اخر الروايات

رواية متاهتنا الفصل الحادي عشر 11

رواية متاهتنا الفصل الحادي عشر 11 


الفصل الحادي عشر: دموع في عيون خبيثة!
                            

                                    
   غادرت نايومي و ابنتها الصغيرة خيوس بعد ثلاثة أيام، فجثم الحزن و الشوق فوق قلب أندريا، تعودت على ارتشاف القهوة و الدردشة مع أمها، و ألفت ثرثرة فيليبا حول الموضة و المنتجعات و حياة المشاهير.

+


   غمرها الفراغ حد الضجر، ألكسندروس يحتجز نفسه منذ الصباح الباكر في غرفة المكتب مع سانتوس يحضران لصفقة على ما يبدو، و نيكيتا مقيدة بأعمال المطبخ و تحضير العشاء. زفرت أندريا بسأم، و قررت أن تتسلى بهاتفها قليلا متفقدة الرسائل التي تصلها عادة من معجبيها.

+


   ابتسمت لتمنيات كثيرة بسماع صوتها قريبا في حفل ما، و ضحكت بشدة حين قرأت بعض الدعابات التي أرسلتها معجبة ظريفة، لكنها انتبهت على حين غرة لرسالة من شخص مجهول، يسمي نفسه السيد «آل»، و لا يضع صورة شخصية! كانت الرسالة حديثة و مختصرة: ”كيف حال نجمتي؟“.

2


   انقبض قلبها، لا أحد يناديها بتلك التسمية إلا ذلك المعجب المجهول، إذن اسمه آل! صممت على معرفة من يكون، فأسرعت بالكتابة له:

+


   -أنا بخير، عفوا! من أنت؟

+


   وصلتها رسالة أخرى مقتضبة بعد دقائق:

+


   -هذا لا يهم.

+


   لكن ذلك مهم بالنسبة لها، إنها لا تريد منه شيئا، لا تريد رسائله و لا هداياه. كتبت له ثانية:

+


   -أريد أن أعرف سبب تعلقك الشديد بي! بات الجميع يعلم أنني متزوجة.

+


   مضى على رسالتها تلك وقت طويل، و أخيرا أجابها بجرأة و وضوح:

+


   -لأنني أحبك و لا أنوي التخلي عنكِ!

6


   صدمها ذلك الاعتراف، حظرته من قائمة متابعيها، و أغلقت الهاتف متجهة إلى المطبخ لترتشف بعض الماء البارد، فسألتها نيكيتا بفضولها المعتاد عندما سقطت الكأس من بين يديها و انكسرت:

+


   -ما الخطب سيدتي؟

+


   -لا... لا شيء!

+


   هربت إلى غرفتها تاركة الخادمة تجمع قطع الزجاج بحيرة، و أغلقت على نفسها الباب مرتجفة، ليت ألكسندروس كان زوجا حقيقيا يهتم لأمرها فيبعد عنها كل من تسول له نفسه حتى النظر لصورتها بإعجاب!

+


   و بعد ساعة، طرقت نيكيتا الباب معلنة حلول موعد العشاء، فرفضت أندريا النزول، مرت ساعة أخرى و أخرى و هي عاجزة عن التخلص من حالة الاستياء التي تحيط بها، سمعت خطوات تقترب مجددا في الممر عند منتصف الليل، فصاحت أندريا بحدة:

+


   -لا أريد تناول شيء نيكيتا!

+


   اندفع الباب بقوة حتى ظنت أنه خُلع، و برز ألكسندروس بطوله الفارع و صدره العريض عابسا، لم تصدق عينيها و هي تراه يحمل صينية صغيرة، وضعها على الطاولة و أشار إلى الأريكة آمرا:

+


   -تعالي و كُلي كالبشر!

4


   شبكت أندريا ذراعيها و ضمت شفتيها كالأطفال مشيحة عنه، فإذا به يهجم عليها دون إنذار، رفعها بغير جهد كما لو كانت دمية بلاستيك، و وضعها فوق الأريكة، فصرخت به:

+



   -لا رغبة لي بالطعام!

+


   -أنا أيضا لا رغبة لي بمحادثة رجال القانون في هذه الساعة المتأخرة، لكن يبدو أنك ستضطرينني لذلك!

