك الصرخة تعكس الألم الذي يعاني منه، بالإضافة إلى عزم لا يتزعزع للانتقام من هذا المجرم الذي جعل حياته مظلمة.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»
بعد مرور عدة أسابيع
ظل الوضع على حاله بعد إجراء الفحوصات اللازمة لذات، التي بدأت معها خطة علاج جديدة أقوى مما سبق، بهدف تمكينها من التعافي سريعًا. بدأت تتأقلم مع الألم تدريجيًا، فهناك أوقات تشعر فيها بألم الانسحاب من جسدها، غير أنها في أحيان أخرى كانت تتحمله بمساندة مهران ومهرة ومديحة. ساعدتها مديحة في تعلم الصلاة وقراءة القرآن، مما جعلها تشعر بجو عائلي دافئ وحنان الأم مع عائلة مهران.وفي صباح يوم جديد، استيقظت ذات على لمسات مهران الرقيقة التي كانت تأتي كنسيم لنافذة مفتوحة، تحمل معها عبير الأمل والتفاؤل. ارتسمت ابتسامة جميلة على وجهها وهي تقول بنبرة هادئة:
"صباح الخير، صاحي بدري كده ليه؟".
لم يكن سهلاً عليه النوم تلك الليلة، فقد كانت أفكاره مشغولة بها، فقد أصبحت بالنسبة له أكثر من مجرد حبيبة؛ أصبحت جزءاً من روحه.حرك أنامله برقة على وجنتها وكأنما يرسم لوحة فنية على بشرتها الناعمة، وقال بصوت مليء بالعشق:
"أنا منمتش طول الليل، صاحي عشان أبصلك، مش مصدق نفسي أن القمر ده معايا في أوضتي."
كانت كلماته تحمل معاني عميقة، تتجاوز حدود الكلام، وتنقل لها ما يعجز عن التعبير عنه. احمرت وجنتاها بخجل، وخفق قلبها حين شعرت بأن مشاعره تنبع من أعماق قلبه، فنظرت له بتوتر وقالت:
"م م مهران اتلم بقى متكسفنيش! وبعدين أنا قولتلك عايزة أرجع شقتي تاني، مامتك بتيجي كل كام يوم تقعد معانا في الشقة، وأنا مكسوفة منها وأنا نايمة في أوضة ابنها من غير أي حاجة رسمية بينا، زمانها دلوقتي بتقول عليا قليلة الأدب."
ضحكاته الرجولية تعالت وكأنما تراقصت في أرجاء الغرفة، وتحدث بصعوبة:
"لا، متشغليش بالك بماما. انت لو قولتلها كده، هي اللي هتطلب منك تفضلي معايا في الأوضة. وبعدين مينفعش تنزلي شقتك تعيشي فيها، لأن شريف عايش فيها، علشان مينفعش يعيش معانا هنا، وانتي واختي عايشين معايا و ماما أوقات بتيجي تقعد معانا يومين."
كان بحماسه وحبه يحاول أن يخفف عنها مشاعر القلق والتوتر، مستشعرًا أهمية التواجد معًا في هذه اللحظات.نظرت له بحب، وأسر قلبها ضحكته التي تعشقها، وتحدثت بعمق:
"أنا بحبك أوي يا مهران. أنت أجمل حاجة حصلتلي في حياتي كلها. كفاية أنك كنت طوق النجاة ليا، واخد بأيدي وأنقذتني من المستنقع اللي كنت عايشة فيه. ومامتك بتديني كل حاجة اتحرمت منها: الحنان والحب والاهتمام. واختك اللي معايا عرفت يعني إيه معنى الأخوات. حتى أخوك ماهر اللي بيخاف عليا زي أخته بالظبط. وسطكم عشت معنى العيلة الحقيقية اللي اتحرمت منها من وأنا صغيرة."
أمسك يدها وقبلها بحب، وكأنما أراد أن ينقل لها بعض من شغفه وعشقه، وقال بنبرة عاشقة:
"إحنا اللي محظوظين بوجودك في حياتنا يا ذات. أنتي المعنى الحقيقي للحياة بالنسبه ليا. لما عيونك بتفتح، شمسي بتشرُق، ويبدأ نهاري. عشت معاكي أجمل أحاسيس الحب، أنا بعشقك، ولو لاقيت كلمة أكبر من العشق هقولها."
ها هو يجلس أمامها، عاقداً العزم على أن يجعل من كل لحظة بينهما ذكرى جميلة.تنهدت بسعادة واقتربت منه، وضعت قبلة على وجنتها، لكنه أمسكها واقترب من شفتيها، ملتهمًا إياها بشغف ليبث لها اشتياقه إليها ومدى عشقه اللامحدود. بدأت قبلته تأخذ منحنى آخر، ويده تتحرك بحرية أكثر على جسدها، وبدأت تكتشف أن كل لحظة تحمل معها وعوداً جديدة وآمالاً لم تكن تتخيلها، كأنما يصل الحضور بينهما إلى ذروته.شعرت ذات بأن الأمور بينهما تتصاعد، وضغطت على ذراعه لتعيد له وعيه، وبالفعل أجبر نفسه بصعوبة على الابتعاد عنها. تسارعت أنفاسه، وتكلم بصوت لاهث:
"ذات، أنا خلاص مبقتش قادر أبعد عنك أكتر من كده. أنتي لازم تعرفي الحقيقة، لأن وجودك جنبي بيخليني أفقد السيطرة على نفسي."
تصاعدت مشاعرها، لكنها نظرت له بعدم فهم، خجلها منع صوتها من الخروج، وكأن كلماتها اختبأت خلف جدران قلبها. رأى التساؤل في عينيها، فتحدث بتوضيح: "ذات، أنتي مرا..."
قطع كلامه صوت طرقات على الباب، فأغلق عينيه بضيق وتكلم بصوت غاضب: "مين؟"
أتى صوت مهرة وهي تقول له:
"ماهر هنا وعايزك."
زفر بضيق ولم يرد عليها، ونظر إلى ذات، فوجدها تائهة في أفكارها، ابتسم عندما أدرك أنها تذكرت لحظتهما السابقة التي بدت كحلم جميل لا يريد أن ينتهي. اقترب من مقدمة رأسها قبّلها قائلاً:
"هروح أشوف ماهر عايز إيه، وبعد كده نكمل كلامنا."
كان لديه شعور بأن هذه المحادثة ستكون نقطة تحول في علاقتهما.حركت رأسها بالموافقة ونظرت في الاتجاه الآخر بخجل، لكن عينيها كانت تقول الكثير من الأمور التي لم تتحدث عنها. أشرق وجهها برغبة في القرب منه، فابتسم بحب لها، وقال بنبرة عاشقة: "بحبك."
ثم نهض من السرير واتجه إلى الباب، وقبل أن يخرج، هتفت ذات عليه:
"مهران، أنا عايزة أشوف عمو سليم."
تلونت ملامح وجهه باستغراب مفاجئ، واحتار في الأمر، ثم قال بتساؤل:
"عمك سليم!! ليه؟"
أجابته بصوت مختنق، كأن الكلمات تتحبب على لسانها:
"عايزة أتكلم معاه في موضوع شخصي."
