رواية متاهتنا الفصل الثاني عشر 12
الفصل الثاني العشر: سيدة بيتي!
حبست أندريا أنفاسها محاولة أن تبقي عقلها ضمن حدود الرشد، و أن تحكم السيطرة على جسدها المنتفض، هزها الغضب كلبؤة جامحة، و نهشتها الغيرة بشكل فاق تحملها، زمجرت محذرة و هي تغرز إصبعها في صدر ضيفتها الماكرة:
+
-أعتقد أن صوابك اختل بسبب تذبذب حياتك، الطلاق قاسٍ، و التشرُّد مصير مؤسف، لكن هذا لا يعني أنني سأسمح لك برمي صنارتك نحو الرجل الذي فتح لك باب بيته و أواكِ، حاذري خطواتك جيدا فأنتِ تقفين على أرض خطرة، أنتِ أمام امرأة هذا الرجل الذي تسعين لأخذه بعين وقحة!
1
كانت لهجة أندريا تنطق بقوة شخصيتها الجلية، و حبها العميق، تحدثت بجوارح عاشقة، و بكبرياء سيدة نبيلة، و بغيرة زوجة متملكة. تراجعت كريستين إلى الوراء في حيرة مفكرة أنها تواجه خصما لا يستهان به، امرأة جميلة واثقة و قوية لا تهزها الرياح، ثم فكرت أنها أيضا كذلك، جمالها لا يمكن تجاهله، و لها من الثقة و الجنون ما يمكن اعتباره فيضا عن المطلوب، بدت في حالة هستيرية، أخذت تضحك ساخرة و ردت بفظاظة:
+
-أنا امرأة لا تعرف الاستسلام!
+
-و لا تعرف الخجل أيضا!
5
أحرجتها أندريا، فأردفت كريستين بإصرار:
+
-لم أرد شيئا في حياتي إلا و حصلت عليه في النهاية! و أنا أريد ألكسندروس...
+
-ألكسندروس ليس شيئا تافها تسعين لاقتنائه حين يحلو لك ذلك!
+
قاطعتها أندريا بحدة، و أضافت بنبرة عميقة جعلت كريستين تخرس:
+
-إنه رجل... إنسان... زوج، زوجي أنا! و أنا لست امرأة تقدم رجلها على طبق من ذهب! تذكريني جيدا كريستين، دمائي إنجليزية لكنني تنفستُ اليونان و سكنتني، تاريخ أجدادي الإنجليز اللذين طافوا الأقاصي الأربعة ليحققوا المستحيل يمدني بالقوة، و أرض خيوس العطرة تسقيني بالحب و الولاء و الأصالة! لك أن تتخيلي ما يمكن لامرأة مثلي أن تفعله لتحافظ على زواجها!
+
شعرت كريستين أنها حشرة يمكن أن تُدعس في أية لحظة، فأطلقت أندريا رصاصتها الأخيرة قبل أن تغادر:
+
-أظنُّ أن طلقتي استقر بها المقام في الهدف المنشود، آمل أن تتعقلي كريستين، و بما أن خالك عزيز القدر عند زوجي، و أن بيتنا هو السقف الوحيد المتبقي لك، فسأتحملك... فقط من أجل ألكسندروس.
+
صفقت الباب بعنف، و سارت خطوتين سريعتين لتصطدم بزوجها القادم من العدم، أمسكها قبل أن ترتد للوراء و تقع، لم تشعر أندريا بيديه المصرتين على البقاء فوق جسدها حتى بعدما استقامت، لم تشعر بنظراته الممشطة لوجهها الذي لا زال يغلي و يتموج غضبا و غيرة، كل شعور خالجها تمثل في الاحتراق، و كل ما فكرت فيه أنها تريد ارتكاب جريمة!
+
-ألكس، لا بد أن نتحدث فورا!
+
توقعت أن يرفض، لكنه أومأ برأسه و قال يسبقها نحو غرفة المكتب:
+
-تعالي معي!