5


   غرزت أظافرها في الأريكة حانقة، و لم تجد مهربا من طاعته، تناولت لقمة بعد أخرى محاولة كبت دموعها، إنها تتمنى و لو لمرة واحدة ألا يفرض سيطرته عليها بهذا الشكل، أن يحترم شعورها، و يتركها لمشيئتها بسلام، إنه يكرهها، لِمَ سيهمه أن تتناول عشاءها أم لا؟

+


   وضعت أندريا الشوكة و السكين على الطبق الفارغ، و نظرت إليه قائلة بسخرية:

+


   -تمَّت المهمة سيدي، هل من أوامر إضافية؟

+


   جال فيها ببصر حاد، و رد بنبرة جارحة:

+


   -كان سيسعدني أن آمرك بالاستلقاء على هذا السرير و منحي بعض الحقوق، لكنني لا أشعر بأي رغبة في ذلك!

18


   لفتها برودة قاسية حين صفق الباب خلف جسده المغادر، رحل ألكسندروس تاركا طعنة غائرة في قلبها، منعت نفسها من البكاء بسببه، و راحت تذرع الغرفة طالبة الصمود من السماء، ستتصبَّر و تتمسك بالحكمة متبعة نصيحة أمها، ستتنفس بعمق، و ستتجاهل حقيقة أنه موجود معها في نفس البيت، إن كان يريد قتلها ببطء، فستحاربه بنفس السلاح!

+


   استيقظت أندريا مرهقة، أطرافها متشنجة، معدتها متقلبة، و مزاجها في أسوء حال ممكنة. طاف بصرها حولها مدركة أن ألكسندروس جاء كعادته متأخرا إلى الفراش، و يبدو أنه سبقها بترك الغرفة اليوم أيضا.
   تأففت أمام المرآة، هناك هالات سوداء أسفل عينيها، حجبتها بسرعة مستعملة خافي عيوب البشرة، و ابتسمت للنتيجة، هذا جيد! لن تفسح له المجال ليستنتج أنها تتعذب جراء معاملته.

+


   ارتدت ثوبا مشمشيا قصيرا عالي القبة، بظهر مثلثي منخفض، و من غير أكمام، مشطت شعرها بعناية، لترخيه على أحد كتفيها، ثم اختارت صندلا أسودا يماثل لون شعرها الطويل.

1


   غصَّ ألكسندروس بقهوته حين رآها تدق الأرضية الملساء بصندلها العالي، و قرأ في مشيتها الأنثوية و فستانها المغري و شعرها الطليق هجوما معاكسا لم يخطط له، تجهم وجهه، و سأل:

+


   -إلى أين؟

+


   -لا أنوي الخروج عزيزي!

+


   عزيزي؟ التفت يمينا و يسارا دون أن يلمح الخادمة، فلوى شفتيه معلقا:

+


   -نيكيتا بعيدة.

+


   -و ما دخل نيكيتا بنا؟

+


   راقبها بصمت و هي تصبُّ القهوة لنفسها، ثم تمد ذراعها بغنج نحو طبق الفراولة و التوت، التقطت بعد ذلك شريحة توست، و راحت تدهن فوقها الزبدة مهمهمة لحنا خافتا.

+


   عاملته كما لو كان شبحا لبقية اليوم، تجاهلت سخريته، و ابتسمت لكلماته الجارحة كأنها موجهة لشخص آخر، و جاهدت لتحافظ على ابتسامتها المصطنعة حتى تألم فمها! فكادت تسجل انتصارا عظيما عليه، لولا رنين جرس الباب المفاجئ!
   كانا وقتها في الصالون يتناولان القهوة الليلية، و على نحو غير متوقع، اقتحمت امرأة شقراء فاتنة عزلتهما بشهقات بكاء متواصلة، فوقف ألكسندروس تاركا الفنجان مندهشا، و كذلك فعلت زوجته.

1



        
          

                
   -كريستين!

+


   تمتم ألكسندروس مستغربا، و لحقت نيكيتا بالمرأة الباكية معتذرة من سيدها:

+


   -حاولت منعها من الدخول في هذا الوقت، لكنها دفعتني و...

+


   رفع ألكسندروس يده قائلا بتسامح:

+


   -لا بأس نيكيتا، إنها صديقتي.