كانت تشعر بأن بمكانه أن يكون داعماً لها، وأن الحديث معه قد يفتح لها أفقًا جديدًا من الفهم.أومأ برأسه بالموافقة، وقال: "حاضر يا ذات، هجيبه لك."
شعرت ببعض الطمأنينة وهي تراه يوافق عليها، وكان قلبها يهمس بأن هناك شيئًا جميلًا ينتظرها.أنهى كلامه وخرج من الغرفة، وأغلق الباب خلفه، تاركًا إياها تفكر في كل ما يجري حولها من أحداث، وفي التغييرات التي ستتوصل إليها في الأيام المقبلة.نظرت إلى أثره بابتسامة عاشقة، ثم نهضت من فراشها واتجهت إلى المرحاض، وكأنها كانت تعد نفسها لمواجهة جديدة، تجربة مختلفة تنتظرها، ربما تحمل في طياتها الوعود والأحلام التي طالما حلمت بها.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
صعد شريف إلى الطابق الذي تقع فيه شقة مهران، وطرق الباب بلطف، مستمتعاً بانتظار ما سيحدث. بعد بضع ثوانٍ، فتحته مهره، ونظرت إليه بعينيها اللامعتين التي تعكس حباً خفياً. تحدث بنبرة عاشقين، قائلاً: "صباح الورد."
ابتسمت له بتوتر، وخفق قلبها عندما ردت: "ص… صباح النور."
تنهد بحب، محاولاً ضبط نفسه كي لا يظهر مشاعره، ثم زاغ ببصره بعيداً عنها، فقال بتلعثم:
"م… مهران صحي ولا لسه؟"
أومأت برأسها ببطء وأكدت:
"ا... أيوه صحي وماهر معاه جوه."
أنهت كلامها، وأفسحت له الطريق ليدلف إلى الداخل. مر بجوارها، مغلقاً عينيه ليستنشق عطرها الرائع الذي يعشقه، محاولاً الاحتفاظ به في ذاكرته أطول وقت ممكن. أغلقت مهرة الباب، وشعرت بدقات قلبها تتسارع، فتنهدت بتوتر وحركت خطواتها إلى غرفتها. أغلقت الباب خلفها، وأسندت ظهرها عليه، وضعت يدها على قلبها النابض، وتحدثت بضيق:
"مش هتبطل هبل وعبط هدق تاني لراجل بعد اللي حصلك، واللي لحد دلوقتي اخواتك مش قادرين يبصوا في وشك، ومش راضين يسامحوكي. متنسيش، ده صاحب اخوكي وعشرة عمره، لازم أبعد عنه. وجودك جنبه هيخسرهم بعض. فوقي يا مهرة، وكفاية هبل وسذاجة."
انطلقت أفكارها في دوامة من الشكوك والتردد، فتذكرت تلك الليالي الحالكة، عندما كان الألم يثقل قلبها بسبب اختيارات غير حكيمة أدت إلى النتائج المدمرة. كانت قد اتخذت عهداً مع نفسها بعدم السماح لنفسها بالعودة إلى تلك الفوضى عانت منها، وقررت أن تحصن نفسها هذه المرة. وأنهت كلامها وقد تبدلت ملامحها إلى حالة من العبوس، وفكرت في الخيارات المتاحة لها، متمتمة بأنها لم تعد تملك الرفاهية للعب بالأحاسيس. لو أن الأمور كانت مختلفة، لو أن الزمن يمكنه أن يغير الماضي، لربما كانت ستحظى بحياة أكثر سعادة، لكن كل هذا غير المجدي الآن. مضت خارج غرفتها متجهة إلى المطبخ، تبتعد عن أفكارها المثقلة، عازمة على تحضير شيئاً ليشربوا. بينما كانت تجمع الأكواب، أثارت رائحة القهوة التقليدية ذكريات جميلة لها، تذكرتها مع شريف كلما احتسيا معًا تلك الأكواب في خلوات الجميلة. ومع ذلك، كانت تأمل أن تجد القوة للتخلي عن مشاعرها، لكنها في أعماقها كانت تعلم أنها لن تتمكن من تجاهل الحقائق للأبد.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
جلس مهران أمام شقيقه ماهر، محدقًا فيه باندهاش، فهو يعرف جيدًا تعابير وجهه عندما يكون هناك شيء غير عادي. كان الجو بين الأخوين متوترًا، وكأنما هناك سحابة من القلق تخيم على المكان. تراجع بجسده قليلاً، محاولا استجماع أفكاره، ثم تحدث بتساؤل، قائلاً:
"اممم... قول اللي عندك واشجيني، مع أن تقريبًا كدة عارف أيه هو الموضوع اللي جاي تتكلم فيه."
زفر مهران بضيق، ثم انفجر غاضبًا:
"ممكن أفهم انت بتخطط لأيه بالظبط؟ سكوتك عن الموضوع في الأول كنت شاكك فيه. بس لما شفت تالت شحنة من أتابع عاصم تتسلم لينا ويتُقبض عليها، أتأكد إنك انت وراه الموضوع ده رغم إننا مش قادرين نمسك أي حاجة تدين عاصم الدويري. ممكن تحطني في الصورة وتعرفني إنت بتعمل إيه من ورايا؟"
كان صوته يحمل ثقل المسؤولية، وكأنما يحمل على عاتقه عبء شقيقه الغامض.ابتسم ماهر بهدوء، وحرك رأسه متظاهراً بعدم الفهم، فقال:
"أنا مش فاهم حاجة من اللي بتقوله ده. أنا مليش علاقة باللي حصل ده كله، ولا عندي وقت للتفاهات دي كلها. أنا دلوقتي كل اللي يهمني هو أني أطمن على ذات، وعقابي لعاصم هيكون مش متوقع من أي حد. أنما كل اللي قولته ده، فهو لعب عيال، مليش فيه."
وكأنما الحوار بينهما كان مجرد لعبة شطرنج، حيث يحاول كل منهما استنتاج نوايا الآخر.نظر ماهر إلى أخيه بشك، وهو يعرف جيدًا أساليب مهران في التلاعب بالحقائق. زفر بضيق وقال بنفاذ صبر:
"مهرررران، أنا حافظك كويس أوي ومتأكد من إنك وراه كل الشحنات المشبوهة اللي اتسلمت، حتى لو أنكرت. بس لازم تعمل حسابك، عاصم مش عبيط ولا هيعدي اللي بيحصل ده بسهولة، وأكيد متأكد أنك أنت وراه اللي بيحصله ده."
كان صوته يحمل نبرات من الخوف على مستقبل عائلته، رغم كل الجدران التي بناها حول نفسه.حرك مهران كتفه بعدم اهتمام، قائلاً:
"ولا يهمني، يفكر اللي يفكره، ملهوش حاجة عندي."
وكان صوته خالياً من الشعور بالندم، مما زاد من تعقيد الأمور. حرك ماهر يده على وجهه بتبرم، ثم قال:
"مهران، بترجاك بلاش طريقتك دي. أنا خايف عليك وعايز أساعدك. عارف أن اللي عمله عاصم مش سهل لا عليك ولا عليا، بس خليني معاك في الصورة، علشان أقدر أحميك وأكون في ضهرك."