+
سارت معه متأججة، تركها تلج المكتب قبله، أغلق الباب بهدوء، و دعاها للجلوس على الأريكة، غير أنها آثرت الوقوف، و دون سابق إنذار، و دون أن تمنحه حتى مجالا ليجلس، صاحت بحدة:
+
-جد حلا سريعا لهذه المرأة، لأنني لن أستطيع تحملها في بيتنا!
+
لفتت انتباهه كلمة ”بيتنا“، غير أنه ركز على جوهر الحوار، و ثبت نظره على عينيها المشتعلتين مستفسرا:
+
-ما الذي جرى؟ لِمَ لا تستطيعين تحمل صديقتي؟
+
-صديقتك المبجلة بلغت بها جسارتها حد المطالبة بك!
+
لمعت عينا ألكسندروس كنجمتين ذهبيتين، بينما استطردت أندريا و هي تذرع الغرفة أمامه بجنون يظهر عليها للمرة الأولى:
+
-لو أنك رأيتها! حدقت في عيني بكل وقاحة... و طالبتني بزوجي... في بيتي!
+
لم تنتبه أنه اقترب منها، و تابعت تردد:
+
-إنها محظوظة لأنني لم أخرج من الغرفة حاملة رأسها على كتفي كإسبرطية لا ترحم!
6
كتم ألكسندروس ابتسامة داعبت شفتيه، و أمسك كتفيها ليثبتها في نقطة واحدة متمتما بلطف:
+
-اهدئي أندريا! ربما كانت تمازحك.
+
سكنت فجأة، و كالت إليه نظرة نارية و هي تقول:
+
-آه طبعا! من يعرفها أكثر منك؟ اعذرني! كدت أنسى أنها كانت صديقتك لعشرين سنة!
+
استلت نفسها من قبضته، و غادرته بعنف نحو غرفتها، ارتدت ثوب نوم ليلكي من الدانتيل الناعم، و قبعت على السرير جسدا مرتعشا مثيرا للشفقة، أخذتها ألف فكرة و عادت بها آلاف الأفكار، ماذا لو كان ألكسندروس هو الرجل الذي خانت كريستين زوجها معه؟ ماذا لو كان ألكسندروس الآن بين أحضانها في تلك الغرفة يعانقها و يعتذر عن الحرب التي شنتها زوجته على معشوقته الأمريكية؟ ماذا ؟ و ماذا؟ و ماذا؟ قفزت من السرير بوحشية و قررت أنها ستقتلع عيني كريستين من محجريهما إن صدقت تأويلات مخيلتها!
+
سمعت صوت محرك سيارة في الخارج، فاستغربت خروج ألكسندروس في منتصف الليل، لفت جسدها في عباءة ساترة و عقدتها جيدا حول خصرها، قصدت غرفة كريستين فذهلت، لا أثر لها و لا لحقائبها! نزلت السلالم بخفة معتقدة أن الشقراء الأمريكية اللعوب نالت مرادها و رحلت سارقة منها زوجها!
+
ركضت حافية عبر الصالون، فاوقعت شيئا ما بسبب الظلام، و في فوهة المدخل التقطتها ذراعان قويتان و احتجزتا جسدها المتعرق قبل أن تنجح في الخروج، وشوش صوت هامس في أذنها:
+
-ما خطبك أندريا؟
+
-ألكس! هذا أنت؟
+
أجل إنه ألكسندروس! لمست وجهه و عنقه لتتأكد أنه لم يرحل، و ضمته إلى صدرها عاجزة عن التمثيل أنها لا تهتم لأمره، شعرت بدقات قلبه القوية، و بيديه تتحركان على ظهرها بحنان، فاطمأنت! و حين ابتعدت عنه، وجد فرصة لينير أضواء الصالون، و قال بسخرية مرحة:
+
-بشحمه و لحمه!
+
تساءلت حائرة:
+
-أين هي كريستين؟
+
تهالك ألكسندروس على إحدى الأرائك البيضاء بتعب واضح، و أجاب و هو يفرك صدغيه كأنه يعاني صداعا رهيبا:
+
-طردتها.