1


   صديقته؟ مشطتها أندريا بعينين ضيقتين، و أقرت أن أثواب نومها الشفافة أكثر احتشاما من شبر الحرير الذهبي الذي ترتديه هذه المرأة، أجهشت كريستين ببكاء حاد و ارتمت في حضن زوج أندريا بانكسار قائلة:

+


   -ألكسندروس! أنا بحاجة لك أكثر من أي وقت مضى، لقد حلت كارثة على رأسي.

5


   عضت أندريا شفتها السفلى، و أوشكت على نتف شعرها الأشقر و حشرها في فرن نيكيتا الساخن! و ما آلمها و هز أعماقها حقا، أن زوجها ربت على ظهر صديقته بلطف مهدئا روعها، شكت أندريا أن كريستين هذه مجرد صديقة! ألهذا السبب ليس بحاجة للمسها؟ هل بسبب هذه الأمريكية الفاتنة لا يملك أدنى رغبة بها؟

+


   لم تفهم أندريا! إذا كانت في حياته امرأة بهذا الجمال الأمريكي الساحر فلِمَ لم يتخذها زوجة بدل رفيقة طفولته المنسية؟! سمعته يسأل الزائرة و هو يدعوها للجلوس مقدما لها بعض القهوة:

+


   -ماذا حدث؟ اشرحي لي الأمر بروية!

+


   -لقد... طلقني هيوز، أفلسنا بسبب تهوره في الرهان المتواصل على الأحصنة، و دار بيننا شجار عنيف، انتهى بطرده إياي من المنزل، مكثت لأسابيع عند قريبة لي بنيويورك، و تفاجأت برفعه قضية طلاق ضدي، و لأنني خنته سابقا، فقد كسبها، و انتهي بي الأمر مدينة له بتعويض ضخم.

8


   انفجرت في موجة بكاء أخرى، و أضافت بصوت متهدج:

+


   -أنا الآن مهجورة و معدمة... و بلا سقف أيضا... حتى قريبتي لم تتحمل وجودي مع زوجها و ولديها أكثر، فابتاعت لي التذكرة إلى اليونان بنفسها لتتخلص مني!

1


   غطت وجهها بيديها للحظات، ثم رفعت نظرها نحوه و قلبت شفتيها مستطردة:

+


   -لم يبقَ لي غيرك ألكسندروس، أرجوك قل أنك ستساعدني!

+


   ربت على كتفها بهدوء و قال:

+


   -بالطبع سأساعدك كريستين، اهدئي!

+


   لم تدرِ أندريا لِمَ لم تتأثر بتلك القصة المأساوية؟ شيء ما غامض و غير مريح يحيط بكريستين هذه، تفحصتها باهتمام و قلق، ثم أقسمت أنها لم ترَ حزنا حقيقيا، لم ترَ إلا جسدا يستعرض أنوثته، و دموعا في عيون خبيثة! و راحت كريستين هي الأخرى تتفحص أندريا بنظرات شائكة حين سحبها ألكسندروس إلى حضنه بنعومة و قدمها لها مبتسما:

+


   -هذه زوجتي أندريا، سترشدك إلى غرفة لتنامي و ترتاحي، و غدا سنرى ما يمكننا فعله لمعالجة مشكلتك.

+


   التفت مخاطبا زوجته برقة بالغة:

+


   -أندريا! كريستين بيرس صديقتي و ابنة أخت  تشارلز أوبري.

+


   أدركت أندريا بذهول أنها إذن قريبة الرجل الأمريكي الذي تبنى ألكسندروس، تابع زوجها قوله:

+


   -اهتمي بها حبيبتي!

+


   تحركت أندريا منفذة تعليماته كالمنوَّمة، نادت نيكيتا ملقية بعض الأوامر، ثم أشارت على كريستين لتتبعها عبر السلالم و هي تشعر أنها تستقبل أفعى في بيتها!

+


   تأملت كريستين غرفتها الجميلة بنفور غريب، و انتظرت مغادرة الخادمة التي رتبت أغراضها و فراشها بصبر فارغ، و ما إن همت أندريا بتركها على راحتها، حتى هتفت الأفعى كاشفة عن سمها:

+


   -سآخذه منك.

13


   -عفوا! لم أفهم قصدك كريستين، هل تريدين مني شيئا؟

+


   استدارت أندريا متسائلة بتعجب، فأجابت الأخرى بمكر:

+


   -أجل... أريد ألكسندروس!

12


نهاية الفصل الحادي عشر.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close