لقد كان يتحدث من قلبه، مدفوعًا برغبة عميقة في حماية أخيه، على الرغم من البغضاء المتبادلة التي بدأت تنمو بينهما.ظل مهران ينظر له في صمت تام، ثم مال بجسده ودعم قدميه، قال بصوت مليء بالغضب والتوعد:
"القناص مش عويل علشان يعتمد على حد يساعده. دراعي فيا، حقي وحق مراتي وأختي هجيبه منه لوحدي."
كانت كلماته ثقيلة، وكأنها تعبر عن قرار لا رجعة فيه في قلبه.أنهى حديثه متراجعًا بظهره إلى الوراء، ونظر إلى أخيه بنظرة إصرار وتحدي تتقد فيها نار العزيمة.حرك ماهر رأسه بنفاذ صبر، قائلاً بإصرار:
"وأنا هفضل في ضهرك أحميك حتى لو رفضت ده يا مهران."
وكانت نبرته تحمل حزنًا بداخلها، كما لو كان يعرف أن مصيرهم يعتمد على قوتهما كعائلة.في تلك الأثناء، دخل شريف الموقف، وشعر بالتوتر بين مهران وأخيه، فتحدث بمزاح حتى يخفف من حدة الأجواء: "اجتماعات من وراه ضهري، يا ترى بتتفقوا على إيه؟ ربنا يستر من تجمعات ريا وسكينة دي."
ابتسم ماهر لكلماته، ورد مازحًا:
"لا، هو الطبيعي أننا نتجمع أنا وأخويا مهران. إنما اللى مش طبيعي وجودك وسطنا."
جلس شريف على الأريكة بجوار مهران، قائلاً:
"ليه كده، يا ابن أنكل مراد؟ هو أنا كنت مرات أبوك ولا جوز أمك؟ ما تظبط في الكلام، يا أخي."
تعالت ضحكاته، وقال ماهر بمرح:
"والله يا شيفو، اليوم اللي مش بشوفك فيه بحس إن فيه حاجة ناقصاني."
رفع شريف أحد حاجبيه إلى الأعلى، قائلاً:
"لا والله، أنا مرتبط. فيه أيه، يا ابني، متخليش دماغي تروح بعيد، اجمد كده يا سيادة الرائد."
تعالت ضحكات مهران وماهر على كلمات شريف، وفي تلك اللحظة، دخَلَت مهرة ومعها المشروب. نهض شريف سريعًا وأخذ منها الصينية وضعها على الطاولة. نظرت مهرة إلى مهران وماهر بحزن عندما وجدتهم يتجاهلونها، وانهمرت الدموع في عينيها. تحركت سريعًا إلى غرفتها وظلت تبكي. نظر شريف إلى أثرها بحزن شديد، وسأل بتساؤل:
"هو أنتوا لسه زعلانين من أختكم؟"
تكلم مهران بصوت مختنق:
"لازم نقسى عليها عشان متكررش نفس الغلط بعدين."
ضغط على أسنانه بضيق، وقال بصوت مكتوم:
"ما خلاص يا أخويا، بنت آدمه وغلطت، ما إحنا كلنا بشر وبنغلط. وانت يا عم الحنين، فين كلامك؟ لازم نخدها بالهدوء، وكل اللي قولته يوم اللي حصل."
نظر ماهر له بضيق، قائلاً:
"أيوه، قولت كده. بس أنا راجل، واللي قاله الزفت ده خلا الدم يغلي في عروقي. مش قادر أتخيل المنظر."
ابتسم مهران بتهكم، وقال:
"أنت سمعت كلام. أومال أنا أعمل أيه اللي شوفت بعيني."
هدر شريف بهم بنفاذ صبر، متحدثًا بغضب: "ما خلاص يا عم، منك ليه؟ قولنا عيلة وغلطت، متحسسنيش إنكم ملايكة ومبتغلطوش."
نظر مهران إليه بشك، ثم استدار نحو أخيه ماهر ليتأكد من شكوكه، وبالفعل تأكد من ذلك عندما وجد نفس النظرة بعيني ماهر. تكلم ماهر بلؤم، سائلاً:
"صح يا شريف، انت ليه لحد دلوقتي متجوزتش؟"
ابتلع شريف ريقه بصعوبة، وتحدث بتلعثم: "ها... م ملاقتش لسه بنت الحلال ا اللي أحبها."
رفع مهران إحدى حاجبيه إلى الأعلى، قائلاً بلؤم:
"اممم... بس حاسس كده، والله أعلم، إن فيه حاجة مداريها عليا."
نهض شريف سريعًا، هاربًا من أسئلتهم المتواصلة، قائلاً:
"ا ا أنا نازل تحت أشوف شغلي."
تحرك نحو الباب، لكنه توقف مصدومًا عندما سمع صوت مهران المتساءل: "بتحبها!؟...
"الفصل العشرون"
ابتسموا مع كل كلمة خرجت من شريف، لكن فجأة، انطلقت صرخات ذات لتتغلب على الأجواء، مما جعلهم ينتفضون وكأنهم تعرضوا لصاعقة. ركضوا جميعاً في اتجاه الصوت، قلوبهم تتسارع ووجوههم تكتسي بالقلق، ليجدوا ذات في حالة من جنون الهستيريا، تحطم كل شيء حولها، كأن العالم من حولها يتفكك بلا هوادة. اقترب مهران منها ببطء، وعينيه المتسعة بالقلق، وكأن كل خطوة يخطوها نحوها كانت تحتاج إلى شجاعته. نطق بنبرة مفعمة بالشفقة، محاولاً أن يهدئ من روعها:
"ذات، أهدي، علشان خاطري، أنا جنبك أهو."
حركت رأسها، ودموعها تسيل كأنها نهر لا ينتهي، وهي تصرخ بأقصى صوتها:
"عاااايزه الجرعه حرام عليكم، بمووووت، لو بتحبني بجد يا مهران، هاتلي الجرعه، أنقذني من الوجع اللي حاسه بي..."
وانهارت على الأرض، وكأن الروح تنسحب منها ببطء، مضيفة بدموع:
"أبوس ايديكم، ارحموني من العذاب ده، روحي بتنسحب مني بالبطئ."
كانت بارعة في تصوير آلامها، وكأنها تضع كل معاناتها بين يدي من حولها، عازفة على أوتار الرحمة والعطف.
كاد مهران أن يندفع نحوها، لكن تردد عندما منعته مديحه، رغم تساؤلاتها الحائرة عن سبب وجود هذه الفتاة في منزل ابنها، إلا أن غريزة الأمومة داخلها غلبت على كافة الأفكار السلبية. اقتربت من ذات وجثت بجوارها، تراقب حالتها بعينين مليئتين بالشفقة، وحين أخذتها في حضنها برفق، شعرت وكأنها تحتضن كل آلام العالم. تربت على ظهرها بحنان، متحدثة بلكنة ساحرة، وتلقي عليها بعض الآيات القرآنية التي فارقت جدران الغرفة، لتمنح ذات شيئاً من السكينة. وبالفعل، بدأت ذات تهدأ داخل أحضان مديحه، مما أثار استغراب الجميع، فبدت وكأن السكون عاد ليخيم على المكان بعد عاصفة من الفوضى. تحدثت مديحه بنبرة هادئة وحنونة، قائلة:
"أنا مش عارفه أيه وصلك للحالة اللي أنتي فيها دي، بس مدام أنتي موجودة هنا في شقة ابني، يبقى أنتي إنسانة كويسة ومهمة اوي عنده. وتستحقي الفرصة، علشان كده عايزاكي تقوي، أنتي في اختبار من ربنا هو صعب شوية، لكن نتيجة صبرك على الابتلاء ده جميلة اوي، أقوي يا بنتي وخليكي خصم قوي لتعاطي، حربية بكل عزيمة وإراده، كل ما تحسي أنك عايزة تخدي الجرعة، رددي الاذكار على لسانك، حفظاها؟"
كانت كلماتها كبلسم للجروح، تعمل على التخفيف من ثقل الألم الذي كانت تحياه. نظرت لها ذات بتيه، وحركت رأسها بالنفي. لكن في عينيها كان هناك بريق من الأمل، يلوح في الأفق كأنما يضيء طريق مستقل نحو الشفاء. كانت تشعر بأن هناك من يفهمها، من يمد لها يد العون في أحلك الأوقات، رغم الفوضى التي تعيشها.