5
وقفت أندريا بلا حراك، و بالكاد حركت لسانها قائلة:
+
-ماذا؟ طردت صديقتك!
+
أرسل نحوها نظرة ذابلة و جاء جوابه كموسيقى عذبة:
+
-لم أحظَ بعدك بأي صديقة من ذلك النوع يا أندريا.
1
خفق قلبها بعنف على إثر ذلك التصريح، و ما لبثت عذوبة صوته أن تحولت إلى لهجة استياء:
+
-أما بخصوص كريستين، فقد شعرت منذ وصولها أنها تخطط لمكيدة ما، لأنني أعرفها جيدا، و لم يكن أمامي سوى استضافتها بسبب أفضال السيد أوبري الكثيرة علي، رغم أن طليقها هيوز اتصل بي أمس و حذرني من مساعدتها، كل ما روته عن الرهانات أكاذيب، تأكد سانتوس منذ قليل من سبب الطلاق الحقيقي.
+
جلست أندريا قربه كأنها ترغب بمواساته و منحه دعم الزوجة، في حين مرر ألكسندروس أصابعه خلال شعره مضيفا:
+
-كانت كريستين تختلس من أموال هيوز، و ترسلها إلى حساب عشيقها منتظرة اللحظة التي تتطلق فيها، فتهرب معه خارج الولايات، لكن ذلك الرجل نصب لها فخا، و تنكر لها، فانتهى بها الأمر تحاول اصطياد يوناني على الجهة الأخرى من العالم!
+
تشابكت نظرتهما لثوان، فاعترف ألكسندروس محتضنا يدها برقة:
+
-كنت مضطرا لاستراق السمع بعد الشكوك التي راودتني حيالها!
+
اتسعت عيناها البنيتان، فهز رأسه مردفا:
+
-أجل! سمعت حواركما كاملا!
+
تذكرت أندريا أنه كان في الممر حين خرجت من غرفة كريستين كقنبلة موقوتة، و سمعته يعلق بلهجة دافئة خالية من أي سخرية:
+
-كنت زوجة شرسة جدا!
3
تلون وجه أندريا بحمرة خجل زادتها جمالا على جمال، و حاولت تغيير الموضوع دون أن تنظر في عينيه الثاقبتين:
+
-ماذا عن كريستين؟ إلى أين ستذهب الآن؟
+
أدهشه اهتمامها بامرأة مثلها، لكنه أجاب بهدوء:
+
-أخذها سانتوس إلى الفندق، سيعيدها غدا إلى بلادها و يجد لها سكنا لائقا هناك، و سيدفع التعويض عن خيانتها لهيوز، كنت سأفعل لأجل قريبة الرجل الذي تبناني أكثر من هذا... لو أنها لم تقلل من احترام سيدة بيتي!
3
وقع سحر تلك العبارة الأخيرة في أعماق أندريا محدثا أثرا قويا حرك أعطافها دفعة واحدة، و شعرت أن ربيعا تفتح في قلبها، دنا منها ألكسندروس ببطء مبعدا خصلات الشعر القاتمة المحيطة بوجهها، و طبع قبلة على خدها، أجل! لقد فعل ذلك، ألكسندروس قبَّل خدها بنعومة افتقدتها منذ ليلة الزفاف، انتفضت ذاكرتها محذرة! خشيت أن تتكرر تلك الحادثة، و أن يتهشم قلبها بين يديه مرة أخرى، و في لحظة خاطفة و باردة فرت من بين يديه إلى غرفتهما مرتجفة! انكمشت تحت اللحاف كمن يعاني نزلة برد قوية، و بكت، لم يهن عليها رغم شوقها إليه دخول عرين الألم و المذلة مرة أخرى، لكن عيناها ظلتا على ترقب ملتصقتين بالباب، و الغريب... أن ألكسندروس على غير عادته لم يأتِ طوال الليل!
+
نهاية الفصل الثاني عشر.
+