ابتسمت لها مديحه بابتسامة عطوفة، تحمل في طياتها كل الأمل والدعم، وتحدثت بصوت رقيق وحميم:
"أنا هحفظهم ليكي، وهحفظك القرأن، وهعلمك الصلاة، وإن شاءالله هتعدي المحنه دي بأمر الله."
تمسكت ذات بها بقوة، وكأن مديحه هي طوق نجاة أرسل إليها من السماء، مما خفف من وطأة الآلام التي كانت تعانيها. تحت جناح مديحه، شعرت بالراحة والسكينة تتسلل إلى قلبها، وبدون أن تدري، غفلت عيناها وسقطت في نوم عميق كما لو كانت تبحر في عالم من الأحلام البعيدة حيث كل شيء يبدو أكثر إشراقاً وأمنًا.بينما كان مهران يتابع المشهد بسعادة غامرة تعكس مشاعره العميقة تجاههما، رآى والدته تحمل من الحنان والعطف ما يعوض محبوبته عن كل ما فقدته. انزاح قلبه بارتياح عندما رأى ذات غافية داخل حضن والدته، فاقترب منهم بهدوء، وقبّل رأس والدته كعلامة شكر وامتنان على ما قدمته من دعم واحتواء. ثم انحنى ليحمل ذات بلطف حذر ووديع، وضَعَها برقة على السرير، وقبل جبهتها بحب وحنان قبل أن يخرجوا جميعاً من الغرفة ويغلق الباب خلفهم، تاركين خلفهم لحظة ساحرة من الأمان والسكينة.نظر إلى والدته باحترام عميق، وقبل أن يتمكن من توضيح طبيعة علاقته مع ذات، تحدثت سريعاً، قائلة:
"مش محتاج توضح حاجه يا ابني، عيونك قالت كل حاجه خوفك عليها وضحلي هي أيه بالنسبالك، ومتأكده من تربيتي ليك، وواثقه مش مهران مراد، اللى يعمل حاجه تغضب ربنا، ربنا يشفيها يا حبيبي ويجمع ما بينكم في خير."
ابتسم لها مهران بامتنان، شاكراً إياها على فهمها ودعمها، قائلاً:
"ربنا يخليكي لي يا ست الكل، ومتقلقيش، ذات مراتي. مستحيل كنت هسيبها تعيش معايا في اوضي، ألا وكان بينا حاجه رسميه انا تربيتك انتي."
ربتت على ظهره بحنان، وكلماتها المحلية كانت تنم عن دفء العلاقات الأسرية:
"ربنا يسعدكم يا حبيبي، ويرزقكم الذرية الصالحة."
احتضنها مهران بسعادة غامرة، وكأن العالم بأسره قد أصبح أكثر إشراقاً، وعادوا مرة أخرى للجلوس على مقاعدهم، يتبادلون الأحاديث حول شتى الأمور بسلاسة، مما أضفى روح التفاؤل والأمل على الغرفة بأسرها.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
بمديرية الأمن
وصل عاصم إلى مكتب التحقيق، وجلس على المقعد بتلك الهيبة والثبات التي يميزانه، وكأنه يجلس على عرش من الكرامة، وتضفي عليه مظهرًا من القوة والسيادة. ابتسم بتكبر إلى ماهر، الذي كان يجلس على بعد عدة خطوات، وعيناه تلقيان نظرات مشتعلة، ونطق بنبرة ساخرة:
"أتمنى أن وجودي هنا ده علشان واحشتك مش أكتر."
لكن هذه الكلمات لم تكن أكثر من قنابل دخانية تهدف لإخفاء التوتر الحقيقي الذي يسود المكان. تلاها ابتسامة تهكمية من ماهر، الذي أجاب بنبرة جادة:
"الحكومة ملهاش في شغل الضيافة يا عاصم يا دويري، أعتقد يعني أنت عارف موجود هنا ليه."
على وجه عاصم ارتسم تعبير عدم المعرفة الذي يدل على استهزائه، وسأل بتساؤل كاذب:
"لا معرفش أنا هنا ليه، أنا واحد لسه راجع من السفر الصبح، وانتوا جيتوا أخدوا من بيته بدون أي سبب."
كانت هذه الجملة تعكس طبيعة عاصم المتلاعبة، التي تجيد قلب الحقائق لصالحه.
"وعلى حسب خبرتي في شغلكم ده، تعدي على خصوصية شخصية عامة، وده غلط عليكم، وانت أولهم. شوف شغلك كويس ليكون مصيرك نفس مصير أخوك."
لكن ماهر لم يكن ليقف عند هذا الحد. ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه، وتحدث بثقة لا متناهية:
"لا اهدا كده وخلينا في موضوعنا. أما موضوع القناص ده، فأنا هسيبه يشوف شغله معاك بطريقته الخاصة."
وضع عاصم قدمًا فوق الأخرى بنية خفية، وابتسم قائلاً:
"أتمنى وقتها يكون لسه عنده طاقة يكمل معايا فيها، أحسن أخوك نفسه قصير أوي واسم على الفاضي."
ارتكز ماهر بظهريه على المقعد، وواصل حديثه بثقة، كما لو كان يتحدث عن حقيقة مفروغ منها:
"اممم... هسيبك تتفاجئ وقتها. لأن القناص صقر شامخ، لا بيوقع ولا بينهزم، وبيفاجئ دايمًا أعداءه بشيء غير متوقع. المهم، خلينا دلوقتي في سبب وجودك هنا. كنت فين إمبارح الساعة عشرة وتلت مساءً؟"
نظر له بابتسامة ساخرة، ولم يتردد في الرد بوقاحة استفزت ماهر:
"كنت في الفندق بتاعي، وفي حضني حتة بنت طلقة، وأول حرف من اسمها مهرة."
نهض ماهر من مقعده بغضب، والنار تتأجج في عينيه، مما جعله يبدو كالنمر الجائع. اقترب منه ولكمه بقوة في وجهه، وصاح به بتحذير صارم:
"حسك عينك تجيب اسم أختي على لسانك الوسخ ده فاااااهم."
كان وقع كلمات ماهر كالرعد في جو الغرفة المشحون بالتوتر. بينما كان عاصم يمسح الدماء التي سالت من أنفه، ازداد ابتسامته استفزازًا وكأن كل ضربة كانت تغذي شغفه للمزيد من الفوضى. قال بثقة:
"لو زعلان أني جيبت اسمها على لساني، أنا ممكن أفرجك على أجمد فيلم مثير ممكن تشوفه في حياتك، وهي في حضني."
ظل ماهر يلكمه بغضب، وكأن كل لكمة كانت نتيجة لتراكمات التي شهدها في حياته، غير مدرك للخطورة التي يسببها لنفسه داخل عمله. الأصدقاء الذين تجمعوا حولهم أخذوا يراقبون المشهد بتوتر، محاولين استيعاب ما يجري، وأخيراً تمكنوا بصعوبة من إبعاده عن عاصم. ابتسم عاصم إذ تحقق هدفه، كأنه حقق انتصارًا صغيرًا في لعبة خطرة. وقف بصعوبة من على مقعده، وتوجه بكلمات مليئة بالتحدي نحو ماهر:
"مش هعدي اللي عملته ده بالساهل، ومصيرك هيكون نفس مصير أخوك."
في تلك الأثناء، تدخل مراد والد ماهر، وجلس على المقعد بكل هيبة ووقار، كان صوته عميقًا كأصوات الرجالات الذين اعتادوا مواجهة الأزمات. نظر إلى ابنه بعينين تنم عن دعوة لتهدئة الأمور وأمره بحزم:
"اطلع بره يا ماهر دلوقتي، وسيبني أنا هكمل معاه."
ضغط ماهر على أسنانه بغضب ووجهه مشحون بالتصميم، وقال بتوعد مليء بالتهديد:
"هقتلك يا عاصم. مبقاش أنا لو مقطعتش لسانك اللي نطقت بي اسم أختي، وبعد كده هقتلك وارميك لكلاب السكك تنهش لحمك."
جلس عاصم على المقعد مرة أخرى، وضع قدمًا فوق الأخرى، محاولًا أن يرسم لنفسه صورة اللامبالاة. وعلق بخبث:
"اممم، وده بلاغ تاني تهديد بالقتل."
هدر مراد بغضب تجاه ابنه:
"ماااااهر! اطلع بره، قولتلك!"
كانت صرخته كالفوهة المنفجرة، تعبر عن استيائه الشديد مما حدث.نظر ماهر إلى عاصم بغضب شديد، ثم غادر المكتب، دافعًا الباب بقوة خلفه كأنه يغلق خلفه صفحة من حياة ملطخة بالمشاكل. وعندما استقر مراد على المقعد، نظر بهدوء إلى عاصم، كانت تلك النظرة تجسيدًا للفرضية التي تمكنت من التأثير في الأمور. قال بصوت هادئ لكنه مليء بالثقل:
"أولاً، احنا بنعتذر ليك عن اللي حصل من الرائد ماهر، وهنتخذ ضده الإجراءات اللازمة."
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي عاصم، والتي كانت تعكس البرودة القاسية التي تميز شخصيته الغامضة. بدا كأنه يجد متعة في التأزيم، إذ رد بكل برود:
"بس أنا الاعتذار ده ميلزمنيش بحاجه. من بكرة المحامي هيقدم شكوى ضد الرائد ماهر بالتعدي بالضرب عليا أثناء التحقيق اللي أنا أصلاً معرفش أيه سببه."
اعتمد مراد على الثبات الانفعالي لديه، متمسكًا بهدوءه ولو ظاهريًا، وتحدث بنبرة هادئة ذات قسوة متكبرة:
"طبعًا ده حقك. زي ما حقنا برضه نتخذ كل الإجراءات ضدك بخطف الانسة مهرة مراد الشرنوبي، والخطف والاعتداء على مهران مراد الشرنوبي وزوجته ذات الزويدي. كلامي ده مش مجرد تهديدات، وأنت بتلعب بالنار اللي هتحرقك."
كانت الكلمات تتدفق من فمه ببرود وكأنها تهديدٌ غير مباشر، مما زاد من حدة التوتر بينهما.أجاب عاصم بكل ثقة، رافعًا حاجبيه باندهاش مصطنع:
"وأنا برضه من حقي أنكر أن ده حصل مني، لإن عندي شهود على أن أنا كنت موجود معاهم طول الليل بقضي ليلة حميمة وبمتع نفسي، ومافيش أي دليل يثبت أن أنا خطفت الناس اللي قولت عليهم دلوقتي."
لم يكن مراد ليغفل عن ألاعيب عاصم القذرة، وعرف أنه لن يعترف بهذه السهولة. نهض من مقعده بنية استعادة السيطرة، نظر لعاصم بتحدٍ بعدما جمع كل الحذر داخله، وسأله:
"إيه المقابل علشان تبعد عن ابني مهران؟"
نظر عاصم له بابتسامة هادئة لكنها متكلفة، رافضًا أفلات زمام الأمور، قال بتأكيد وقد ارتسمت على وجهه معالم الثقة:
"بس أنا مليش علاقة بأبنك، ولا أذيته هستفاد منها بحاجة. لو التحقيق معايا خلص، ممكن أمشي؟"
نظر مراد له نظرة طويلة ومع قلة صبر، وعيونه تتفحص تفاصيل وجهه، جلس مرة أخرى على مقعده بشيء من الاستسلام المؤقت، وأشار له بيده:
"تمام، تقدر تمشي. ولينا لقاء تاني مع بعض، بس بصفة غير رسمية."
استقام عاصم بجسده، وسخر قائلاً وكأنه يتنازل عن شيء ما:
"بس أنا معنديش وقت ليكم. أنا رجل أعمال، ووقتي كله يدوب لشغلي، بالإذن."
تحرك باتجاه الباب، لكنه قبل مغادرة المكتب، سمع صوت مراد يحذره بتحذير صارم:
"أعمل حسابك، أنا ولادي عندي بالدنيا، واللي يفكر يمس شعره منهم، أقطع ليه إيده قبل ما توصل ليهم. وفكر تلعب معايا، وهتندم."
انتهى مراد من حديثه، وأشار له بيده ليغادر. التف عاصم له، وابتسم بسخرية. كانت تلك الابتسامة تحمل في طياتها تحدياً واستفزازاً، ناظرًا إلى مراد بنظرة تشي بالتجاهل المتعمد قبل أن يغادر المكان، من ثم نظر إلى ماهر الجالس بالخارج وكأنه يستفزه ليظهر ردة فعله. الأجواء كانت مشحونة، وكأن التوتر الفريد الذي تمخض عن هذه المناقشة أصبح ملموسًا في الهواء. كاد ماهر أن يفتك به من شدة الغضب الذي يغلي في عروقه، لكن أصدقاؤه أمسكوه بقوة، مانعينه من الاقتراب منه. كانت صدورهم تتنفس بعمق، وهم يتفهمون طبيعة الوضع المحفوف بالمخاطر. دفع أصدقاؤه بقوة، ودخل مكتبه عند والده متكلمًا بغضب عارم، ووجهه مشحون بالتوتر:
"ازاي حضرتك تسيبه يمشي بسهولة كده؟ مش شايف اللي عمله فينا؟"
ضغط مراد على أسنانه بغضب، ونظر له بنفاذ صبر، وكأنما يحاول التماسك أمام الغضب الذي يخنقه:
"أنت ازاي تجيبه هنا من غير أي صفه رسمية، انت اتجننت من إمتى وأنت متهور في شغلك كده؟ وكمان تمد إيدك عليه، انت بتودي نفسك في داهية بسبب استهتارك ده."
صوته كان متأرجحاً بين اللوم والتحذير، فهو يعرف جيدًا عواقب التسرع في عالم مليء بالمخاطر مثل هذا.عندما تذكر كلام عاصم الفاحش عن شقيقته، غلي الدم في عروقة بغضب متقد، وبدأ بالكلام بصوت مختنق ومليء بالتوتر:
"ده واحد مجرم يا بابا، خطف أخواتي وكان هيعتدي على مهرة، وبسببه مرات مهران مرمية بين الحياة والموت في بيتها، وضرب أخويا في رجله بالرصاص. هستنى إيه تاني لما يخلص عليهم كلهم؟"
تشبثت الكلمات بلسانه وكأنها صرخات استغاثة من قلبه، في حين كانت أصابعه تشتبك بعصبية على حافة المكتب، كأنه يسعى لخلق فوضى تنعكس على حالته النفسية.حرك مراد رأسه بعدم رضا، ثم قال بنبرة جادة:
"فين ثباتك الانفعالي يا حضرة الرائد؟ من إمتى واحنا بنفقد أعصابنا في شغلنا بالشكل ده؟ ده كان أسهل درس أخدته في أول سنة اكاديمية، هو ثباتك الانفعالي."
حرك يده على وجهه بغضب شديد، وأردف:
"يا بابا، ثبات انفعالي إيه حضرتك بعد اللي قولته ليك؟ ده واحد مجرم وأذى أقرب ما ليا."
نهض مراد من على مقعده بنفاذ صبر، وتحدث بتحذير مؤكد:
"حسك عينك تتصرف بطيش زي ما عملت النهاردة. أنا هحاول أوقف الشكوى اللي هيقدمها محامي عاصم فيك. أتمنى أنك تتصرف بعقلانية أكتر من كده يا حضرة الرائد."
كان صوت مراد مملوءًا بالقلق والشعور بالمسؤولية، فهو يريد الأفضل لمهنته ولعائلته، رغم أن ضغوط العمل وسلوكيات عاصم جعلت الأمور تتعقد أكثر.انتهى مراد من كلامه، وغادر المكتب دون أن يلتفت، تاركًا ماهر وحده مع أفكاره الجريحة. نظر ماهر إلى أثر والده بغضب شديد، ومع كل حماسة في قلبه، خرجت منه صرخة صاخبة يتوعد بها لعاصم عما فعله لأخيه وأخته، وكأن تلك الصرخة تعكس الألم الذي يعاني منه، بالإضافة إلى عزم لا يتزعزع للانتقام من هذا المجرم الذي جعل حياته مظلمة.
««««««««««««««««»»»»»»»»»»»
بعد مرور عدة أسابيع
ظل الوضع على حاله بعد إجراء الفحوصات اللازمة لذات، التي بدأت معها خطة علاج جديدة أقوى مما سبق، بهدف تمكينها من التعافي سريعًا. بدأت تتأقلم مع الألم تدريجيًا، فهناك أوقات تشعر فيها بألم الانسحاب من جسدها، غير أنها في أحيان أخرى كانت تتحمله بمساندة مهران ومهرة ومديحة. ساعدتها مديحة في تعلم الصلاة وقراءة القرآن، مما جعلها تشعر بجو عائلي دافئ وحنان الأم مع عائلة مهران.وفي صباح يوم جديد، استيقظت ذات على لمسات مهران الرقيقة التي كانت تأتي كنسيم لنافذة مفتوحة، تحمل معها عبير الأمل والتفاؤل. ارتسمت ابتسامة جميلة على وجهها وهي تقول بنبرة هادئة:
"صباح الخير، صاحي بدري كده ليه؟".
لم يكن سهلاً عليه النوم تلك الليلة، فقد كانت أفكاره مشغولة بها، فقد أصبحت بالنسبة له أكثر من مجرد حبيبة؛ أصبحت جزءاً من روحه.حرك أنامله برقة على وجنتها وكأنما يرسم لوحة فنية على بشرتها الناعمة، وقال بصوت مليء بالعشق:
"أنا منمتش طول الليل، صاحي عشان أبصلك، مش مصدق نفسي أن القمر ده معايا في أوضتي."
كانت كلماته تحمل معاني عميقة، تتجاوز حدود الكلام، وتنقل لها ما يعجز عن التعبير عنه. احمرت وجنتاها بخجل، وخفق قلبها حين شعرت بأن مشاعره تنبع من أعماق قلبه، فنظرت له بتوتر وقالت:
"م م مهران اتلم بقى متكسفنيش! وبعدين أنا قولتلك عايزة أرجع شقتي تاني، مامتك بتيجي كل كام يوم تقعد معانا في الشقة، وأنا مكسوفة منها وأنا نايمة في أوضة ابنها من غير أي حاجة رسمية بينا، زمانها دلوقتي بتقول عليا قليلة الأدب."
ضحكاته الرجولية تعالت وكأنما تراقصت في أرجاء الغرفة، وتحدث بصعوبة:
"لا، متشغليش بالك بماما. انت لو قولتلها كده، هي اللي هتطلب منك تفضلي معايا في الأوضة. وبعدين مينفعش تنزلي شقتك تعيشي فيها، لأن شريف عايش فيها، علشان مينفعش يعيش معانا هنا، وانتي واختي عايشين معايا و ماما أوقات بتيجي تقعد معانا يومين."
كان بحماسه وحبه يحاول أن يخفف عنها مشاعر القلق والتوتر، مستشعرًا أهمية التواجد معًا في هذه اللحظات.نظرت له بحب، وأسر قلبها ضحكته التي تعشقها، وتحدثت بعمق:
"أنا بحبك أوي يا مهران. أنت أجمل حاجة حصلتلي في حياتي كلها. كفاية أنك كنت طوق النجاة ليا، واخد بأيدي وأنقذتني من المستنقع اللي كنت عايشة فيه. ومامتك بتديني كل حاجة اتحرمت منها: الحنان والحب والاهتمام. واختك اللي معايا عرفت يعني إيه معنى الأخوات. حتى أخوك ماهر اللي بيخاف عليا زي أخته بالظبط. وسطكم عشت معنى العيلة الحقيقية اللي اتحرمت منها من وأنا صغيرة."
أمسك يدها وقبلها بحب، وكأنما أراد أن ينقل لها بعض من شغفه وعشقه، وقال بنبرة عاشقة:
"إحنا اللي محظوظين بوجودك في حياتنا يا ذات. أنتي المعنى الحقيقي للحياة بالنسبه ليا. لما عيونك بتفتح، شمسي بتشرُق، ويبدأ نهاري. عشت معاكي أجمل أحاسيس الحب، أنا بعشقك، ولو لاقيت كلمة أكبر من العشق هقولها."
ها هو يجلس أمامها، عاقداً العزم على أن يجعل من كل لحظة بينهما ذكرى جميلة.تنهدت بسعادة واقتربت منه، وضعت قبلة على وجنتها، لكنه أمسكها واقترب من شفتيها، ملتهمًا إياها بشغف ليبث لها اشتياقه إليها ومدى عشقه اللامحدود. بدأت قبلته تأخذ منحنى آخر، ويده تتحرك بحرية أكثر على جسدها، وبدأت تكتشف أن كل لحظة تحمل معها وعوداً جديدة وآمالاً لم تكن تتخيلها، كأنما يصل الحضور بينهما إلى ذروته.شعرت ذات بأن الأمور بينهما تتصاعد، وضغطت على ذراعه لتعيد له وعيه، وبالفعل أجبر نفسه بصعوبة على الابتعاد عنها. تسارعت أنفاسه، وتكلم بصوت لاهث:
"ذات، أنا خلاص مبقتش قادر أبعد عنك أكتر من كده. أنتي لازم تعرفي الحقيقة، لأن وجودك جنبي بيخليني أفقد السيطرة على نفسي."
تصاعدت مشاعرها، لكنها نظرت له بعدم فهم، خجلها منع صوتها من الخروج، وكأن كلماتها اختبأت خلف جدران قلبها. رأى التساؤل في عينيها، فتحدث بتوضيح: "ذات، أنتي مرا..."
قطع كلامه صوت طرقات على الباب، فأغلق عينيه بضيق وتكلم بصوت غاضب: "مين؟"
أتى صوت مهرة وهي تقول له:
"ماهر هنا وعايزك."
زفر بضيق ولم يرد عليها، ونظر إلى ذات، فوجدها تائهة في أفكارها، ابتسم عندما أدرك أنها تذكرت لحظتهما السابقة التي بدت كحلم جميل لا يريد أن ينتهي. اقترب من مقدمة رأسها قبّلها قائلاً:
"هروح أشوف ماهر عايز إيه، وبعد كده نكمل كلامنا."
كان لديه شعور بأن هذه المحادثة ستكون نقطة تحول في علاقتهما.حركت رأسها بالموافقة ونظرت في الاتجاه الآخر بخجل، لكن عينيها كانت تقول الكثير من الأمور التي لم تتحدث عنها. أشرق وجهها برغبة في القرب منه، فابتسم بحب لها، وقال بنبرة عاشقة: "بحبك."
ثم نهض من السرير واتجه إلى الباب، وقبل أن يخرج، هتفت ذات عليه:
"مهران، أنا عايزة أشوف عمو سليم."
تلونت ملامح وجهه باستغراب مفاجئ، واحتار في الأمر، ثم قال بتساؤل:
"عمك سليم!! ليه؟"
أجابته بصوت مختنق، كأن الكلمات تتحبب على لسانها:
"عايزة أتكلم معاه في موضوع شخصي."
كانت تشعر بأن بمكانه أن يكون داعماً لها، وأن الحديث معه قد يفتح لها أفقًا جديدًا من الفهم.أومأ برأسه بالموافقة، وقال: "حاضر يا ذات، هجيبه لك."
شعرت ببعض الطمأنينة وهي تراه يوافق عليها، وكان قلبها يهمس بأن هناك شيئًا جميلًا ينتظرها.أنهى كلامه وخرج من الغرفة، وأغلق الباب خلفه، تاركًا إياها تفكر في كل ما يجري حولها من أحداث، وفي التغييرات التي ستتوصل إليها في الأيام المقبلة.نظرت إلى أثره بابتسامة عاشقة، ثم نهضت من فراشها واتجهت إلى المرحاض، وكأنها كانت تعد نفسها لمواجهة جديدة، تجربة مختلفة تنتظرها، ربما تحمل في طياتها الوعود والأحلام التي طالما حلمت بها.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
صعد شريف إلى الطابق الذي تقع فيه شقة مهران، وطرق الباب بلطف، مستمتعاً بانتظار ما سيحدث. بعد بضع ثوانٍ، فتحته مهره، ونظرت إليه بعينيها اللامعتين التي تعكس حباً خفياً. تحدث بنبرة عاشقين، قائلاً: "صباح الورد."
ابتسمت له بتوتر، وخفق قلبها عندما ردت: "ص… صباح النور."
تنهد بحب، محاولاً ضبط نفسه كي لا يظهر مشاعره، ثم زاغ ببصره بعيداً عنها، فقال بتلعثم:
"م… مهران صحي ولا لسه؟"
أومأت برأسها ببطء وأكدت:
"ا... أيوه صحي وماهر معاه جوه."
أنهت كلامها، وأفسحت له الطريق ليدلف إلى الداخل. مر بجوارها، مغلقاً عينيه ليستنشق عطرها الرائع الذي يعشقه، محاولاً الاحتفاظ به في ذاكرته أطول وقت ممكن. أغلقت مهرة الباب، وشعرت بدقات قلبها تتسارع، فتنهدت بتوتر وحركت خطواتها إلى غرفتها. أغلقت الباب خلفها، وأسندت ظهرها عليه، وضعت يدها على قلبها النابض، وتحدثت بضيق:
"مش هتبطل هبل وعبط هدق تاني لراجل بعد اللي حصلك، واللي لحد دلوقتي اخواتك مش قادرين يبصوا في وشك، ومش راضين يسامحوكي. متنسيش، ده صاحب اخوكي وعشرة عمره، لازم أبعد عنه. وجودك جنبه هيخسرهم بعض. فوقي يا مهرة، وكفاية هبل وسذاجة."
انطلقت أفكارها في دوامة من الشكوك والتردد، فتذكرت تلك الليالي الحالكة، عندما كان الألم يثقل قلبها بسبب اختيارات غير حكيمة أدت إلى النتائج المدمرة. كانت قد اتخذت عهداً مع نفسها بعدم السماح لنفسها بالعودة إلى تلك الفوضى عانت منها، وقررت أن تحصن نفسها هذه المرة. وأنهت كلامها وقد تبدلت ملامحها إلى حالة من العبوس، وفكرت في الخيارات المتاحة لها، متمتمة بأنها لم تعد تملك الرفاهية للعب بالأحاسيس. لو أن الأمور كانت مختلفة، لو أن الزمن يمكنه أن يغير الماضي، لربما كانت ستحظى بحياة أكثر سعادة، لكن كل هذا غير المجدي الآن. مضت خارج غرفتها متجهة إلى المطبخ، تبتعد عن أفكارها المثقلة، عازمة على تحضير شيئاً ليشربوا. بينما كانت تجمع الأكواب، أثارت رائحة القهوة التقليدية ذكريات جميلة لها، تذكرتها مع شريف كلما احتسيا معًا تلك الأكواب في خلوات الجميلة. ومع ذلك، كانت تأمل أن تجد القوة للتخلي عن مشاعرها، لكنها في أعماقها كانت تعلم أنها لن تتمكن من تجاهل الحقائق للأبد.
««««««««««««««»»»»»»»»»»»
جلس مهران أمام شقيقه ماهر، محدقًا فيه باندهاش، فهو يعرف جيدًا تعابير وجهه عندما يكون هناك شيء غير عادي. كان الجو بين الأخوين متوترًا، وكأنما هناك سحابة من القلق تخيم على المكان. تراجع بجسده قليلاً، محاولا استجماع أفكاره، ثم تحدث بتساؤل، قائلاً:
"اممم... قول اللي عندك واشجيني، مع أن تقريبًا كدة عارف أيه هو الموضوع اللي جاي تتكلم فيه."
زفر مهران بضيق، ثم انفجر غاضبًا:
"ممكن أفهم انت بتخطط لأيه بالظبط؟ سكوتك عن الموضوع في الأول كنت شاكك فيه. بس لما شفت تالت شحنة من أتابع عاصم تتسلم لينا ويتُقبض عليها، أتأكد إنك انت وراه الموضوع ده رغم إننا مش قادرين نمسك أي حاجة تدين عاصم الدويري. ممكن تحطني في الصورة وتعرفني إنت بتعمل إيه من ورايا؟"
كان صوته يحمل ثقل المسؤولية، وكأنما يحمل على عاتقه عبء شقيقه الغامض.ابتسم ماهر بهدوء، وحرك رأسه متظاهراً بعدم الفهم، فقال:
"أنا مش فاهم حاجة من اللي بتقوله ده. أنا مليش علاقة باللي حصل ده كله، ولا عندي وقت للتفاهات دي كلها. أنا دلوقتي كل اللي يهمني هو أني أطمن على ذات، وعقابي لعاصم هيكون مش متوقع من أي حد. أنما كل اللي قولته ده، فهو لعب عيال، مليش فيه."
وكأنما الحوار بينهما كان مجرد لعبة شطرنج، حيث يحاول كل منهما استنتاج نوايا الآخر.نظر ماهر إلى أخيه بشك، وهو يعرف جيدًا أساليب مهران في التلاعب بالحقائق. زفر بضيق وقال بنفاذ صبر:
"مهرررران، أنا حافظك كويس أوي ومتأكد من إنك وراه كل الشحنات المشبوهة اللي اتسلمت، حتى لو أنكرت. بس لازم تعمل حسابك، عاصم مش عبيط ولا هيعدي اللي بيحصل ده بسهولة، وأكيد متأكد أنك أنت وراه اللي بيحصله ده."
كان صوته يحمل نبرات من الخوف على مستقبل عائلته، رغم كل الجدران التي بناها حول نفسه.حرك مهران كتفه بعدم اهتمام، قائلاً:
"ولا يهمني، يفكر اللي يفكره، ملهوش حاجة عندي."
وكان صوته خالياً من الشعور بالندم، مما زاد من تعقيد الأمور. حرك ماهر يده على وجهه بتبرم، ثم قال:
"مهران، بترجاك بلاش طريقتك دي. أنا خايف عليك وعايز أساعدك. عارف أن اللي عمله عاصم مش سهل لا عليك ولا عليا، بس خليني معاك في الصورة، علشان أقدر أحميك وأكون في ضهرك."
لقد كان يتحدث من قلبه، مدفوعًا برغبة عميقة في حماية أخيه، على الرغم من البغضاء المتبادلة التي بدأت تنمو بينهما.ظل مهران ينظر له في صمت تام، ثم مال بجسده ودعم قدميه، قال بصوت مليء بالغضب والتوعد:
"القناص مش عويل علشان يعتمد على حد يساعده. دراعي فيا، حقي وحق مراتي وأختي هجيبه منه لوحدي."
كانت كلماته ثقيلة، وكأنها تعبر عن قرار لا رجعة فيه في قلبه.أنهى حديثه متراجعًا بظهره إلى الوراء، ونظر إلى أخيه بنظرة إصرار وتحدي تتقد فيها نار العزيمة.حرك ماهر رأسه بنفاذ صبر، قائلاً بإصرار:
"وأنا هفضل في ضهرك أحميك حتى لو رفضت ده يا مهران."
وكانت نبرته تحمل حزنًا بداخلها، كما لو كان يعرف أن مصيرهم يعتمد على قوتهما كعائلة.في تلك الأثناء، دخل شريف الموقف، وشعر بالتوتر بين مهران وأخيه، فتحدث بمزاح حتى يخفف من حدة الأجواء: "اجتماعات من وراه ضهري، يا ترى بتتفقوا على إيه؟ ربنا يستر من تجمعات ريا وسكينة دي."
ابتسم ماهر لكلماته، ورد مازحًا:
"لا، هو الطبيعي أننا نتجمع أنا وأخويا مهران. إنما اللى مش طبيعي وجودك وسطنا."
جلس شريف على الأريكة بجوار مهران، قائلاً:
"ليه كده، يا ابن أنكل مراد؟ هو أنا كنت مرات أبوك ولا جوز أمك؟ ما تظبط في الكلام، يا أخي."
تعالت ضحكاته، وقال ماهر بمرح:
"والله يا شيفو، اليوم اللي مش بشوفك فيه بحس إن فيه حاجة ناقصاني."
رفع شريف أحد حاجبيه إلى الأعلى، قائلاً:
"لا والله، أنا مرتبط. فيه أيه، يا ابني، متخليش دماغي تروح بعيد، اجمد كده يا سيادة الرائد."
تعالت ضحكات مهران وماهر على كلمات شريف، وفي تلك اللحظة، دخَلَت مهرة ومعها المشروب. نهض شريف سريعًا وأخذ منها الصينية وضعها على الطاولة. نظرت مهرة إلى مهران وماهر بحزن عندما وجدتهم يتجاهلونها، وانهمرت الدموع في عينيها. تحركت سريعًا إلى غرفتها وظلت تبكي. نظر شريف إلى أثرها بحزن شديد، وسأل بتساؤل:
"هو أنتوا لسه زعلانين من أختكم؟"
تكلم مهران بصوت مختنق:
"لازم نقسى عليها عشان متكررش نفس الغلط بعدين."
ضغط على أسنانه بضيق، وقال بصوت مكتوم:
"ما خلاص يا أخويا، بنت آدمه وغلطت، ما إحنا كلنا بشر وبنغلط. وانت يا عم الحنين، فين كلامك؟ لازم نخدها بالهدوء، وكل اللي قولته يوم اللي حصل."
نظر ماهر له بضيق، قائلاً:
"أيوه، قولت كده. بس أنا راجل، واللي قاله الزفت ده خلا الدم يغلي في عروقي. مش قادر أتخيل المنظر."
ابتسم مهران بتهكم، وقال:
"أنت سمعت كلام. أومال أنا أعمل أيه اللي شوفت بعيني."
هدر شريف بهم بنفاذ صبر، متحدثًا بغضب: "ما خلاص يا عم، منك ليه؟ قولنا عيلة وغلطت، متحسسنيش إنكم ملايكة ومبتغلطوش."
نظر مهران إليه بشك، ثم استدار نحو أخيه ماهر ليتأكد من شكوكه، وبالفعل تأكد من ذلك عندما وجد نفس النظرة بعيني ماهر. تكلم ماهر بلؤم، سائلاً:
"صح يا شريف، انت ليه لحد دلوقتي متجوزتش؟"
ابتلع شريف ريقه بصعوبة، وتحدث بتلعثم: "ها... م ملاقتش لسه بنت الحلال ا اللي أحبها."
رفع مهران إحدى حاجبيه إلى الأعلى، قائلاً بلؤم:
"اممم... بس حاسس كده، والله أعلم، إن فيه حاجة مداريها عليا."
نهض شريف سريعًا، هاربًا من أسئلتهم المتواصلة، قائلاً:
"ا ا أنا نازل تحت أشوف شغلي."
تحرك نحو الباب، لكنه توقف مصدومًا عندما سمع صوت مهران المتساءل: "بتحبها!؟...
